31.03.2015 Views

مصادر الإسلام - Muhammadanism

مصادر الإسلام - Muhammadanism

مصادر الإسلام - Muhammadanism

SHOW MORE
SHOW LESS

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

ْ أَو نَتَوفيَنك،‏ فَإنمَا عَلَيْكَ‏ الْبَلاغُ،‏ وعَلَيْنَا الْحِسَابُ‏ <br />

وَإ‏ ما نُرِيَنكَ‏ بَعضَ‏ الذي نَعِدُهُمْ،‏<br />

سورة الرعد<br />

(١٣ /٤٠ :<br />

)<br />

<br />

Sources of Islam<br />

by<br />

Rev. William St. Clair-Tisdall<br />

www.muhammadanism.org<br />

November 12, 2004


٤<br />

٦<br />

٦<br />

٨<br />

٨<br />

١٤<br />

١٤<br />

١٤<br />

١٤<br />

١٦<br />

١٧<br />

٢١<br />

٢٥<br />

٣٠<br />

٣١<br />

٣٣<br />

٣٥<br />

٣٧<br />

٣٧<br />

٣٧<br />

٣٨<br />

٤٣<br />

٤٧<br />

٥٠<br />

٥١<br />

٥٤<br />

٥٤<br />

٥٥<br />

مقدمة<br />

الفصل األول<br />

<strong>مصادر</strong> اإلسالم حسب العلماء المسلمين<br />

الفصل الثاني<br />

تأثيرات عرب الجاھلية<br />

الفصل الثالث<br />

تأثيرات الصابئين واليھود<br />

الصابئون<br />

اليھود<br />

(١ً )<br />

)<br />

) (٣ً حكاية<br />

)<br />

(٥ً )<br />

(٦ً )<br />

)<br />

)<br />

الفصل الرَّابع<br />

قصة قايين وھابيل<br />

٢ً) قصة إنقاذ إبراھيم من نار نمرود<br />

ملكة سبإ وكيفية مجيئھا إلى سليمان<br />

٤ً) قصة ھاروت وماروت<br />

جبل سيناء<br />

اقتباسات أخرى<br />

٧ً) اللوح المحفوظ<br />

٨ً) جبل قاف<br />

تأثيرات الفرق النصرانية الھرطوقية<br />

)<br />

)<br />

)<br />

(٤ً )<br />

) (٥ً الميزان<br />

)<br />

الفصل الخامس<br />

١ً) قصة أصحاب الكھف<br />

٢ً) قصة مريم<br />

٣ً) قصة طفولية المسيح عيسى<br />

الفارقليط<br />

٦ً) صعود إبراھيم إلى السَّماء<br />

تأثيرات زارادشتية في القُرْ‏ آن والحديث<br />

) ١ً) قصة معراج مُحَ‏ مَّد<br />

- ٢ -


٦١<br />

٦٣<br />

٦٤<br />

٦٥<br />

٦٦<br />

٦٦<br />

٦٨<br />

٦٨<br />

٦٨<br />

٧١<br />

٧٢<br />

)<br />

)<br />

)<br />

)<br />

)<br />

٢ً) الجنة والحوريات<br />

٣ً) قصة خروج عزازيل من جھنم<br />

٤ً) نور مُحَ‏ مَّد<br />

٥ً) الكالم على الصراط<br />

٦ً) في ذكر قضايا قليلة مھمة<br />

ختام الكالم<br />

الفصل السَّادس<br />

تأثيرات الحُنفاء على اإلِسْ‏ الم<br />

) (١ً زيد<br />

)<br />

)<br />

٢ً) أوامر محمد المتعاقبة للحرب<br />

٣ً) المخلّص الذي وعد بھا إبراھيم<br />

[<br />

- ٣ -


بسم الھادي<br />

الحمد الذي ميَّز اإلنسان بالنُّطق والبيان،‏ وخصَّ‎ه بالعقل،‏ أشرف المواھب وأسماھا،‏<br />

وأجلّ‏ النِّعم وأسناھا،‏ وبه يتوصَّل إلى معرفة الرحمن الرحيم،‏ ويھتدي إلى المنھج القويم،‏ فيتمتع<br />

في اآلخرة بفردوس النعيم،‏ ويحظى بالسعادة الجليلة والنعم الجزيلة.‏ قال : أعددتُ‏ لعبادي<br />

الصالحين ما ال عين رأت،‏ وال أذن سمعت،‏ وال خطر على قلب بشر . فاللّھم اجعلنا من<br />

عبادك المختارين،‏ وھَبْنا من لدنك عقوالً‏ سليمة وأفكاراً‏ مستقيمة توصِّ‎لنا إلى الحق والحياة،‏<br />

لنفوز بنعيم الخلد والنجاة،‏ فقد مددنا إليك يد االستعانة وبخعنا إليك باالستكانة،‏ وأنت نِعم المولى<br />

ونِعم المعين.‏<br />

))<br />

((<br />

ال يخفى على ذوي األلباب المشھورين بالتحقيق،‏ أنّ‏ جمال األجسام السَّ‎ماو ‏ّية العجيب،‏<br />

ونظام الكائنات األرضية الغريب،‏ وترتيب الموجودات على ما نراه من اإلتقان واإلحكام،‏ لم<br />

يأتِ‏ من العدم إلى الوجود بدون سبب وعلَّة،‏ بل بالعكس،‏ فقد أوجدته يد المولى،‏ سبب األسباب<br />

وواجب الوجود،‏ البارئ القدير،‏ سبحانه.‏ فعلى القياس نفسه نقول إنّ‏ ك ‏ّل شي ‏ٍء،‏ سواء كان فعالً‏<br />

أو قوالً‏ أو فكراً،‏ ال ب ‏ّد أن يكون له سبب خاص؛ ال يمكن أن يحصل بدونه.‏ فال بدَّ‏ لألثر من مؤثِّر<br />

وللمعلول من عِلَّة والمسبِّب من سبب.‏ وبما أنّه توجد في ھذه ال ‏ّدنيا مذاھب شتى وأديان متنوعة<br />

مختلفة،‏ فمن الواضح أنّه البد أن يكون لك ‏ِّل دين في ھذه األديان ‏(حقيقيّ‎اً‏ كان أو كاذباً)‏ مصدر<br />

صدر منه،‏ كالمجرى الذي يصدر من الينبوع.‏ وبما أن كثيرين من البشر اعتقدوا بھذا الدين<br />

وجعلوه أساس رجائھم ومنتھى غايتھم،‏ رأيت أن أضع الصفحات التّالية،‏ مستعيناً‏ بقوة في<br />

البحث بدقَّ‎ة في <strong>مصادر</strong> اإلِسْ‎الم،‏ ألن اليھود والمسيحين لم يقبلوه،‏ بل قالوا إ ‏ّنھم بعد البحث<br />

والتدقيق لم يجدوا بيِّنات إلھية،‏ وأدلة قوية تؤيد صدقه.‏ أما المسلمون فكثيرون منھم يتمسَّ‎كون<br />

بدينھم ألنّھم وجدوا آبا ‏َءھم وأجدادھم عليه،‏ فاعتنقوه بدون بحث.‏ كما أ ‏ّن بعضھم رفضوه سراً‏ أو<br />

جھراً‏ ألنھم لم يجدوا من يستطيع أن يبرھن لھم صدق ما ورثوه عن آبائھم،‏ ولم يقنعھم أحدٌ‏ بأنّ‎ه<br />

الدين الحق الوحيد.‏<br />

وقد ألَّف بعض علماء المسلمين كتباً‏ مثل ميزان الموازين و حسام الشيعة وما<br />

شاكلھما،‏ ولكنھا لم تروِ‏ غليل المفكّر العاقل،‏ ألن أدلتھا ال تزيل الشبھات وال تدرأ المشاكل من<br />

عقل الباحث عن الحق.‏ لقد أظھر مؤلفو الكتب الدفاعيّ‎ة عن اإلِسْ‎الم غيرة عظيمة في تأييد<br />

ديانتھم،‏ وبذلوا الجھد ليدحضوا اعتراضات من طعنوا في أدلته،‏ ولكن معلوماتھم لم تكن قدر<br />

غيرتھم المحمودة.‏<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

لھذا رأيتُ‏ أن أبحث وأدقِّق في أركان اإلِسْالم وأساساته و<strong>مصادر</strong>ه مستعيناً‏ با سبحانه.‏<br />

ومع اعترافي بالعجز والتقصير،‏ فقد بذلت الجھد المستطاع في البحث والتحقيق،‏ وأتيت بنتيجة<br />

تحقيقاتي في ھذا الكتاب ليتأمل فيھا القارئ،‏ راجياً‏ أن يستفيد منه كل من طالعه باالنتباه<br />

- ٤ -


والتروي،‏ فيتأكد من معرفة <strong>مصادر</strong> اإلِسْ‏ الم وأصل ھذا النھر العظيم الذي فاضت مياھه في كثير<br />

من اآلفاق.‏<br />

<br />

- ٥ -


!+<br />

<strong>مصادر</strong> اإلسالم حسب العلماء المسلمين<br />

قال علماء اإلِسْالم إن أنزل دينھم بأجمعه على مُحَ‏ مَّ‏ ‏ٍد،‏ فجعلوا بنيان الديانة اإلِسْ‎المية<br />

وأساسھا على حقيقة رسالته،‏ واعتبروا من أنكر نبوَّ‏ ة مُحَ‏ مَّد،‏ ورسالته عدواً‏ كافراً،‏ ألنھم يرون<br />

أن إنكار ذلك يعني استئصال ديانتھم.‏ وقرروا أن أركان الدين الصحيح أربعة،‏ ھي:‏ القُرْ‏ آن،‏<br />

و(‏‎٢‎‏)‏ الحديث،‏ و(‏‎٣‎‏)‏ اإلجماع،‏ و(‏‎٤‎‏)‏ القياس.‏ وال لزوم للكالم عن الركنين الثالث والرابع،‏ ألنھما<br />

لن يتناقضا مع القُرْ‏ آن واألحاديث.‏<br />

(١)<br />

ومن المؤسف أن المسلمين لم يتفقوا على األحاديث الصحيحة،‏ فاألحاديث التي يعتبرھا<br />

أھل السُّنة صحيحة تختلف عن األحاديث التي يتمسَّ‎ك بھا الشيعة والوھابيون.‏ ومن المعلوم أن<br />

األحاديث المعتبرة عند الشيعة ھي الواردة في كتب:‏ الكافي ألبي جعفر مُحَ‏ مَّ‎د<br />

ھ)،‏ و(‏‎٢‎‏)‏ من ال يستحضره الفقيه للشيخ علي (٣٨١ ھ)،‏ و(‏‎٣‎‏)‏ االستبصار للمؤلف<br />

ذاته،‏ و(‏‎٤‎‏)‏ نھج البالغة للسيد الرضى ھ).‏ لكن أھل السُّ‎نة لم يعتمدوا على ھذه<br />

الكتب،‏ بل اعتمدوا على ستة كتب أخرى وھي:‏ (١) الموطأ ألنس بن مالك (٢)<br />

أبي داود سليمان (٥) الجامع<br />

السنن لمُحَ‏ مَّد بن يزيد بن ماجة القزويني.‏ ولكن علماء اإلِسْ‎الم أجمعوا على أن القُ‎رْ‏ آن ھو<br />

الوحي المتلو،‏ واألحاديث ھي الوحي غير المتلو.‏ ومن القواعد المقررة أنه إذا خالف الحديث آية<br />

من آيات القُرْ‏ آن،‏ وجب رفض الحديث،‏ ألنھم يعتبرون القُرْ‏ آن كالم . غير أن فائدة األحاديث<br />

ھي بيان غوامض القُرْ‏ آن وتوضيح ما أُشكل والتبس منه.‏ مثالً‏ ورد في سورة اإلسراء<br />

سُبْحَ‏ انَ‏ الَّذِي أَسْ‏ رَ‏ ى بِعَبْدِهِ‏ لَيْالً؛ مِّنَ‏ الْمَسْ‏ جِدِ‏ الْحَ‏ رَ‏ امِ‏ إِلَى الْمَسْ‎جِدِ‏ األَقْصَ‎ى . فيلزم لفھم ھذه<br />

اآلية مراجعة األحاديث،‏ فھي توضح معنى المعراج وتشرحه كما ھو معروف عند علماء<br />

اإلِسْ‎الم.‏ وكذلك لوال الحديث ما فھم أحدٌ‏ معنى فاألحاديث ھي التي أوضحت أن<br />

الحرف اسم جبل.‏ ولھذا عزمنا،‏ طلباً‏ لالختصار،‏ على أالَّ‏ نورد في ھذا الكتاب شيئاً‏<br />

يختصُّ‏ ب<strong>مصادر</strong> اإلِسْ‏ الم من عقيدة إِسْالمية أو تعليم،‏ إال ما كان له أصل وأساس في القُرْ‏ آن ذاته،‏<br />

ويكون قد ورد له تفسير وشرح في األحاديث المشھورة المتواترة بين كل المسلمين،‏ سواء كانوا<br />

من أھل السنة أو الشيعة،‏ ألننا نريد أن تعمَّ‏ فوائد كتابنا ھذا بين كل المسلمين،‏ وأن نسھِّل تداوله<br />

بين أھل السنة وأھل الشيعة.‏<br />

٣٢٩)<br />

((<br />

))<br />

((<br />

(( صحيح<br />

للترمذي (٦)<br />

(١ :١٧)<br />

((<br />

<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

١<br />

))<br />

.<br />

(١)<br />

))<br />

)) ق ((<br />

٤٠٦)<br />

((<br />

((<br />

((<br />

(( مسلم (٤) )) سُنن<br />

))<br />

))<br />

البخاري (٣) (( صحيح<br />

)) ق ((<br />

((<br />

وقد اتفق علماء اإلِسْ‏ الم على أن القُ‎رْ‏ آن ھو كالم ، كتبه سبحانه في اللوح المحفوظ<br />

قبل العالمين.‏ ومع أنه حصلت في خالفة المأمون وبعد خالفته مشاحنات حامية بخصوص قِ‎دَم<br />

القُرْ‏ آن مما ال لزوم إلى ذكره ھنا إال أن المسلمين أجمعوا على أن القُ‎رْ‏ آن ليس من تألي ‏ٍف<br />

بشري،‏ بل قد أنزله كله على مُحَ‏ مَّد بواسطة جبريل.‏ وقال ابن خلدون تأييداً‏ لھذا:‏ إنَّ‏ القُرْ‏ آن<br />

نزل بلغة العرب على أساليب بالغتھم،‏ وكانوا كلّھم يفھمونه ويعلمون معانيه من مفرداته<br />

وتراكيبه،‏ وكان ينزل جُمالً‏ جمالً،‏ وآيات آيات،‏ لبيان التوحيد والفروض الدينية بحسب الوقائع،‏<br />

))<br />

١<br />

وھو اسم السورة رقم<br />

في القُرْ‏ آن.‏ ٥٠<br />

- ٦ -


))<br />

١<br />

.((<br />

ومنھا ما ھو في العقائد اإليمانيّة،‏ ومنھا ما ھو في أحكام الجوارح وقال أيضاً:‏ ويدلُّك ھذا<br />

كله على أنّ‏ القُ‎رْ‏ آن بين الكتب اإللھية إنما تلقاه نبيُّنا صلوات وسالمه عليه متلوّ‏ اً‏ كما ھو<br />

بكلماته وتراكيبه،‏ بخالف التوراة واإلنجيل،‏ وغيرھما من الكتب السَّماو ‏ّية،‏ فإن األنبياء يتلقونھا<br />

في حال الوحي معاني،‏ ويعبّرون عنھا بعد رجوعھم إلى الحالة البشرية بكالمھم المعتاد لھم،‏<br />

٢<br />

ولذلك لم يكن فيھا إعجاز)).‏<br />

وقد اعتمد علماء اإلِسْ‏ الم في اعتقادھم بأن القُ‎رْ‏ آن أنزله في آيات قرآنية،‏ مثل:‏ <br />

قُ‏ ‏ِل:‏ ّ ِ شَھِيدٌ‏ بِيْنِي وَ‏ بَيْنَكُمْ،‏ وَ‏ أُوحِيَ‏ إِلَيَّ‏ ھَذَا القُرْ‏ آن ألُنذِرَ‏ كُم بِ‎ ‏ِه فمن ھذا يتَّضح أن القُ‎رْ‏ آن<br />

يقول إنّه ليس تصنيف مُحَ‏ مَّد،‏ وليس مجموعاً‏ من تأليف البشر،‏ بل ھو كالم تماماً‏ وكليةً،‏ نزل<br />

على مُحَ‏ مَّ‏ ‏ٍد من السَّماء في ليلة القدر إِنَّا أَنزَ‏ لْنَاهُ‏ فِي لَيْلَةِ‏ الْقَدْ‏ ‏ِر فإذا قبلنا ھذا الشرح والبيان<br />

وجب االعتراف بأنّ‏ مصدر القُرْ‏ آن الوحيد وأصل الدين اإلِسْ‏ المي ھو رب العالمين،‏ وليس له<br />

مصدر خالف ذلك.‏ فإذا أمكن بالبحث والتحقيق إقامة الدليل أن أكثر القُرْ‏ آن وأغلب عقائده أُخذت<br />

من األديان األخرى،‏ ومن الكتب التي كانت موجودة في أيام مُحَ‏ مَّد وال تزال موجودة حتى اآلن،‏<br />

ينھار أساس اإلِسْ‏ الم.‏ وبما أن بعض المعترضين أكَّدوا أنه في استطاعتھم إقامة األدلة والبراھين<br />

على ذلك،‏ وجب على ك ‏َّل باحث عن الحق،‏ وعلى كل مسلم حقيقي أن يبحث في ھذه القضية<br />

الھامة،‏ ليعرف:‏ ھل قول المعترضين صدق أم كذب؟ ألنه إذا استطاع دحض اعتراضھم أثبت<br />

صِ‏ دق دين اإلِسْ‏ الم وأنه من عند . ولھذا السبب عزمنا على البحث في االعتراضات،‏ وفي<br />

تحقيق دعاوي من ذھب إلى أن كثيراً‏ من تعاليم القُ‎رْ‏ آن وعقائد اإلِسْ‎الم مأخوذ ومقتبس من<br />

األديان األخرى،‏ ومن الكتب السابقة على القُرْ‏ آن.‏<br />

٣<br />

٤<br />

.<br />

.<br />

\<br />

<br />

١<br />

٢<br />

٣<br />

٤<br />

ابن خلدون ج<br />

ابن خلدون ج<br />

سورة األنعام:‏<br />

سورة القدر:‏<br />

ص،‏<br />

ص،‏<br />

.٣٩١ ٢<br />

١٧١ ١<br />

.١٩ /٦<br />

.١ /٩٧<br />

و‎١٧٢‎‏.‏<br />

- ٧ -


ُ<br />

ُ<br />

@+<br />

تأثيرات عرب الجاھليّ‏ ‏ّية<br />

<br />

قال المعترضون إنّه بما أن مُحَ‏ مَّداً‏ كان قد عزم على إنقاذ العرب وتحريرھم من عبادة<br />

األصنام وھدايتھم إلى عبادة ، وبمّ‎ا أنّ‎ه كان يعرف أ ‏ّنھم كانوا في زمن إبراھيم مؤمنين<br />

بوحدانية ، وبما أنھم حافظوا على كثير من العادات والفروض بطريق التوارث عن آبائھم<br />

األتقياء،‏ فإنه لم يُلزِ‏ مھم أن يتركوھا كلھا،‏ بل بذل الجھد في إصالح ديانتھم،‏ وإبقاء كل عادة<br />

قديمة رأى أنھا موافقة ومناسبة.‏ فقال:‏ وَ‏ مَنْ‏ أَحْ‏ سَنُ‏ دِينً‎ا مِّمَّ‎نْ‏ أَسْ‎لَمَ‏ وَ‏ جْ‏ ھَ‎هُ‏ ، وَ‏ ھُ‎وَ‏ مُحْ‏ سِ‏ نٌ‏ ،<br />

ُ إِبْ‎رَ‏ اھِيمَ‏ خَ‏ لِ‎يالً‏ وقال:‏ قُ‎لْ:‏ فَ‎اتَّبِعُواْ‏ مِلَّ‎ةَ‏<br />

واتَّبَعَ‏ مِلَّ‎ةَ‏ إِبْ‎رَ‏ اھِيمَ‏ حَ‏ نِيفً‎ا،‏ وَ‏ اتَّخَ‎ذَ‏ ّ<br />

إِبْرَ‏ اھِيمَ‏ حَ‏ نِيفًا،‏ وَ‏ مَا كَانَ‏ مِنَ‏ الْمُشْرِ‏ كِي ‏َن وقال:‏ قُلْ:‏ إِنَّنِي ھَدَانِي رَ‏ بِّ‎ي إِلَ‎ى صِ‏ رَ‏ اطٍ‏ مُّسْ‏ تَقِيمٍ،‏<br />

دِينًا قِيَمًا؛ مِّلَّةَ‏ إِبْرَ‏ اھِيمَ‏ حَ‏ نِيفًا،‏ وَ‏ مَا كَانَ‏ مِنَ‏ الْمُشْرِ‏ كِينَ‏ وبما أن مُحَ‏ مَّداً‏ ظن أ ‏ّن العرب حافظوا<br />

من عصر إبراھيم على جميع عاداتھم وفروضھم،‏ ما عدا عبادة األصنام والشِ‎رك ووأد البنات<br />

واألطفال وما شاكل ذلك من العادات الكريھة،‏ أبقى كثيراً‏ من ھذه العادات الدينية واألخالقية في<br />

ديانته وحافظ عليھا.‏<br />

، ّ صَ‎دَقَ‏ <br />

١<br />

٣<br />

،<br />

.<br />

<br />

٢<br />

،<br />

٤<br />

ومعروفٌ‏ أن بعض قبائل جنوب بالد العرب وشرقيھا اختلطوا مع نسل حام بن نوح،‏<br />

وقال ابن ھشام والطبري وغيرھما،‏ إن كثيرين من سكان جھات بالد العرب الشمالية والغربية<br />

تناسلوا من سام بن نوح،‏ وبعضھم تناسل من قحطان ‏(يقطان)،‏ وبعضھم تناسل من أوالد قطورة<br />

زوجة إبراھيم الثانية،‏ وتناسل البعض اآلخر ‏(ومنھم قبيلة قريش)‏ من إسماعيل بن إبراھيم.‏ وال<br />

ينكر أحدٌ‏ أ ‏َّن جميع القبائل التي تناسلت من ذرية سام كانوا يؤمنون بوحدانية . ولكن مع مرور<br />

العصور أخذوا الشرك وعبادة األصنام من القبائل السّ‎ورية وسكان الجھات المجاورة لھم،‏<br />

وأفسدوا ديانة أسالفھم،‏ وفسدوا ھم أنفسھم.‏ ومع ذلك،‏ لما نسيت جميع األمم األخرى ‏(ما عدا<br />

اليھود)‏ وحدانية ، كان سكان الجھات الشّ‎مال ‏ّية والغربيّ‎ة من شبه الجزيرة العربية متمسكين<br />

بالوحدانية تمسكاً‏ راسخاً.‏ واألرجح أنّ‏ دخول عبادة الشمس والقمر والكواكب بين سكان تلك<br />

الجھات بدأ في عصر أيوب.‏ وقال ھيرودوت،‏ أشھر مؤرخي اليونان ‏(نحو ٤٠٠ ق م)‏ إنَّ‏<br />

العرب سكان تلك الجھات كانوا يعبدون معبودين فقط،‏ ھما أُرُتال و((‏ أإلالت وقصد<br />

ھيرودوت بالمعبود أُرُتال ، فإن ھذا ھو اسمه الحقيقي.‏ ومع أن ھيرودوت زار بالد<br />

العرب،‏ إال أنه كان أجنبياً،‏ فلم يتيسَّر له ضبط ھذا االسم،‏ فحرَّفه لجھله باللغة العربية وتھجئتھا<br />

والنطق بھا.‏ ومن األدلة القوية الدالة على أن ھذه التسمية ‏(أي ) كانت مشھورة ومنتشرة بين<br />

العرب قبل زمن مُحَ‏ مَّ‏ ‏ٍد،‏ أنه كثيراً‏ ما ذُكر اسم في سبع معلَّقات العرب ‏(وھي تأليف مشاھير<br />

شعراء العرب قبل مولد مُحَ‏ مَّ‏ ‏ٍد،‏ أو على األق ‏ِّل قبل بعثته)‏ فقد ورد في ديوان النابغة ما ن ‏ّصه:‏<br />

٥<br />

.<br />

((<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

لَھُم شيمةٌ‏ لَمْ‏ يُعطھا<br />

غَيرَ‏ ھُمْ،‏ ّ<br />

من الجودِ‏ ، و األحالمُ‏ غيرُ‏ عوازِ‏ ب<br />

١<br />

٢<br />

٣<br />

٤<br />

٥<br />

سورة النساء:‏<br />

سورة آل عمران:‏<br />

سورة األنعام:‏<br />

أيوب <br />

تاريخ ھيرودوت،‏ كتاب<br />

.١٢٥ /٤<br />

.٩٥ /٣<br />

.١٦١ /٦<br />

.٢٨ ٢٦ :٣١<br />

.٨ فصل ،٣<br />

- ٨ -


ُ<br />

ُ<br />

َ<br />

َ<br />

ذات مَحَلَّتَھُم<br />

اإلِلهُ‏ و دينھ ‏ْم<br />

قويمٌ‏ فما يَرْ‏ جُو ‏َن<br />

غيرَ‏ العَواقِ‏ ‏ِب<br />

وأيضاً:‏<br />

ألم تَرَ‏ أَ‏ ‏َّن<br />

فإِنَّكَ‏ شمسٌ‏<br />

َّ<br />

أَعطَاكَ‏ سُور ‏ًة<br />

، و المَلوكُ‏ كَواكُبٌ‏ ،<br />

ترى كُلَّ‏ مَلْكٍ‏ ، دونھا ، يَتَذَبذَ‏ ‏ُب<br />

إِذا طَلَعَتْ‏ لم يَبدُ‏ مِنھنَّ‏ كوك ‏ُب<br />

وأيضاً:‏<br />

و نَحنُ‏ لَدَيه،‏ نسأ ‏ِل َّ خُلدَهُ‏ ،<br />

وَ‏ نَحن نُرَ‏ جَّى الخُلدَ‏ إِنْ‏ فاز قِدحنا ،<br />

يَرُدَّ‏ لنا مُلكاً‏ ولألَرْ‏ ضِ‏ عَا ‏ِمرَ‏ ا<br />

و نَرَ‏ ھَب قِدْ‏ حَ‏ الموتِ‏ إنْ‏ جاءَ‏ قامِراً‏<br />

وقال لبيد في ديوانه:‏<br />

لَعَمرُكَ‏ ما تدري الضَواربِ‏ بالحَ‏ صى<br />

وَ‏ ال زاجِراتُ‏ الطَّيرِ‏ ما<br />

صانِعُ‏ َّ<br />

١<br />

وقد كانت الكعبة من قديم األيام أقدس مسجد عند جميع قبائل العرب.‏ قال ثيودور<br />

الصقلي،‏ أحد مؤرخي اليونان ‏(نحو ٦٠ ق م)‏ إن العرب كانوا يعتبرون الكعبة في ذلك الوقت<br />

مسجداً‏ مقدساً.‏ وكان يطلق على ھذا المقدس . ويُستدل من دخول أداة التعريف<br />

على لفظ الجاللة أن العرب لم ينسوا عقيدة وحدانية ، وأنه كان عندھم كثير من المعبودات،‏<br />

حتى أطلق عليھم القُرْ‏ آن بسببھا اسم المشركين ألنھم أشركوا مع غيره من المعبودات<br />

وعبدوھا،‏ وظنوا أنّھا شريكة معه في اإلكرام والعبادة.‏ ولكنھم كانوا يقولون ال نعبد ھذه<br />

المعبودات الثانوية كما نعبد الحي ‏(الذي ھو ) بل بالعكس إنّا نعتبرھم شفعاء،‏ ولنا الرجاء<br />

أنْ‏ نستميل بشفاعتھم الحقيقي إلجابة طلباتنا.‏ وقال الشھرستاني:‏ إنّ‏ العرب كانوا يقولون:‏<br />

الشفيع والوسيلة منّا إلى تعالى ھم األصنام المنصوبة،‏ فيعبدون األصنام التي ھي الوسائل<br />

ومن األدلة على أن عبَدة األصنام كانوا يعتقدون بھذا،‏ ما ورد في كتاب المواھب اللدنية<br />

قدِم نفرٌ‏ من مھاجري الحبشة حين قرأ مُحَ‏ مَّ‎د وَ‏ النَّجْ‏ مِ‏ إِذَا ھَ‎وَ‏ ى حتى بلغ أَفَ‎رَ‏ أَيْتُمُ‏<br />

الالَّتَ‏ وَ‏ الْعُ‎زَّ‏ ى،‏ وَ‏ مَنَ‎اةَ‏ الثَّالِثَ‎ةَ‏ األُخْ‏ رَ‏ ى ألقى الشيطان في أمنيته ‏(أي في تالوته)‏ تلك<br />

الغرانيق العُلى،‏ وإن شفاعتھنَّ‏ لتُرتجي ؛ فلما ختم السورة سجد ‏(ص)‏ وسجد معه المشركون<br />

لتوھُّمھم أنه ذكر آلھتھم بخير.‏ وفشى ذلك بالناس وأظھره الشيطان حتى بلغ أرض الحبشة،‏ ومَن<br />

بھا مِن المسلمين:‏ عثمان بن مظعون وأصحابه،‏ وتحدثوا أنَّ‏ أھل مكة قد أسلموا كلھم وصلوا<br />

معه ‏(ص)‏ وقد أمِن المسلمون بمكة،‏ فأقبلوا سِ‏ راعاً‏ من الحبشة<br />

((<br />

))<br />

<br />

))<br />

٣<br />

<br />

))<br />

.<br />

((<br />

((<br />

بيت <br />

<br />

((<br />

))<br />

٤<br />

<br />

((<br />

))<br />

))<br />

:<br />

٢<br />

.<br />

((<br />

وذكر ابن إسحق،‏ وابن ھشام،‏ والطّبري وكثيرون غيرھم من مؤرخي اإلِسْ‏ الم ھذه<br />

الحكاية أيضاً،‏ وأيدھا يحيى،‏ وجالل الدين،‏ والبيضاوي في تفاسيرھم لسورة الحج<br />

وَ‏ مَا أَرْ‏ سَلْنَا مِن قَبْلِكَ‏ مِن رَّ‏ سُولٍ‏ وَ‏ الَ‏ نَبِيٍّ‏ إِالَّ‏ إِذَا تَمَنَّى،‏ أَلْقَ‎ى الشَّ‎يْطَانُ‏ فِ‎ي أُمْنِيَّتِ‎هِ‏ فَيَنسَ‎خُ‏ َّ مَ‎ا<br />

يُلْقِي الشَّيْطَانُ‏ وقال الشھرستاني بخصوص مذاھب قدماء العرب وعاداتھم:‏<br />

(٥٢ /٢٢)<br />

. <br />

١<br />

٢<br />

٣<br />

٤<br />

تاريخ ثيودور الصقلي كتاب<br />

الملل والنحل،‏ ص<br />

سورة النجم:‏<br />

سورة النجم:‏ و‎٢٠‎‏.‏<br />

.٣<br />

.١٠٩<br />

.١ /٥٣<br />

١٩ /٥٣<br />

- ٩ -


))<br />

والعرب الجاھلية أصناف:‏ فصنفٌ‏ أنكروا الخالق والبعث،‏ وقالوا بالطبع<br />

المحيي والدھر المفني،‏ كما أخبر عنھم التنزيل.‏ وقالوا:‏ ما ھي إال حياتنا<br />

الدنيا نموت ونحيا.‏ وقوله:‏ وَ‏ مَ‎ا يُھْلِكُنَ‎ا إِالَّ‏ الدَّھْ‏ ‏ُر وصِ‏ نفٌ‏ اعترفوا<br />

بالخالق وأنكروا البعث،‏ وھم الذين أخبر عنھم بقوله:‏ أَفَعَيِينَ‎ا بِ‎الْخَ‏ لْقِ‏<br />

األوَّ‏ ‏ِل؛ بَلْ‏ ھُمْ‏ فِي لَ‎بْسٍ‏ مِّ‎نْ‏ خَ‏ لْ‎قٍ‏ جَ‏ دِي ‏ٍد وصنفٌ‏ عبدوا األصنام وكانت<br />

أصنامھم مختصة بالقبائل،‏ فكان وُ‏ دٌّ‏ لكلب،‏ وھو بدومة الجندل،‏ وسُواع لھذيل،‏<br />

ويغوث لمَذْ‏ حَ‏ ج ولقبائل من اليمن،‏ ونسر لذي الكالع بأرض حمير،‏ ويَعوق<br />

لھمذان،‏ والالّت لثقيف بالطائف،‏ والعُ‎زَّى لقريش وبني كنانة،‏ ومناة لألوس<br />

والخزرج،‏ وھُبَل أعظم أصنامھم.‏ وكان ھُبل على ظھر الكعبة،‏ وكان أساف<br />

ونائلة على الصَّفا والمروة.‏ وكان منھم من يميل إلى اليھود،‏ ومنھم من يميل<br />

إلى النّصران ‏ّية،‏ ومنھم من يميل إلى ال ‏ّصابئة،‏ ويعتقد في أنواء المنازل اعتقاد<br />

المنجِّمين في الكواكب حتى ال يتحرك إال بنوء من األنواء،‏ ويقول أمطرنا<br />

بنوء كذا.‏ وكان منھم من يعبد المالئكة،‏ ومنھم من يعبد الجن.‏ وكانت علومھم<br />

علم األنساب،‏ واألنواء،‏ والتّواريخ،‏ وتفسير األحالم،‏ وكان ألبي بكر الصّ‎ديق<br />

فيھا يدٌ‏ طولى<br />

<br />

١<br />

. <br />

٢<br />

. <br />

))<br />

.<br />

((<br />

))<br />

وكانت الجاھلية تفعل أشياء جاءت شريعة اإلِسْ‏ الم بھا،‏ فكانوا ال ينكحون<br />

األمھات والبنات.‏ وكان أقبح شيء عندھم الجمع بين األختيْن،‏ وكانوا يعيبون<br />

المتزوّ‏ ج بامرأة أبيه ويسمونه الضيزن . وكانوا يحجّ‎ون البيت،‏<br />

ويعتمرون،‏ ويحرمون،‏ ويطوفون،‏ ويسعون،‏ ويقفون المواقف كلھا،‏ ويرمون<br />

الجمار.‏ وكانوا يكبسون في ك ‏ِّل ثالثة أعوام شھراً.‏ ويغتسلون من الجنابة.‏<br />

وكانوا يداومون على المضمضة،‏ واالستنشاق،‏ وفرق الرأس،‏ والسواك،‏<br />

واالستنجاء،‏ وتقليم األظافر،‏ ونتف اإلبط،‏ وحلق العانة،‏ والختان،‏ وكانوا<br />

يقطعون يد السارق اليمنى<br />

((<br />

٣<br />

.<br />

((<br />

))<br />

((<br />

.<br />

))<br />

((<br />

قال ابن إسحاق،‏ وابن ھشام إن ذرية إسماعيل كانوا أوالً‏ يعبدون الواحد،‏ وال<br />

يشركون معه أحداً،‏ ثم سقطوا في عبادة األصنام.‏ ومع ذلك فقد حافظوا على كثير من العادات<br />

والفروض التي كانت في أيام إبراھيم،‏ فلم ينسوا أنّ‏ كان أرفع من معبوداتھم،‏ بل أنّ‎ه ھو<br />

الحاكم والمتسلط عليھا جميعاً.‏ وذُكر في سيرة الرسول:‏<br />

خَلَ‎ف الخُلُ‎وف،‏ ونَسَ‎وُ‏ ا ما كانوا عليه،‏ واستبدلوا بدين إبراھيم وإسمعيل<br />

غيرَ‏ ه،‏ فعبدوا األوثان وصاروا إلى ما كانت عليه األمم قَ‎بْلَھم من الضالالت،‏<br />

و فيھم على ذلك بقايا من عھد إبراھيم يتمسَّ‎كون بھا،‏ من تعظيم البيت،‏<br />

والطواف به،‏ والحجّ‏ والعمرة،‏ والوقوف على عرفة والمزدلفة وھَ‎دَى البُ‎دن،‏<br />

واإلھالل بالحجّ‏ والعُمرة،‏ مع إدخالھم فيه ما ليس منه.‏ فكانت كنانة وقريش<br />

إذا أھلُّوا قالوا:‏ لَبيَّك اللّھم لبيَّك،‏ لَبيَّك ال شريك لكَ،‏ إال شريك ھو لك،‏ تملكه<br />

وما مَلَك . فيوحدّنه بالتلبية،‏ ثم يُدخْ‏ لون معه أصنامَھم،‏ ويجعلون مِلْكَھا بيده<br />

.٢٤ /٤٥<br />

.١٥ /٥٠<br />

١<br />

٢<br />

٣<br />

سورة الجاثية:‏<br />

سورة ق:‏<br />

من كتاب الملل والنحل للشھرستاني.‏<br />

- ١٠ -


ُ<br />

،<br />

<br />

وذكر في القُرْ‏ آن قوله:‏ إِنَّ‏ رَ‏ بَّكُمُ‏ ّ الَّذِي خَ‏ لَقَ‏ السَّمَاوَ‏ اتِ‏ وَ‏ األَرْ‏ ضَ‏ فِي سِ‏ تَّةِ‏ أَيَّ‎ا ‏ٍم،‏ ثُ‎مَّ‏<br />

اسْ‏ تَوَ‏ ى عَلَى الْعَرْ‏ شِ‏ يُ‎دَبِّرُ‏ األَمْ‎رَ‏ ؛ مَ‎ا مِ‎ن شَ‎فِيعٍ‏ إِالَّ‏ مِ‎ن بَعْ‏ دِ‏ إِذْ‏ نِ‎ ‏ِه.‏ ُ رَ‏ بُّكُ‎مْ‏ فَاعْ‏ بُ‎دُوهُ‏ أَفَ‎الَ‏<br />

تَذَكَّرُونَ‏ فالواضح من ھذا أن العرب في أيام الجاھلية كانوا يعبدون بشفاعة العزّى،‏<br />

و ‏ُمناة،‏ والالّت.‏ وحينئذ يصدق على العرب الوثنيين ال مسلمي ھذا الزمان قول القُ‎رْ‏ آن إنھم<br />

مشركون.‏ فينتج من ذلك أن سكان بالد العرب حافظوا على عبادة إلى عصر مُحَ‏ مَّ‎د،‏<br />

واعترفوا بوحدانيته.‏ وبناءً‏ على ذلك يقول المعترضون إنّ‏ مُحَمَّ‎داً‏ أخذ ھذه العقيدة من قومه<br />

وتعلمھا من جدوده وأسالفه،‏ ويتضح من اسم والده واسم ابن أخيه<br />

الوارد فيھما لفظ الجاللة بأداة التعريف ‏(وھي داللة على الوحدانية)‏ ‏ّن ھذه العقيدة الشريفة<br />

كانت معروفة قبل بعثة مُحَ‏ مَّ‎د،‏ وأن الديانة اإلِسْ‏ المية أخذت عادات الطواف،‏ واإلھالل،‏<br />

واإلحرام،‏ وغيرھا كثيراً‏ من ديانة ھذه القبائل القديمة.‏<br />

((<br />

)) عبيد <br />

ذَلِكُ‎مُ‏ ّ<br />

. إ<br />

((<br />

)) عبد <br />

٢<br />

١<br />

. <br />

وكان الختان من ھذه العادات،‏ كما قال الشھرستاني.‏ ويتضح من نبذة صغيرة تسمى<br />

رسالة برنابا أن الختان لم يكن عند العرب فقط من قديم الزمان،‏ بل كان مرعياً‏ عند أمم كثيرة<br />

أيضاً،‏ فإن مؤلف ھذه الرسالة ‏(التي كُتبت نحو سنة ‎٢٠٠‎م)‏ قال:‏ إن كل سوري وعربي،‏<br />

وجميع كھنة األصنام يختتنون . وكان الختان مرعياً‏ عند قدماء المصريين أيضاً.‏ ومع أن<br />

العرب كانوا يعبدون أصناماً‏ كثيرة في أيام مُحَ‏ مَّد،‏ حتى كان يوجد في الكعبة تمثاالً،‏ إال أن<br />

ابن إسحق وابن ھشام قاال إن عمرو بن لحي،‏ وھذيل بن مدركة أتيا بعبادة األصنام من سوريا<br />

إلى مكة خمسة عشر جيالً‏ قبل عصر مُحَ‏ مَّ‎د.‏ وال يحتاج أحد إلى وحي وإلھام لمعرفة قباحة<br />

وبطالن ھذه العادة المستحبَّة جداً‏ عند العرب،‏ بحيث لم يتمكن مُحَ‏ مَّ‎د من منعھم عن مزاولتھا.‏<br />

وھذا ھو سبب تقبيل الحجيج الحجر األسود إلى يومنا ھذا.‏<br />

))<br />

٣٦٠<br />

))<br />

((<br />

((<br />

واضحٌ‏ أن مصدر الديانة اإلِسْ‎المية األول كان تلك الفروض الدينية والعادات<br />

واالعتقادات التي كانت متداولة وسائدة في أيام مُحَ‏ مَّ‎د بين قبائل العرب،‏ والسيما قريش . ولم<br />

أعرف جواباً‏ يرد به المسلمون على أقوال المعترضين ھذه،‏ إال قولھم إن ھذه الفروض والعادات<br />

أنزلھا أوالً‏ على إبراھيم،‏ ثم أمر مُحَ‏ مَّ‎داً‏ أن يبلغھا للناس ثانية ليتمسكوا بھا تمسكاً‏ راسخاً.‏<br />

ولكن واضحٌ‏ من أسفار موسى الخمسة أ ‏ّن االعتقاد بوحدانية ، وفرض الختان كان من أركان<br />

ديانة إبراھيم،‏ إال أنه لم يرد في التوراة واإلنجيل ذكر لمكة،‏ وال للكعبة،‏ وال للطواف،‏ وال<br />

للحجر األسود،‏ وال لإلحرام.‏ وال شك أن العادات المرتبطة والمتعلقة بھذه األشياء ھي اختراعات<br />

عبدة األصنام،‏ وليس لھا أدنى ارتباط وال عالقة بدين إبراھيم.‏<br />

وقال المعترضون إن بعض آيات القُرْ‏ آن مقتبسة من القصائد التي كانت منتشرة ومتداولة<br />

بين قريش قبل بعثة مُحَ‏ مَّد.‏ وأوردوا بعض قصائد منسوبة إلى امرئ القيس مطبوعة في الكتب<br />

باسمه تأييداً‏ لقولھم.‏ وال شك أنه ورد في ھذه القصائد بعض أبيات تشبه آيات القُ‎رْ‏ آن،‏ بل ھي<br />

عينھا،‏ أو تختلف عنھا في كلمة أو كلمتين،‏ ولكنھا ال تختلف معھا في المعنى مطلقاً.‏ وھاك<br />

األبيات التي يوردھا المعترضون،‏ وقد أظھرنا العبارات التي اقتبسھا القُرْ‏ آن بخط أوضح:‏<br />

٣<br />

دَنَتِ‏ ال ‏َّساعةُ‏ وأن ‏ّشق الْقَمَ‏ ‏ُر<br />

أَحْ‏ وَ‏ رَ‏ قدَ◌ْ‏ حُ‎رْ‏ تُ‏ في<br />

أوصافِهِ‏<br />

عَنْ‏ غَزلٍ‏ صادَ‏ قَلبي ونَ‏ ‏َف<br />

‏َر<br />

نَاعِسُ‏ الطَّرْ‏ فِ‏ بعَيْنَيِهُ‏ حَ‏ وَ‏ ر◌َ‏<br />

.٣ /١٠<br />

١<br />

٢<br />

٣<br />

سورة يونس:‏<br />

كما يطلب المسلمون في الوقت الحاضر غفران الخطايا من عز وجل بشفاعة األولياء.‏<br />

سُورة القَمَرِ‏<br />

.١ /٥٤ :<br />

- ١١ -


‏ِه<br />

مَرَ‏ يَوْ‏ ‏ُم الْعِيدِ‏ في زِ‏ ينتِ‏ ‏ِه<br />

بِسھامٍ‏ مِ‏ ‏ْن لِحا ‏ٍظ فا ‏ِت ‏ٍك<br />

وَ‏ إذا ما غَابَ‏ عَنِّي ‏َساعَ‏ ‏ًة<br />

كتبَ‏ الْحُسْ‏ نُ‏ على وِجْ‏ ن ‏ِت<br />

عادَةُ‏ األقمارِ‏ يَسْ‏ رِ‏ ي في الدّجى<br />

بالضّحى والليل من ‏ُطرَّ‏ ته<br />

قلتُ‏ إِذْ‏ شَقّ‏ الْ‏ ‏ِعذارُ‏ ‏َخدَّهُ‏<br />

١<br />

فَرَ‏ ماني فَتعاطى فَعَ‏ ‏َقر<br />

فَتَرَ‏ كنِي كَھَ‏ ‏ِشي ‏ِم الْمُحْ‏ تَ‏ ‏ِظ<br />

كَانتِ‏ ال ‏َّساعةُ‏ أَدْ‏ ھى وَ‏ أ ‏َم<br />

بسَحيق الْمِسْ‏ كِ‏ سَطْ‏ راً‏ ‏ُمخْ‏ تَصَ‏ ‏َر<br />

فَرَ‏ أيْتَ‏ اللّيل يَس ‏ْري بِالْقَمَ‏ ‏ِر<br />

فرقهُ‏ ذا النور كم شيء زَ‏ ھَ‏ ‏َر<br />

دَنَتِ‏ ال ‏َّساعَةُ‏ وانْ‏ ‏َشقّ‏ الْقَمَ‏ ‏ُر<br />

٢<br />

‏ِر<br />

٣<br />

‏ّر<br />

٤<br />

وله أيضاً:‏<br />

أَقْبَلَ‏ والْعُشاقُ‏ مِنْ‏ خَ‏ لْفِ‏ ‏ِه<br />

وجاءَ‏ يوم العيد في<br />

زينتهِ‏<br />

٥<br />

كَأنَّھُم مِنْ‏ حَ‏ دَبٍ‏ يَنْسِ‏ لُون<br />

٦<br />

لِمِثْلِ‏ ذا فَلْيَعْ‏ ملَ‏ الْعامِلُون<br />

وقال المؤرخون إنه جرت العادة سابقاً‏ بين العرب أنه إذا نبغ بينھم رجل فصيح بليغ،‏<br />

وألف قصيدة بديعة غراء علَّقھا على الكعبة،‏ وأن ھذا ھو سبب تسمية المعلقات السبع بھذا<br />

االسم،‏ ألنھا عُلِّقت على الكعبة.‏ غير أن بعض المحققين الثقاة أنكروا أن ھذا ھو سبب التسمية.‏<br />

إال أن ھذا قليل األھمية.‏ وقال المفسر الشھير أبو جعفر أحمد بن إسماعيل النحاس ‏(توفي سنة<br />

ھ)‏ في ھذا الصدد:‏ اختلفوا في جامع ھذه القصائد السبع،‏ وقيل إن أكثر العرب كانوا<br />

يجتمعون بعكاظ ويتناشدون الشعر،‏ فإذا استحسن الملك قصيدة قال:‏ علقوھا واثبتوھا في<br />

خزانتي.‏ فأما قول من قال عُلِّقت على الكعبة،‏ فال يعرفه أحد من الرواة.‏ وأصح ما قيل في ھذا<br />

إن حماداً‏ الرّاوية،‏ لما رأى زُھد الناس في الشعر،‏ جمع ھذه السبع وحضَّھم عليھا،‏ وقال لھم:‏ ھذه<br />

ھي المشھورات.‏ فسُ‎مِّيت القصائد المشھورة لھذا السبب.‏ وقال السيوطي بالفكرة نفسھا،‏<br />

وأضاف إليھا أن األشعار كانت تُعلَّق على الكعبة.‏<br />

<br />

((<br />

))<br />

((<br />

٧<br />

<br />

))<br />

))<br />

٣٣٨<br />

ومن الحكايات المتداولة في عصرنا الحاضر أنه لما كانت فاطمة بنت مُحَ‏ مَّد تتلو آية<br />

اقْتَرَ‏ بَتِ‏ السَّاعَةُ‏ وَ‏ انشَقَّ‏ الْقَمَ‏ ‏ُر سمعتھا بنت امرئ القيس،‏ فقالت لھا:‏ ھذه قطعة من قصائد<br />

أبي،‏ أخذھا أبوك وادّعى أن أنزلھا عليه.‏ ومع أنه يمكن أن تكون ھذه الرواية كاذبة،‏ ألن<br />

امرء القيس توفي سنة م)،‏ ولم يولد مُحَ‏ مَّ‎د إال في سنة الفيل ‏(أي سنة م)‏ إال أنه ال<br />

ينكر أن األبيات المذكورة واردة في ‏(سورة القمر:‏ و‎٢٧‎ و‎٢٩‎؛ سورة الضحى:‏<br />

و‎٢‎؛ سورة األنبياء:‏ ‎٩٦‎؛ سورة الصافات:‏ ٦١)، مع اختالف طفيف في اللفظ وليس<br />

