مصادر الإسلام - Muhammadanism
مصادر الإسلام - Muhammadanism
مصادر الإسلام - Muhammadanism
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
ْ أَو نَتَوفيَنك، فَإنمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ، وعَلَيْنَا الْحِسَابُ <br />
وَإ ما نُرِيَنكَ بَعضَ الذي نَعِدُهُمْ،<br />
سورة الرعد<br />
(١٣ /٤٠ :<br />
)<br />
<br />
Sources of Islam<br />
by<br />
Rev. William St. Clair-Tisdall<br />
www.muhammadanism.org<br />
November 12, 2004
٤<br />
٦<br />
٦<br />
٨<br />
٨<br />
١٤<br />
١٤<br />
١٤<br />
١٤<br />
١٦<br />
١٧<br />
٢١<br />
٢٥<br />
٣٠<br />
٣١<br />
٣٣<br />
٣٥<br />
٣٧<br />
٣٧<br />
٣٧<br />
٣٨<br />
٤٣<br />
٤٧<br />
٥٠<br />
٥١<br />
٥٤<br />
٥٤<br />
٥٥<br />
مقدمة<br />
الفصل األول<br />
<strong>مصادر</strong> اإلسالم حسب العلماء المسلمين<br />
الفصل الثاني<br />
تأثيرات عرب الجاھلية<br />
الفصل الثالث<br />
تأثيرات الصابئين واليھود<br />
الصابئون<br />
اليھود<br />
(١ً )<br />
)<br />
) (٣ً حكاية<br />
)<br />
(٥ً )<br />
(٦ً )<br />
)<br />
)<br />
الفصل الرَّابع<br />
قصة قايين وھابيل<br />
٢ً) قصة إنقاذ إبراھيم من نار نمرود<br />
ملكة سبإ وكيفية مجيئھا إلى سليمان<br />
٤ً) قصة ھاروت وماروت<br />
جبل سيناء<br />
اقتباسات أخرى<br />
٧ً) اللوح المحفوظ<br />
٨ً) جبل قاف<br />
تأثيرات الفرق النصرانية الھرطوقية<br />
)<br />
)<br />
)<br />
(٤ً )<br />
) (٥ً الميزان<br />
)<br />
الفصل الخامس<br />
١ً) قصة أصحاب الكھف<br />
٢ً) قصة مريم<br />
٣ً) قصة طفولية المسيح عيسى<br />
الفارقليط<br />
٦ً) صعود إبراھيم إلى السَّماء<br />
تأثيرات زارادشتية في القُرْ آن والحديث<br />
) ١ً) قصة معراج مُحَ مَّد<br />
- ٢ -
٦١<br />
٦٣<br />
٦٤<br />
٦٥<br />
٦٦<br />
٦٦<br />
٦٨<br />
٦٨<br />
٦٨<br />
٧١<br />
٧٢<br />
)<br />
)<br />
)<br />
)<br />
)<br />
٢ً) الجنة والحوريات<br />
٣ً) قصة خروج عزازيل من جھنم<br />
٤ً) نور مُحَ مَّد<br />
٥ً) الكالم على الصراط<br />
٦ً) في ذكر قضايا قليلة مھمة<br />
ختام الكالم<br />
الفصل السَّادس<br />
تأثيرات الحُنفاء على اإلِسْ الم<br />
) (١ً زيد<br />
)<br />
)<br />
٢ً) أوامر محمد المتعاقبة للحرب<br />
٣ً) المخلّص الذي وعد بھا إبراھيم<br />
[<br />
- ٣ -
بسم الھادي<br />
الحمد الذي ميَّز اإلنسان بالنُّطق والبيان، وخصَّه بالعقل، أشرف المواھب وأسماھا،<br />
وأجلّ النِّعم وأسناھا، وبه يتوصَّل إلى معرفة الرحمن الرحيم، ويھتدي إلى المنھج القويم، فيتمتع<br />
في اآلخرة بفردوس النعيم، ويحظى بالسعادة الجليلة والنعم الجزيلة. قال : أعددتُ لعبادي<br />
الصالحين ما ال عين رأت، وال أذن سمعت، وال خطر على قلب بشر . فاللّھم اجعلنا من<br />
عبادك المختارين، وھَبْنا من لدنك عقوالً سليمة وأفكاراً مستقيمة توصِّلنا إلى الحق والحياة،<br />
لنفوز بنعيم الخلد والنجاة، فقد مددنا إليك يد االستعانة وبخعنا إليك باالستكانة، وأنت نِعم المولى<br />
ونِعم المعين.<br />
))<br />
((<br />
ال يخفى على ذوي األلباب المشھورين بالتحقيق، أنّ جمال األجسام السَّماو ّية العجيب،<br />
ونظام الكائنات األرضية الغريب، وترتيب الموجودات على ما نراه من اإلتقان واإلحكام، لم<br />
يأتِ من العدم إلى الوجود بدون سبب وعلَّة، بل بالعكس، فقد أوجدته يد المولى، سبب األسباب<br />
وواجب الوجود، البارئ القدير، سبحانه. فعلى القياس نفسه نقول إنّ ك ّل شي ٍء، سواء كان فعالً<br />
أو قوالً أو فكراً، ال ب ّد أن يكون له سبب خاص؛ ال يمكن أن يحصل بدونه. فال بدَّ لألثر من مؤثِّر<br />
وللمعلول من عِلَّة والمسبِّب من سبب. وبما أنّه توجد في ھذه ال ّدنيا مذاھب شتى وأديان متنوعة<br />
مختلفة، فمن الواضح أنّه البد أن يكون لك ِّل دين في ھذه األديان (حقيقيّاً كان أو كاذباً) مصدر<br />
صدر منه، كالمجرى الذي يصدر من الينبوع. وبما أن كثيرين من البشر اعتقدوا بھذا الدين<br />
وجعلوه أساس رجائھم ومنتھى غايتھم، رأيت أن أضع الصفحات التّالية، مستعيناً بقوة في<br />
البحث بدقَّة في <strong>مصادر</strong> اإلِسْالم، ألن اليھود والمسيحين لم يقبلوه، بل قالوا إ ّنھم بعد البحث<br />
والتدقيق لم يجدوا بيِّنات إلھية، وأدلة قوية تؤيد صدقه. أما المسلمون فكثيرون منھم يتمسَّكون<br />
بدينھم ألنّھم وجدوا آبا َءھم وأجدادھم عليه، فاعتنقوه بدون بحث. كما أ ّن بعضھم رفضوه سراً أو<br />
جھراً ألنھم لم يجدوا من يستطيع أن يبرھن لھم صدق ما ورثوه عن آبائھم، ولم يقنعھم أحدٌ بأنّه<br />
الدين الحق الوحيد.<br />
وقد ألَّف بعض علماء المسلمين كتباً مثل ميزان الموازين و حسام الشيعة وما<br />
شاكلھما، ولكنھا لم تروِ غليل المفكّر العاقل، ألن أدلتھا ال تزيل الشبھات وال تدرأ المشاكل من<br />
عقل الباحث عن الحق. لقد أظھر مؤلفو الكتب الدفاعيّة عن اإلِسْالم غيرة عظيمة في تأييد<br />
ديانتھم، وبذلوا الجھد ليدحضوا اعتراضات من طعنوا في أدلته، ولكن معلوماتھم لم تكن قدر<br />
غيرتھم المحمودة.<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
لھذا رأيتُ أن أبحث وأدقِّق في أركان اإلِسْالم وأساساته و<strong>مصادر</strong>ه مستعيناً با سبحانه.<br />
ومع اعترافي بالعجز والتقصير، فقد بذلت الجھد المستطاع في البحث والتحقيق، وأتيت بنتيجة<br />
تحقيقاتي في ھذا الكتاب ليتأمل فيھا القارئ، راجياً أن يستفيد منه كل من طالعه باالنتباه<br />
- ٤ -
والتروي، فيتأكد من معرفة <strong>مصادر</strong> اإلِسْ الم وأصل ھذا النھر العظيم الذي فاضت مياھه في كثير<br />
من اآلفاق.<br />
<br />
- ٥ -
!+<br />
<strong>مصادر</strong> اإلسالم حسب العلماء المسلمين<br />
قال علماء اإلِسْالم إن أنزل دينھم بأجمعه على مُحَ مَّ ٍد، فجعلوا بنيان الديانة اإلِسْالمية<br />
وأساسھا على حقيقة رسالته، واعتبروا من أنكر نبوَّ ة مُحَ مَّد، ورسالته عدواً كافراً، ألنھم يرون<br />
أن إنكار ذلك يعني استئصال ديانتھم. وقرروا أن أركان الدين الصحيح أربعة، ھي: القُرْ آن،<br />
و(٢) الحديث، و(٣) اإلجماع، و(٤) القياس. وال لزوم للكالم عن الركنين الثالث والرابع، ألنھما<br />
لن يتناقضا مع القُرْ آن واألحاديث.<br />
(١)<br />
ومن المؤسف أن المسلمين لم يتفقوا على األحاديث الصحيحة، فاألحاديث التي يعتبرھا<br />
أھل السُّنة صحيحة تختلف عن األحاديث التي يتمسَّك بھا الشيعة والوھابيون. ومن المعلوم أن<br />
األحاديث المعتبرة عند الشيعة ھي الواردة في كتب: الكافي ألبي جعفر مُحَ مَّد<br />
ھ)، و(٢) من ال يستحضره الفقيه للشيخ علي (٣٨١ ھ)، و(٣) االستبصار للمؤلف<br />
ذاته، و(٤) نھج البالغة للسيد الرضى ھ). لكن أھل السُّنة لم يعتمدوا على ھذه<br />
الكتب، بل اعتمدوا على ستة كتب أخرى وھي: (١) الموطأ ألنس بن مالك (٢)<br />
أبي داود سليمان (٥) الجامع<br />
السنن لمُحَ مَّد بن يزيد بن ماجة القزويني. ولكن علماء اإلِسْالم أجمعوا على أن القُرْ آن ھو<br />
الوحي المتلو، واألحاديث ھي الوحي غير المتلو. ومن القواعد المقررة أنه إذا خالف الحديث آية<br />
من آيات القُرْ آن، وجب رفض الحديث، ألنھم يعتبرون القُرْ آن كالم . غير أن فائدة األحاديث<br />
ھي بيان غوامض القُرْ آن وتوضيح ما أُشكل والتبس منه. مثالً ورد في سورة اإلسراء<br />
سُبْحَ انَ الَّذِي أَسْ رَ ى بِعَبْدِهِ لَيْالً؛ مِّنَ الْمَسْ جِدِ الْحَ رَ امِ إِلَى الْمَسْجِدِ األَقْصَى . فيلزم لفھم ھذه<br />
اآلية مراجعة األحاديث، فھي توضح معنى المعراج وتشرحه كما ھو معروف عند علماء<br />
اإلِسْالم. وكذلك لوال الحديث ما فھم أحدٌ معنى فاألحاديث ھي التي أوضحت أن<br />
الحرف اسم جبل. ولھذا عزمنا، طلباً لالختصار، على أالَّ نورد في ھذا الكتاب شيئاً<br />
يختصُّ ب<strong>مصادر</strong> اإلِسْ الم من عقيدة إِسْالمية أو تعليم، إال ما كان له أصل وأساس في القُرْ آن ذاته،<br />
ويكون قد ورد له تفسير وشرح في األحاديث المشھورة المتواترة بين كل المسلمين، سواء كانوا<br />
من أھل السنة أو الشيعة، ألننا نريد أن تعمَّ فوائد كتابنا ھذا بين كل المسلمين، وأن نسھِّل تداوله<br />
بين أھل السنة وأھل الشيعة.<br />
٣٢٩)<br />
((<br />
))<br />
((<br />
(( صحيح<br />
للترمذي (٦)<br />
(١ :١٧)<br />
((<br />
<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
١<br />
))<br />
.<br />
(١)<br />
))<br />
)) ق ((<br />
٤٠٦)<br />
((<br />
((<br />
((<br />
(( مسلم (٤) )) سُنن<br />
))<br />
))<br />
البخاري (٣) (( صحيح<br />
)) ق ((<br />
((<br />
وقد اتفق علماء اإلِسْ الم على أن القُرْ آن ھو كالم ، كتبه سبحانه في اللوح المحفوظ<br />
قبل العالمين. ومع أنه حصلت في خالفة المأمون وبعد خالفته مشاحنات حامية بخصوص قِدَم<br />
القُرْ آن مما ال لزوم إلى ذكره ھنا إال أن المسلمين أجمعوا على أن القُرْ آن ليس من تألي ٍف<br />
بشري، بل قد أنزله كله على مُحَ مَّد بواسطة جبريل. وقال ابن خلدون تأييداً لھذا: إنَّ القُرْ آن<br />
نزل بلغة العرب على أساليب بالغتھم، وكانوا كلّھم يفھمونه ويعلمون معانيه من مفرداته<br />
وتراكيبه، وكان ينزل جُمالً جمالً، وآيات آيات، لبيان التوحيد والفروض الدينية بحسب الوقائع،<br />
))<br />
١<br />
وھو اسم السورة رقم<br />
في القُرْ آن. ٥٠<br />
- ٦ -
))<br />
١<br />
.((<br />
ومنھا ما ھو في العقائد اإليمانيّة، ومنھا ما ھو في أحكام الجوارح وقال أيضاً: ويدلُّك ھذا<br />
كله على أنّ القُرْ آن بين الكتب اإللھية إنما تلقاه نبيُّنا صلوات وسالمه عليه متلوّ اً كما ھو<br />
بكلماته وتراكيبه، بخالف التوراة واإلنجيل، وغيرھما من الكتب السَّماو ّية، فإن األنبياء يتلقونھا<br />
في حال الوحي معاني، ويعبّرون عنھا بعد رجوعھم إلى الحالة البشرية بكالمھم المعتاد لھم،<br />
٢<br />
ولذلك لم يكن فيھا إعجاز)).<br />
وقد اعتمد علماء اإلِسْ الم في اعتقادھم بأن القُرْ آن أنزله في آيات قرآنية، مثل: <br />
قُ ِل: ّ ِ شَھِيدٌ بِيْنِي وَ بَيْنَكُمْ، وَ أُوحِيَ إِلَيَّ ھَذَا القُرْ آن ألُنذِرَ كُم بِ ِه فمن ھذا يتَّضح أن القُرْ آن<br />
يقول إنّه ليس تصنيف مُحَ مَّد، وليس مجموعاً من تأليف البشر، بل ھو كالم تماماً وكليةً، نزل<br />
على مُحَ مَّ ٍد من السَّماء في ليلة القدر إِنَّا أَنزَ لْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْ ِر فإذا قبلنا ھذا الشرح والبيان<br />
وجب االعتراف بأنّ مصدر القُرْ آن الوحيد وأصل الدين اإلِسْ المي ھو رب العالمين، وليس له<br />
مصدر خالف ذلك. فإذا أمكن بالبحث والتحقيق إقامة الدليل أن أكثر القُرْ آن وأغلب عقائده أُخذت<br />
من األديان األخرى، ومن الكتب التي كانت موجودة في أيام مُحَ مَّد وال تزال موجودة حتى اآلن،<br />
ينھار أساس اإلِسْ الم. وبما أن بعض المعترضين أكَّدوا أنه في استطاعتھم إقامة األدلة والبراھين<br />
على ذلك، وجب على ك َّل باحث عن الحق، وعلى كل مسلم حقيقي أن يبحث في ھذه القضية<br />
الھامة، ليعرف: ھل قول المعترضين صدق أم كذب؟ ألنه إذا استطاع دحض اعتراضھم أثبت<br />
صِ دق دين اإلِسْ الم وأنه من عند . ولھذا السبب عزمنا على البحث في االعتراضات، وفي<br />
تحقيق دعاوي من ذھب إلى أن كثيراً من تعاليم القُرْ آن وعقائد اإلِسْالم مأخوذ ومقتبس من<br />
األديان األخرى، ومن الكتب السابقة على القُرْ آن.<br />
٣<br />
٤<br />
.<br />
.<br />
\<br />
<br />
١<br />
٢<br />
٣<br />
٤<br />
ابن خلدون ج<br />
ابن خلدون ج<br />
سورة األنعام:<br />
سورة القدر:<br />
ص،<br />
ص،<br />
.٣٩١ ٢<br />
١٧١ ١<br />
.١٩ /٦<br />
.١ /٩٧<br />
و١٧٢.<br />
- ٧ -
ُ<br />
ُ<br />
@+<br />
تأثيرات عرب الجاھليّ ّية<br />
<br />
قال المعترضون إنّه بما أن مُحَ مَّداً كان قد عزم على إنقاذ العرب وتحريرھم من عبادة<br />
األصنام وھدايتھم إلى عبادة ، وبمّا أنّه كان يعرف أ ّنھم كانوا في زمن إبراھيم مؤمنين<br />
بوحدانية ، وبما أنھم حافظوا على كثير من العادات والفروض بطريق التوارث عن آبائھم<br />
األتقياء، فإنه لم يُلزِ مھم أن يتركوھا كلھا، بل بذل الجھد في إصالح ديانتھم، وإبقاء كل عادة<br />
قديمة رأى أنھا موافقة ومناسبة. فقال: وَ مَنْ أَحْ سَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَ جْ ھَهُ ، وَ ھُوَ مُحْ سِ نٌ ،<br />
ُ إِبْرَ اھِيمَ خَ لِيالً وقال: قُلْ: فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ<br />
واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَ اھِيمَ حَ نِيفًا، وَ اتَّخَذَ ّ<br />
إِبْرَ اھِيمَ حَ نِيفًا، وَ مَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِ كِي َن وقال: قُلْ: إِنَّنِي ھَدَانِي رَ بِّي إِلَى صِ رَ اطٍ مُّسْ تَقِيمٍ،<br />
دِينًا قِيَمًا؛ مِّلَّةَ إِبْرَ اھِيمَ حَ نِيفًا، وَ مَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِ كِينَ وبما أن مُحَ مَّداً ظن أ ّن العرب حافظوا<br />
من عصر إبراھيم على جميع عاداتھم وفروضھم، ما عدا عبادة األصنام والشِرك ووأد البنات<br />
واألطفال وما شاكل ذلك من العادات الكريھة، أبقى كثيراً من ھذه العادات الدينية واألخالقية في<br />
ديانته وحافظ عليھا.<br />
، ّ صَدَقَ <br />
١<br />
٣<br />
،<br />
.<br />
<br />
٢<br />
،<br />
٤<br />
ومعروفٌ أن بعض قبائل جنوب بالد العرب وشرقيھا اختلطوا مع نسل حام بن نوح،<br />
وقال ابن ھشام والطبري وغيرھما، إن كثيرين من سكان جھات بالد العرب الشمالية والغربية<br />
تناسلوا من سام بن نوح، وبعضھم تناسل من قحطان (يقطان)، وبعضھم تناسل من أوالد قطورة<br />
زوجة إبراھيم الثانية، وتناسل البعض اآلخر (ومنھم قبيلة قريش) من إسماعيل بن إبراھيم. وال<br />
ينكر أحدٌ أ َّن جميع القبائل التي تناسلت من ذرية سام كانوا يؤمنون بوحدانية . ولكن مع مرور<br />
العصور أخذوا الشرك وعبادة األصنام من القبائل السّورية وسكان الجھات المجاورة لھم،<br />
وأفسدوا ديانة أسالفھم، وفسدوا ھم أنفسھم. ومع ذلك، لما نسيت جميع األمم األخرى (ما عدا<br />
اليھود) وحدانية ، كان سكان الجھات الشّمال ّية والغربيّة من شبه الجزيرة العربية متمسكين<br />
بالوحدانية تمسكاً راسخاً. واألرجح أنّ دخول عبادة الشمس والقمر والكواكب بين سكان تلك<br />
الجھات بدأ في عصر أيوب. وقال ھيرودوت، أشھر مؤرخي اليونان (نحو ٤٠٠ ق م) إنَّ<br />
العرب سكان تلك الجھات كانوا يعبدون معبودين فقط، ھما أُرُتال و(( أإلالت وقصد<br />
ھيرودوت بالمعبود أُرُتال ، فإن ھذا ھو اسمه الحقيقي. ومع أن ھيرودوت زار بالد<br />
العرب، إال أنه كان أجنبياً، فلم يتيسَّر له ضبط ھذا االسم، فحرَّفه لجھله باللغة العربية وتھجئتھا<br />
والنطق بھا. ومن األدلة القوية الدالة على أن ھذه التسمية (أي ) كانت مشھورة ومنتشرة بين<br />
العرب قبل زمن مُحَ مَّ ٍد، أنه كثيراً ما ذُكر اسم في سبع معلَّقات العرب (وھي تأليف مشاھير<br />
شعراء العرب قبل مولد مُحَ مَّ ٍد، أو على األق ِّل قبل بعثته) فقد ورد في ديوان النابغة ما ن ّصه:<br />
٥<br />
.<br />
((<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
لَھُم شيمةٌ لَمْ يُعطھا<br />
غَيرَ ھُمْ، ّ<br />
من الجودِ ، و األحالمُ غيرُ عوازِ ب<br />
١<br />
٢<br />
٣<br />
٤<br />
٥<br />
سورة النساء:<br />
سورة آل عمران:<br />
سورة األنعام:<br />
أيوب <br />
تاريخ ھيرودوت، كتاب<br />
.١٢٥ /٤<br />
.٩٥ /٣<br />
.١٦١ /٦<br />
.٢٨ ٢٦ :٣١<br />
.٨ فصل ،٣<br />
- ٨ -
ُ<br />
ُ<br />
َ<br />
َ<br />
ذات مَحَلَّتَھُم<br />
اإلِلهُ و دينھ ْم<br />
قويمٌ فما يَرْ جُو َن<br />
غيرَ العَواقِ ِب<br />
وأيضاً:<br />
ألم تَرَ أَ َّن<br />
فإِنَّكَ شمسٌ<br />
َّ<br />
أَعطَاكَ سُور ًة<br />
، و المَلوكُ كَواكُبٌ ،<br />
ترى كُلَّ مَلْكٍ ، دونھا ، يَتَذَبذَ ُب<br />
إِذا طَلَعَتْ لم يَبدُ مِنھنَّ كوك ُب<br />
وأيضاً:<br />
و نَحنُ لَدَيه، نسأ ِل َّ خُلدَهُ ،<br />
وَ نَحن نُرَ جَّى الخُلدَ إِنْ فاز قِدحنا ،<br />
يَرُدَّ لنا مُلكاً ولألَرْ ضِ عَا ِمرَ ا<br />
و نَرَ ھَب قِدْ حَ الموتِ إنْ جاءَ قامِراً<br />
وقال لبيد في ديوانه:<br />
لَعَمرُكَ ما تدري الضَواربِ بالحَ صى<br />
وَ ال زاجِراتُ الطَّيرِ ما<br />
صانِعُ َّ<br />
١<br />
وقد كانت الكعبة من قديم األيام أقدس مسجد عند جميع قبائل العرب. قال ثيودور<br />
الصقلي، أحد مؤرخي اليونان (نحو ٦٠ ق م) إن العرب كانوا يعتبرون الكعبة في ذلك الوقت<br />
مسجداً مقدساً. وكان يطلق على ھذا المقدس . ويُستدل من دخول أداة التعريف<br />
على لفظ الجاللة أن العرب لم ينسوا عقيدة وحدانية ، وأنه كان عندھم كثير من المعبودات،<br />
حتى أطلق عليھم القُرْ آن بسببھا اسم المشركين ألنھم أشركوا مع غيره من المعبودات<br />
وعبدوھا، وظنوا أنّھا شريكة معه في اإلكرام والعبادة. ولكنھم كانوا يقولون ال نعبد ھذه<br />
المعبودات الثانوية كما نعبد الحي (الذي ھو ) بل بالعكس إنّا نعتبرھم شفعاء، ولنا الرجاء<br />
أنْ نستميل بشفاعتھم الحقيقي إلجابة طلباتنا. وقال الشھرستاني: إنّ العرب كانوا يقولون:<br />
الشفيع والوسيلة منّا إلى تعالى ھم األصنام المنصوبة، فيعبدون األصنام التي ھي الوسائل<br />
ومن األدلة على أن عبَدة األصنام كانوا يعتقدون بھذا، ما ورد في كتاب المواھب اللدنية<br />
قدِم نفرٌ من مھاجري الحبشة حين قرأ مُحَ مَّد وَ النَّجْ مِ إِذَا ھَوَ ى حتى بلغ أَفَرَ أَيْتُمُ<br />
الالَّتَ وَ الْعُزَّ ى، وَ مَنَاةَ الثَّالِثَةَ األُخْ رَ ى ألقى الشيطان في أمنيته (أي في تالوته) تلك<br />
الغرانيق العُلى، وإن شفاعتھنَّ لتُرتجي ؛ فلما ختم السورة سجد (ص) وسجد معه المشركون<br />
لتوھُّمھم أنه ذكر آلھتھم بخير. وفشى ذلك بالناس وأظھره الشيطان حتى بلغ أرض الحبشة، ومَن<br />
بھا مِن المسلمين: عثمان بن مظعون وأصحابه، وتحدثوا أنَّ أھل مكة قد أسلموا كلھم وصلوا<br />
