03.01.2015 Views

36069074

36069074

36069074

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

رسالة إلى ولدي<br />

٤<br />

يا بني!‏<br />

اعتادت أمك وأنت في مصر أن تشملك بعطفها،‏ وتغمرك برحمتها،‏ فتوفر لك كل ما<br />

تحتاجه من طعام وشراب ومنام،‏ فاعتمدت عليها في كل ذلك لا على نفسك.‏ ثم هي تسخ ِّ ر<br />

الخدم في غسل الصحون وما إلى ذلك،‏ فاعتدت الراحة واستسلمت إلى الترف،‏ وفررت<br />

من تحمل أي مسئولية.‏ فلما سافرت إلى لندن شعرت بعيب هذه التربية وأنها أفقدتك<br />

الاستقلال،‏ وتعودت عادات جديدة لم تكن لك من قبل،‏ فعهد إليك أن تغسل الصحون<br />

لنفسك،‏ وأن تحافظ على مواعيد الأكل في دقة ونحو ذلك،‏ ثم رأيت عادات جديدة لأمة<br />

جديدة،‏ فأنصحك أن تتحرى وتدقق التحري في عادات القوم الذين نزلت بينهم،‏ وتختار<br />

منها أحسنها،‏ وقد قرأت كتابًا في النظم الاجتماعية في إنجلترا لم أذكر مؤلفه اليوم،‏ فإذا<br />

ذكرته أرسلته إليك فاقرأه وكرر قراءته،‏ وتعر َّف عادات القوم واجتهد في أن تعتاد ما<br />

هو خري منها،‏ فالإنسان هو العادة،‏ والعادة تكو ِّن املخ تكوينًا خاصٍّ‏ ا،‏ ولو أن خبرتنا<br />

باملخ كافية لاستطعنا إذا نحن نظرنا إلى مخ إنسان لم نره من قبل أن نخبره بواسطة<br />

تركيبه وحجمه وشكله بصفات كثرية من صفاته،‏ وأن من خصائص املجموعة العصبية<br />

الذي أهمها املخ قابلية التشكل.‏ ومعنى أن الجسم قابل للتشكل أنه إذا اتخذ شكلاً‏<br />

جديدًا احتفظ به واستمر عليه،‏ كالورقة تثنيها فتحس شيئًا من مقاومتها،‏ فإذا ضغطت<br />

عليها اتخذت شكلاً‏ جديدًا واستمرت عليه حتى لا تعود إليه إذا بسطت وهكذا.‏ وكذلك<br />

الشأن في الأعصاب فكل عمل وكل فكر يشكلها بشكل خاص،‏ حتى إذا أريد منها أن<br />

تعمل العمل ثانيةً‏ أو تفكر التفكري ثانيةً‏ كان ذلك أسهل؛ لأن الأعصاب استعدت للعمل<br />

وتشكلت به،‏ كراكب الدراجة يجد صعوبة في ركوبها أول الأمر،‏ ويجد صعوبة في حفظ<br />

التوازن عليها،‏ فإذا استمر عليها واعتادها كان ذلك من أسهل الأمور،‏ ومن أراد التأليف<br />

صعب عليه التفكري أول الأمر،‏ فإذا اعتاده كان ذلك فيما بعد سهلاً‏ عليه.‏<br />

فمن خصائص العادة سهولة العمل املعتاد كتعل ُّم املشي للطفل،‏ فكم يقاسي في<br />

سبيل ذلك،‏ وكلما مشى وقع،‏ وقد يستغرق تعلمه املشي شهورًا،‏ يتعلم أولاً‏ كيف يقف،‏<br />

ثم يتعلم الارتكاز على رجل واحدة عند اتجاه الأخرى إلى الأمام،‏ ثم يتعلم تغيري الارتكاز<br />

من رجل إلى رجل حتى إذا اعتاد هذا كله كان يسريًا عليه.‏ وكالكلام فقد تقتضينا الكلمة<br />

استعمال عضلات الحلق والشفة واللسان،‏ وقد تقتضينا الكلمة الواحدة استعمال كل<br />

هذه العضلات،‏ فإذا اعتدناها وتمرنا عليها سهل علينا النطق،‏ وتكلمنا من غري شعور<br />

47

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!