في المعنى.‏ مثالً‏ ورد في القُرْ‏ آن اقتربت بينما وردت في القصيدة دنت . فمن الواضح<br />

وجود مشابھة بين ھذه األبيات وبين آيات القُ‎رْ‏ آن.‏ فإذا ثبت أ ‏ّن ھذه األبيات ھي المرئ القيس<br />

حقيقةً،‏ فحينئذ يصعب على المسلم توضيح كيفية ورودھا في القُرْ‏ آن،‏ ألنه يتعذر على اإلنسان أن<br />

يصدق أن أبيات وثني كانت مسطورة في اللّوح المحفوظ قبل إنشاء العالم.‏<br />

١ /٩٣<br />

٥٧٠<br />

((<br />

))<br />

١ /٥٤<br />

/٣٧<br />

((<br />

))<br />

٥٤٠)<br />

/٢١<br />

١<br />

٢<br />

٣<br />

٤<br />

٥<br />

٦<br />

٧<br />

سُورة القَمَرِ‏<br />

سُورة القَمَرِ‏<br />

سُورة القَمَرِ‏<br />

سُورة الضُّحَ‏ ى:‏<br />

سُورة األنبياءِ‏ :<br />

سُورةُ‏ الصَّافاتِ:‏<br />

سورة القمر:‏<br />

.٢٩ /٥٤ :<br />

.٣١ /٥٤ :<br />

.٤٦ /٥٤ :<br />

.٢ ،١ /٩٣<br />

.٩٦ /٢١<br />

.٦١ /٣٧<br />

.١ /٥٤<br />

- ١٢ -


ولستُ‏ أرى مخرجاً‏ لعلماء اإلِسْالم من ھذا اإلشكال إال أن يقيموا الدليل على أن امرء<br />

القيس ھو الذي اقتبس ھذه اآليات من القُرْ‏ آن،‏ أو أنھا ليست من نظم امرئ القيس الذي توفي قبل<br />

مولد مُحَ‏ مَّد بثالثين سنة.‏ ولو أنه سيصعب علينا أن نصدق أن ناظم ھذه القصائد بلغ إلى ھذا الحد<br />

من التھتك واالستخفاف والجراءة،‏ بعد تأسيس مملكة اإلِسْ‎الم حتى يقتبس آياتٍ‏ من القُ‎رْ‏ آن<br />

ويستعملھا بالكيفية المستعملة في ھذه القصائد!‏<br />

<br />

- ١٣ -


#+<br />

تأثيرات الصابئين واليھود<br />

لما شرع مُحَ‏ مَّد في ادعاء النبوة،‏ وبذل كل ما في وسعه إلبعاد قومه عن عبادة األصنام<br />

وإرجاعھم إلى دين إبراھيم،‏ لم يكن عند العربِ◌ِ‏ كتا ‏ُب وح ‏ٍّي إلھ ‏ٍّي يُعوِّ‏ ل عليه جميع قبائل<br />

العرب أو يتخذونه قانوناً‏ ودستوراً‏ لھم.‏ فكان يصعب جداً‏ إصالح ما فسد واختل من ديانتھم،‏<br />

وكان رأب ھذا الصدع في غاية الصعوبة.‏ ومع ذلك فقد كان بينھم ثالث طوائف تتداول كتباً‏<br />

دينيّة ھي:‏ الصابئون،‏ واليھود،‏ والنصارى،‏ لكلِّ‏ طائف ‏ٍة منھا نفوذ وشأن في الديانة اإلِسْ‎المية،‏<br />

التي كانت في ذلك العصر شبيھة بطفل مولود حديثاً.‏<br />

الصابئون:‏<br />

لم يبقَ‏ أثرٌ‏ لديانة الصابئين،‏ فقال أبو الفداء في كتابه<br />

))<br />

المختصر في أخبار البشر<br />

:((<br />

))<br />

ذكر أمة السّ‎ريان،‏ والصابئين من كتاب أبي عيسى المغربي قال:‏ أمة<br />

السريان ھي أقدم األمم.‏ وكان كالم آدم وبنيه بالسريانيّ،‏ وملتھم ھي ملة<br />

الصّ‎ابئين.‏ ويذكرون أنّھم أخذوا دينھم عن شيث وإدريس.‏ ولھم كتاب<br />

يعزونه إلى شيث؛ ويسمونه صحف شيث،‏ يُ‎ذكر فيه محاسن األخالق،‏<br />

مثل:‏ الصّ‎دق،‏ والشجاعة،‏ والتعصّ‎ب للغريب،‏ وما شابه ذلك ويأمر به.‏<br />

ويذكر الرذائل،‏ ويأمر باجتنابھا.‏ وللصّ‎ابئين عبادات،‏ منھا سبع صلوات؛<br />

منھنَّ‏ خمس توافق صلوات المسلمين،‏ والسّادسة صالة الضحى،‏ والسّ‎ابعة<br />

صالة يكون وقتھا تمام السّ‎اعة السادسة من الليل،‏ وصالتھم كصالة<br />

المسلمين من النّية،‏ وأ ‏ْن ال يخلطھا المُصّ‎لي بشيءٍ‏ من غيرھا.‏ ولھم<br />

الصّلوات على الميت بال ركوع وال سجود.‏ ويصومون ثالثين يوماً؛ وإ ‏ْن<br />

نقص الشَّ‎ھر الھاللي صاموا تسعة وعشرين يوماً.‏ وكانوا يراعون في<br />

صومھم الفطر والھالل؛ بحيث يكون الفطر وقد دخلت الشّ‎مس الحمل.‏<br />

ويصومون من ربع الليل األخير إلى غروب قرص الشّ‎مس.‏ ولھم أعياد<br />

عند نزول الكواكب الخمسة المتحيرة بيوت أشرافھا،‏ والخمسة المتحيرة<br />

زحل،‏ والمشتري،‏ والمرّيخ،‏ والزھرة،‏ وعطارد،‏ ويعظمون بيت مكة<br />

.<br />

((<br />

فيتضح من ھذا أن المسلمين أخذوا من قدماء الصابئين الصّ‎يام والصلوات الخمس<br />

وغيرھا من الفرائض.‏<br />

اليھود:‏<br />

كان لليھود في عصر مُحَ‏ مَّ‎د،‏ والسيما قبل الھجرة،‏ سطوة عظيمة في بالد العرب،‏<br />

وكانوا أيضاً‏ كثيري العدد.‏ ومن أشد القبائل اليھودية بأساً‏ وأعظمھا شأناً:‏ بنو قريظة وبنو قينقاع<br />

وبنو النضير.‏ ولما اتضح أنھم مصممون على عدم االعتراف بنبوَّ‏ ة مُحَ‏ مَّد ورسالته،‏ نشبت بينھم<br />

- ١٤ -


كال<br />

))<br />

وبين المسلمين معارك،‏ وبكل صعوبة ومشقة تمكَّن المسلمون من أن يغلبوھم بقتلھم أو طردھم<br />

من بالد العرب.‏ ومع أن أولئك اليھود لم يكونوا مشھورين بالمعارف،‏ إال أنھم حافظوا بغاية<br />

الحرص على كتب أنبيائھم،‏ مثل خمسة أسفار موسى،‏ ومزامير داود،‏ وغيرھا.‏ ولھذا السبب قيل<br />

عنھم وعن النصارى أيضاً‏ في القُرْ‏ آن إنھم أھل الكتاب . ومع أن كثيرين منھم لم يكونوا<br />

يعرفون اللغة العبرية حق المعرفة،‏ إال أنھم نقلوا كاليھود القاطنين في مصر وغيرھا بطريق<br />

التواتر كثيراً‏ من القصص والروايات الموجودة في التلمود وغيره من الخرافات الباطلة.‏ وكثيراً‏<br />

ما كانوا يكررونھا،‏ مع أنه ال أصل لھا في توراتھم،‏ عوضاً‏ عن ذكر تعاليم الوحي اإللھي<br />

المدونة في الكتب السَّ‎ماو ‏ّية.‏ وما ذلك إال لعدم فھمھم لشريعة موسى وسائر الكتب الربانيّ‎ة.‏<br />

وكانت العرب في أيام الجاھلية يراعون مقام اليھود،‏ ألنھم كانوا متأكدين أنھم ذرية إبراھيم خليل<br />

. وأنھم كانوا ال يزالون حفظة كلمة ،<br />

((<br />

فلما رأى مُحَ‏ مَّد أن عبادة األصنام ليست مناسبة،‏ بل مكروھة أمام الواحد،‏ ولما كان<br />

قد عزم على إرجاع قومه إلى دين إبراھيم الخليل،‏ فاألرجح أنه وجَّه أنظاره إلى اليھود لالستفادة<br />

منھم.‏ فاستفھم منھم عن عقائد دين إبراھيم وفرائضه.‏ وإذا قارنا بين التعاليم واألخبار الواردة في<br />

القُرْ‏ آن واألحاديث،‏ وبين التعاليم والقصص والحكايات التي كانت متداولة بين اليھود في تلك<br />

العصور يتضح لنا العالقة واالرتباط والمشابھة العجيبة.‏ وما يؤيد أن مُحَ‏ مَّ‎داً‏ تعلم من اليھود<br />

وأخذ عنھم كلَّ‏ ما أمكنھم أن يفيدوه به عن دين إبراھيم،‏ ھو ورود آيات كثيرة في القُ‎رْ‏ آن ن ‏َّص<br />

فيھا صريحاً‏ بأن دين إبراھيم كان حقاً.‏ وزِ‏ د على ذلك أنه شھد أن ھو الذي أنزل كتب اليھود<br />

الموحى بھا،‏ وأن عندھم الديانة الحقيقية،‏ فقال:‏ وَ‏ الَ‏ تُجَ‏ ادِلُوا أَھْلَ‏ الْكِتَابِ‏ إِالَّ‏ بِ‎الَّتِي ھِ‎يَ‏ أَحْ‏ سَ‎ ‏ُن؛<br />

إِالَّ‏ الَّذِينَ‏ ظَلَمُوا مِنْھُ‏ ‏ْم.‏ وَ‏ قُولُوا:‏ آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِ‏ لَ‏ إِلَيْنَا،‏ وَ‏ أُنزِ‏ لَ‏ إِلَيْكُمْ،‏ وَ‏ إِلَھُنَا وَ‏ إِلَھُكُمْ‏ وَ‏ احِدٌ،‏ وَ‏ نَحْ‏ نُ‏<br />

لَهُ‏ مُسْ‏ لِمُونَ‏ قُولُواْ‏ آمَنَّا بِا‏ّ‏ ِ، وَ‏ مَآ أُنزِ‏ لَ‏ إِلَيْنَا،‏ وَ‏ مَا أُنزِ‏ لَ‏ إِلَ‎ى إِبْ‎رَ‏ اھِيمَ‏ وَ‏ إِسْ‎مَاعِيلَ‏ وَ‏ إِسْ‏ حَقَ‏<br />

وَ‏ يَعْ‏ قُوبَ‏ وَ‏ األسْ‏ بَاطِ‏ وَ‏ مَا أُوتِيَ‏ مُوسَ‎ى وَ‏ عِيسَ‎ى وَ‏ مَ‎ا أُوتِ‎يَ‏ النَّبِيُّ‎ونَ‏ مِ‎ن رَّ‏ بِّھِ‎مْ؛ الَ‏ نُفَ‎رِّقُ‏ بَ‎يْنَ‏ أَحَ‎ ‏ٍد<br />

مِّنْھُمْ‏ وَ‏ نَحْ‏ نُ‏ لَ‎هُ‏ مُسْ‎لِمُونَ‏ وبناءً‏ على اقتناع مُحَ‏ مَّ‎د بصحَّ‏ ة ھذا االعتقاد جعل بيت المقدس<br />

‏(أورشليم)‏ في مبدأ األمر قِبلة للمسلمين،‏ ألنھا كانت قِبلة اليھود.‏<br />

<br />

٢<br />

.<br />

<br />

١<br />

. <br />

وقد ردَّ‏ بعض علماء المسلمين على أن مُحَ‏ مَّداً‏ أخذ من اليھود التعاليم والقصص الواردة<br />

في القُرْ‏ آن،‏ والتي تشبه التعاليم والقصص الواردة في التلمود وفي كتب اليھود األخرى بقولھم إن<br />

مُحَمَّ‎داً‏ تسمَّى في سورة األعراف النبي األمي لعدم معرفته القراءة والكتابة،‏<br />

وعليه فھو لم يقرأ كتب اليھود.‏ فكيف اقتبس منھا تعاليمه؟<br />

((<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

((<br />

(١٥٧ /٧)<br />

))<br />

)) األمم ((<br />

،<br />

((<br />

))<br />

))<br />

١<br />

ونردُّ‏ على ذلك بأن سبب تسميته األمي ھو أنه لم ينشأ بين اليھود بل نشأ بين األمم،‏<br />

وقد اعتاد اليھود أن يطلقوا لقب على كل من لم يكن يھودياً،‏ كما كان العرب يطلقون<br />

لقب العجم ليس على الفارسي فقط ، بل على كل من لم يكن عربيّاً.‏ ومعنى عجمي في<br />

األصل من ليس ذلق اللسان وفصيح المنطق . فإذا قرأنا في بعض الكتب العربية أن حافظ<br />

الشيرازي كان عجمياً،‏ فليس المقصود أنه لم يكن فصيحاً،‏ بل أنه لم يكن من العرب.‏ وإذا فرضنا<br />

جدالً‏ أن مُحَ‏ مَّداً‏ كان أمياً‏ ال يعرف القراءة وال الكتابة،‏ فھل كان يبعد عليه أن يستفھم من غيره<br />

فيعرف تعليم اليھود وعقائدھم؟ وال شك أن ھذا كان متيسِّراً‏ له،‏ والسيما أن بعض أصحابه كعبيد<br />

بن سالم،‏ وحبيب بن م وورقة بن نوفل كانوا من اليھود،‏ أو يدينون بدين اليھود أوالً،‏ ثم<br />

آمنوا بمُحَ‏ مَّد.‏ ومع أنه لم يكن لھم إلمام تام بحقائق تعاليم العھد القديم الصحيحة،‏ إال أنھم كانوا<br />

يعرفون على األقل بعض القصص والحكايات والخرافات التي كانت متداولة في تلك األيام بين<br />

سورة العنكبوت:‏<br />

سورة البقرة:‏<br />

.٤٦ /٢٩<br />

.١٣٦ /٢<br />

٢<br />

- ١٥ -


اليھود،‏ وبلغت مبلغ التواتر.‏ وإذا قارنا بين القُرْ‏ آن وبين تلك القصص المدوَّ‏ نة في التلمود وفي<br />

غيره من الكتب المشحونة باألوھام التي ال تزال متداولة بين اليھود،‏ اتضح لنا أن مُحَ‏ مَّ‎داً‏<br />

استعارھا من كتب اليھود الفارغة.‏ نعم،‏ ال ننكر أنه كثيراً‏ ما ورد في القُ‎رْ‏ آن أخبار عن سيرة<br />

إبراھيم وغيره من األفاضل أكثر مما ورد في أسفار موسى الخمسة،‏ ولكن أورد معارضو<br />

اإلِسْ‎الم القصص اآلتية ليؤيدوا بھا أن القُ‎رْ‏ آن اقتبس قصصه وحكاياته من خرافات اليھود<br />

الفارغة:‏<br />

) ١ً) قصة قايين وھابيل:‏<br />

<br />

لم يذكر القُرْ‏ آن صريحاً‏ اسم ابني آدم،‏ ولكنه أورد قصتھما،‏ ونصُّھا:‏<br />

وَ‏ اتْلُ‏ عَلَيْھِمْ‏ نَبَأَ‏ ابْنَيْ‏ آدَمَ‏ بِ‎الْحَقِّ‏ إِذْ‏ قَرَّ‏ بَ‎ا قُرْ‏ بَانً‎ا فَتُقُبِّ‎لَ‏ مِ‎ن أَحَ‎دِھِمَا،‏ وَ‏ لَ‎مْ‏<br />

يُتَقَبَّ‎لْ‏ مِ‎نَ‏ اآلخَ‎رِ‏ ، قَ‎الَ:‏ ألَقْتُلَنَّ‎ ‏َك.‏ قَ‎الَ:‏ إِنَّمَ‎ا يَ‏ ُ مِ‎نَ‏ الْمُتَّقِ‎ي ‏َن لَ‎ئِن<br />

َ رَ‏ ‏َّب<br />

بَسَطتَ‏ إِلَيَّ‏ يَدَكَ‏ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ‏ بِبَاسِ‏ طٍ‏ يَدِيَ‏ إِلَيْكَ‏ ألَقْتُلَ‏ ‏َك؛ إِنِّي أَخَ‏ افُ‏ ّ<br />

الْعَ‎الَمِينَ‏ إِنِّ‎ي أُرِ‏ يدُ‏ أَن تَبُ‎وءَ‏ بِ‎إِثْمِي،‏ وَ‏ إِثْمِ‎كَ؛ فَتَكُ‎ونَ‏ مِ‎نْ‏ أَصْ‎حَ‏ ابِ‏ النَّ‎ا ‏ِر.‏<br />

وَ‏ ذَلِ‎كَ‏ جَ‎زَ‏ اء الظَّ‎الِمِينَ‏ فَطَوَّ‏ عَ‎تْ‏ لَ‎هُ‏ نَفْسُ‎هُ‏ قَتْ‎لَ‏ أَخِيهِ‏ فَقَتَلَ‎هُ‏ فَأَصْ‎بَحَ‏ مِ‎نَ‏<br />

الْخَ‏ اسِ‏ رِ‏ ينَ‏ ُ غُرَ‏ ابًا يَبْحَثُ‏ فِي األَرْ‏ ضِ‏ ؛ لِيُرِ‏ يَ‎هُ‏ كَيْ‎فَ‏ يُ‎وَ‏ ارِ‏ ي سَ‎وْ‏ ء ‏َة<br />

أَخِيهِ.‏ قَالَ:‏ يَا وَ‏ يْلَتَ‎ا أَعَجَ‎زْ‏ تُ‏ أَنْ‏ أَكُ‎ونَ‏ مِثْ‎لَ‏ ھَ‎ذَا الْغُ‎رَ‏ ا ‏ِب؛ فَ‎أُوَ‏ ارِ‏ يَ‏ سَ‎وْ‏ ء ‏َة<br />

أَخِي.‏ فَأَصْ‏ بَحَ‏ مِنَ‏ النَّادِمِينَ‏ مِنْ‏ أَجْ‏ لِ‏ ذَلِكَ‏ كَتَبْنَا عَلَى بَنِ‎ي إِسْ‏ رَ‏ ائِيلَ‏ أَنَّ‎هُ‏ مَ‎ن<br />

قَتَلَ‏ نَفْسًا بِغَيْرِ‏ نَفْ‎سٍ‏ أَوْ‏ فَسَ‎ادٍ‏ فِ‎ي األَرْ‏ ضِ‏ فَكَأَنَّمَ‎ا قَتَ‎لَ‏ النَّ‎اسَ‏ جَ‏ مِيعً‎ا وَ‏ مَ‎نْ‏<br />

أَحْ‏ يَاھَا فَكَأَنَّمَا أَحْ‏ يَا النَّاسَ‏ جَمِيعًا<br />

.<br />

تَقَبَّ‎لُ‏ ّ<br />

١<br />

.<br />

.<br />

.<br />

. فَبَعَثَ‏ ّ<br />

.<br />

))<br />

٢<br />

وقد روى اليھود روايات مختلفة بطرق شتى عما دار بين قايين وھابيل من ھذه<br />

المحاورة الوھمية،‏ فورد في ترجوم يوناثان بن عزيا،‏ وفي الترجوم المسمى األورشاليمي،‏ أن<br />

قايين قال:‏ ال عقاب،‏ وال حساب على الخطية،‏ وال ثواب وال مجازاة على الصالح<br />

أن ھابيل اعترف بوجود عقاب وثواب،‏ لذلك ضرب قايين أخاه بحجر وقتله.‏ وورد في كتاب<br />

فرقى ربّي اليعزر ‏(فصل ٢١) ما ورد في القُرْ‏ آن بخصوص دفن جثة ھابيل،‏ إال أن الغراب الذي<br />

وارى القتيل ‏(في الرواية اليھودية)‏ علَّم آدم ‏(وليس قابيل)‏ كيف يواري الجثة.‏ وھاك نص الرواية<br />

اليھودية:‏<br />

. غير<br />

،<br />

((<br />

))<br />

كان آدم ومعينته حواء ،‏ جالسين يبكيان ويندبان عليه على ھابيل <br />

ولم يعرفا ماذا يفعالن بھابيل؛ ألنھما لم يعرفا الدفن.‏ فأتى غراب،‏ كان أحد<br />

أصحابه قد مات،‏ وأخذه وحفر في األرض ودفنه أمام أعينھما.‏ فقال آدم:‏<br />

سأفعل كما فعل ھذا الغراب.‏ فأخذ جثة ھابيل وحفر في األرض ودفنھا<br />

.<br />

((<br />

٣٢<br />

أما ما ذكر في اآلية من السورة المذكورة فال عالقة بينه وبين ما ذكر في اآليات<br />

المتقدمة.‏ ولكن إذا رجعنا إلى كتاب مشناه سنھدرين ‏(فصل فقرة ٥) رأينا ھذه القصة مذكورة<br />

بالتفصيل وھي في القُرْ‏ آن ناقصة غير مستوفية.‏ وھكذا تتَّضح العالقة بين اآلية المذكورة أعاله<br />

وبين قصة قتل ھابيل،‏ ألن المفسر اليھودي في تفسيره لآلية ماذا فعلتَ‏ ؟ صوت دم أخيك<br />

٣<br />

))<br />

٤<br />

:٥<br />

١<br />

٢<br />

٣<br />

سورة المائدة ‎٢٧‎‎٣٢‎‏.‏<br />

اسمه في الكتب العربية قابيل.‏<br />

كلمة دم في األصل العبري للتوراة بصيغة الجمع.‏<br />

- ١٦ -


؛‎٤‎<br />

))<br />

((<br />

))<br />

١<br />

.((<br />

))<br />

((<br />

صارخٌ‏ إليَّ‏ من األرض قال:‏ وجدنا قايين،‏ الذي قتل أخاه أنه قيل عنه (( صوت دماء أخيك<br />

صارخٌ‏ إليَّ‏ . فلم يقُل دم أخيك بل دماء أخيك يعني:‏ دمه ودم ذرّيته؛ ولھذا السبب خُلق<br />

آدم وحده ليعلّمك أن كل من أھلك نفساً‏ من إسرائيل فالكتاب يحسبه كأنه أھلك العالم جميعاً.‏ وكل<br />

من أحيا نفساً‏ فالكتاب يحسبه كأنه أحيا العالم جميعاً.‏ وقد تُرجمت اآلية من سورة المائدة<br />

حرفياً‏ تقريباً‏ من أقوال ھذا المفسر اليھودي القديم.‏ ولكن بما أن القُ‎رْ‏ آن أخذ نصف ھذه الفقرة<br />

فقط،‏ فيلزم لفھم معناھا الرجوع إلى أصل ھذه اآلية القُرْ‏ آنية،‏ كما أوضحناه ھنا،‏ فيظھر معناھا<br />

للقارئ بوضوح.‏<br />

) ٢ً) قصة إنقاذ إبراھيم من نار نمرود:‏<br />

٣٢<br />

((<br />

/٢<br />

لم ترد ھذه القصة في مكان واحد في القُرْ‏ آن،‏ بل وردت مفرَّقةً‏ مش ‏َّتتةً‏ في سُ‎ور كثيرة،‏<br />

‎٥٠‎؛<br />

‎٨٤‎؛ سورة مريم:‏ ‎٢٦٠‎؛ سورة األنعام:‏ فوردت في:‏ ‏(سورة البقرة:‏ ‎١٦‎؛<br />

‎٧٩‎؛ سورة العنكبوت:‏ ‎٧٢‎؛ سورة الشعراء:‏ سورة األنبياء:‏ ‎٢٨‎؛ سورة الممتحنة:‏<br />

‎١١٢‎؛ سورة الزخرف:‏ سورة الصافات:‏ أو كتاب<br />

قصص األنبياء وفي غيرھا).‏ ولكن من يقرأ قصة إبراھيم في أوائل كتاب عرائس المجالس ‏(أو في غيرھما)‏ يجد أن جميع ھذه القصص الواردة في القُ‎رْ‏ آن أو في<br />

األحاديث مأخوذة من أحد كتب اليھود المسمى مدراش رباه )). ولبرھنة ذلك نورد أوالً‏ ھذه<br />

وغيره ثم نوردھا بنصھا من الكتاب<br />

القصة بنصّھا كما وردت في القُرْ‏ آن و((‏ عرائس المجالس اليھودي المذكور أعاله،‏ ثم نقارن ھاتيْن الروايت ‏ْين الواحدة باألخرى فينجلي الحق.‏<br />

))<br />

٤١ /١٩<br />

/٢٩<br />

/٦٠<br />

((<br />

))<br />

٧٤ /٦<br />

٦٩ /٢٦<br />

٢٦ /٤٣<br />

((<br />

))<br />

٥١ /٢١<br />

٨٣ /٣٧<br />

((<br />

قال أبو الفداء في كتابه<br />

))<br />

))<br />

المختصر في أخبار البشر )):<br />

كان آزر أبو إبراھيم يصنع األصنام ويعطيھا إلبراھيم ليبيعھا،‏ فكان<br />

إبراھيم يقول:‏ من يشتري ما يضره وال ينفعه؟ ثم لمَّ‎ا أمر إبراھيم أن<br />

يدعو قومه إلى التَّوحيد،‏ دعا أباه فلم يُجبه،‏ ودعا قومه.‏ فلمَّ‎ا فشا أمره<br />

واتصل بنمرود بن كوش وھو ملك تلك البالد..‏ أخذ نمرو ‏ُد إبراھي ‏َم الخليل<br />

ورماه في نار عظيمة،‏ فكانت النَّار عليه برداً‏ وسالماً،‏ وخرج إبراھيم من<br />

النَّار بعد أ ‏َّيام،‏ ثم آمن به رجالٌ‏ من قومه<br />

وورد في ‏((عرائس المجالس<br />

.<br />

((<br />

:<br />

((<br />

.<br />

<br />

فَلَمَّا جَ‏ نَّ‏ عَلَيْهِ‏ اللَّيْلُ،‏ رَ‏ أَى كَوْ‏ كَبًا،‏ قَالَ:‏ ھَذَا رَ‏ بِّي؛ فَلَ‏ ‏َّما أَفَ‎لَ،‏ قَ‎الَ‏ ال أُحِ‎بُّ‏<br />

اآلفِلِ‎ينَ‏ فَلَمَّ‎ا رَ‏ أَى الْقَمَ‎رَ‏ بَازِ‏ غً‎ا،‏ قَ‎الَ:‏ ھَ‎ذَا رَ‏ بِّ‎ي؛ فَلَمَّ‎ا أَفَ‎لَ،‏ قَ‎الَ:‏ لَ‎ئِن لَّ‎مْ‏<br />

يَھْدِنِي رَ‏ بِّي ألكُونَنَّ‏ مِنَ‏ الْقَوْ‏ مِ‏ الضَّالِّينَ‏ فَلَمَّا رَ‏ أَى الشَّمْسَ‏ بَازِ‏ غَةً،‏ قَالَ:‏ ھَذَا<br />

رَ‏ بِّي،‏ ھَذَا أَكْبَ‎ ‏ُر؛ فَلَمَّ‎ا أَفَلَ‎ ‏ْت،‏ قَ‎الَ:‏ يَ‎ا قَ‎وْ‏ مِ‏ إِنِّ‎ي بَ‎رِ‏ يءٌ‏ مِّمَّ‎ا تُشْ‎رِ‏ كُونَ‏ إِنِّ‎ي<br />

وَ‏ جَّ‏ ھْتُ‏ وَ‏ جْ‏ ھِيَ‏ لِلَّذِي فَطَرَ‏ السَّمَاوَ‏ اتِ‏ وَ‏ األَرْ‏ ضَ‏ حَ‏ نِيفًا وَ‏ مَا أَنَاْ‏ مِنَ‏ الْمُشْرِ‏ كِينَ‏<br />

.<br />

.<br />

٢<br />

. <br />

١<br />

٢<br />

تكوين:‏<br />

سورة األنعام:‏<br />

قالوا:‏ وكان أبوه يصنع األصنام،‏ فلما ضمَّ‏ إبراھيم إلى نفسه جعل يصنع<br />

األصنام ويعطيھا إلبراھيم ليبيعھا،‏ فيذھب بھا إبراھيم،‏ فينادي:‏ من يشتري<br />

.١٠ /٤<br />

.٧٩ ٧٦ /٦<br />

- ١٧ -


))<br />

ما يضرُّ‏ وال ينفع؟ فال يشتري أحدٌ‏ منه.‏ فإذا بارت عليه ذھب بھا إلى نھرٍ‏<br />

فضرب رؤوسھا وقال لھا:‏ اشربي.‏ كسَ‎دْ‏ تي استھزاءً‏ بقومه وبما ھم<br />

عليه من الضّاللة والجھالة،‏ حتى فشا عيبه واستھزاؤه بھا في قومه وأھل<br />

قريته،‏ فحاجَّ‏ ه قومه في دينه،‏ فقال:‏ وَ‏ حَ‏ آجَّ‏ هُ‏ قَوْ‏ مُهُ‏ قَالَ‏ أَتُحَ‏ اجُّونِّي فِ‎ي ّ ِ<br />

وَ‏ قَ‎دْ‏ ھَ‎دَانِ؟..‏ وَ‏ تِلْ‎كَ‏ حُجَّ‏ تُنَ‎ا آتَيْنَاھَ‎ا إِبْ‎رَ‏ اھِيمَ‏ عَلَ‎ى قَوْ‏ مِ‎هِ‏ نَرْ‏ فَ‎عُ‏ دَرَ‏ جَ‎اتٍ‏ مَّ‎ن<br />

نَّشَاء إِنَّ‏ رَ‏ بَّكَ‏ حَ‏ كِيمٌ‏ عَلِيمٌ‏ ؛ حتى خصمھم وغلبھم بالحُجّة.‏ ث ‏ّم إ ‏ّن إبراھيم<br />

دعا أباه آزر إلى دينه فقال:‏ يا أبت لِمَ‏ تعبد ما ال يسمع وال يبصر وال<br />

يغني عنك شيئاً؟ إلى آخر القصة.‏ فأبى أبوه اإلجابة إلى ما دعاه إليه،‏<br />

ثمّ‏ إ ‏ّن إبراھيم جاھر قومه بالبراءة م ‏ّما كانوا يعبدون،‏ وأظھر دينه،‏ فقال<br />

أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم األقدمون؟ فإنّھم عدو لي إال رب<br />

العالمين قالوا:‏ فمن تعبد أنت؟ قال:‏ رب العالمين.‏ قالوا:‏ تعني نمرود؟<br />

فقال:‏ ال،‏ الذي خلقني فھو يھدين.‏ إلى آخر القصّ‎ة.‏ ففشا ذلك في النَّ‎اس<br />

حتى بلغ نمرود الجبّار،‏ فدعاه فقال له:‏ يا إبراھيم،‏ أرأيت إلھك الذي بعثك<br />

وتدعو إلى عبادته وتذكر من قدرته التي تعظمه بھا على غيره ما ھو؟ قال<br />

إبراھيم:‏ ربي الذي يحيي ويميت فقال نمرود:‏ أنا أحيي وأميت.‏ قال<br />

إبراھيم:‏ كيف تحيي وتميت؟ قال:‏ آخذ رجلين قد استوجبا القتل في حكمي<br />

فأقتل أحدھما فأكون قد أمتُّه،‏ ثم أعفو عن اآلخر فأكون قد أحييته.‏ فقال له<br />

إبراھيم عند ذلك:‏ إن يأتي بالشمس من المشرقِ‏ ؛ فأْتِ‏ بھا من<br />

المغرب ؛ فبُھت عند ذلك نمرود ولم يُجبه.‏<br />

:<br />

((<br />

٤<br />

<br />

. <br />

<br />

١<br />

<br />

،<br />

٢<br />

<br />

<br />

٣<br />

. <br />

٥<br />

<br />

<br />

))<br />

وبعد ذلك لما أَزِ‏ ‏َف وقت وليمة قومه ال ‏ّسنو ‏ّية خرجوا جميعھم من المدينة،‏ فرجع إبراھيم<br />

إلى المدينة لحاجة،‏ وكسر أصنامھم جذاذاً،‏ كما ورد في ھذه العبارة اآلتية من ھذا الكتاب:‏<br />

إذا ھم قد جعلوا طعاماً‏ فوضعوه بين يدي اآللھة،‏ وقالوا:‏ إذا كان حين<br />

رجوعنا فرجعنا وقد باركت اآللھة في طعامنا أكلنا.‏ فلما نظر إبراھيم إلى<br />

األصنام،‏ وإلى ما بين أيديھم من الطّعام،‏ قال لھم على طريق االستھزاء:‏<br />

أال تأكلون؟ فلمَّا لم تجبه.‏ قال:‏ ما لكم ال تنطقون؟ فراغ عليھم ضرباً‏<br />

باليمين وجعل يكسرھن بفأسٍ‏ في يده حتى لم يبق إال الصنم األكبر،‏<br />

فعلق الفأس في عنقه ثم خرج.‏ فذلك قوله:‏ فجعلھم جذاذاً‏ إال كبيراً‏ لھم<br />

لعلھم إليه يرجعون فلما جاء القوم من عيدھم إلى بيت آلھتھم،‏ ورأوھا<br />

بتلك الحالة:‏ قالوا من فعل ھذا بآلھتنا؟ إنه لمن الظالمين.‏ قالوا:‏ سمعنا<br />

فتى يذكرھم يقال له إبراھيم ھو الذي نظنّه صنع ھذا.‏ فبلغ ذلك نمرود<br />

الجبار وأشراف قومه قالوا:‏ فأتوا به على أعين الناس لِعَلَّھم يشھدون<br />

عليه أنه ھو الذي فعل ذلك.‏ وكرھوا أن يأخذوه بغير بيِّنة.‏ قال قتادة<br />

))<br />

<br />

<br />

٨<br />

<br />

.<br />

٧<br />

<br />

<br />

((<br />

٦<br />

<br />

<br />

٩<br />

<br />

١<br />

سورة األنعام:‏<br />

سورة مريم:‏<br />

سورة الشعراء:‏<br />

سورة البقرة:‏<br />

سورة البقرة:‏<br />

سورة الصافات:‏<br />

سورة األنبياء:‏<br />

سورة األنبياء:‏<br />

سورة األنبياء:‏<br />

٨٠ /٦<br />

.٤٢ /١٩<br />

٧٥ /٢٦<br />

.٢٥٨ /٢<br />

.٢٥٨ /٢<br />

٩١ /٣٧<br />

.٥٨ ،٢١<br />

٥٩ /٢١<br />

.٦١ /٢١<br />

٢<br />

٣<br />

و‎٨٣‎‏.‏<br />

٧٧. <br />

٤<br />

٥<br />

٦<br />

٧<br />

٨<br />

٩<br />

و‎٩٢‎‏.‏<br />

و‎٦٠‎‏.‏<br />

- ١٨ -


والسُّدي وقال الضحاك:‏ لعلھم يشھدون بما نصنع به ونعاقبه.‏ فل ‏ّما أحضروه<br />

قالوا له:‏ أأنت فعلت ھذا بآلھتنا يا إبراھيم؟ قال إبراھيم:‏ بل فعله كبيرھم<br />

ھذا.‏ غضب من أن تعبدوا معه ھذه األصنام الصّ‎غار وھو أكبر منھا<br />

فكسرھنّ‏ ، فاسألو ‏ُھم إِ‏ ‏ْن كانوا ينطقون قال النبي:‏ لم يكذب إبراھيم<br />

عليه السّالم إال ثالث كذبات،‏ كلھا في تعالى.‏ قوله:‏ إني سقيم<br />

وقوله:‏ بل فعله كبيرھم ھذا،‏ وقوله للملك الذي عرض لسارة:‏ ھي أختي.‏<br />

فلما قال لھم إبراھيم ذلك رجعوا إلى أَنفُ‏ ‏ِسھم،‏ فقالوا:‏ إنكم أنتم الظالمون<br />

ھذا الرجل في سؤالكم إياه،‏ وھذه آلھتكم التي فعل بھا ما فعل حاضرة،‏<br />

فاسألوھا.‏ وذلك قول إبراھيم:‏ فاسألوھم إن كانوا ينطقون فقال قومه<br />

ما نراه إالَّ‏ كما قال،‏ وقيل إنّكم أنتم الظّالمون بعبادتكم األوثان الصّ‎غار مع<br />

ھذا الكبير ثمّ‏ نكسوا على رُؤوسھم متحيّرين في أمره وعلموا أنّھا ال تنطق<br />

وال تبطش.‏ فقالوا لقد عَلمت ما ھؤالء يَنطِ‏ قُ‎ون فلمّ‎ا اتجھت الحجة عليھم<br />

إلبراھيم قال لھم:‏ أفتعبدون من دون ما ال ينفعكم شيئاً‏ وال يضركم؟<br />

أف لكم ولما تعبدون من دون ، أفال تعقلون؟ فلما لزمتھم الحجة<br />

وعجزوا عن الجواب،‏ قالوا:‏ حرِّ‏ قوه وانصروا آلھتكم إن كنتم فاعلين<br />

قال عبد بن عمر:‏ إن الذي أشار عليھم بتحريق إبراھيم بالنار رجل<br />

من األكراد.‏ قال شعيب الجبائي:‏ اسمه ضينون،‏ فخسف به األرض،‏<br />

فھو يتجلجل فيھا إلى يوم القيامة.‏ فلما أجمع نمرود وقومه على إحراق<br />

إبراھيم حبسوه في بيت وبنوا له بنياناً‏ كالحظيرة،‏ فذلك قوله:‏ قالوا ابنوا<br />

له بنياناً‏ فألقوه في الجحيم ثم جمعوا له من أصلب الحطب وأضاف<br />

الخشب<br />

٢<br />

،<br />

٤<br />

<br />

<br />

<br />

٥<br />

<br />

. <br />

١<br />

. <br />

<br />

٧<br />

.<br />

<br />

<br />

.<br />

((<br />

٦<br />

٣<br />

<br />

.<br />

ثم ذكر المؤلف كيف أن وقى إبراھيم بنعمته من حرارة النار،‏ وخرج منھا سالماً‏<br />

ُ عَلَيْهِ‏ يَتَوَ‏ كَّلُ‏ الْمُتَوَ‏ كِّلُونَ‏<br />

غانماً.‏ ثم قال:‏ وفي الخبر إن إبراھيم إنما نجا بقوله:‏ حَ‏ سْ‏ بِيَ‏ َّ<br />

ُ وَ‏ نِعْ‏ مَ‏ الْوَ‏ كِيلُ‏ قُلْنَا يَا نَارُ‏ كُونِي بَرْ‏ دًا وَ‏ سَالَمًا ‏َعلى إِبْرَ‏ اھِي ‏َم <br />

حَ‏ سْ‏ بُنَا ّ<br />

<br />

٨<br />

،<br />

١٠<br />

.<br />

<br />

قال :<br />

١٧<br />

٩<br />

.<br />

((<br />

))<br />

وبما أننا أوردنا ھذه القصة بحذافيرھا من القُرْ‏ آن واألحاديث علينا أن نوردھا من كتب<br />

اليھود،‏ ونقارن بين ھذه القصة المتواترة بين اليھود وبين ما ذكر أعاله،‏ ليظھر الفرق بينھا،‏ إذ<br />

ورد في مدراش رباه ف(‏ في تفسير تكوين<br />

:( ٧ :١٥<br />

))<br />

١<br />

سورة األنبياء:‏<br />

سورة الصافات:‏<br />

سورة األنبياء:‏<br />

سورة األنبياء:‏<br />

سورة األنبياء:‏<br />

سورة األنبياء:‏<br />

سورة الصافات:‏<br />

سورة الزمر:‏<br />

سورة آل عمران:‏<br />

سورة األنبياء:‏<br />

إنَّ‏ تارح كان يصنع األصنام،‏ فخرج م ‏ّرة إلى محل ما،‏ وأناب عنه<br />

إبراھيم في بيعھا،‏ فإذا أتى أحد يريد الشراء كان إبراھيم يقول له:‏ كم<br />

عمرك؟ فيقول له:‏ عمري خمسون أو ستون سنة،‏ فكان إبراھيم يقول له:‏<br />

٦٢ /٢١<br />

.٨٩ /٣٧<br />

.٦٤ /٢١<br />

.٦٣ /٢١<br />

٦٦ /٢١<br />

.٦٨ /٢١<br />

.٩٧ /٣٧<br />

.٣٨ /٣٩<br />

.١٧٣ /٣<br />

.٦٩ /٢١<br />

٢<br />

٣<br />

٤<br />

٥<br />

٦<br />

٧<br />

٨<br />

٩<br />

١٠<br />

و‎٦٣‎‏.‏<br />

و‎٦٧‎‏.‏<br />

- ١٩ -


.<br />

((<br />

ويلٌ‏ لمن كان عمره ستين سنة ويرغب في عبادة الشيء الذي لم يظھر في<br />

حيز الوجود إال منذ أيام قليلة.‏ فكان يعتري الرجل الخجل وينصرف إلى<br />

حال سبيله.‏ ومرة أتت امرأة وفي يدھا صحن دقيق قمح،‏ وقالت له:‏ يا ھذا،‏<br />

ضع ھذا أمامھم.‏ فقام وأخذ عصا في يده وكسرھا كلھا جذاذاً‏ ووضعْ‏<br />

العصا في يد كبيرھم.‏ فلما أتى أبوه قال له:‏ من فعل بھم كذلك؟ فقال له<br />

إبراھيم:‏ ال أخفي عليك شيئاً.‏ إن امرأة أتت ومعھا صحن دقيق قمح وقالت<br />

لي:‏ يا ھذا ضعْ‏ ھذا أمامھم.‏ فوضعته أمامھم،‏ فقال ھذا:‏ أريد أن آكل أوالً،‏<br />

وقال ذلك:‏ أريد أنا أن آكل أوالً.‏ فقام كبيرھم وأخذ العصا وكسرھم.‏ فقال<br />

له أبوه:‏ لماذا تلفق عليَّ‏ خرافة؟ فھل ھذه األصنام تدرك وتعقل؟ فقال له<br />

إبراھيم:‏ أال تسمع أذناك ما تتكلم به شفتاك؟ فألقى والده القبض عليه وسلَّمه<br />

إلى نمرود،‏ فقال له نمرود:‏ فلنعبد النار.‏ فقال له إبراھيم:‏ فلنعبد المياه التي<br />

تطفئ النار.‏ فقال له نمرود:‏ فلنعبد المياه:‏ فقال له إبراھيم:‏ إذا كان األمر<br />

كذلك فلنعبد السحاب الذي يجيء بالمياه.‏ فقال له نمرود:‏ فلنعبد السحاب،‏<br />

فقال له إبراھيم:‏ إذا كان األمر كذلك فلنعبد الرياح التي تسوق السحاب.‏<br />

فقال له نمرود:‏ فلنعبد الرياح.‏ فقال له إبراھيم:‏ فلنعبد اإلنسان الذي يقاوم<br />

الرياح.‏ فقال له نمرود:‏ إذا كان مرادك المحاولة فأنا ال أعبد إال النار،‏ وھا<br />

أنا ألقيك في وسطھا،‏ وليأت الذي تعبده وينقذك منھا.‏ ونزل إبراھيم في<br />

أتون النار ونجا<br />

فإذا قارنا ھذه الخرافة اليھودية بالحكاية الواردة في القُ‎رْ‏ آن عن إبراھيم ال نجد بينھما<br />

سوى فرقاً‏ طفيفاً‏ جداً،‏ سببه أن مُحَ‏ مَّداً‏ لم يطالع ھذه القصة في كتاب ما،‏ بل سمعھا شفاھاً‏ من<br />

اليھود.‏ ومما يؤيد ھذا أن القُرْ‏ آن ذكر أن اسم أب إبراھيم ھو آزر مع أن اسم أبيه في<br />

مدراش رباه وفي خمسة أسفار موسى ھو تارح.‏ ولكن قال يوسابيوس ‏(المؤرخ اليوناني الذي<br />

تُرجم تاريخه إلى اللغة السريانية)‏ إن اسم أب إبراھيم ھو آثر وھو خطأ مبين.‏ واألرجح أن<br />

ھذا الخطأ نشأ عن تسمية اليھود له في بعض األحيان . وبما أن مُحَ‏ مَّ‎داً‏ كان قد سافر<br />

إلى بالد الشام فيمكن أنه سمع بعضھم يسميه آثر . ولما لم يتذكر صحته تماماً‏ قال إن أبا<br />

إبراھيم ھو آزر . ولھذا السبب يكتب الفرس ھذا االسم آزر ويلفظونه كأنه مشتق من<br />

لغة الفرس القديمة.‏ ومعنى آزر بالفارسية القديمة نار . وفي اللغة الكلدانية النار<br />

))<br />

.<br />

((<br />

))<br />

١<br />

،((<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

زارح ))<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

قال علماء المسلمين في تفنيد ھذا االعتراض إن ما ذكرتموه يساعدنا مساعدة عظمى<br />

على تأييد صحة اإلِسْ‏ الم،‏ ألن مُحَمَّ‎داً‏ لم ينتحل ھذه القصة من اليھود وال من النصارى،‏ بل<br />

أنزلھا عليه جبريل بالوحي.‏ وبما أن اليھود الذين ھم ذرية إبراھيم خليل قبلوھا،‏ فشھادتھم<br />

تؤيد وتصدق على عبارة القُرْ‏ آن في ھذه القضية.‏<br />

غير أن المعترضين المنتقدين ردوا بأنه لم يعتقد بصحة ھذه القصة ال عوام اليھود،‏ أما<br />

كل عالِم مدقق فيعرف أن منشأ ھذه الخرافة ھو االشتباه واللبس والخطأ،‏ فإن أساس ھذه القصة<br />

مبني على ما جاء في سفر التكوين،‏ حيث قال إلبراھيم:‏ أنا الرب الذي أخرجك من أور<br />

الكلدانيين ومعنى أور بلغة البابليين القديمة مدينة )). وجاءت جزءاً‏ من كلمة أورشليم<br />

ومعناھا مدينة شليم أي مدينة إله السالم . واسم أور الكلدانيين اآلن المغيَّ‎ر وكان<br />

إبراھيم أوالً‏ ساكناً‏ في ھذه المدينة.‏ ولكن توجد في اللغة العبرية واألرامية والكلدانية لفظة أخرى<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

))<br />

((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

٢<br />

.((<br />

))<br />

١<br />

سورة األنعام:‏<br />

تكوين:‏<br />

.٧٤ /٦<br />

.٧ /١٥<br />

٢<br />

- ٢٠ -


)) أور (( تشبه )) أَوْ‏ ر (( وھي<br />

في النطق والكتابة،‏ غير أن معنى<br />

(( أور ))<br />

في اللغة العبرية<br />

))<br />

.<br />

((<br />

النور<br />

وبعد تدوين التوراة بسنين عديدة جاء مفسرٌ‏ يھودي،‏ اسمه يوناثان بن عزييل،‏ لم تكن له<br />

أدنى معرفة بلغة البابليين القديمة،‏ وأخذ يترجم ھذه اآلية إلى اللغة الكلدانية،‏ فقال:‏ أنا الرب<br />

الذي أخرجك من تنور نار الكلدانيين ! وقال ھذا المفسر الجاھل في تفسيره على تكوين<br />

لما طرح نمرود إبراھيم في أتون النار المتناعه عن السجود ألصنامه لم يؤذن للنار أن<br />

تضره<br />

/١١)<br />

))<br />

((<br />

.<br />

))<br />

((<br />

: (٣٨<br />

ولكن ھل يمكن أن نصدق أن النبي الحقيقي يتوھَّم ھذه الخرافة ويدوِّ‏ نھا في كتابه ثم<br />

يدَّعي أن كتابه منزَ‏ ل من عند ، وأن الدليل على ذلك ھو أنه يتطابق مع كتب اليھود الموحى<br />

بھا؟ وبصرف النظر عن كل ذلك فنمرود الجبار ‏(حسب كالم موسى الوارد في سفر التكوين)‏ لم<br />

يكن في أيام إبراھيم،‏ بل كان قبل مولد إبراھيم بأجيال عديدة.‏ ومع أن اسم نمرود ورد في<br />

األحاديث والتفاسير اإلِسْ‏ المية،‏ إال أنه لم يرد في ھذه القصة الواردة في القُرْ‏ آن ذاته.‏ وواضحٌ‏ أن<br />

الذي أدخل اسم نمرود في القصة جاھل بالكتابة والتاريخ،‏ شأنه شأن من يقول إن اإلسكندر ذا<br />

القرنين ألقى عثمان أحد سالطين العثمانيين في النار،‏ ولم يقل ذلك إال ألنه يجھل مقدار الزمان<br />

بين اإلسكندر وعثمان،‏ وألنه لم يدرِ‏ أن عثمان لم يُلقَ‏ في النار مطلقاً.‏<br />

) ٣ً) حكاية ملكة سبإ وكيفية مجيئھا إلى سليمان:‏<br />

إذا قارنا بين ما ورد في القُ‎رْ‏ آن بخصوص بلقيس ملكة سبإ وما ورد في الترجوم<br />