معه (ص) وقد أمِن المسلمون بمكة، فأقبلوا سِ راعاً من الحبشة<br />
((<br />
))<br />
<br />
))<br />
٣<br />
<br />
))<br />
.<br />
((<br />
((<br />
بيت <br />
<br />
((<br />
))<br />
٤<br />
<br />
((<br />
))<br />
))<br />
:<br />
٢<br />
.<br />
((<br />
وذكر ابن إسحق، وابن ھشام، والطّبري وكثيرون غيرھم من مؤرخي اإلِسْ الم ھذه<br />
الحكاية أيضاً، وأيدھا يحيى، وجالل الدين، والبيضاوي في تفاسيرھم لسورة الحج<br />
وَ مَا أَرْ سَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّ سُولٍ وَ الَ نَبِيٍّ إِالَّ إِذَا تَمَنَّى، أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ َّ مَا<br />
يُلْقِي الشَّيْطَانُ وقال الشھرستاني بخصوص مذاھب قدماء العرب وعاداتھم:<br />
(٥٢ /٢٢)<br />
. <br />
١<br />
٢<br />
٣<br />
٤<br />
تاريخ ثيودور الصقلي كتاب<br />
الملل والنحل، ص<br />
سورة النجم:<br />
سورة النجم: و٢٠.<br />
.٣<br />
.١٠٩<br />
.١ /٥٣<br />
١٩ /٥٣<br />
- ٩ -
))<br />
والعرب الجاھلية أصناف: فصنفٌ أنكروا الخالق والبعث، وقالوا بالطبع<br />
المحيي والدھر المفني، كما أخبر عنھم التنزيل. وقالوا: ما ھي إال حياتنا<br />
الدنيا نموت ونحيا. وقوله: وَ مَا يُھْلِكُنَا إِالَّ الدَّھْ ُر وصِ نفٌ اعترفوا<br />
بالخالق وأنكروا البعث، وھم الذين أخبر عنھم بقوله: أَفَعَيِينَا بِالْخَ لْقِ<br />
األوَّ ِل؛ بَلْ ھُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَ لْقٍ جَ دِي ٍد وصنفٌ عبدوا األصنام وكانت<br />
أصنامھم مختصة بالقبائل، فكان وُ دٌّ لكلب، وھو بدومة الجندل، وسُواع لھذيل،<br />
ويغوث لمَذْ حَ ج ولقبائل من اليمن، ونسر لذي الكالع بأرض حمير، ويَعوق<br />
لھمذان، والالّت لثقيف بالطائف، والعُزَّى لقريش وبني كنانة، ومناة لألوس<br />
والخزرج، وھُبَل أعظم أصنامھم. وكان ھُبل على ظھر الكعبة، وكان أساف<br />
ونائلة على الصَّفا والمروة. وكان منھم من يميل إلى اليھود، ومنھم من يميل<br />
إلى النّصران ّية، ومنھم من يميل إلى ال ّصابئة، ويعتقد في أنواء المنازل اعتقاد<br />
المنجِّمين في الكواكب حتى ال يتحرك إال بنوء من األنواء، ويقول أمطرنا<br />
بنوء كذا. وكان منھم من يعبد المالئكة، ومنھم من يعبد الجن. وكانت علومھم<br />
علم األنساب، واألنواء، والتّواريخ، وتفسير األحالم، وكان ألبي بكر الصّديق<br />
فيھا يدٌ طولى<br />
<br />
١<br />
. <br />
٢<br />
. <br />
))<br />
.<br />
((<br />
))<br />
وكانت الجاھلية تفعل أشياء جاءت شريعة اإلِسْ الم بھا، فكانوا ال ينكحون<br />
األمھات والبنات. وكان أقبح شيء عندھم الجمع بين األختيْن، وكانوا يعيبون<br />
المتزوّ ج بامرأة أبيه ويسمونه الضيزن . وكانوا يحجّون البيت،<br />
ويعتمرون، ويحرمون، ويطوفون، ويسعون، ويقفون المواقف كلھا، ويرمون<br />
الجمار. وكانوا يكبسون في ك ِّل ثالثة أعوام شھراً. ويغتسلون من الجنابة.<br />
وكانوا يداومون على المضمضة، واالستنشاق، وفرق الرأس، والسواك،<br />
واالستنجاء، وتقليم األظافر، ونتف اإلبط، وحلق العانة، والختان، وكانوا<br />
يقطعون يد السارق اليمنى<br />
((<br />
٣<br />
.<br />
((<br />
))<br />
((<br />
.<br />
))<br />
((<br />
قال ابن إسحاق، وابن ھشام إن ذرية إسماعيل كانوا أوالً يعبدون الواحد، وال<br />
يشركون معه أحداً، ثم سقطوا في عبادة األصنام. ومع ذلك فقد حافظوا على كثير من العادات<br />
والفروض التي كانت في أيام إبراھيم، فلم ينسوا أنّ كان أرفع من معبوداتھم، بل أنّه ھو<br />
الحاكم والمتسلط عليھا جميعاً. وذُكر في سيرة الرسول:<br />
خَلَف الخُلُوف، ونَسَوُ ا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراھيم وإسمعيل<br />
غيرَ ه، فعبدوا األوثان وصاروا إلى ما كانت عليه األمم قَبْلَھم من الضالالت،<br />
و فيھم على ذلك بقايا من عھد إبراھيم يتمسَّكون بھا، من تعظيم البيت،<br />
والطواف به، والحجّ والعمرة، والوقوف على عرفة والمزدلفة وھَدَى البُدن،<br />
واإلھالل بالحجّ والعُمرة، مع إدخالھم فيه ما ليس منه. فكانت كنانة وقريش<br />
إذا أھلُّوا قالوا: لَبيَّك اللّھم لبيَّك، لَبيَّك ال شريك لكَ، إال شريك ھو لك، تملكه<br />
وما مَلَك . فيوحدّنه بالتلبية، ثم يُدخْ لون معه أصنامَھم، ويجعلون مِلْكَھا بيده<br />
.٢٤ /٤٥<br />
.١٥ /٥٠<br />
١<br />
٢<br />
٣<br />
سورة الجاثية:<br />
سورة ق:<br />
من كتاب الملل والنحل للشھرستاني.<br />
- ١٠ -
ُ<br />
،<br />
<br />
وذكر في القُرْ آن قوله: إِنَّ رَ بَّكُمُ ّ الَّذِي خَ لَقَ السَّمَاوَ اتِ وَ األَرْ ضَ فِي سِ تَّةِ أَيَّا ٍم، ثُمَّ<br />
اسْ تَوَ ى عَلَى الْعَرْ شِ يُدَبِّرُ األَمْرَ ؛ مَا مِن شَفِيعٍ إِالَّ مِن بَعْ دِ إِذْ نِ ِه. ُ رَ بُّكُمْ فَاعْ بُدُوهُ أَفَالَ<br />
تَذَكَّرُونَ فالواضح من ھذا أن العرب في أيام الجاھلية كانوا يعبدون بشفاعة العزّى،<br />
و ُمناة، والالّت. وحينئذ يصدق على العرب الوثنيين ال مسلمي ھذا الزمان قول القُرْ آن إنھم<br />
مشركون. فينتج من ذلك أن سكان بالد العرب حافظوا على عبادة إلى عصر مُحَ مَّد،<br />
واعترفوا بوحدانيته. وبناءً على ذلك يقول المعترضون إنّ مُحَمَّداً أخذ ھذه العقيدة من قومه<br />
وتعلمھا من جدوده وأسالفه، ويتضح من اسم والده واسم ابن أخيه<br />
الوارد فيھما لفظ الجاللة بأداة التعريف (وھي داللة على الوحدانية) ّن ھذه العقيدة الشريفة<br />
كانت معروفة قبل بعثة مُحَ مَّد، وأن الديانة اإلِسْ المية أخذت عادات الطواف، واإلھالل،<br />
واإلحرام، وغيرھا كثيراً من ديانة ھذه القبائل القديمة.<br />
((<br />
)) عبيد <br />
ذَلِكُمُ ّ<br />
. إ<br />
((<br />
)) عبد <br />
٢<br />
١<br />
. <br />
وكان الختان من ھذه العادات، كما قال الشھرستاني. ويتضح من نبذة صغيرة تسمى<br />
رسالة برنابا أن الختان لم يكن عند العرب فقط من قديم الزمان، بل كان مرعياً عند أمم كثيرة<br />
أيضاً، فإن مؤلف ھذه الرسالة (التي كُتبت نحو سنة ٢٠٠م) قال: إن كل سوري وعربي،<br />
وجميع كھنة األصنام يختتنون . وكان الختان مرعياً عند قدماء المصريين أيضاً. ومع أن<br />
العرب كانوا يعبدون أصناماً كثيرة في أيام مُحَ مَّد، حتى كان يوجد في الكعبة تمثاالً، إال أن<br />
ابن إسحق وابن ھشام قاال إن عمرو بن لحي، وھذيل بن مدركة أتيا بعبادة األصنام من سوريا<br />
إلى مكة خمسة عشر جيالً قبل عصر مُحَ مَّد. وال يحتاج أحد إلى وحي وإلھام لمعرفة قباحة<br />
وبطالن ھذه العادة المستحبَّة جداً عند العرب، بحيث لم يتمكن مُحَ مَّد من منعھم عن مزاولتھا.<br />
وھذا ھو سبب تقبيل الحجيج الحجر األسود إلى يومنا ھذا.<br />
))<br />
٣٦٠<br />
))<br />
((<br />
((<br />
واضحٌ أن مصدر الديانة اإلِسْالمية األول كان تلك الفروض الدينية والعادات<br />
واالعتقادات التي كانت متداولة وسائدة في أيام مُحَ مَّد بين قبائل العرب، والسيما قريش . ولم<br />
أعرف جواباً يرد به المسلمون على أقوال المعترضين ھذه، إال قولھم إن ھذه الفروض والعادات<br />
أنزلھا أوالً على إبراھيم، ثم أمر مُحَ مَّداً أن يبلغھا للناس ثانية ليتمسكوا بھا تمسكاً راسخاً.<br />
ولكن واضحٌ من أسفار موسى الخمسة أ ّن االعتقاد بوحدانية ، وفرض الختان كان من أركان<br />
ديانة إبراھيم، إال أنه لم يرد في التوراة واإلنجيل ذكر لمكة، وال للكعبة، وال للطواف، وال<br />
للحجر األسود، وال لإلحرام. وال شك أن العادات المرتبطة والمتعلقة بھذه األشياء ھي اختراعات<br />
عبدة األصنام، وليس لھا أدنى ارتباط وال عالقة بدين إبراھيم.<br />
وقال المعترضون إن بعض آيات القُرْ آن مقتبسة من القصائد التي كانت منتشرة ومتداولة<br />
بين قريش قبل بعثة مُحَ مَّد. وأوردوا بعض قصائد منسوبة إلى امرئ القيس مطبوعة في الكتب<br />
باسمه تأييداً لقولھم. وال شك أنه ورد في ھذه القصائد بعض أبيات تشبه آيات القُرْ آن، بل ھي<br />
عينھا، أو تختلف عنھا في كلمة أو كلمتين، ولكنھا ال تختلف معھا في المعنى مطلقاً. وھاك<br />
األبيات التي يوردھا المعترضون، وقد أظھرنا العبارات التي اقتبسھا القُرْ آن بخط أوضح:<br />
٣<br />
دَنَتِ ال َّساعةُ وأن ّشق الْقَمَ ُر<br />
أَحْ وَ رَ قدَ◌ْ حُرْ تُ في<br />
أوصافِهِ<br />
عَنْ غَزلٍ صادَ قَلبي ونَ َف<br />
َر<br />
نَاعِسُ الطَّرْ فِ بعَيْنَيِهُ حَ وَ ر◌َ<br />
.٣ /١٠<br />
١<br />
٢<br />
٣<br />
سورة يونس:<br />
كما يطلب المسلمون في الوقت الحاضر غفران الخطايا من عز وجل بشفاعة األولياء.<br />
سُورة القَمَرِ<br />
.١ /٥٤ :<br />
- ١١ -
ِه<br />
مَرَ يَوْ ُم الْعِيدِ في زِ ينتِ ِه<br />
بِسھامٍ مِ ْن لِحا ٍظ فا ِت ٍك<br />
وَ إذا ما غَابَ عَنِّي َساعَ ًة<br />
كتبَ الْحُسْ نُ على وِجْ ن ِت<br />
عادَةُ األقمارِ يَسْ رِ ي في الدّجى<br />
بالضّحى والليل من ُطرَّ ته<br />
قلتُ إِذْ شَقّ الْ ِعذارُ َخدَّهُ<br />
١<br />
فَرَ ماني فَتعاطى فَعَ َقر<br />
فَتَرَ كنِي كَھَ ِشي ِم الْمُحْ تَ ِظ<br />
كَانتِ ال َّساعةُ أَدْ ھى وَ أ َم<br />
بسَحيق الْمِسْ كِ سَطْ راً ُمخْ تَصَ َر<br />
فَرَ أيْتَ اللّيل يَس ْري بِالْقَمَ ِر<br />
فرقهُ ذا النور كم شيء زَ ھَ َر<br />
دَنَتِ ال َّساعَةُ وانْ َشقّ الْقَمَ ُر<br />
٢<br />
ِر<br />
٣<br />
ّر<br />
٤<br />
وله أيضاً:<br />
أَقْبَلَ والْعُشاقُ مِنْ خَ لْفِ ِه<br />
وجاءَ يوم العيد في<br />
زينتهِ<br />
٥<br />
كَأنَّھُم مِنْ حَ دَبٍ يَنْسِ لُون<br />
٦<br />
لِمِثْلِ ذا فَلْيَعْ ملَ الْعامِلُون<br />
وقال المؤرخون إنه جرت العادة سابقاً بين العرب أنه إذا نبغ بينھم رجل فصيح بليغ،<br />
وألف قصيدة بديعة غراء علَّقھا على الكعبة، وأن ھذا ھو سبب تسمية المعلقات السبع بھذا<br />
االسم، ألنھا عُلِّقت على الكعبة. غير أن بعض المحققين الثقاة أنكروا أن ھذا ھو سبب التسمية.<br />
إال أن ھذا قليل األھمية. وقال المفسر الشھير أبو جعفر أحمد بن إسماعيل النحاس (توفي سنة<br />
ھ) في ھذا الصدد: اختلفوا في جامع ھذه القصائد السبع، وقيل إن أكثر العرب كانوا<br />
يجتمعون بعكاظ ويتناشدون الشعر، فإذا استحسن الملك قصيدة قال: علقوھا واثبتوھا في<br />
خزانتي. فأما قول من قال عُلِّقت على الكعبة، فال يعرفه أحد من الرواة. وأصح ما قيل في ھذا<br />
إن حماداً الرّاوية، لما رأى زُھد الناس في الشعر، جمع ھذه السبع وحضَّھم عليھا، وقال لھم: ھذه<br />
ھي المشھورات. فسُمِّيت القصائد المشھورة لھذا السبب. وقال السيوطي بالفكرة نفسھا،<br />
وأضاف إليھا أن األشعار كانت تُعلَّق على الكعبة.<br />
<br />
((<br />
))<br />
((<br />
٧<br />
<br />
))<br />
))<br />
٣٣٨<br />
ومن الحكايات المتداولة في عصرنا الحاضر أنه لما كانت فاطمة بنت مُحَ مَّد تتلو آية<br />
اقْتَرَ بَتِ السَّاعَةُ وَ انشَقَّ الْقَمَ ُر سمعتھا بنت امرئ القيس، فقالت لھا: ھذه قطعة من قصائد<br />
أبي، أخذھا أبوك وادّعى أن أنزلھا عليه. ومع أنه يمكن أن تكون ھذه الرواية كاذبة، ألن<br />
امرء القيس توفي سنة م)، ولم يولد مُحَ مَّد إال في سنة الفيل (أي سنة م) إال أنه ال<br />
ينكر أن األبيات المذكورة واردة في (سورة القمر: و٢٧ و٢٩؛ سورة الضحى:<br />
و٢؛ سورة األنبياء: ٩٦؛ سورة الصافات: ٦١)، مع اختالف طفيف في اللفظ وليس<br />
في المعنى. مثالً ورد في القُرْ آن اقتربت بينما وردت في القصيدة دنت . فمن الواضح<br />
وجود مشابھة بين ھذه األبيات وبين آيات القُرْ آن. فإذا ثبت أ ّن ھذه األبيات ھي المرئ القيس<br />
حقيقةً، فحينئذ يصعب على المسلم توضيح كيفية ورودھا في القُرْ آن، ألنه يتعذر على اإلنسان أن<br />
يصدق أن أبيات وثني كانت مسطورة في اللّوح المحفوظ قبل إنشاء العالم.<br />
١ /٩٣<br />
٥٧٠<br />
((<br />
))<br />
١ /٥٤<br />
/٣٧<br />
((<br />
))<br />
٥٤٠)<br />
/٢١<br />
١<br />
٢<br />
٣<br />
٤<br />
٥<br />
٦<br />
٧<br />
سُورة القَمَرِ<br />
سُورة القَمَرِ<br />
سُورة القَمَرِ<br />
سُورة الضُّحَ ى:<br />
سُورة األنبياءِ :<br />
سُورةُ الصَّافاتِ:<br />
سورة القمر:<br />
.٢٩ /٥٤ :<br />
.٣١ /٥٤ :<br />
.٤٦ /٥٤ :<br />
.٢ ،١ /٩٣<br />
.٩٦ /٢١<br />
.٦١ /٣٧<br />
.١ /٥٤<br />
- ١٢ -
ولستُ أرى مخرجاً لعلماء اإلِسْالم من ھذا اإلشكال إال أن يقيموا الدليل على أن امرء<br />
القيس ھو الذي اقتبس ھذه اآليات من القُرْ آن، أو أنھا ليست من نظم امرئ القيس الذي توفي قبل<br />
مولد مُحَ مَّد بثالثين سنة. ولو أنه سيصعب علينا أن نصدق أن ناظم ھذه القصائد بلغ إلى ھذا الحد<br />
من التھتك واالستخفاف والجراءة، بعد تأسيس مملكة اإلِسْالم حتى يقتبس آياتٍ من القُرْ آن<br />
ويستعملھا بالكيفية المستعملة في ھذه القصائد!<br />
<br />
- ١٣ -
#+<br />
تأثيرات الصابئين واليھود<br />
لما شرع مُحَ مَّد في ادعاء النبوة، وبذل كل ما في وسعه إلبعاد قومه عن عبادة األصنام<br />
وإرجاعھم إلى دين إبراھيم، لم يكن عند العربِ◌ِ كتا ُب وح ٍّي إلھ ٍّي يُعوِّ ل عليه جميع قبائل<br />
العرب أو يتخذونه قانوناً ودستوراً لھم. فكان يصعب جداً إصالح ما فسد واختل من ديانتھم،<br />
وكان رأب ھذا الصدع في غاية الصعوبة. ومع ذلك فقد كان بينھم ثالث طوائف تتداول كتباً<br />
دينيّة ھي: الصابئون، واليھود، والنصارى، لكلِّ طائف ٍة منھا نفوذ وشأن في الديانة اإلِسْالمية،<br />
التي كانت في ذلك العصر شبيھة بطفل مولود حديثاً.<br />
الصابئون:<br />
لم يبقَ أثرٌ لديانة الصابئين، فقال أبو الفداء في كتابه<br />
))<br />
المختصر في أخبار البشر<br />
:((<br />
))<br />
ذكر أمة السّريان، والصابئين من كتاب أبي عيسى المغربي قال: أمة<br />
السريان ھي أقدم األمم. وكان كالم آدم وبنيه بالسريانيّ، وملتھم ھي ملة<br />
الصّابئين. ويذكرون أنّھم أخذوا دينھم عن شيث وإدريس. ولھم كتاب<br />
يعزونه إلى شيث؛ ويسمونه صحف شيث، يُذكر فيه محاسن األخالق،<br />
مثل: الصّدق، والشجاعة، والتعصّب للغريب، وما شابه ذلك ويأمر به.<br />
ويذكر الرذائل، ويأمر باجتنابھا. وللصّابئين عبادات، منھا سبع صلوات؛<br />
منھنَّ خمس توافق صلوات المسلمين، والسّادسة صالة الضحى، والسّابعة<br />
صالة يكون وقتھا تمام السّاعة السادسة من الليل، وصالتھم كصالة<br />
المسلمين من النّية، وأ ْن ال يخلطھا المُصّلي بشيءٍ من غيرھا. ولھم<br />
الصّلوات على الميت بال ركوع وال سجود. ويصومون ثالثين يوماً؛ وإ ْن<br />
نقص الشَّھر الھاللي صاموا تسعة وعشرين يوماً. وكانوا يراعون في<br />
صومھم الفطر والھالل؛ بحيث يكون الفطر وقد دخلت الشّمس الحمل.<br />
ويصومون من ربع الليل األخير إلى غروب قرص الشّمس. ولھم أعياد<br />
عند نزول الكواكب الخمسة المتحيرة بيوت أشرافھا، والخمسة المتحيرة<br />
زحل، والمشتري، والمرّيخ، والزھرة، وعطارد، ويعظمون بيت مكة<br />
.<br />
((<br />
فيتضح من ھذا أن المسلمين أخذوا من قدماء الصابئين الصّيام والصلوات الخمس<br />
وغيرھا من الفرائض.<br />
اليھود:<br />
كان لليھود في عصر مُحَ مَّد، والسيما قبل الھجرة، سطوة عظيمة في بالد العرب،<br />
وكانوا أيضاً كثيري العدد. ومن أشد القبائل اليھودية بأساً وأعظمھا شأناً: بنو قريظة وبنو قينقاع<br />
وبنو النضير. ولما اتضح أنھم مصممون على عدم االعتراف بنبوَّ ة مُحَ مَّد ورسالته، نشبت بينھم<br />
- ١٤ -
كال<br />
))<br />
وبين المسلمين معارك، وبكل صعوبة ومشقة تمكَّن المسلمون من أن يغلبوھم بقتلھم أو طردھم<br />
من بالد العرب. ومع أن أولئك اليھود لم يكونوا مشھورين بالمعارف، إال أنھم حافظوا بغاية<br />
الحرص على كتب أنبيائھم، مثل خمسة أسفار موسى، ومزامير داود، وغيرھا. ولھذا السبب قيل<br />
عنھم وعن النصارى أيضاً في القُرْ آن إنھم أھل الكتاب . ومع أن كثيرين منھم لم يكونوا<br />
يعرفون اللغة العبرية حق المعرفة، إال أنھم نقلوا كاليھود القاطنين في مصر وغيرھا بطريق<br />
التواتر كثيراً من القصص والروايات الموجودة في التلمود وغيره من الخرافات الباطلة. وكثيراً<br />
ما كانوا يكررونھا، مع أنه ال أصل لھا في توراتھم، عوضاً عن ذكر تعاليم الوحي اإللھي<br />
المدونة في الكتب السَّماو ّية. وما ذلك إال لعدم فھمھم لشريعة موسى وسائر الكتب الربانيّة.<br />
وكانت العرب في أيام الجاھلية يراعون مقام اليھود، ألنھم كانوا متأكدين أنھم ذرية إبراھيم خليل<br />
. وأنھم كانوا ال يزالون حفظة كلمة ،<br />
((<br />
فلما رأى مُحَ مَّد أن عبادة األصنام ليست مناسبة، بل مكروھة أمام الواحد، ولما كان<br />
قد عزم على إرجاع قومه إلى دين إبراھيم الخليل، فاألرجح أنه وجَّه أنظاره إلى اليھود لالستفادة<br />
منھم. فاستفھم منھم عن عقائد دين إبراھيم وفرائضه. وإذا قارنا بين التعاليم واألخبار الواردة في<br />
القُرْ آن واألحاديث، وبين التعاليم والقصص والحكايات التي كانت متداولة بين اليھود في تلك<br />
العصور يتضح لنا العالقة واالرتباط والمشابھة العجيبة. وما يؤيد أن مُحَ مَّداً تعلم من اليھود<br />
وأخذ عنھم كلَّ ما أمكنھم أن يفيدوه به عن دين إبراھيم، ھو ورود آيات كثيرة في القُرْ آن ن َّص<br />
فيھا صريحاً بأن دين إبراھيم كان حقاً. وزِ د على ذلك أنه شھد أن ھو الذي أنزل كتب اليھود<br />
الموحى بھا، وأن عندھم الديانة الحقيقية، فقال: وَ الَ تُجَ ادِلُوا أَھْلَ الْكِتَابِ إِالَّ بِالَّتِي ھِيَ أَحْ سَ ُن؛<br />
إِالَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْھُ ْم. وَ قُولُوا: آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِ لَ إِلَيْنَا، وَ أُنزِ لَ إِلَيْكُمْ، وَ إِلَھُنَا وَ إِلَھُكُمْ وَ احِدٌ، وَ نَحْ نُ<br />
لَهُ مُسْ لِمُونَ قُولُواْ آمَنَّا بِاّ ِ، وَ مَآ أُنزِ لَ إِلَيْنَا، وَ مَا أُنزِ لَ إِلَى إِبْرَ اھِيمَ وَ إِسْمَاعِيلَ وَ إِسْ حَقَ<br />
وَ يَعْ قُوبَ وَ األسْ بَاطِ وَ مَا أُوتِيَ مُوسَى وَ عِيسَى وَ مَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّ بِّھِمْ؛ الَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَ ٍد<br />