الثاني عن كتاب أستير نجد أن اليھود ھم الذين أبلغوا مُحَ‏ مَّ‎داً‏ ھذه القصة فوقعت عنده موقعاً‏<br />

حسناً،‏ فانشرح منھا حتى أدخلھا في القُرْ‏ آن،‏ فقال:‏<br />

))<br />

.<br />

((<br />

<br />

وَ‏ حُشِ‏ رَ‏ لِسُلَيْمَانَ‏ جُنُودُهُ‏ مِنَ‏ الْجِنِّ‏ وَ‏ اإلِنسِ‏ وَ‏ الطَّيْرِ‏ فَھُمْ‏ يُوزَ‏ عُو ‏َن...‏ وَ‏ تَفَقَّدَ‏<br />

الطَّيْرَ‏ فَقَالَ‏ مَا لِيَ‏ الَ‏ أَرَ‏ ى الْھُدْھُدَ‏ أَمْ‏ كَانَ‏ مِنَ‏ الْغَائِبِي ‏َن.ألُعَذِّبَنَّهُ‏ عَذَابًا شَدِيدًا،‏<br />

أَوْ‏ ألَذْبَحَ‏ نَّه،ُ‏ أَوْ‏ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ‏ مُّبِينٍ.‏ فَمَكَثَ‏ غَيْرَ‏ بَعِيدٍ‏ فَقَالَ‏ أَحَ‏ طتُ‏ بِمَا لَ‎مْ‏<br />

تُحِطْ‏ بِهِ‏ وَ‏ جِئْتُكَ‏ مِن سَبَإٍ‏ بِنَبَإٍ‏ يَقِينٍ.‏ إِنِّي وَ‏ جَ‏ دتُّ‏ امْ‎رَ‏ أَةً‏ تَمْلِكُھُ‎مْ‏ وَ‏ أُوتِيَ‎تْ‏ مِ‎ن<br />

كُلِّ‏ شَيْ‏ ءٍ‏ وَ‏ لَھَا عَرْ‏ شٌ‏ عَظِ‏ ي ‏ٌم.‏ وَ‏ جَ‏ دتُّھَا وَ‏ قَوْ‏ مَھَا يَسْ‎جُدُونَ‏ لِلشَّ‎مْسِ‏ مِ‎ن دُونِ‏<br />

َّ ِ وَ‏ زَ‏ يَّنَ‏ لَھُ‎مُ‏ الشَّ‎يْطَانُ‏ أَعْ‏ مَ‎الَھُمْ‏ فَصَ‎دَّھُمْ‏ عَ‎نِ‏ السَّ‎بِيلِ‏ فَھُ‎مْ‏ الَ‏ يَھْتَ‎دُونَ‏ ‏.أَالَّ‏<br />

يَسْ‏ جُدُوا ِ َّ ِ الَّذِي يُخْ‏ رِ‏ جُ‏ الْخَبْ‏ ءَ‏ فِ‎ي السَّ‎مَاوَ‏ اتِ‏ وَ‏ األَرْ‏ ضِ‏ وَ‏ يَعْ‏ لَ‎مُ‏ مَ‎ا تُخْ‏ فُ‎و ‏َن<br />

وَ‏ مَا تُعْ‏ لِنُونَ‏ ُ ال إِلَهَ‏ إِالَّ‏ ھُوَ‏ رَبُّ‏ الْعَرْ‏ شِ‏ الْعَظِ‏ يمِ.‏ قَ‎الَ‏ سَ‎نَنظُرُ‏ أَصَ‎دَقْتَ‏ أَمْ‏<br />

كُنتَ‏ مِنَ‏ الْكَاذِبِينَ‏ اذْ‏ ھَب بِّكِتَابِي ھَذَا فَأَلْقِهْ‏ إِلَيْھِمْ‏ ثُمَّ‏ تَوَ‏ لَّ‏ عَنْھُمْ‏ فَ‎انظُرْ‏ مَ‎اذَا<br />

يَرْ‏ جِعُونَ‏ قَالَتْ‏ يَا أَيُّھَا المَ‎ألُ‏ إِنِّ‎ي أُلْقِ‎يَ‏ إِلَ‎يَّ‏ كِتَ‎ابٌ‏ كَ‎رِ‏ ي ‏ٌم.‏ إِنَّ‎هُ‏ مِ‎ن سُ‎لَيْمَانَ‏<br />

وَ‏ إِنَّهُ‏ بِسْ‏ مِ‏ َّ ِ الرَّ‏ حْ‏ مَنِ‏ الرَّ‏ حِيمِ.‏ أَالَّ‏ تَعْ‏ لُ‎وا عَلَ‎يَّ‏ وَ‏ أْتُ‎ونِي مُسْ‎لِمِي ‏َن.‏ قَالَ‎تْ‏ يَ‎ا<br />

أَيُّھَا المَألُ‏ أَفْتُونِي فِي أَمْرِ‏ ي مَا كُنتُ‏ قَاطِ‏ عَةً‏ أَمْرًا حَ‏ تَّى تَشْھَدُو ‏ِن.‏ قَالُوا نَحْ‏ نُ‏<br />

أُوْ‏ لُوا قُوَّ‏ ةٍ‏ وَ‏ أُولُوا بَأْسٍ‏ شَدِيدٍ‏ وَ‏ األَمْرُ‏ إِلَيْكِ‏ فَ‎انظُرِ‏ ي مَ‎اذَا تَ‎أْمُرِ‏ ينَ‏ قَالَ‎تْ‏ إِنَّ‏<br />

الْمُلُوكَ‏ إِذَا دَخَلُوا قَرْ‏ يَةً‏ أَفْسَدُوھَا وَ‏ جَ‏ عَلُوا أَعِزَّ‏ ةَ‏ أَھْ‏ لِھَا أَذِلَّةً‏ وَ‏ كَ‎ذَلِكَ‏ يَفْعَلُ‎و ‏َن.‏<br />

وَ‏ إِنِّي مُرْ‏ سِ‏ لَةٌ‏ إِلَيْھِم بِھَدِيَّةٍ‏ فَنَاظِ‏ رَ‏ ةٌ‏ بِمَ‏ يَرْ‏ جِعُ‏ الْمُرْ‏ سَ‎لُونَ‏ فَلَمَّ‎ا جَ‎اء سُ‎لَيْمَانَ‏<br />

ُ خَ‏ يْرٌ‏ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ‏ أَنتُم بِھَ‎دِيَّتِكُمْ‏ تَفْرَحُ‎ونَ‏<br />

قَالَ‏ أَتُمِدُّونَنِ‏ بِمَالٍ‏ فَمَا آتَانِيَ‏ َّ<br />

ارْ‏ جِعْ‏ إِلَيْھِمْ‏ فَلَنَ‎أْتِيَنَّھُمْ‏ بِجُنُ‎ودٍ‏ ال قِبَ‎لَ‏ لَھُ‎م بِھَ‎ا وَ‏ لَنُخْ‏ رِ‏ جَ‏ نَّھُم مِّنْھَ‎ا أَذِلَّ‎ةً‏ وَ‏ ھُ‎ ‏ْم<br />

صَاغِرُونَ‏ قَالَ‏ يَا أَيُّھَا المَألُ‏ أَيُّكُمْ‏ يَأْتِينِي بِعَرْ‏ شِ‏ ھَا قَبْلَ‏ أَن يَ‎أْتُونِي مُسْ‎لِمِينَ‏<br />

قَالَ‏ عِفْريتٌ‏ مِّنَ‏ الْجِنِّ‏ أَنَا آتِيكَ‏ بِهِ‏ قَبْلَ‏ أَن تَقُومَ‏ مِن مَّقَامِكَ‏ وَ‏ إِنِّي عَلَيْهِ‏ لَقَوِ‏ ‏ٌّي<br />

.<br />

.<br />

.<br />

.<br />

َّ .<br />

.<br />

.<br />

- ٢١ -


.<br />

أَمِينٌ‏ قَالَ‏ الَّذِي عِندَهُ‏ عِلْمٌ‏ مِّنَ‏ الْكِتَابِ‏ أَنَا آتِيكَ‏ بِهِ‏ قَبْلَ‏ أَن يَرْ‏ تَدَّ‏ إِلَيْ‎كَ‏ طَرْ‏ فُ‎كَ‏<br />

فَلَمَّا رَ‏ آهُ‏ مُسْ‏ تَقِرًّ‏ ا عِندَهُ‏ قَالَ‏ ھَذَا مِن فَضْ‏ لِ‏ رَ‏ بِّي لِيَبْلُوَ‏ نِي أَأَشْكُرُ‏ أَمْ‏ أَكْفُرُ‏ وَ‏ مَن<br />

شَكَرَ‏ فَإِنَّمَا يَشْ‎كُرُ‏ لِنَفْسِ‎هِ‏ وَ‏ مَ‎ن كَفَ‎رَ‏ فَ‎إِنَّ‏ رَ‏ بِّ‎ي غَنِ‎يٌّ‏ كَ‎رِ‏ يمٌ.‏ قَ‎الَ‏ نَكِّ‎رُوا لَھَ‎ا<br />

عَرْ‏ شَھَا نَنظُرْ‏ أَتَھْتَدِي أَمْ‏ تَكُونُ‏ مِنَ‏ الَّذِينَ‏ ال يَھْتَدُونَ‏ فَلَمَّا جَ‏ اءتْ‏ قِيلَ‏ أَھَكَذَا<br />

عَرْ‏ شُكِ‏ قَالَتْ‏ كَأَنَّهُ‏ ھُوَ‏ وَ‏ أُوتِينَا الْعِلْ‎مَ‏ مِ‎ن قَبْلِھَ‎ا وَ‏ كُنَّ‎ا مُسْ‎لِمِي ‏َن.‏ وَ‏ صَ‎دَّھَا مَ‎ا<br />

كَانَت تَّعْ‏ بُدُ‏ مِن دُونِ‏ َّ ِ إِنَّھَا كَانَتْ‏ مِن قَوْ‏ مٍ‏ كَافِرِ‏ ينَ‏ قِيلَ‏ لَھَا ادْ‏ خُلِي الصَّرْ‏ حَ‏<br />

فَلَمَّا رَ‏ أَتْهُ‏ حَسِ‏ بَتْهُ‏ لُجَّ‏ ةً‏ وَ‏ كَشَفَتْ‏ عَن سَاقَيْھَا قَالَ‏ إِنَّهُ‏ صَرْ‏ حٌ‏ مُّمَرَّدٌ‏ مِّن قَوَ‏ ارِ‏ ي ‏َر<br />

قَالَتْ‏ رَبِّ‏ إِنِّي ظَلَمْتُ‏ نَفْسِي وَ‏ أَسْ‏ لَمْتُ‏ مَعَ‏ سُلَيْمَانَ‏ <br />

١<br />

. <br />

.<br />

.<br />

ِ َّ ِ رَبِّ‏ الْعَالَمِينَ‏<br />

ھذا ما قاله القُرْ‏ آن عن ملكة سبإ.‏ وما ورد في ھذه السورة عن العرش العظيم يختلف<br />

قليالً‏ عما ورد في الترجوم الذي ذكرناه،‏ ففيه قيل إن صاحب ھذا العرش العظيم كان الملك<br />

سليمان،‏ وإنه ال يوجد عرش مثله في مملكة أخرى،‏ ألنه كان له ست درجات ذھب،‏ وعلى كل<br />

درجة اثنا عشر أسداً‏ من ذھب،‏ واثنا عشر نسراً‏ من ذھب.‏ وكان يوجد خالفھا أربعة وعشرون<br />

نسراً‏ أخرى فوق ھذا العرش العجيب تلقي ظلھا على رأس الملك.‏ ومتى أراد سليمان التوجُّ‏ ه إلى<br />

مكان ما كانت تنزل ھذه النسور القوية وتصعد بعرشه وتحمله إلى حيث أراد.‏ فكانت تلك النسور<br />

‏(حسب قول الترجوم)‏ تؤدي الوظيفة التي قام بھا عفريت الجن الوارد ذكره في القُرْ‏ آن.‏<br />

أما ما ورد في الترجوم عن ملكة سبإ ومجيئھا إلى سليمان،‏ والرسالة التي أرسلھا إليھا<br />

الملك وغيره فتوجد مشابھة عجيبة بينه وبين القُ‎رْ‏ آن.‏ غير أن الترجوم يسمّي حامل رسالة<br />

سليمان ديك الصحراء والقُرْ‏ آن يسميه الھدھد.‏ مرة أخرى لما انشرح قلب سليمان بخمرهِ،‏ أمر<br />

بإحضار حيوانات الصحراء وطيور الھواء وزحافات األرض والجن واألرواح والعفاريت<br />

لترقص أمامه،‏ ليُظھر عظمته لجميع الملوك الذين كانوا خاضعين خاشعين أمامه.‏ فاستدعى كتبة<br />

الملك بأسمائھم،‏ فأتوا إليه ما عدا المسجونين واألسرى والرجل الذي فُوِّ‏ ضت له حراستھم.‏ وكان<br />

ديك الصحراء في تلك الساعة يمرح بين الطيور ولم يوجد،‏ فأمر الملك أن يحضروه بالقوة،‏ وھ ‏َّم<br />

بإھالكه،‏ فرجع ديك الصحراء ووقف أمام حضرة الملك سليمان وقال له:‏ اسمع يا موالي،‏<br />

ملك األرض،‏ وأَمِ‎ل أذنك واسمع أقوالي.‏ ألم تم ‏ِض ثالثة أشھر من حين ما تفكرت في قلبي<br />

وصممت تصميماً‏ أكيداً‏ في نفسي أن ال آكل وال أشرب ماء قبل أن أرى كل العالم وأطير فيه.‏<br />

وقلت:‏ ما ھي الجھة أو ما ھي المملكة غير المطيعة لسيدي الملك؟ فشاھدت ورأيت مدينة<br />

حصينة اسمھا قيطور في أرض شرقية،‏ وترابھا أثقل من الذھب والفضة كزبالة في األسواق،‏<br />

وقد غُرست فيھا األشجار من البدء،‏ وھم شاربون الماء من جنة عدن.‏ ويوجد جماھير يحملون<br />

أكاليل على رؤوسھم فيھا نباتات من جنة عدن ألنھا قريبة منھا.‏ ويعرفون الرمي بالقوس،‏ ولكن<br />

ال يمكن أن يقتلوا بھا.‏ وتحكمھم جميعھم امرأة اسمھا ملكة سبإ.‏ فإذا تعلقت إرادة موالي الملك<br />

فليمنطق حقوي ھذا الشخص وأرتفع وأصعد إلى حصن قيطور إلى مدينة سبأ،‏ وأنا أقيِّ‎د ملوكھم<br />

بالسالسل وأشرافھم بأغالل الحديد،‏ وأحضرھم إلى سيدي الملك<br />

))<br />

.<br />

((<br />

١<br />

فوقع ھذا الكالم عند الملك موقعاً‏ حسناً،‏ فدُعي كتبة الملك وكتبوا كتاباً‏ ربطوه بجناحي<br />

ديك الصحراء،‏ فقام وارتفع إلى السَّ‎ماء وربط تاجه وتقوى وطار بين الطيور.‏ فطاروا خلفه<br />

وتوجھوا إلى قلعة قيطور إلى مدينة سبأ.‏ واتفق في الفجر أن ملكة سبإ كانت خارجة إلى البحر<br />

للعبادة،‏ فحجبت الطيور الشمس.‏ فوضعت يدھا على ثيابھا ومزقتھا ودُھشت واضطربت.‏ ولما<br />

سورة النمل:‏<br />

.٤٤ و‎٢٠‎ ١٧ /٢٧<br />

- ٢٢ -


))<br />

كانت مضطربة دنا منھا ديك الصحراء،‏ فرأت كتاباً‏ مربوطاً‏ في جناحه ففتحته وقرأته،‏ وھاك ما<br />

كُتب فيه:‏<br />

مني أنا الملك سليمان،‏ سالم ألمرائك.‏ ألنك تعرفين أن القدوس المبارك<br />

جعلني ملكاً‏ على وحوش الصحراء وعلى طيور الھواء وعلى الجن وعلى<br />

األرواح وعلى العفاريت وكل ملوك الشرق والغرب والجنوب والشمال،‏<br />

يأتون للسؤال عن سالمتي.‏ فإذا أردتِ‏ وأتيتِ‏ للسؤال عن صحتي فحسناً‏<br />

تفعلين،‏ وأنا أجعلك أعظم من جميع الملوك الذي يخرون سُجَّداً‏ أمامي.‏ وإذا<br />

لم تطيعي ولم تأتي للسؤال عن صحتي أرسل عليك ملوكاً‏ وجنوداً‏<br />

وفرساناً.‏ وإذا قلتِ:‏ ما ھم الملوك والجنود والفرسان الذين عند الملك<br />

سليمان؟ إن حيوانات الصحراء ھم ملوك وجنود وفرسان.‏ وإذا قلت:‏ ما<br />

ھي الفرسان؟ قلت إن طيور الھواء ھي فرسان،‏ وجيوشي األرواح والجن<br />

والعفاريت.‏ ھم الجنود الذين يخنقونكم في فرشكم في داخل بيوتكم.‏<br />

حيوانات الصحراء يقتلونكم في الخالء.‏ طيور السَّماء تأكل لحمكم منكم<br />

.<br />

((<br />

.<br />

))<br />

((<br />

فلما سمعت ملكة سبإ أقوال الكتاب ألقت ثانية يدھا على ثيابھا ومزقتھا،‏ وأرسلت<br />

واستدعت الرؤساء واألمراء وقالت لھم:‏ ألم تعرفوا ما أرسله إليَّ‏ الملك سليمان؟ فأجابوا:‏ ال<br />

نعرف الملك سليمان،‏ وال نعتد بمملكته،‏ وال نحسب له حساباً.‏ فلم تصغِ‏ إلى أقوالھم بل أرسلت<br />

واستدعت كل مراكب البحر وشحنتھا ھدايا وجواھر وحجارة ثمينة،‏ وأرسلت إليه ستة آالف ولداً‏<br />

وابنة وكلھم ولدوا في سنة واحدة وشھر واحد ويوم واحد وساعة واحدة،‏ وكانوا كلھم البسين<br />

ثياباً‏ أرجوانية.‏ ثم كتبت كتاباً‏ أرسلته إلى الملك سليمان على أيديھم وھذا نصه:‏<br />

من قلعة قيطور إلى أرض إسرائيل،‏ سفر سبع سنين.‏ إنه بواسطة<br />

صلواتك وبواسطة استغاثاتك التي ألتمسھا منك سآتي إليك بعد ثالث سنين<br />

فحدث بعد ثالث سنين أن أتت ملكة سبإ إلى الملك سليمان.‏ ولما سمع أنھا أتت أرسل<br />

إليھا بنايا بن يھوياداع الذي كان كالفجر الذي يبزغ في الصباح،‏ وكان يشبه كوكب الجالل ‏(أي<br />

الزھرة)‏ التي تتألأل وھي ثابتة بين الكواكب،‏ ويشبه السوسن المغروس على مجاري المياه.‏ ولما<br />

رأت ملكة سبإ بنايا بن يھوياداع نزلت من العربة،‏ فقال لھا:‏ لماذا نزلت من عربتك؟ فأجابته:‏<br />

ألست أنت الملك سليمان؟ فأجابھا:‏ لست أنا الملك سليمان بل أحد خدامه الواقفين أمامه.‏ ففي<br />

الحال التفتت إلى خلفھا ونطقت بمثل لألمراء وھو:‏ إذا لم يظھر أمامك األسد فقد رأيتم ذريته.‏<br />

فإذا لم تروا الملك سليمان فقد شاھدتم جمال شخص واقف أمامه.‏ فأتى بنايا بن يھوياداع أمام<br />

الملك.‏ ولما بلغ الملك أنھا أتت أمامه،‏ قام وذھب وجلس في بيت بلوري.‏ ولما رأت ملكة سبإ أن<br />

الملك جالس في بيت بلوري توھمت في قلبھا قائلة:‏ إن الملك جالس في الماء،‏ فرفعت ثوبھا<br />

لتعبر،‏ فرأى أن لھا شعراً‏ على الساقين.‏ فقال لھا:‏ إن جمالك ھو جمال النساء وشعرك ھو شعر<br />

الرجل،‏ فالشعر ھو حلية الرجل ولكنه يعيب المرأة.‏ فقالت:‏ يا موالي الملك،‏ سأنطق لك بثالثة<br />

أمثال.‏ فإذا فسَّرتھا لي فأعرف أنك حكيم،‏ وإال كنت كسائر الناس.‏ ففسر لھا الملك سليمان الثالثة<br />

األمثال،‏ فقالت:‏ يتبارك الرب إلھك الذي سُ‎رَّ‏ بك وأجلسك على عرش المملكة لتجري قضا ‏ًء<br />

وعدالً.‏ وأعطت للملك ذھباً‏ وفضة،‏ وأعطاھا الملك كل ما اشتھت<br />

.<br />

((<br />

فترى في ھذه القصة اليھودية أنه ذكر فيھا بعض األمثال التي طلبت ملكة سبإ من<br />

سليمان حلھا.‏ ومع أنه لم يرد لھا ذكر في القُرْ‏ آن إال أنھا ذكرت في األحاديث.‏ وبما أن القُرْ‏ آن لم<br />

- ٢٣ -


يستوفِ‏ وصف ساقي الملكة،‏ وجب استيفاء تكملتھا من األحاديث.‏ وھذا ما جاء في كتاب<br />

عرائس المجالس ‏(ص ٤٣٨)، فقد ذكر أنه لما أرادت ملكة سبإ الدخول إلى قصر سليمان<br />

وتوھمت أن البلور ماء،‏ كشفت عن ساقيھا لتخوضه إلى سليمان.‏ فنظر سليمان فإذا ھي أحسن<br />

الناس ساقاً‏ وقدماً،‏ إال أنھا كانت شعراء الساقين.‏ فصرف بصره عنھا وناداھا أنه صرح ممرد<br />

من قوارير.‏<br />

))<br />

))<br />

((<br />

((<br />

١<br />

.<br />

((<br />

ولقصة ملكة سبإ ‏(وفي العبرية شبا)‏ أساس حقيقي،‏ فقد جاءت قصة زيارتھا إلى سليمان<br />

في الكتاب المقدس،‏ فقال:‏ وسمعت ملكة سبإ بخبر سليمان لمجد الرب فأتت لتمتحنه بمسائل.‏<br />

فأتت إلى أورشليم بموكب عظيم جداً‏ بجمال حاملة أطياباً‏ وذھباً‏ كثيراً‏ جداً‏ وحجارة كريمة،‏ وأتت<br />

إلى سليمان وكلمته بكل ما كان بقلبھا.‏ فأخبرھا سليمان بكل كالمھا.‏ لم يكن أمراً‏ مخفياً‏ عن الملك<br />

لم يخبرھا به.‏ فلما رأت ملكة سبإ كل حكمة سليمان والبيت الذي بناه وطعام مائدته ومجلس<br />

عبيده وموقف خدامه ومالبسھم وسُقاته ومحرقاته التي كان يُصعدھا في بيت الرب لم يبقَ‏ فيھا<br />

روحٌ‏ بعد.‏ فقالت للملك:‏ صحيحاً‏ كان الخبر الذي سمعتُه في أرضي عن أمورك وعن حكمتك،‏<br />

ولم أصدق األخبار حتى جئت وأبصرت عيناي.‏ فھوذا النصف لم أُخبَر به.‏ زدتَ‏ حكمة وصالحاً‏<br />

على الخبر الذي سمعته.‏ طوبى لرجالك وطوبى لعبيدك ھؤالء الواقفين أمامك دائماً‏ السامعين<br />

حكمتك.‏ ليكن مباركاً‏ الرب إلھك الذي سُ‎رَّ‏ بك وجعلك على كرسي إسرائيل،‏ ألن الرب أحب<br />

إسرائيل إلى األبد.‏ جعلك ملكاً‏ لتُجري حكماً‏ وبراً.‏ وأعطت الملك مئة وعشرين وزنة ذھب<br />

وأطياباً‏ كثيرة جداً‏ وحجارة كريمة لم يأتِ‏ بعد مثل ذلك الطيب في الكثرة الذي أعطته ملكة سبإ<br />

للملك سليمان<br />

فھذا ھو أصل القصة،‏ وما زاد على ذلك فھو زيادات وھمية خرافية،‏ كما قرر علماء<br />

اليھود أنفسھم.‏ نعم وجد أيضاً‏ في سفري الملوك وأخبار األيام تفصيل عن عرش سليمان الرفيع،‏<br />

ولكن لم يرد شيء عن حمله ونقله.‏ وما ورد في القُ‎رْ‏ آن بخصوص حكم سليمان على الجن<br />

والعفاريت يطابق ما ورد في كتاب الترجوم المذكور سابقاً.‏ ولكن ھذه الرواية وھمية،‏ فقد قال<br />

علماء اليھود إن ھذا المفسر بنى أوھامه على ما اقترفه من الخطأ في ترجمة كلمتين عبريتين<br />

سيدة وسيدات ألنه لما كان يندر<br />

ھما (( شِدّاه وشِدّوْ‏ تْ‏ من سفر الجامعة<br />

وجود ھاتين الكلمتين في العبرية،‏ خلط ھذا المفسر الجاھل بينھما لعدم معرفته بمعناھما<br />

الصحيح،‏ فاشتبھتا عليه بكلمتين فسَّ‎رھما بالجن.‏ وكان له إلمام بالكلمتين الدالتين على الجن<br />

‏(وھما شِ‏ دو،‏ وشِ‏ ديم).‏ وكل من تحرى قصة ملكة سبإ التي ترجمناھا من كتاب الترجوم يظھر له<br />

بال شك أن ھذه الخرافة تشبه الحكايات الواردة في كتاب ألف ليلة وليلة شبھاً‏ كثيراً.‏ ولكن لما لم<br />

يكن مُحَ‏ مَّد عارفاً‏ بذلك،‏ وقد سمع ھذه الرواية من اليھود،‏ توھَّم أنھم أخذوھا عن التوراة وتلوھا<br />

عليه،‏ فأوردھا في القُرْ‏ آن.‏<br />

) ٤ً) قصة ھاروت وماروت:‏<br />

((<br />

/٢) .(٨ ومعناھما ))<br />

مع أن كثيراً‏ من قصص القُرْ‏ آن مستعارة من الخرافات اليھودية،‏ نكتفي بسرد قصة<br />

ھاروت وماروت قبل أن ننتقل إلى الكالم على ما ھو أھم من ذلك.‏ ونوردھا أوالً‏ من القُ‎رْ‏ آن<br />

واألحاديث،‏ ثم ننقل ما ورد منھا في كتب اليھود،‏ ونقارنھا بعد ذلك بما ورد في القُ‎رْ‏ آن<br />

واألحاديث.‏<br />

))<br />

((<br />

١<br />

١٠ ‎١‎ملوك:‏ ١ /١٠<br />

؛ ‎٢‎أخبار األيام:‏<br />

.٥ /٩<br />

- ٢٤ -


((<br />

))<br />

<br />

))<br />

١<br />

. <br />

قال القُرْ‏ آن:‏ وَ‏ مَ‎ا كَفَ‎رَ‏ سُ‎لَيْمَانُ‏ ؛ وَ‏ لَكِ‎نَّ‏ الشَّ‎يْاطِ‏ ينَ‏ كَفَ‎رُواْ‏ ‏ُيعَلِّمُ‎ونَ‏ النَّ‎اسَ‏ السِّ‎حْ‏ ‏َر،‏ وَ‏ مَ‎ا<br />

أُنزِ‏ لَ‏ عَلَى الْمَلَكَيْنِ‏ بِبَابِلَ:‏ ھَارُوتَ‏ وَ‏ مَارُوتَ‏ ، وَ‏ مَا يُعَلِّمَانِ‏ مِنْ‏ أَحَدٍ‏ حَ‏ تَّى يَقُوالَ:‏ إِنَّمَا نَحْ‏ نُ‏ فِتْنَ‎ةٌ‏ فَ‎الَ‏<br />

تَكْفُرْ‏ وقد ورد في عرائس المجالس في تفسير ھذه اآلية:‏<br />

قال المفسرون إن المالئكة لما رأوا ما يصعد إلى السماء من أعمال بني<br />

آدم الخبيثة ، وذلك في زمن إدريس النبي ع عيَّ‎روھم بذلك وأنكروا<br />

عليھم،‏ وقالوا : إن ھؤالء الذين جعلتھم خلفاءً‏ في األرض واخترتھم<br />

يعصونك.‏ فقال تعالى:‏ لو أنزلتُكم إلى األرض وركَّبتُ‏ فيكم ما ركبت فيھم<br />

لفعلتم مثل ما فعلوا.‏ قالوا:‏ سبحانك ربنا ما كان ينبغي أن نعصيك.‏ قال <br />

تعالى : اختاروا مَلَكين من خياركم أُھبِطھما إلى األرض.‏ فاختاروا ھاروت<br />

وماروت،‏ وكانا من أصلح المالئكة وأعبدھم.‏ قال الكلبي:‏ قال تعالى :<br />

اختاروا ثالثة منكم.‏ فاختاروا عزا وھو ھاروت وعزابيا وھو ماروت<br />

وعزرائيل.‏ وإنما غيَّر اسمھما لما اقترفا من الذنب،‏ كما غيَّر اسم إبليس<br />

وكان اسمه عزازيل.‏ فر ‏َّكب تعالى فيھم الشھوة التي ركبھا في بني آدم<br />

وأَھبطھم إلى األرض،‏ وأمرھم أن يحكموا بين الناس بالحق،‏ ونھاھم عن<br />

الشِّ‎رك والقتل بغير الحق والزنا وشرب الخمر.‏ فأما عزرائيل فإنه لما<br />

وقعت الشھوة في قلبه استقال ربه،‏ وسأله أن يرفعه إلى السماء.‏ فأقاله<br />

ورفعه.‏ وسجد أربعين سنة ثم رفع رأسه ولم يزل بعد ذلك مطأطأ رأسه<br />

حياءً‏ من تعالى.‏ وأما اآلخران فإنھما ثبتا على ذلك يقضيان بين الناس<br />

يومھما،‏ فإذا أمسيا ذكرا اسم تعالى األعظم،‏ وصعدا إلى السماء.‏ قال<br />

قتادة:‏ فما مرَّ‏ عليھما شھر حتى افتتنا،‏ وذلك أنه اختصمت إليھما ذات يوم<br />

الزھرة،‏ وكانت من أجمل النساء.‏ قال عليٌّ‏ ) ع ( : كانت من أھل فارس،‏<br />

وكانت ملكة في بلدھا.‏ فلمّا رأياھا أخذت بقلبيھما،‏ فراوداھا عن نفسھا فأبت<br />

وانصرفت.‏ ثم عادت في اليوم الثاني،‏ ففعال مثل ذلك،‏ فقالت:‏ ال،‏ إال أن<br />

تعبدا ما أعبد وتصلِّيا لھذا الصنم وتقتال النفس وتشربا الخمر.‏ فقاال:‏ ال<br />

سبيل إلى ھذه األشياء،‏ فإن قد نھانا عنھا.‏ فانصرفت ثم عادت في اليوم<br />

الثالث ومعھا قدح من خمر،‏ وفي نفسھا من المَيل إليھما ما فيھا،‏ فراوداھا<br />

عن نفسھا فأبت،‏ وعرضت عليھما ما قالت باألمس،‏ فقاال:‏ الصالة لغير َّ ِ<br />

أمر عظيم،‏ وقتل النفس عظيم،‏ وأھون الثالثة شرب الخمر.‏ فشربا الخمر<br />

فانتشيا ووقعا بالمرأة وزنيا بھا،‏ فرآھما إنسان فقتاله.‏ قال الربيع بن أنس:‏<br />

وسجدا للصنم فمسخ الزھرة كوكباً.‏ وقال عل ‏ٌّي رضي ّ عنه والسّ‎دي<br />

والكلبي إنھا قالت:‏ ال تدركاني حتى تعلّماني الذي تصعدان به إلى السماء.‏<br />

فقاال:‏ نصعد باسم األكبر.‏ فقالت:‏ فما أنتما بمدركيَّ‏ حتى تعلمانيه.‏ قال<br />

أحدھما لصاحبه:‏ علِّمھا،‏ فقال:‏ إني أخاف . فقال اآلخر:‏ فأين رحمة<br />

تعالى ؟ فعلَّماھا ذلك فتكلمت به وصعدت إلى السماء،‏ فمسخھا )) كوكباً‎<br />

.<br />

(<br />

)<br />

))<br />

فإذا أخذنا في البحث والتحري عن أصل ھذه القصة وجدناھا في موضعين أو في ثالثة<br />

مواضع من تلمود اليھود،‏ والسيما في مدراش يَلْكوت ‏(فصل ٤٧) وھاك نص ترجمتھا:‏<br />

((<br />

١<br />

سورة البقرة:‏<br />

.١٠٢ /٢<br />

- ٢٥ -


))<br />

((<br />

١<br />

))<br />

))<br />

استفھم تالميذ يوسف الرباني من أستاذھم عن عزائيل،‏ فقال لھم:‏ لما قام<br />

جيل الطوفان،‏ ودانوا بالعبادة الباطلة،‏ سخط عليھم القدوس تبارك اسمه.‏<br />

فقام مَلَكان شمحزاي و عزائيل وقاال بحضرته:‏ يا رب العالم،‏ ألم<br />

نقل لك بحضرتك لما خلقت عالمك:‏ من ھو اإلنسان حتى تذكره؟ فقال<br />

لھما:‏ وأما العالم فماذا يحصل له؟ فقاال له:‏ يا رب العالم نتسلط عليه.‏ فقال<br />

لھما:‏ إنه مكشوف ومعلوم بأنه إذا تسلطتم على األرض تتسلط عليكم<br />

الشھوة الردية،‏ وتكونون أكثر من بني آدم عناداً.‏ فقاال له:‏ ائذن لنا أن<br />

نسكن مع الخالئق،‏ وترى كيف نقدس اسمك.‏ فقاال لھما:‏ اھبطا واسكنا<br />

معھم.‏ فنظر شمحزاي صبية واسمھا إسطھر ‏(أستير)‏ فشخص وقال لھا:‏<br />

أطيعيني.‏ فقالت له:‏ ال أصغي لك ما لم تعلمني االسم المختص ‏(با‏)‏ الذي<br />

في ساعة ذكرك إياه أصعد إلى الفلك.‏ فعلمھا إياه،‏ فذكرته وصعدت إلى<br />

الفلك أيضاً‏ ولم تدنِّس عرضھا.‏ قال القدوس تبارك اسمه:‏ بما أنھا نزھت<br />

نفسھا عن التجاوز فاذھبوا واجعلوھا بين السبعة الكواكب لتكونوا طاھرين<br />

من جھتھا إلى األبد.‏ فوُ‏ ضعت بين الثريا.‏ وتنجَّسا مع بنات آدم اللواتي كنَّ‏<br />

جميالت ولم يقدرا على قمع شھوتھما،‏ فقاما واتخذا زوجات وولدا ولدين<br />

‏(ھوآء)‏ و(ھيآء).‏ فاستعان عزائيل بالحلي المتنوعة وأنواع زخرفات النساء<br />

المبھرجة على إغواء بني آدم وإغرائھم على اقتراف التعدّي<br />

٢<br />

.<br />

((<br />

((<br />

]<br />

ومما يجب التنبيه إليه أن عزرائيل الذي تقدم ذكره في األحاديث<br />

المذكورة آنفاً‏ ھو ذات عزائيل المذكور في التلمود<br />

[<br />

((<br />

))<br />

ومن قارن ھاتين القصتين يرى أنھما قصة واحدة.‏ غاية األمر أن الحديث قال إن<br />

المالكين اللذين أخطئا ھما ھاروت وماروت،‏ مع اعترافه بأنھما كانا يسميان في األصل باسمين<br />

آخرين.‏ أما في مدراش يَلْكوت فتسمَّيا بشمحزاي وعزائيل.‏ ولكن إذا سأل سائل:‏ مِ‎ن أين<br />

استُعير االسم الوارد في القُرْ‏ آن واألحاديث؟ قلنا:‏ إننا نرى بعد التحري أن ھاروت وماروت ھما<br />

اسما إلھين قديمين كاذبين كانا يعبدھما األرمن في األزمنة القديمة.‏ وقد ذكر مؤرخو األرمن أن<br />

وھاك نص عبارة أحد<br />

ھوروت وموروت األرمن كانوا يعبدون إلھين اسمھما باللغة األرمنية مؤرخي األرمن:‏<br />

((<br />

))<br />

))<br />

ھوروت وموروت كانا بال شك من أعوان اإللھة أسبانداراميت وھما<br />

بطال جبل مازيس و((‏ أمينابيغ أيضاً.‏ وربما كانت توجد آلھة أخرى<br />

ال علم لنا بھا إلى اآلن،‏ وكانوا من أعظم المساعدين على تقوية األرض<br />

وجعلھا مخصبة كثيرة الكسب<br />

((<br />

))<br />

((<br />

.<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

وإليضاح ھذه الجملة نقول إن أسبانداراميت كانت اإلالھة التي عبدھا الفرس أيضاً‏<br />

ألن الزارادشتيين كانوا يعتقدون أنھا روح األرض،‏ وأنھا سبب كل ما نبت على األرض من<br />

المحصوالت الطيبة واألثمار اليانعة.‏ وكان سكان أرمينيا يسمون إله الكروم أمينابيغ وقالوا<br />

إن ھوروت وموروت ھما اإللھان المساعدان إللھة األرض إذ توھموا أنھما الروحان المتسلطان<br />

على الرياح،‏ وھما اللذان يحمالن ويسخران الرياح التي كانت تجمع السحاب الذي يأتي بالمطر<br />

ليصدم قمة جبل أرارات الشامخة فتھطل األمطار على األرض،‏ وحينئذ تقوى األرض على<br />

((<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

١<br />

٢<br />

يعني القوم الذين كانوا موجودين في عصر طوفان نوح.‏<br />

.٤ /٨ مزمور:‏<br />

- ٢٦ -


جاجل<br />

إنبات النباتات وإخراج المحصوالت..‏ فيتضح من ھذا أن ھوروت وموروت كانا في األصل<br />

روحين للرياح،‏ ومما يؤيد ذلك أن كثيراً‏ ما ذكر في كتب الھنود القديمة كلمة المرتون<br />

فإن قدماء الھند كانوا يعتقدون أنھم آلھة الزوابع القاصفة والرياح العاصفة.‏ وبناءً‏ على ذلك<br />

انتقلت كلمة مرت إلى اللغة األرمنية وصارت موروت . فتوھَّم األرمن أن موروت<br />

مشتقَّة من كلمة مور باللغة األرمنية،‏ وھي مضاف إليه لكلمة معناھا أم ثم وضعوا<br />

لفظة ھور في مقابلة كلمة مور لحصول المناسبة،‏ فإن معنى ھور بلغتھم مضاف<br />

إليه لكلمة معناھا أب . وبھذه الكيفية صاغوا كلمة ھوروت وموروت.‏ وھذا ھو أصل<br />

وضعھما ومنشئھما.‏ فيكون المقصود من قوله إن ھذين الملكين ھبطا من السَّ‎ماء وماال إلى<br />

التناسل أن ھذين الروحين اللذين في قبضتھما الرياح ساعدا األرض على إنبات المحصوالت<br />

وإخراج الثمار بتسخيرھما الرياح التي كانت تسوق سحب األمطار.‏<br />

.<br />

((<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

((<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

))<br />

((<br />

))<br />

))<br />

أما اسطھر وھو اسم الصبية الواردة في القصة اليھودية فھي ذات عشتاروت<br />

إحدى اآللھة الكاذبة التي كان يعبدھا عبَ‎دة األصنام القدماء،‏ وھي الزھرة،‏ أي الكوكب السِّ‎يار<br />

التي ورد اسمھا في األحاديث التي ذكرناھا آنفاً.‏ وكان أھل بابل في قديم الزمان يعتقدون أن ھذا<br />

الكوكب السيار إالھة،‏ فكان كل سكان بابل وسوريا يعبدونھا،‏ ألنھم زعموا أنھا رئيسة التوليد<br />

وإنتاج الذرية،‏ وتوھموا أيضاً‏ أنھا كانت تفرح من كل أنواع الفسق والفجور.‏ ووجدت كلمة<br />

أشتر وھو اسمھا منقوش في قوالب آجر قديمة اكتُشفت في بالد ما بين النھرين،‏ ووجدت كتابة<br />

منقوشة باألحرف األشورية األثرية القديمة على قوالب اللِّ‎بن المشوي،‏ فإن بعض ھذه القوالب<br />

كانت عند القدماء بمنزلة كتبھم،‏ ووُ‏ جدت فيھا روايات كثيرة عن أشتر أي الزھرة.‏ وھاك<br />

ترجمة قصة منھا،‏ تُرجمت من اللغة البابلية القديمة،‏ فأفادتنا عن شخص وھمي ال وجود له اسمه<br />

ميش عشقته أشتر ولكنه لم يمل إليھا:‏<br />

((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

))<br />

.<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

.((<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

لبس جلجاميش تاجه.‏ ولما أرادت اإلالھة أشتر أن تستميله إليھا قالت له:‏<br />

قبِّلني يا جلجاميش،‏ ويا ليتك تكون عريسي.‏ أعطني ثمرك عطية،‏ وليتك<br />

كنت بعلي وأنا زوجة لك فكنت أركب عربة من الزورد وذھب وعجلتاھا<br />

من ذھب وعريشاھا من الماس،‏ وكنا نقطر البغال العظيمة إليھا يوماً.‏<br />

فادخل إلى بيتنا مع عطر السرور.‏ غير أن جلجاميش استھزأ بأشتر وأنَّبھا<br />

ولم يرضَ‏ أن يتخذھا زوجة له<br />

ثم ذكر في ھذه القوالب باقي القصة:‏ فاغتاظت اإلالھة أشتر وصعدت إلى السموات<br />

ومثلت أمام اإلله أنو وھو إله السَّماء الذي كان يعبده البابليون،‏ وكانوا يعتقدون أن اشتر ھي<br />

ابنته.‏<br />

من الواضح أن ھذه القصة القديمة المتداولة بين عبدة األصنام البابليين ذكرت صعود<br />

أشتر ‏(أي الزھرة)‏ إلى السَّ‎ماء،‏ كما ذُكر صعودھا في األحاديث اإلِسْ‏ المية وفي التفسير<br />

اليھودي الذي استشھدنا بعبارته.‏ وليس ذلك فقط بل ورد في الكتاب الھندي المكتوب بلغة<br />

سنسكريت القديمة واسمه المھابھارته ما يشبه ھذه الخرافة،‏ إذ قيل فيه إن روحين اسمھما<br />

سُند و((‏ أُبْسُند ناال في قديم الزمان من اإلله برھما فضالً‏ واستحقاقاً‏ بواسطة تقشفھما<br />

وزھدھما.‏ فتسلطا على السَّ‎ماء واألرض واستوليا عليھا استيال ‏ًء.‏ فداخل ھذا اإلله الجزع لئال<br />

تخرج جميع أمالكه من يده ما لم يقتل خصميه اللذين شاطراه الملك.‏ وليتوصَّ‎ل إلى إھالكھما<br />

خلف حورية اسمھا تلوتما ووھبھا لھما.‏ ولما شاھدھا ھذان األخان أخذھا سند من يدھا<br />

اليمنى وأخذھا أبسند من يدھا اليسرى،‏ ورغب كل منھما أن يتَّخذھا قرينة له.‏ فنشأ عن ذلك<br />

بين األخين العداوة والبغضاء،‏ واستفحل الشر حتى اقتتال فقُتال،‏ فبارك اإلله برھما الحورية<br />

))<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

((<br />

- ٢٧ -


((<br />

))<br />

تلوتما وأثنى عليھا ثناءً‏ جميالً،‏ وقال لھا:‏ ستحيطين بجميع الدنيا التي تشرق عليھا الشمس،‏<br />

وال يمكن ألحد أن يفتح عينيه فيك لعظم بھائك وسنا أشعة زينتك وتفوُّ‏ ق جمالك الرائع الباھر.‏<br />

١<br />

فنرى أنه ورد في ھذه الخرافة ذكر الصعود إلى الفلك،‏ والحورية التي كان جمالھا رائعاً‏<br />

وباھراً،‏ ولو أنھا تختلف اختالفاً‏ قليالً‏ عن الزھرة وأشتر،‏ فالزھرة أشتر حسب الرواية اليھودية<br />

واألحاديث اإلِسْ‏ المية كانت على األرض قبل صعودھا إلى الفلك.‏ ولكنھا حسب الرواية الھندية<br />

البابلية كانت ذات صلة بالسَّماء من أول األمر،‏ العتقادھم أن أشتر كانت إالھة،‏ وكذلك تلوتما<br />

الحورية.‏ وھنالك اختالف آخر وھو أن الروحين في الرواية الھندية اللذين عشقاھا كان أوالً‏<br />

على األرض،‏ ولكنھما في الرواية اليھودية واإلِسْ‎المية ھبطا من الفلك.‏ وقال الھنود إن ھذين<br />

األخين تناسال من إلھة اسمھا دتي فيكون أصلھما حسب الرواية الھندية أيضاً‏ من السَّ‎ماء.‏<br />

والحاصل أن جميع ھذه القصص تشبه بعضھا من وجوه كثيرة،‏ وكانت سائدة بين الوثنيين في<br />

األزمنة القديمة.‏<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

وقال المحققون إنه لما كان اليھود يميلون إلى الخرافات،‏ أخذوا من عبدة أصنام بابل<br />

قصة أشتر ولما نسوا أصلھا اعتقدوا في األزمنة الحديثة أنھا حكاية صحيحة،‏ فدوَّ‏ نوھا في<br />

التلمود بالصورة التي وجدناھا عليھا.‏ ولما سمع المسلمون ھذه الحكاية من اليھود ولم يعرفوا<br />

أنھا خرافة،‏ دوَّ‏ نوھا مختصرة في القُرْ‏ آن كأنھا صحيحة،‏ وأوردوھا مفصلة في األحاديث.‏<br />

وإذا سأل سائل:‏ لماذا قبلھا اليھود؟ قلنا إن السبب خطؤھم في فھم معنى فقرة في سفر<br />

التكوين.‏ وكل ما كتب في التلمود عن معاشرة المالئكة للنساء اآلدميات ناشئ عن تفسير تلك<br />

الفقرة،‏ وھي:‏ وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على األرض ووُ‏ لد لھم بنات أن أبناء رأوا<br />

بنات الناس أنھن حسنات،‏ فاتخذوا ألنفسھم نساء من كل ما اختاروا..‏ كان في األرض طغاة في<br />

تلك األيام.‏ وبعد ذلك أيضاً‏ إذ دخل بنو على بنات الناس وولدن لھم أوالداً.‏ ھؤالء ھم الجبابرة<br />

الذين منذ الدھر ذوو اسم والقول يصف األتقياء الصالحين الذين تناسلوا من<br />

شيث،‏ ابن آدم الثالث.‏ واألرجح أن معنى كلمة نفيل ھو مثل قولنا في اللغة العربية نبيل<br />

وجمعھا نبالء.‏ وقال البعض إنھا تدل على العتاة الذين يتعدّون على الضعاف ويظلمونھم.‏<br />

وترجم كتاب ترجوم أونتلوس كلمة نفيليم الواردة في اآلية المتقدمة بكلمة كلدية معناھا<br />

بالعربية الجبابرة مشتقَّة من أصل ھذه الكلمة العبرية،‏ وال شك أن ھذا ھو الصواب.‏ ولكن<br />

لما كان أحد مفسري قدماء اليھود ‏(واسمه يوناثان بن عزئيل)‏ يجھل معنى كلمة نفيليم<br />

العبرية النادرة االستعمال توھَّم أن معناھا المالئكة الساقطين ففسَّ‎ر آية تكوين بأن<br />

شمحزاي وعزئيل ھبطا من السَّماء وكانا على األرض في تلك األيام.‏ فمن ھنا نرى أن منشأ ھذه<br />

الخرافة من أولھا إلى آخرھا عن أشتر المذكورة في مدراش يلكوت ھو الخطأ الذي اقترفه<br />

ھذا الرجل وغيره ممن نحا نحوه،‏ فقبلوا إحدى خرافات عبدة األصنام البابليين جھالً،‏ وتوھموا<br />

أنھا تبين معنى آية في التوراة التبس عليھم معناھا فلم يفھموھا.‏ ومع ذلك فال عذر لھم،‏ فإن أحد<br />

علماء اليھود المفسرين،‏ وھو أقدم منھم عھداً‏ وزمناً‏ وأرسخ منھم قدماً،‏ فسَّ‎ر ھذه اللفظة وشرح<br />

معناھا الحقيقي الذي التبس عليھم.‏<br />

((<br />

((<br />

٢<br />

))<br />

))<br />

(٦ /٤)<br />

((<br />

((<br />

))<br />

٤<br />

((<br />

((<br />

أبناء <br />

))<br />

))<br />

))<br />

((<br />

٣<br />

.((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

١<br />

وبما أن جُھّال اليھود كانوا يميلون إلى الخرافات،‏ وكانوا مولعين بذكر الغرائب،‏ فال<br />

عجب إذا وجدنا في بعض كتبھم قصة سقوط المالئكة وخطيتھم بھذه الكيفية.‏ ففي بدء األمر قال<br />

كتاب المھابھارته في باب رواية ) سُند وأُبسند وباكھيانم<br />

في العبرية:‏ النفيليم.‏<br />

تكوين:‏ و‎٢‎ و‎٤‎‏.‏<br />

جمعھا نفيليم في العبرية.‏<br />

(<br />

١/٦<br />

٢<br />

٣<br />

٤<br />

أي قصة سند وأبسند.‏<br />

- ٢٨ -


))<br />

اليھود إن مالكين ھبطا وسقطا،‏ ولكنھم بعد ذلك زادوا عددھم من حين إلى آخر في الخرافات<br />

المتواترة بينھم.‏ وفي آخر األمر ورد في الكتاب الملفَّق المنسوب كذباً‏ وزوراً‏ إلى النبي أخنوخ<br />

أن عدد المالئكة الذين ھبطوا من السَّماء بلغ ٢٠٠، وسبب ھبوطھم جميعاً‏ أنھم اقترفوا الفسق مع<br />

النساء.‏ ونورد ھنا الفقرة اآلتية من كتاب أخنوخ المشار إليه،‏ مترجمة من اللغة الحبشية،‏<br />

ألن األصل اليوناني لھذا الكتاب وصل إلينا بحالة متناثرة وناقصة.‏ وإليك ترجمة ھذه العبارة:‏<br />

((<br />

))<br />

رأت ‏(بنات الناس)‏ أن المالئكة وھم أبناء السموات قد افتتنوا بھ ‏ّن،‏ وقالوا<br />

بعضھم لبعض:‏ تعالوا نأخذ ألنفسنا زوجات من بنات الناس ونخلف أوالداً‏<br />

ألنفسنا.‏ فقال لھم سميازا ‏(أي شمحزاي)‏ الذي ھو رئيسھم..‏ وعلَّ‎م إزازيل<br />

‏(أي عزازيل)‏ بني آدم صناعة السيوف والخناجر والتروس والدروع<br />

لصدورھم،‏ وأراھم وأعقابھم ومصنوعاتھم ‏(يعني األساور والحلي)‏<br />

واستعمال الكحل لتزجيج أھداب عيونھم،‏ واستعمل جميع أنواع الصباغة<br />

المتنوعة وعملة الدنيا ‏(أي النقود التي يتعامل بھا اإلنسان في ھذه الدنيا)‏<br />

<br />

٢<br />

١<br />

.((<br />

ومعروف أن مسألة تعليم المالئكة للناس األمور المذكورة آنفاً‏ وردت في القرآن:‏<br />

فَيَتَعَلَّمُونَ‏ مِنْھُمَا مَا يُفَرِّ‏ قُونَ‏ بِ‎هِ‏ بَ‎يْنَ‏ الْمَ‎رْ‏ ءِ‏ وَ‏ زَ‏ وْ‏ جِ‎هِ‏ وَ‏ مَ‎ا ھُ‎م بِضَ‎آرِّ‏ ينَ‏ بِ‎هِ‏ مِ‎نْ‏ أَحَ‏ دٍ‏ إِالَّ‏ بِ‎إِذْ‏ نِ‏ ّ ِ<br />

وَ‏ يَتَعَلَّمُونَ‏ مَا يَضُرُّھُمْ‏ وَ‏ الَ‏ يَنفَعُھُ‏ ‏ْم ؛ ويقصد بالمالكين المشار إليھما ھنا ھاروت وماروت<br />

غير أن القُرْ‏ آن انتحل ذكر تعليم المالكين للناس أيضاً‏ مما ورد في مدراش يلكوت حيث<br />

ذكر أن عزازيل استعان بالحلي المتنوعة وأنواع زخرفات النساء المبھجة إلغواء بني آدم على<br />

اقتراف الفجور.‏<br />

((<br />

))<br />

))<br />

.((<br />

فما قلناه عن ھاروت وماروت يجوز أن يكون برھاناً‏ كافياً‏ يؤيد أن ھذه القصة أيضاً‏<br />

مأخوذة من كتب اليھود.‏<br />

) ٥ً) جبل سيناء<br />

لوال ضيق المقام ألوردنا من القُرْ‏ آن قصصاً‏ شتى يسھل علينا البحث فيھا وإقامة الدليل<br />

على أنھا لم تكن مطابقة لنصوص التوراة،‏ بل موافقة للخرافات التي ألَّفھا كَتَبة اليھود.‏ مثالً‏ أورد<br />

القُرْ‏ آن في قصص يوسف وداود وشاول ‏(طالوت)‏ أموراً‏ شتى لم يرد لھا ذكر في العھد القديم،‏<br />

ولكنھا وردت في خرافات اليھود،‏ منھا ما ورد في سورة األعراف:‏ وَ‏ إذا نَتَقْنَ‎ا الْجَ‏ بَ‎لَ‏ فَ‎وْ‏ قَھُ‏ ‏ْم<br />

كَأَنَّهُ‏ ظُلَّةٌ؛ وَ‏ ظَنُّواْ‏ أَنَّهُ‏ وَ‏ اقِ‎عٌ‏ بِھِ‎ ‏ْم،‏ خُ‎ذُواْ‏ مَ‎ا آتَيْنَ‎اكُم بِقُ‎وَّ‏ ‏ٍة،‏ وَ‏ اذْ‏ كُ‎رُواْ‏ مَ‎ا فِيهِ‏ لَعَلَّكُ‎مْ‏ تَتَّقُ‎و ‏َن<br />

وورد مثله في البقرة و‎٩٣‎‏).‏ ومعنى ذلك أن سبحانه شرع في إعطاء التوراة لبني<br />

إسرائيل،‏ ولما رأى منھم عدم الرضى بقبولھا رفع أو نتق جبل سيناء فوقھم وأمسكه على<br />

رؤوسھم ليوقع الرعب والفزع في أفئدتھم.‏ وقد وردت ھذه القصة في الكتاب اليھودي عبوداه<br />

زاراه الفصل الثاني ونصھا:‏ قد سترتكم بالجبل كغطاء<br />

٣<br />

. <br />

))<br />

<br />

.<br />

((<br />

))<br />

٦٣ /٢)<br />

((<br />

وال حاجة للقول إن ھذه الخرافة ال أثر لھا في التوراة،‏ ولكن منشأھا وھم،‏ وسوء فھم<br />

بعض مفسِّري اليھود.‏ فورد في سفر الخروج أنه لما نزل موسى من الجبل ورأى بني<br />

(١٩ /٢)<br />

١<br />

كتاب أخنوخ فصل<br />

سورة البقرة:‏<br />

سورة األعراف:‏<br />

٢ ٦ آية<br />

.١٠٢ /٢<br />

.١٧١ /٧<br />

١. آية ٨ و‎٣‎ وفصل<br />

٢<br />

٣<br />

- ٢٩ -


أ(‏<br />

إسرائيل يعبدون العجل الذي صنعوه،‏ غضب وطرح من يديه اللوحين اللذين كانا منقوشاً‏ فيھما<br />

الوصايا العشر،‏ وكسرھما في أسفل الجبل.‏ فمن قوله في أسفل الجبل يُفھم أن ھذين اللوحين<br />

كُسرا عند سفح الجبل وليس تحت الجبل.‏ ولكن لما كان اليھود الذين في العصور المتأخرة<br />

مولعين بالغرائب،‏ لووا معنى الكلمات وصرفوھا عن حقيقتھا وابتدعوا الخرافة المتقدمة لتفسير<br />

ھذه اآلية.‏<br />

((<br />

))<br />

ومع ذلك فھذه القصة تشبه قصة ھندية وردت في مجلة كتب سنسكريت بخصوص<br />

كرشنا أحد آلھتھم،‏ فقد رووا أنه في ذات يوم لمَّا رغب أن يقي سكان مدينة كوكلة<br />

مسقط رأسه من غوائل زوبعة وأمطار رفع جبالً‏ اسمه كووردھنة من قاعدته الحجرية،‏<br />

وھو أعظم كل الجبال،‏ وعلَّقه سبعة أيام وسبع ليال بأطراف أصابعه فوق رؤوسھم كمظلة.‏ وال<br />

نعرف باليقين إذا كان اليھود قد أخذوا ھذه القصة من الھنود أم ال،‏ ولكن من الواضح أن القصة<br />

الواردة في القُرْ‏ آن ھي نفس القصة الواردة في كتب اليھود.‏<br />

((<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

ويوجد أيضاً‏ في القُرْ‏ آن غرائب بخصوص ما حصل في البرية في أيام موسى،‏ منھا<br />

قوله إن العجل الذھبي المشار إليه له خُوار وأنه خار لما أُخرج من أتون النار،‏ فورد في<br />

األعراف وفي سورة طه و‎٨٨‎ فَكَ‎ذَلِكَ‏ أَلْقَ‎ى السَّ‎امِرِ‏ يُّ؛ فَ‎أَخْ‏ رَجَ‏ لَھُ‎ ‏ْم<br />

عِجْ‏ الً‏ جَ‏ سَداً‏ لَهُ‏ خُوَ‏ ا ‏ٌر وأصل ھذه القصة موجود في كتاب فرقى ربي ألعازار ‏(فصل<br />

وھاك ترجمة أصل أقواله العبرية:‏<br />

((<br />

))<br />

:(<br />

٨٧ /٢٠)<br />

(١٤٨ /٧ )<br />

. <br />

))<br />

،(٤٥<br />

وھذا العجل خرج خائراً‏ فرآه بنو إسرائيل.‏ وقال ربي يھوداه<br />

سمائيل كان مختفياً‏ في داخله وكان يخور ليغش إسرائيل<br />

((<br />

.<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

إن<br />

ال شك أن مُحَ‏ مَّداً‏ أخذ ھذا النبأ من اليھود الذين ‏(من سوء حظه)‏ خدعوه ألنھم اختلقوا<br />

ھذه الخرافة من عالم أوھامھم.‏ ولم يلتفت مُحَ‏ مَّ‎د إلى اسم الشخص المذكور في ھذه القصة<br />

اليھودية،‏ فسمّاه السامري . وكثيراً‏ ما وردت كلمة السامري في العھد الجديد،‏ ومرة في<br />

العھد القديم.‏ وكان اليھود يعتبرون السامريين أعداءھم ويعتقدون أنھم زاغوا عن سواء السبيل<br />

بسبب الخطأ والجھالة.‏ ولكن بما أن مدينة السامرة لم تُ‎بنَ‏ إال بعد وفاة موسى بنحو أربعمائة<br />

سنة،‏ فيتعذر علينا أن نفھم كيف يمكن وجود االسم قبل وجود مُسمّاه.‏ ال بد أن مُحَ‏ مَّ‎داً‏ قصد أن<br />

يكتب السمائيل عوضاً‏ عن السامري.‏ ولكن بما أنه لم يكن يعلم أن اليھود يسمون ملك الموت<br />

سمائيل توھم أن ھذا ھو اسم الرجل الذي صنع العجل الذھبي كما ھو واضح من منطوق<br />

القُرْ‏ آن.‏ فالقُرْ‏ آن إذن مخالف للتوراة في ھذه القضية،‏ ألن التوراة ذكرت أن ھارون ھو الذي<br />

صنع العجل خوفاً‏ من اليھود.‏ ثم إن ما ذكر في سورة البقرة وفي النساء<br />

من أن بعض اإلسرائيليين رأوا فماتوا،‏ ثم بعثھم وأحياھم ثانية،‏ فھو مأخوذ من خرافات<br />

اليھود،‏ وقد ورد فيھا أن التوراة ذاتھا توسَّلت ألجلھم فعادت أرواحھم إلى أجسادھم.‏<br />

(١٥٣ /٤)<br />

((<br />

(٥١ /٢)<br />

))<br />

((<br />

((<br />

) ٦ً) اقتباسات أخرى:‏<br />

( في<br />

))<br />

))<br />

القُ‎رْ‏ آن كلمات عبرية وكلْدانيّ‎ة وسريانية عجز مفسرو المسلمين عن تفسيرھا<br />

لجھلھم بتلك اللغات.‏ ومن ھذه الكلمات:‏ توراة تابوت جنة عدن جھنم حَ‏ بر سكينة <br />

طاغوت فرقان ماعون ملكوت وغيره.‏ فمن أراد معرفة حقيقة معنى ھذه الكلمات القُرْ‏ آنية<br />

عليه أن يراجع قواميس اللغات العبرية والكلْدانيّ‎ة والسريانية.‏ ومن له إلمام بعلم صرف اللغة<br />

العربية واشتقاقھا ال يسعه إال االعتراف بأن كثيراً‏ من ھذه الكلمات ليست من أصل عربي،‏ ولم<br />

- ٣٠ -


ج(‏<br />

د(‏<br />

تُصَغْ‏ من أصولھا حسب قواعد اللغة العربية.‏ مع أن ھذه األصول نفسھا موجودة في العربية،‏<br />

كما ھي موجودة في اللغات األخرى المذكورة.‏<br />

(٤٤ /١٧)<br />

(٤٤ /١٥)<br />

‏(ب)‏ واقتبس القُرْ‏ آن من اليھود أموراً‏ أخرى،‏ مثلما ذُكر في سورة اإلسراء<br />

وسورة المؤمنون أنه يوجد سبع سموات،‏ وتكلم في سورة الحِجر عن<br />

سبعة أبواب لجھنم.‏ وھذان األمران مأخوذان من كتابين من كتب اليھود أحدھما يسُ‎مى<br />

حكيكاه ‏(باب فصل زوھر ‏(فصل ١٥٠). وقال الھنود أيضاً‏ إنه<br />

يوجد سبع دركات تحت األرض وسبع درجات فوقھا.‏ وكل من ھذين القسمين مستند على رأس<br />

من رؤوس ثعبان ضخم اسمه له ألف رأس.‏ فالمدوَّ‏ ن في الكتب الھندية وفي الخرافات<br />

اليھودية وفي األحاديث اإلِسْ‏ المية أصله واحد.‏ فما ورد في عرائس المجالس ‏(ص <br />

عن سبع دركات األرض موجود في كتاب أڤستا وھو كتاب ديني لقدماء الفرس يقول إن<br />

األرض تشتمل على سبع كثور أو سبعة أقاليم.‏ وورد في أحد أبواب األڤستا ‏(يشت باب<br />

فصل ٣١) إن جمشيد استولى على األرض التي تشتمل على سبعة أقاليم<br />

))<br />

(٩<br />

١٩<br />

٥<br />

((<br />

.((<br />

٢ ص<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

٢) وثانيھما<br />

(( شَيشه<br />

))<br />

((<br />

(٨٦ /٢٣)<br />

))<br />

٩<br />

((<br />

( وورد في سورة ھود عن عرش : كان عرشه على الماء وھو<br />

يطابق الروايات اليھودية المذكورة في تفسير المفسر اليھودي المشھور راشي الذي قال<br />

في تفسيره على تكوين إن العرش المجيد استقر في الھواء،‏ وعام على المياه<br />

((<br />

.<br />

((<br />

١<br />

((<br />

))<br />

))<br />

(٧ /١١)<br />

))<br />

(٢ /١)<br />

( وقال المسلمون إن سبحانه عيَّن على جھنم مالكاً،‏ وھو يطابق قول اليھود في<br />

كتبھم القديمة عن رئيس جھنم.‏ غير أن المسلمين انتحلوا اسم ھذا المالك من عبدة أصنام<br />

فلسطين القدماء،‏ الذين كانوا يسمّون أحد آلھتھم الكاذبة الذي كان يترأس على النار مولك<br />

وھو اسم فاعل باللغة العبرية،‏ كما أن مالك ھو اسم فاعل باللغة العربية.‏<br />

((<br />

))<br />

٢<br />

،<br />

<br />

‏(ھ)‏ وورد في القُرْ‏ آن:‏ وَ‏ بَيْنَھُمَا حِجَ‏ ابٌ‏ وَ‏ عَلَى األَعْ‏ رَ‏ افِ‏ رِ‏ جَ‏ الٌ‏ وقالوا إن األعراف<br />

موجود بين السَّماء وجھنم،‏ واقتبسوا ھذا من اليھود،‏ فقد ورد في كتاب مدراش في تفسير<br />

سفر الجامعة إنه لما استفھم بعضھم ما ھي المسافة بين السَّماء وجھنم؟ أجاب ربي<br />

يوحانان:‏ إن بينھما حائط.‏ وقال ربي أخاه إنھا مسافة شبر))‏ الربانيون إنھما متقاربان<br />

بحيث تنفذ أشعة النور من أحدھما إلى اآلخر.‏ ومنشأ الوھم وجود األعراف في كتاب أڤستا<br />

للزارادشتيين ‏(أي قدماء الفرس)‏ واسم األعراف بلغتھم مسوانوكاتس واسمه بلغة بھلوي<br />

مسوت كاس ويقول مذھب الزارادشتيين إن المسافة بين السَّ‎ماء وجھنم قدر المسافة بين<br />

النور والظلمة.‏<br />

((<br />

))<br />

((<br />

٣<br />

،<br />

))<br />

((<br />

. وقال<br />

))<br />

))<br />

:(١٤ /٧)<br />

((<br />

))<br />

‏(و)‏ وورد في سورة الحجر و‎٣٤‎‏)‏ عن الشيطان الرجيم أنه استرق السمع<br />

ومثل ھذا في سورة الصافات وسورة الملك ٥). وأصل ذلك مأخوذ من خرافة<br />

من الخرافات اليھودية وردت في كتاب حكيكاه ‏(باب فصل ١) عن الشياطين أنھم<br />

ينصتون من وراء حجاب ليطَّلعوا على الحوادث المستقبلة.‏<br />

))<br />

٦<br />

/٦٧)<br />

((<br />

١٨ /١٥)<br />

(٨ /٣٧)<br />

))<br />

((<br />

١<br />

٢<br />

٣<br />

اختصار لرابي شلومو يتسحاقي.‏<br />

سورة األعراف:‏<br />

فركند<br />

.٤٦ /٧<br />

.١٩<br />

- ٣١ -


ز(‏<br />

ح(‏<br />

:( ٣٠ /٥٠)<br />

))<br />

. <br />

يَوْ‏ مَ‏ نَقُولُ‏ لِجَ‏ ھَنَّمَ:‏ ھَلِ‏ امْ‎تَألْتِ؟ وَ‏ تَقُ‎ولُ:‏ ھَ‎لْ‏ مِ‎ن<br />

( وورد في سورة ق<br />

مَّزِ‏ يدٍ‏ وورد في الكتاب اليھودي أوتوت دربي عقيباه ما يطابق ذلك،‏ قوله:‏ رئيس جھنم<br />

يقول يوماً‏ فيوماً:‏ أعطني طعاماً‏ حتى أستكفي<br />

))<br />

(٢٧ /٢٣)<br />

((<br />

.<br />

((<br />

،(٤٠ /١١)<br />

،<br />

،(٢ /١٦<br />

((<br />

)<br />

((<br />

))<br />

))<br />

( وورد في سورة ھود وفي سورة المؤمنون أنه في أيام<br />

طوفان نوح فَارَ‏ التَّنُّورُ‏ وأصل ھذا المعنى مأخوذ من كتابين من كتب اليھود أحدھما كتاب<br />

فصل ونص<br />

روش ھشاناه فصل وثانيھما رسالة تسمى<br />

عبارتيھما أن جيل الطوفان دينوا بالماء المغلي.‏<br />

(١٠٨<br />

)<br />

)) سنھدرين ((<br />

‏(ط)‏ وقد قلنا إن صوم رمضان ليس مطابقاً‏ لعادة اليھود بل لعادة الصابئين.‏ غير أن<br />

مُحَمَّداً‏ انتحل من اليھود شيئاً‏ له ارتباط بھذا الصيام،‏ فقد ورد في سورة البقرة أمر<br />

بخصوص األكل والشرب في الليل في شھر رمضان،‏ ونصھا وَ‏ كُلُواْ‏ وَ‏ اشْرَ‏ بُواْ‏ . وورد في<br />

مشناه برأخوت ‏(باب فصل ٢) أن أول النھار ھو الوقت الذي يمكن لإلنسان أن يميِّ‎ز فيه<br />

الخيط األزرق من الخيط األبيض . فھل حصل ھذا االتفاق الغريب بين القُ‎رْ‏ آن والكتاب<br />

اليھودي اتفاقاً؟ وھل يمكن أن يكون ھذا االتفاق من قبيل توارد الخواطر؟<br />

))<br />

(١٨٧ /٢)<br />

<br />

<br />

))<br />

((<br />

١<br />

((<br />

((<br />

))<br />

‏(ي)‏ وجرت عادة المسلمين في جميع البالد أن يؤدّوا كل يوم الصلوات الخمس<br />

المفروضة عليھم في أوقاتھا المقررة حيثما كانوا،‏ سواء في بيوتھم أو في الشوارع أو في أي<br />

محل آخر.‏ وھم يؤدون الصالة في المحال التي يكثر فيھا مرور الناس بالمصلّين،‏ واختصّوا بھذه<br />

العادة غير المستحسَنة،‏ ألن جميع الملل يستھجنونھا وينكرونھا.‏ وال شك أن اليھود الذين كانوا<br />

في بالد العرب في عصر مُحَ‏ مَّد اعتادوا ھذا األمر،‏ ألن كثيرين منھم كانوا من ذرية الفرقة التي<br />

اسمھا فريسيون والتي ذُكرت كثيراً‏ في البشائر األربع،‏ فتناسلوا منھم تناسالً‏ طبيعياً.‏ ومن لم<br />

يتناسل منھم طبيعياً‏ كانوا على مذھبھم،‏ وقد وصفھم اإلنجيل بأنھم كانوا يحبون أن يصلوا<br />

قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع،‏ لكي يظھروا للناس ‏(متى:‏ ٥). ونعرف باالستنتاج<br />

أن المسلمين أخذوا ھذه العادة منھم،‏ فقد قال مُحَ‏ مَّ‎د إن اليھود ھم أھل الكتاب وذرية إبراھيم<br />

الخليل،‏ فاقتدوا بھم متوھمين أن تلك العادة أيضاً‏ مأخوذة عن إبراھيم.‏<br />

))<br />

/٦<br />

((<br />

‏(ك)‏ ومن الغرائب أن القُ‎رْ‏ آن قرر أنه نزل للتصديق على الكتب اليھودية المقدسة،‏<br />

وَ‏ لَقَدْ‏ كَتَبْنَا فِ‎ي الزَّ‏ بُ‎ورِ‏<br />

واقتبس صريحاً‏ آية واحدة منھا وردت في سورة األنبياء<br />

مِن بَعْ‏ دِ‏ الذِّكْرِ‏ أَنَّ‏ األَرْ‏ ضَ‏ يَرِ‏ ثُھَا عِبَادِيَ‏ الصَّالِحُونَ‏ والوعد المذكور في الزبور الذي استشھد<br />

به القُرْ‏ آن جاء في مزمور أما الودعاء فيرثون األرض<br />

:(١٠٥ /٢١)<br />

.<br />

((<br />

. <br />

))<br />

:(١١ /٣٧)<br />

<br />

) ٧ً) اللوح المحفوظ:‏<br />

وھناك أمران آخران اقتبسھما المسلمون من اليھود.‏ فقد قال المسلمون إن القُ‎رْ‏ آن كُتب<br />

في اللوح المحفوظ قبل إنشاء العالم بَلْ‏ ھُوَ‏ قُرْ‏ آنٌ‏ مَّجِيدٌ.‏ فِي لَوْ‏ حٍ‏ مَّحْ‏ فُوظٍ‏ وقبل الخوض في<br />

الكالم على اللوح المحفوظ ينبغي أن نسأل علماء اإلِسْ‎الم:‏ ھل كان الزَّبور قبل القُ‎رْ‏ آن أم ال؟<br />

وھل ھو أقدم منه عھداً‏ وأسبق زمناً‏ أم ال؟ ألنه ذكر في اآلية التي أوردناھا من سورة األنبياء أن<br />

ما اشتملت عليه ھذه اآلية بخصوص ميراث عبيد الصالحين كُتب قبالً‏ بأمر في الزبور.‏<br />

ومما يؤيد ھذه القاعدة المصطلح عليھا أننا إذا عثرنا مثالً‏ في كالم مثنوي لموالنا الرومي<br />

على شطرة من بيت شعر ضمَّنھا بعض عبارات مقتبسة من كتاب (( شاه نامه مثالً‏ أو<br />

((<br />

((<br />

١<br />

.<br />

))<br />

١<br />

سورة البروج:‏<br />

و‎٢٢‎‏.‏ ٢١ /٨٥<br />

- ٣٢ -


عبارات القُرْ‏ آن،‏ جزمنا جزماً‏ أكيداً‏ بأن الشاه نامه أو القُ‎رْ‏ آن متقدم على تأليف مثنوي .<br />

وعلى ھذا القياس نقول إننا إن رأينا في القُرْ‏ آن آية من آيات مزامير داود النبي يتضح لنا جلياً‏ أن<br />

القُرْ‏ آن لم يكن موجوداً‏ قبل أيام النبي الذي أُوحي إليه الزبور.‏ ولكن إذا أخذنا في البحث والتحري<br />

عن معلومات المسلمين التي استفادوھا بخصوص اللوح المحفوظ وجدنا ھذه البينات في مثل ھذه<br />

الكتب وھي قصص األنبياء ‏(ص و‎٤‎‏)‏ ونصھا:‏<br />

((<br />

))<br />

٣<br />

((<br />

))<br />

))<br />

ومن تحت العرش خلق () لؤلؤة،‏ ومن تلك اللؤلؤة خلق اللوح<br />

المحفوظ،‏ وارتفاعه سَ‎فَر سبعمائة سنة وعرض سَ‎فَر ثلثماية سنة،‏ وكان<br />

مرصَّعاً‏ بالياقوت األحمر.‏ ثم بقوة تعالى ثم صدر األمر إلى القلم:‏ اكتب<br />

علمي في خلقي وما ھو كائن إلى يوم القيامة كتب أوالً‏ في اللوح<br />

المحفوظ بسم الرحمن الرحيم،‏ أنا ال إله إال أنا.‏ من يستسلم لقضائي<br />

ويصبر على بالئي ويشكر على نعمائي كتبتُه وبعثتُ‎ه مع الصديقين.‏ ومن<br />

لم يرضَ‏ بقضائي ولم يصبر على بالئي ولم يشكر على نعمائي فليطلب<br />

رباً‏ سواي،‏ ويخرج من تحت سمائي.‏ ثم كتب القلم علم في خلق <br />

تعالى كل شيء أراده إلى يوم البعث،‏ حتى مقدار تحريك الشجرة أو نزولھا<br />

أو صعودھا وكتب كل شيء مثل ھذا بقوله تعالى<br />

.<br />

((<br />

وأصل ھذه القصة موجود في كتب اليھود،‏ غير أن المسلمين توسَّ‎عوا وبالغوا فيما كتبه<br />

اليھود في ھذا الصدد.‏ فقد ورد في توراة موسى أن لما أراد أن يسلِّم الوصايا العشر لبني<br />

إسرائيل ‏(خروج،‏ أصحاح ٢٠) سلَّمھا لموسى كليمه،‏ فكتب:‏ في ذلك الوقت قال لي الرب:‏<br />

انحت لك لوحين من حجر مثل األوَّ‏ لين واصعد إليّ‏ إلى الجبل،‏ واصنع لك تابوتاً‏ من خشب،‏<br />

فأكتب على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين األولين اللذين كسرتھما وتضعھما في<br />

التابوت.‏ فصنعت تابوتاً‏ من خشب السنط ونحت لوحين من حجر مثل األولين وصعدت إلى<br />

الجبل واللوحات في يدي،‏ فكتب على اللوحين مثل الكتابة األولى الكلمات العشر التي كلمكم بھا<br />

الرب في وسط النار في يوم االجتماع،‏ وأعطاني الرب إياھا ثم انصرفت ونزلت من الجبل،‏<br />

ووضعت اللوحين في التابوت الذي صنعت فكانا ھناك كما أمرني الرب<br />

١<br />

.<br />

((<br />

))<br />

٣ /٩)<br />

(٩ /٨)<br />

وورد في ‎١‎ملوك وفي رسالة العبرانيين و‎٤‎‏)‏ أن ھذين اللوحين حُفظا في<br />

تابوت العھد الذي صنعه موسى حسب أمر . وھذا ھو معنى اللوح المحفوظ أو بالحري معنى<br />

اللوحين المحفوظين.‏ وقد ورد في سورة البروج و‎٢٢‎‏):‏ بَ‎لْ‏ ھُ‎وَ‏ قُ‎رْ‏ آنٌ‏ مَّجِيدٌ.‏ فِ‎ي<br />

لَوْ‏ حٍ‏ مَّحْ‏ فُوظٍ‏ ولم يقل في اللوح المحفوظ فوردت كلمة لوح نكرة بدون أداة التعريف.‏<br />

فمن الواضح إذاً‏ أن قوله إن القُ‎رْ‏ آن كُتب على لوح محفوظ ليس أنه كتب على اللوح الواحد<br />

المحفوظ،‏ بل البد من وجود لوح آخر أقل ما يكون.‏ فإذا قيل:‏ لماذا قال مُحَ‏ مَّ‎د إن القُ‎رْ‏ آن كُتب<br />

على لوح محفوظ؟ قلنا:‏ يجب أن نبحث في الكتب اليھودية لنرى ما قاله اليھود في عصر مُحَ‏ مَّ‎د<br />

وقبله عما كتب في اللوحين اللذين حُفظا في تابوت العھد.‏ ومع أن التوراة صرحت بما ال يقبل<br />

الشك أن ما كُتب على اللوحين كان الوصايا العشر ‏(تثنية:‏ ٤) أو العشر كلمات كما ورد<br />

باللغة العربية،‏ إال أن اليھود توھَّموا بعد مدة من الزمان أن جميع كتب العھد القديم وأيضاً‏ كل<br />

التلمود كُتب عليھما أو على األقل نزلت معھما.‏ ولما سمع مُحَ‏ مَّ‎د من اليھود ھذا القول عن<br />

شريعتھم حذا حذوھم،‏ ونسب إلى شريعته ما نسبه اليھود إلى شريعتھم،‏ فادَّعى أن القُ‎رْ‏ آن كان<br />

مكتوباً‏ في لوح من اللوحين المحفوظين،‏ أو كما قال في سورة البروج فِ‎ي لَ‎وْ‏ حٍ‏ مَّحْ‏ فُ‎وظٍ‏<br />

ولما كان المسلمون ال يعرفون معنى قوله لوح محفوظ ابتدعوا ھذه القصة التي تقدم ذكرھا.‏<br />

.<br />

<br />

<br />

((<br />

))<br />

/١٠<br />

٢١ /٨٥)<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

<br />

١<br />

.٥ ١ /١٠ تثنية:‏<br />

- ٣٣ -


وقال اليھود عما اشتمل عليه ھذان اللوحان:‏ قال الربي شمعون بن القيش:‏ أما الذي كتب فھو<br />

فأعطيك لوحي الحجارة والشريعة والوصية التي كتبتھا لتعليمھم واللوحان ھما الوصايا<br />

العشر والتوراة ھي التي تُتلى،‏ والوصية ھي المشناة ، والتي كتبھا ھي األنبياء والكتب<br />

ولتعلمھم الجمارا . ويُستفاد من ھذا أنه أوحى جميعھا لموسى من جبل سيناء.‏<br />

))<br />

((<br />

))<br />

١<br />

.((<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

وكل يھودي ذكي يرى وجوب رفض التفسير الباطل لھذه اآلية،‏ ألنه يعرف إن كتاب<br />

المشناة كُتب نحو سنة م وكُتب الجمارا األورشليمي نحو سنة م،‏ وكُتب<br />

الجمارا البابلي نحو سنة م.‏ ولكن لما كان المسلمون يجھلون ھذا قبلوا ما قاله جھلة<br />

اليھود وطبَّقوه على قرآنھم.‏ فنرى من ھذا أن ھذه الرواية مأخوذة من ھذا المصدر كغيرھا من<br />

الروايات والقصص المدوَّ‏ نة في األحاديث.‏<br />

))<br />

))<br />

٤٣٠<br />

((<br />

))<br />

٣٢٠<br />

٥٣٠<br />

((<br />

((<br />

ولم ينفرد المسلمون باالعتقاد أن لوحھم المحفوظ كان قديماً،‏ فقد توھَّم اليھود أن اللوحين<br />

المشتملين على الوصايا العشر كانا قديمين جداً.‏ فقد ورد في فرقي أبوت ‏(باب وفصل<br />

ھذين اللوحين مع تسعة أشياء أخرى خُلقت وقت خلق الدنيا وقت غروب الشمس قبل يوم<br />

السبت.‏<br />

٦) أن<br />

٥<br />

) ٨ً) جبل قاف<br />

وأصل ما ورد في األحاديث اإلِسْ‏ المية عن جبل قاف الذي ال وجود له إال في الوھم<br />

والخيال ھو الكتب اليھودية،‏ فأخذه المسلمون منھا ونقلوه عنھا.‏ والبرھان على ذلك إننا إذا قارنا<br />

بين ما ورد في عرائس المجالس و قصص األنبياء وبين ما يقوله اليھود نجد األمرين<br />

واحداً.‏ فقد ورد في عرائس المجالس<br />

((<br />

((<br />

))<br />

٢<br />

.<br />

))<br />

:((<br />

((<br />

<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

))<br />

))<br />

:<br />

خَ‏ لَقَ‏ َّ ُ تعالى جَ‎بَالً‏ عَظيماً‏ من زبرجدة خضراء خُضرة السَّ‎ماء منه،‏<br />

يُقال له جبل قاف،‏ فأحاط بھا كلھا ‏(أي األرض)‏ وھو الذي أقسَمَ‏ َّ ُ به فقال<br />

ق وَ‏ الْقُرْ‏ آنِ‏ الْمَجِيدِ‏<br />

وورد في قصص األنبياء ‏(ص ٥) أن عبد بن سالم سأل مُحَ‏ مَّداً:‏ ما ھي أعلى<br />

قمة في األرض؟ قال:‏ ھي جبل قاف.‏ فقال:‏ جبل قاف ممَّ‏ ھو؟ فقال:‏ من زمرد أخضر وخضرة<br />

السَّ‎ماء ھي منه.‏ قال:‏ صدقت يا رسول . قال:‏ ما ھو ارتفاع جبل قاف؟ فقال:‏ إنه سَ‎فَر<br />

خمسمائة سنة.‏ وقال:‏ كم ھي المدة التي يقطع اإلنسان فيھا محيطه؟ فقال:‏ إنھا سَفَر ألفي سنة<br />

.<br />

((<br />

١١<br />

))<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

/١)<br />

وأصل حكاية جبل قاف ما جاء في كتب أحد اليھود المسمى حكيكاه ‏(باب وفصل<br />

١) في تفسير الكلمة العبرية توھو النادرة االستعمال،‏ ومعناھا الفضاء والفراغ وقد وردت<br />

في تكوين ٢). ويقول كتاب حكيكاه:‏ توھو ھو الخط األخضر الذي يحيط بجميع العالم<br />

قاطبة،‏ ومنه تنبعث الظلمة ؛ فالكلمة العبرية التي ترجمناھا الخط ھي قاف فلما<br />

سمع مُحَ‏ مَّ‎د والصحابة قصة قاف لم يعرفوا أن معناھا خط،‏ وتوھَّموا أنھا سلسلة جبال<br />

عظيمة اسمھا قاف،‏ تنبعث منھا الظلمة.‏ وال حاجة للقول إن الجغرافيين الذين يبحثون في الكرة<br />

األرضية وأقطارھا جابوا أطراف الدنيا لالكتشاف،‏ ولم يكتشفوا سلسلة جبال يصدق عليھا<br />

الوصف الوارد في األحاديث عن جبل قاف.‏<br />

٣<br />

.<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

١<br />

خروج:‏<br />

سورة ق:‏<br />

أو<br />

.١٢ /٢٤<br />

.١ /٥٠<br />

.Câf<br />

Cav<br />

٢<br />

٣<br />

- ٣٤ -


يتضح مما قيل في ھذا الفصل صِ‏ دق ما ذھب إليه المعترضون من أن كتب اليھود،‏<br />

والسيما كتب التلمود المشحون بالخرافات،‏ ھي أھم <strong>مصادر</strong> الديانة اإلِسْ‎المية.‏ وإذ تقرر ذلك<br />

فيجدر بنا أن نبحث في ال<strong>مصادر</strong> األخرى لھذه الديانة،‏ وننظر إذا كانت الديانة اإلِسْ‎المية قد<br />

انتحلت باقي عقائدھا من الديانة المسيحية،‏ خصوصاً‏ من الكتب الملفقة والخرافات الباطلة التي<br />

كانت متواترة في عصر مُحَ‏ مَّد بين بعض الفرق المسيحية الضالة وأصحاب البدع الباطلة.‏<br />

QE<br />

ZC<br />

- ٣٥ -


$+<br />

تأثيرات الفرق النصرانيّة<br />

الھرطوقيّة<br />

في عصر مُحَ‏ مَّ‎د عاش كثيرون من النصارى في بالد العرب،‏ منغمسين في الجھالة<br />

والبدع والضاللة.‏ ولما طُرد كثير منھم من حدود مملكة الروم بسبب تعاليمھم الفاسدة لجأوا إلى<br />

بالد العرب.‏ ولما لم تكن لھم معرفة كثيرة باإلنجيل تداولوا بعض الكتب الملفَّقة المآلنة من<br />

الخرافات التي ال أصل لھا يتلونھا ويروون القصص المدونة فيھا ويتناقلونھا.‏<br />

وقال الناقدون لدين اإلِسْ‏ الم إن مُحَ‏ مَّداً‏ لم يكن له إلمام تام باإلنجيل الشريف،‏ وإنه اختلط<br />

مع أصحاب ھذه البدع،‏ فتوھَّم أن ما سمعه منھم كان مدوناً‏ في اإلنجيل.‏ وبما أنه وجَّ‎ه نظره<br />

لتأسيس دين يدين به جميع سكان شبه جزيرة العرب،‏ ويتَّحدون بواسطته ويصيرون جماعة<br />

واحدة،‏ قبِل كثيراً‏ من خرافات جھلة النصارى ومذاھبھم الفاسدة وأدخلھا في قرآنه.‏ وبما أنه ال<br />

يصح تصديق رأي ھؤالء المعترضين بدون النظر والفحص،‏ رأينا أن نتحرى بالتدقيق ھذه<br />

القضية في ھذا الفصل،‏ لنعرف إن كانت مثل ھذه الخرافات ھي أحد <strong>مصادر</strong> اإلِسْ‏ الم أم ال.‏<br />

) ١ً) قصة أصحاب الكھف:‏<br />

،(٢٦<br />

٩ /١٨)<br />

((<br />

))<br />

ويسميھا المسيحيون السبعة النيام . وقد وردت في سورة الكھف <br />

وھي إحدى خرافات اليونان الواردة في كتاب التيني اسمه مجد الشھداء تأليف<br />

غريغوريوس ‏(كتاب فصل ٩٥). وتقول القصة إنه لما كان دِكيوس إمبراطور روما<br />

يضطھد المسيحيين بغاية القسوة ليمحو حتى اسمھم من أذھان الناس،‏ ھرب سبعة شبان من<br />

سكان مدينة أفسس،‏ واختبأوا في كھف قريب من تلك المدينة،‏ فناموا نحو سنة تقريباً،‏<br />

ألنھم دخلوا الكھف في عھد دِكيوس ‏(بين سنة و‎٢٥١‎ م)‏ ولم يخرجوا منه ثانية إال في<br />

سنة م)‏ في والية الملك ثيودوسيوس الثاني.‏ فلما استيقظوا ورأوا أن المسيحية قد انتشرت<br />

انتشاراً‏ عظيماً‏ في تلك المدة ذھلوا،‏ ألنھم لما ناموا كان الناس يعتبرون الصليب عالمة احتقار<br />

وعار،‏ ولما استيقظوا رأوه يتألأل على تاج اإلمبراطور وعلى أعالم مملكته،‏ وأن جميع رعايا<br />

المملكة الرومانية قد دانوا بالمسيحية،‏ وأن ھذه الديانة كادت تزيل غيرھا من األديان.‏<br />

((<br />

٢٠٠<br />

((<br />

))<br />

))<br />

٢٤٩<br />

((<br />

))<br />

١<br />

١<br />

٤٤٧)<br />

وال شك أن قصة السبعة النيام خرافة.‏ ولكن بعض ذوي العقول الوقادة قالوا إنھا ال<br />

تخلو من حكمةٍ‏ وفائدة.‏ ولم يقصد واضع ھذه الرواية إضالل الناس وغشھم،‏ بل أوردھا على<br />

سبيل المجاز،‏ ليُظھِر لقارئھا انتشار الديانة المسيحية بسرعة عجيبة بنعمة الروح القدس وبسفك<br />

دماء الشھداء.‏ وال يُحتمل أن مسيحياً‏ يتوھم حدوث ھذه القصة حرفياً،‏ بل إن جميع المسيحيين<br />

يعتقدون أنھا قصة رمزية.‏ غير أن مُحَ‏ مَّ‎داً‏ اقتبسھا وأوردھا في قرآنه وعلّمھا لصحابته كأنھا<br />

حكاية حقيقية.‏ وبما أنه ال أصل لھذه القصة فمن الواضح أن العليم الحكيم لم يكتبھا في لوح<br />

محفوظ،‏ بل أخذھا مُحَ‏ مَّد من روايات بعض جھلة النصارى.‏<br />

١<br />

ال تزال أطاللھا باقية إلى اآلن في تركيا.‏<br />

- ٣٦ -


ُ<br />

٢٧ /١٩)<br />

) (٢ً قصة مريم :<br />

<br />

ورد في سورة مريم و‎٢٨‎‏)‏ أن مريم أتت إلى قومھا بعد والدة المسيح فقالوا<br />

لھا:‏ يَا مَرْ‏ يَمُ‏ لَقَدْ‏ جِئْتِ‏ شَيْئاً‏ فَرِ‏ يّاً.‏ يَا أُخْ‏ تَ‏ ھَارُونَ‏ مَا كَانَ‏ أَبُوكِ‏ امْرَ‏ أَ‏ سَوْ‏ ءٍ‏ وَ‏ مَا كَانَتْ‏ أُمُّكِ‏ بَغِيًّا<br />

فيتضح من ھذا أن مُحَ‏ مَّداً‏ قال إن العذراء مريم ھي أخت ھارون وموسى.‏ وما يزيد ھذا األمر<br />

وضوحاً‏ ما ورد في سورة التحريم وَ‏ مَ‎رْ‏ يَمَ‏ ابْنَ‎تَ‏ عِمْ‎رَ‏ انَ‏ وجاء في سورة<br />

الفرقان وَ‏ لَقَدْ‏ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ‏ وَ‏ جَ‏ عَلْنَا مَعَ‎هُ‏ أَخَ‎اهُ‏ ھَ‎ارُونَ‏ وَ‏ زِ‏ يرً‏ ا فثبت من<br />

ھذا أن عمران وموسى وھارون ومريم ھم ذات األشخاص الذين ورد ذكرھم بھذه األسماء في<br />

أسفار موسى الخمسة،‏ ولو أن التوراة قالت إن االسم ھو عمرام عوضاً‏ عن عمران كما<br />

في سفر العدد واسم امرأة عمرام يوكابد بنت الوي،‏ التي وُ‏ لدت لالوي في مصر.‏<br />

فوَ‏ لدت لعمرام ھرون وموسى ومريم أختھما . وورد في سفر الخروج أن:‏ مريم<br />

النبية كانت أخت ھرون كما رأينا في سورة مريم حيث قيل:‏ يَا مَرْ‏ يَمُ...‏ يَا أُخْ‏ تَ‏ ھَارُونَ‏<br />

. فال شك أن مُحَ‏ مَّداً‏ توھَّم أن مريم أخت ھارون التي كانت أيضاً‏ ابنة عمرام ‏(أي عمران)‏ ھي<br />

نفس مريم العذراء التي صارت أم المسيح بعد ذلك بنحو سنة!‏ وھذا القول يشبه<br />

الرواية الواردة في الشاھنامة بخصوص فَريدون وأختي جمشيد،‏ فقد جاء فيھا أنه بعد أن<br />

ھزم فريدونُ‏ الضحاكَ‏ واستولى على بيته وجد فيه أختي جمشيد اللتين أقامتا في بيت الضحاك<br />

من أوائل حكم الضحاك،‏ نحو ألف سنة تقريباً‏ من قبل ذلك.‏ فلما رآھما فريدون راعه جمالھما<br />

إلى آخر تلك الحكاية.‏ وقد حاول بعض المفسرين المسلمين أن يفنِّدوا ھذا البرھان الذي أُقيم ضد<br />

القُرْ‏ آن،‏ ولكنھم عجزوا.‏ وربما كان سبب ھذا الغلط أنه ورد في إحدى خرافات اليھود عن مريم<br />

أخت ھارون:‏ إن مالك الموت لم يتسلط عليھا،‏ بل ماتت بقُبلة إلھية.‏ ولم يتسلط عليھا الدود وال<br />

الحشرات . وعلى كل حال فھذا خطأ جسيم،‏ ألنه لم يقل أحد من اليھود إن مريم ھذه بقيت<br />

على قيد الحياة إلى أيام المسيح.‏<br />

<br />

((<br />

))<br />

. <br />

))<br />

١<br />

.<br />

(٢٠ /١٥)<br />

<br />

((<br />

١٥٧٠<br />

))<br />

:(١٢ /٦٦)<br />

((<br />

:<br />

((<br />

((<br />

))<br />

:(٣٥ /٢٥)<br />

:(٥٩ /٢٦)<br />

))<br />

<br />

وَ‏ ّ<br />

))<br />

))<br />

((<br />

((<br />

.<br />

وقد وردت في القُ‎رْ‏ آن معلومات كثيرة عن العذراء مريم تخالف ما ورد في األناجيل<br />

األربعة الصحيحة،‏ ألن روايات القُرْ‏ آن مأخوذة من خرافات أصحاب البدع والضاللة،‏ فقد ورد<br />

فيه:‏<br />

إِذْ‏ قَالَتِ‏ امْرَ‏ أَةُ‏ عِمْرَ‏ انَ‏ رَ‏ بِّ‏ إِنِّي نَ‎ذَرْ‏ تُ‏ لَ‎كَ‏ مَ‎ا فِ‎ي بَطْ‏ نِ‎ي مُحَ‎رَّ‏ راً،‏ فَتَقَبَّ‎لْ‏<br />

مِنِّي إِنَّكَ‏ أَنتَ‏ السَّمِيعُ‏ الْعَلِيمُ؟ فَلَمَّا وَ‏ ضَعَتْھَا؛ قَالَ‏ ‏ْت:‏ رَ‏ بِّ‏ إِنِّي وَ‏ ضَعْ‏ تُھَا أُنثَى،‏<br />

أَعْ‏ لَ‎مُ‏ بِمَ‎ا وَ‏ ضَ‎عَ‏ ‏ْت،‏ وَ‏ لَ‎يْسَ‏ الذَّكَرُ‏ كَ‎األُنثَى،‏ وَ‏ إِنِّ‎ي سَ‎مَّيْتُھَا مَ‎رْ‏ يَمَ‏ وِإِنِّ‎ي<br />

أُعِيذُھَا بِكَ‏ وَ‏ ذُرِّ‏ يَّتَھَا مِنَ‏ الشَّيْطَانِ‏ الرَّ‏ جِيمِ.‏ فَتَقَبَّلَھَا رَ‏ بُّھَا بِقَبُولٍ‏ حَ‏ سَنٍ‏ وَ‏ أَنبَتَھَا<br />

نَبَاتاً‏ حَ‏ سَناً؛ وَ‏ كَفَّلَھَا زَ‏ كَرِ‏ يَّا.‏ كُلَّمَا دَخَ‎لَ‏ عَلَيْھَ‎ا زَ‏ كَرِ‏ يَّ‎ا الْمِحْ‏ رَ‏ ابَ‏ وَ‏ جَ‎دَ‏ عِندَھَا<br />

رِ‏ زْ‏ قاً،‏ قَالَ:‏ يَا مَرْ‏ يَمُ‏ أَنَّى لَكِ‏ ھَذَا؟ قَالَ‏ ‏ْت:‏ ھُوَ‏ مِنْ‏ عِندِ‏ ّ ِ. َ يَرْ‏ ز ‏ُقُ‏ مَن<br />

يَشَاء بِغَيْرِ‏ حِسَابٍ‏<br />

إنَّ‏ ّ<br />

.<br />

وقال البيضاوي وغيره من المفسرين إن امرأة عمران كانت عاقراً‏ عجوزاً،‏ فلما رأت مرة طيراً‏<br />

يطعم فرخهُ‏ حنَّت إلى الذرية وتوسلت إلى أن يرزقھا ولداً،‏ وقالت:‏ اللھم إنْ‏ رزقتني ولداً‏<br />

ذكراً‏ أو أنثى فأقدِّمه كھِبةٍ‏ في حضرتك لبيت المقدس . فأجاب المولى طلبھا،‏ فحملت وولدت<br />

بنتاً‏ ھي مريم.‏ وقال جالل الدين:‏ بعد مضي سنين حملت أم مريم،‏ وكان اسمھا ح ‏ّنة،‏ فأتت بابنتھا<br />

إلى المسجد وسلمتھا إلى األحبار سَ‎دَنة بيت المقدس،‏ فقالت:‏ دونكم ھذه النذيرة.‏ فتنافسوا فيھا<br />