مِّنْھُمْ وَ نَحْ نُ لَهُ مُسْلِمُونَ وبناءً على اقتناع مُحَ مَّد بصحَّ ة ھذا االعتقاد جعل بيت المقدس<br />
(أورشليم) في مبدأ األمر قِبلة للمسلمين، ألنھا كانت قِبلة اليھود.<br />
<br />
٢<br />
.<br />
<br />
١<br />
. <br />
وقد ردَّ بعض علماء المسلمين على أن مُحَ مَّداً أخذ من اليھود التعاليم والقصص الواردة<br />
في القُرْ آن، والتي تشبه التعاليم والقصص الواردة في التلمود وفي كتب اليھود األخرى بقولھم إن<br />
مُحَمَّداً تسمَّى في سورة األعراف النبي األمي لعدم معرفته القراءة والكتابة،<br />
وعليه فھو لم يقرأ كتب اليھود. فكيف اقتبس منھا تعاليمه؟<br />
((<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
((<br />
(١٥٧ /٧)<br />
))<br />
)) األمم ((<br />
،<br />
((<br />
))<br />
))<br />
١<br />
ونردُّ على ذلك بأن سبب تسميته األمي ھو أنه لم ينشأ بين اليھود بل نشأ بين األمم،<br />
وقد اعتاد اليھود أن يطلقوا لقب على كل من لم يكن يھودياً، كما كان العرب يطلقون<br />
لقب العجم ليس على الفارسي فقط ، بل على كل من لم يكن عربيّاً. ومعنى عجمي في<br />
األصل من ليس ذلق اللسان وفصيح المنطق . فإذا قرأنا في بعض الكتب العربية أن حافظ<br />
الشيرازي كان عجمياً، فليس المقصود أنه لم يكن فصيحاً، بل أنه لم يكن من العرب. وإذا فرضنا<br />
جدالً أن مُحَ مَّداً كان أمياً ال يعرف القراءة وال الكتابة، فھل كان يبعد عليه أن يستفھم من غيره<br />
فيعرف تعليم اليھود وعقائدھم؟ وال شك أن ھذا كان متيسِّراً له، والسيما أن بعض أصحابه كعبيد<br />
بن سالم، وحبيب بن م وورقة بن نوفل كانوا من اليھود، أو يدينون بدين اليھود أوالً، ثم<br />
آمنوا بمُحَ مَّد. ومع أنه لم يكن لھم إلمام تام بحقائق تعاليم العھد القديم الصحيحة، إال أنھم كانوا<br />
يعرفون على األقل بعض القصص والحكايات والخرافات التي كانت متداولة في تلك األيام بين<br />
سورة العنكبوت:<br />
سورة البقرة:<br />
.٤٦ /٢٩<br />
.١٣٦ /٢<br />
٢<br />
- ١٥ -
اليھود، وبلغت مبلغ التواتر. وإذا قارنا بين القُرْ آن وبين تلك القصص المدوَّ نة في التلمود وفي<br />
غيره من الكتب المشحونة باألوھام التي ال تزال متداولة بين اليھود، اتضح لنا أن مُحَ مَّداً<br />
استعارھا من كتب اليھود الفارغة. نعم، ال ننكر أنه كثيراً ما ورد في القُرْ آن أخبار عن سيرة<br />
إبراھيم وغيره من األفاضل أكثر مما ورد في أسفار موسى الخمسة، ولكن أورد معارضو<br />
اإلِسْالم القصص اآلتية ليؤيدوا بھا أن القُرْ آن اقتبس قصصه وحكاياته من خرافات اليھود<br />
الفارغة:<br />
) ١ً) قصة قايين وھابيل:<br />
<br />
لم يذكر القُرْ آن صريحاً اسم ابني آدم، ولكنه أورد قصتھما، ونصُّھا:<br />
وَ اتْلُ عَلَيْھِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّ بَا قُرْ بَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِھِمَا، وَ لَمْ<br />
يُتَقَبَّلْ مِنَ اآلخَرِ ، قَالَ: ألَقْتُلَنَّ َك. قَالَ: إِنَّمَا يَ ُ مِنَ الْمُتَّقِي َن لَئِن<br />
َ رَ َّب<br />
بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِ طٍ يَدِيَ إِلَيْكَ ألَقْتُلَ َك؛ إِنِّي أَخَ افُ ّ<br />
الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِ يدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي، وَ إِثْمِكَ؛ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَ ابِ النَّا ِر.<br />
وَ ذَلِكَ جَزَ اء الظَّالِمِينَ فَطَوَّ عَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ<br />
الْخَ اسِ رِ ينَ ُ غُرَ ابًا يَبْحَثُ فِي األَرْ ضِ ؛ لِيُرِ يَهُ كَيْفَ يُوَ ارِ ي سَوْ ء َة<br />
أَخِيهِ. قَالَ: يَا وَ يْلَتَا أَعَجَزْ تُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ ھَذَا الْغُرَ ا ِب؛ فَأُوَ ارِ يَ سَوْ ء َة<br />
أَخِي. فَأَصْ بَحَ مِنَ النَّادِمِينَ مِنْ أَجْ لِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْ رَ ائِيلَ أَنَّهُ مَن<br />
قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي األَرْ ضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَ مِيعًا وَ مَنْ<br />
أَحْ يَاھَا فَكَأَنَّمَا أَحْ يَا النَّاسَ جَمِيعًا<br />
.<br />
تَقَبَّلُ ّ<br />
١<br />
.<br />
.<br />
.<br />
. فَبَعَثَ ّ<br />
.<br />
))<br />
٢<br />
وقد روى اليھود روايات مختلفة بطرق شتى عما دار بين قايين وھابيل من ھذه<br />
المحاورة الوھمية، فورد في ترجوم يوناثان بن عزيا، وفي الترجوم المسمى األورشاليمي، أن<br />
قايين قال: ال عقاب، وال حساب على الخطية، وال ثواب وال مجازاة على الصالح<br />
أن ھابيل اعترف بوجود عقاب وثواب، لذلك ضرب قايين أخاه بحجر وقتله. وورد في كتاب<br />
فرقى ربّي اليعزر (فصل ٢١) ما ورد في القُرْ آن بخصوص دفن جثة ھابيل، إال أن الغراب الذي<br />
وارى القتيل (في الرواية اليھودية) علَّم آدم (وليس قابيل) كيف يواري الجثة. وھاك نص الرواية<br />
اليھودية:<br />
. غير<br />
،<br />
((<br />
))<br />
كان آدم ومعينته حواء ، جالسين يبكيان ويندبان عليه على ھابيل <br />
ولم يعرفا ماذا يفعالن بھابيل؛ ألنھما لم يعرفا الدفن. فأتى غراب، كان أحد<br />
أصحابه قد مات، وأخذه وحفر في األرض ودفنه أمام أعينھما. فقال آدم:<br />
سأفعل كما فعل ھذا الغراب. فأخذ جثة ھابيل وحفر في األرض ودفنھا<br />
.<br />
((<br />
٣٢<br />
أما ما ذكر في اآلية من السورة المذكورة فال عالقة بينه وبين ما ذكر في اآليات<br />
المتقدمة. ولكن إذا رجعنا إلى كتاب مشناه سنھدرين (فصل فقرة ٥) رأينا ھذه القصة مذكورة<br />
بالتفصيل وھي في القُرْ آن ناقصة غير مستوفية. وھكذا تتَّضح العالقة بين اآلية المذكورة أعاله<br />
وبين قصة قتل ھابيل، ألن المفسر اليھودي في تفسيره لآلية ماذا فعلتَ ؟ صوت دم أخيك<br />
٣<br />
))<br />
٤<br />
:٥<br />
١<br />
٢<br />
٣<br />
سورة المائدة ٢٧٣٢.<br />
اسمه في الكتب العربية قابيل.<br />
كلمة دم في األصل العبري للتوراة بصيغة الجمع.<br />
- ١٦ -
؛٤<br />
))<br />
((<br />
))<br />
١<br />
.((<br />
))<br />
((<br />
صارخٌ إليَّ من األرض قال: وجدنا قايين، الذي قتل أخاه أنه قيل عنه (( صوت دماء أخيك<br />
صارخٌ إليَّ . فلم يقُل دم أخيك بل دماء أخيك يعني: دمه ودم ذرّيته؛ ولھذا السبب خُلق<br />
آدم وحده ليعلّمك أن كل من أھلك نفساً من إسرائيل فالكتاب يحسبه كأنه أھلك العالم جميعاً. وكل<br />
من أحيا نفساً فالكتاب يحسبه كأنه أحيا العالم جميعاً. وقد تُرجمت اآلية من سورة المائدة<br />
حرفياً تقريباً من أقوال ھذا المفسر اليھودي القديم. ولكن بما أن القُرْ آن أخذ نصف ھذه الفقرة<br />
فقط، فيلزم لفھم معناھا الرجوع إلى أصل ھذه اآلية القُرْ آنية، كما أوضحناه ھنا، فيظھر معناھا<br />
للقارئ بوضوح.<br />
) ٢ً) قصة إنقاذ إبراھيم من نار نمرود:<br />
٣٢<br />
((<br />
/٢<br />
لم ترد ھذه القصة في مكان واحد في القُرْ آن، بل وردت مفرَّقةً مش َّتتةً في سُور كثيرة،<br />
٥٠؛<br />
٨٤؛ سورة مريم: ٢٦٠؛ سورة األنعام: فوردت في: (سورة البقرة: ١٦؛<br />
٧٩؛ سورة العنكبوت: ٧٢؛ سورة الشعراء: سورة األنبياء: ٢٨؛ سورة الممتحنة:<br />
١١٢؛ سورة الزخرف: سورة الصافات: أو كتاب<br />
قصص األنبياء وفي غيرھا). ولكن من يقرأ قصة إبراھيم في أوائل كتاب عرائس المجالس (أو في غيرھما) يجد أن جميع ھذه القصص الواردة في القُرْ آن أو في<br />
األحاديث مأخوذة من أحد كتب اليھود المسمى مدراش رباه )). ولبرھنة ذلك نورد أوالً ھذه<br />
وغيره ثم نوردھا بنصھا من الكتاب<br />
القصة بنصّھا كما وردت في القُرْ آن و(( عرائس المجالس اليھودي المذكور أعاله، ثم نقارن ھاتيْن الروايت ْين الواحدة باألخرى فينجلي الحق.<br />
))<br />
٤١ /١٩<br />
/٢٩<br />
/٦٠<br />
((<br />
))<br />
٧٤ /٦<br />
٦٩ /٢٦<br />
٢٦ /٤٣<br />
((<br />
))<br />
٥١ /٢١<br />
٨٣ /٣٧<br />
((<br />
قال أبو الفداء في كتابه<br />
))<br />
))<br />
المختصر في أخبار البشر )):<br />
كان آزر أبو إبراھيم يصنع األصنام ويعطيھا إلبراھيم ليبيعھا، فكان<br />
إبراھيم يقول: من يشتري ما يضره وال ينفعه؟ ثم لمَّا أمر إبراھيم أن<br />
يدعو قومه إلى التَّوحيد، دعا أباه فلم يُجبه، ودعا قومه. فلمَّا فشا أمره<br />
واتصل بنمرود بن كوش وھو ملك تلك البالد.. أخذ نمرو ُد إبراھي َم الخليل<br />
ورماه في نار عظيمة، فكانت النَّار عليه برداً وسالماً، وخرج إبراھيم من<br />
النَّار بعد أ َّيام، ثم آمن به رجالٌ من قومه<br />
وورد في ((عرائس المجالس<br />
.<br />
((<br />
:<br />
((<br />
.<br />
<br />
فَلَمَّا جَ نَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ، رَ أَى كَوْ كَبًا، قَالَ: ھَذَا رَ بِّي؛ فَلَ َّما أَفَلَ، قَالَ ال أُحِبُّ<br />
اآلفِلِينَ فَلَمَّا رَ أَى الْقَمَرَ بَازِ غًا، قَالَ: ھَذَا رَ بِّي؛ فَلَمَّا أَفَلَ، قَالَ: لَئِن لَّمْ<br />
يَھْدِنِي رَ بِّي ألكُونَنَّ مِنَ الْقَوْ مِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَ أَى الشَّمْسَ بَازِ غَةً، قَالَ: ھَذَا<br />
رَ بِّي، ھَذَا أَكْبَ ُر؛ فَلَمَّا أَفَلَ ْت، قَالَ: يَا قَوْ مِ إِنِّي بَرِ يءٌ مِّمَّا تُشْرِ كُونَ إِنِّي<br />
وَ جَّ ھْتُ وَ جْ ھِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَ اتِ وَ األَرْ ضَ حَ نِيفًا وَ مَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِ كِينَ<br />
.<br />
.<br />
٢<br />
. <br />
١<br />
٢<br />
تكوين:<br />
سورة األنعام:<br />
قالوا: وكان أبوه يصنع األصنام، فلما ضمَّ إبراھيم إلى نفسه جعل يصنع<br />
األصنام ويعطيھا إلبراھيم ليبيعھا، فيذھب بھا إبراھيم، فينادي: من يشتري<br />
.١٠ /٤<br />
.٧٩ ٧٦ /٦<br />
- ١٧ -
))<br />
ما يضرُّ وال ينفع؟ فال يشتري أحدٌ منه. فإذا بارت عليه ذھب بھا إلى نھرٍ<br />
فضرب رؤوسھا وقال لھا: اشربي. كسَدْ تي استھزاءً بقومه وبما ھم<br />
عليه من الضّاللة والجھالة، حتى فشا عيبه واستھزاؤه بھا في قومه وأھل<br />
قريته، فحاجَّ ه قومه في دينه، فقال: وَ حَ آجَّ هُ قَوْ مُهُ قَالَ أَتُحَ اجُّونِّي فِي ّ ِ<br />
وَ قَدْ ھَدَانِ؟.. وَ تِلْكَ حُجَّ تُنَا آتَيْنَاھَا إِبْرَ اھِيمَ عَلَى قَوْ مِهِ نَرْ فَعُ دَرَ جَاتٍ مَّن<br />
نَّشَاء إِنَّ رَ بَّكَ حَ كِيمٌ عَلِيمٌ ؛ حتى خصمھم وغلبھم بالحُجّة. ث ّم إ ّن إبراھيم<br />
دعا أباه آزر إلى دينه فقال: يا أبت لِمَ تعبد ما ال يسمع وال يبصر وال<br />
يغني عنك شيئاً؟ إلى آخر القصة. فأبى أبوه اإلجابة إلى ما دعاه إليه،<br />
ثمّ إ ّن إبراھيم جاھر قومه بالبراءة م ّما كانوا يعبدون، وأظھر دينه، فقال<br />
أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم األقدمون؟ فإنّھم عدو لي إال رب<br />
العالمين قالوا: فمن تعبد أنت؟ قال: رب العالمين. قالوا: تعني نمرود؟<br />
فقال: ال، الذي خلقني فھو يھدين. إلى آخر القصّة. ففشا ذلك في النَّاس<br />
حتى بلغ نمرود الجبّار، فدعاه فقال له: يا إبراھيم، أرأيت إلھك الذي بعثك<br />
وتدعو إلى عبادته وتذكر من قدرته التي تعظمه بھا على غيره ما ھو؟ قال<br />
إبراھيم: ربي الذي يحيي ويميت فقال نمرود: أنا أحيي وأميت. قال<br />
إبراھيم: كيف تحيي وتميت؟ قال: آخذ رجلين قد استوجبا القتل في حكمي<br />
فأقتل أحدھما فأكون قد أمتُّه، ثم أعفو عن اآلخر فأكون قد أحييته. فقال له<br />
إبراھيم عند ذلك: إن يأتي بالشمس من المشرقِ ؛ فأْتِ بھا من<br />
المغرب ؛ فبُھت عند ذلك نمرود ولم يُجبه.<br />
:<br />
((<br />
٤<br />
<br />
. <br />
<br />
١<br />
<br />
،<br />
٢<br />
<br />
<br />
٣<br />
. <br />
٥<br />
<br />
<br />
))<br />
وبعد ذلك لما أَزِ َف وقت وليمة قومه ال ّسنو ّية خرجوا جميعھم من المدينة، فرجع إبراھيم<br />
إلى المدينة لحاجة، وكسر أصنامھم جذاذاً، كما ورد في ھذه العبارة اآلتية من ھذا الكتاب:<br />
إذا ھم قد جعلوا طعاماً فوضعوه بين يدي اآللھة، وقالوا: إذا كان حين<br />
رجوعنا فرجعنا وقد باركت اآللھة في طعامنا أكلنا. فلما نظر إبراھيم إلى<br />
األصنام، وإلى ما بين أيديھم من الطّعام، قال لھم على طريق االستھزاء:<br />
أال تأكلون؟ فلمَّا لم تجبه. قال: ما لكم ال تنطقون؟ فراغ عليھم ضرباً<br />
باليمين وجعل يكسرھن بفأسٍ في يده حتى لم يبق إال الصنم األكبر،<br />
فعلق الفأس في عنقه ثم خرج. فذلك قوله: فجعلھم جذاذاً إال كبيراً لھم<br />
لعلھم إليه يرجعون فلما جاء القوم من عيدھم إلى بيت آلھتھم، ورأوھا<br />
بتلك الحالة: قالوا من فعل ھذا بآلھتنا؟ إنه لمن الظالمين. قالوا: سمعنا<br />
فتى يذكرھم يقال له إبراھيم ھو الذي نظنّه صنع ھذا. فبلغ ذلك نمرود<br />
الجبار وأشراف قومه قالوا: فأتوا به على أعين الناس لِعَلَّھم يشھدون<br />
عليه أنه ھو الذي فعل ذلك. وكرھوا أن يأخذوه بغير بيِّنة. قال قتادة<br />
))<br />
<br />
<br />
٨<br />
<br />
.<br />
٧<br />
<br />
<br />
((<br />
٦<br />
<br />
<br />
٩<br />
<br />
١<br />
سورة األنعام:<br />
سورة مريم:<br />
سورة الشعراء:<br />
سورة البقرة:<br />
سورة البقرة:<br />
سورة الصافات:<br />
سورة األنبياء:<br />
سورة األنبياء:<br />
سورة األنبياء:<br />
٨٠ /٦<br />
.٤٢ /١٩<br />
٧٥ /٢٦<br />
.٢٥٨ /٢<br />
.٢٥٨ /٢<br />
٩١ /٣٧<br />
.٥٨ ،٢١<br />
٥٩ /٢١<br />
.٦١ /٢١<br />
٢<br />
٣<br />
و٨٣.<br />
٧٧. <br />
٤<br />
٥<br />
٦<br />
٧<br />
٨<br />
٩<br />
و٩٢.<br />
و٦٠.<br />
- ١٨ -
والسُّدي وقال الضحاك: لعلھم يشھدون بما نصنع به ونعاقبه. فل ّما أحضروه<br />
قالوا له: أأنت فعلت ھذا بآلھتنا يا إبراھيم؟ قال إبراھيم: بل فعله كبيرھم<br />
ھذا. غضب من أن تعبدوا معه ھذه األصنام الصّغار وھو أكبر منھا<br />
فكسرھنّ ، فاسألو ُھم إِ ْن كانوا ينطقون قال النبي: لم يكذب إبراھيم<br />
عليه السّالم إال ثالث كذبات، كلھا في تعالى. قوله: إني سقيم<br />
وقوله: بل فعله كبيرھم ھذا، وقوله للملك الذي عرض لسارة: ھي أختي.<br />
فلما قال لھم إبراھيم ذلك رجعوا إلى أَنفُ ِسھم، فقالوا: إنكم أنتم الظالمون<br />
ھذا الرجل في سؤالكم إياه، وھذه آلھتكم التي فعل بھا ما فعل حاضرة،<br />
فاسألوھا. وذلك قول إبراھيم: فاسألوھم إن كانوا ينطقون فقال قومه<br />
ما نراه إالَّ كما قال، وقيل إنّكم أنتم الظّالمون بعبادتكم األوثان الصّغار مع<br />
ھذا الكبير ثمّ نكسوا على رُؤوسھم متحيّرين في أمره وعلموا أنّھا ال تنطق<br />
وال تبطش. فقالوا لقد عَلمت ما ھؤالء يَنطِ قُون فلمّا اتجھت الحجة عليھم<br />
إلبراھيم قال لھم: أفتعبدون من دون ما ال ينفعكم شيئاً وال يضركم؟<br />
أف لكم ولما تعبدون من دون ، أفال تعقلون؟ فلما لزمتھم الحجة<br />
وعجزوا عن الجواب، قالوا: حرِّ قوه وانصروا آلھتكم إن كنتم فاعلين<br />
قال عبد بن عمر: إن الذي أشار عليھم بتحريق إبراھيم بالنار رجل<br />
من األكراد. قال شعيب الجبائي: اسمه ضينون، فخسف به األرض،<br />
فھو يتجلجل فيھا إلى يوم القيامة. فلما أجمع نمرود وقومه على إحراق<br />
إبراھيم حبسوه في بيت وبنوا له بنياناً كالحظيرة، فذلك قوله: قالوا ابنوا<br />
له بنياناً فألقوه في الجحيم ثم جمعوا له من أصلب الحطب وأضاف<br />
الخشب<br />
٢<br />
،<br />
٤<br />
<br />
<br />
<br />
٥<br />
<br />
. <br />
١<br />
. <br />
<br />
٧<br />
.<br />
<br />
<br />
.<br />
((<br />
٦<br />
٣<br />
<br />
.<br />
ثم ذكر المؤلف كيف أن وقى إبراھيم بنعمته من حرارة النار، وخرج منھا سالماً<br />
ُ عَلَيْهِ يَتَوَ كَّلُ الْمُتَوَ كِّلُونَ<br />
غانماً. ثم قال: وفي الخبر إن إبراھيم إنما نجا بقوله: حَ سْ بِيَ َّ<br />
ُ وَ نِعْ مَ الْوَ كِيلُ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْ دًا وَ سَالَمًا َعلى إِبْرَ اھِي َم <br />
حَ سْ بُنَا ّ<br />
<br />
٨<br />
،<br />
١٠<br />
.<br />
<br />
قال :<br />
١٧<br />
٩<br />
.<br />
((<br />
))<br />
وبما أننا أوردنا ھذه القصة بحذافيرھا من القُرْ آن واألحاديث علينا أن نوردھا من كتب<br />
اليھود، ونقارن بين ھذه القصة المتواترة بين اليھود وبين ما ذكر أعاله، ليظھر الفرق بينھا، إذ<br />
ورد في مدراش رباه ف( في تفسير تكوين<br />
:( ٧ :١٥<br />
))<br />
١<br />
سورة األنبياء:<br />
سورة الصافات:<br />
سورة األنبياء:<br />
سورة األنبياء:<br />
سورة األنبياء:<br />
سورة األنبياء:<br />
سورة الصافات:<br />
سورة الزمر:<br />
سورة آل عمران:<br />
سورة األنبياء:<br />
إنَّ تارح كان يصنع األصنام، فخرج م ّرة إلى محل ما، وأناب عنه<br />
إبراھيم في بيعھا، فإذا أتى أحد يريد الشراء كان إبراھيم يقول له: كم<br />
عمرك؟ فيقول له: عمري خمسون أو ستون سنة، فكان إبراھيم يقول له:<br />
٦٢ /٢١<br />
.٨٩ /٣٧<br />
.٦٤ /٢١<br />
.٦٣ /٢١<br />
٦٦ /٢١<br />
.٦٨ /٢١<br />
.٩٧ /٣٧<br />
.٣٨ /٣٩<br />
.١٧٣ /٣<br />
.٦٩ /٢١<br />
٢<br />
٣<br />
٤<br />
٥<br />
٦<br />
٧<br />
٨<br />
٩<br />
١٠<br />
و٦٣.<br />
و٦٧.<br />
- ١٩ -
.<br />
((<br />
ويلٌ لمن كان عمره ستين سنة ويرغب في عبادة الشيء الذي لم يظھر في<br />
حيز الوجود إال منذ أيام قليلة. فكان يعتري الرجل الخجل وينصرف إلى<br />
حال سبيله. ومرة أتت امرأة وفي يدھا صحن دقيق قمح، وقالت له: يا ھذا،<br />
ضع ھذا أمامھم. فقام وأخذ عصا في يده وكسرھا كلھا جذاذاً ووضعْ<br />
العصا في يد كبيرھم. فلما أتى أبوه قال له: من فعل بھم كذلك؟ فقال له<br />
إبراھيم: ال أخفي عليك شيئاً. إن امرأة أتت ومعھا صحن دقيق قمح وقالت<br />
لي: يا ھذا ضعْ ھذا أمامھم. فوضعته أمامھم، فقال ھذا: أريد أن آكل أوالً،<br />
وقال ذلك: أريد أنا أن آكل أوالً. فقام كبيرھم وأخذ العصا وكسرھم. فقال<br />
له أبوه: لماذا تلفق عليَّ خرافة؟ فھل ھذه األصنام تدرك وتعقل؟ فقال له<br />
إبراھيم: أال تسمع أذناك ما تتكلم به شفتاك؟ فألقى والده القبض عليه وسلَّمه<br />
إلى نمرود، فقال له نمرود: فلنعبد النار. فقال له إبراھيم: فلنعبد المياه التي<br />