ألنھا بنت إمامھم.‏ فأخذھا زكريا وبنى لھا غرفة في المسجد بسُ‎لَّم ال يصعد عليه غيره،‏ وكان<br />

))<br />

((<br />

١<br />

ومثل ذلك في سورة آل عمران:‏<br />

.٣٥ /٣<br />

- ٣٧ -


َ<br />

.<br />

<br />

يأتيھا بأكلھا وشربھا فيجد عندھا فاكھة الصيف في الشتاء وفاكھة الشتاء في الصيف،‏ فإن مالكاً‏<br />

كان يأتيھا بأكلھا،‏ ثم ورد في ھذه السورة:‏<br />

َ اصْ‏ طَفَاكِ‏ وَ‏ طَھَّ‎رَ‏ كِ‏ وَ‏ اصْ‎طَفَاكِ‏ عَلَ‎ى<br />

وَ‏ إِذْ‏ قَالَ‎تِ‏ الْمَالَئِكَ‎ةُ:‏ يَ‎ا مَ‎رْ‏ يَمُ‏ إِنَّ‏ ّ<br />

نِسَاء الْعَالَمِينَ‏ يَا مَرْ‏ يَمُ‏ اقْنُتِي لِرَ‏ بِّكِ‏ وَ‏ اسْ‏ جُدِي وَ‏ ارْ‏ كَعِي مَ‎عَ‏ الرَّ‏ اكِعِي ‏َن.‏ ذَلِ‎كَ‏<br />

مِنْ‏ أَنبَاء الْغَيْبِ‏ نُوحِيهِ‏ إِلَيكَ‏ وَ‏ مَا كُنتَ‏ لَ‎دَيْھِمْ‏ إِذْ‏ يُلْقُ‎ون أَقْالَمَھُ‎مْ‏ أَيُّھُ‎مْ‏ يَكْفُ‎لُ‏<br />

مَ‎رْ‏ يَمَ‏ وَ‏ مَ‎ا كُنتَ‏ لَ‎دَيْھِمْ‏ إِذْ‏ يَخْ‏ تَصِ‏ مُونَ‏ إِذْ‏ قَالَ‎تِ‏ الْمَآلئِكَ‎ةُ:‏ يَ‎ا مَ‎رْ‏ يَمُ‏ إِنَّ‏ ّ<br />

يُبَشِّ‎رُكِ‏ بِكَلِمَ‎ةٍ‏ مِّنْ‎هُ‏ اسْ‏ مُهُ‏ الْمَسِ‎يحُ‏ عِيسَ‎ى ابْ‎نُ‏ مَ‎رْ‏ يَمَ؛ وَ‏ جِيھً‎ا فِ‎ي الدُّنْيَا<br />

وَ‏ اآلخِرَ‏ ةِ‏ وَ‏ مِنَ‏ الْمُقَرَّ‏ بِينَ‏ وَ‏ يُكَلِّمُ‏ النَّ‎اسَ‏ فِ‎ي الْمَھْ‎دِ‏ وَ‏ كَھْ‎الً‏ وَ‏ مِ‎نَ‏ الصَّ‎الِحِينَ‏<br />

ُ يَخْ‏ لُ‎قُ‏ مَ‎ا<br />

قَالَتْ‏ رَ‏ بِّ‏ أَنَّى يَكُونُ‏ لِ‎ي وَ‏ لَ‎دٌ‏ وَ‏ لَ‎مْ‏ يَمْ‏ سَسْ‎نِي بَشَ‎رٌ‏ قَ‎الَ‏ كَ‎ذَلِكِ‏ ّ<br />

يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرً‏ ا فَإِنَّمَا يَقُولُ‏ لَهُ‏ كُن فَيَكُونُ‏<br />

.<br />

١<br />

.<br />

.<br />

.<br />

:<br />

<br />

وقال البيضاوي والجالالن عن االقتراع وإلقاء األقالم إنه لما تنافست األحبار قال<br />

زكريا:‏ أنا أحقُّ‏ بھا،‏ فقالوا:‏ ال حتى نقترع.‏ فانطلق زكريا وستة وعشرون إلى نھر األردن وألقوا<br />

أقالمھم في الماء على أن من ثبت قلمه في الماء وصعد فھو أولى بھا،‏ فثبت قلم زكريا.‏ فأخذ<br />

مريم وتكفل بھا.‏ فورد في سورة مريم:‏<br />

وَ‏ اذْ‏ كُ‎رْ‏ فِ‎ي الْكِتَ‎ابِ‏ مَ‎رْ‏ يَمَ‏ إِذِ‏ انتَبَ‎ذَتْ‏ مِ‎نْ‏ أَھْلِھَ‎ا مَكَانً‎ا شَ‎رْ‏ قِيّاً؛ فَاتَّخَ‎ذَ‏ ‏ْت مِ‎ن<br />

دُونِھِمْ‏ حِجَ‏ اباً،‏ فَأَرْ‏ سَلْنَا إِلَيْھَا رُوحَ‏ نَا فَتَمَثَّلَ‏ لَھَا بَشَ‎راً‏ سَ‎وِ‏ ‏ّياً.‏ قَالَ‎تْ‏ إِنِّ‎ي أَعُ‎وذُ‏<br />

بِالرَّ‏ حْ‏ مَن مِنكَ‏ إِن كُنتَ‏ تَقِيّا.‏ قَالَ:‏ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ‏ رَ‏ بِّ‎كِ‏ ألَھَ‎بَ‏ لَ‎كِ‏ غُالمً‎ا زَ‏ كِيّ‎اً.‏<br />

قَالَتْ‏ أَنَّى يَكُونُ‏ لِي غُالمٌ‏ وَ‏ لَمْ‏ يَمْسَسْ‏ نِي بَشَرٌ‏ وَ‏ لَمْ‏ أَكُ‏ بَغِيّاً.‏ قَالَ:‏ كَذَلِكِ‏ قَالَ‏ رَ‏ بُّكِ‏<br />

ھُوَ‏ عَلَيَّ‏ ھَيِّنٌ‏ وَ‏ لِنَجْ‏ عَلَهُ‏ آيَةً‏ لِلنَّ‎اسِ‏ وَ‏ رَ‏ حْ‏ مَ‎ةً‏ مِّنَّ‎ا،‏ وَ‏ كَ‎انَ‏ أَمْ‎رًا مَّقْضِ‏ يّاً.‏ فَحَ‏ مَلَتْ‎هُ‏<br />

فَانتَبَذَتْ‏ بِهِ‏ مَكَاناً‏ قَصِ‏ يًّصاً.‏ فَأَجَ‏ اءھَا الْمَخَ‏ اضُ‏ إِلَى جِذْ‏ عِ‏ النَّخْ‏ لَ‏ ‏ِة؛ قَالَ‏ ‏ْت:‏ يَا لَيْتَنِي<br />

مِتُّ‏ قَبْلَ‏ ھَذَا وَ‏ كُنتُ‏ نَسْ‏ ياً‏ مَّنسِ‎يّاً.‏ فَنَادَاھَ‎ا مِ‎ن تَحْ‏ تِھَ‎ا أَالَّ‏ تَحْ‏ زَ‏ نِ‎ي قَ‎دْ‏ جَ‏ عَ‎لَ‏ رَ‏ بُّ‎ ‏ِك<br />

تَحْ‏ تَكِ‏ سَرِ‏ يّاً.‏ وَ‏ ھُزِّ‏ ي إِلَيْكِ‏ بِجِذْ‏ عِ‏ النَّخْ‏ لَةِ‏ تُسَاقِطْ‏ عَلَيْكِ‏ رُطَباً‏ جَ‏ نِيّاً.‏ فَكُلِي وَ‏ اشْرَ‏ بِي<br />

وَ‏ قَرِّ‏ ي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَ‏ يِنَّ‏ مِنَ‏ الْبَشَرِ‏ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَ‎ذَرْ‏ تُ‏ لِلرَّ‏ حْ‏ مَنِ‏ صَ‎وْ‏ ماً‏ فَلَ‎ ‏ْن<br />

أُكَلِّمَ‏ الْيَوْ‏ مَ‏ إِنسِ‏ يّاً.‏ فَأَتَتْ‏ بِهِ‏ قَوْ‏ مَھَا تَحْ‏ مِلُهُ‏ قَالُوا يَا مَرْ‏ يَمُ‏ لَقَدْ‏ جِئْتِ‏ شَيْئاً‏ فَرِ‏ يّاً.‏ يا<br />

أُخْ‏ تَ‏ ھَ‎ارُونَ‏ مَ‎ا كَ‎انَ‏ أَبُ‎وكِ‏ امْ‎رَ‏ أَ‏ سَ‎وْ‏ ءٍ‏ وَ‏ مَ‎ا كَانَ‎تْ‏ أُمُّ‎كِ‏ بَغِيّ‎اً.‏ فَأَشَ‎ارَتْ‏ إِلَيْ‎هِ؛<br />

قَالُوا:‏ كَيْفَ‏ نُكَلِّمُ‏ مَ‎ن كَ‎انَ‏ فِ‎ي الْمَھْ‎دِ‏ صَ‎بِيّاً.‏ قَ‎الَ:‏ إِنِّ‎ي عَبْ‎دُ‏ َّ ِ آتَ‎انِيَ‏ الْكِتَ‎ابَ‏<br />

وَ‏ جَ‏ عَلَنِي نَبِيّاً‏<br />

:<br />

٢<br />

.<br />

:<br />

فھذه ھي قصة مريم حسب ورودھا في القُرْ‏ آن وفي كتب أقدم مفسري المسلمين.‏<br />

وقال المحققون المدققون إن ھذه األمور لم تؤخذ من األناجيل الصحيحة،‏ بل أُخذت من<br />

كتب الخرافات التي كانت متداولة في األزمنة القديمة بين أصحاب البدع الباطلة.‏ وبما أننا ال<br />

نقبل قوالً‏ بدون براھين كافية وجب علينا أن نمعن النظر في األدلة التي يقيمونھا،‏ وھي:‏<br />

:(٥<br />

٣<br />

ورد في كتاب ‏((پروتو إ ‏َڤنجيلوم))‏ ليعقوب الصغير ‏(أصحاحات فرفعت حنة<br />

عينيھا إلى السَّماء فرأت عش عصافير في شجرة غار،‏ فتنھدت قائلة:‏ يا أحاح يا أحاح،‏ من<br />

ولدني أح أح..‏ ومن أُشبِه؟ فلستُ‏ مثل طيور السَّماء ألن طيور السَّماء أيضاً‏ ھي ذات ثمار أمامك<br />

))<br />

))<br />

١<br />

سورة آل عمران:‏<br />

سورة مريم:‏<br />

.٤٧ ٤٢ /٣ <br />

.٣٠ ١٦ /١٩<br />

٢<br />

<br />

- ٣٨ -


..((<br />

يا رب وإذا بمالك الرب وقف بجانبھا قائالً‏ لھا:‏ يا حنة،‏ إن الرب استجاب طلباتك فستحبلين<br />

وتلدين ويُذاع صيت نسلك في جميع أنحاء العالم.‏ فقالت حنة:‏ حيٌّ‏ ھو الرب إلھي،‏ إذا ولدت<br />

ذكراً‏ كان أو أنثى نذرته للرب إلھي وسيخدمه طول أيام حياته..‏ وتمت أشھرھا وولدت حنة في<br />

الشھر التاسع..‏ وأرضعت الطفلة وسمَّتھا مريم<br />

.<br />

((<br />

وورد في كتاب عربي مشكوك بصحته يسمى قصة نياحة أبينا القديس الشيخ النجار<br />

‏(فصل ٣) بخصوص مريم:‏ قدمھا أبواھا إلى الھيكل وھي ابنة ثالث سنين،‏ وأقامت في<br />

ھيكل الرب تسع سنين.‏ ولما رأى الكھنة العذراء القديسة المتَّقية الرب قد نشأت،‏ خاطبوا بعضھم<br />

بعضاً‏ قائلين:‏ سلوا عن رجل يخاف لتودعوا عنده مريم إلى زمان العرس لئال تبقى في<br />

الھيكل<br />

))<br />

((<br />

))<br />

١٢<br />

))<br />

))<br />

.<br />

((<br />

((<br />

ولكن قبل ذلك لما أحضر والدا مريم ابنتھما إلى الھيكل حدثت أشياء أخرى وردت في<br />

سياق القصة في پروتو إ ‏َڤنجيلوم ‏(أصحاحات ‎٧‎و‎١١‎‏):‏<br />

إن الكاھن قَبَلھا وقبّ‎لھا وباركھا قائالً:‏ إن الرب اإلله عظَّ‎م اسمك بين<br />

جميع أجيال األرض،‏ وعليك في آخر األيام يعلن الرب اإلله فداء بني<br />

إسرائيل..‏ وربيت مريم كحمامة في ھيكل الرب،‏ وكانت تتناول األكل من<br />

يد مالك حتى سنة من العمر.‏ ثم التأم مجلس الكھنة فقالوا:‏ إذا بلغت<br />

مريم اثنتي عشرة سنة من العمر في ھيكل الرب،‏ فما الذي يجب فعله<br />

بھا؟..‏ فوقف مالك الرب بجانب زكريا وقال له:‏ يا زكريا،‏ اخرج واجمع<br />

أرامل القوم،‏ وليأت كل واحد بقلم،‏ ومن يريه الرب اإلله عالمة تكون<br />

زوجةً‏ له.‏ فخرج المنادون في جميع نواحي اليھودية وبوَّ‏ قوا ببوق ، فأتى<br />

الجميع مسرعين.‏ فألقى يوسف قدّومه أيضاً‏ وولج في المجلس.‏ ولما<br />

اجتمعوا توجَّھوا إلى الكاھن،‏ فأخذ الكاھن أقالم الجميع ودخل الھيكل<br />

وصلى.‏ ولما تمت صالته خرج وردَّ‏ لكل واحد قلمه،‏ فلم تظھر عالمة فيه،‏<br />

غير أن يوسف أخذ القلم األخير،‏ فخرجت من القلم حمامة وطارت على<br />

رأس يوسف..‏ فقال له الكاھن صار لك حق بواسطة القرعة أن تتخذ<br />

عذراء الرب،‏ فخُذھا وديعة عندك..‏ ولما كان يوسف منزعجاً‏ أخذھا وديعة<br />

عنده..‏ فأخذت مريم جرَّة وخرجت لتمألھا ماء،‏ وإذا بصوت قائل:‏ السالم<br />

لك أيتھا المنعَم عليھا.‏ الرب معك.‏ مباركة أنت في النساء.‏ فأخذت تلتفت<br />

يميناً‏ ويساراً‏ لترى من أين أتى ھذا الصوت.‏ ولما انزعجت توجھت إلى<br />

بيتھا ولما وضعت الجرة..‏ جلست على الكرسي..‏ وإذا بمالك الرب قد<br />

وقف بجانبھا وقال لھا:‏ ال تخافي يا مريم ألنك وجدتِ‏ نعمة أمام ،<br />

وستحبلين بكلمته.‏ ولما سمعت ھذا قالت مريم في نفسھا:‏ ھل أحبل كما تلد<br />

كل امرأة؟ فقال لھا المالك:‏ ليس كذلك يا مريم،‏ ألن قوة العلي تظللك،‏<br />

فلذلك أيضاً‏ القدوس المولود منك يُدعى ابن وتسمينه يسوع<br />

٢٨ /١)<br />

.<br />

((<br />

ويظھر من آخر ھذه القصة أن كلمات المالك ھذه مأخوذة من إنجيل لوقا <br />

٣٥)، لكن بقية الحكاية ال أصل وال صحة لھا.‏ أما قصة مريم في ھيكل فقد وردت في كتب<br />

أخرى ملفَّقة،‏ والسيما في بعض المؤلفات القبطية،‏ فقد ورد في الكتاب القبطي (( سيرة العذراء<br />

أنه لما وضعت حنة ابنتھا مريم في الھيكل كانت ترزق في الھيكل كحمامة،‏ وكان مالئكة <br />

يأتون إليھا برزقھا من السَّماء.‏ ولما كانت تسجد في الھيكل كانت مالئكة يخدمونھا،‏ وكثيراً‏<br />

ما حدث أنھم كانوا يأتون لھا بأثمار من شجرة الحياة فكانت تأكلھا بانشراح<br />

((<br />

.<br />

((<br />

))<br />

- ٣٩ -


وورد أيضاً‏ في كتاب قبطي عنوانه<br />

))<br />

حكاية رحلة يوسف<br />

:<br />

((<br />

))<br />

كانت مريم تقيم في الھيكل وتعبد ھنا بطھارة النية،‏ وكانت تنمو إلى<br />

أن بلغت سن االثنتي عشرة سنة،‏ فأقامت في بيت والديھا مدة ثالث سنين<br />

وفي ھيكل الرب تسع سنين أيضاً.‏ ثم لما رأت الكھنة أن تلك العذراء<br />

اشتھرت بالعفاف ولم تزل خائفة الرب تشاوروا بعضھم مع بعض قائلين:‏<br />

لنفتش على رجل صالح لتكون خطيبة له إلى أن يحل وقت عرسھا..‏<br />

ودعوا فوراً‏ سبط يھوذا واختاروا منه اثني عشر رجالً‏ بحسب عدد أسباط<br />

بني إسرائيل،‏ فوقعت القرعة على يوسف ذلك الرجل الشيخ الصالح<br />

.<br />

((<br />

وبعد ذلك لمَّا حبلت مريم أحضروھا مع يوسف أمام الكاھن واشتكوھا.‏ وورد في<br />

پروتو إ ‏َڤنجيلوم ‏(فصل<br />

))<br />

:(١٥<br />

((<br />

))<br />

فقال الكاھن:‏ يا مريم،‏ لماذا فعلتِ‏ ذلك وثلَمْتِ‏ عَرْ‏ ضك؟ أنت نسيت الرب<br />

إلھك مع أنك تربيتِ‏ في قدس األقداس وكنت تتناولين الطعام من يد المالك<br />

وكنت تسمعين الترنيمات ‏(اإللھية)؟..‏ لماذا فعلتِ‏ ھذا؟ فبكت بشدة وقالت:‏<br />

حي ھو الرب إنني طاھرة أمامه وال أعرف رجالً‏<br />

.<br />

((<br />

ثم ذكر أن يوسف ومريم خرجا من الناصرة إلى بيت لحم ولم يجدا محالً‏ في الخان،‏<br />

فأقاما في مغارة حيث ولد فيھا المسيح ‏(فصل من ذلك الكتاب)‏ إذ يقول:‏ إن يوسف وجد<br />

مغارة وأدخلھا فيھا..‏ وأنا يوسف..‏ شخصت بعيني إلى السَّماء فرأيت قبة السَّ‎ماء واقفة وطيور<br />

السَّ‎ماء ترتعد.‏ ثم نظرت إلى األرض فرأيت قصعة موضوعة والعملة جالسين وأيديھم في<br />

القصعة.‏ فالذين كانوا يتناولون الطعام لم يتناولوه.‏ والذين كانوا يضعونه في أفواھھم لم يضعوه،‏<br />

بل كانت وجوھھم جميعاً‏ مرتفعة إلى فوق.‏ ورأيت غنماً‏ مسوقة وقد وقفت،‏ فرفع الراعي يده<br />

ليضربھا فوقفت يده مرفوعة.‏ ثم حوَّ‏ لتُ‏ نظري إلى مجرى ماء فرأيت بعض الجداء وكانت<br />

أفواھھا مرتفعة فوق الماء ولم تشرب،‏ فنظرت أن كل شيء كان في غاية الدھشة<br />

الخرافة ھي أصل القصة الواردة في روضة األحباب عن الغرائب والعجائب التي يُقال إنھا<br />

حصلت عند مولد مُحَ‏ مَّد.‏<br />

. وھذه<br />

((<br />

((<br />

))<br />

١٨<br />

))<br />

وربما ردَّ‏ بعض علماء المسلمين على ھذه األدلة بقولھم إن ھذا برھان على صحة النبأ<br />

الوارد في القُرْ‏ آن بخصوص مريم،‏ ألننا نعلم اآلن أن كثيراً‏ من كتب المسيحيين القديمة المشابھة<br />

لھذه الكتب تؤيد ما أورده القُرْ‏ آن في ھذا الصدد.‏<br />

قلنا:‏ ال يخفى على العاقل أنه يلزم قبل االعتماد على شھادة شاھد أن نبحث عن صفاته<br />

وصحة أقواله.‏ فإذا فحصنا كتب البدع بموجب ھذا القانون انھارت دعائم بنائھا وشھاداتھا،‏ ألنھا<br />

أوالً‏ ال يُركن إليھا،‏ وثانياً‏ ألنھا ليست قديمة جداً‏ فإن النصوص الواردة في األناجيل القانونية<br />

الصحيحة أقدم منھا عھداً‏ جداً.‏ وثالثاً‏ لم يعتمد ولن يعتمد عليھا أحد من العلماء،‏ ألنھا مجرد<br />

خرافات ألَّفھا بعضُھم عن وھمٍ‏ وظن.‏ وبصرف النظر عن كل ھذا فھي تدل على جھل،‏ ألنه لم<br />

يكن يجوز تربية أية أنثى كانت في الھيكل بين الكھنة،‏ ولم يكن مسموحاً‏ ألحد أن يقيم في قدس<br />

األقداس،‏ بل لم يكن مسموحاً‏ ألحد أن يدخله إال رئيس كھنة اليھود فقط مرة واحدة في السنة،‏<br />

- ٤٠ -


؛‎٢‎<br />

بمناسبة يوم الكفارة العظيم،‏ عندما كان يقدِّم الذبيحة ويأتي بالدم ليقدمه أمام في قدس<br />

١<br />

األقداس.‏<br />

ولم يرد في األناجيل ذكر السم أم مريم.‏ ولكن أصحاب البدع زعموا أن اسمھا حنة<br />

لسببين:‏ أولھما،‏ إنه ورد في إنجيل لوقا أن نبية عجوزاً‏ تُدعى حنة؛ وثانياً‏ أن حنة<br />

ھو اسم أم صموئيل النبي.‏ أما قصة نذر مريم قبل الحبل بھا في بطن أمھا،‏ وأنھا تربَّت في<br />

الھيكل فمُخترَ‏ عة وملفَّقة،‏ تقليداً‏ لقصة صموئيل النبي الحقيقية الواردة في ‎١‎صموئيل<br />

و‎٢٤‎ و‎٢٨‎؛ و‎١٨‎ ١٩). وما دروا أن ھذا كان جائزاً‏ في الحالة التي يكون فيھا النذير<br />

صبياً،‏ ولكنه ال يجوز في الحالة التي يكون فيھا النذير صبية،‏ كما يسلم بذلك كل من يعرف<br />

العادات الشرقية.‏ فبناء على ذلك تكون شھادة ھذه الخرافات لتأييد القُ‎رْ‏ آن ساقطة.‏ على أن<br />

المشابھة بينھا وبين ما ورد في القُرْ‏ آن تدل على أن مُحَ‏ مَّداً‏ اقتبسھا من مثل ھذه الخرافات.‏<br />

))<br />

))<br />

١١ /١)<br />

(٣٦ /٢)<br />

(٢٥ /١٩)<br />

))<br />

١١ :٢<br />

((<br />

((<br />

ثم أن ما ورد في سورة مريم عن الرطب الجني الذي تساقط من النخلة على<br />

مريم مأخوذ من كتاب ملفق يدعى حكاية مولد مريم وطفولية المخلّص ويقول:‏<br />

((<br />

.<br />

((<br />

))<br />

<br />

ولكن في اليوم الثالث بعد ارتحاله حدث أن مريم تعبت في البرية من<br />

شدة حرارة الشمس.‏ فلما رأت شجرة قالت ليوسف:‏ لنسترِ‏ ح ھنيھة تحت<br />

ظل ھذه الشجرة.‏ فبادر يوسف وأتى بھا إلى تلك النخلة وأنزلھا من على<br />

دابتھا.‏ ولما جلست شخصت بعينيھا إلى أعلى النخلة فرأتھا مآلنة بالثمر،‏<br />

فقالت ليوسف:‏ يا ليتني آخذ قليالً‏ من ثمر ھذا النخل.‏ فقال لھا يوسف:‏ يا<br />

للعجب!‏ كيف تقولين ھذا وأنت ترين أن أفرع ھذه النخلة عالية جداً؟ لكني<br />

في غاية القلق بخصوص الماء،‏ ألن الماء الذي في قربتنا قد نفد وال يوجد<br />

مكان نمألھا منه لنروي ظمأنا.‏ ثم قال الطفل يسوع الذي كان متكئاً‏ على<br />

صدر أمه مريم العذراء ووجھه باش:‏ يا أيتھا الشجرة،‏ أَھبِطي أفرعك<br />

لتنتعش أمي بثمرك.‏ وحالما سمعت النخلة ھذا الكالم طأطأت فوراً‏ برأسھا<br />

عند موطئ قدمي مريم،‏ فالتقط الجميع من الثمر الذي كان عليھا وانتعشوا،‏<br />

وبعد ذلك لما التقطوا جميع ثمرھا استمرت النخلة مطأطئة رأسھا،‏ ألنھا<br />

كانت تنتظر االرتفاع بأمر مَن قد طأطأت رأسھا بأمره.‏ فقال لھا يسوع:‏<br />

ارفعي رأسك يا أيتھا النخلة وانشرحي صدراً‏ وكوني من أشجاري التي في<br />

جنة أبي.‏ ولكن افتحي بجذورك الينبوع المستتر في األرض،‏ ولتفِض المياه<br />

من ھذا الينبوع..‏ ففي الحال انتصبت النخلة ونبعت من جذورھا مجاري<br />

مياه زالل صافية باردة آية في غاية الحالوة.‏ ولما رأوا مجاري المياه ھذه<br />

فرحوا فرحاً‏ عظيماً‏ جداً،‏ فرووا ظمأھم مع جميع بھائمھم وخدمتھم وحمدوا<br />

فال فرق بين ھذه الخرافة وبين القصة القُرْ‏ آنية إال في أن رواية القُ‎رْ‏ آن ذكرت أن ھذه<br />

الحادثة العجيبة حصلت عند والدة المسيح،‏ بينما القصة القديمة تقول إنھا حدثت لما كان يوسف<br />

في مصر بعد ذلك بمدة قليلة.‏<br />

وإذا قيل:‏ من أين اتخذ أصحاب البدع والخرافات ھذه القصة؟ قلنا إنھا واردة كما جاءت<br />

في القُرْ‏ آن وفي كتب أصحاب البدع في كتب أصحاب بوذا الذي وُ‏ لد في الھند نحو سنة<br />

((<br />

))<br />

١<br />

الويين:‏<br />

.٧ /٩ عبرانيين:‏<br />

/١٦<br />

- ٤١ -


ُ<br />

(٥٥٧ ق م)،‏ فقد ورد في أحد ھذه الكتب المسمى نِدانه كتھا جاتكم ‏(فصل ١ ص ٥٠<br />

٥٣) ذكر والدة بوذا،‏ وقيل إنه لما حبلت أمه توجھت من قصر زوجھا إلى قصر الملك أبيھا لتلد<br />

ھناك.‏ ولما كانت سائرة في الطريق عرجت مع خادماتھا على غابة جميلة،‏ ثم قيل:‏<br />

((<br />

))<br />

))<br />

إنھا قربت من أسفل شجرة طيبة الفال،‏ وتمنَّت لو تمسك فرعاً‏<br />

من شجرة السال ھذه،‏ فانثنى فرعھا كأنه قصوي عصا صار تليينھا ببخار<br />

وقرُب من قبضة يد السائرة،‏ فمدَّت يدھا وأمسكت الفرع فأجاءھا المخاض،‏<br />

ووضعت لما كانت واقفة ممسكة بفرع شجرة السال<br />

.<br />

((<br />

)) سال ((<br />

))<br />

ووردت ھذه القصة بصورة أخرى في كتاب من كتب أصحاب بوذا في حياته السالفة<br />

‏(على مذھب التقمُّص)‏ كان أميراً‏ يدعى ويسنترو طُ‎رد ونُفي مع قرينته وولديه الصغيرين<br />

من المملكة،‏ فقطعا الصحاري والجبال باحثين عن ملجأ.‏ فاشتد الجوع بالولدين وقيل في نص<br />

الكتاب فإذ رأى الطفالن أشجاراً‏ حاملة ثماراً‏ عند سفح الجبل بكيا للحصول على ثمرھا.‏ فلما<br />

رأت األشجارُ‏ الباسقةُ‏ الولدين باكيين،‏ طأطأت رؤوسھا واقتربت منھما<br />

١<br />

.((<br />

((<br />

))<br />

وواضح أن أصحاب البدع ومؤلف القُرْ‏ آن اقتبسوا قصصھم من ھذه القصة،‏ وإن كانوا<br />

لم يعرفوا أصلھا الحقيقي.‏ وما أكبر الفرق بين األناجيل الصحيحة الصادقة وكتب أصحاب البدع<br />

الموضوعة،‏ فإن الحواريين الذين كتبوا أناجيلھم الصادقة الصحيحة بوحي المقبولة عند جميع<br />

المسيحيين في غنى عن االقتباس من قصص الوثنيين،‏ ألنھم دوَّ‏ نوا كتبھم مما شاھدوه وعرفوه،‏<br />

أو ما بلغھم من شھادة الذين عاينوا الحوادث بأعينھم ‏(لوقا ٤). وكانوا في كل األحوال<br />

تحت إرشاد الوحي اإللھي واإللھام الرباني،‏ وعاشوا في عصر المسيح ذاته.‏ ولكن لما كان<br />

أصحاب البدع قد كتبوا كتبھم في األزمنة المتأخرة،‏ وكانوا جھلة مولعين بتصديق الخزعبالت،‏<br />

دوَّ‏ نوا في كتبھم التي ألَّفوھا للجھلة والعوام المغرمين بحب الغرائب قصصاً‏ كثيرة لم يعرفوا<br />

أصلھا.‏ فظھر من ھذه الخرافة وأمثالھا أن المعترضين على القُ‎رْ‏ آن أوردوا أدلة كثيرة لتأييد<br />

قولھم من أن النبي األمي انخدع بمثل ھذه الخرافات.‏<br />

١ /١<br />

((<br />

))<br />

) ٣ً) قصة طفولية المسيح عيسى:‏<br />

ورد في سورة آل عمران<br />

٤٦ /٣)<br />

<br />

و‎٤٩‎‏)‏ أنه قبل مولد المسيح قال المالك عنه:‏<br />

وَ‏ يُكَلِّمُ‏ النَّاسَ‏ فِي الْمَھْدِ...‏ أَنِّي قَدْ‏ جِئْتُكُم بِآيَةٍ‏ مِّن رَّ‏ بِّكُمْ‏ أَنِّي أَخْ‏ لُقُ‏ لَكُم مِّنَ‏<br />

الطِّ‎ينِ‏ كَھَيْئَ‎ةِ‏ الطَّيْ‎رِ‏ فَ‎أَنفُخُ‏ فِيهِ‏ فَيَكُ‎ونُ‏ طَيْ‎رًا بِ‎إِذْ‏ نِ‏ ّ ِ وَ‏ أُبْ‎رِ‏ ىءُ‏ األكْمَ‎ ‏َه<br />

واألَبْرَصَ‏ وَ‏ أُحْ‏ يِي الْمَوْ‏ تَى بِإِذْ‏ نِ‏ ّ ِ<br />

وورد في سورة المائدة:‏<br />

. <br />

:<br />

<br />

١<br />

انظر األبيات<br />

٣٤<br />

إِذْ‏ قَالَ‏ ّ يَا عِيسى ابْنَ‏ مَرْ‏ يَمَ‏ اذْ‏ كُرْ‏ نِعْ‏ مَتِي عَلَيْكَ‏ وَ‏ عَلَى وَ‏ الِدَتِكَ‏ إِذْ‏ أَيَّدتُّكَ‏<br />

بِرُوحِ‏ الْقُدُسِ‏ تُكَلِّمُ‏ النَّ‎اسَ‏ فِ‎ي الْمَھْ‎دِ‏ وَ‏ كَھْ‎الً؛ وَ‏ إِذْ‏ عَلَّمْتُ‎كَ‏ الْكِتَ‎ابَ‏ وَ‏ الْحِكْمَ‎ ‏َة<br />

وَ‏ التَّوْ‏ رَ‏ اةَ‏ وَ‏ اإلِنجِيلَ؛ وَ‏ إِذْ‏ تَخْ‏ لُقُ‏ مِ‎نَ‏ الطِّ‎ينِ‏ كَھَيْئَ‎ةِ‏ الطَّيْ‎رِ‏ بِ‎إِذْ‏ نِي فَتَ‎نفُخُ‏ فِيھَ‎ا<br />

فَتَكُونُ‏ طَيْراً‏ بِإِذْ‏ نِي؛ وَ‏ تُبْرِ‏ ىءُ‏ األَكْمَ‎هَ‏ وَ‏ األَبْ‎رَ‏ صَ‏ بِ‎إِذْ‏ نِي؛ وَ‏ إِذْ‏ تُخْ‏ رِ‏ جُ‏ الْمَ‎وتَى<br />

و‎٣٥‎‏.‏<br />

- ٤٢ -


١<br />

بِإِذْ‏ نِي؛ وَ‏ إِذْ‏ كَفَفْتُ‏ بَنِي إِسْ‏ رَ‏ ائِيلَ‏ عَنكَ‏ إِذْ‏ جِئْتَھُمْ‏ بِالْبَيِّنَا ‏ِت،‏ فَقَالَ‏ الَّ‎ذِينَ‏ كَفَ‎رُو ‏ْا<br />

مِنْھُمْ:‏ إِنْ‏ ھَذَا إِالَّ‏ سِ‏ حْ‏ رٌ‏ مُّبِينٌ‏<br />

. <br />

ولقد اقتبس القُرْ‏ آن ھذه المعلومات من كتب كاذبة،‏ ال من إنجيل صحيح،‏ ألنه اتضح مما<br />

تقدم أن مخاطبة المسيح الموھومة لشجرة النخل مبنيَّ‎ة على ما توھَّمه البعض من أنه تكلم في<br />

المھد.‏ أما معجزة إحياء الطير المصنوع من الطين فأُخذت من كتاب يوناني اسمه بشارة توما<br />

اإلسرائيلي ‏(فصل<br />

))<br />

:(٢<br />

))<br />

((<br />

لما بلغ الصبي يسوع من العمر خمس سنين كان يلعب في جدول،‏ فجمع<br />

المياه الجارية إلى بحيرات،‏ وكان يجعلھا على الفور نظيفة،‏ ورتَّبھا بمجرد<br />

كلمة،‏ ثم جعل بعض طين ناعماً‏ وصنع منه اثني عشر عصفوراً.‏ وكان<br />

يوم السبت لما فعل ھذه األشياء.‏ ومع أنه كان يوجد أوالد كثيرون يلعبون<br />

معه إال أن أحد اليھود لما رأى ما فعله يسوع وأنه كان يلعب في يوم<br />

السبت،‏ ذھب وأخبر والده يوسف قائالً:‏ إن ابنك ھو عند جداول المياه وقد<br />

أخذ طيناً‏ وصنع منه اثني عشر طيراً‏ ونقض يوم السبت.‏ فأتى يوسف إلى<br />

المكان وعاين ما فعله الولد فصرخ قائالً‏ له:‏ لماذا تفعل في السبت ھذه<br />

األشياء التي ال يحل فعلھا؟ فطبق يسوع كفيه الواحد على اآلخر وصاح<br />

بالعصافير قائالً‏ لھا:‏ اذھبي.‏ فطارت العصافير!‏ فذُھل اليھود الذين شاھدوا<br />

ھذه األمور.‏ ولما انصرفوا أخبروا رؤساءھم بما فعله يسوع<br />

.<br />

((<br />

وھذه الخرافة كلھا توجد أيضاً‏ في كتاب عربي يُسمى إنجيل الطفولية<br />

وذكرت بصورة أخرى في فصل من نفس الكتاب،‏ ألن آخره مأخوذٌ‏ من<br />

اإلسرائيلي<br />

(٣٦<br />

((<br />

))<br />

))<br />

٤٦<br />

.((<br />

‏(فصل<br />

بشارة توما<br />

٢<br />

ولنرجع إلى ما ذُكر من أن المسيح تكلم لما كان طفالً‏ في المھد.‏ جاء في سورة مريم<br />

أنه لما وبَّخ القومُ‏ مريم،‏ أشارت إلى الطفل يسوع ليجيب عنھا.‏ فلما قالوا لھا:‏ كَيْ‎فَ‏ نُكَلِّ‎مُ‏ مَ‎ن<br />

كَانَ‏ فِي الْ‏ مَھْدِ‏ صَبِيًّا ؟ أجاب:‏ إِنِّي عَبْدُ‏ َّ ِ آتَانِيَ‏ الْكِتَابَ‏ وَ‏ جَ‏ عَلَنِي نَبِ‏ ‏ّياً‏ . وورد في إنجيل<br />

الطفولية ‏(فصل قد وجدنا في كتاب يوسيفوس رئيس الكھنة الذي كان على عھد<br />

المسيح،‏ وقد قال أناسٌ‏ إن قيافا قال إن يسوع تكلم حين كان في المھد،‏ وقال لمريم أمه:‏ إني أنا<br />

المسيح ابن الذي ولدتِني كما بشَّرك جبرائيل المالك،‏ وأبي أرسلني لخالص العالم<br />

))<br />

.<br />

((<br />

<br />

<br />

<br />

))<br />

))<br />

:(١<br />

((<br />

فإذا قارنا بين ھذا القول وما ورد في القُ‎رْ‏ آن نرى أن مُحَ‏ مَّ‎داً‏ غيَّ‎ر في ھذه األقوال<br />

الوھمية المنسوبة إلى المسيح بكيفية تالئم اعتقاده وتعليمه.‏ ولكن مما ال شك فيه أن مُحَ‏ مَّ‎داً‏ أخذ<br />

ھذه القصة الكاذبة من الكتاب المذكور.‏ وإذا سأل سائل:‏ كيف توصَّل إلى انتحالھا وأين تيسَّ‎ر له<br />

ذلك؟ قلنا:‏ إن الكتاب المسمى إنجيل الطفولية مترجم من القبطية إلى اللغة العربية.‏ وبما أن<br />

ماريا القبطية كانت من سراري مُحَمَّ‎د فال بد أنه سمع ھذه الخرافة منھا ألنھا كانت جاھلة،‏<br />

فتوھَّمت أن ھذه القصة كانت في اإلنجيل الصحيح األصلي،‏ فأخذھا منھا وتصرف في روايتھا<br />

الشفاھية قليالً‏ ونقحھا ودوَّ‏ نھا في القُرْ‏ آن.‏<br />

((<br />

١<br />

٢<br />

سورة المائدة:‏<br />

و‎٣٠‎‏.‏<br />

.١١٠ /٥<br />

٢٩ :١٩<br />

- ٤٣ -


ُ<br />

؟‏ّ‏ ِ<br />

فإذا أصرَّ‏ إنسان وقال:‏ ربما تكون ھذه القصة صحيحة،‏ نقول:‏ ال يمكن أن تكون<br />

صحيحة،‏ ألنه يؤخذ من إنجيل يوحنا أن المسيح لم يفعل معجزة في طفولته،‏ وقيل<br />

تعليقاً‏ على معجزته في عرس قانا الجليل،‏ التي صنعھا لما بلغ من العمر أكثر من ثالثين سنة،‏<br />

إنھا كانت بدء معجزاته وآياته.‏<br />

(١١ /٢)<br />

<br />

غير أن باقي معجزات المسيح المذكورة في القُ‎رْ‏ آن ھي حقيقية وحدثت فعالً،‏ ما عدا<br />

معجزة المائدة التي ادَّعى القُرْ‏ آن أن المسيح أنزلھا من السَّماء.‏ فقد ذكر القُرْ‏ آن أنه طھَّ‎ر البرص<br />

وأقام الموتى وأعطى بصراً‏ للعميان،‏ وھذا يطابق ما ورد في البشائر األربع الصحيحة.‏ أما ما<br />

ورد في القُرْ‏ آن بخصوص المائدة:‏ إِذْ‏ قَالَ‏ الْحَ‏ وَ‏ ارِ‏ يُّو ‏َن:‏ يَا عِيسَى ابْنَ‏ مَرْ‏ يَمَ‏ ھَلْ‏ يَسْ‏ تَطِ‏ يعُ‏ رَ‏ بُّكَ‏ أَن<br />

يُنَ‎زِّ‏ لَ‏ عَلَيْنَ‎ا مَآئِ‎دَةً‏ مِّ‎نَ‏ السَّ‎مَاء؟ قَ‎الَ:‏ َ إِن كُنتُم مُّ‎ؤْ‏ مِنِينَ‏ قَ‎الُواْ:‏ نُرِ‏ يدُ‏ أَن نَّأْكُ‎لَ‏ مِنْھَ‎ا<br />

وَ‏ تَطْ‏ مَئِنَّ‏ قُلُوبُنَا وَ‏ نَعْ‏ لَمَ‏ أَن قَدْ‏ صَدَقْتَنَا وَ‏ نَكُونَ‏ عَلَيْھَا مِنَ‏ الشَّاھِدِي ‏َن.‏ قَ‎الَ‏ عِيسَ‎ى ابْ‎نُ‏ مَ‎رْ‏ يَمَ:‏ اللَّھُ‎مَّ‏<br />

رَ‏ بَّنَا أَنزِ‏ لْ‏ عَلَيْنَا مَآئِدَةً‏ مِّنَ‏ السَّمَاء تَكُونُ‏ لَنَا عِيداً‏ ألَوَّ‏ لِنَ‎ا وَ‏ آخِرِ‏ نَ‎ا وَ‏ آيَ‎ةً‏ مِّنكَ‏ وَ‏ ارْ‏ زُقْنَ‎ا وَ‏ أَنتَ‏ خَ‏ يْ‎ ‏ُر<br />

الرَّ‏ ازِ‏ قِينَ‏ إِنِّ‎ي مُنَزِّ‏ لُھَ‎ا عَلَ‎يْكُ‏ ‏ْم ولم ترد ھذه المعجزة في أي كتاب من الكتب<br />

المسيحية،‏ وال شك أنھا لم تحدث،‏ ولكننا نرى أنھا نشأت عن عدم فھم بعض عبارات واردة في<br />

العھد الجديد.‏ مثالً‏ ورد في إنجيل متى وإنجيل مرقس وإنجيل<br />

لوقا ‎١٤‎‎٣٠‎‏)‏ وإنجيل يوحنا ذكر العشاء الرباني الذي اشترك فيه المسيح<br />

مع الحواريين في آخر ليلة من وجوده بالجسد في ھذه الحياة الدنيا وذلك قبل يوم صلبه.‏ ومن<br />

ذلك الوقت إلى يومنا يمارس المسيحيون الحقيقيون العشاء الرباني حسب أمره تذكاراً‏ لصلبه.‏<br />

وقد ورد في إنجيل لوقا بخصوص مائدة المسيح:‏ لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في<br />

ملكوتي،‏ وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل اإلثني عشر . فإذا سأل سائل:‏ لماذا<br />

يقول المسلمون إن ھذه المائدة نزلت من السَّماء؟ قلنا:‏ ربما توھموا أن لھذا عالقة بما ذكر في<br />

أعمال الرسل وھو:‏ ثم في الغد فيما ھم يسافرون ويقتربون إلى المدينة صعد<br />

بطرس على السطح ليصلي نحو الساعة السادسة فجاع كثيراً‏ واشتھى أن يأكل.‏ وبينما ھم يھيئون<br />

له وقعت عليه غيبة فرأى السَّماء مفتوحة وإناء نازالً‏ عليه مثل مالءة عظيمة مربوطة بأربعة<br />

أطراف ومدالة على األرض،‏ وكان فيھا كل دواب األرض والوحوش والزحافات وطيور<br />

السَّماء.‏ وصار إليه صوت:‏ قم يا بطرس اذبح وكُل.‏ فقال بطرس:‏ كال يا رب ألني لم آكل قط<br />

شيئاً‏ دنساً‏ أو نجساً.‏ فصار إليه أيضاً‏ صوت ثانية:‏ ما طھَّره فال تدنِّسه أنت.‏ وكان ھذا على<br />

ثالث مرات،‏ ثم ارتفع اإلناء أيضاً‏ إلى السَّماء . غير أن ھذه كانت رؤيا فقط،‏ وال شك أن عدم<br />

فھم الكتاب المقدس حق الفھم ھو منشأ حكاية المائدة في القُرْ‏ آن.‏<br />

(٢٥<br />

١٧ /١٤)<br />

((<br />

.<br />

))<br />

اتَّقُ‎واْ‏ ّ<br />

١<br />

. <br />

(٢٩ ٢٠ /٢٦)<br />

(٣٠ ١ /١٣)<br />

((<br />

))<br />

<br />

(٣٠ /٢٢)<br />

،(١٦<br />

. قَ‎الَ‏ ّ :<br />

٩ /١٠)<br />

<br />

/٢٢)<br />

ونتقدم اآلن إلى بعض ما ورد في القُ‎رْ‏ آن عن المسيح وأمه مريم العذراء،‏ فمن ذلك<br />

سورة المائدة:‏ وَ‏ إذْ‏ ُ يَا عِيسَى ا ‏ْب نَ‏ مَرْ‏ يَمَ‏ أَأَنتَ‏ قُلتَ‏ لِلنَّاسِ‏ اتَّخِذُونِي وَ‏ أُمِّيَ‏ إِلَھَيْنِ‏ مِن دُو ‏ِن<br />

وورد في سورة النساء:‏ يَ‎ا أَھْ‎لَ‏ الْكِتَ‎ابِ‏ الَ‏ تَغْ‏ لُ‎واْ‏ فِ‎ي دِينِكُمْ‏ وَ‏ الَ‏ تَقُولُ‎واْ‏ عَلَ‎ى ّ ِ إِالَّ‏<br />

الْحَقِّ‏ إِنَّمَا الْمَسِ‏ يحُ‏ عِيسَى ابْنُ‏ مَرْ‏ يَمَ‏ رَسُولُ‏ ّ ِ وَ‏ كَلِمَتُهُ‏ أَلْقَاھَا إِلَى مَرْ‏ يَمَ‏ وَ‏ رُوحٌ‏ مِّنْ‎هُ‏ فَ‎آمِنُواْ‏ بِ‎ا‏ّ‏ ِ<br />

ُ إِلَهٌ‏ وَ‏ احِدٌ‏ سُبْحَ‏ انَهُ‏ أَن يَكُونَ‏ لَهُ‏ وَ‏ لَدٌ‏ لَّ‎هُ‏ مَ‎ا فِ‎ي<br />

وَ‏ رُسُلِهِ‏ وَ‏ الَ‏ تَقُولُواْ‏ ثَالَثَةٌ‏ انتَھُواْ‏ خَ‏ يْرًا لَّكُمْ‏ إِنَّمَا ّ<br />

السَّمَاوَ‏ ات وَ‏ مَا فِي األَرْ‏ ضِ‏ وَ‏ كَفَى بِا‏ّ‏ ِ وَ‏ كِيالً‏ وورد في سورة المائدة:‏ لَقْد كَفَرَ‏ الَّذِينَ‏ قَالُو ‏ْا<br />

َ ثَالِثُ‏ ثَالَثَةٍ‏ وَ‏ مَا مِنْ‏ إِلَهٍ‏ إِالَّ‏ إِلَهٌ‏ وَ‏ احِ‎دٌ‏ وَ‏ إِن لَّ‎مْ‏ يَنتَھُ‎واْ‏ عَمَّ‎ا يَقُولُ‎ونَ‏ لَيَمَسَّ‎نَّ‏ الَّ‎ذِينَ‏ كَفَ‎رُو ‏ْا<br />

مِنْھُمْ‏ عَذَ‏ ابٌ‏ أَلِي ‏ٌم فيتضح من ھذه اآليات أن مُحَ‏ مَّداً‏ سمع ‏(كما قال جالل الدين ويحيى)‏ من<br />

بعض أصحاب البدع من النصارى أنه يوجد ثالثة آلھة حسب وھمھم،‏ ھم سبحانه،‏ ومريم،‏<br />

<br />

٣<br />

. <br />

قَالَ‏ ّ<br />

٤<br />

. <br />

٢<br />

. <br />

إِنَّ‏ ّ<br />

١<br />

سورة المائدة:‏<br />

سورة المائدة:‏<br />

سورة النساء:‏<br />

سورة المائدة:‏<br />

.١١٥ ١١٢ /٥ <br />

.١١٦ /٥<br />

.١٧١ /٤<br />

.٧٣ /٥<br />

٢<br />

٣<br />

٤<br />

- ٤٤ -


))<br />

وعيسى.‏ فردَّ‏ القُرْ‏ آن على آراء أصحاب البدع الكفرية وكرر المرة بعد األخرى أن واحد.‏<br />

وكل من له إلمام بالتوراة واإلنجيل يعرف أن وحدانية ھي أساس الدين المسيحي،‏ فقد ورد<br />

في التوراة:‏ اسمع يا إسرائيل:‏ الرب إلھنا إله واحد وفي إنجيل مرقس (١٢/<br />

المسيح بھذه اآلية وأيَّد صحتھا بغاية التأكيد.‏ ولم يقل مسيحي حقيقي إن مريم ھي إله.‏ نعم إنه<br />

مما يحزن القلب أن عبادة مريم دخلت بعض الكنائس،‏ ولكنھا في الحقيقة عبادة أصنام تناقض<br />

وصايا وتعاليم التوراة واإلنجيل،‏ إال أنھا موافقة لبعض الكتب الموضوعة التي اقتبس منھا<br />

مُحَمَّد القصص المذكورة عن مريم العذراء.‏ فقد ورد في سورة النساء أن اليھود قالوا:‏ إِنَّ‎ا<br />

قَتَلْنَا الْمَسِ‏ يحَ‏ عِيسَى ابْنَ‏ مَرْ‏ يَمَ‏ رَسُولَ‏ ّ ِ، وَ‏ مَا قَتَلُوهُ‏ وَ‏ مَا صَلَبُوهُ‏ وَ‏ لَكِن شُبِّهَ‏ لَھُ‎مْ‏ وَ‏ مَ‎ا قَتَلُ‎وهُ‏<br />

ُ عَزِ‏ يزاً‏ حَ‏ كِيماً‏ فتعليم القُ‎رْ‏ آن في ھذه العبارة منافٍ‏ على خط<br />

ُ إِلَيْهِ‏ وَ‏ كَانَ‏ ّ<br />

يَقِيناً‏ بَل رَّ‏ فَعَهُ‏ ّ<br />

مستقيم لجميع كتب األنبياء واإلنجيل،‏ ولكنه يطابق غاية المطابقة مذاھب بعض أصحاب البدع<br />

الضالين،‏ ألن إيرينيوس قال إن باسليديس كان يعلّم أتباعه أن المسيح لم يتألم،‏ وأن شخصاً‏<br />

اسمه سمعان من قيروان التزم أن يحمل صليبه ألجله،‏ وأن ھذا الرجل ھو الذي صُ‎لب جھالً‏<br />

وخطأً،‏ فإن المسيح غيَّر شكل ھذا الرجل ليتوھَّموا أنه ھو عيسى نفسه<br />

٢٩) استشھد<br />

<br />

...<br />

٢<br />

))<br />

.<br />

((<br />

١<br />

.<br />

((<br />

<br />

٤<br />

٣<br />

فمن ھنا يظھر أن مُحَ‏ مَّداً‏ اتخذ ھذا المذھب عن أتباع باسليديس.‏ ومع ذلك فكل من ينكر<br />

أن المسيح صُلب حقيقة ومات على الصليب يناقض تعاليم األنبياء واإلنجيل،‏ ألن األنبياء سبق<br />

أن تنبأوا أنه ال بد أن المسيح الموعود به أن يبذل حياته الكريمة ليكفِّر عن خطايا جميع البشر.‏<br />

وشھد تالميذ المسيح أنھم شاھدوا بأعينھم مخلِّصھم مصلوباً،‏ ولكن مُحَ‏ مَّ‎داً‏ لم يدرِ‏ أن إنكار<br />

باسيليديس الزائف لصلب المسيح ھو بدعة مبنية على ضاللة من ضالالته،‏ فإنه قال إن المسيح<br />

لم يتَّخذ طبيعة بشرية حقيقية،‏ ولكنه اتخذ شِبه جسد ال وجود له حقيقة،‏ وإنه كان ال يمكن أن يولد<br />

أو يتألم أو يُصلب،‏ ولكنه خدع الناس وأغراھم على التصديق بأنه تألم وصُ‎لب.‏ ولكن ھذا<br />

المذھب الضال ينافي كل ما في اإلنجيل والقُرْ‏ آن،‏ فكان البد أن ينھار بناؤه وأركانه.‏ وإن كانت<br />

أصوله كاذبة فكيف تثبت فروعه التي ھي أقل قيمة من أساسه؟ ولكن مُحَ‏ مَّداً‏ قبِل الفروع ودوَّ‏ نھا<br />

في قرآنه،‏ وصرف النظر عن األصل والمبدأ!‏<br />

) (٤ً الفارقليط:‏<br />

وقال المسلمون إن المسيح أوصى تالميذه أن ينتظروا مجيء نبي آخر اسمه أحمد<br />

وأوردوا آية من ال ‏ُقرْ‏ آن لتأييد ھذا الوھم والزعم،‏ فقد ورد في سورة الصف:‏ إِذْ‏ قَالَ‏ عِيسَى ابْ‏ ‏ُن<br />

مَرْ‏ يَمَ‏ يَا بَنِي إِسْ‏ رَ‏ ائِيلَ‏ إِنِّي رَ‏ سُولُ‏ َّ ِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ‏ يَدَيَّ‏ مِنَ‏ التَّوْ‏ رَ‏ اةِ‏ وَ‏ مُبَشِّرً‏ ا بِرَسُولٍ‏ يَأْتِي<br />

مِن بَعْدِي اسْ‏ مُهُ‏ أَحْ‏ مَدُ‏ وال شك أن ھذه اآلية تشير إلى ما ورد في إنجيل يوحنا<br />

و‎٢٦‎ و‎١٥‎‏/‏ بخصوص الفارقليط أو البارقليط وھو المعزي.‏ لكن كل من طالع ھذه<br />

اإلصحاحات بتروٍ‏ وإمعان يرى أنه لم يرد فيھا ذكرٌ‏ لنبي يأتي بعد المسيح بل بالعكس،‏ فإن<br />

المسيح كان يتكلم عن الروح القدس،‏ كما ھو واضح من ھذه اآليات.‏ وقد تم وعد المسيح بعد<br />

صعوده بأيام قليلة.‏ وورد في أعمال الرسل نبأٌ‏ عن تتميم ھذا الوعد وحلول الروح<br />

القدس على التالميذ.‏ ومنشأ خطإ القُ‎رْ‏ آن ھو أنه لمَّا كان العرب يجھلون معنى فارقليط<br />

توھَّموا أن ترجمة ھذه الكلمة الحقيقي ھو أحمد . والحقيقة أن معنى الكلمة اليونانية الصحيح<br />

ھو مُعزٍّ‏ . ولكن توجد كلمة أخرى باللغة اليونانية يجيء النطق بھا إلى آذان األجانب ‏(مثل<br />

((<br />

))<br />

١٦ /١٤)<br />

((<br />

))<br />

<br />

(١١<br />

١ /٢)<br />

((<br />

))<br />

٥<br />

.<br />

٢٦ و‎١٦‎‏/‏ (٧<br />

((<br />

))<br />

.٤ /٦<br />

١٥٧ :٤<br />

١<br />

٢<br />

٣<br />

٤<br />

٥<br />

تثنية:‏<br />

و‎١٥٨‎‏.‏<br />

أحد علماء المسيحيين القدماء.‏<br />

أحد زعماء أصحاب البدع في األزمنة القديمة.‏<br />

سورة الصف:‏<br />

.٦ /٦١<br />

- ٤٥ -


((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

العرب)‏ قريبة مما يلفظه العرب فارقليط ومعنى ھذه الكلمة الثانية ھو المشھور الذائع<br />

الصيت.‏ فيُحتمل أن أحد العرب الذين يجھلون اليونانية سمع ھاتين الكلمتين فالتبستا عليه،‏ فتوھَّم<br />

أن معنى فارقليط أحمد.‏ ويسھل وقوع العرب في مثل ھذا الخطأ،‏ ألنه إذا سمع أجنبيٌّ‏ عربياً‏<br />

يتكلم عن قلب تعذَّر عليه التمييز بين قلب و كلب . وقد يتوھم أن المقصود كلب<br />

فتلتبس عليه العبارة.‏ وال يخفى أن ماني المصور الشھير نبغ في بالد الفرس،‏ وادَّعى النبوَّ‏ ة<br />

وقال إنه الفارقيلط وإن المسيح شھد له.‏ غير أن المسيحيين رفضوا دعواه إلطالعھم على حقيقة<br />

تعاليم اإلنجيل،‏ ولمعرفتھم أن المسيح لم يتنبأ عن نبي حقيقي يأتي بعده.‏<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

١<br />

وورد في األحاديث أنه لما ينزل المسيح من السَّماء يقيم في ھذه الحياة الدنيا أربعين سنة<br />

ويتزوج.‏ وكل من له إطالع على التوراة واإلنجيل يعرف منشأ ھذا الخطأ،‏ فقد ورد في سفر<br />

الرؤيا و‎٩‎‏):‏ لنفرح ونتھلل ونعطه المجد،‏ ألن عرس الحمل قد جاء،‏ وامرأته ھيأت<br />

نفسھا،‏ وأُعطيت أن تلبس بزاً‏ نقياً‏ بھياً‏ ألن البز ھو تبررات القديسين.‏ وقال لي:‏ اكتب طوبى<br />

للمدعوين إلى عشاء عرس الحمل . ومن المعلوم أن الحمل ھو أحد ألقاب المسيح.‏ وھنا<br />

ذُكر صريحاً‏ عرسه عند رجوعه إلى األرض.‏ ولكن إذا سأل سائل:‏ من ھي العروس؟ وما معنى<br />

ھذه اآليات؟ قلنا:‏ إنه ورد في سفر الرؤيا وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم<br />

الجديدة نازلة من السَّماء من عند مھيَّ‎أة كعروس مزينة لرجلھا . وأورشليم الجديدة تعني<br />

الكنيسة المسيحية المكملة المطھرة كما في أفسس ٣٢). ھي العروس التي يقترن بھا<br />

المسيح،‏ أي التي يقبلھا ويضمھا عند رجوعه.‏ والمقصود بقوله يتزوجھا اإلشارة إلى المحبة<br />

الكاملة واالتحاد التام بين المخلِّ‎ص والمخلَّصين.‏ ومن ھنا نرى أن ھذه القصة الواردة في<br />

األحاديث نشأت عن عدم فھم أقوال العھد الجديد.‏ أما قولھم إن المسيح يقيم في ھذه الدنيا أربعين<br />

سنة بعد رجوعه فناشئ عن قول أعمال الرسل ومعناھا أنه أقام مع تالميذه أربعين يوماً‏<br />

بعد قيامته.‏ أما ما ورد في األحاديث والتفاسير من أن المسيح يموت بعد رجوعه فمبنيٌّ‏ على ما<br />

ورد في سورة آل عمران:‏ يَ‎ا عِيسَ‎ى إِنِّ‎ي مُتَوَ‏ فِّيكَ‏ لكنا ال نجزم بأن ھذا معنى اآلية<br />

الحقيقي،‏ ألن ھذا التعليم يناقض نصوص الكتاب المقدس الصريحة،‏ فقد ورد في سفر الرؤيا<br />

و‎١٨‎‏)‏ قول المسيح:‏ أنا ھو األول واآلخِ‎ر،‏ والحيُّ،‏ وكنت ميتاً‏ وھا أنا حي إلى أبد<br />

اآلبدين.‏ آمين.‏ ولي مفاتيح الھاوية والموت أن أصل ما ورد في األحاديث بخصوص<br />

ھذا األمر عبارة وردت في كتاب نياحة أبينا القديس الشيخ يوسف النجار ‏(فصل<br />

بخصوص النبييْن أخنوخ وإيليا اللذين صعدا إلى السَّماء بدون أن يذوقا الموت ينبغي ألولئك<br />

أن يأتوا إلى العالم في آخر الزمان في يوم القلق والخوف والشدة والضيق ويموتوا<br />

كذلك في كتاب قبطي عنوانه تاريخ رقاد القديسة مريم أما من جھة ھذين اآلخَ‏ رين أي<br />

أخنوخ وإيليا فينبغي أن يذوقا الموت أخيراً‏<br />

/١)<br />

(٣١<br />

. وورد<br />

((<br />

((<br />

))<br />

((<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

:<br />

٢<br />

))<br />

))<br />

٢٢ /٥)<br />

.<br />

((<br />

:(٢ /٢١)<br />

(٣ /١)<br />

. غير<br />

.<br />

((<br />

((<br />

))<br />

<br />

))<br />

))<br />

٧ /١٩)<br />

١٧<br />

وبما أن أنصار مُحَ‏ مَّد وأصحابه سمعوا ھذا القول من الذين اطلعوا على ھذين الكتاب ‏ْين<br />

الساقط ‏ْين،‏ قالوا بطريق االستنتاج إن المسيح البد أن يذوق الموت أيضاً‏ مثل أخنوخ وإيليا،‏ ألنھم<br />

توھَّموا أنه صعد إلى السَّماء مثلھما بدون أن يذوق الموت،‏ فال بد أنه سيموت بعد مجيئه ثانيةً.‏<br />

وفسروا آية سورة آل عمران حسب ھذا الزعم،‏ مثل قوله في سورة العنكبوت:‏ كُ‎لُّ‏<br />

نَفْسٍ‏ ذَائِقَةُ‏ الْمَوْ‏ تِ‏ ومثلھا في سورة آل عمران ھو مبني على ھذا المذھب ‏(ما<br />

عدا حادثة موت المسيح بعد رجوعه)‏ الذي منشأه أصحاب البدع والضاللة.‏<br />

<br />

(١٨٥ /٣)<br />

(٥٥ /٣)<br />

٣<br />

. <br />

١<br />

٢<br />

٣<br />

انظر عرائس المجالس،‏ ص<br />

سورة آل عمران:‏<br />

سورة العنكبوت:‏<br />

.٥٥٤<br />

.٥٥ /٣<br />

.٥٧ /٢٩<br />

- ٤٦ -


))<br />

في ذكر بعض أشياء شتى أخذت من كتب المسيحيين أو من مؤلفات أصحاب البدع<br />

والضاللة:‏ فمن ھذا القبيل الحكاية الواردة في قصص األنبياء<br />

:((<br />

.<br />

((<br />

))<br />

لما أراد أن يخلق آدم،‏ أرسل المالئكة المقربين واحداً‏ بعد اآلخر لكي<br />

يأتوا بقبضة من أديم األرض.‏ ولما خاب مسعاھم نزل أخيراً‏ عزرائيل<br />

ووضع يده وأخذ قبضة من أديم كل األرض،‏ وأتى بھا إلى المولى قائالً:‏ يا<br />

أنت تعرف ھا أتيت بھا<br />

وقال أبو الفداء نقالً‏ عن<br />

))<br />

الكامل في التاريخ<br />

((<br />

إنّ‏ َّ<br />

))<br />

البن األثير:‏<br />

قالَ‏ النَّبِ‎يُّ‏ صَ‎لعَم َ تعالى خَ‏ لَ‎قَ‏ آدَ‏ ‏َم من قبضَ‎ةٍ‏ قبضَ‎ھا من جَميع<br />

األرض...‏ وَ‏ إِنَّما سُمِّيَ‏ آدم ألَنَّه خُلِقَ‏ من أديم األرض<br />

.<br />

((<br />

))<br />

أما قضية نزول المالك من السَّماء ألخذ شيء من أديم األرض،‏ وأنه طلب قبضة من<br />

األرض حسب األحاديث،‏ فمأخوذة من أقوال مرقيون وھو يوناني من أصحاب البدع الذين<br />

انحرفوا عن الدين القويم،‏ ألن يذنيق أحد المؤلفين األرمن القدماء أورد في كتابه ردُّ‏ البدع<br />

‏(فصل ٤) العبارة اآلتية من أحد كتب مرقيون وترجمتھا:‏<br />

))<br />

((<br />

.<br />

((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

ولما رأى إله التوراة أن ھذا العالم كان جميالً‏ عزم على عمل اإلنسان<br />

منه أي من ھذا العالم ولما نزل إلى األرض إلى المادة أو الھيولي <br />

قال:‏ أعطيني شيئاً‏ من طينك وأنا أعطيك نسمة من عندي..‏ ولما أعطته<br />

المادة شيئاً‏ من أديمھا خلقه أي آدم ونفخ فيه النسمة..‏ ولھذا السبب سُمي<br />

آدم ألنه خُلق من أديم األرض<br />

١<br />

.<br />

((<br />

وتقول بدعة مرقيون إن الشخص الذي يسميه إله التوراة الذي أخذ قبضة من<br />

األرض ليخلق منھا اإلنسان ھو مالك ال غير،‏ ألن مرقيون المبتدع وأتباعه قالوا إن التوراة<br />

نزلت من عند أحد المالئكة الذي كان عدواً‏ ، وكانوا يسمون ھذا المالك رب العالمين و((‏<br />

خالق المخلوقات و((‏ رئيس ھذا العالم . وال يخفى أن قولھم رئيس ھذا العالم مأخوذ من<br />

اإلنجيل وصفاً‏ للشيطان ‏(يوحنا:‏ ٣٠). وقد قال المسلمون إن ھذه اآلية نبوَّ‏ ة عن ‏ُمحَ‏ مَّد ألنھم<br />

جھلوا معناھا الحقيقي.‏<br />

((<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

/١٤<br />

((<br />

وقال مرقيون إن ھذا المالك أقام في السَّماء الثانية،‏ وإنه لم يكن يعرف في أول األمر<br />

بوجود . ولكنه لما عرف بوجوده عاداه.‏ وقال مرقيون إن اسم المولى واجب الوجود ھو<br />

اإلله المجھول . وحاول المالك منع الناس عن معرفة اإلله الحقيقي لئال يكرموه ويعبدوه.‏<br />

فكل ھذه اآلراء والمذاھب تشبه ما قاله المسلمون من أن عزازيل كان مقيماً‏ أيضاً‏ في السَّ‎ماء<br />

الثانية.‏ ويوجد منشأ باقي قصة عزازيل في كتب أشياع زارادشت كما سنبينه في الفصل الخامس<br />

من ھذا الكتاب.‏<br />

))<br />

((<br />

وورد في سورة مريم:‏<br />

.υλη<br />

١<br />

- ٤٧ -


فَوَ‏ رَ‏ بِّ‎كَ‏ لَنَحْ‏ شُ‎رَ‏ نَّھُمْ‏ وَ‏ الشَّ‎يَاطِ‏ ينَ‏ ثُ‎مَّ‏ لَنُحْ‏ ضِ‏ رَ‏ نَّھُمْ‏ حَ‏ وْ‏ لَ‏ جَھَ‎نَّمَ‏ جِثِيّ‎اً.‏ ثُ‎مَّ‏<br />

لَنَنزِ‏ عَنَّ‏ مِن كُلِّ‏ شِ‏ يعَةٍ‏ أَيُّھُمْ‏ أَشَدُّ‏ عَلَى الرَّ‏ حْ‏ مَنِ‏ عِتِيّاً.‏ ثُ‎مَّ‏ لَ‎نَحْ‏ نُ‏ أَعْ‏ لَ‎مُ‏ بِالَّ‎ذِينَ‏<br />

ھُمْ‏ أَوْ‏ لَى بِھَا صِ‏ لِيّاً.‏ وَ‏ إِن مِّنكُمْ‏ إِالَّ‏ وَ‏ ارِ‏ دُھَا كَانَ‏ عَلَى رَ‏ بِّ‎كَ‏ حَ‏ تْمً‎ا مَّقْضِ‏ يّاً.‏ ثُ‎مَّ‏<br />

نُنَجِّي الَّذِينَ‏ اتَّقَوا وَّ‏ نَذَرُ‏ الظَّالِمِينَ‏ فِيھَا جِثِيّاً‏<br />

١<br />

.<br />

واختلف المفسرون في معنى ھذه اآليات،‏ فقال البعض إنه البد أن كل المؤمنين يردون<br />

جھنم ولكن ال يضرُّھم لھبھا.‏ وقال البعض اآلخر إن اإلشارة ھي إلى الصراط الذي البد أن<br />

يمر عليه الجميع وھو ممدود على جھنم.‏ وسنتحدث عن الصراط في الفصل الخامس.‏<br />

((<br />

))<br />

<br />

ولكن تعليقنا على القول:‏ إِن مِّنكُمْ‏ إِالَّ‏ وَ‏ ارِ‏ دُھَا أنه يُحتمل أن ھذه العبارة تشير إلى ما<br />

استنتجه المسيحيون من إنجيل مرقس و‎١‎ كورنثوس ١٣)، وھو أنه يوجد مكان<br />

يتطھَّر فيه عصاة المسيحيين من خطاياھم بواسطة النار.‏ أما إذا كانت عبارة القُرْ‏ آن تشير إلى<br />

الصراط فيكون قد أخذ ھذا المذھب من أصحاب زارادشت وليس من المسيحيين،‏ كما سنوضح<br />

في ما بعد.‏<br />

))<br />

/٣)<br />

<br />

َّ <br />

(٤٩ /٩)<br />

٢<br />

. <br />

((<br />

) (٥ً الميزان:‏<br />

وقد ورد ذكر الميزان في سورة الشوري:‏ ُ الَّذِي أَ‏ نزَ‏ لَ‏ ا ‏ْلكِ‏ ‏َتا ‏َب بالْحَقِّ‏ وَ‏ الْمِيزَا ‏َن،‏ وَ‏ مَا<br />

يُدْ‏ رِ‏ يكَ‏ لَعَلَّ‏ السَّاعَةَ‏ قَرِ‏ يبٌ‏ وكذلك ورد في سورة القارعة فَأَمَّا مَن ثَقُلَ‎تْ‏ مَوَ‏ ازِ‏ ينُ‎هُ؛ فَھُ‎ ‏َو<br />

فِي عِيشَةٍ‏ رَّ‏ اضِ‏ يَةٍ.‏ وَ‏ أَمَّا مَنْ‏ خَ‏ فَّتْ‏ مَوَ‏ ازِ‏ ينُهُ؛ فَأُمُّ‎هُ‏ ھَاوِيَ‎ة◌ٌ‏ وال لزوم ألن نذكر كل ما ورد<br />

في األحاديث بخصوص الميزان الھائل،‏ ألنھا معروفة.‏ فإذا بحثنا عن أصل ھذه القصة نجد أنھا<br />

مأخوذة من كتاب عھد إبراھيم الذي أُلف في مصر أوالً‏ ثم ترجم إلى اللغة اليونانية<br />

والعربية،‏ فنرى في ھذا الكتاب ما يشبه ما ذكره القُ‎رْ‏ آن بخصوص وزن األعمال الصالحة<br />

والطالحة.‏ فقد ورد فيه أنه لما شرع مالك الموت بأمر في القبض على روح إبراھيم،‏ طلب<br />

منه خليل أن يعاين غرائب السَّ‎ماء واألرض قبل أن يموت.‏ فلما أُذِن له عرج إلى السَّ‎ماء<br />

وشاھد كل شيء،‏ وبعد ھنيھة دخل السَّ‎ماء الثانية ونظر الميزان يزن فيه أحد المالئكة أعمال<br />

الناس.‏ ونص تلك العبارة:‏<br />

:<br />

٣<br />

.<br />

((<br />

))<br />

))<br />

١<br />

سورة مريم:‏<br />

سورة الشوري:‏<br />

سورة القارعة:‏<br />

<br />

إن كرسياً‏ كان موضوعاً‏ في وسط البابين،‏ وكان جالساً‏ عليه رجل<br />

عجيب،‏ وأمامه مائدة تشبه البلور وكلھا من ذھب وكتان رفيع.‏ وعلى<br />

المائدة كتاب سُمكه ست أذرع وعرضه عشر أذرع.‏ وعلى يمينھا ويسارھا<br />

مالكان يمسكان بورقة وحبر وقلم.‏ وأمام المائدة مالكٌ‏ يشبه النور يمسك<br />

ميزاناً‏ بيده.‏ وعلى اليسار مالك من نار عليه عالمات القسوة والفظاظة<br />

والغلظة يمسك بوقاً‏ فيه نار آكلة،‏ المتحان الخطاة.‏ وكان الرجل العجيب<br />

الجالس على الكرسي يدين ويمتحن األرواح،‏ والمالكان اللذان عن اليمين<br />

واليسار يكتبان ويسجّالن أعمال الناس.‏ فكان المالك الذي على اليمين<br />

يكتب ويسجّل األعمال الصالحة،‏ والمالك الذي على اليسار يكتب الخطايا.‏<br />

أما المالك الذي أمام المائدة والممسك الميزان فكان يزن األرواح،‏ والمالك<br />

الناري الممسك بالنار كان يمتحن األرواح.‏ فاستفھم إبراھيم من ميخائيل<br />

.٧٢ ٦٨ /١٩<br />

.١٧ /٤٢<br />

.٨ ٦ /١٠١<br />

٢<br />

٣<br />

<br />

- ٤٨ -


رئيس المالئكة:‏ ما ھذه األشياء التي نشاھدھا؟ فقال له رئيس المالئكة:‏ إن<br />

ما تراه أيھا الفاضل إبراھيم ھو الحساب والعقاب والثواب<br />

١<br />

.<br />

((<br />

<br />

وذكر بعد ھذا أن إبراھيم رأى أن الروح التي تكون أعمالھا الصالحة والطالحة متساوية<br />

ال تُحسب من المخلَّصين وال من الھالكين،‏ ولكنھا تقيم في موضع وسط بين االثنين.‏ وھذا<br />

المذھب يشبه ما ورد في سورة األعراف:‏ وَ‏ بَيْنَھُمَا حِجَ‏ ابٌ‏ وَ‏ عَلَى األَعْ‏ رَ‏ افِ‏ رِ‏ جَ‏ الٌ‏<br />

٢<br />

.<br />

فيتَّضح مما تقدم أن مُحَ‏ مَّداً‏ اقتبس مسألة الميزان الذي ذكره في القُ‎رْ‏ آن من ھذا الكتاب<br />

الموضوع،‏ الذي أُلف في مصر نحو سنة قبل الھجرة،‏ واألرجح أنه عرف مضمون ھذا<br />

الكتاب من مارية القبطية التي كانت سريته.‏ غير أن منشأ قضية الميزان الواردة في عھد إبراھيم<br />

وُ‏ جدت منه<br />

كتاب األموات ليست من التوراة واإلنجيل،‏ ولكن منشأھا كتاب قديم جداً‏ عنوانه نُسخ كثيرة بخط اليد في قبور المصريين عبدة األصنام.‏ ودفنوا ھذا الكتاب مع الموتى،‏ ألن<br />

قدماء المصريين كانوا يعتقدون أن أحد آلھتھم الكذبة واسمه تھوتي ألَّفه،‏ وزعموا أن الموتى<br />

من ھذا الكتاب صورة إلھين اسمھما<br />

يحتاجون إلى التعلم منه بعد موتھم.‏ وفي أول فصل وضعا في كفة من ھذا الميزان قلب رجل بار صالح توفي.‏ ووضعا في<br />

أنبو و حور فكان<br />

تھوتي أو الصدق.‏ أما إلھھم مأت الكفة األخرى تمثال إله آخر من آلھتھم اسمه يقيد أعمال الميت في سجل.‏<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

))<br />

١٢٥<br />

((<br />

))<br />

٤٠٠<br />

.<br />

((<br />

))<br />

((<br />

فيتضح مما ذكر أن القُرْ‏ آن اتخذ مسألة الميزان من كتاب عھد إبراھيم وأن مسألة<br />

الميزان فيه مأخوذة من الروايات الشفاھية التي وصلت من السلف إلى الخلف من اعتقادات<br />

قدماء المصريين المدوَّ‏ نة في كتاب األموات الذي ھو مصدر ذكر الميزان األصلي.‏<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

١<br />

) ٦ً) صعود إبراھيم إلى السَّماء<br />

وورد في األحاديث أن مُحَ‏ مَّ‎داً‏ رأى في ليلة المعراج آدم أب البشر تارة يبكي ويولول<br />

وأخرى يفرح ويھلل،‏ فور في كتاب مشكاة المصابيح:‏<br />

كتاب عھد إبراھيم،‏ صورة<br />

سورة األعراف:‏<br />

.١ فصل ١<br />

.٤٦ /٧<br />

٢<br />

- ٤٩ -


١<br />

.<br />

((<br />

))<br />

فلما فُتِحَ‏ علونا السّماء الدّنيا إذا رجلٌ‏ قاعد على يمينه أسوَ‏ دةٌ‏ وعلى يساره<br />

أسوَ‏ دَة.‏ إذا نظر قِبل يمينه ضحك،‏ وإذا نظر قِبل شماله بكى.‏ فقال:‏ مرحباً‏<br />

بالنبي الصّالح واالبن الصّالح.‏ قلت لجبرائيل:‏ من ھذا؟ قال:‏ ھذا آدم،‏ وھذه<br />

األسودة عن يمينه وعن شماله نَسَ‎مَ‏ بنيه،‏ فأھل اليمين منھم أھل الجنّ‎ة،‏<br />

واألسودة التي عن شماله أھل النّار.‏ فإذا نظر عن يمينه ضحِكَ،‏ وإذا نظر<br />

عن شماله بكى<br />

وأصل ھذا الحديث أيضاً‏ من كتاب<br />

عھد إبراھيم ((<br />

((<br />

.<br />

((<br />

))<br />

فقد ورد فيه:‏<br />

فحوَّ‏ ل ميخائيل العربة وحمل إبراھيم إلى جھة الشرق في أول باب<br />

السَّ‎ماء،‏ فرأى إبراھيم طريقين إحداھما طريق كرب وضيقة واألخرى<br />

واسعة وعريضة.‏ ورأى ھناك بابين أحدھما واسع يوصل إلى الطريق<br />

الواسعة،‏ وباب ضيق يوصل إلى الطريق الضيقة.‏ ورأيت ھناك خارج<br />

البابين رجالً‏ جالساً‏ على كرسي مرصع بالذھب وكانت ھيئته مھيبة كھيبة<br />

السيد.‏ ورأيت أرواحاً‏ كثيرة تسوقھا المالئكة وتُ‎دخِلھا من الباب الواسع،‏<br />

ورأيت أرواحاً‏ أخرى وھي قليلة العدد تحملھا المالئكة وتُ‎دخِلھا في الباب<br />

الضيق.‏ ولما رأى الرجل العجيب الذي كان مستوياً‏ على الكرسي الذھبي<br />

أن الذين يدخلون من الباب الضيق قليلون،‏ والذين يدخلون من الباب<br />

الواسع كثيرون،‏ أمسك حاالً‏ ھذا الرجل العجيب شعر رأسه وجانبَي لحيته<br />

وألقى بنفسه من الكرسي إلى األرض ينوح ويندب.‏ ولما رأى أرواحاً‏<br />

كثيرة تدخل من الباب الضيق كان يقوم من على األرض ويجلس على<br />

كرسيه مھلالً.‏ ثم استفھم إبراھيم من رئيس المالئكة وقال له:‏ يا موالي<br />

الرئيس،‏ من ھذا الرجل العجيب الموشح بمثل ھذا المجد وھو تارة يبكي<br />

ويولول وأخرى يفرح ويھلل؟ فقال له:‏ إن ھذا الشخص المجرد من الجسد<br />

‏(المالك)‏ ھو آدم،‏ أول شخص خُلق،‏ وھو في ھذا المجد العظيم يشاھد<br />

العالم ألن الجميع تناسلوا منه.‏ فإذا رأى أرواحاً‏ كثيرة تدخل من الباب<br />

الضيق يقوم ويجلس على كرسيه فرحاً‏ ومھلالً‏ من السرور،‏ ألن الباب<br />

الضيق ھو باب الصالحين المؤدي إلى الحياة،‏ والذين يدخلون منه يذھبون<br />

إلى جنة النعيم.‏ ولھذا السبب يفرح ألنه يرى األنفس تفوز بالنجاة.‏ ولما<br />

يرى أنفساً‏ كثيرة تدخل من الباب الواسع ينتف شعر رأسه ويلقي بنفسه<br />

على األرض باكياً‏ ومولوالً‏ بحُرقة،‏ ألن الباب الواسع ھو باب الخطاة الذي<br />

يؤدي إلى الھالك والعقاب األبدي<br />

٢<br />

١<br />

ومع أنه يسھل على كل عالم إقامة الدليل على أن القُ‎رْ‏ آن أخذ أشياء أخرى كثيرة من<br />

كتب جھلة المسيحيين الكاذبة،‏ ومن تأليف أصحاب البدع الساقطة،‏ فقد اكتفينا بما تقدم.‏<br />

ويناسب قبل ختام ھذا الفصل أن نسأل:‏ بما أن مُحَ‏ مَّداً‏ اقتبس مقاطع كثيرة من كتب باطلة<br />

ال أصل لھا،‏ فھل اقتبس أيضاً‏ بعض آيات األناجيل أو رسائل الحواريين،‏ خالف ما اقتبسه عن<br />

والدة المسيح،‏ وعن معجزاته الكثيرة؟<br />

مِشكاة المصابيح ، محمد بن عبد َّ ِ الخطيب التبريزي،‏ ص<br />

كتاب عھد إبراھيم،‏ صورة فصل<br />

.٥٢١<br />

.١١<br />

١<br />

٢<br />

- ٥٠ -


الجواب على ھذا السؤال المھم ھو:‏ اقتبس القُرْ‏ آن من اإلنجيل آية واحدة،‏ وكذلك وردت<br />

عبارة في األحاديث ربما تكون مقتبسة من رسائل بولس الرسول:‏<br />

(١) ورد في سورة األعراف:‏ إِنَّ‏ الَّ‎ذِينَ‏ كَ‎ذَّبُواْ‏ بِآيَاتِنَ‎ا وَ‏ اسْ‎تَكْبَرُواْ‏ عَنْھَ‎ا الَ‏ تُفَ‎تَّحُ‏ لَھُ‎ ‏ْم<br />

أَبْوَ‏ ابُ‏ السَّمَاء وَ‏ الَ‏ يَدْ‏ خُلُونَ‏ الْجَ‏ نَّةَ‏ حَ‏ تَّى يَلِجَ‏ الْجَ‏ مَلُ‏ فِي سَمِّ‏ الْخِيَ‎اطِ‏ فالشطر األخير من ھذه<br />

اآلية مأخوذ من قول المسيح:‏ دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت<br />

١<br />

. <br />

))<br />

.<br />

٢<br />

.<br />

((<br />

<br />

إن قال:‏ أعددتُ‏ لعبادي<br />

(٢) ورد في األحاديث عن أبي ھريرة أن مُحَ‏ مَّ‎داً‏ قال:‏ وھي مقتبسة من رسالة<br />

الصالحين ما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر كورنثوس األولى ما لم ترَ‏ عي ‏ٌن ولم تسم ‏ْع أذ ‏ٌن ولم يخط ‏ْر على بال إنسا ‏ٍن ما أعدَّه ُ<br />

للذين يحبونه<br />

٣<br />

.<br />

((<br />

))<br />

))<br />

:(٩ /٢)<br />

.<br />

((<br />

وال يمكن إنكار أقوال المعترضين من أن مُحَ‏ مَّداً‏ أخذ من اإلنجيل وباقي كتب المسيحيين،‏<br />

والسيما مؤلفات أصحاب البدع الباطلة،‏ فھي أحد <strong>مصادر</strong> تعاليم الديانة اإلِسْالمية.‏<br />

<br />

١<br />

٢<br />

٣<br />

سورة األعراف:‏<br />

متى:‏ ‎٢٤‎؛ مرقس:‏<br />

مشكاة المصابيح،‏ ص<br />

.٤٠ /٧<br />

:١٠<br />

.٤٨٧<br />

/١٩<br />

‎٢٥‎؛ لوقا:‏<br />

.٢٥ /١٨<br />

- ٥١ -


%+<br />

تأثيرات زارادشتية في<br />

والحديث القُرْ‏ آن<br />

))<br />

قال مؤرخو العرب إن ملوك الفرس كانوا متسلطين على كثير من ممالك العرب،‏ قبل<br />

مولد مُحَ‏ مَّد وفي عصره أيضاً.‏ قال أبو الفداء إن كسرى أنوشروان أرسل جيوشه إلى مملكة<br />

الحيرة وعزل ملكھا الحارث وولى عوضاً‏ عنه أحد رعاياه اسمه منذر ماء السَّ‎ماء.‏ وبعد ذلك<br />

أرسل ھذا الملك المشھور جيشه تحت إمرة وھرز إلى بالد اليمن.‏ وكان أول ما فعله بعد<br />

ذلك أنه طرد الحبَش وولى أبا السيف على مملكة أسالفه.‏ ولكن بعد قليل تولى وھرز نفسه<br />

على مملكة اليمن،‏ وسلَّم لذريته السيادة.‏ وقال أبو الفداء:‏ كانت المناذرة آل نصر بن ربيعة<br />

عماالً‏ لألكاسرة على عرب العراق وقال عن اليمن:‏ ثم ملك اليمن بعدھم ‏(أي أھل<br />

الحِمْيَر)‏ من الحبشة أربعة،‏ ومن الفرس ثمانية،‏ ثم صارت لإلِسْ‏ الم<br />

((<br />

))<br />

.<br />

((<br />

))<br />

))<br />

١<br />

((<br />

٣<br />

.<br />

٢<br />

((<br />

))<br />

))<br />

فيتضح من ھذا أنه كان بين أھل الفرس وبين العرب تواصلٌ‏ واختالط زمن أيام مُحَ‏ مَّ‎د،‏<br />

وقبله.‏ وبما أن الفرس كانوا متقدمين في العلوم والمدنيَّة أكثر من العرب في زمن الجاھلية،‏ كان<br />

البد أن دينھم وعلومھم وعاداتھم وفروضھم أثرت تأثيراً‏ عظيماً‏ في العرب.‏ ويتضح من<br />

التواريخ ومن شھادة مفسري القُ‎رْ‏ آن أن قصص العجم وأشعارھم تواترت في ذلك الوقت بين<br />

قبائل جزيرة العرب،‏ فتداولوھا تداوالً‏ عاماً.‏ وھذا يوافق قول ابن ھشام إن العرب لم يسمعوا في<br />

عصر مُحَ‏ مَّد قصص رُستم وأسفنديار وملوك فارس القدماء فقط،‏ بل إن بعض قريش استحسنوھا<br />

وفضلوھا على قصص القُرْ‏ آن.‏ وھاك نص عبارة ابن ھشام:‏<br />

والنّضر بن الحارث بن عَلْقمة بن كَلدة بن عَبْد مناف بن عَبْد الدّار بن<br />

قصي،‏ كان إذا جلس رسولُ‏ ّ صلى َّ عليه وسلّم مجلساً،‏ فدعا فيه إلى<br />

َّ ِ تعالى وتال فيه القرآن،‏ وحذّر قُريشاً‏ ما أصاب األممَ‏ الخاليةَ،‏ خَ‏ لفه في<br />

مجلسه إذ قام،‏ فحدَّثھم عن رُستم الشّديد وعن أسفنديار وملوك فارس،‏ ثم<br />

يقول:‏ و‏َّ‏ ما محمّد بأحسن حديثاً‏ منّي،‏ وما حديثه إِالَّ‏ أساطير األوّ‏ لين<br />

وقالوا أساطِ‏ يرُ‏ األوَّ‏ لين اكْتَتَبَھا<br />

اكتتبھا كما اكتتبتُھا ‏))؛<br />

فَھِيَ‏ تُمْلى عَليِه بُكْرَةَ‏ وأصِ‏ يالً.‏ قُل أنزَلَهُ‏ الَّذي يَعلمُ‏ السِّرَ‏ في السَّمواتِ‏<br />

واألرْ‏ ض،‏ إِنَّه كان غفوراً‏ رحيماً‏<br />

فأنزل ّ ُ فيه:‏ <br />

٤<br />

.<br />

((<br />

<br />

والشك أن ھذه القصص عن رستم وأسفنديار وملوك فارس ھي القصص التي أخذھا<br />

الفردوسي بعد مُحَ‏ مَّد بأجيال من مجموعة قصص ألحد الفالحين ونظمھا شعراً،‏ ودُوِّ‏ نت في<br />

الشاھنامة . وبما أن العرب طالعوا قصص ملوك الفرس وتواريخھم،‏ فال نتصور أنھم كانوا<br />

يجھلون قصة جمشيد ويجھلون خرافات الفرس عن معراج أرتاويراف وزارادشت،‏ ووصف<br />

))<br />

((<br />

١<br />

انظر تاريخ أبي الفداء والمُسمَّى ‏(المختصر في أخبار البشر<br />

السيرة النبويّة البن ھشام ص و‎٢٥‎‏.‏<br />

باب<br />

سورة الفرقان:‏ و‎٦‎‏.‏<br />

.٢ باب (<br />

٢٤<br />

٥ /٢٥<br />

.٢<br />

٢<br />

٣<br />

٤<br />

- ٥٢ -


ُ<br />

الفردوس،‏ وصراط چينود،‏ وشجرة حوابة،‏ وقصة خروج أھرمن من الظلمات األولية،‏ فال<br />

أنھم كانوا يعرفونھا حق المعرفة.‏<br />

ب ‏ّد<br />

((<br />

))<br />

١ً )<br />

فھل أثَّرت ھذه القضايا وما شابھھا في القُرْ‏ آن وفي األحاديث المتواترة بين المسلمين أم<br />

لم تؤثر فيھما؟ يؤكد منتقدو القُرْ‏ آن أن كل قضية من ھذه القضايا أثرت تأثيراً‏ مھماً‏ في القُ‎رْ‏ آن<br />

واألحاديث إلى درجة بليغة،‏ حتى أصبحت قصص قدماء الفرس واعتقاداتھم أحد <strong>مصادر</strong><br />

اإلِسْ‏ الم.‏ وقال منتقدو القُرْ‏ آن إن كثيراً‏ من الخرافات التي كانت متداولة في بالد الفرس في قديم<br />

الزمان لم تقتصر على بالد فارس فقط،‏ بل تناولت قدماء الھنود وانتشرت بينھم أيضاً،‏ ألن أجداد<br />

الھنود زحفوا من ھرات إلى الھند واستوطنوھا.‏ فبعض تلك األوھام واآلراء والمذاھب ھي<br />

الميراث األدبي والديني لھاتين األمَّتين،‏ وديانتھم مبنية على ھذه األوھام واآلراء التي ورثوھا<br />

عن السلف.‏ ومع أن مصدر بعضھا كان في بالد فارس بعد توطن أجداد الھنود في الھند،‏ ولكنھا<br />

بمرور الوقت وصلت إلى الھند وانتشرت بين أھلھا فتمسكوا بھا.‏ ولكن بما أنه ال يجوز التسليم<br />

بصحة قول المنتقدين بدون أن يقيموا برھاناً‏ كافياً،‏ وجب أن نطلب منھم أن يأتوا ببرھانھم إن<br />

كانوا صادقين.‏ فأوردوا بعض آيات القُرْ‏ آن واألحاديث.‏ فلننظر فيھا بتدقيق ثم لنقارنھا بما ورد<br />

في كتب الفرس والھند القديمة عن مثل ھذه األمور وما أشبھھا.‏<br />

( قصة معراج مُحَ‏ مَّد:‏<br />

١<br />

. <br />

النبأ عن المعراج في ليلة اإلسراء ورد في القُ‎رْ‏ آن في سورة اإلسراء:‏ سُ‎بْحَ‏ انَ‏ الَّ‎ذِي<br />

أَسْ‏ رَ‏ ى بِعَبْدِهِ‏ لَيْالً‏ مِّنَ‏ الْمَسْ‏ جِدِ‏ الْحَ‏ رَ‏ امِ‏ إِلَى الْمَسْ‏ جِدِ‏ األَقْصَى الَّذِي بَارَ‏ كْنَا حَ‏ وْ‏ لَهُ‏ لِنُرِ‏ يَهُ‏ مِنْ‏ آيَا ‏ِتنَا إِنَّ‏ ‏ُه<br />

ھُوَ‏ السَّمِيعُ‏ البَصِ‏ يرُ‏ وقد اختلف مفسرو المسلمين اختالفاً‏ عظيماً‏ في تفسير ھذه اآلية،‏ فقال<br />

ابن إسحق إنه ورد في األحاديث أن عائشة كانت تقول:‏ ما فُقد جسد رسول ص ولكن <br />

أسرى بروحه . وورد في األحاديث أيضاً‏ أن مُحَ‏ مَّداً‏ ذاته قال:‏ تنام عيني وقلبي يقظان<br />

ويُفھم مما قاله محيي الدين في تفسيره ھذه اآلية أنه فھم المعراج واإلسراء بطريقة مجازية<br />

واستعارية،‏ ألنه قال:‏<br />

٢<br />

.<br />

((<br />

))<br />

))<br />

))<br />

((<br />

أنْرَ‏ ھَهُ‏ عن اللّواحق المادية والنقائص التشبيھية بلسان حال التجرّد<br />

والكمال في مقام العبوديّة الذي ال تصرف فيه أصالً.‏ لَيْالً‏ أي:‏ في<br />

ظلمة الغواشي البدنيّة والتعلقات الطّبيعيّة،‏ ألنَّ‏ العروج والتّرقي ال يكون<br />

إال بواسطة البدن.‏ مِّنَ‏ الْمَسْ‏ جِدِ‏ الْحَ‏ رَا ‏ِم أي:‏ من مقام القلب المحرّم عن<br />

أن يطوف به مشرك القوى البدنية ويرتكب فيه فواحشھا وخطاياھا ويحجّه<br />

غوى القُوى الحيوانية من البھيميّة والسبعيّة المنكشفة سوأتا إفراطھا<br />

وتفريطھا لعروھا عن لباس الفضيلة.‏ إِلَى الْمَسْ‏ جِدِ‏ األَقْصَى الذي ھو<br />

مقام الروح األبعد من العالم الجسماني بشھود تجليات الذّات وسبحات<br />

الوجه،‏ وتذكر ما ذكرنا أنّ‏ تصحيح كل مقام ال يكون إال بعد التّرقي إلى ما<br />

فوقه،‏ لتفھم من قوله.‏ لِنُرِ‏ يَهُ‏ مِنْ‏ آيَاتِنَا مشاھدة الصفات،‏ فإِنّ‏ مطالعة<br />

تجليّات الصّفات وإِ‏ ‏ْن كانت في مقام القلب،‏ لك ‏ّن ال ‏ّذات الموصوفة بتلك<br />

الصفات ال تشاھد على الكمال بصفة الجالل والجمال إال عند الترقي إلى<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

١<br />

سورة اإلسراء:‏<br />

السيرة النبوية،‏ ص<br />

.١ /١٧<br />

.١٣٩<br />

٢<br />

- ٥٣ -


((<br />

مقام الرّوح،‏ أي:‏ لنريه آيات صفاتنا من جھة أنَّھا منسوبة إلينا.‏ ونحن<br />

المشاھدون بھا البارزون بصورھا<br />

١<br />

.<br />

))<br />

فإذا اعتمدنا على قول مُحَ‏ مَّد ذاته وقول عائشة وتفسير محيي الدين،‏ كان معراج مُحَ‏ مَّ‎د<br />

مجازياً‏ واستعارياً‏ وليس حقيقياً.‏ غير أن ما قاله ابن إسحق وغيره ينافي ھذا الرأي،‏ ألنه قال إن<br />

مُحَمَّداً‏ قال إن جبريل أيقظه مرتين وأنه نام ثانية،‏ ثم ساق الكالم قائالً:‏<br />

فجاءني الثالثةَ‏ فھمزني بقدمه،‏ فجلستُ‏ . فأخذ بعَضدي.‏ فقمت معه فخرج<br />

إلى بابِ‏ المسجد فإذا دابَّة أبيض،‏ بين البغل والحمار،‏ في فَخذيه جناحان<br />

يحْ‏ فِز بھما رجْ‏ ليه.‏ يضع يده في منتھى طرفه،‏ فحملني عليه ثم خرج معي<br />

ال يفوتني وال أفوته.‏ قال ابن إسحاق:وحُدّثت عن قَتادة أنّ‎ه قال:‏ حُ‎دثت أنَّ‏<br />

رسول ّ صلّى َّ عليه وسلّم قال:‏ لمّ‎ا دنوتُ‏ ألركبه شَ‎مَس،‏ فوضع<br />

جبريلُ‏ يدَهُ‏ على مَعْرَفته،‏ ثم قال:‏ أال تَسْ‏ تحي يا بُ‎راق مما تَصْ‏ نع.‏ فو يا<br />

براق ما ركبك عبدٌ‏ َّ ِ قبل محمّ‎د أكرم على ّ ِ منه.‏ قال:‏ فاسْ‎تحيا حتى<br />

ارفضَّ‏ عرقاً،‏ ثم قرَّ‏ حتى ركبته.‏ قال الحسنُ‏ في حديثه:‏ فمضى رسولُ‏ ّ<br />

عليه وسلّم ومضى جبريلُ‏ عليه السّالم معه،‏ حتى انتھى به إلى<br />

بيت المقدس،‏ فوجد فيه إبراھيمَ‏ ومُوسى وعيسى في نَفَر من األنبياء،‏ فأمَّھم<br />

رسول ّ صلّى ّ عليه وسلّم فصلَّى بھم،‏ ثم أُتِيَ‏ بإناءين في أحدھما خمر<br />

وفي اآلخر لبن.‏ قال:‏ فأخذ رسول ّ صلّى ّ عليه وسلّم إناء اللبن فشرب<br />

منه وترك الخمر.‏ فقال له جبريلُ:‏ ھُ‎ديت للفِطْ‏ رة وھُ‎ديتْ‏ أمتك يا محمد،‏<br />

وحُرّمت عليكم الخمر.‏ ثم انصرف رسولُ‏ ّ صلّى ّ عليه وسلّم إلى<br />

مكة.‏ . فلمّا أصبح غَدا على قريش فأخبرھم الخبرَ‏ ، فقال أكثر الناس:‏ ھذا<br />

و‏ّ‏ اإلِمْر البَيّن.‏ إنَّ‏ العير لتُطْ‏ رد شھراً‏ من مكة إلى الشام مُ‎دبرة،‏ وشھراً‏<br />