تطفئ النار. فقال له نمرود: فلنعبد المياه: فقال له إبراھيم: إذا كان األمر<br />
كذلك فلنعبد السحاب الذي يجيء بالمياه. فقال له نمرود: فلنعبد السحاب،<br />
فقال له إبراھيم: إذا كان األمر كذلك فلنعبد الرياح التي تسوق السحاب.<br />
فقال له نمرود: فلنعبد الرياح. فقال له إبراھيم: فلنعبد اإلنسان الذي يقاوم<br />
الرياح. فقال له نمرود: إذا كان مرادك المحاولة فأنا ال أعبد إال النار، وھا<br />
أنا ألقيك في وسطھا، وليأت الذي تعبده وينقذك منھا. ونزل إبراھيم في<br />
أتون النار ونجا<br />
فإذا قارنا ھذه الخرافة اليھودية بالحكاية الواردة في القُرْ آن عن إبراھيم ال نجد بينھما<br />
سوى فرقاً طفيفاً جداً، سببه أن مُحَ مَّداً لم يطالع ھذه القصة في كتاب ما، بل سمعھا شفاھاً من<br />
اليھود. ومما يؤيد ھذا أن القُرْ آن ذكر أن اسم أب إبراھيم ھو آزر مع أن اسم أبيه في<br />
مدراش رباه وفي خمسة أسفار موسى ھو تارح. ولكن قال يوسابيوس (المؤرخ اليوناني الذي<br />
تُرجم تاريخه إلى اللغة السريانية) إن اسم أب إبراھيم ھو آثر وھو خطأ مبين. واألرجح أن<br />
ھذا الخطأ نشأ عن تسمية اليھود له في بعض األحيان . وبما أن مُحَ مَّداً كان قد سافر<br />
إلى بالد الشام فيمكن أنه سمع بعضھم يسميه آثر . ولما لم يتذكر صحته تماماً قال إن أبا<br />
إبراھيم ھو آزر . ولھذا السبب يكتب الفرس ھذا االسم آزر ويلفظونه كأنه مشتق من<br />
لغة الفرس القديمة. ومعنى آزر بالفارسية القديمة نار . وفي اللغة الكلدانية النار<br />
))<br />
.<br />
((<br />
))<br />
١<br />
،((<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
زارح ))<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
قال علماء المسلمين في تفنيد ھذا االعتراض إن ما ذكرتموه يساعدنا مساعدة عظمى<br />
على تأييد صحة اإلِسْ الم، ألن مُحَمَّداً لم ينتحل ھذه القصة من اليھود وال من النصارى، بل<br />
أنزلھا عليه جبريل بالوحي. وبما أن اليھود الذين ھم ذرية إبراھيم خليل قبلوھا، فشھادتھم<br />
تؤيد وتصدق على عبارة القُرْ آن في ھذه القضية.<br />
غير أن المعترضين المنتقدين ردوا بأنه لم يعتقد بصحة ھذه القصة ال عوام اليھود، أما<br />
كل عالِم مدقق فيعرف أن منشأ ھذه الخرافة ھو االشتباه واللبس والخطأ، فإن أساس ھذه القصة<br />
مبني على ما جاء في سفر التكوين، حيث قال إلبراھيم: أنا الرب الذي أخرجك من أور<br />
الكلدانيين ومعنى أور بلغة البابليين القديمة مدينة )). وجاءت جزءاً من كلمة أورشليم<br />
ومعناھا مدينة شليم أي مدينة إله السالم . واسم أور الكلدانيين اآلن المغيَّر وكان<br />
إبراھيم أوالً ساكناً في ھذه المدينة. ولكن توجد في اللغة العبرية واألرامية والكلدانية لفظة أخرى<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
))<br />
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
٢<br />
.((<br />
))<br />
١<br />
سورة األنعام:<br />
تكوين:<br />
.٧٤ /٦<br />
.٧ /١٥<br />
٢<br />
- ٢٠ -
)) أور (( تشبه )) أَوْ ر (( وھي<br />
في النطق والكتابة، غير أن معنى<br />
(( أور ))<br />
في اللغة العبرية<br />
))<br />
.<br />
((<br />
النور<br />
وبعد تدوين التوراة بسنين عديدة جاء مفسرٌ يھودي، اسمه يوناثان بن عزييل، لم تكن له<br />
أدنى معرفة بلغة البابليين القديمة، وأخذ يترجم ھذه اآلية إلى اللغة الكلدانية، فقال: أنا الرب<br />
الذي أخرجك من تنور نار الكلدانيين ! وقال ھذا المفسر الجاھل في تفسيره على تكوين<br />
لما طرح نمرود إبراھيم في أتون النار المتناعه عن السجود ألصنامه لم يؤذن للنار أن<br />
تضره<br />
/١١)<br />
))<br />
((<br />
.<br />
))<br />
((<br />
: (٣٨<br />
ولكن ھل يمكن أن نصدق أن النبي الحقيقي يتوھَّم ھذه الخرافة ويدوِّ نھا في كتابه ثم<br />
يدَّعي أن كتابه منزَ ل من عند ، وأن الدليل على ذلك ھو أنه يتطابق مع كتب اليھود الموحى<br />
بھا؟ وبصرف النظر عن كل ذلك فنمرود الجبار (حسب كالم موسى الوارد في سفر التكوين) لم<br />
يكن في أيام إبراھيم، بل كان قبل مولد إبراھيم بأجيال عديدة. ومع أن اسم نمرود ورد في<br />
األحاديث والتفاسير اإلِسْ المية، إال أنه لم يرد في ھذه القصة الواردة في القُرْ آن ذاته. وواضحٌ أن<br />
الذي أدخل اسم نمرود في القصة جاھل بالكتابة والتاريخ، شأنه شأن من يقول إن اإلسكندر ذا<br />
القرنين ألقى عثمان أحد سالطين العثمانيين في النار، ولم يقل ذلك إال ألنه يجھل مقدار الزمان<br />
بين اإلسكندر وعثمان، وألنه لم يدرِ أن عثمان لم يُلقَ في النار مطلقاً.<br />
) ٣ً) حكاية ملكة سبإ وكيفية مجيئھا إلى سليمان:<br />
إذا قارنا بين ما ورد في القُرْ آن بخصوص بلقيس ملكة سبإ وما ورد في الترجوم<br />
الثاني عن كتاب أستير نجد أن اليھود ھم الذين أبلغوا مُحَ مَّداً ھذه القصة فوقعت عنده موقعاً<br />
حسناً، فانشرح منھا حتى أدخلھا في القُرْ آن، فقال:<br />
))<br />
.<br />
((<br />
<br />
وَ حُشِ رَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ اإلِنسِ وَ الطَّيْرِ فَھُمْ يُوزَ عُو َن... وَ تَفَقَّدَ<br />
الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ الَ أَرَ ى الْھُدْھُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِي َن.ألُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا،<br />
أَوْ ألَذْبَحَ نَّه،ُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ. فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَ طتُ بِمَا لَمْ<br />
تُحِطْ بِهِ وَ جِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ. إِنِّي وَ جَ دتُّ امْرَ أَةً تَمْلِكُھُمْ وَ أُوتِيَتْ مِن<br />
كُلِّ شَيْ ءٍ وَ لَھَا عَرْ شٌ عَظِ ي ٌم. وَ جَ دتُّھَا وَ قَوْ مَھَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ<br />
َّ ِ وَ زَ يَّنَ لَھُمُ الشَّيْطَانُ أَعْ مَالَھُمْ فَصَدَّھُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَھُمْ الَ يَھْتَدُونَ .أَالَّ<br />
يَسْ جُدُوا ِ َّ ِ الَّذِي يُخْ رِ جُ الْخَبْ ءَ فِي السَّمَاوَ اتِ وَ األَرْ ضِ وَ يَعْ لَمُ مَا تُخْ فُو َن<br />
وَ مَا تُعْ لِنُونَ ُ ال إِلَهَ إِالَّ ھُوَ رَبُّ الْعَرْ شِ الْعَظِ يمِ. قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ<br />
كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ اذْ ھَب بِّكِتَابِي ھَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْھِمْ ثُمَّ تَوَ لَّ عَنْھُمْ فَانظُرْ مَاذَا<br />
يَرْ جِعُونَ قَالَتْ يَا أَيُّھَا المَألُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِ ي ٌم. إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ<br />
وَ إِنَّهُ بِسْ مِ َّ ِ الرَّ حْ مَنِ الرَّ حِيمِ. أَالَّ تَعْ لُوا عَلَيَّ وَ أْتُونِي مُسْلِمِي َن. قَالَتْ يَا<br />
أَيُّھَا المَألُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِ ي مَا كُنتُ قَاطِ عَةً أَمْرًا حَ تَّى تَشْھَدُو ِن. قَالُوا نَحْ نُ<br />
أُوْ لُوا قُوَّ ةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَ األَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِ ي مَاذَا تَأْمُرِ ينَ قَالَتْ إِنَّ<br />
الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْ يَةً أَفْسَدُوھَا وَ جَ عَلُوا أَعِزَّ ةَ أَھْ لِھَا أَذِلَّةً وَ كَذَلِكَ يَفْعَلُو َن.<br />
وَ إِنِّي مُرْ سِ لَةٌ إِلَيْھِم بِھَدِيَّةٍ فَنَاظِ رَ ةٌ بِمَ يَرْ جِعُ الْمُرْ سَلُونَ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ<br />
ُ خَ يْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِھَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ<br />
قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ َّ<br />
ارْ جِعْ إِلَيْھِمْ فَلَنَأْتِيَنَّھُمْ بِجُنُودٍ ال قِبَلَ لَھُم بِھَا وَ لَنُخْ رِ جَ نَّھُم مِّنْھَا أَذِلَّةً وَ ھُ ْم<br />
صَاغِرُونَ قَالَ يَا أَيُّھَا المَألُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْ شِ ھَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ<br />
قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِ ٌّي<br />
.<br />
.<br />
.<br />
.<br />
َّ .<br />
.<br />
.<br />
- ٢١ -
.<br />
أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْ تَدَّ إِلَيْكَ طَرْ فُكَ<br />
فَلَمَّا رَ آهُ مُسْ تَقِرًّ ا عِندَهُ قَالَ ھَذَا مِن فَضْ لِ رَ بِّي لِيَبْلُوَ نِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَ مَن<br />
شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَن كَفَرَ فَإِنَّ رَ بِّي غَنِيٌّ كَرِ يمٌ. قَالَ نَكِّرُوا لَھَا<br />
عَرْ شَھَا نَنظُرْ أَتَھْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ ال يَھْتَدُونَ فَلَمَّا جَ اءتْ قِيلَ أَھَكَذَا<br />
عَرْ شُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ ھُوَ وَ أُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِھَا وَ كُنَّا مُسْلِمِي َن. وَ صَدَّھَا مَا<br />
كَانَت تَّعْ بُدُ مِن دُونِ َّ ِ إِنَّھَا كَانَتْ مِن قَوْ مٍ كَافِرِ ينَ قِيلَ لَھَا ادْ خُلِي الصَّرْ حَ<br />
فَلَمَّا رَ أَتْهُ حَسِ بَتْهُ لُجَّ ةً وَ كَشَفَتْ عَن سَاقَيْھَا قَالَ إِنَّهُ صَرْ حٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَ ارِ ي َر<br />
قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَ أَسْ لَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ <br />
١<br />
. <br />
.<br />
.<br />
ِ َّ ِ رَبِّ الْعَالَمِينَ<br />
ھذا ما قاله القُرْ آن عن ملكة سبإ. وما ورد في ھذه السورة عن العرش العظيم يختلف<br />
قليالً عما ورد في الترجوم الذي ذكرناه، ففيه قيل إن صاحب ھذا العرش العظيم كان الملك<br />
سليمان، وإنه ال يوجد عرش مثله في مملكة أخرى، ألنه كان له ست درجات ذھب، وعلى كل<br />
درجة اثنا عشر أسداً من ذھب، واثنا عشر نسراً من ذھب. وكان يوجد خالفھا أربعة وعشرون<br />
نسراً أخرى فوق ھذا العرش العجيب تلقي ظلھا على رأس الملك. ومتى أراد سليمان التوجُّ ه إلى<br />
مكان ما كانت تنزل ھذه النسور القوية وتصعد بعرشه وتحمله إلى حيث أراد. فكانت تلك النسور<br />
(حسب قول الترجوم) تؤدي الوظيفة التي قام بھا عفريت الجن الوارد ذكره في القُرْ آن.<br />
أما ما ورد في الترجوم عن ملكة سبإ ومجيئھا إلى سليمان، والرسالة التي أرسلھا إليھا<br />
الملك وغيره فتوجد مشابھة عجيبة بينه وبين القُرْ آن. غير أن الترجوم يسمّي حامل رسالة<br />
سليمان ديك الصحراء والقُرْ آن يسميه الھدھد. مرة أخرى لما انشرح قلب سليمان بخمرهِ، أمر<br />
بإحضار حيوانات الصحراء وطيور الھواء وزحافات األرض والجن واألرواح والعفاريت<br />
لترقص أمامه، ليُظھر عظمته لجميع الملوك الذين كانوا خاضعين خاشعين أمامه. فاستدعى كتبة<br />
الملك بأسمائھم، فأتوا إليه ما عدا المسجونين واألسرى والرجل الذي فُوِّ ضت له حراستھم. وكان<br />
ديك الصحراء في تلك الساعة يمرح بين الطيور ولم يوجد، فأمر الملك أن يحضروه بالقوة، وھ َّم<br />
بإھالكه، فرجع ديك الصحراء ووقف أمام حضرة الملك سليمان وقال له: اسمع يا موالي،<br />
ملك األرض، وأَمِل أذنك واسمع أقوالي. ألم تم ِض ثالثة أشھر من حين ما تفكرت في قلبي<br />
وصممت تصميماً أكيداً في نفسي أن ال آكل وال أشرب ماء قبل أن أرى كل العالم وأطير فيه.<br />
وقلت: ما ھي الجھة أو ما ھي المملكة غير المطيعة لسيدي الملك؟ فشاھدت ورأيت مدينة<br />
حصينة اسمھا قيطور في أرض شرقية، وترابھا أثقل من الذھب والفضة كزبالة في األسواق،<br />
وقد غُرست فيھا األشجار من البدء، وھم شاربون الماء من جنة عدن. ويوجد جماھير يحملون<br />
أكاليل على رؤوسھم فيھا نباتات من جنة عدن ألنھا قريبة منھا. ويعرفون الرمي بالقوس، ولكن<br />
ال يمكن أن يقتلوا بھا. وتحكمھم جميعھم امرأة اسمھا ملكة سبإ. فإذا تعلقت إرادة موالي الملك<br />
فليمنطق حقوي ھذا الشخص وأرتفع وأصعد إلى حصن قيطور إلى مدينة سبأ، وأنا أقيِّد ملوكھم<br />
بالسالسل وأشرافھم بأغالل الحديد، وأحضرھم إلى سيدي الملك<br />
))<br />
.<br />
((<br />
١<br />
فوقع ھذا الكالم عند الملك موقعاً حسناً، فدُعي كتبة الملك وكتبوا كتاباً ربطوه بجناحي<br />
ديك الصحراء، فقام وارتفع إلى السَّماء وربط تاجه وتقوى وطار بين الطيور. فطاروا خلفه<br />
وتوجھوا إلى قلعة قيطور إلى مدينة سبأ. واتفق في الفجر أن ملكة سبإ كانت خارجة إلى البحر<br />
للعبادة، فحجبت الطيور الشمس. فوضعت يدھا على ثيابھا ومزقتھا ودُھشت واضطربت. ولما<br />
سورة النمل:<br />
.٤٤ و٢٠ ١٧ /٢٧<br />
- ٢٢ -
))<br />
كانت مضطربة دنا منھا ديك الصحراء، فرأت كتاباً مربوطاً في جناحه ففتحته وقرأته، وھاك ما<br />
كُتب فيه:<br />
مني أنا الملك سليمان، سالم ألمرائك. ألنك تعرفين أن القدوس المبارك<br />
جعلني ملكاً على وحوش الصحراء وعلى طيور الھواء وعلى الجن وعلى<br />
األرواح وعلى العفاريت وكل ملوك الشرق والغرب والجنوب والشمال،<br />
يأتون للسؤال عن سالمتي. فإذا أردتِ وأتيتِ للسؤال عن صحتي فحسناً<br />
تفعلين، وأنا أجعلك أعظم من جميع الملوك الذي يخرون سُجَّداً أمامي. وإذا<br />
لم تطيعي ولم تأتي للسؤال عن صحتي أرسل عليك ملوكاً وجنوداً<br />
وفرساناً. وإذا قلتِ: ما ھم الملوك والجنود والفرسان الذين عند الملك<br />
سليمان؟ إن حيوانات الصحراء ھم ملوك وجنود وفرسان. وإذا قلت: ما<br />
ھي الفرسان؟ قلت إن طيور الھواء ھي فرسان، وجيوشي األرواح والجن<br />
والعفاريت. ھم الجنود الذين يخنقونكم في فرشكم في داخل بيوتكم.<br />
حيوانات الصحراء يقتلونكم في الخالء. طيور السَّماء تأكل لحمكم منكم<br />
.<br />
((<br />
.<br />
))<br />
((<br />
فلما سمعت ملكة سبإ أقوال الكتاب ألقت ثانية يدھا على ثيابھا ومزقتھا، وأرسلت<br />
واستدعت الرؤساء واألمراء وقالت لھم: ألم تعرفوا ما أرسله إليَّ الملك سليمان؟ فأجابوا: ال<br />
نعرف الملك سليمان، وال نعتد بمملكته، وال نحسب له حساباً. فلم تصغِ إلى أقوالھم بل أرسلت<br />
واستدعت كل مراكب البحر وشحنتھا ھدايا وجواھر وحجارة ثمينة، وأرسلت إليه ستة آالف ولداً<br />
وابنة وكلھم ولدوا في سنة واحدة وشھر واحد ويوم واحد وساعة واحدة، وكانوا كلھم البسين<br />
ثياباً أرجوانية. ثم كتبت كتاباً أرسلته إلى الملك سليمان على أيديھم وھذا نصه:<br />
من قلعة قيطور إلى أرض إسرائيل، سفر سبع سنين. إنه بواسطة<br />
صلواتك وبواسطة استغاثاتك التي ألتمسھا منك سآتي إليك بعد ثالث سنين<br />
فحدث بعد ثالث سنين أن أتت ملكة سبإ إلى الملك سليمان. ولما سمع أنھا أتت أرسل<br />
إليھا بنايا بن يھوياداع الذي كان كالفجر الذي يبزغ في الصباح، وكان يشبه كوكب الجالل (أي<br />
الزھرة) التي تتألأل وھي ثابتة بين الكواكب، ويشبه السوسن المغروس على مجاري المياه. ولما<br />
رأت ملكة سبإ بنايا بن يھوياداع نزلت من العربة، فقال لھا: لماذا نزلت من عربتك؟ فأجابته:<br />
ألست أنت الملك سليمان؟ فأجابھا: لست أنا الملك سليمان بل أحد خدامه الواقفين أمامه. ففي<br />
الحال التفتت إلى خلفھا ونطقت بمثل لألمراء وھو: إذا لم يظھر أمامك األسد فقد رأيتم ذريته.<br />
فإذا لم تروا الملك سليمان فقد شاھدتم جمال شخص واقف أمامه. فأتى بنايا بن يھوياداع أمام<br />
الملك. ولما بلغ الملك أنھا أتت أمامه، قام وذھب وجلس في بيت بلوري. ولما رأت ملكة سبإ أن<br />
الملك جالس في بيت بلوري توھمت في قلبھا قائلة: إن الملك جالس في الماء، فرفعت ثوبھا<br />
لتعبر، فرأى أن لھا شعراً على الساقين. فقال لھا: إن جمالك ھو جمال النساء وشعرك ھو شعر<br />
الرجل، فالشعر ھو حلية الرجل ولكنه يعيب المرأة. فقالت: يا موالي الملك، سأنطق لك بثالثة<br />
أمثال. فإذا فسَّرتھا لي فأعرف أنك حكيم، وإال كنت كسائر الناس. ففسر لھا الملك سليمان الثالثة<br />
األمثال، فقالت: يتبارك الرب إلھك الذي سُرَّ بك وأجلسك على عرش المملكة لتجري قضا ًء<br />
وعدالً. وأعطت للملك ذھباً وفضة، وأعطاھا الملك كل ما اشتھت<br />
.<br />
((<br />
فترى في ھذه القصة اليھودية أنه ذكر فيھا بعض األمثال التي طلبت ملكة سبإ من<br />
سليمان حلھا. ومع أنه لم يرد لھا ذكر في القُرْ آن إال أنھا ذكرت في األحاديث. وبما أن القُرْ آن لم<br />
- ٢٣ -
يستوفِ وصف ساقي الملكة، وجب استيفاء تكملتھا من األحاديث. وھذا ما جاء في كتاب<br />
عرائس المجالس (ص ٤٣٨)، فقد ذكر أنه لما أرادت ملكة سبإ الدخول إلى قصر سليمان<br />
وتوھمت أن البلور ماء، كشفت عن ساقيھا لتخوضه إلى سليمان. فنظر سليمان فإذا ھي أحسن<br />
الناس ساقاً وقدماً، إال أنھا كانت شعراء الساقين. فصرف بصره عنھا وناداھا أنه صرح ممرد<br />
من قوارير.<br />
))<br />
))<br />
((<br />
((<br />
١<br />
.<br />
((<br />
ولقصة ملكة سبإ (وفي العبرية شبا) أساس حقيقي، فقد جاءت قصة زيارتھا إلى سليمان<br />
في الكتاب المقدس، فقال: وسمعت ملكة سبإ بخبر سليمان لمجد الرب فأتت لتمتحنه بمسائل.<br />
فأتت إلى أورشليم بموكب عظيم جداً بجمال حاملة أطياباً وذھباً كثيراً جداً وحجارة كريمة، وأتت<br />
إلى سليمان وكلمته بكل ما كان بقلبھا. فأخبرھا سليمان بكل كالمھا. لم يكن أمراً مخفياً عن الملك<br />
لم يخبرھا به. فلما رأت ملكة سبإ كل حكمة سليمان والبيت الذي بناه وطعام مائدته ومجلس<br />
عبيده وموقف خدامه ومالبسھم وسُقاته ومحرقاته التي كان يُصعدھا في بيت الرب لم يبقَ فيھا<br />
روحٌ بعد. فقالت للملك: صحيحاً كان الخبر الذي سمعتُه في أرضي عن أمورك وعن حكمتك،<br />
ولم أصدق األخبار حتى جئت وأبصرت عيناي. فھوذا النصف لم أُخبَر به. زدتَ حكمة وصالحاً<br />
على الخبر الذي سمعته. طوبى لرجالك وطوبى لعبيدك ھؤالء الواقفين أمامك دائماً السامعين<br />
حكمتك. ليكن مباركاً الرب إلھك الذي سُرَّ بك وجعلك على كرسي إسرائيل، ألن الرب أحب<br />