مقبلة.‏ أفيذھب ذلك محمّد في ليلة واحدة ويَرجع إلى مكة<br />

٢<br />

.<br />

((<br />

صلى ّ<br />

))<br />

١<br />

٢<br />

وورد في مشكاة المصابيح:‏<br />

عن قتادة،‏ عن أنس بن مالك،‏ عن مالك بن صعصعة:‏ إن نبي ّ صلّى<br />

ّ عليه وسلّم حدَّثھم عن ليلة أُسري به:‏ بينما أنا في الحطيم وربما قال في<br />

الحجر،‏ مضطجعاً،‏ إذ أتاني آتٍ،‏ فشق ما بين ھذه وھذه ‏(يعني من ثغرة<br />

نحره إلى شعرته)‏ فاستخرج قلبي،‏ ثم أُتيتُ‏ بطست من ذھب مملوءٍ‏ إيماناً،‏<br />

فغسل قلبي ثم حشي،‏ ثم أعيد.‏ وفي رواية:‏ غُسل البطن بماء زمزم ثم مُلئ<br />

إيماناً‏ وحكمةً.‏ ثم أُتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار،‏ أبيض،‏ يُقال له<br />

البراق،‏ يضع خطوة عند أقصى طرفه.‏ فحُملت عليه فانطلق بي جبريل<br />

حتى أتى السَّماء الدنيا،‏ فاستفتح.‏ قيل:‏ من ھذا؟ قال:‏ جبرائيل.‏ قيل:‏ ومن<br />

معك؟ قال:‏ محمد.‏ قيل:‏ وقد أرسل إليه؟ قال:‏ نعم.‏ قيل:‏ مرحباً‏ به،‏ فنِعم<br />

المجيء جاء.‏ ففتح.‏ فلمَّ‎ا خلصتُ‏ فإذا فيھا آدم.‏ فقال:‏ ھذا أبوك آدم فسلِّم<br />

عليه.‏ فسلمتُ‏ عليه فردَّ‏ السّ‎الم،‏ ثم قال:‏ مرحباً‏ باالبن الصالح والنبي<br />

الصَّالح.‏ ثم صَعِدَ‏ بي حتى أتى السّماء الثانية ، فاستفتح.‏ قيل:‏ من ھذا؟ قال:‏<br />

جبرائيل.‏ قيل:‏ ومن معك؟ قال:‏ محمد.‏ قيل:‏ وقد أُرسل إليه؟ قال:‏ نعم.‏ قيل:‏<br />

تفسير ابن عَربَي.‏<br />

السيرة النبوية البن ھشام،‏ ص<br />

و‎١٣٩‎‏.‏ ١٣٨<br />

- ٥٤ -


مرحباً‏ به فنعم المجيء جاء.‏ ففتح فلمّ‎ا خلصتُ‏ إذا يوسف.‏ قال : ھذا<br />

يوسف فسلّم عليه ، فسلمت عليه ، فردّ‏ ثمّ‏ قال : مرحباً‏ باألخ الصّ‎الح<br />

والنبيّ‏ الصّالح ، ثم صَعِد بي حتى أتى السّ‎ماء الرّابعة فاستفتح.‏ قيل:‏ من<br />

ھذا؟ قال:‏ جبرائيل.‏ قيل:‏ ومن معك؟ قال:‏ محمد.‏ قيل:‏ وقد أُرسل إليه؟ قال:‏<br />

نعم.‏ قيل:‏ مرحباً‏ به فنعم المجيء جاء.‏ ففتح ، فلّما خلصتُ‏ إذا إدريس ،<br />

فقال : ھذا إدريس فسلّم عليه ‏،فسلّمت عليه ، فرَ‏ دّ‏ ثم قال : مرحباً‏ باألخ<br />

الصّالح والنَّبيّ‏ الصّالح . ثم صَعِدَ‏ بي حتى السّ‎ماء الخامسة فاستفتح.‏ قيل:‏<br />

من ھذا؟ قال:‏ جبرائيل.‏ قيل:‏ ومن معك؟ قال:‏ محمد.‏ قيل:‏ وقد أُرسل إليه؟<br />

قال:‏ نعم.‏ قيل:‏ مرحباً‏ به فنعم المجيء جاء.‏ ففتح.‏ فلمّا خلصت فإذا ھارون.‏<br />

قال:‏ ھذا ھارون فسلّم عليه فسلمت عليه،‏ فردَّ‏ ثم قال:‏ مرحباً‏ باألخ الصّالح<br />

والنبي الصّالح.‏ ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح،‏ قيل:‏ من<br />

ھذا؟ قال:‏ جبرائيل.‏ قيل:‏ ومن معك؟ قال:‏ محمد.‏ قيل وقد أُرسل إليه؟ قال:‏<br />

نعم.‏ قيل:‏ مرحباً،‏ فنعم المجيء.‏ جاء ففتح.‏ فلما خلصت فإذا موسى.‏ قال:‏<br />

ھذا موسى فسلِّم عليه.‏ فسلمتُ‏ عليه،‏ فردَّ‏ ثم قال:‏ مرحباً‏ باألخ الصّ‎الح<br />

والنبي الصّالح.‏ فلما جاوزتُ‏ بكى.‏ قيل له:‏ ما يبكيك؟ قال:‏ أبكي ألن غالماً‏<br />

بُعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلھا من أمتي.‏ ثم صعد بي إلى<br />

السّماء السابعة،‏ فاستفتح جبرائيل.‏ قيل:‏ من ھذا؟ قال:‏ جبرائيل.‏ قيل:‏ ومن<br />

معك؟ قال:‏ محمد.‏ قيل:‏ وقد بُعث إليه؟ قال:‏ نعم.‏ قيل:‏ مرحباً‏ به فنعم<br />

المجيء جاء.‏ فلما خَ‏ لَصتُ‏ فإذا إبراھيم.‏ قال:‏ ھذا أبوك إبراھيم فسلِّم عليه،‏<br />

فسلمتُ‏ عليه،‏ فردَّ‏ السالم،‏ ثم قال:‏ مرحباً‏ باالبن الصّالح والنبي الصّالح.‏ ثم<br />

رُفعت إلى سِ‏ درة المنتھى فإذا نبقھا مثل قالل ھَجَ‏ رَ‏ ، وإذا ورقھا مثل آذان<br />

الفيلة.‏ قال:‏ ھذا سِ‏ درة المنتھى.‏ فإذا أربعة أنھار،‏ نھران باطنان ونھران<br />

ظاھران.‏ قلت:‏ ما ھذا يا جبرائيل؟ قال:‏ أما الباطنان فنھران في الجنة،‏<br />

وأما الظاھران فالنيل والفرات.‏ ثم رُفع لي البيت المعمور،‏ ثم أوتيت بإناء<br />

من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل،‏ فأخذت اللّ‎بن.‏ فقال:‏ ھي الفطرة<br />

أنت عليھا وأمَّتك<br />

١<br />

.((<br />

ثم ساق الكالم وذكر أشياء أخرى كثيرة تختص بمعراج مُحَ‏ مَّد،‏ منھا بكاء آدم وغيره مما<br />

ال لزوم إلى ذكره ھنا.‏<br />

ولننظر فيما إذا كان ما ذُكر عن معراج مُحَ‏ مَّد أُخذ من قصة قديمة مشابھة لھا أم ال.‏ وإذا<br />

سأل سائل:‏ ما ھو مصدر قصة المعراج؟ قلنا:‏ كتاب أرتاويراف نامك المكتوب باللغة<br />

البھلوية منذ سنة قبل الھجرة،‏ في أيام أردشير بابكان ملك الفرس.‏ وبيان ذلك أنه لما<br />

أخذت ديانة زارادشت في بالد الفرس في االنحطاط،‏ ورغب المجوس في إحيائھا في قلوب<br />

الناس،‏ انتخبوا شاباً‏ من أھل زارادشت اسمه أرتاويراف وأرسلوا روحه إلى السَّ‎ماء.‏ ووقع<br />

على جسده سُبات.‏ وكان الھدف من سفره إلى السَّماء أن يطَّلع على كل شيء فيھا ويأتيھم بنبأ.‏<br />

فعرج ھذا الشاب إلى السَّماء بقيادة وإرشاد رئيس من رؤساء المالئكة اسمه ساروش فجال<br />

من طبقة إلى أخرى وترقى بالتدريج إلى أعلى فأعلى.‏ ولما اطلع على كل شيء أمره<br />

أورمزد اإلله الصالح سند وعضد مذھب زارادشت أن يرجع إلى األرض ويخبر<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

))<br />

٥١٨<br />

٤٠٠<br />

((<br />

٢<br />

١<br />

مشكاة المصابيح،‏ ص <br />

البھلوية:‏ اللغة الفارسية القديمة.‏<br />

.٥٢٠<br />

٢<br />

- ٥٥ -


.<br />

((<br />

))<br />

الزارداشتية بما شاھد،‏ ودُوِّ‏ نت ھذه األشياء بحذافيرھا وكل ما جرى له في أثناء معراجه في<br />

كتاب أرتاويراف نامك<br />

ولنترجم عبارتين أو ثالث عبارات من كتاب أرتاويراف نامك<br />

تشابه بين معراج مُحَ‏ مَّد ومعراج أرتاويراف الوھمي.‏ قال:‏<br />

))<br />

))<br />

١<br />

)) لننظر إن كان ھناك<br />

وقدمت القدم األولى حتى ارتقيت إلى طبقة النجوم في حومت..‏ ورأيت<br />

أرواح أولئك المقدّسين الذين ينبعث منھم النور كما من كوكب ساطع.‏<br />

ويوجد عرش ومقعد باه باھر رفيع زاھر جداً.‏ ثم استفھمت من ساروش<br />

المقدس ومن المالك آذر ما ھذا المكان،‏ ومن ھم ھؤالء األشخاص<br />

.<br />

((<br />

وقصدھم من قولھم (( طبقة الكواكب فھو الحياط األول أو األدنى من فردوس<br />

الزارادشتية،‏ وأن آذر ھو المالك الذي له الرئاسة على النار،‏ و((‏ ساروش ھو مالك<br />

الطاعة وھو أحد المقدسين المؤبدين،‏ أي المالئكة المقرَّ‏ بين لديانة زارادشت،‏ وھو الذي أرشد<br />

أرتاويراف في جميع أنحاء السَّماء وأطرافھا المتنوعة،‏ كما فعل جبرائيل بمُحَ‏ مَّد.‏<br />

))<br />

((<br />

((<br />

((<br />

))<br />

((<br />

وبعد ھذا ساق الكالم على كيفية وصول أرتاويراف إلى طبقة القمر،‏ وھي الطبقة<br />

الثانية،‏ ثم يليھا طبقة الشمس وھي الطبقة الثالثة في السموات.‏ وھكذا أرشده إلى باقي السموات.‏<br />

وبعد ھذا ورد في فصل وأخيراً‏ قام رئيس المالئكة بھمن من عرشه المرصع<br />

بالذھب فأخذني من يدي وأتى بي إلى حومت وحوخت وھورست بين أورمزد ورؤساء المالئكة<br />

وباقي المقدسين،‏ وجوھر زارادشت السامي العقل واإلدراك وسائر األمناء وأئمة الدين.‏ ولم أ ‏َر<br />

أبھى منھم رِ‏ واءً‏ وال أبصر منھم ھيئة.‏ وقال بھمن:‏ ھذا أورمزد.‏ ثم أني أردت أن أسلِّم عليه،‏<br />

فقال لي:‏ السالم عليك يا أرتاويراف.‏ مرحباً‏ أنك أتيت من ذلك العالم الفاني إلى ھذا المكان<br />

الباھي الزاھر.‏ ثم أمر ساروش المقدس والمالك آذر قائالً:‏ احمال أرتاويراف وأرياه العرش<br />

وثواب الصالحين وعقاب الظالمين أيضاً.‏ وأخيراً‏ أمسكني ساروش المقدس والمالك آذر من يدي<br />

وحمالني من مكان إلى آخر،‏ فرأيت رؤساء المالئكة أولئك،‏ ورأيت باقي المالئكة<br />

.<br />

((<br />

((<br />

:(١٠١)<br />

))<br />

((<br />

))<br />

))<br />

:(١١)<br />

ثم ذكر أن أرتاويراف شاھد الجنة وجھنم،‏ وورد في فصل أخيراً‏ أخذني<br />

ساروش المقدس والمالك آذر من يدي وأخرجاني من ذلك المحل المظلم المخيف المرجف<br />

وحمالني إلى محل البھاء ذلك وإلى جمعية أورمزد ورؤساء المالئكة فرغبت في تقديم السالم<br />

أمام أورمزد،‏ فأظھر لي التلطف.‏ قال:‏ يا أرتاويراف المقدس العبد األمين،‏ يا رسول عبدة<br />

أورمزد،‏ اذھب إلى العالم المادي وتكلم بالحق للخالئق حسب ما رأيت وعرفت،‏ ألني أنا الذي<br />

ھو أورمزد موجود ھنا.‏ من يتكلم باالستقامة والحق أنا أسمعه وأعرفه.‏ تكلم أنت الحكماء.‏ ولما<br />

قال أورمزد ھكذا وقفت باھتاً‏ ألني رأيت نوراً‏ ولم أرَ‏ جسماً،‏ وسمعت صوتاً‏ وعرفت أن ھذا ھو<br />

أورمزد<br />

))<br />

.<br />

((<br />

فتتضح من ھذا المشابھة العجيبة بين قصة معراج أرتاويراف الكاھن المجوسي وبين<br />

معراج مُحَ‏ مَّ‎د.‏ ويوجد عند الزارادشتية حكاية أخرى عن زارادشت نفسه تقول إنه قبل ذلك<br />

الزمان بعدة أجيال عرج زارادشت ذاته إلى السَّماء ثم استأذن لمشاھدة جھنم أيضاً،‏ فرأى فيھا<br />

أھرمن أي إبليس.‏ ووردت ھذه القصة بالتفصيل كتاب زارادشتنامه . ولم تتواتر أمثال<br />

ھذه الخرافات بين الفرس فقط،‏ بل تواترت بين الھنود عبدة األصنام أيضاً،‏ ألنه يوجد بلغة<br />

))<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

١<br />

٤. ١ فقرة ٧ فصل<br />

- ٥٦ -


))<br />

((<br />

سنسكرت ‏(لغة الھنود القديمة)‏ كتاب يُدعى إتَدرلوكاكمتم ‏(يعني السياحة إلى عالم إندره)‏<br />

قال فيه الھنود إن إندره ھو إله الجو وذُكر فيه أن شخصاً‏ اسمه أرجنة وصل إلى السَّماء<br />

وشاھد كل شيء فيھا،‏ وأن أرجنة نظر قصر إندره السَّ‎ماو ‏ّي واسمه وَ‏ يْ‎ونتي وھو قصر<br />

في بستان يسمى نَفْ‎دَنَم . وورد في الكتب الھندية أن في ذلك المحل ينابيع أبدية تروي<br />

النباتات الخضراء النضرة الزاھية.‏ وفي وسط ذلك البستان السَّماو ‏ّي شجرة تسمى بكشجتي<br />

تثمر أثماراً‏ تسمى أمرته أي البقاء فمن أكل من ثمرھا ال يموت ولن يموت.‏ وھذه<br />

الشجرة مزينة باألزھار الزاھية ذات ألوان متنوعة رائعة.‏ ومن استظل بظاللھا الوارفة مُنح كل<br />

منية تمناھا.‏ وال شك أن ھذه الشجرة ھي التي يسميھا المسلمون الطوبى<br />

))<br />

((<br />

((<br />

.<br />

((<br />

))<br />

))<br />

))<br />

((<br />

((<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

))<br />

((<br />

وتُسمى باللغة<br />

حوابة وتعتقد الزارادشتية بوجود شجرة عجيبة تُسمى بلغة أڤستا ‏(فصل<br />

ونديداد ‏(ومعناھا مروية بماء رائق فائق).‏ ووصف في كتاب حوميا البھلوية تأتي المياه في الصفاء من بحر يوئتكة إلى بحر ووؤركشة وإلى شجرة حوابة فتنبت ھناك كل<br />

شجرة الطوبى<br />

. ومن الواضح أن ھذه الشجرة ھي ذات النباتات على اختالف أنواعھا وھي مثل بكشجتي شجرة الھنود.‏<br />

(٥<br />

((<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

))<br />

((<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

))<br />

ولم ترد ھذه األشياء فقط في كتب الھنود والزارادشتية،‏ بل وردت أيضاً‏ في بعض الكتب<br />

الكاذبة التي كانت متداولة عند أصحاب البدع والضالالت من المسيحيين في األزمنة القديمة،‏<br />

والسيما كتاب عھد إبرھيم الذي تقدم ذكره وفي كتاب آخر يسمى رؤيا بولس<br />

في كتاب عھد إبرھيم أن إبراھيم عرج بإرشاد أحد رؤساء المالئكة إلى السَّ‎ماء وشاھد كل<br />

ما فيھا.‏ وورد في كتاب رؤيا بولس أن بولس الرسول عرج كذلك،‏ ولم نذكره اكتفاءً‏ بما<br />

تقدم.‏ وإنما نورد عبارة من عھد إبرھيم وھي:‏ ونزل رئيس المالئكة ميخائيل وأخذ<br />

إبراھيم في عربة كروبية ورفعه في أثير السَّ‎ماء وأتى به وبستّين مالكاً‏ من المالئكة على<br />

السحاب،‏ فساح إبراھيم على كل المسكونة في مركب<br />

. فورد<br />

((<br />

))<br />

١<br />

))<br />

.<br />

((<br />

((<br />

((<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

))<br />

))<br />

))<br />

فھذا ھو أصل فكرة البراق الذي ذُكر في األحاديث اإلِسْ‏ المية.‏ ولعل اشتقاق البراق<br />

من كلمة عبرية تسمى باراق ومعناھا البرق.‏ ويوجد ما يشبه ذلك في الكتاب الكاذب<br />

كتاب أخنوخ ‏(فصل ١٤) فقد ورد فيه كالم على تلك الشجرة السَّماو ‏ّية واألربعة األنھر.‏ وقال<br />

اليھود عن شجرة الحياة التي كانت في جنة عدن إن مسافة ارتفاعھا سنة.‏ ورووا أيضاً‏<br />

روايات أخرى عجيبة عنھا.‏ وبما أن المسلمين توھموا أن جنة عدن التي خُلق فيھا آدم ھي في<br />

السَّ‎ماء،‏ وجب أن نبحث عن منشأ ھذا الخطأ والوھم،‏ فنقول إن مصدره الكتب الموضوعة<br />

والسيما رؤيا بولس ‏(فصل ٤٥). وال نعرف إذا كان أصحاب البدع الذين اختلقوا ھذه الكتب<br />

قد اتخذوا ھذه األشياء وغيرھا من كتب الزارادشتية والھنود أم ال.‏ إال أنه من المؤكد أن ھذه<br />

القصص كاذبة وال يصدقھا عاقل،‏ ولم يقبلھا أحد من المسيحيين،‏ سواء كان في األزمنة القديمة<br />

أو الحديثة،‏ بل نبذھا الجميع،‏ ولم يعتقد أحد منھم بأنھا كُتبت بوحي وإلھام،‏ بل أنھا كُتبت لفئة<br />

صغيرة من الجھلة أصحاب البدع والضالالت،‏ وال توجد اآلن إال في مكتبات قليلة على سبيل<br />

الفكاھات،‏ ولتبرھن على جھل وحماقة الفرق المبتدعة التي قبلت بعضھا بدون برھان على<br />

صحتھا.‏ بل بالعكس،‏ قبلتھا رغم توفُّر األدلة على بطالنھا.‏<br />

))<br />

٢<br />

٥٠٠<br />

((<br />

((<br />

))<br />

١<br />

عھد إبراھيم،‏ صورة<br />

ترجوم يوناثان.‏<br />

١ فصل .١٠<br />

٢<br />

- ٥٧ -


وإذا سأل سائل:‏ إذا كانت خرافات معراج أرتاويراف وزارادشت وإبراھيم وأرجنة ھي<br />

بال أصل وال أساس في الواقع،‏ وأن الواجب أن نرفضھا،‏ أال يجب أيضاً‏ عدم تصديق أن أخنوخ<br />

وإيليا والمسيح صعدوا إلى السموات؟<br />

قلنا:‏ ال يصعب على الذكي الرد على ذلك،‏ فمن البديھي أنه ال يمكن وجود نقود زائفة ما<br />

لم توجد نقود صحيحة حقيقية متقدمة في الوجود عليھا،‏ فإن النقود الزائفة عُملت على منوال<br />

النقود الصحيحة لغش الجاھل.‏ وال يجوز لعاقل أن يرفض التعامل بجميع النقود لوجود نقود<br />

زائفة في بعض األحيان.‏ بل نقول إن وجود النقود الزائفة تدل داللة واضحة على وجود نقود<br />

صحيحة.‏ فكذلك يصدق القول على المعجزات،‏ ألنه لوال وجود معجزات صحيحة ما ادَّعى أحدٌ‏<br />

بمعجزات كاذبة.‏ ولو لم يوجد دين حقيقي صحيح ما وُ‏ جدت األديان الكاذبة،‏ ولو لم يشتھر<br />

صعود رجال بالحقيقة إلى السَّماء ما رأينا ھذه الخرافات المختلفة بلغات شتى بين عقائد عديدة.‏<br />

والحكيم ھو الذي يفحص النقود التي تُعرض عليه قبل قبولھا،‏ ألن الفحص يُظھر أن بينھا فرقاً‏<br />

كبيراً.‏ وھذا ھو سبب اعتقاد المسيحيين اعتقاداً‏ جازماً‏ بصحة ما ورد في الكتب المقدسة من<br />

القصص عن صعود أخنوخ وإيليا والمسيح،‏ ورفضھم القصص األخرى التي ذكرناھا.‏ والفرق<br />

بين الصدق والكذب ظاھر كالصبح إذا طالعنا ما ورد في الكتاب المقدس عن صعود أخنوخ<br />

وإيليا والمسيح،‏ وقارنا بين القصص البسيطة التي لھا رنة النقود الحقيقية الصحيحة وبين<br />

القصص الكذابة التي تقدم ذكرھا.‏<br />

أما من جھة أخنوخ فقد ورد في سفر التكوين وسار أخنوخ مع ولم<br />

يوجد ألن أخذه . وأما عن إيليا فورد في ‎٢‎ملوك و‎١٢‎‏):‏ وفيما ھما أي أليشع<br />

وإيليا يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينھما،‏ فصعد إيليا في<br />

العاصفة إلى السَّماء.‏ وكان أليشع يرى وھو يصرخ:‏ يا أبي يا أبي،‏ يا مركبة إسرائيل وفرسانھا.‏<br />

ولم يره بعد . أما صعود المسيح فذُكر في أعمال الرسل ‎٩‎‎١١‏):‏ ولما قال ھذا أي<br />

المسيح ارتفع وھم ينظرون،‏ وأخذته سحابة عن أعينھم.‏ وفيما كانوا يشخصون إلى السَّماء وھو<br />

منطلق إذا رجالن قد وقفا بھم بلباس بيض وقاال:‏ أيھا الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون<br />

إلى السَّماء؟ إن يسوع ھذا الذي ارتفع عنكم إلى السَّ‎ماء سيأتي ھكذا كما رأيتموه منطلقاً‏ إلى<br />

السَّماء . فھذه القصص الحقيقية سلمھا لنا الذين شاھدوھا بأعينھم،‏ وھي منزھة عن الحكايات<br />

المطولة الوھمية الخرافية عما في السموات.‏ وال شك أن القصص الكاذبة تختلف اختالفاً‏ بيناً‏ عن<br />

القصص الحقيقية بحيث يسھل التمييز بين تواريخ الحوادث الواقعية الحقيقية وبين الحكايات<br />

الملفقة المختلفة التي يخترعھا الناس إلرضاء الناس الذين يعجبون بمعرفة المجھوالت التي<br />

سترھا عن البشر.‏<br />

))<br />

))<br />

))<br />

:(٢٤ /٥)<br />

١١ /٢)<br />

/١)<br />

١<br />

.<br />

((<br />

))<br />

((<br />

((<br />

((<br />

قال الرسول بولس:‏ أعرف إنساناً‏ في المسيح قبل أربع عشرة سنة،‏ أفي الجسد؟ لست<br />

أعلم،‏ أم خارج الجسد؟ لست أعلم.‏ يعلم.‏ اختُطف ھذا إلى السَّ‎ماء الثالثة.‏ وسمع كلمات ال<br />

يُنطق بھا،‏ وال يسوغ إلنسان أن يتكلم بھا وقد ورد في كتاب رؤيا بولس نبأ مطول عما<br />

رآه بولس وسمعه ھناك.‏ ومن ھذا يظھر الفرق بين الحق والكذب.‏ فالفرق بين األناجيل<br />

الموضوعة واألناجيل الصادقة ظاھر للقارئ،‏ كالفرق الموجود بين كتاب ألف ليلة وليلة و<br />

‏((كتاب الواقدي))‏ . فأحدھما يشتمل على خرافات فارغة،‏ واآلخر يشتمل على حوادث حقيقية<br />

حصلت فعالً.‏ وإذا سأل سائل:‏ ما ھو أصل الخرافات الواردة عن شجرة الطوبى أو سدرة<br />

المنتھي أو األربعة األنھار السَّماو ‏ّية؟ قلنا:‏ نشأت ھذه الخرافات من القصة البسيطة الصحيحة<br />

الواردة في التكوين ١٧)، فإنه لما كان الجھلة السذج الميالون إلى تصديق الخرافات ال<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

٨ /٢)<br />

٢<br />

١<br />

كورنثوس:‏<br />

.٤ ٢ /١٢<br />

- ٥٨ -


))<br />

((<br />

يعرفون أن جنة عدن كانت بقرب بابل وبغداد،‏ حوَّ‏ لوا بأوھامھم الجامحة وتصوراتھم الشاردة<br />

حق إلى أكاذيب بزياداتھم ومبالغاتھم،‏ وغيَّروا الوقائع التاريخية والجغرافية إلى خرافات ال<br />

أصل لھا.‏<br />

) ٢ً) الجنة والحوريات:‏<br />

))<br />

((<br />

))<br />

كل مسلم ملمّ‏ بھذه األمور يعرف ما ورد عنھا في القُ‎رْ‏ آن وفي الحديث،‏ فال لزوم أن<br />

نسرد كل تفاصيلھا ھنا.‏ غير أن منتقدي القُ‎رْ‏ آن قالوا إن مصدر كل ھذه التعاليم ھو كتب<br />

الزارادشتية.‏ وال شك أن كل مطلع على التوارة واإلنجيل يرى أنه ال يوجد أثر لھا مطلقاً‏ في<br />

التوراة أو اإلنجيل.‏ غاية األمر أن األنبياء والرسل أفادوا بوجود مكان راحة للمؤمنين الحقيقيين،‏<br />

سمّوه حضن إبراھيم أو الجنة أو الفردوس . ولم يرد ذكرٌ‏ للحور أو الغلمان في<br />

كتب الرسل أو األنبياء،‏ غير أنھا ذُكرت في كتب الزارادشتية والھنود.‏ ومن الغريب أن ما ورد<br />

فيھا يشابه مشابھة غريبة ما ورد في القُرْ‏ آن والحديث.‏<br />

١<br />

.<br />

<br />

((<br />

<br />

. <br />

<br />

قال المسلمون عن الحور في سورة الرحمن:‏ حُ‎ورٌ‏ مَّقْصُ‎ورَ‏ اتٌ‏ فِ‎ي الْخِيَ‎امِ‏ وفي<br />

سورة الواقعة:‏ وَ‏ حُ‎ورٌ‏ عِ‎ينٌ‏ كَأَمْثَ‎الِ‏ اللُّؤْ‏ لُ‎ؤِ‏ الْمَكْنُ‎و ‏ِن وھو مأخوذ مما قاله الزارادشتية<br />

القدماء عن بعض أرواح غادات اسمھن بَيْركان ويسميھا الفرس المتأخرون بَرْ‏ يان ألن<br />

الزارادشتية زعموا أن أرواح ھذه الغادات سكنت في الھواء ولھا عالقة تامة بالكواكب والنور.‏<br />

وكان جمال أرواح ھاته الغادات رائعاً‏ حتى خلبت قلوب الرجال.‏ وقال بعض الذين ال يعرفون<br />

غير العربية إن كلمة حور ھي في األصل عربية مشتقة من حار ولكن األرجح أنھا<br />

مأخوذة من لغة أڤستا ومن البھلوية،‏ وھما لغتان من لغات الفرس القديمة،‏ ألنه ورد في لغة أڤستا<br />

كلمة حوري ‏(بمعنى الشمس وضوء الشمس).‏ ووردت في اللغة البھلوية ھور وفي لغة<br />

الفرس الحديثة ‏(أي الشمس وضوؤھا).‏ ولما أدخل العرب كلمة حور في لغتھم<br />

وكانوا ال يعرفون مصدرھا واشتقاقھا توھموا أنھا مأخوذة من فعل حار وظنوا أن سبب<br />

تسميتھن بالحور ھو سواد أعينھن.‏ ولم يرد ذكر ھاته الغانيات السَّماو ‏ّيات في كتب قدماء الفرس<br />

فقط،‏ ألنه يوجد في كتب قدماء الھنود بعض القصص بخصوص األشخاص الذين يسميھم<br />

المسلمون الحور و((‏ الغلمان ويسميھم الھنود أَبْسَرسس و((‏ كندھروس . وقال الھنود<br />

إن الذين يعاشرونھم في السَّماء ھم الذين يظھرون البسالة في الحروب ويُقتَلون فيھا،‏ فإنھم كانوا<br />

يعتقدون في األزمنة القديمة،‏ كالمسلمين،‏ أن كل من يُقتل في ساحة القتال جدير بالدخول إلى<br />

السَّماء.‏ وقد ورد في كتاب (( شرائع منوا ‏(فصل بيت الملوك الذين تكافحوا في<br />

الحروب باختيارھم قتل بعضھم بعضاً‏ وال يصرفون وجوھھم أخصامھم ذھبوا بعد إلى السَّ‎ماء..‏<br />

إلقدامھم<br />

((<br />

((<br />

((<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

))<br />

))<br />

))<br />

((<br />

:(٨٩<br />

٢<br />

٥<br />

))<br />

((<br />

((<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

(( ضور<br />

((<br />

))<br />

.<br />

((<br />

وكذلك ورد في كتاب قصة نلة قول اإلله إندره للملك نله:‏ أما حراس األرض<br />

العدول والمحاربون الذين تركوا أمل الحياة،‏ الذاھبون في الوقت المعين إلى الھالك بالسالح<br />

بدون أن يصرفوا وجودھم أن لھم ھذا العالم الباقي<br />

))<br />

.<br />

((<br />

١<br />

فيتضح من مثل ھذه األقوال أن قدماء عبدة األصنام من الھنود توھموا،‏ كما توھم<br />

المسلمون،‏ أنه إذا قُتل إنسان في كفاح أو حرب استحق الدخول في السَّ‎ماء وفردوس النعيم<br />

وعاشر الحور والغلمان المقيمين فيھا.‏ وكان اإلنكليز القدماء وجميع سكان شمال أوربا،‏ أيام<br />

سورة الرحمن:‏<br />

سورة الواقعة:‏<br />

.٧٢ /٥٥<br />

.٢٣ ٢٢ /٥٦<br />

٢<br />

<br />

- ٥٩ -


((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

وثنيتھم يعتقدون أن الغادات السَّ‎ماو ‏ّيات ويسمّونھن الكوريات،‏ أي منتخبات المقتولين كن<br />

يأتين إلى ميدان الحرب ويحملن إلى سماء إله الحرب أرواح األبطال الذين قُتلوا في الكفاح.‏<br />

ويعتقد المسلمون بوجود الجن.‏ غير أن اشتقاق كلمة جن أو جني تدل على أَخْ‏ ذھا من<br />

لغة أجنبية،‏ ألنه لو كانت ھذه الكلمة عربية،‏ وكانت مشتقة من الفعل جن القتضى أن يكون<br />

مفردھا جنين،‏ على قياس أن قليل مأخوذة من الفعل قل.‏ وقال البعض اآلخر إن ھذه الكلمة<br />

مشتقة من جنة ولكن يلزم أن يكون مفردھا جني مع أن األمر ھو خالفه.‏ ثم أنه ال عالقة للجن<br />

بالجنة،‏ ألنه ال يجوز لھم الدخول فيھا.‏ والحقيقة ھي أن الكلمة مشتقة من لغة الفرس القديمة،‏<br />

بھذه<br />

وھو كتاب الزارادشتية المقدس ودستور ديانتھم أڤستا ألنھا وردت في كتاب ومعناھا روح شرير،‏ فأخذ العرب االسم والمسمى من<br />

جيني الصورة والصيغة،‏ وھي الزارادشتية.‏<br />

ويتضح مما ذكرنا أعاله عن الميزان أنه ورد في األحاديث أنه لما عرج مُحَ‏ مَّ‎د إلى<br />

السَّماء،‏ رأى أنه إذا نظر آدم إلى األسودة إلى عن يمينه ضحك،‏ وإذا نظر إلى التي عن يساره<br />

ناح وبكى.‏ وقد ظھر لنا قبالً‏ أنه ورد لنا ذكر ھذا الشيء ذاته في كتاب عھد إبراھيم أيضاً،‏<br />

وھو مصدر ھذه الحكاية ومنشأھا.‏ غير أنه يوجد فرق بين القصتين،‏ وھو أن األرواح المذكورة<br />

في كتاب عھد إبراھيم ھم أرواح األموات،‏ غير أن األسودة المذكورة في األحاديث ھم<br />

أرواح أشخاص لم يولدوا بعد،‏ ويسميھم المسلمون الذرات الكائنات ينكر أن كلمة<br />

ذرة ھي عربية،‏ غير أن المسلمين اتخذوا االعتقاد بوجود الذرات الكائنات من قدماء<br />

الزارادشتية،‏ ألن الزارادشتية كانوا في قديم الزمان يعتقدون بمثل ھذا االعتقاد.‏ وعبارة األڤستا<br />

ھو أن كل ذرة كائنة تسمى فروشي وتسمى باللغة البھلوية فروھر وقال البعض إنه<br />

يمكن أن الزارادشتية اتخذوا ھذا االعتقاد من قدماء المصريين،‏ ولكن العرب اقتبسوه من<br />

الزارادشتية وأدخلوه في ديانتھم.‏<br />

))<br />

((<br />

((<br />

. وال<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

))<br />

))<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

وقد اقتبس المسلمون من اليھود لقب ملك الموت ألن اليھود يطلقون عليه ھذا اللقب<br />

بالعبري.‏ ويتفق الفريقان على اسم ھذا المالك،‏ وال يوجد بشأنه سوى اختالف زھيد بينھم.‏<br />

فاليھود يسمونه سمائيل والمسلمون يسمونه عزازيل )). غير أن كلمة عزازيل ليست<br />

عربية بل ھي عبرية،‏ ومعناھا . ولم يرد اسم ھذا المالك في التوراة واإلنجيل.‏<br />

فيتضح أن اليھود اقتبسوا معلوماتھم عنه من مصدر آخر،‏ واألرجح أن مصدر معلوماتھم ھو<br />

األڤستا التي ورد فيھا أنه إذا وقع إنسان في الماء أو في النار أو في أي شيء من ھذا القبيل<br />

فغرق أو احترق،‏ فال يكون سبب موته الماء أو النار،‏ بل مالك الموت،‏ ألنھم زعموا أن<br />

عنصري الماء والنار صالحان وال يؤذيان الناس.‏ ويسمى مالك الموت بلغة أڤستا<br />

أستووِيدھوتُش<br />

))<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

)) نصرة <br />

((<br />

١<br />

.<br />

))<br />

((<br />

((<br />

) ٣ً) قصة خروج عزازيل من جھنم<br />

٢<br />

اتَّخذ المسلمون اسم عزازيل من اليھود،‏ وتوجد ھذه الكلمة في التوراة العبرية.‏ ولكنھم<br />

اتخذوا قصة خروجه من جھنم من الزارادشتية،‏ من كتاب بھلوي عنوانه:‏ بوندھشينة أي<br />

الخليقة .‏ فورد في قصص األنبياء خلق عزازيل،‏ فعبد عزازيل تعالى ألف سنة<br />

في سجن،‏ ثم طلع إلى األرض؛ فكان يعبد تعالى في كل طبقة ألف سنة،‏ إلى أن طلع على<br />

((<br />

))<br />

))<br />

:<br />

((<br />

٥<br />

))<br />

)<br />

١<br />

انظر كتاب ونديداد فصل األسطر<br />

الالويين:‏ و‎١٠‎ و‎٢٦‎‏.‏<br />

( ٣٥ . ٢٥<br />

٨ /١٦<br />

٢<br />

- ٦٠ -


))<br />

((<br />

األرض الدنيا . وورد في عرائس المجالس إن إبليس يعني عزازيل أقام ثالثة آالف<br />

سنة عند باب الجنة باألمل أن يضر آدم وحواء المتالء قلبه بالحسد<br />

وورد في<br />

.<br />

((<br />

)) :((<br />

بوندھشينة ((<br />

: و‎٢‎‏)‏ ١ ‏(فصل ((<br />

))<br />

أھرمن يعني إبليس كان وال يزال في الظالم غير عالم باألشياء إال بعد<br />

وقوعھا،‏ وحريصاً‏ على إيصال الضرر لآلخرين وكان في القعر..‏ وذلك<br />

الميل للضرر وتلك الظلمة أيضاً‏ ھما محل يسمونه المنطقة المظلمة<br />

وكان أورمزد يعرف بعلمه التام بوجود أھرمن ألن أھرمن يھيج نفسه<br />

ويتداخل بالميل للحسد حتى اآلخر..‏ وكان أورمزد وأھرمن مدة ثالثة آالف<br />

سنة بالروح،‏ يعني كانا بدون تغيير وال حركة..‏ فالروح الضار لم يعرف<br />

بوجود أورمزد لقصور معرفته.‏ وأخيراً‏ طلع من تلك الھاوية وأتى إلى<br />

المحل الباھي.‏ ولما شاھد نور أورمزد ذلك اشتغل باألضرار<br />

.<br />

((<br />

.<br />

((<br />

))<br />

فالفرق بين األحاديث وبين ھذا القول ظاھر،‏ ألنه ذكر في األحاديث أن عزازيل كان<br />

يعبد قبل خروجه من سجن،‏ ولكن الزارادشتية قالوا إن أھرمن لم يدرِ‏ بوجود أورمزد أوالً.‏<br />

ولكن توجد مشابھة أيضاً‏ بين ھاتين الروايتين،‏ وھي أن عزازيل وأھرمن دخال الوجود في سجن<br />

أو في الھاوية،‏ وصعد كل منھما من ھناك،‏ وبذال جھدھما في اإلضرار بخلق .<br />

وقبل ختام الكالم على عزازيل أو أھرمن ال بأس من إيراد البرھان على وجود عالقة<br />

بين ھاتين القصتين،‏ فنقول:‏ يتضح من األحاديث ومن كتب الزارادشتية أن الطاووس وافق من<br />

بعض الوجوه عزازيل الذي ھو أھرمن،‏ ألنه ورد في قصص األنبياء أنه لما جلس عزازيل<br />

أمام باب الجنة ورغب في الدخول فيھا رأى الطاووس الذي كان جالساً‏ على الجنة واحداً‏ يتلو<br />

أسماء العظمى الحسنى.‏ فسأله الطاووس:‏ من أنت؟ فقال له:‏ أنا أحد مالئكة <br />

فسأله الطاووس:‏ لماذا أنت جالس ھنا؟ . فقال له عزازيل:‏ أنظر الجنة وأتمني الدخول فيھا<br />

. فقال له الطاووس:‏ لم أُؤمر بإدخال أحد إلى الجنة ما دام آدم عليه السالم فيھا . فقال له:‏<br />

إذا كنت تأذن لي بالدخول فيھا أعلّمك صالة من تالھا نال ثالثة أشياء:‏ أحدھا أنه ال يكبر،‏<br />

وثانيھا أنه ال يصير عاصياً،‏ وثالثھا أنه ال يطرد من الجنة . فأخبره إبليس بھذه الصالة فتالھا<br />

الطاووس فطار من سور الجنة إلى الجنة ذاتھا وأخبر الحية بما سمعه من إبليس.‏ وذكر بعد ھذا<br />

أنه لما أھبط آدم وحواء وإبليس من الجنة إلى األرض طرد الطاووس معھم أيضاً.‏<br />

.<br />

((<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

))<br />

أما قصة الطاووس في كتب الزارادشتية فتختلف عن ھذا،‏ غير أنھم في قديم األيام ظنوا<br />

أنه مساعد ألھرمن.‏ فقد ورد في كتاب أرمني قديم يسمى ردُّ‏ البدع ‏(باب ٢) تأليف يزنبق<br />

عن الزارادشتية في تلك األعصر،‏ قالوا إن أھرمن قال إنه ليس أني ال أقدر أن أعمل شيئاً‏ من<br />

الخير،‏ ولكني ال أريده.‏ وخلق الطاووس إلثبات ھذا الكالم . فإذا كان أھرمن أو عزازيل ھو<br />

الذي خلق الطاووس فال غرابة إذا كان ھو الذي علمه وصار معينه وطرد معه من الجنة.‏<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

(٤) نور<br />

ورد في<br />

روضة األحباب<br />

))<br />

مُحَ‏ مَّد:‏<br />

قصص األنبياء<br />

أن مُحَ‏ مَّداً‏ قال:‏<br />

١<br />

.<br />

))<br />

((<br />

أن مُحَ‏ مَّداً‏ قال أول ما خلق نوري وجاء في<br />

لما خُلق آدم وضع على جبھته ذلك النور،‏ وقال:‏ يا آدم،‏<br />

))<br />

((<br />

))<br />

((<br />

١<br />

و‎٢٨٢‎‏.‏ ٢ ص<br />

- ٦١ -


((<br />

إن ھذا النور وضعتُه على جبھتك ھو نور ابنك األفضل األشرف،‏ وھو نور رئيس األنبياء الذي<br />

يُبعَث . ثم جاء أن ذلك النور انتقل من آدم إلى شيث ومن شيث إلى ذريته،‏ وھكذا بالتعاقب إلى<br />

أن وصل إلى عبد بن عبد المطلب،‏ ومنه إلى آمنة لما حبلت بمُحَ‏ مَّ‎د.‏ وورد أيضاً‏ في<br />

األحاديث أن مُحَ‏ مَّ‎داً‏ قال إن قسم النور إلى أربعة أقسام،‏ وخلق العرش من قسم من ھذه<br />

األقسام،‏ وخلق القلم من قسم وخلق الجنة من قسم وخلق المؤمنين من قسم،‏ ثم قسم ھذه إلى<br />

أربعة أقسام أخرى،‏ فمن أفضل وأشرف القسم األول خلقني أنا الرسول،‏ ومن القسم الثاني خلق<br />

العقل وجعله في رأس المؤمنين،‏ ومن القسم الثالث خلق الحياء وجعله في أعين المؤمنين،‏ ومن<br />

القسم الرابع خلق العشق وجعله في قلوب المؤمنين.‏<br />

١<br />

((<br />

))<br />

فإذا بحثنا عن مصدر ھذه القصة وجدناھا أيضاً‏ في كتب الزارادشتية،‏ ألنه ورد في<br />

كتاب فارسي قديم يُدعى مينوخرد كُتب باللغة البھلوية أيام الفرس الساسانية أن الخالق<br />

أورمزد خلق ھذه الدنيا وجميع خالئقه ورؤساء المالئكة والعقل السَّ‎ماو ‏ّي من نوره<br />

الخصوصي مع تسبيح الزمان غير المتناھي.‏ وذُكر ھذا النور في كتاب أقدم من مينوخرد<br />

ھو يشت بخصوص يمه خشائته المسمى اآلن جمشيد<br />

))<br />

،((<br />

))<br />

:<br />

((<br />

))<br />

.<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

))<br />

((<br />

))<br />

٢٩<br />

((<br />

))<br />

كان البھاء الملكي العظيم مالزماً‏ لجمشيد صاحب القطيع الصالح مدة<br />

طويلة،‏ بينما كان متسلطاً‏ على سبعة أقاليم األرض:‏ على الجن واإلنس<br />

والسحرة والجنيات واألرواح الشريرة والعرافين والكھنة..‏ ثم لما خطرت<br />

بباله تلك الكلمة الكاذبة الساقطة زال منه البھاء الظاھر بصورة طير..‏<br />

وھو جمشيد )) صاحب القطيع الصالح،‏ لما لم يرَ‏ بعد ذلك البھاء،‏ تحسر<br />

جم،‏ ولما اضطرب عمل على إحداث العداوة على األرض.‏ وأول ما زال<br />

ذلك البھاء زال من جمشيد،‏ وزال ذلك البھاء من جم ابن الشمس بھيئة<br />

طير محلق فأخذ مثره ذلك البھاء.‏ ولما زال البھاء ثانيةً‏ من جمشيد زال<br />

ذلك البھاء من جم ابن الشمس،‏ وفارقه بھيئة طير محلق،‏ فأخذ فريدون ابن<br />

القبيلة اآلثويانية ابن القبيلة المشھورة بالبسالة ذلك البھاء،‏ ألن فريدون كان<br />

أعظم مَ‎ن فاز بين الفائزين.‏ ولما زال البھاء من جمشيد ثالثةً‏ زال ذلك<br />

البھاء من جم ابن الشمس بھيئة طير محلق،‏ فأخذ البطل كرساسبه ذلك<br />

البھاء ألنه كان أقوى من األقوياء<br />

فإذا قارنا بين ھاتين القصتين رأينا أن جمشيد كان حائزاً‏ على ھذا النور العجيب مدة<br />

من الزمن.‏ وبحسب تعاليم أڤستا كان جمشيد أول رجل خلقه على األرض،‏ ويقصدون بھذا<br />

آدم أبو البشر.‏ ولما سقط جمشيد في الخطيئة واقترف الزلل،‏ انتقل ذلك النور من واحد إلى آخر<br />

من أفضل أوالده بالتتابع،‏ وھذا يوافق ما ذُكر في األحاديث بخصوص نور مُحَ‏ مَّ‎د.‏ فيتضح أن<br />

خرافة الفرس ھذه ھي مصدر ما رُوي عن نور مُحَ‏ مَّد.‏ وال شك أن المسلمين اتَّخذوا ھذه القصة<br />

من الزارادشتية،‏ فقد ورد في كتاب الزارادشتية القديم أن الملك العظيم جمشيد تسلط على الناس<br />

والجن واألرواح الشريرة.‏ فال ب ‏ّد أن اليھود اتخذوا من ھذه الرواية ما نسبوه إلى الملك سليمان<br />

من القوة والسلطة على الناس والجن..‏ إلخ.‏<br />

((<br />

١<br />

واتخذ المسلمون من اليھود ھذا االعتقاد ‏(كما رأينا في الفصل الثالث من ھذا الكتاب).‏<br />

وما قاله المسلمون عن تقسيم نور مُحَمَّد إلى أقسام ورد بالتفصيل،‏ مع اختالف بسيط،‏ في كتاب<br />

قصص األنبياء،‏ ص<br />

.٢<br />

- ٦٢ -


١<br />

((<br />

))<br />

فارسي قديم عنوانه دساتير آسماني في الباب الوارد بخصوص زارادشت.‏ فنرى من ذلك<br />

أيضاً‏ أن تفاصيل نور مُحَ‏ مَّد مأخوذة من كتب الزارادشتية.‏<br />

) ٥ً) الكالم على الصراط:‏<br />

((<br />

))<br />

قال المسلمون إن مُحَ‏ مَّ‎داً‏ قال إنه بعد دينونة يوم الدين األخيرة يُ‎ؤمر جميع الناس<br />

بالمرور على الصراط،‏ وھو شيء ممدود على متن جھنم بين األرض والجنة.‏ وقالوا إن<br />

الصراط ھو أدق من الشعرة وأحدُّ‏ من السيف،‏ فيقع منه الكفار ويھلكون في النار.‏ فمن أراد<br />

معرفة منشأ ھذا القول وجب عليه أوالً‏ أن ينظر في اشتقاق كلمة صراط ألن أصلھا ليس من<br />

اللغة العربية،‏ فالبد أنھا اتُّخذت من لغة أخرى،‏ ألن صراط معربة من أصل فارسي.‏<br />

والزارادشتيون يسمّون الصراط چينود . وبما أنه ال يوجد حرف في األبجدية العربية،‏<br />

استُعمل بدالً‏ عنه حرف ص،‏ فكل كلمة أعجمية تكون تبدأ بحرف ويُ‎راد تعريبھا،‏ يُبدل<br />

حرف إلى مثالً‏ چين تصير صين.‏ وعلى ھذا القياس تكون كلمة صراط معربة<br />

عن چينود ولم يتخذ المسلمون من قدماء الزارادشتية كلمة صراط فقط،‏ بل اتخذوا عنھم<br />

ھذا االعتقاد كله،‏ كما يظھر من مجرد التأمل في العبارة اآلتية المأخوذة من كتاب بھلوي يسمى<br />

دينكرت ونصه:‏ أھرب من الخطايا الكثيرة.‏ أحافظ على نقاوة وطھارة سلوكي بحفظ<br />

طھارة قوى الحياة الست،‏ وھي الفعل والقول والفكر والذھن والعقل والفھم حسب إرادتك يا<br />

مسبِّب األعمال الصالحة العظيم.‏ وإني أؤدي عبادتك بعدالة بحسن الفكر والقول والعمل،‏ ألستمر<br />