إسرائيل إلى األبد. جعلك ملكاً لتُجري حكماً وبراً. وأعطت الملك مئة وعشرين وزنة ذھب<br />
وأطياباً كثيرة جداً وحجارة كريمة لم يأتِ بعد مثل ذلك الطيب في الكثرة الذي أعطته ملكة سبإ<br />
للملك سليمان<br />
فھذا ھو أصل القصة، وما زاد على ذلك فھو زيادات وھمية خرافية، كما قرر علماء<br />
اليھود أنفسھم. نعم وجد أيضاً في سفري الملوك وأخبار األيام تفصيل عن عرش سليمان الرفيع،<br />
ولكن لم يرد شيء عن حمله ونقله. وما ورد في القُرْ آن بخصوص حكم سليمان على الجن<br />
والعفاريت يطابق ما ورد في كتاب الترجوم المذكور سابقاً. ولكن ھذه الرواية وھمية، فقد قال<br />
علماء اليھود إن ھذا المفسر بنى أوھامه على ما اقترفه من الخطأ في ترجمة كلمتين عبريتين<br />
سيدة وسيدات ألنه لما كان يندر<br />
ھما (( شِدّاه وشِدّوْ تْ من سفر الجامعة<br />
وجود ھاتين الكلمتين في العبرية، خلط ھذا المفسر الجاھل بينھما لعدم معرفته بمعناھما<br />
الصحيح، فاشتبھتا عليه بكلمتين فسَّرھما بالجن. وكان له إلمام بالكلمتين الدالتين على الجن<br />
(وھما شِ دو، وشِ ديم). وكل من تحرى قصة ملكة سبإ التي ترجمناھا من كتاب الترجوم يظھر له<br />
بال شك أن ھذه الخرافة تشبه الحكايات الواردة في كتاب ألف ليلة وليلة شبھاً كثيراً. ولكن لما لم<br />
يكن مُحَ مَّد عارفاً بذلك، وقد سمع ھذه الرواية من اليھود، توھَّم أنھم أخذوھا عن التوراة وتلوھا<br />
عليه، فأوردھا في القُرْ آن.<br />
) ٤ً) قصة ھاروت وماروت:<br />
((<br />
/٢) .(٨ ومعناھما ))<br />
مع أن كثيراً من قصص القُرْ آن مستعارة من الخرافات اليھودية، نكتفي بسرد قصة<br />
ھاروت وماروت قبل أن ننتقل إلى الكالم على ما ھو أھم من ذلك. ونوردھا أوالً من القُرْ آن<br />
واألحاديث، ثم ننقل ما ورد منھا في كتب اليھود، ونقارنھا بعد ذلك بما ورد في القُرْ آن<br />
واألحاديث.<br />
))<br />
((<br />
١<br />
١٠ ١ملوك: ١ /١٠<br />
؛ ٢أخبار األيام:<br />
.٥ /٩<br />
- ٢٤ -
((<br />
))<br />
<br />
))<br />
١<br />
. <br />
قال القُرْ آن: وَ مَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ؛ وَ لَكِنَّ الشَّيْاطِ ينَ كَفَرُواْ ُيعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْ َر، وَ مَا<br />
أُنزِ لَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ: ھَارُوتَ وَ مَارُوتَ ، وَ مَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَ تَّى يَقُوالَ: إِنَّمَا نَحْ نُ فِتْنَةٌ فَالَ<br />
تَكْفُرْ وقد ورد في عرائس المجالس في تفسير ھذه اآلية:<br />
قال المفسرون إن المالئكة لما رأوا ما يصعد إلى السماء من أعمال بني<br />
آدم الخبيثة ، وذلك في زمن إدريس النبي ع عيَّروھم بذلك وأنكروا<br />
عليھم، وقالوا : إن ھؤالء الذين جعلتھم خلفاءً في األرض واخترتھم<br />
يعصونك. فقال تعالى: لو أنزلتُكم إلى األرض وركَّبتُ فيكم ما ركبت فيھم<br />
لفعلتم مثل ما فعلوا. قالوا: سبحانك ربنا ما كان ينبغي أن نعصيك. قال <br />
تعالى : اختاروا مَلَكين من خياركم أُھبِطھما إلى األرض. فاختاروا ھاروت<br />
وماروت، وكانا من أصلح المالئكة وأعبدھم. قال الكلبي: قال تعالى :<br />
اختاروا ثالثة منكم. فاختاروا عزا وھو ھاروت وعزابيا وھو ماروت<br />
وعزرائيل. وإنما غيَّر اسمھما لما اقترفا من الذنب، كما غيَّر اسم إبليس<br />
وكان اسمه عزازيل. فر َّكب تعالى فيھم الشھوة التي ركبھا في بني آدم<br />
وأَھبطھم إلى األرض، وأمرھم أن يحكموا بين الناس بالحق، ونھاھم عن<br />
الشِّرك والقتل بغير الحق والزنا وشرب الخمر. فأما عزرائيل فإنه لما<br />
وقعت الشھوة في قلبه استقال ربه، وسأله أن يرفعه إلى السماء. فأقاله<br />
ورفعه. وسجد أربعين سنة ثم رفع رأسه ولم يزل بعد ذلك مطأطأ رأسه<br />
حياءً من تعالى. وأما اآلخران فإنھما ثبتا على ذلك يقضيان بين الناس<br />
يومھما، فإذا أمسيا ذكرا اسم تعالى األعظم، وصعدا إلى السماء. قال<br />
قتادة: فما مرَّ عليھما شھر حتى افتتنا، وذلك أنه اختصمت إليھما ذات يوم<br />
الزھرة، وكانت من أجمل النساء. قال عليٌّ ) ع ( : كانت من أھل فارس،<br />
وكانت ملكة في بلدھا. فلمّا رأياھا أخذت بقلبيھما، فراوداھا عن نفسھا فأبت<br />
وانصرفت. ثم عادت في اليوم الثاني، ففعال مثل ذلك، فقالت: ال، إال أن<br />
تعبدا ما أعبد وتصلِّيا لھذا الصنم وتقتال النفس وتشربا الخمر. فقاال: ال<br />
سبيل إلى ھذه األشياء، فإن قد نھانا عنھا. فانصرفت ثم عادت في اليوم<br />
الثالث ومعھا قدح من خمر، وفي نفسھا من المَيل إليھما ما فيھا، فراوداھا<br />
عن نفسھا فأبت، وعرضت عليھما ما قالت باألمس، فقاال: الصالة لغير َّ ِ<br />
أمر عظيم، وقتل النفس عظيم، وأھون الثالثة شرب الخمر. فشربا الخمر<br />
فانتشيا ووقعا بالمرأة وزنيا بھا، فرآھما إنسان فقتاله. قال الربيع بن أنس:<br />
وسجدا للصنم فمسخ الزھرة كوكباً. وقال عل ٌّي رضي ّ عنه والسّدي<br />
والكلبي إنھا قالت: ال تدركاني حتى تعلّماني الذي تصعدان به إلى السماء.<br />
فقاال: نصعد باسم األكبر. فقالت: فما أنتما بمدركيَّ حتى تعلمانيه. قال<br />
أحدھما لصاحبه: علِّمھا، فقال: إني أخاف . فقال اآلخر: فأين رحمة<br />
تعالى ؟ فعلَّماھا ذلك فتكلمت به وصعدت إلى السماء، فمسخھا )) كوكباً<br />
.<br />
(<br />
)<br />
))<br />
فإذا أخذنا في البحث والتحري عن أصل ھذه القصة وجدناھا في موضعين أو في ثالثة<br />
مواضع من تلمود اليھود، والسيما في مدراش يَلْكوت (فصل ٤٧) وھاك نص ترجمتھا:<br />
((<br />
١<br />
سورة البقرة:<br />
.١٠٢ /٢<br />
- ٢٥ -
))<br />
((<br />
١<br />
))<br />
))<br />
استفھم تالميذ يوسف الرباني من أستاذھم عن عزائيل، فقال لھم: لما قام<br />
جيل الطوفان، ودانوا بالعبادة الباطلة، سخط عليھم القدوس تبارك اسمه.<br />
فقام مَلَكان شمحزاي و عزائيل وقاال بحضرته: يا رب العالم، ألم<br />
نقل لك بحضرتك لما خلقت عالمك: من ھو اإلنسان حتى تذكره؟ فقال<br />
لھما: وأما العالم فماذا يحصل له؟ فقاال له: يا رب العالم نتسلط عليه. فقال<br />
لھما: إنه مكشوف ومعلوم بأنه إذا تسلطتم على األرض تتسلط عليكم<br />
الشھوة الردية، وتكونون أكثر من بني آدم عناداً. فقاال له: ائذن لنا أن<br />
نسكن مع الخالئق، وترى كيف نقدس اسمك. فقاال لھما: اھبطا واسكنا<br />
معھم. فنظر شمحزاي صبية واسمھا إسطھر (أستير) فشخص وقال لھا:<br />
أطيعيني. فقالت له: ال أصغي لك ما لم تعلمني االسم المختص (با) الذي<br />
في ساعة ذكرك إياه أصعد إلى الفلك. فعلمھا إياه، فذكرته وصعدت إلى<br />
الفلك أيضاً ولم تدنِّس عرضھا. قال القدوس تبارك اسمه: بما أنھا نزھت<br />
نفسھا عن التجاوز فاذھبوا واجعلوھا بين السبعة الكواكب لتكونوا طاھرين<br />
من جھتھا إلى األبد. فوُ ضعت بين الثريا. وتنجَّسا مع بنات آدم اللواتي كنَّ<br />
جميالت ولم يقدرا على قمع شھوتھما، فقاما واتخذا زوجات وولدا ولدين<br />
(ھوآء) و(ھيآء). فاستعان عزائيل بالحلي المتنوعة وأنواع زخرفات النساء<br />
المبھرجة على إغواء بني آدم وإغرائھم على اقتراف التعدّي<br />
٢<br />
.<br />
((<br />
((<br />
]<br />
ومما يجب التنبيه إليه أن عزرائيل الذي تقدم ذكره في األحاديث<br />
المذكورة آنفاً ھو ذات عزائيل المذكور في التلمود<br />
[<br />
((<br />
))<br />
ومن قارن ھاتين القصتين يرى أنھما قصة واحدة. غاية األمر أن الحديث قال إن<br />
المالكين اللذين أخطئا ھما ھاروت وماروت، مع اعترافه بأنھما كانا يسميان في األصل باسمين<br />
آخرين. أما في مدراش يَلْكوت فتسمَّيا بشمحزاي وعزائيل. ولكن إذا سأل سائل: مِن أين<br />
استُعير االسم الوارد في القُرْ آن واألحاديث؟ قلنا: إننا نرى بعد التحري أن ھاروت وماروت ھما<br />
اسما إلھين قديمين كاذبين كانا يعبدھما األرمن في األزمنة القديمة. وقد ذكر مؤرخو األرمن أن<br />
وھاك نص عبارة أحد<br />
ھوروت وموروت األرمن كانوا يعبدون إلھين اسمھما باللغة األرمنية مؤرخي األرمن:<br />
((<br />
))<br />
))<br />
ھوروت وموروت كانا بال شك من أعوان اإللھة أسبانداراميت وھما<br />
بطال جبل مازيس و(( أمينابيغ أيضاً. وربما كانت توجد آلھة أخرى<br />
ال علم لنا بھا إلى اآلن، وكانوا من أعظم المساعدين على تقوية األرض<br />
وجعلھا مخصبة كثيرة الكسب<br />
((<br />
))<br />
((<br />
.<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
وإليضاح ھذه الجملة نقول إن أسبانداراميت كانت اإلالھة التي عبدھا الفرس أيضاً<br />
ألن الزارادشتيين كانوا يعتقدون أنھا روح األرض، وأنھا سبب كل ما نبت على األرض من<br />
المحصوالت الطيبة واألثمار اليانعة. وكان سكان أرمينيا يسمون إله الكروم أمينابيغ وقالوا<br />
إن ھوروت وموروت ھما اإللھان المساعدان إللھة األرض إذ توھموا أنھما الروحان المتسلطان<br />
على الرياح، وھما اللذان يحمالن ويسخران الرياح التي كانت تجمع السحاب الذي يأتي بالمطر<br />
ليصدم قمة جبل أرارات الشامخة فتھطل األمطار على األرض، وحينئذ تقوى األرض على<br />
((<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
١<br />
٢<br />
يعني القوم الذين كانوا موجودين في عصر طوفان نوح.<br />
.٤ /٨ مزمور:<br />
- ٢٦ -
جاجل<br />
إنبات النباتات وإخراج المحصوالت.. فيتضح من ھذا أن ھوروت وموروت كانا في األصل<br />
روحين للرياح، ومما يؤيد ذلك أن كثيراً ما ذكر في كتب الھنود القديمة كلمة المرتون<br />
فإن قدماء الھند كانوا يعتقدون أنھم آلھة الزوابع القاصفة والرياح العاصفة. وبناءً على ذلك<br />
انتقلت كلمة مرت إلى اللغة األرمنية وصارت موروت . فتوھَّم األرمن أن موروت<br />
مشتقَّة من كلمة مور باللغة األرمنية، وھي مضاف إليه لكلمة معناھا أم ثم وضعوا<br />
لفظة ھور في مقابلة كلمة مور لحصول المناسبة، فإن معنى ھور بلغتھم مضاف<br />
إليه لكلمة معناھا أب . وبھذه الكيفية صاغوا كلمة ھوروت وموروت. وھذا ھو أصل<br />
وضعھما ومنشئھما. فيكون المقصود من قوله إن ھذين الملكين ھبطا من السَّماء وماال إلى<br />
التناسل أن ھذين الروحين اللذين في قبضتھما الرياح ساعدا األرض على إنبات المحصوالت<br />
وإخراج الثمار بتسخيرھما الرياح التي كانت تسوق سحب األمطار.<br />
.<br />
((<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
((<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
))<br />
((<br />
))<br />
))<br />
أما اسطھر وھو اسم الصبية الواردة في القصة اليھودية فھي ذات عشتاروت<br />
إحدى اآللھة الكاذبة التي كان يعبدھا عبَدة األصنام القدماء، وھي الزھرة، أي الكوكب السِّيار<br />
التي ورد اسمھا في األحاديث التي ذكرناھا آنفاً. وكان أھل بابل في قديم الزمان يعتقدون أن ھذا<br />
الكوكب السيار إالھة، فكان كل سكان بابل وسوريا يعبدونھا، ألنھم زعموا أنھا رئيسة التوليد<br />
وإنتاج الذرية، وتوھموا أيضاً أنھا كانت تفرح من كل أنواع الفسق والفجور. ووجدت كلمة<br />
أشتر وھو اسمھا منقوش في قوالب آجر قديمة اكتُشفت في بالد ما بين النھرين، ووجدت كتابة<br />
منقوشة باألحرف األشورية األثرية القديمة على قوالب اللِّبن المشوي، فإن بعض ھذه القوالب<br />
كانت عند القدماء بمنزلة كتبھم، ووُ جدت فيھا روايات كثيرة عن أشتر أي الزھرة. وھاك<br />
ترجمة قصة منھا، تُرجمت من اللغة البابلية القديمة، فأفادتنا عن شخص وھمي ال وجود له اسمه<br />
ميش عشقته أشتر ولكنه لم يمل إليھا:<br />
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
))<br />
.<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
.((<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
لبس جلجاميش تاجه. ولما أرادت اإلالھة أشتر أن تستميله إليھا قالت له:<br />
قبِّلني يا جلجاميش، ويا ليتك تكون عريسي. أعطني ثمرك عطية، وليتك<br />
كنت بعلي وأنا زوجة لك فكنت أركب عربة من الزورد وذھب وعجلتاھا<br />
من ذھب وعريشاھا من الماس، وكنا نقطر البغال العظيمة إليھا يوماً.<br />
فادخل إلى بيتنا مع عطر السرور. غير أن جلجاميش استھزأ بأشتر وأنَّبھا<br />
ولم يرضَ أن يتخذھا زوجة له<br />
ثم ذكر في ھذه القوالب باقي القصة: فاغتاظت اإلالھة أشتر وصعدت إلى السموات<br />
ومثلت أمام اإلله أنو وھو إله السَّماء الذي كان يعبده البابليون، وكانوا يعتقدون أن اشتر ھي<br />
ابنته.<br />
من الواضح أن ھذه القصة القديمة المتداولة بين عبدة األصنام البابليين ذكرت صعود<br />
أشتر (أي الزھرة) إلى السَّماء، كما ذُكر صعودھا في األحاديث اإلِسْ المية وفي التفسير<br />
اليھودي الذي استشھدنا بعبارته. وليس ذلك فقط بل ورد في الكتاب الھندي المكتوب بلغة<br />
سنسكريت القديمة واسمه المھابھارته ما يشبه ھذه الخرافة، إذ قيل فيه إن روحين اسمھما<br />
سُند و(( أُبْسُند ناال في قديم الزمان من اإلله برھما فضالً واستحقاقاً بواسطة تقشفھما<br />
وزھدھما. فتسلطا على السَّماء واألرض واستوليا عليھا استيال ًء. فداخل ھذا اإلله الجزع لئال<br />
تخرج جميع أمالكه من يده ما لم يقتل خصميه اللذين شاطراه الملك. وليتوصَّل إلى إھالكھما<br />
خلف حورية اسمھا تلوتما ووھبھا لھما. ولما شاھدھا ھذان األخان أخذھا سند من يدھا<br />
اليمنى وأخذھا أبسند من يدھا اليسرى، ورغب كل منھما أن يتَّخذھا قرينة له. فنشأ عن ذلك<br />
بين األخين العداوة والبغضاء، واستفحل الشر حتى اقتتال فقُتال، فبارك اإلله برھما الحورية<br />
))<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
((<br />
- ٢٧ -
((<br />
))<br />
تلوتما وأثنى عليھا ثناءً جميالً، وقال لھا: ستحيطين بجميع الدنيا التي تشرق عليھا الشمس،<br />
وال يمكن ألحد أن يفتح عينيه فيك لعظم بھائك وسنا أشعة زينتك وتفوُّ ق جمالك الرائع الباھر.<br />
١<br />
فنرى أنه ورد في ھذه الخرافة ذكر الصعود إلى الفلك، والحورية التي كان جمالھا رائعاً<br />
وباھراً، ولو أنھا تختلف اختالفاً قليالً عن الزھرة وأشتر، فالزھرة أشتر حسب الرواية اليھودية<br />
واألحاديث اإلِسْ المية كانت على األرض قبل صعودھا إلى الفلك. ولكنھا حسب الرواية الھندية<br />
البابلية كانت ذات صلة بالسَّماء من أول األمر، العتقادھم أن أشتر كانت إالھة، وكذلك تلوتما<br />
الحورية. وھنالك اختالف آخر وھو أن الروحين في الرواية الھندية اللذين عشقاھا كان أوالً<br />
على األرض، ولكنھما في الرواية اليھودية واإلِسْالمية ھبطا من الفلك. وقال الھنود إن ھذين<br />
األخين تناسال من إلھة اسمھا دتي فيكون أصلھما حسب الرواية الھندية أيضاً من السَّماء.<br />
والحاصل أن جميع ھذه القصص تشبه بعضھا من وجوه كثيرة، وكانت سائدة بين الوثنيين في<br />
األزمنة القديمة.<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
وقال المحققون إنه لما كان اليھود يميلون إلى الخرافات، أخذوا من عبدة أصنام بابل<br />
قصة أشتر ولما نسوا أصلھا اعتقدوا في األزمنة الحديثة أنھا حكاية صحيحة، فدوَّ نوھا في<br />
التلمود بالصورة التي وجدناھا عليھا. ولما سمع المسلمون ھذه الحكاية من اليھود ولم يعرفوا<br />
أنھا خرافة، دوَّ نوھا مختصرة في القُرْ آن كأنھا صحيحة، وأوردوھا مفصلة في األحاديث.<br />
وإذا سأل سائل: لماذا قبلھا اليھود؟ قلنا إن السبب خطؤھم في فھم معنى فقرة في سفر<br />
التكوين. وكل ما كتب في التلمود عن معاشرة المالئكة للنساء اآلدميات ناشئ عن تفسير تلك<br />
الفقرة، وھي: وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على األرض ووُ لد لھم بنات أن أبناء رأوا<br />
بنات الناس أنھن حسنات، فاتخذوا ألنفسھم نساء من كل ما اختاروا.. كان في األرض طغاة في<br />
تلك األيام. وبعد ذلك أيضاً إذ دخل بنو على بنات الناس وولدن لھم أوالداً. ھؤالء ھم الجبابرة<br />
الذين منذ الدھر ذوو اسم والقول يصف األتقياء الصالحين الذين تناسلوا من<br />
شيث، ابن آدم الثالث. واألرجح أن معنى كلمة نفيل ھو مثل قولنا في اللغة العربية نبيل<br />
وجمعھا نبالء. وقال البعض إنھا تدل على العتاة الذين يتعدّون على الضعاف ويظلمونھم.<br />
وترجم كتاب ترجوم أونتلوس كلمة نفيليم الواردة في اآلية المتقدمة بكلمة كلدية معناھا<br />
بالعربية الجبابرة مشتقَّة من أصل ھذه الكلمة العبرية، وال شك أن ھذا ھو الصواب. ولكن<br />
لما كان أحد مفسري قدماء اليھود (واسمه يوناثان بن عزئيل) يجھل معنى كلمة نفيليم<br />
العبرية النادرة االستعمال توھَّم أن معناھا المالئكة الساقطين ففسَّر آية تكوين بأن<br />
شمحزاي وعزئيل ھبطا من السَّماء وكانا على األرض في تلك األيام. فمن ھنا نرى أن منشأ ھذه<br />
الخرافة من أولھا إلى آخرھا عن أشتر المذكورة في مدراش يلكوت ھو الخطأ الذي اقترفه<br />
ھذا الرجل وغيره ممن نحا نحوه، فقبلوا إحدى خرافات عبدة األصنام البابليين جھالً، وتوھموا<br />
أنھا تبين معنى آية في التوراة التبس عليھم معناھا فلم يفھموھا. ومع ذلك فال عذر لھم، فإن أحد<br />
علماء اليھود المفسرين، وھو أقدم منھم عھداً وزمناً وأرسخ منھم قدماً، فسَّر ھذه اللفظة وشرح<br />
معناھا الحقيقي الذي التبس عليھم.<br />
((<br />
((<br />
٢<br />
))<br />
))<br />
(٦ /٤)<br />
((<br />
((<br />
))<br />
٤<br />
((<br />
((<br />
أبناء <br />
))<br />
))<br />
))<br />
((<br />
٣<br />
.((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
١<br />
وبما أن جُھّال اليھود كانوا يميلون إلى الخرافات، وكانوا مولعين بذكر الغرائب، فال<br />
عجب إذا وجدنا في بعض كتبھم قصة سقوط المالئكة وخطيتھم بھذه الكيفية. ففي بدء األمر قال<br />
كتاب المھابھارته في باب رواية ) سُند وأُبسند وباكھيانم<br />
في العبرية: النفيليم.<br />
تكوين: و٢ و٤.<br />
جمعھا نفيليم في العبرية.<br />
(<br />
١/٦<br />
٢<br />
٣<br />
٤<br />
أي قصة سند وأبسند.<br />
- ٢٨ -
))<br />
اليھود إن مالكين ھبطا وسقطا، ولكنھم بعد ذلك زادوا عددھم من حين إلى آخر في الخرافات<br />
المتواترة بينھم. وفي آخر األمر ورد في الكتاب الملفَّق المنسوب كذباً وزوراً إلى النبي أخنوخ<br />
أن عدد المالئكة الذين ھبطوا من السَّماء بلغ ٢٠٠، وسبب ھبوطھم جميعاً أنھم اقترفوا الفسق مع<br />
النساء. ونورد ھنا الفقرة اآلتية من كتاب أخنوخ المشار إليه، مترجمة من اللغة الحبشية،<br />
ألن األصل اليوناني لھذا الكتاب وصل إلينا بحالة متناثرة وناقصة. وإليك ترجمة ھذه العبارة:<br />
((<br />
))<br />
رأت (بنات الناس) أن المالئكة وھم أبناء السموات قد افتتنوا بھ ّن، وقالوا<br />
بعضھم لبعض: تعالوا نأخذ ألنفسنا زوجات من بنات الناس ونخلف أوالداً<br />
ألنفسنا. فقال لھم سميازا (أي شمحزاي) الذي ھو رئيسھم.. وعلَّم إزازيل<br />
(أي عزازيل) بني آدم صناعة السيوف والخناجر والتروس والدروع<br />
لصدورھم، وأراھم وأعقابھم ومصنوعاتھم (يعني األساور والحلي)<br />
واستعمال الكحل لتزجيج أھداب عيونھم، واستعمل جميع أنواع الصباغة<br />
المتنوعة وعملة الدنيا (أي النقود التي يتعامل بھا اإلنسان في ھذه الدنيا)<br />
<br />
٢<br />
١<br />
.((<br />
ومعروف أن مسألة تعليم المالئكة للناس األمور المذكورة آنفاً وردت في القرآن:<br />
فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْھُمَا مَا يُفَرِّ قُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْ ءِ وَ زَ وْ جِهِ وَ مَا ھُم بِضَآرِّ ينَ بِهِ مِنْ أَحَ دٍ إِالَّ بِإِذْ نِ ّ ِ<br />
وَ يَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّھُمْ وَ الَ يَنفَعُھُ ْم ؛ ويقصد بالمالكين المشار إليھما ھنا ھاروت وماروت<br />
غير أن القُرْ آن انتحل ذكر تعليم المالكين للناس أيضاً مما ورد في مدراش يلكوت حيث<br />
ذكر أن عزازيل استعان بالحلي المتنوعة وأنواع زخرفات النساء المبھجة إلغواء بني آدم على<br />
اقتراف الفجور.<br />
((<br />
))<br />
))<br />
.((<br />
فما قلناه عن ھاروت وماروت يجوز أن يكون برھاناً كافياً يؤيد أن ھذه القصة أيضاً<br />
مأخوذة من كتب اليھود.<br />
) ٥ً) جبل سيناء<br />
لوال ضيق المقام ألوردنا من القُرْ آن قصصاً شتى يسھل علينا البحث فيھا وإقامة الدليل<br />
على أنھا لم تكن مطابقة لنصوص التوراة، بل موافقة للخرافات التي ألَّفھا كَتَبة اليھود. مثالً أورد<br />
القُرْ آن في قصص يوسف وداود وشاول (طالوت) أموراً شتى لم يرد لھا ذكر في العھد القديم،<br />
ولكنھا وردت في خرافات اليھود، منھا ما ورد في سورة األعراف: وَ إذا نَتَقْنَا الْجَ بَلَ فَوْ قَھُ ْم<br />
كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ؛ وَ ظَنُّواْ أَنَّهُ وَ اقِعٌ بِھِ ْم، خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّ ٍة، وَ اذْ كُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُو َن<br />
وورد مثله في البقرة و٩٣). ومعنى ذلك أن سبحانه شرع في إعطاء التوراة لبني<br />
إسرائيل، ولما رأى منھم عدم الرضى بقبولھا رفع أو نتق جبل سيناء فوقھم وأمسكه على<br />
رؤوسھم ليوقع الرعب والفزع في أفئدتھم. وقد وردت ھذه القصة في الكتاب اليھودي عبوداه<br />
زاراه الفصل الثاني ونصھا: قد سترتكم بالجبل كغطاء<br />
٣<br />
. <br />
))<br />
<br />
.<br />
((<br />
))<br />
٦٣ /٢)<br />
((<br />
وال حاجة للقول إن ھذه الخرافة ال أثر لھا في التوراة، ولكن منشأھا وھم، وسوء فھم<br />
بعض مفسِّري اليھود. فورد في سفر الخروج أنه لما نزل موسى من الجبل ورأى بني<br />
(١٩ /٢)<br />
١<br />
كتاب أخنوخ فصل<br />
سورة البقرة:<br />
سورة األعراف:<br />
٢ ٦ آية<br />
.١٠٢ /٢<br />
.١٧١ /٧<br />
١. آية ٨ و٣ وفصل<br />
٢<br />
٣<br />
- ٢٩ -
أ(<br />
إسرائيل يعبدون العجل الذي صنعوه، غضب وطرح من يديه اللوحين اللذين كانا منقوشاً فيھما<br />
الوصايا العشر، وكسرھما في أسفل الجبل. فمن قوله في أسفل الجبل يُفھم أن ھذين اللوحين<br />
كُسرا عند سفح الجبل وليس تحت الجبل. ولكن لما كان اليھود الذين في العصور المتأخرة<br />
مولعين بالغرائب، لووا معنى الكلمات وصرفوھا عن حقيقتھا وابتدعوا الخرافة المتقدمة لتفسير<br />
ھذه اآلية.<br />
((<br />
))<br />
ومع ذلك فھذه القصة تشبه قصة ھندية وردت في مجلة كتب سنسكريت بخصوص<br />
كرشنا أحد آلھتھم، فقد رووا أنه في ذات يوم لمَّا رغب أن يقي سكان مدينة كوكلة<br />
مسقط رأسه من غوائل زوبعة وأمطار رفع جبالً اسمه كووردھنة من قاعدته الحجرية،<br />
وھو أعظم كل الجبال، وعلَّقه سبعة أيام وسبع ليال بأطراف أصابعه فوق رؤوسھم كمظلة. وال<br />
نعرف باليقين إذا كان اليھود قد أخذوا ھذه القصة من الھنود أم ال، ولكن من الواضح أن القصة<br />
الواردة في القُرْ آن ھي نفس القصة الواردة في كتب اليھود.<br />
((<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
ويوجد أيضاً في القُرْ آن غرائب بخصوص ما حصل في البرية في أيام موسى، منھا<br />
قوله إن العجل الذھبي المشار إليه له خُوار وأنه خار لما أُخرج من أتون النار، فورد في<br />
األعراف وفي سورة طه و٨٨ فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِ يُّ؛ فَأَخْ رَجَ لَھُ ْم<br />
عِجْ الً جَ سَداً لَهُ خُوَ ا ٌر وأصل ھذه القصة موجود في كتاب فرقى ربي ألعازار (فصل<br />
وھاك ترجمة أصل أقواله العبرية:<br />
((<br />
))<br />
:(<br />
٨٧ /٢٠)<br />
(١٤٨ /٧ )<br />
. <br />
))<br />
،(٤٥<br />
وھذا العجل خرج خائراً فرآه بنو إسرائيل. وقال ربي يھوداه<br />
سمائيل كان مختفياً في داخله وكان يخور ليغش إسرائيل<br />
((<br />
.<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
إن<br />
ال شك أن مُحَ مَّداً أخذ ھذا النبأ من اليھود الذين (من سوء حظه) خدعوه ألنھم اختلقوا<br />
ھذه الخرافة من عالم أوھامھم. ولم يلتفت مُحَ مَّد إلى اسم الشخص المذكور في ھذه القصة<br />
اليھودية، فسمّاه السامري . وكثيراً ما وردت كلمة السامري في العھد الجديد، ومرة في<br />
العھد القديم. وكان اليھود يعتبرون السامريين أعداءھم ويعتقدون أنھم زاغوا عن سواء السبيل<br />
بسبب الخطأ والجھالة. ولكن بما أن مدينة السامرة لم تُبنَ إال بعد وفاة موسى بنحو أربعمائة<br />
سنة، فيتعذر علينا أن نفھم كيف يمكن وجود االسم قبل وجود مُسمّاه. ال بد أن مُحَ مَّداً قصد أن<br />
يكتب السمائيل عوضاً عن السامري. ولكن بما أنه لم يكن يعلم أن اليھود يسمون ملك الموت<br />
سمائيل توھم أن ھذا ھو اسم الرجل الذي صنع العجل الذھبي كما ھو واضح من منطوق<br />
القُرْ آن. فالقُرْ آن إذن مخالف للتوراة في ھذه القضية، ألن التوراة ذكرت أن ھارون ھو الذي<br />
صنع العجل خوفاً من اليھود. ثم إن ما ذكر في سورة البقرة وفي النساء<br />
من أن بعض اإلسرائيليين رأوا فماتوا، ثم بعثھم وأحياھم ثانية، فھو مأخوذ من خرافات<br />
اليھود، وقد ورد فيھا أن التوراة ذاتھا توسَّلت ألجلھم فعادت أرواحھم إلى أجسادھم.<br />
(١٥٣ /٤)<br />
((<br />
(٥١ /٢)<br />
))<br />
((<br />
((<br />
) ٦ً) اقتباسات أخرى:<br />
( في<br />
))<br />
))<br />
القُرْ آن كلمات عبرية وكلْدانيّة وسريانية عجز مفسرو المسلمين عن تفسيرھا<br />
لجھلھم بتلك اللغات. ومن ھذه الكلمات: توراة تابوت جنة عدن جھنم حَ بر سكينة <br />
طاغوت فرقان ماعون ملكوت وغيره. فمن أراد معرفة حقيقة معنى ھذه الكلمات القُرْ آنية<br />
عليه أن يراجع قواميس اللغات العبرية والكلْدانيّة والسريانية. ومن له إلمام بعلم صرف اللغة<br />
العربية واشتقاقھا ال يسعه إال االعتراف بأن كثيراً من ھذه الكلمات ليست من أصل عربي، ولم<br />
- ٣٠ -
ج(<br />
د(<br />
تُصَغْ من أصولھا حسب قواعد اللغة العربية. مع أن ھذه األصول نفسھا موجودة في العربية،<br />
كما ھي موجودة في اللغات األخرى المذكورة.<br />
(٤٤ /١٧)<br />
(٤٤ /١٥)<br />
(ب) واقتبس القُرْ آن من اليھود أموراً أخرى، مثلما ذُكر في سورة اإلسراء<br />
وسورة المؤمنون أنه يوجد سبع سموات، وتكلم في سورة الحِجر عن<br />
سبعة أبواب لجھنم. وھذان األمران مأخوذان من كتابين من كتب اليھود أحدھما يسُمى<br />
حكيكاه (باب فصل زوھر (فصل ١٥٠). وقال الھنود أيضاً إنه<br />
يوجد سبع دركات تحت األرض وسبع درجات فوقھا. وكل من ھذين القسمين مستند على رأس<br />
من رؤوس ثعبان ضخم اسمه له ألف رأس. فالمدوَّ ن في الكتب الھندية وفي الخرافات<br />
اليھودية وفي األحاديث اإلِسْ المية أصله واحد. فما ورد في عرائس المجالس (ص <br />
عن سبع دركات األرض موجود في كتاب أڤستا وھو كتاب ديني لقدماء الفرس يقول إن<br />
األرض تشتمل على سبع كثور أو سبعة أقاليم. وورد في أحد أبواب األڤستا (يشت باب<br />
فصل ٣١) إن جمشيد استولى على األرض التي تشتمل على سبعة أقاليم<br />
))<br />
(٩<br />
١٩<br />
٥<br />
((<br />
.((<br />
٢ ص<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
٢) وثانيھما<br />
(( شَيشه<br />
))<br />
((<br />
(٨٦ /٢٣)<br />
))<br />
٩<br />
((<br />
( وورد في سورة ھود عن عرش : كان عرشه على الماء وھو<br />
يطابق الروايات اليھودية المذكورة في تفسير المفسر اليھودي المشھور راشي الذي قال<br />
في تفسيره على تكوين إن العرش المجيد استقر في الھواء، وعام على المياه<br />
((<br />
.<br />
((<br />
١<br />
((<br />
))<br />
))<br />
(٧ /١١)<br />
))<br />
(٢ /١)<br />
( وقال المسلمون إن سبحانه عيَّن على جھنم مالكاً، وھو يطابق قول اليھود في<br />
كتبھم القديمة عن رئيس جھنم. غير أن المسلمين انتحلوا اسم ھذا المالك من عبدة أصنام<br />
فلسطين القدماء، الذين كانوا يسمّون أحد آلھتھم الكاذبة الذي كان يترأس على النار مولك<br />
وھو اسم فاعل باللغة العبرية، كما أن مالك ھو اسم فاعل باللغة العربية.<br />
((<br />
))<br />
٢<br />
،<br />
<br />
(ھ) وورد في القُرْ آن: وَ بَيْنَھُمَا حِجَ ابٌ وَ عَلَى األَعْ رَ افِ رِ جَ الٌ وقالوا إن األعراف<br />
موجود بين السَّماء وجھنم، واقتبسوا ھذا من اليھود، فقد ورد في كتاب مدراش في تفسير<br />
سفر الجامعة إنه لما استفھم بعضھم ما ھي المسافة بين السَّماء وجھنم؟ أجاب ربي<br />
يوحانان: إن بينھما حائط. وقال ربي أخاه إنھا مسافة شبر)) الربانيون إنھما متقاربان<br />
بحيث تنفذ أشعة النور من أحدھما إلى اآلخر. ومنشأ الوھم وجود األعراف في كتاب أڤستا<br />
للزارادشتيين (أي قدماء الفرس) واسم األعراف بلغتھم مسوانوكاتس واسمه بلغة بھلوي<br />
مسوت كاس ويقول مذھب الزارادشتيين إن المسافة بين السَّماء وجھنم قدر المسافة بين<br />
النور والظلمة.<br />
((<br />
))<br />
((<br />
٣<br />
،<br />
))<br />
((<br />
. وقال<br />
))<br />
))<br />
:(١٤ /٧)<br />
((<br />
))<br />
(و) وورد في سورة الحجر و٣٤) عن الشيطان الرجيم أنه استرق السمع<br />
ومثل ھذا في سورة الصافات وسورة الملك ٥). وأصل ذلك مأخوذ من خرافة<br />
من الخرافات اليھودية وردت في كتاب حكيكاه (باب فصل ١) عن الشياطين أنھم<br />
ينصتون من وراء حجاب ليطَّلعوا على الحوادث المستقبلة.<br />
))<br />
٦<br />
/٦٧)<br />
((<br />
١٨ /١٥)<br />
(٨ /٣٧)<br />
))<br />
((<br />
١<br />
٢<br />
٣<br />
اختصار لرابي شلومو يتسحاقي.<br />
سورة األعراف:<br />
فركند<br />
.٤٦ /٧<br />
.١٩<br />
- ٣١ -
ز(<br />
ح(<br />
:( ٣٠ /٥٠)<br />
))<br />
. <br />
يَوْ مَ نَقُولُ لِجَ ھَنَّمَ: ھَلِ امْتَألْتِ؟ وَ تَقُولُ: ھَلْ مِن<br />
( وورد في سورة ق<br />
مَّزِ يدٍ وورد في الكتاب اليھودي أوتوت دربي عقيباه ما يطابق ذلك، قوله: رئيس جھنم<br />
يقول يوماً فيوماً: أعطني طعاماً حتى أستكفي<br />
))<br />
(٢٧ /٢٣)<br />
((<br />
.<br />
((<br />
،(٤٠ /١١)<br />
،<br />
،(٢ /١٦<br />
((<br />
)<br />
((<br />
))<br />
))<br />
( وورد في سورة ھود وفي سورة المؤمنون أنه في أيام<br />
طوفان نوح فَارَ التَّنُّورُ وأصل ھذا المعنى مأخوذ من كتابين من كتب اليھود أحدھما كتاب<br />
فصل ونص<br />
روش ھشاناه فصل وثانيھما رسالة تسمى<br />
عبارتيھما أن جيل الطوفان دينوا بالماء المغلي.<br />
(١٠٨<br />
)<br />
)) سنھدرين ((<br />
(ط) وقد قلنا إن صوم رمضان ليس مطابقاً لعادة اليھود بل لعادة الصابئين. غير أن<br />
مُحَمَّداً انتحل من اليھود شيئاً له ارتباط بھذا الصيام، فقد ورد في سورة البقرة أمر<br />
بخصوص األكل والشرب في الليل في شھر رمضان، ونصھا وَ كُلُواْ وَ اشْرَ بُواْ . وورد في<br />
مشناه برأخوت (باب فصل ٢) أن أول النھار ھو الوقت الذي يمكن لإلنسان أن يميِّز فيه<br />
الخيط األزرق من الخيط األبيض . فھل حصل ھذا االتفاق الغريب بين القُرْ آن والكتاب<br />
اليھودي اتفاقاً؟ وھل يمكن أن يكون ھذا االتفاق من قبيل توارد الخواطر؟<br />
))<br />
(١٨٧ /٢)<br />
<br />
<br />
))<br />
((<br />
١<br />
((<br />
((<br />
))<br />
(ي) وجرت عادة المسلمين في جميع البالد أن يؤدّوا كل يوم الصلوات الخمس<br />
المفروضة عليھم في أوقاتھا المقررة حيثما كانوا، سواء في بيوتھم أو في الشوارع أو في أي<br />
محل آخر. وھم يؤدون الصالة في المحال التي يكثر فيھا مرور الناس بالمصلّين، واختصّوا بھذه<br />
العادة غير المستحسَنة، ألن جميع الملل يستھجنونھا وينكرونھا. وال شك أن اليھود الذين كانوا<br />
في بالد العرب في عصر مُحَ مَّد اعتادوا ھذا األمر، ألن كثيرين منھم كانوا من ذرية الفرقة التي<br />
اسمھا فريسيون والتي ذُكرت كثيراً في البشائر األربع، فتناسلوا منھم تناسالً طبيعياً. ومن لم<br />
يتناسل منھم طبيعياً كانوا على مذھبھم، وقد وصفھم اإلنجيل بأنھم كانوا يحبون أن يصلوا<br />
قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع، لكي يظھروا للناس (متى: ٥). ونعرف باالستنتاج<br />
أن المسلمين أخذوا ھذه العادة منھم، فقد قال مُحَ مَّد إن اليھود ھم أھل الكتاب وذرية إبراھيم<br />
الخليل، فاقتدوا بھم متوھمين أن تلك العادة أيضاً مأخوذة عن إبراھيم.<br />
))<br />
/٦<br />
((<br />
(ك) ومن الغرائب أن القُرْ آن قرر أنه نزل للتصديق على الكتب اليھودية المقدسة،<br />
وَ لَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّ بُورِ<br />
واقتبس صريحاً آية واحدة منھا وردت في سورة األنبياء<br />
مِن بَعْ دِ الذِّكْرِ أَنَّ األَرْ ضَ يَرِ ثُھَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ والوعد المذكور في الزبور الذي استشھد<br />
به القُرْ آن جاء في مزمور أما الودعاء فيرثون األرض<br />
:(١٠٥ /٢١)<br />
.<br />
((<br />
. <br />
))<br />
:(١١ /٣٧)<br />
<br />
) ٧ً) اللوح المحفوظ:<br />
وھناك أمران آخران اقتبسھما المسلمون من اليھود. فقد قال المسلمون إن القُرْ آن كُتب<br />
في اللوح المحفوظ قبل إنشاء العالم بَلْ ھُوَ قُرْ آنٌ مَّجِيدٌ. فِي لَوْ حٍ مَّحْ فُوظٍ وقبل الخوض في<br />
الكالم على اللوح المحفوظ ينبغي أن نسأل علماء اإلِسْالم: ھل كان الزَّبور قبل القُرْ آن أم ال؟<br />
وھل ھو أقدم منه عھداً وأسبق زمناً أم ال؟ ألنه ذكر في اآلية التي أوردناھا من سورة األنبياء أن<br />
ما اشتملت عليه ھذه اآلية بخصوص ميراث عبيد الصالحين كُتب قبالً بأمر في الزبور.<br />
ومما يؤيد ھذه القاعدة المصطلح عليھا أننا إذا عثرنا مثالً في كالم مثنوي لموالنا الرومي<br />
على شطرة من بيت شعر ضمَّنھا بعض عبارات مقتبسة من كتاب (( شاه نامه مثالً أو<br />
((<br />
((<br />
١<br />
.<br />
))<br />
١<br />
سورة البروج:<br />
و٢٢. ٢١ /٨٥<br />
- ٣٢ -
عبارات القُرْ آن، جزمنا جزماً أكيداً بأن الشاه نامه أو القُرْ آن متقدم على تأليف مثنوي .<br />
وعلى ھذا القياس نقول إننا إن رأينا في القُرْ آن آية من آيات مزامير داود النبي يتضح لنا جلياً أن<br />
القُرْ آن لم يكن موجوداً قبل أيام النبي الذي أُوحي إليه الزبور. ولكن إذا أخذنا في البحث والتحري<br />
عن معلومات المسلمين التي استفادوھا بخصوص اللوح المحفوظ وجدنا ھذه البينات في مثل ھذه<br />
الكتب وھي قصص األنبياء (ص و٤) ونصھا:<br />
((<br />
))<br />
٣<br />
((<br />
))<br />
))<br />
ومن تحت العرش خلق () لؤلؤة، ومن تلك اللؤلؤة خلق اللوح<br />
المحفوظ، وارتفاعه سَفَر سبعمائة سنة وعرض سَفَر ثلثماية سنة، وكان<br />
مرصَّعاً بالياقوت األحمر. ثم بقوة تعالى ثم صدر األمر إلى القلم: اكتب<br />
علمي في خلقي وما ھو كائن إلى يوم القيامة كتب أوالً في اللوح<br />
المحفوظ بسم الرحمن الرحيم، أنا ال إله إال أنا. من يستسلم لقضائي<br />
ويصبر على بالئي ويشكر على نعمائي كتبتُه وبعثتُه مع الصديقين. ومن<br />
لم يرضَ بقضائي ولم يصبر على بالئي ولم يشكر على نعمائي فليطلب<br />
رباً سواي، ويخرج من تحت سمائي. ثم كتب القلم علم في خلق <br />
تعالى كل شيء أراده إلى يوم البعث، حتى مقدار تحريك الشجرة أو نزولھا<br />
أو صعودھا وكتب كل شيء مثل ھذا بقوله تعالى<br />
.<br />
((<br />
وأصل ھذه القصة موجود في كتب اليھود، غير أن المسلمين توسَّعوا وبالغوا فيما كتبه<br />
اليھود في ھذا الصدد. فقد ورد في توراة موسى أن لما أراد أن يسلِّم الوصايا العشر لبني<br />
إسرائيل (خروج، أصحاح ٢٠) سلَّمھا لموسى كليمه، فكتب: في ذلك الوقت قال لي الرب:<br />
انحت لك لوحين من حجر مثل األوَّ لين واصعد إليّ إلى الجبل، واصنع لك تابوتاً من خشب،<br />
فأكتب على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين األولين اللذين كسرتھما وتضعھما في<br />
التابوت. فصنعت تابوتاً من خشب السنط ونحت لوحين من حجر مثل األولين وصعدت إلى<br />
الجبل واللوحات في يدي، فكتب على اللوحين مثل الكتابة األولى الكلمات العشر التي كلمكم بھا<br />
الرب في وسط النار في يوم االجتماع، وأعطاني الرب إياھا ثم انصرفت ونزلت من الجبل،<br />
ووضعت اللوحين في التابوت الذي صنعت فكانا ھناك كما أمرني الرب<br />
١<br />
.<br />
((<br />
))<br />
٣ /٩)<br />
(٩ /٨)<br />
وورد في ١ملوك وفي رسالة العبرانيين و٤) أن ھذين اللوحين حُفظا في<br />
تابوت العھد الذي صنعه موسى حسب أمر . وھذا ھو معنى اللوح المحفوظ أو بالحري معنى<br />
اللوحين المحفوظين. وقد ورد في سورة البروج و٢٢): بَلْ ھُوَ قُرْ آنٌ مَّجِيدٌ. فِي<br />
لَوْ حٍ مَّحْ فُوظٍ ولم يقل في اللوح المحفوظ فوردت كلمة لوح نكرة بدون أداة التعريف.<br />