في الطريق الباھية،‏ لكي ال أعاقب بعقاب جھنم الصارم،‏ بل أعبر على چينود،‏ وأصل إلى ذلك<br />

المسكن المبارك المملوء من العطريات والمسر بأجمعه والباھر دائماً‏<br />

) چ (<br />

) چ (<br />

.<br />

((<br />

))<br />

) ص ( .<br />

.<br />

))<br />

((<br />

) چ (<br />

٢<br />

((<br />

))<br />

))<br />

وتعني كلمة صراط في األصل الجسر الممدود فقط،‏ إال أنھم توسعوا في معنى ھذه<br />

الكلمة بعد ذلك،‏ فصارت تفيد الطريق،‏ كما وردت بھذا المعنى في سورة الفاتحة.‏ ومعنى<br />

الصراط الحقيقي ‏(الذي ال يمكن أن يُستفاد من العربية)‏ واضح إذا اطلعنا على اللغة الفارسية<br />

القديمة،‏ ألنھا مشتقة من كلمتيْن فارسيت ‏ْين قديمت ‏ْين معنى إحداھما االتحاد ومعنى الثانية معبر،‏<br />

فيفيد جمع ھاتين الكلمتين القنطرة التي قال الزارادشتية إنھا توصِّل األرض بالجنة.‏<br />

((<br />

((<br />

))<br />

) ٦ً) في ذكر قضايا قليلة مھمة:‏<br />

))<br />

لما كان ذكر جميع األشياء التي اتَّخذھا المسلمون من الزارادشتية بالتفصيل الوافي ال<br />

يخلو من التطويل الممل،‏ اكتفينا بذكر ثالث أو أربع قضايا أخرى من ھذا القبيل طلباً‏ لالختصار:‏<br />

أحدھا،‏ إن المسلمين قالوا إن كل نبي شھد قبل موته للنبي الذي يأتي بعده فقالوا مثالً‏ إن<br />

إبراھيم شھد لموسى،‏ وشھد موسى لداود،‏ وھلم جراً.‏ ولكن كل من طالع كتب األنبياء وجد األمر<br />

خالف ذلك،‏ فجميع األنبياء من أولھم إلى آخرھم شھدوا للمسيح وحده ال غير.‏ وبما أن المسلمين<br />

لم يتَّخذوا ما ذھبوا إليه من التوراة واإلنجيل،‏ وجب أن نبحث عن مصدر ھذا الرأي،‏ وھو كتاب<br />

من الكتب الزارادشتية يُسمى دساتير آسماني ‏(أي األساطير السَّ‎ماو ‏ّية).‏ وھو من الكتب<br />

الحديثة،‏ ألن مؤلف دبستان مذاھب ومؤلف البرھان القاطع ذكرا ھذا الكتاب.‏ وقالت<br />

الزارادشتية كذباً‏ وبھتاناً‏ أنه مكتوب بلغة السَّ‎ماء،‏ وتُ‎رجم إلى اللغة الدارية في عصر خسرو<br />

برويز،‏ أحد قدماء ملوك الفرس.‏ وال يزال ھذا الكتاب موجوداً‏ باللغة األصلية وبالكيفية المترجم<br />

((<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

١<br />

٢<br />

أي األساطير السَّماويّة.‏<br />

جزء فصل في قسمي<br />

٥<br />

٨١<br />

٢<br />

و‎٦‎‏.‏<br />

- ٦٣ -


((<br />

))<br />

إليھا،‏ وطبع في بومباي منذ سنين عديدة.‏ وقال مال فيروز،‏ الذي طبع ھذا الكتاب،‏ إنه يشتمل<br />

على خمس عشرة رسالة نزلت على خمسة عشر نبياً،‏ أولھم مھاباد وآخرھم ساسان الخامس،‏<br />

ومنھم زارادشت الثالث عشر.‏ وفي آخر كل رسالة من ھذه الخمس عشرة رسالة ذكر النبي الذي<br />

كان ينبغي أن يأتي بعدئذ في الوقت المعين.‏ وال شك أن ھذا الكتاب ھو من الكتب الموضوعة<br />

الكاذبة،‏ مع أنه كان مؤلفاً‏ في األصل باللغة البھلوية قبل أن يُترجم إلى اللغة الدارية.‏ وبناء على<br />

ذلك فھو كتاب قديم.‏ والظاھر أن قول الفُرس إن كل نبي تنبأ عن مجيء خلَفه وقع موقعاً‏ حسناً‏<br />

عند المسلمين،‏ فاتَّخذوه من كتاب الزارادشتية ھذا.‏ وثاني فقرة من كل رسالة من ھذه الرسائل<br />

ھي:‏ باسم المعطي الغافر الرحمن العادل . فكل إنسان يرى أن ھذه الكلمات توافق من بعض<br />

الوجوه البسملة التي افتُتحت بھا المائة والثالث عشرة سورة من سور القُ‎رْ‏ آن البالغة<br />

سورةً‏ وھي باسم الرحمن الرحيم فالكلمات األولى البوندھشنية تشبھھا أيضاً،‏ ونصھا<br />

باسم أورمزد الصانع . وكان قدماء الزارادشتية يؤدون الصالة خمس مرات كل يوم،‏ فيوجد<br />

اتفاق بين الزارادشتية وبين الصابئين في ھذا األمر.‏ ورأينا أن الصلوات الخمس المفروضة على<br />

المسلمين تطابق خمساً‏ من الصلوات السبع المفروضة على الصابئين.‏<br />

(١١٤)<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

ختام الكالم<br />

((<br />

))<br />

))<br />

وإذا قال قائل ال يصح أن مُحَ‏ مَّداً‏ استحسن استحساناً‏ تاماً‏ قصص الزارادشتية وفروضھم<br />

حتى أدرجھا في القُرْ‏ آن واألحاديث،‏ ألنه ال يُتصوَّ‏ ر أن ھذا النبي األمي يعرف كل ھذه األشياء.‏<br />

قلنا إن المعترضين ردوا على ھذا بثالثة أفكار:‏<br />

أوالً:‏ ورد في روضة األحباب أن مُحَ‏ مَّداً‏ اعتاد محادثة ومسامرة ومحاورة كل من<br />

يقصدونه على اختالف مللھم ونحلھم،‏ وكان يخاطبھم بألفاظ قليلة من لغتھم.‏ وبما أنه كان كثيراً‏<br />

ما يتكلم بالفارسية تداولت بعض األلفاظ الفارسية في اللغة العربية.‏<br />

ثانياً:‏ إذا ثبت مما تقدم أن مُحَ‏ مَّ‎داً‏ استحسن خرافات اليھود وروايات العرب الوثنيين<br />

عبدة األصنام وفروضھم حتى أدرجھا في القُرْ‏ آن،‏ فما الفرق بين ھذا وبين استحسانه لقصص<br />

الفُرس؟ أما القصص الكثيرة الواردة في القُرْ‏ آن فكانت متواترة بين العرب تواتراً‏ عظيماً‏ حتى<br />

قال الكندي عنھا:‏ فإن ذكرتَ‏ قصة عاد وثمود والناقة وأصحاب الفيل ونظائر ھذه القصص،‏<br />

قلنا لك:‏ ھذه أخبار باردة وخرافات عجائز الحي اللواتي كنَّ‏ يدرسنھا ليلھنّ‏ ونھارھ ‏ّن<br />

.<br />

((<br />

١<br />

. <br />

<br />

١<br />

ثالثاً:‏ جاء في السيرة النبوية البن ھشام وابن إسحق أنه كان من صحابة مُحَ‏ مَّ‎د شخص<br />

فارسي اسمه سلمان،‏ وھو الذي أشار على مُحَ‏ مَّ‎د وقت حصار المدينة بحفر الخندق فتبع<br />

نصيحته.‏ وكان سلمان الفارسي أول من أشار على مُحَ‏ مَّ‎د باستعمال المنجنيق في غزوة ثقيف<br />

بالطائف.‏ وأكد أعداء مُحَ‏ مَّد في عصره أن سلمان ھذا ساعد مُحَ‏ ‏َّمداً‏ على تأليف القُ‎رْ‏ آن،‏ فقد قيل:‏<br />

وَ‏ لَقَدْ‏ نَعْ‏ لَمُ‏ أَنَّھُمْ‏ يَقُولُونَ‏ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ‏ بَشَرٌ‏ لِّسَانُ‏ الَّذِي يُلْحِدُونَ‏ إِلَيْهِ‏ أَعْ‏ جَ‏ مِ‎يٌّ‏ وَ‏ ھَ‎ذَا لِسَ‎انٌ‏ عَرَبِ‎ ‏ٌّي<br />

مُّبِينٌ‏ فإذا قال المعارضون األولون لمُحَ‏ مَّ‎د إن ھذا العجمي أو الفارسي المسلم كان سبب<br />

حُسن تأليف القُرْ‏ آن وفصاحة عباراته،‏ فھذا الجواب يكفي لدحض أقوالھم.‏<br />

ولكن بما أنه ثبت أن كثيراً‏ مما ورد في القُرْ‏ آن وفي األحاديث يطابق مطابقة غريبة ما<br />

ورد في كتب الزارادشتية،‏ فھذه اآلية القُرْ‏ آنية ال تكفي لدحض االعتراض الذي تبرھن اآلن<br />

ببراھين قوية.‏ بل نقول إن ھذه اآلية التي أوردناھا تدل على أنه كان قد اشتھر في عصر مُحَ‏ مَّ‎د<br />

سورة النحل:‏<br />

.١٠٣ /١٦<br />

- ٦٤ -


أن سلمان الفارسي ساعد مُحَ‏ مَّداً‏ على التأليف وأفاده بحقائق كثيرة.‏ وعليه فنحن مُلزَمون أن نسلم<br />

أن كتب الزارادشتية كانت مصدراً‏ من ال<strong>مصادر</strong> التي اتَّخذت الديانة اإلِسْالمية بعضھا.‏<br />

<br />

<br />

- ٦٥ -


^+<br />

تأثيرات الحُنفاء على اإلِسْالم<br />

قبل ظھور مُحَ‏ مَّد وادعائه النبوة سئمت نفوس بعض العرب من عبادة األصنام،‏ فأخذوا<br />

يبحثون عن الدين الحقيقي.‏ ولما عرفوا من اليھود،‏ وربما بعض أخبار وصلت إليھم بالتقاليد<br />

والتواتر من األزمنة القديمة أن إبراھيم كان يعتقد بوجود الحي الحقيقي الوحيد،‏ أخذ بعض<br />

العرب المقيمين في مكة والمدينة والطائف في البحث لمعرفة دين خليل ، ونبذوا عبادة<br />

األصنام.‏ فكانوا يسمون الذين وجَّھوا أنظارھم وأفكارھم إلى ھذه القضية المھمة الحُنفاء<br />

ومن ھؤالء أبو عامر وأصحابه في المدينة،‏ وأمية بن الصلت في الطائف،‏ وأربعة من سكان<br />

مكة،‏ ھم:‏ ورقة وعبيد وعثمان وزيد.‏ فقال المعترضون إن آراء ھؤالء الحنفاء وقدوتھم<br />

ومثالھم ومحادثتھم مع مُحَ‏ مَّد،‏ والسيما زيد بن عمرو أثَّر في أفكار مُحَ‏ مَّد تأثيراً‏ عظيماً‏ وأثَّ‎ر في<br />

ديانته.‏ واستدلوا على تأييد أقوالھم بما ورد في القُ‎رْ‏ آن ذاته.‏ ولكي يتأكد مطالعو كتابنا ھذا من<br />

صحة ھذا القول أو خطئه يجب عليھم أن يطالعوا ما قاله ابن إسحق وابن ھشام بخصوص حُنفاء<br />

مكة.‏ ومع أن كثيرين ألفوا كتباً‏ في سيرة مُحَ‏ مَّد،‏ إال أن كتاب السيرة النبوية البن ھشام ھو أجدر<br />

ھذه الكتب باالعتماد،‏ ألنه أقدمھا وأقربھا إلى عصر مُحَ‏ مَّد.‏ وأول من جمع أقوال مُحَمَّ‎د وأفعاله<br />

ھو الزھري،‏ الذي تُ‎وفي سنة ھ)،‏ فنقل أخباره من التواتر الذي أخذه عن الصحابة<br />

والسيما من عروة أحد أقرباء عائشة.‏ وال شك أنه مع مرور سنين عديدة عبث به العابثون<br />

فدخلت في أخبارھم األغالط والمبالغات.‏ ولو كان كتاب الزھري موجوداً‏ اليوم ألفاد المحقِّقين<br />

الذين يودّون معرفة حقائق األمور بخصوص مُحَ‏ مَّد،‏ ألن ھذا الكتاب ھو أقدم من غيره،‏ فيكون<br />

جديراً‏ باالعتماد أكثر من أي كتاب آخر كُتب عن سيرة مُحَمَّد.‏ ومع أن كتاب الزھري ضاع ولم<br />

يبق له أثر،‏ إال أن ابن إسحق ‏(ت ھ)‏ كان أحد تالميذ الزھري.‏ فابن إسحق ألف كتاباً‏ آخر<br />

في ھذا الصدد،‏ ونقل ابن ھشام ‏(ت ھ)‏ في كتابه المسمى السيرة النبوية أجزاء كثيرة<br />

منه.‏ فاعتمادنا إذاً‏ في نقل أخبار الحُنفاء ھو على كتاب السيرة البن ھشام،‏ وقد ورد فيه:‏<br />

((<br />

))<br />

((<br />

((<br />

))<br />

))<br />

١٢٤)<br />

١٥١<br />

٢١٣<br />

) (١ً زيد:‏<br />

قال ابن إسحاق:‏<br />

))<br />

واجتمعت قُ‎ريشٌ‏ يوماً‏ في عيدٍ‏ لھم عند صنم من أصنامھم،‏ كانوا<br />

يعظِّمونه وينحرون له،‏ ويعكِفُون عنده ويُديرون به.‏ وكان ذلك عيداً‏ لھم،‏<br />

في كلّ‏ سنة يوماً.‏ فخلَ‎ص منھم أربعةُ‏ نفرٍ‏ نجياً.‏ ثم قال بعضً‎ھم لبعضٍ‏ :<br />

تصادقُوا،‏ وليكْتُم بعضُكم على بعض.‏ قالوا:‏ أجَ‏ ل.‏ وھم:‏ وَ‏ رَقة بن نَوْ‏ فل بن<br />

أسَد بن عبد العُزّى بن قُصَيّ‏ بن كِالب بن مُ‎رّ‏ ة بن كعب بن لؤي؛ وعُبيد<br />

ّ ِ بن جَ‏ حْ‏ ش بن رِ‏ ئاب بن يَعْمر بن صَ‎بْرة بن مُ‎رّة بن كبير بن غَ‎نْم بن<br />

دُودان بن أسد بن خُزَ‏ يمة،‏ وكانت أمُّه أميمة بنت عبد المطلب؛ وعثمان بن<br />

الحويرث بن أسَد بن عبد العُزّى بن قُصَ‎يّ؛ وزَ‏ يْ‎د بن عَمْ‎رو بن نُفَيل بن<br />

عبد العُزّى بن عبد ّ بن قُرْ‏ ط بن رِ‏ ياح بن رَزَ‏ اح بن عُ‎ديّ‏ بن كَعْ‎ب بن<br />

لؤيّ.‏ فقال بعضھم لبعض:‏ تعلَّموا و‏ّ‏ ِ ما قومُكم على شيء ! لقد أخطئوا<br />

- ٦٦ -


‏ْ<br />

دينَ‏ أبيھم إبراھيم.‏ ما حَ‏ جَ‎ر نُطيف به،‏ ال يسمع وال يُبْصر وال يضرُّ‏ وال<br />

ينفع،‏ يا قوم،‏ التمسوا ألنفسكم فإنكم و‏ّ‏ ِ ما أنتم على شيء.‏ فتفرَّقوا في<br />

البلدان يلتمسون الحنيفيّ‎ة دين إبراھيم.‏ فأمّ‎ا وَ‏ رَقة بن نوفل فاستحكم في<br />

النصرانيّة واتَّبع الكتبَ‏ من أھلھا حتى علم علماً‏ من أھل الكتاب.‏ وأمّا عُبيد<br />

ّ ِ بن جَ‏ حْ‏ ش فأقام على ما ھو عليه من االلتباس حتى أسلم ثم ھاجر مع<br />

المسلمين إلى الحبشة ومعه امرأتُ‎ه أمّ‏ حَبيبة بنت أبي سُ‎فيان مُسْ‏ لِمةَ؛ فلمَّ‎ا<br />

قَدِمَھا تنصَّر وفارق اإلسالم حتى ھلك ھنالك نَصْ‎رانيّاً.‏ قال ابن إسحاق:‏<br />

فحدثني محمّ‎د بن جعفر بن الزُّ‏ بير،‏ قال:‏ كان عُبَيد ّ بن جَ‏ حْ‏ ش حين<br />

تنصَّر يمر بأصحاب رسول ّ صلّى ّ عليه وسلّم،‏ وھم ھنالك من أرض<br />

الحبشة،‏ فيقول:‏ فقَّحْ‏ نا وصأصأتم؛ أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر،‏ ولم<br />

تُبصروا بعدُ،‏ وذلك أنّ‏ الكَلْب الوليد إذا أراد أن يفتح عينيه لينظر صأصأ<br />

لينظر.‏ وقوله فقَّح عينيه تعني فتح عينيه.‏ قال ابن إسحاق:‏ وخلف رسو ‏ُل<br />

ّ صلّى ّ عليه وسلّم بعده على امرأته أم حَ‏ بيبة بنت أبي سفيان بن<br />

حَ‏ رْ‏ ب.‏ قال ابن إسحاق:‏ وحدثني محمّ‎د بن عليّ‏ بن حسين أنّ‏ رسول ّ<br />

صلّى ّ عليه وسلّم بعث فيھا إلى النجاشيّ‏ عمرو بن أُمَيَّ‎ة الضَّ‎مْر ‏ّي<br />

فخطبھا عليه النجاشيّ‏ فزوَّ‏ جه إياھا،‏ وأصدقھا عن رسول ّ صلّى ّ<br />

عليه وسلّم أربع مِئَة دينار،‏ فقال محمّ‎د بنُ‏ علي : ما نرى عبدَ‏ الملك بن<br />

مَرْ‏ وان وَ‏ قَفَ‏ صداقَ‏ النساء على أربع مِئَة دينار،‏ إال عن ذلك.‏ وكان الذي<br />

أمْلكھا النبي خالدُ‏ بن سَ‎عيد بن العاص.‏ قال ابن إسحاق:‏ وأمَّ‎ا عثمان بن<br />

الحُوَ‏ يرث فقَدِم على قيصر ملك الروم،‏ فتنصَّ‎ر وحسُ‎نت منزلته عنده.‏ قال<br />

ابن ھشام:‏ ولعثمان بن الحُ‎وَ‏ يرث عند قيصر حديثٌ‏ منعني من ذكره ما<br />

ذكرتُ‏ في حديث الفِجار.‏ قال ابن إسحاق:‏ وأمّ‎ا زيد بن عَمْ‎رو بن نُفَيل<br />

فوقف فلم يدخل في يھوديّة وال نَصْ‏ رانيّة.‏ وفارق دينَ‏ قومه فاعتزل األوثان<br />

والمَيْتة والدّم والذّبائح التي تُ‎ذبح على األوثان،‏ ونھى عن قتل المَ‎وءودة،‏<br />

وقال:‏ أعْ‏ بُد ربَّ‏ إبراھيم.‏ وبادى قومَه بعيب ما ھم عليه.‏ قال ابن إسحاق:‏<br />

وحدثني ھشام بن عُرْ‏ وة عن أبيه عن أمّ‎ه أسماء بنت أبي بَكَ‎ر رضي <br />

عنھما،‏ قالت:‏ لقد رأيت زيدَ‏ بن عمرو بن نُفَيل شيخاً‏ كبيراً‏ مُسْ‏ نَداً‏ ظھره<br />

إلى الكعبة وھو يقول:‏ يا معشر قريش،‏ والذي نفسُ‏ زيدِ‏ بن عمرو بيده ما<br />

أصبح منكم أحدٌ‏ على دين إبراھيم غيري.‏ ثم يقول:‏ اللھمَّ‏ لو أنّ‎ي أعلم أيّ‏<br />

الوجوه أحبّ‏ إليك عَبَدْ‏ تُك به،‏ ولكنّي ال أعلمه.‏ ثمّ‏ يسجد على راحته.‏ قال<br />

ابن إسحاق:‏ وحُدّثت أن ابنَة سعيدَ‏ بن زَ‏ يد بن عمرو بن نُفَيل،‏ وعُمَ‎ر بن<br />

الخطّاب،‏ وھو ابن عمِّه قاال لرسول ّ صلّى ّ عليه وسلّم : استغفِر لزيد<br />

بن عمرو؟ قال:‏ نعم،‏ فإنه يُبعث أمة وحده.‏ وقال زيدُ‏ بنُ‏ عمرو بن نُفَيل في<br />

فِراق دين قومه،‏ وما كان لَقِي منھم في ذلك:‏<br />

أَرَ‏ بّاً‏ وَ‏ ا ‏ِحداً‏ أمْ‏ أ ‏ْل ‏َف رَ‏ ‏ّب<br />

عَزَلْتُ‏ الالَّت والعُزَّى جميعاً‏<br />

فال العُزَّى أدينُ‏ وال ابْنَتَيْھا<br />

وال ھُبَالً‏ أدي ‏ُن وكانَ‏ رَ‏ بَّاً‏<br />

عَجِبتُ‏ وفي اللَّيالي مُعْجبا ‏ُت<br />

ب دْ‏ أفْنَى رجاالً‏<br />

وأبقى آخَ‏ رين ببر ‏َقوْ‏ ‏ٍم<br />

وَ‏ بَيْنا المَرْ‏ ءُ‏ يفترّ‏ ثاب يوماً‏<br />

أدِي ‏ُن إذَا تُقَ‏ ‏ّسَمت األُمو ‏ُر<br />

كَذَلك يَفْعَل الجَ‏ ل ‏ُد الصَّبُور<br />

وال صَنَمَيْ‏ بني عمرٍ‏ و أزُو ‏ُر<br />

لَنا في الدَّھر إذ حِلْمي يَسِ‏ يُر<br />

وفي األَ‏ ‏َّيام يَعْرِ‏ فُھا البَصي ‏ُر<br />

كثِيراً‏ كان شأنَھُمُ‏ الفُ‏ ‏ُجو ‏ُر<br />

فَيَرْ‏ بِلُ‏ منھم الطفلُ‏ الصَّغي ‏ُر<br />

كما يترّوح الغُصْ‏ ن المَطي ‏ُر<br />

َ ‏َق<br />

أنَّ‏ ّ<br />

- ٦٧ -


ولَكِنْ‏ أَعْ‏ بُدُ‏ الرَّ‏ حمنَ‏ ربي<br />

فتَقْوَ‏ ى ّ ِ رَ‏ بِّكُمُ‏ احف ‏ُظوھا<br />

ترَى األبْرَار دَارُھُم جِنان<br />

وَ‏ خِزْ‏ يٌ‏ في الحياةِ‏ وإنْ‏ يَمُوتوا<br />

لِيَغْ‏ فِرَ‏ ذَنْبِي الرَّب الغَ‏ ‏ُفور<br />

متى ما تَحْ‏ فَظُوھا ال تَبُورُوا<br />

وللك ‏ّفَا ‏ِر حامِيَ‏ ‏ًة ‏َسعِي ‏ُر<br />

يُالقوا ما تَضِ‏ يقُ‏ بِه الصُّدُور<br />

١<br />

فأفادنا ابن ھشام أن خطاباً‏ ‏(عمّ‏ زيد)‏ طرده من مكة وألزمه أن يقيم على جبل<br />

حراء أمام تلك المدينة،‏ ولم يأذن له بالدخول إلى مكة.‏ وكذلك نستفيد من ھذا الكتاب أن<br />

مُحَمَّ‎داً‏ كان معتاداً‏ أن يقيم في غار جبل حراء في صيف كل سنة للتحنُّ‎ث حسب عادة<br />

العرب.‏ فاألرجح أنه كان يجتمع بزيد بن عمرو،‏ ألنه أحد أقربائه.‏ وأقوال ابن إسحق تؤيد<br />

ھذا القول،‏ ألنه قال إنه لما كان مُحَ‏ مَّ‎د في ذات ھذا الغار جاءه جبريل بما جاءه من<br />

كرامة وھو بحراء في شھر رمضان..‏ كان رسول يجاور في حراء من كل سنة<br />

شھراً،‏ وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاھلية والتحنث التبرر..‏ قال ابن ھشام تقول<br />

العرب التحنث والتحنف يريدون الحنيفية فيبدلون الفاء من الثاء<br />

٢<br />

.<br />

((<br />

))<br />

((<br />

))<br />

فكل من له إطالع على القُرْ‏ آن واألحاديث يرى مما تقدم أن آراء زيد بن عمرو أثرت<br />

تأثيراً‏ مھماً‏ جداً‏ في تعاليم مُحَ‏ مَّ‎د،‏ ألن كل آراء زيد نجدھا في ديانة مُحَ‏ مَّ‎د أيضاً.‏ وھذه اآلراء<br />

ھي:‏<br />

(١) منع الوأد (٢) رفض عبادة األصنام (٣) اإلقرار بوحدانية (٤) الوعد بالجنان<br />

(٥) الوعيد بالعقاب في سعير وجھنم.‏ (٦) اختصاص سبحانه بأسماء:‏ الرحمن.‏ الرب.‏<br />

الغفور.‏ وقد قال مُحَ‏ مَّد ما قال زيد بن عمرو،‏ ألن زيداً‏ وكل واحد من الحنفاء قال إنھم يبحثون<br />

عن دين إبرھيم غير أن زيداً‏ قال إنه أدرك غايته،‏ وھي أنه وجد ھذا الدين،‏ وأن مُحَ‏ مَّداً‏ قال<br />

إن غايته ھي دعوة الناس إلى دين إبراھيم بواسطته.‏ وكثيراً‏ ما أطلق القُ‎رْ‏ آن على إبراھيم أنه<br />

حنيف مثل زيد وأصحابه،‏ وإن كان إطالقه ھذا اللقب في القُرْ‏ آن على إبراھيم يفيد ذلك بطريق<br />

االلتزام.‏ ولتأييد ھذا نورد من القُرْ‏ آن بعض آيات قليلة،‏ فورد في سورة النساء:‏ وَ‏ مَ‎نْ‏ أَحْ‏ سَ‎نُ‏<br />

ُ إِبْ‎رَ‏ اھِيمَ‏ خَ‏ لِ‎يالً‏<br />

دِيناً‏ مِّمَّنْ‏ أَسْ‏ لَ‏ ‏َم وَ‏ جْ‏ ھَهُ‏ ِ َّ ِ وَ‏ ھُوَ‏ مُحْ‏ سِ‏ نٌ‏ واتَّبَ‎عَ‏ مِلَّ‎ةَ‏ إِبْ‎رَ‏ اھِيمَ‏ حَ‏ نِيفاً‏ وَ‏ اتَّخَ‎ذَ‏ ّ<br />

ُ فَاتَّبِعُواْ‏ مِلَّةَ‏ إِبْرَ‏ اھِيمَ‏ حَنِيفًا وَ‏ مَا كَانَ‏ مِنَ‏ الْمُشْرِ‏ كِي ‏َن<br />

وورد في سورة آل عمران:‏ قُلْ‏ صَدَقَ‏ ّ<br />

وورد في سورة األنعام:‏ قُ‎لْ‏ إِنَّنِ‎ي ھَ‎دَانِي رَ‏ بِّ‎ي إِلَ‎ى صِ‏ رَ‏ اطٍ‏ مُسْ‎تَقِيمٍ‏ دِيناً‏ قِيَماً‏ مِّلَّ‎ةَ‏ إِبْ‎رَ‏ اھِيمَ‏<br />

حَ‏ نِيفا◌ً‏ فكل من له إلمام بتراكيب اللغة العربية وقواعدھا يرى أنه مع أن القُ‎رْ‏ آن لم يطلق<br />

على إبراھيم أنه حنيف إال أنه أطلق عليه ضمناً‏ أنه كان حنيفاً،‏ وحض القُرْ‏ آن أصحاب مُحَ‏ مَّد<br />

على قبول ملة إبراھيم،‏ ألن من قبل ملة إبراھيم كان من عداد الحنفاء.‏ وأصل كلمة حنيف<br />

في اللغة العبرية والسريانية تعني نجس أو مرتد ألن عبَدة األصنام من العرب أطلقوا على<br />

زيد وأصحابه لقب الحنفاء ليصفوھم باالرتداد،‏ ألنھم تركوا ديانة أسالفھم عبدَة األصنام.‏<br />

فاستحسن مُحَ‏ مَّ‎د والعرب الحنفاء أن يختصوا بھذا اللقب،‏ وفسَّ‎روا ھذه اللقب تفسيراً‏ حسناً‏<br />

وصبغوه بمعنى مناسب.‏ ولعلھم فعلوا ذلك ألنھم لم يروا فرقاً‏ بين التحنُّف والتحنُّث.‏ وال ننسى أن<br />

ھؤالء األشخاص األربعة الذين دُعوا حنفاء كانوا من أقرباء مُحَ‏ مَّ‎د ألنھم تناسلوا جميعھم من<br />

لؤي.‏ كما أن عبيد كان ابن خالة مُحَ‏ مَّ‎د،‏ وتزوج مُحَ‏ مَّ‎د أم حبيبة أرملة عبيد . وذكر ابن<br />

ھشام أن ورقة وعثمان ابني عم خديجة كانا من الحنفاء،‏ فمن المستحيل أن آراء زيد وغيره من<br />

٣<br />

. <br />

<br />

((<br />

))<br />

<br />

((<br />

))<br />

((<br />

<br />

<br />

((<br />

))<br />

))<br />

٥<br />

. <br />

٤<br />

.<br />

١<br />

٢<br />

٣<br />

٤<br />

٥<br />

السيرة النبوية البن ھشام،‏ الجزء األول،‏ ص<br />

جزء و‎٨١‎‏.‏<br />

سورة النساء:‏<br />

سورة آل عمران:‏<br />

سورة األنعام:‏<br />

٧٦<br />

١ ص ٨٠<br />

.١٢٥ /٤<br />

.٩٥ /٣<br />

.١٦١ /٦<br />

و‎٧٧‎‏.‏<br />

- ٦٨ -


ُ<br />

١<br />

الحنفاء ومذاھبھم وأقوالھم وتعاليمھم ال تُحدِث في أفكار مُحَ‏ مَّد أثراً‏ مھماً‏ جداً.‏ ومع أنه لم يؤذن<br />

لمُحَ‏ مَّد أن يستغفر آلمنة والدته،‏ إال أنه استغفر لزيد بن عمرو،‏ فقال إنه سيُبعث أمة وحده في<br />

يوم القيامة،‏ وھذا تصديقُ‏ مُحَ‏ مَّد لمبادئ زيد بن عمرو.‏<br />

) ٢ً) أوامر محمد المتعاقبة للحرب:‏<br />

وقد يتصدى إنسان للرد على ما ذكرتُه في ھذا الفصل وفي غيره من فصول ھذا الكتاب<br />

السابقة قائالً:‏ إذا فرضنا أن <strong>مصادر</strong> اإلِسْ‏ الم التي أوردھا المعترضون ھي ال<strong>مصادر</strong> الحقيقية له،‏<br />

فال يكون لمُحَ‏ مَّد أثرٌ‏ في كل ديانته،‏ وھذا غير ممكن.‏ قلنا في الرد على ذلك:‏ إن المعترضين على<br />

اإلِسْ‏ الم يقولون إنه لما شرع مُحَ‏ مَّد في إيجاد دينه فال بد أن تظھر ميوله وصفاته في ھذا الدين،‏<br />

ألن البنّاء أو المھندس إذا بنى بيتاً‏ من حجارة متنوّ‏ عة من اللَّ‎بِن وقوالب األجُ‎رّ‏ فال بدَّ‏ أن تظھر<br />

كفاءته في تنظيم ھذه المواد بأن يجعلھا في ترتيب محكم،‏ وال بد من ظھور غاياته ومھاراته في<br />

البناء الذي يشيِّده.‏ فھكذا يُقال في الديانة اإلِسْ‏ المية..‏ لقد تشكلت بشكل يختلف عن سائر األديان<br />

من وجوه كثيرة.‏ فنقول بناءً‏ على ھذا إن باني أو مھندس ھذا البناء كان عاقالً‏ مقتدراً.‏ ويستدل<br />

على فصاحة مُحَ‏ مَّد من فصاحة عبارات القُرْ‏ آن.‏ وبصرف النظر عن كل ھذا ففي القُ‎رْ‏ آن آثار<br />

وقرائن تدل على الحوادث والوقائع التي حصلت في تاريخ مُحَ‏ مَّ‎د.‏ مثالً‏ كان مُحَ‏ مَّ‎د قبل الھجرة<br />

بال سطوة دنيوية،‏ فال ترى في اآليات التي كتبھا قبل الھجرة ذكراً‏ للجھاد لنشر دعوته وتعميم<br />

ديانته.‏ ولكن بعد الھجرة لما صار سكان المدينة من أنصاره أذِن أوالً‏ ألصحابه بالكفاح والحرب<br />

للدفاع عن أنفسھم،‏ فورد في سورة الحج:‏ أ◌ُ‏ ذِنَ‏ لِلَّذِينَ‏ يُقَاتَلُونَ‏ بِأَنَّھُمْ‏ ظُلِمُوا...‏ الَّ‎ذِينَ‏ أُخْ‏ رِ‏ جُ‎وا<br />

مِن دِيَارِ‏ ھِمْ‏ بِغَيْرِ‏ حَقٍّ‏ إِالَّ‏ أَن يَقُولُوا رَ‏ بُّنَا َّ وقال ابن ھشام في السيرة النبوية عن عروة<br />

وغيره من أصحاب مُحَ‏ مَّ‎د أن اإلذن بالحرب أوالً‏ في ھاتين اآليتين.‏ وثانياً:‏ لما انتصر مُحَ‏ مَّ‎د<br />

وصحابته في جملة غزوات تغيَّر ھذا اإلذن إلى فرض وأمر واجب،‏ فورد في سورة البقرة:‏<br />

كُتِبَ‏ عَلَيْكُمُ‏ الْقِتَالُ‏ وَ‏ ھُوَ‏ كُرْ‏ هٌ‏ لَّكُمْ...‏ يَسْأَلُونَكَ‏ عَنِ‏ الشَّھْرِ‏ الْحَ‏ رَ‏ امِ‏ قِتَالٍ‏ فِيهِ‏ قُلْ‏ قِتَالٌ‏ فِيهِ‏ كَبِيرٌ‏ وَ‏ صَ‏ ‏ٌّد<br />

عَن سَبِيلِ‏ ّ ِ وَ‏ كُفْرٌ‏ بِهِ‏ وَ‏ الْمَسْ‏ جِدِ‏ الْحَرَ‏ امِ‏ وَ‏ إِخْ‏ رَ‏ اجُ‏ أَھْلِهِ‏ مِنْهُ‏ أَكْبَرُ‏ عِندَ‏ ّ ِ وَ‏ الْفِتْنَةُ‏ أَكْبَرُ‏ مِنَ‏ الْقَتْ‏ ‏ِل<br />

ومعنى ھاتين اآليتين أن الواجب على المسلمين أن يكافحوا ويلزموا قريشاً‏ على عدم التعرض<br />

لھم ومنعھم عن السفر إلى الكعبة.‏ وثالثاً:‏ لما ھزم المسلمون في السنة السادسة من الھجرة بني<br />

قريظة وبعض طوائف اليھود األخرى،‏ شدَّد في الحض على الجھاد،‏ كما ذكر في سورة المائدة:‏<br />

َ وَ‏ رَ‏ سُ‎ولَهُ‏ وَ‏ يَسْ‎عَوْ‏ نَ‏ فِ‎ي األَرْ‏ ضِ‏ فَسَ‎ادًا أَن يُقَتَّلُ‎واْ‏ أَوْ‏ يُصَ‎لَّبُواْ‏ أَ‏ ‏ْو<br />

إِنَّمَا جَ‏ زَ‏ اء الَّذِينَ‏ يُحَ‏ ارِ‏ بُونَ‏ ّ<br />

تُقَطَّعَ‏ أَيْدِيھِمْ‏ وَ‏ أَرْ‏ جُلُھُم مِّنْ‏ خِالفٍ‏ أَوْ‏ يُنفَوْ‏ اْ‏ مِنَ‏ األَرْ‏ ضِ‏ ذَلِكَ‏ لَھُمْ‏ خِزْ‏ يٌ‏ فِي الدُّنْيَا وَ‏ لَھُمْ‏ فِي اآلخِرَ‏ ‏ِة<br />

عَذَابٌ‏ عَظِ‏ يمٌ‏ قال المفسرون إن ھذا األمر يختص بما يجب معاملة عبَ‎دة األصنام به،‏ وال<br />

دخل له في معاملة اليھود أو النصارى.‏ ولكن بعد ھذا بعدة سنين وُ‏ ضعت القوانين التي يجب<br />

على المسلمين مراعاتھا نحو أھل الكتاب،‏ وذلك في السنة الحادية عشرة بعد الھجرة،‏ قبيل وفاة<br />

مُحَمَّد.‏ ورابعاً:‏ فُرض على المسلمين في سورة التوبة و‎٢٩‎‏)،‏ وھي آخر سورة نزلت،‏ أن<br />

يبدأوا بالحرب بعد األربعة األشھر الحرام:‏ فَإِذَا انسَلَخَ‏ األَشْھُرُ‏ الْحُرُمُ‏ فَاقْتُلُواْ‏ الْمُشْ‎رِ‏ كِينَ‏ حَ‏ يْ‎ثُ‏<br />

وَ‏ جَ‏ دتُّمُوھُمْ‏ وَ‏ خُذُوھُمْ‏ وَ‏ احْ‏ صُرُوھُمْ‏ وَ‏ اقْعُدُواْ‏ لَھُمْ‏ كُلَّ‏ مَرْ‏ صَدٍ‏ فَإِن تَابُواْ‏ وَ‏ أَقَامُواْ‏ الصَّالَةَ‏ وَ‏ آتَوُ‏ اْ‏ الزَّ‏ كَا ‏َة<br />

َ غَفُورٌ‏ رَّ‏ حِيمٌ‏ ... قَاتِلُواْ‏ الَّذِينَ‏ الَ‏ يُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِا‏ّ‏ ِ وَ‏ الَ‏ بِالْيَوْ‏ مِ‏ اآلخِ‏ رِ‏ وَ‏ الَ‏ يُحَ‏ رِّ‏ مُو ‏َن<br />

فَخَ‏ لُّواْ‏ سَبِيلَھُمْ‏ إِنَّ‏ ّ<br />

ُ وَ‏ رَ‏ سُولُهُ‏ وَ‏ الَ‏ يَدِينُونَ‏ دِينَ‏ الْحَقِّ‏ مِنَ‏ الَّذِينَ‏ أُوتُواْ‏ الْكِتَابَ‏ حَ‏ تَّ‎ى يُعْ‏ طُ‎واْ‏ الْجِزْ‏ يَ‎ةَ‏ عَ‎ن يَ‎ ‏ٍد<br />

مَا حَ‏ رَّ‏ مَ‏ ّ<br />

وَ‏ ھُمْ‏ صَاغِرُونَ‏<br />

<br />

<br />

٣<br />

٥ /٩)<br />

٢<br />

<br />

. <br />

<br />

٥<br />

. <br />

. <br />

٤<br />

.<br />

<br />

١<br />

حسب الحديث الذي ذكره البيضاوي في تفسيره على سورة التوبة<br />

سورة الحج:‏ و‎٤٠‎‏.‏<br />

جزء ص،‏<br />

سورة البقرة:‏ و‎٢١٧‎‏.‏<br />

سورة المائدة:‏<br />

.١١٣ /٩<br />

٣٩ /٢٢<br />

,١٦٤<br />

٢١٦ /٢<br />

.٣٣ /٥<br />

١<br />

٢<br />

٣<br />

٤<br />

٥<br />

- ٦٩ -


يثن<br />

َ<br />

((<br />

وتدفعنا قواعد القُ‎رْ‏ آن الست أن نقول إن إرادة الحكيم المنزه عن التغيير تغيَّ‎رت<br />

بالنسبة إلى فوز مُ‏ ‏َحمَّد وانتصار أصحابه في الحروب وفي تقدُّمھم بالتدريج المكلل باالنتصار.‏<br />

ويظھر ذلك بجالء فيما قرره فقھاء اإلِسْ‎الم أن بعض آيات القُ‎رْ‏ آن منسوخة وبعضھا ناسخة،‏<br />

فجاء في سورة البقرة:‏ مَا نَنسَخْ‏ مِنْ‏ آيَ‎ةٍ‏ أَوْ‏ نُنسِ‎ھَا نَ‎أْتِ‏ بِخَ‏ يْ‎رٍ‏ مِّنْھَ‎ا أَوْ‏ مِثْلِھَ‎ا أَ‏ لَ‎مْ‏ تَعْ‏ لَ‎مْ‏ أَنَّ‏ ّ<br />

عَلَىَ‏ كُلِّ‏ شَيْ‏ ءٍ‏ قَدِيرٌ‏ وسبب ذلك أن مُحَ‏ مَّداً‏ كان يرجو أنه إذا خلط أديان اليھود والمسيحيين<br />

وبعض فروض دينية عند العرب تيسَّر له أن يؤلف ديناً‏ يدين به جميع سكان جزيرة العرب،‏<br />

فيصبحون أمة واحدة.‏ فبذل غاية جھده ليجذب إليه ھذه الطوائف المختلفة كلھا وھذه الملل<br />

المتنوعة المتفرقة ويجمعھم إلى أمة واحدة من أتباعه.‏ ولكنه لما فشل ھذا المسعى عزم على<br />

استئصال اليھود والمسيحيين لقطع دابرھم أو نفيھم من بالد العرب،‏ كما ھو واضح من منطوق<br />

القُرْ‏ آن.‏<br />

٣٧ /٣٣)<br />

<br />

١<br />

. <br />

))<br />

ويظھر زيادة على ذلك مما ورد في سورة األحزاب و‎٣٨‎‏)‏ بخصوص زينب<br />

امرأة ابنه بالتبنّي زيدٍ‏ أن صفات مُحَ‏ مَّد وأطواره أحدثت أثراً‏ مھماً‏ جداً‏ في القُ‎رْ‏ آن،‏ وھذا واضح<br />

مما ورد في القُرْ‏ آن واألحاديث بخصوص تعدد الزوجات.‏<br />

) ٣ً) المخلّص الذي وعد بھا إبراھيم:‏<br />

وال شك أن مجموع المواضيع والمطالب والتعاليم المدونة في القُ‎رْ‏ آن واألحاديث ھي<br />

مثل أنواع وأقسام مياه آتية من أنحاء شتى ومن ينابيع متفرقة فتجمعت إلى بحيرة.‏ غير أن اإلناء<br />

الذي أكسب ھذه المياه المتجمِّعة شكلھا وھيئتھا ھو عقل مُحَ‏ مَّد ونفسه وسجيته وطبيعته.‏<br />

وال ينكر أن كثيراً‏ من التعاليم الواردة في القُ‎ ‏ْرآن،‏ والسيما التعاليم المختصة بوحدانية <br />

القدوس،‏ مفيدة ونافعة.‏ وال ننكر وجود بعض الصدق والفائدة في األقوال المختصة بالميزان<br />

والجنة وشجرة الطوبى.‏ ولكن من أراد أن يشرب ماءً‏ رائقاً‏ نقياً‏ ال ينبغي له أن يرد مورد الماء<br />

المعكر،‏ بل عليه أن يرد ينبوع نھر ماء الحياة الذي كثيراً‏ ما يشھد له القُرْ‏ آن نفسه.‏ وھذا الينبوع<br />

ھو كتب األنبياء والحواريين التي قال عنھا القُ‎رْ‏ آن:‏ إِنَّ‎ا أَنزَ‏ لْنَ‎ا التَّ‎وْ‏ رَ‏ اةَ‏ فِيھَ‎ا ھُ‎دًى وَ‏ نُ‎ور<br />

وَ‏ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِ‏ ھِم بِعَيسَى ابْنِ‏ مَرْ‏ يَمَ‏ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ‏ يَدَيْهِ‏ مِنَ‏ التَّوْ‏ رَ‏ اةِ‏ وَ‏ آتَيْنَاهُ‏ اإلِنجِيلَ‏ فِيهِ‏ ھُ‎دًى<br />

وَ‏ نُورٌ‏ وَ‏ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ‏ يَدَيْهِ‏ مِنَ‏ التَّوْ‏ رَاةِ‏ وَ‏ ھُدًى وَ‏ مَوْ‏ عِظَةً‏ لِّلْمُتَّقِينَ‏ فشھادة القُرْ‏ آن ھذه للكتاب<br />

المقدس أي التوراة واإلنجيل تغافل عنھا المسلمون ونبذوھا في زوايا النسيان أو أھملوھا<br />

وأوَّ‏ لوھا وصرفوھا عن أذھانھم،‏ ولكنھا أھم أركان تعاليم القُرْ‏ آن.‏ وزد على ھذا أن مُحَ‏ مَّ‎داً‏ ح ‏َّض<br />

أتباعه على التمسك بدين إبراھيم خليل . ومن أراد معرفة دين إبراھيم وجب عليه أن<br />

يستقصي توراة موسى،‏ فيرى فيھا أن وعد إبراھيم أن يجيء المسيح من نسله ومن نسل<br />

إسحق ابنه،‏ وھو المخلِّص الوحيد.‏ وقد اعتمد إبراھيم على ھذا الوعد وآمن بالمخلِّص الموعود<br />

فنال خالصاً،‏ ودُعي خليل ولتأييد صدق كالمنا نورد بعض آيات من الكتاب المقدس:‏ ورد<br />

في شريعة موسى في سفر التكوين ‎١٨‎‎٢١‎‏)‏ أنه قبْ‎لَ‏ مولد إسحق كان إبراھيم قد شاخ،‏<br />

وطلب من أن يقبل إسماعيل وارثاً‏ للوعد قائالً:‏ ليت إسماعيل يعيش أمامك<br />

ھذا الطلب،‏ وإن كان قد وعد بأن يبارك إسماعيل بالرخاء الدنيوي،‏ وقال إلبراھيم:‏ بل سارة<br />

امرأتك تلد لك ابناً‏ وتدعو اسمه إسحق،‏ وأقيم عھدي معه عھداً‏ أبدياً‏ لنسله من بعده.‏ وأما إسمعيل<br />

فقد سمعت لك فيه.‏ ھا أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً‏ جداً.‏ إثنا عشر رئيساً‏ يلد،‏ وأجعله أمة<br />

...<br />

فرفض <br />

))<br />

((<br />

٤<br />

٢<br />

. <br />

<br />

))<br />

/١٧)<br />

٣<br />

.<br />

١<br />

سورة البقرة:‏<br />

سورة المائدة:‏<br />

رسالة يعقوب:‏<br />

نجد أسماء اال<br />

.١٠٦ /٢<br />

.٤٦ ،٤٤ /٥<br />

.٢٣ /٢<br />

٢<br />

٣<br />

٤<br />

عشر رئيساً‏ في سفر التكوين:‏<br />

.١٦ ١٣ /٢٥<br />

- ٧٠ -


.<br />

.<br />

كبيرة.‏ ولكن عھدي أقيمه مع إسحق الذي تلده لك سارة في مثل ھذا الوقت في السنة اآلتية<br />

وقال إلبراھيم ثانية:‏ يتبارك في نسلك جميع أمم األرض من أجل أنك سمعت لقولي<br />

‏(يعني ألنك رضيت أن تقدم ابنك إسحق ذبيحة ). وقال المسيح لليھود مشيراً‏ إلى ھذا الوعد<br />

وإلى اعتماد إبراھيم عليه:‏ أبوكم إبراھيم تھلل بأن يرى يومي فرأى وفرح وقال بولس<br />

الرسول بالوحي اإللھي:‏ وأما المواعيد فقيلت في إبراھيم وفي نسله.‏ ال يقول:‏ وفي األنسال<br />

كأنه عن كثيرين،‏ بل كأنه عن واحدٍ:‏ وفي نسلك الذي ھو المسيح..‏ فإن كنتم للمسيح فأنتم إذاً‏<br />

نسل إبراھيم،‏ وحسب الموعد ورثة<br />

((<br />

١<br />

((<br />

٢<br />

.<br />

((<br />

٣<br />

.<br />

((<br />

))<br />

))<br />

))<br />

١<br />

نطلب من الرحمن الرحيم الھادي الحكيم الذي أنجز وعده األزلي بأن أرسل المسيح فوُ‏ لد<br />

من ذرية إبراھيم ومات عن خطايانا وقام لتبريرنا أن يوفقنا جميعاً‏ للتمتع بھذا الخالص العظيم<br />

والميراث الثمين فنحظى بالمجد الدائم واالبتھاج الكامل بفضل نعمته وكرمه وفضله.‏ إنه القدير<br />

على اإلجابة.‏<br />

تكوين:‏<br />

يوحنا:‏<br />

غالطية:‏<br />

.١٨ /٢٢<br />

.٥٦ /٨<br />

١٦ /٣<br />

٢<br />

٣<br />

و‎٢٩‎‏.‏<br />

آمين<br />

- ٧١ -

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!