فمن الواضح إذاً أن قوله إن القُرْ آن كُتب على لوح محفوظ ليس أنه كتب على اللوح الواحد<br />
المحفوظ، بل البد من وجود لوح آخر أقل ما يكون. فإذا قيل: لماذا قال مُحَ مَّد إن القُرْ آن كُتب<br />
على لوح محفوظ؟ قلنا: يجب أن نبحث في الكتب اليھودية لنرى ما قاله اليھود في عصر مُحَ مَّد<br />
وقبله عما كتب في اللوحين اللذين حُفظا في تابوت العھد. ومع أن التوراة صرحت بما ال يقبل<br />
الشك أن ما كُتب على اللوحين كان الوصايا العشر (تثنية: ٤) أو العشر كلمات كما ورد<br />
باللغة العربية، إال أن اليھود توھَّموا بعد مدة من الزمان أن جميع كتب العھد القديم وأيضاً كل<br />
التلمود كُتب عليھما أو على األقل نزلت معھما. ولما سمع مُحَ مَّد من اليھود ھذا القول عن<br />
شريعتھم حذا حذوھم، ونسب إلى شريعته ما نسبه اليھود إلى شريعتھم، فادَّعى أن القُرْ آن كان<br />
مكتوباً في لوح من اللوحين المحفوظين، أو كما قال في سورة البروج فِي لَوْ حٍ مَّحْ فُوظٍ<br />
ولما كان المسلمون ال يعرفون معنى قوله لوح محفوظ ابتدعوا ھذه القصة التي تقدم ذكرھا.<br />
.<br />
<br />
<br />
((<br />
))<br />
/١٠<br />
٢١ /٨٥)<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
<br />
١<br />
.٥ ١ /١٠ تثنية:<br />
- ٣٣ -
وقال اليھود عما اشتمل عليه ھذان اللوحان: قال الربي شمعون بن القيش: أما الذي كتب فھو<br />
فأعطيك لوحي الحجارة والشريعة والوصية التي كتبتھا لتعليمھم واللوحان ھما الوصايا<br />
العشر والتوراة ھي التي تُتلى، والوصية ھي المشناة ، والتي كتبھا ھي األنبياء والكتب<br />
ولتعلمھم الجمارا . ويُستفاد من ھذا أنه أوحى جميعھا لموسى من جبل سيناء.<br />
))<br />
((<br />
))<br />
١<br />
.((<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
وكل يھودي ذكي يرى وجوب رفض التفسير الباطل لھذه اآلية، ألنه يعرف إن كتاب<br />
المشناة كُتب نحو سنة م وكُتب الجمارا األورشليمي نحو سنة م، وكُتب<br />
الجمارا البابلي نحو سنة م. ولكن لما كان المسلمون يجھلون ھذا قبلوا ما قاله جھلة<br />
اليھود وطبَّقوه على قرآنھم. فنرى من ھذا أن ھذه الرواية مأخوذة من ھذا المصدر كغيرھا من<br />
الروايات والقصص المدوَّ نة في األحاديث.<br />
))<br />
))<br />
٤٣٠<br />
((<br />
))<br />
٣٢٠<br />
٥٣٠<br />
((<br />
((<br />
ولم ينفرد المسلمون باالعتقاد أن لوحھم المحفوظ كان قديماً، فقد توھَّم اليھود أن اللوحين<br />
المشتملين على الوصايا العشر كانا قديمين جداً. فقد ورد في فرقي أبوت (باب وفصل<br />
ھذين اللوحين مع تسعة أشياء أخرى خُلقت وقت خلق الدنيا وقت غروب الشمس قبل يوم<br />
السبت.<br />
٦) أن<br />
٥<br />
) ٨ً) جبل قاف<br />
وأصل ما ورد في األحاديث اإلِسْ المية عن جبل قاف الذي ال وجود له إال في الوھم<br />
والخيال ھو الكتب اليھودية، فأخذه المسلمون منھا ونقلوه عنھا. والبرھان على ذلك إننا إذا قارنا<br />
بين ما ورد في عرائس المجالس و قصص األنبياء وبين ما يقوله اليھود نجد األمرين<br />
واحداً. فقد ورد في عرائس المجالس<br />
((<br />
((<br />
))<br />
٢<br />
.<br />
))<br />
:((<br />
((<br />
<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
))<br />
))<br />
:<br />
خَ لَقَ َّ ُ تعالى جَبَالً عَظيماً من زبرجدة خضراء خُضرة السَّماء منه،<br />
يُقال له جبل قاف، فأحاط بھا كلھا (أي األرض) وھو الذي أقسَمَ َّ ُ به فقال<br />
ق وَ الْقُرْ آنِ الْمَجِيدِ<br />
وورد في قصص األنبياء (ص ٥) أن عبد بن سالم سأل مُحَ مَّداً: ما ھي أعلى<br />
قمة في األرض؟ قال: ھي جبل قاف. فقال: جبل قاف ممَّ ھو؟ فقال: من زمرد أخضر وخضرة<br />
السَّماء ھي منه. قال: صدقت يا رسول . قال: ما ھو ارتفاع جبل قاف؟ فقال: إنه سَفَر<br />
خمسمائة سنة. وقال: كم ھي المدة التي يقطع اإلنسان فيھا محيطه؟ فقال: إنھا سَفَر ألفي سنة<br />
.<br />
((<br />
١١<br />
))<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
/١)<br />
وأصل حكاية جبل قاف ما جاء في كتب أحد اليھود المسمى حكيكاه (باب وفصل<br />
١) في تفسير الكلمة العبرية توھو النادرة االستعمال، ومعناھا الفضاء والفراغ وقد وردت<br />
في تكوين ٢). ويقول كتاب حكيكاه: توھو ھو الخط األخضر الذي يحيط بجميع العالم<br />
قاطبة، ومنه تنبعث الظلمة ؛ فالكلمة العبرية التي ترجمناھا الخط ھي قاف فلما<br />
سمع مُحَ مَّد والصحابة قصة قاف لم يعرفوا أن معناھا خط، وتوھَّموا أنھا سلسلة جبال<br />
عظيمة اسمھا قاف، تنبعث منھا الظلمة. وال حاجة للقول إن الجغرافيين الذين يبحثون في الكرة<br />
األرضية وأقطارھا جابوا أطراف الدنيا لالكتشاف، ولم يكتشفوا سلسلة جبال يصدق عليھا<br />
الوصف الوارد في األحاديث عن جبل قاف.<br />
٣<br />
.<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
١<br />
خروج:<br />
سورة ق:<br />
أو<br />
.١٢ /٢٤<br />
.١ /٥٠<br />
.Câf<br />
Cav<br />
٢<br />
٣<br />
- ٣٤ -
يتضح مما قيل في ھذا الفصل صِ دق ما ذھب إليه المعترضون من أن كتب اليھود،<br />
والسيما كتب التلمود المشحون بالخرافات، ھي أھم <strong>مصادر</strong> الديانة اإلِسْالمية. وإذ تقرر ذلك<br />
فيجدر بنا أن نبحث في ال<strong>مصادر</strong> األخرى لھذه الديانة، وننظر إذا كانت الديانة اإلِسْالمية قد<br />
انتحلت باقي عقائدھا من الديانة المسيحية، خصوصاً من الكتب الملفقة والخرافات الباطلة التي<br />
كانت متواترة في عصر مُحَ مَّد بين بعض الفرق المسيحية الضالة وأصحاب البدع الباطلة.<br />
QE<br />
ZC<br />
- ٣٥ -
$+<br />
تأثيرات الفرق النصرانيّة<br />
الھرطوقيّة<br />
في عصر مُحَ مَّد عاش كثيرون من النصارى في بالد العرب، منغمسين في الجھالة<br />
والبدع والضاللة. ولما طُرد كثير منھم من حدود مملكة الروم بسبب تعاليمھم الفاسدة لجأوا إلى<br />
بالد العرب. ولما لم تكن لھم معرفة كثيرة باإلنجيل تداولوا بعض الكتب الملفَّقة المآلنة من<br />
الخرافات التي ال أصل لھا يتلونھا ويروون القصص المدونة فيھا ويتناقلونھا.<br />
وقال الناقدون لدين اإلِسْ الم إن مُحَ مَّداً لم يكن له إلمام تام باإلنجيل الشريف، وإنه اختلط<br />
مع أصحاب ھذه البدع، فتوھَّم أن ما سمعه منھم كان مدوناً في اإلنجيل. وبما أنه وجَّه نظره<br />
لتأسيس دين يدين به جميع سكان شبه جزيرة العرب، ويتَّحدون بواسطته ويصيرون جماعة<br />
واحدة، قبِل كثيراً من خرافات جھلة النصارى ومذاھبھم الفاسدة وأدخلھا في قرآنه. وبما أنه ال<br />
يصح تصديق رأي ھؤالء المعترضين بدون النظر والفحص، رأينا أن نتحرى بالتدقيق ھذه<br />
القضية في ھذا الفصل، لنعرف إن كانت مثل ھذه الخرافات ھي أحد <strong>مصادر</strong> اإلِسْ الم أم ال.<br />
) ١ً) قصة أصحاب الكھف:<br />
،(٢٦<br />
٩ /١٨)<br />
((<br />
))<br />
ويسميھا المسيحيون السبعة النيام . وقد وردت في سورة الكھف <br />
وھي إحدى خرافات اليونان الواردة في كتاب التيني اسمه مجد الشھداء تأليف<br />
غريغوريوس (كتاب فصل ٩٥). وتقول القصة إنه لما كان دِكيوس إمبراطور روما<br />
يضطھد المسيحيين بغاية القسوة ليمحو حتى اسمھم من أذھان الناس، ھرب سبعة شبان من<br />
سكان مدينة أفسس، واختبأوا في كھف قريب من تلك المدينة، فناموا نحو سنة تقريباً،<br />
ألنھم دخلوا الكھف في عھد دِكيوس (بين سنة و٢٥١ م) ولم يخرجوا منه ثانية إال في<br />
سنة م) في والية الملك ثيودوسيوس الثاني. فلما استيقظوا ورأوا أن المسيحية قد انتشرت<br />
انتشاراً عظيماً في تلك المدة ذھلوا، ألنھم لما ناموا كان الناس يعتبرون الصليب عالمة احتقار<br />
وعار، ولما استيقظوا رأوه يتألأل على تاج اإلمبراطور وعلى أعالم مملكته، وأن جميع رعايا<br />
المملكة الرومانية قد دانوا بالمسيحية، وأن ھذه الديانة كادت تزيل غيرھا من األديان.<br />
((<br />
٢٠٠<br />
((<br />
))<br />
))<br />
٢٤٩<br />
((<br />
))<br />
١<br />
١<br />
٤٤٧)<br />
وال شك أن قصة السبعة النيام خرافة. ولكن بعض ذوي العقول الوقادة قالوا إنھا ال<br />
تخلو من حكمةٍ وفائدة. ولم يقصد واضع ھذه الرواية إضالل الناس وغشھم، بل أوردھا على<br />
سبيل المجاز، ليُظھِر لقارئھا انتشار الديانة المسيحية بسرعة عجيبة بنعمة الروح القدس وبسفك<br />
دماء الشھداء. وال يُحتمل أن مسيحياً يتوھم حدوث ھذه القصة حرفياً، بل إن جميع المسيحيين<br />
يعتقدون أنھا قصة رمزية. غير أن مُحَ مَّداً اقتبسھا وأوردھا في قرآنه وعلّمھا لصحابته كأنھا<br />
حكاية حقيقية. وبما أنه ال أصل لھذه القصة فمن الواضح أن العليم الحكيم لم يكتبھا في لوح<br />
محفوظ، بل أخذھا مُحَ مَّد من روايات بعض جھلة النصارى.<br />
١<br />
ال تزال أطاللھا باقية إلى اآلن في تركيا.<br />
- ٣٦ -
ُ<br />
٢٧ /١٩)<br />
) (٢ً قصة مريم :<br />
<br />
ورد في سورة مريم و٢٨) أن مريم أتت إلى قومھا بعد والدة المسيح فقالوا<br />
لھا: يَا مَرْ يَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِ يّاً. يَا أُخْ تَ ھَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَ أَ سَوْ ءٍ وَ مَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا<br />
فيتضح من ھذا أن مُحَ مَّداً قال إن العذراء مريم ھي أخت ھارون وموسى. وما يزيد ھذا األمر<br />
وضوحاً ما ورد في سورة التحريم وَ مَرْ يَمَ ابْنَتَ عِمْرَ انَ وجاء في سورة<br />
الفرقان وَ لَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَ جَ عَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ ھَارُونَ وَ زِ يرً ا فثبت من<br />
ھذا أن عمران وموسى وھارون ومريم ھم ذات األشخاص الذين ورد ذكرھم بھذه األسماء في<br />
أسفار موسى الخمسة، ولو أن التوراة قالت إن االسم ھو عمرام عوضاً عن عمران كما<br />
في سفر العدد واسم امرأة عمرام يوكابد بنت الوي، التي وُ لدت لالوي في مصر.<br />
فوَ لدت لعمرام ھرون وموسى ومريم أختھما . وورد في سفر الخروج أن: مريم<br />
النبية كانت أخت ھرون كما رأينا في سورة مريم حيث قيل: يَا مَرْ يَمُ... يَا أُخْ تَ ھَارُونَ<br />
. فال شك أن مُحَ مَّداً توھَّم أن مريم أخت ھارون التي كانت أيضاً ابنة عمرام (أي عمران) ھي<br />
نفس مريم العذراء التي صارت أم المسيح بعد ذلك بنحو سنة! وھذا القول يشبه<br />
الرواية الواردة في الشاھنامة بخصوص فَريدون وأختي جمشيد، فقد جاء فيھا أنه بعد أن<br />
ھزم فريدونُ الضحاكَ واستولى على بيته وجد فيه أختي جمشيد اللتين أقامتا في بيت الضحاك<br />
من أوائل حكم الضحاك، نحو ألف سنة تقريباً من قبل ذلك. فلما رآھما فريدون راعه جمالھما<br />
إلى آخر تلك الحكاية. وقد حاول بعض المفسرين المسلمين أن يفنِّدوا ھذا البرھان الذي أُقيم ضد<br />
القُرْ آن، ولكنھم عجزوا. وربما كان سبب ھذا الغلط أنه ورد في إحدى خرافات اليھود عن مريم<br />
أخت ھارون: إن مالك الموت لم يتسلط عليھا، بل ماتت بقُبلة إلھية. ولم يتسلط عليھا الدود وال<br />
الحشرات . وعلى كل حال فھذا خطأ جسيم، ألنه لم يقل أحد من اليھود إن مريم ھذه بقيت<br />
على قيد الحياة إلى أيام المسيح.<br />
<br />
((<br />
))<br />
. <br />
))<br />
١<br />
.<br />
(٢٠ /١٥)<br />
<br />
((<br />
١٥٧٠<br />
))<br />
:(١٢ /٦٦)<br />
((<br />
:<br />
((<br />
((<br />
))<br />
:(٣٥ /٢٥)<br />
:(٥٩ /٢٦)<br />
))<br />
<br />
وَ ّ<br />
))<br />
))<br />
((<br />
((<br />
.<br />
وقد وردت في القُرْ آن معلومات كثيرة عن العذراء مريم تخالف ما ورد في األناجيل<br />
األربعة الصحيحة، ألن روايات القُرْ آن مأخوذة من خرافات أصحاب البدع والضاللة، فقد ورد<br />
فيه:<br />
إِذْ قَالَتِ امْرَ أَةُ عِمْرَ انَ رَ بِّ إِنِّي نَذَرْ تُ لَكَ مَا فِي بَطْ نِي مُحَرَّ راً، فَتَقَبَّلْ<br />
مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ؟ فَلَمَّا وَ ضَعَتْھَا؛ قَالَ ْت: رَ بِّ إِنِّي وَ ضَعْ تُھَا أُنثَى،<br />
أَعْ لَمُ بِمَا وَ ضَعَ ْت، وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَاألُنثَى، وَ إِنِّي سَمَّيْتُھَا مَرْ يَمَ وِإِنِّي<br />
أُعِيذُھَا بِكَ وَ ذُرِّ يَّتَھَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّ جِيمِ. فَتَقَبَّلَھَا رَ بُّھَا بِقَبُولٍ حَ سَنٍ وَ أَنبَتَھَا<br />
نَبَاتاً حَ سَناً؛ وَ كَفَّلَھَا زَ كَرِ يَّا. كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْھَا زَ كَرِ يَّا الْمِحْ رَ ابَ وَ جَدَ عِندَھَا<br />
رِ زْ قاً، قَالَ: يَا مَرْ يَمُ أَنَّى لَكِ ھَذَا؟ قَالَ ْت: ھُوَ مِنْ عِندِ ّ ِ. َ يَرْ ز ُقُ مَن<br />
يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ<br />
إنَّ ّ<br />
.<br />
وقال البيضاوي وغيره من المفسرين إن امرأة عمران كانت عاقراً عجوزاً، فلما رأت مرة طيراً<br />
يطعم فرخهُ حنَّت إلى الذرية وتوسلت إلى أن يرزقھا ولداً، وقالت: اللھم إنْ رزقتني ولداً<br />
ذكراً أو أنثى فأقدِّمه كھِبةٍ في حضرتك لبيت المقدس . فأجاب المولى طلبھا، فحملت وولدت<br />
بنتاً ھي مريم. وقال جالل الدين: بعد مضي سنين حملت أم مريم، وكان اسمھا ح ّنة، فأتت بابنتھا<br />
إلى المسجد وسلمتھا إلى األحبار سَدَنة بيت المقدس، فقالت: دونكم ھذه النذيرة. فتنافسوا فيھا<br />
ألنھا بنت إمامھم. فأخذھا زكريا وبنى لھا غرفة في المسجد بسُلَّم ال يصعد عليه غيره، وكان<br />
))<br />
((<br />
١<br />
ومثل ذلك في سورة آل عمران:<br />
.٣٥ /٣<br />
- ٣٧ -
َ<br />
.<br />
<br />
يأتيھا بأكلھا وشربھا فيجد عندھا فاكھة الصيف في الشتاء وفاكھة الشتاء في الصيف، فإن مالكاً<br />
كان يأتيھا بأكلھا، ثم ورد في ھذه السورة:<br />
َ اصْ طَفَاكِ وَ طَھَّرَ كِ وَ اصْطَفَاكِ عَلَى<br />
وَ إِذْ قَالَتِ الْمَالَئِكَةُ: يَا مَرْ يَمُ إِنَّ ّ<br />
نِسَاء الْعَالَمِينَ يَا مَرْ يَمُ اقْنُتِي لِرَ بِّكِ وَ اسْ جُدِي وَ ارْ كَعِي مَعَ الرَّ اكِعِي َن. ذَلِكَ<br />
مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَ مَا كُنتَ لَدَيْھِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْالَمَھُمْ أَيُّھُمْ يَكْفُلُ<br />
مَرْ يَمَ وَ مَا كُنتَ لَدَيْھِمْ إِذْ يَخْ تَصِ مُونَ إِذْ قَالَتِ الْمَآلئِكَةُ: يَا مَرْ يَمُ إِنَّ ّ<br />
يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْ مُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْ يَمَ؛ وَ جِيھًا فِي الدُّنْيَا<br />
وَ اآلخِرَ ةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّ بِينَ وَ يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَھْدِ وَ كَھْالً وَ مِنَ الصَّالِحِينَ<br />
ُ يَخْ لُقُ مَا<br />
قَالَتْ رَ بِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَ لَدٌ وَ لَمْ يَمْ سَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ ّ<br />
يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرً ا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ<br />
.<br />
١<br />
.<br />
.<br />
.<br />
:<br />
<br />
وقال البيضاوي والجالالن عن االقتراع وإلقاء األقالم إنه لما تنافست األحبار قال<br />
زكريا: أنا أحقُّ بھا، فقالوا: ال حتى نقترع. فانطلق زكريا وستة وعشرون إلى نھر األردن وألقوا<br />
أقالمھم في الماء على أن من ثبت قلمه في الماء وصعد فھو أولى بھا، فثبت قلم زكريا. فأخذ<br />
مريم وتكفل بھا. فورد في سورة مريم:<br />
وَ اذْ كُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْ يَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَھْلِھَا مَكَانًا شَرْ قِيّاً؛ فَاتَّخَذَ ْت مِن<br />
دُونِھِمْ حِجَ اباً، فَأَرْ سَلْنَا إِلَيْھَا رُوحَ نَا فَتَمَثَّلَ لَھَا بَشَراً سَوِ ّياً. قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ<br />
بِالرَّ حْ مَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّا. قَالَ: إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَ بِّكِ ألَھَبَ لَكِ غُالمًا زَ كِيّاً.<br />
قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُالمٌ وَ لَمْ يَمْسَسْ نِي بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُ بَغِيّاً. قَالَ: كَذَلِكِ قَالَ رَ بُّكِ<br />
ھُوَ عَلَيَّ ھَيِّنٌ وَ لِنَجْ عَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَ رَ حْ مَةً مِّنَّا، وَ كَانَ أَمْرًا مَّقْضِ يّاً. فَحَ مَلَتْهُ<br />
فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِ يًّصاً. فَأَجَ اءھَا الْمَخَ اضُ إِلَى جِذْ عِ النَّخْ لَ ِة؛ قَالَ ْت: يَا لَيْتَنِي<br />
مِتُّ قَبْلَ ھَذَا وَ كُنتُ نَسْ ياً مَّنسِيّاً. فَنَادَاھَا مِن تَحْ تِھَا أَالَّ تَحْ زَ نِي قَدْ جَ عَلَ رَ بُّ ِك<br />
تَحْ تَكِ سَرِ يّاً. وَ ھُزِّ ي إِلَيْكِ بِجِذْ عِ النَّخْ لَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَ نِيّاً. فَكُلِي وَ اشْرَ بِي<br />
وَ قَرِّ ي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَ يِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْ تُ لِلرَّ حْ مَنِ صَوْ ماً فَلَ ْن<br />
أُكَلِّمَ الْيَوْ مَ إِنسِ يّاً. فَأَتَتْ بِهِ قَوْ مَھَا تَحْ مِلُهُ قَالُوا يَا مَرْ يَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِ يّاً. يا<br />
أُخْ تَ ھَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَ أَ سَوْ ءٍ وَ مَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً. فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ؛<br />
قَالُوا: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَھْدِ صَبِيّاً. قَالَ: إِنِّي عَبْدُ َّ ِ آتَانِيَ الْكِتَابَ<br />
وَ جَ عَلَنِي نَبِيّاً<br />
:<br />
٢<br />
.<br />
:<br />
فھذه ھي قصة مريم حسب ورودھا في القُرْ آن وفي كتب أقدم مفسري المسلمين.<br />
وقال المحققون المدققون إن ھذه األمور لم تؤخذ من األناجيل الصحيحة، بل أُخذت من<br />
كتب الخرافات التي كانت متداولة في األزمنة القديمة بين أصحاب البدع الباطلة. وبما أننا ال<br />
نقبل قوالً بدون براھين كافية وجب علينا أن نمعن النظر في األدلة التي يقيمونھا، وھي:<br />
:(٥<br />
٣<br />
ورد في كتاب ((پروتو إ َڤنجيلوم)) ليعقوب الصغير (أصحاحات فرفعت حنة<br />
عينيھا إلى السَّماء فرأت عش عصافير في شجرة غار، فتنھدت قائلة: يا أحاح يا أحاح، من<br />
ولدني أح أح.. ومن أُشبِه؟ فلستُ مثل طيور السَّماء ألن طيور السَّماء أيضاً ھي ذات ثمار أمامك<br />
))<br />
))<br />
١<br />
سورة آل عمران:<br />
سورة مريم:<br />
.٤٧ ٤٢ /٣ <br />
.٣٠ ١٦ /١٩<br />
٢<br />
<br />
- ٣٨ -
..((<br />
يا رب وإذا بمالك الرب وقف بجانبھا قائالً لھا: يا حنة، إن الرب استجاب طلباتك فستحبلين<br />
وتلدين ويُذاع صيت نسلك في جميع أنحاء العالم. فقالت حنة: حيٌّ ھو الرب إلھي، إذا ولدت<br />
ذكراً كان أو أنثى نذرته للرب إلھي وسيخدمه طول أيام حياته.. وتمت أشھرھا وولدت حنة في<br />
الشھر التاسع.. وأرضعت الطفلة وسمَّتھا مريم<br />
.<br />
((<br />
وورد في كتاب عربي مشكوك بصحته يسمى قصة نياحة أبينا القديس الشيخ النجار<br />
(فصل ٣) بخصوص مريم: قدمھا أبواھا إلى الھيكل وھي ابنة ثالث سنين، وأقامت في<br />
ھيكل الرب تسع سنين. ولما رأى الكھنة العذراء القديسة المتَّقية الرب قد نشأت، خاطبوا بعضھم<br />
بعضاً قائلين: سلوا عن رجل يخاف لتودعوا عنده مريم إلى زمان العرس لئال تبقى في<br />
الھيكل<br />
))<br />
((<br />
))<br />
١٢<br />
))<br />
))<br />
.<br />
((<br />
((<br />
ولكن قبل ذلك لما أحضر والدا مريم ابنتھما إلى الھيكل حدثت أشياء أخرى وردت في<br />
سياق القصة في پروتو إ َڤنجيلوم (أصحاحات ٧و١١):<br />
إن الكاھن قَبَلھا وقبّلھا وباركھا قائالً: إن الرب اإلله عظَّم اسمك بين<br />
جميع أجيال األرض، وعليك في آخر األيام يعلن الرب اإلله فداء بني<br />
إسرائيل.. وربيت مريم كحمامة في ھيكل الرب، وكانت تتناول األكل من<br />
يد مالك حتى سنة من العمر. ثم التأم مجلس الكھنة فقالوا: إذا بلغت<br />
مريم اثنتي عشرة سنة من العمر في ھيكل الرب، فما الذي يجب فعله<br />
بھا؟.. فوقف مالك الرب بجانب زكريا وقال له: يا زكريا، اخرج واجمع<br />
أرامل القوم، وليأت كل واحد بقلم، ومن يريه الرب اإلله عالمة تكون<br />
زوجةً له. فخرج المنادون في جميع نواحي اليھودية وبوَّ قوا ببوق ، فأتى<br />
الجميع مسرعين. فألقى يوسف قدّومه أيضاً وولج في المجلس. ولما<br />
اجتمعوا توجَّھوا إلى الكاھن، فأخذ الكاھن أقالم الجميع ودخل الھيكل<br />
وصلى. ولما تمت صالته خرج وردَّ لكل واحد قلمه، فلم تظھر عالمة فيه،<br />
غير أن يوسف أخذ القلم األخير، فخرجت من القلم حمامة وطارت على<br />
رأس يوسف.. فقال له الكاھن صار لك حق بواسطة القرعة أن تتخذ<br />
عذراء الرب، فخُذھا وديعة عندك.. ولما كان يوسف منزعجاً أخذھا وديعة<br />
عنده.. فأخذت مريم جرَّة وخرجت لتمألھا ماء، وإذا بصوت قائل: السالم<br />
لك أيتھا المنعَم عليھا. الرب معك. مباركة أنت في النساء. فأخذت تلتفت<br />
يميناً ويساراً لترى من أين أتى ھذا الصوت. ولما انزعجت توجھت إلى<br />
بيتھا ولما وضعت الجرة.. جلست على الكرسي.. وإذا بمالك الرب قد<br />
وقف بجانبھا وقال لھا: ال تخافي يا مريم ألنك وجدتِ نعمة أمام ،<br />
وستحبلين بكلمته. ولما سمعت ھذا قالت مريم في نفسھا: ھل أحبل كما تلد<br />
كل امرأة؟ فقال لھا المالك: ليس كذلك يا مريم، ألن قوة العلي تظللك،<br />
فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يُدعى ابن وتسمينه يسوع<br />
٢٨ /١)<br />
.<br />
((<br />
ويظھر من آخر ھذه القصة أن كلمات المالك ھذه مأخوذة من إنجيل لوقا <br />
٣٥)، لكن بقية الحكاية ال أصل وال صحة لھا. أما قصة مريم في ھيكل فقد وردت في كتب<br />
أخرى ملفَّقة، والسيما في بعض المؤلفات القبطية، فقد ورد في الكتاب القبطي (( سيرة العذراء<br />
أنه لما وضعت حنة ابنتھا مريم في الھيكل كانت ترزق في الھيكل كحمامة، وكان مالئكة <br />
يأتون إليھا برزقھا من السَّماء. ولما كانت تسجد في الھيكل كانت مالئكة يخدمونھا، وكثيراً<br />
ما حدث أنھم كانوا يأتون لھا بأثمار من شجرة الحياة فكانت تأكلھا بانشراح<br />
((<br />
.<br />
((<br />
))<br />
- ٣٩ -
وورد أيضاً في كتاب قبطي عنوانه<br />
))<br />
حكاية رحلة يوسف<br />
:<br />
((<br />
))<br />
كانت مريم تقيم في الھيكل وتعبد ھنا بطھارة النية، وكانت تنمو إلى<br />
أن بلغت سن االثنتي عشرة سنة، فأقامت في بيت والديھا مدة ثالث سنين<br />
وفي ھيكل الرب تسع سنين أيضاً. ثم لما رأت الكھنة أن تلك العذراء<br />
اشتھرت بالعفاف ولم تزل خائفة الرب تشاوروا بعضھم مع بعض قائلين:<br />
لنفتش على رجل صالح لتكون خطيبة له إلى أن يحل وقت عرسھا..<br />
ودعوا فوراً سبط يھوذا واختاروا منه اثني عشر رجالً بحسب عدد أسباط<br />
بني إسرائيل، فوقعت القرعة على يوسف ذلك الرجل الشيخ الصالح<br />
.<br />
((<br />
وبعد ذلك لمَّا حبلت مريم أحضروھا مع يوسف أمام الكاھن واشتكوھا. وورد في<br />
پروتو إ َڤنجيلوم (فصل<br />
))<br />
:(١٥<br />
((<br />
))<br />
فقال الكاھن: يا مريم، لماذا فعلتِ ذلك وثلَمْتِ عَرْ ضك؟ أنت نسيت الرب<br />
إلھك مع أنك تربيتِ في قدس األقداس وكنت تتناولين الطعام من يد المالك<br />
وكنت تسمعين الترنيمات (اإللھية)؟.. لماذا فعلتِ ھذا؟ فبكت بشدة وقالت:<br />
حي ھو الرب إنني طاھرة أمامه وال أعرف رجالً<br />
.<br />
((<br />
ثم ذكر أن يوسف ومريم خرجا من الناصرة إلى بيت لحم ولم يجدا محالً في الخان،<br />
فأقاما في مغارة حيث ولد فيھا المسيح (فصل من ذلك الكتاب) إذ يقول: إن يوسف وجد<br />
مغارة وأدخلھا فيھا.. وأنا يوسف.. شخصت بعيني إلى السَّماء فرأيت قبة السَّماء واقفة وطيور<br />
السَّماء ترتعد. ثم نظرت إلى األرض فرأيت قصعة موضوعة والعملة جالسين وأيديھم في<br />
القصعة. فالذين كانوا يتناولون الطعام لم يتناولوه. والذين كانوا يضعونه في أفواھھم لم يضعوه،<br />
بل كانت وجوھھم جميعاً مرتفعة إلى فوق. ورأيت غنماً مسوقة وقد وقفت، فرفع الراعي يده<br />
ليضربھا فوقفت يده مرفوعة. ثم حوَّ لتُ نظري إلى مجرى ماء فرأيت بعض الجداء وكانت<br />
أفواھھا مرتفعة فوق الماء ولم تشرب، فنظرت أن كل شيء كان في غاية الدھشة<br />
الخرافة ھي أصل القصة الواردة في روضة األحباب عن الغرائب والعجائب التي يُقال إنھا<br />
حصلت عند مولد مُحَ مَّد.<br />
. وھذه<br />
((<br />
((<br />
))<br />
١٨<br />
))<br />
وربما ردَّ بعض علماء المسلمين على ھذه األدلة بقولھم إن ھذا برھان على صحة النبأ<br />
الوارد في القُرْ آن بخصوص مريم، ألننا نعلم اآلن أن كثيراً من كتب المسيحيين القديمة المشابھة<br />
لھذه الكتب تؤيد ما أورده القُرْ آن في ھذا الصدد.<br />
قلنا: ال يخفى على العاقل أنه يلزم قبل االعتماد على شھادة شاھد أن نبحث عن صفاته<br />
وصحة أقواله. فإذا فحصنا كتب البدع بموجب ھذا القانون انھارت دعائم بنائھا وشھاداتھا، ألنھا<br />
أوالً ال يُركن إليھا، وثانياً ألنھا ليست قديمة جداً فإن النصوص الواردة في األناجيل القانونية<br />
الصحيحة أقدم منھا عھداً جداً. وثالثاً لم يعتمد ولن يعتمد عليھا أحد من العلماء، ألنھا مجرد<br />
خرافات ألَّفھا بعضُھم عن وھمٍ وظن. وبصرف النظر عن كل ھذا فھي تدل على جھل، ألنه لم<br />
يكن يجوز تربية أية أنثى كانت في الھيكل بين الكھنة، ولم يكن مسموحاً ألحد أن يقيم في قدس<br />
األقداس، بل لم يكن مسموحاً ألحد أن يدخله إال رئيس كھنة اليھود فقط مرة واحدة في السنة،<br />
- ٤٠ -
؛٢<br />
بمناسبة يوم الكفارة العظيم، عندما كان يقدِّم الذبيحة ويأتي بالدم ليقدمه أمام في قدس<br />
١<br />
األقداس.<br />
ولم يرد في األناجيل ذكر السم أم مريم. ولكن أصحاب البدع زعموا أن اسمھا حنة<br />
لسببين: أولھما، إنه ورد في إنجيل لوقا أن نبية عجوزاً تُدعى حنة؛ وثانياً أن حنة<br />
ھو اسم أم صموئيل النبي. أما قصة نذر مريم قبل الحبل بھا في بطن أمھا، وأنھا تربَّت في<br />
الھيكل فمُخترَ عة وملفَّقة، تقليداً لقصة صموئيل النبي الحقيقية الواردة في ١صموئيل<br />
و٢٤ و٢٨؛ و١٨ ١٩). وما دروا أن ھذا كان جائزاً في الحالة التي يكون فيھا النذير<br />
صبياً، ولكنه ال يجوز في الحالة التي يكون فيھا النذير صبية، كما يسلم بذلك كل من يعرف<br />
العادات الشرقية. فبناء على ذلك تكون شھادة ھذه الخرافات لتأييد القُرْ آن ساقطة. على أن<br />
المشابھة بينھا وبين ما ورد في القُرْ آن تدل على أن مُحَ مَّداً اقتبسھا من مثل ھذه الخرافات.<br />
))<br />
))<br />
١١ /١)<br />
(٣٦ /٢)<br />
(٢٥ /١٩)<br />
))<br />
١١ :٢<br />
((<br />
((<br />
ثم أن ما ورد في سورة مريم عن الرطب الجني الذي تساقط من النخلة على<br />
مريم مأخوذ من كتاب ملفق يدعى حكاية مولد مريم وطفولية المخلّص ويقول:<br />
((<br />
.<br />
((<br />
))<br />
<br />
ولكن في اليوم الثالث بعد ارتحاله حدث أن مريم تعبت في البرية من<br />
شدة حرارة الشمس. فلما رأت شجرة قالت ليوسف: لنسترِ ح ھنيھة تحت<br />
ظل ھذه الشجرة. فبادر يوسف وأتى بھا إلى تلك النخلة وأنزلھا من على<br />
دابتھا. ولما جلست شخصت بعينيھا إلى أعلى النخلة فرأتھا مآلنة بالثمر،<br />
فقالت ليوسف: يا ليتني آخذ قليالً من ثمر ھذا النخل. فقال لھا يوسف: يا<br />
للعجب! كيف تقولين ھذا وأنت ترين أن أفرع ھذه النخلة عالية جداً؟ لكني<br />
في غاية القلق بخصوص الماء، ألن الماء الذي في قربتنا قد نفد وال يوجد<br />
مكان نمألھا منه لنروي ظمأنا. ثم قال الطفل يسوع الذي كان متكئاً على<br />
صدر أمه مريم العذراء ووجھه باش: يا أيتھا الشجرة، أَھبِطي أفرعك<br />
لتنتعش أمي بثمرك. وحالما سمعت النخلة ھذا الكالم طأطأت فوراً برأسھا<br />
عند موطئ قدمي مريم، فالتقط الجميع من الثمر الذي كان عليھا وانتعشوا،<br />
وبعد ذلك لما التقطوا جميع ثمرھا استمرت النخلة مطأطئة رأسھا، ألنھا<br />
كانت تنتظر االرتفاع بأمر مَن قد طأطأت رأسھا بأمره. فقال لھا يسوع:<br />
ارفعي رأسك يا أيتھا النخلة وانشرحي صدراً وكوني من أشجاري التي في<br />
جنة أبي. ولكن افتحي بجذورك الينبوع المستتر في األرض، ولتفِض المياه<br />
من ھذا الينبوع.. ففي الحال انتصبت النخلة ونبعت من جذورھا مجاري<br />
مياه زالل صافية باردة آية في غاية الحالوة. ولما رأوا مجاري المياه ھذه<br />
فرحوا فرحاً عظيماً جداً، فرووا ظمأھم مع جميع بھائمھم وخدمتھم وحمدوا<br />
فال فرق بين ھذه الخرافة وبين القصة القُرْ آنية إال في أن رواية القُرْ آن ذكرت أن ھذه<br />
الحادثة العجيبة حصلت عند والدة المسيح، بينما القصة القديمة تقول إنھا حدثت لما كان يوسف<br />
في مصر بعد ذلك بمدة قليلة.<br />
وإذا قيل: من أين اتخذ أصحاب البدع والخرافات ھذه القصة؟ قلنا إنھا واردة كما جاءت<br />
في القُرْ آن وفي كتب أصحاب البدع في كتب أصحاب بوذا الذي وُ لد في الھند نحو سنة<br />
((<br />
))<br />
١<br />
الويين:<br />
.٧ /٩ عبرانيين:<br />
/١٦<br />
- ٤١ -
ُ<br />
(٥٥٧ ق م)، فقد ورد في أحد ھذه الكتب المسمى نِدانه كتھا جاتكم (فصل ١ ص ٥٠<br />
٥٣) ذكر والدة بوذا، وقيل إنه لما حبلت أمه توجھت من قصر زوجھا إلى قصر الملك أبيھا لتلد<br />
ھناك. ولما كانت سائرة في الطريق عرجت مع خادماتھا على غابة جميلة، ثم قيل:<br />
((<br />
))<br />
))<br />
إنھا قربت من أسفل شجرة طيبة الفال، وتمنَّت لو تمسك فرعاً<br />
من شجرة السال ھذه، فانثنى فرعھا كأنه قصوي عصا صار تليينھا ببخار<br />
وقرُب من قبضة يد السائرة، فمدَّت يدھا وأمسكت الفرع فأجاءھا المخاض،<br />
ووضعت لما كانت واقفة ممسكة بفرع شجرة السال<br />
.<br />
((<br />
)) سال ((<br />
))<br />
ووردت ھذه القصة بصورة أخرى في كتاب من كتب أصحاب بوذا في حياته السالفة<br />
(على مذھب التقمُّص) كان أميراً يدعى ويسنترو طُرد ونُفي مع قرينته وولديه الصغيرين<br />
من المملكة، فقطعا الصحاري والجبال باحثين عن ملجأ. فاشتد الجوع بالولدين وقيل في نص<br />
الكتاب فإذ رأى الطفالن أشجاراً حاملة ثماراً عند سفح الجبل بكيا للحصول على ثمرھا. فلما<br />
رأت األشجارُ الباسقةُ الولدين باكيين، طأطأت رؤوسھا واقتربت منھما<br />
١<br />
.((<br />
((<br />
))<br />
وواضح أن أصحاب البدع ومؤلف القُرْ آن اقتبسوا قصصھم من ھذه القصة، وإن كانوا<br />
لم يعرفوا أصلھا الحقيقي. وما أكبر الفرق بين األناجيل الصحيحة الصادقة وكتب أصحاب البدع<br />
الموضوعة، فإن الحواريين الذين كتبوا أناجيلھم الصادقة الصحيحة بوحي المقبولة عند جميع<br />
المسيحيين في غنى عن االقتباس من قصص الوثنيين، ألنھم دوَّ نوا كتبھم مما شاھدوه وعرفوه،<br />
أو ما بلغھم من شھادة الذين عاينوا الحوادث بأعينھم (لوقا ٤). وكانوا في كل األحوال<br />
تحت إرشاد الوحي اإللھي واإللھام الرباني، وعاشوا في عصر المسيح ذاته. ولكن لما كان<br />
أصحاب البدع قد كتبوا كتبھم في األزمنة المتأخرة، وكانوا جھلة مولعين بتصديق الخزعبالت،<br />
دوَّ نوا في كتبھم التي ألَّفوھا للجھلة والعوام المغرمين بحب الغرائب قصصاً كثيرة لم يعرفوا<br />
أصلھا. فظھر من ھذه الخرافة وأمثالھا أن المعترضين على القُرْ آن أوردوا أدلة كثيرة لتأييد<br />
قولھم من أن النبي األمي انخدع بمثل ھذه الخرافات.<br />
١ /١<br />
((<br />
))<br />
) ٣ً) قصة طفولية المسيح عيسى:<br />
ورد في سورة آل عمران<br />
٤٦ /٣)<br />
<br />
و٤٩) أنه قبل مولد المسيح قال المالك عنه:<br />
وَ يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَھْدِ... أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّ بِّكُمْ أَنِّي أَخْ لُقُ لَكُم مِّنَ<br />
الطِّينِ كَھَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْ نِ ّ ِ وَ أُبْرِ ىءُ األكْمَ َه<br />
واألَبْرَصَ وَ أُحْ يِي الْمَوْ تَى بِإِذْ نِ ّ ِ<br />
وورد في سورة المائدة:<br />
. <br />
:<br />
<br />
١<br />
انظر األبيات<br />
٣٤<br />
إِذْ قَالَ ّ يَا عِيسى ابْنَ مَرْ يَمَ اذْ كُرْ نِعْ مَتِي عَلَيْكَ وَ عَلَى وَ الِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ<br />
بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَھْدِ وَ كَھْالً؛ وَ إِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَ َة<br />
وَ التَّوْ رَ اةَ وَ اإلِنجِيلَ؛ وَ إِذْ تَخْ لُقُ مِنَ الطِّينِ كَھَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْ نِي فَتَنفُخُ فِيھَا<br />
فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْ نِي؛ وَ تُبْرِ ىءُ األَكْمَهَ وَ األَبْرَ صَ بِإِذْ نِي؛ وَ إِذْ تُخْ رِ جُ الْمَوتَى<br />
و٣٥.<br />
- ٤٢ -
١<br />
بِإِذْ نِي؛ وَ إِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْ رَ ائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَھُمْ بِالْبَيِّنَا ِت، فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُو ْا<br />
مِنْھُمْ: إِنْ ھَذَا إِالَّ سِ حْ رٌ مُّبِينٌ<br />
. <br />
ولقد اقتبس القُرْ آن ھذه المعلومات من كتب كاذبة، ال من إنجيل صحيح، ألنه اتضح مما<br />
تقدم أن مخاطبة المسيح الموھومة لشجرة النخل مبنيَّة على ما توھَّمه البعض من أنه تكلم في<br />
المھد. أما معجزة إحياء الطير المصنوع من الطين فأُخذت من كتاب يوناني اسمه بشارة توما<br />
اإلسرائيلي (فصل<br />
))<br />
:(٢<br />
))<br />
((<br />
لما بلغ الصبي يسوع من العمر خمس سنين كان يلعب في جدول، فجمع<br />
المياه الجارية إلى بحيرات، وكان يجعلھا على الفور نظيفة، ورتَّبھا بمجرد<br />
كلمة، ثم جعل بعض طين ناعماً وصنع منه اثني عشر عصفوراً. وكان<br />
يوم السبت لما فعل ھذه األشياء. ومع أنه كان يوجد أوالد كثيرون يلعبون<br />
معه إال أن أحد اليھود لما رأى ما فعله يسوع وأنه كان يلعب في يوم<br />
السبت، ذھب وأخبر والده يوسف قائالً: إن ابنك ھو عند جداول المياه وقد<br />
أخذ طيناً وصنع منه اثني عشر طيراً ونقض يوم السبت. فأتى يوسف إلى<br />
المكان وعاين ما فعله الولد فصرخ قائالً له: لماذا تفعل في السبت ھذه<br />
األشياء التي ال يحل فعلھا؟ فطبق يسوع كفيه الواحد على اآلخر وصاح<br />
بالعصافير قائالً لھا: اذھبي. فطارت العصافير! فذُھل اليھود الذين شاھدوا<br />
ھذه األمور. ولما انصرفوا أخبروا رؤساءھم بما فعله يسوع<br />
.<br />
((<br />
وھذه الخرافة كلھا توجد أيضاً في كتاب عربي يُسمى إنجيل الطفولية<br />
وذكرت بصورة أخرى في فصل من نفس الكتاب، ألن آخره مأخوذٌ من<br />
اإلسرائيلي<br />
(٣٦<br />
((<br />
))<br />
))<br />
٤٦<br />
.((<br />
(فصل<br />
بشارة توما<br />
٢<br />
ولنرجع إلى ما ذُكر من أن المسيح تكلم لما كان طفالً في المھد. جاء في سورة مريم<br />
أنه لما وبَّخ القومُ مريم، أشارت إلى الطفل يسوع ليجيب عنھا. فلما قالوا لھا: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن<br />
كَانَ فِي الْ مَھْدِ صَبِيًّا ؟ أجاب: إِنِّي عَبْدُ َّ ِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَ جَ عَلَنِي نَبِ ّياً . وورد في إنجيل<br />
الطفولية (فصل قد وجدنا في كتاب يوسيفوس رئيس الكھنة الذي كان على عھد<br />
المسيح، وقد قال أناسٌ إن قيافا قال إن يسوع تكلم حين كان في المھد، وقال لمريم أمه: إني أنا<br />
المسيح ابن الذي ولدتِني كما بشَّرك جبرائيل المالك، وأبي أرسلني لخالص العالم<br />
))<br />
.<br />
((<br />
<br />
<br />
<br />
))<br />
))<br />
:(١<br />
((<br />
فإذا قارنا بين ھذا القول وما ورد في القُرْ آن نرى أن مُحَ مَّداً غيَّر في ھذه األقوال<br />
الوھمية المنسوبة إلى المسيح بكيفية تالئم اعتقاده وتعليمه. ولكن مما ال شك فيه أن مُحَ مَّداً أخذ<br />
ھذه القصة الكاذبة من الكتاب المذكور. وإذا سأل سائل: كيف توصَّل إلى انتحالھا وأين تيسَّر له<br />
ذلك؟ قلنا: إن الكتاب المسمى إنجيل الطفولية مترجم من القبطية إلى اللغة العربية. وبما أن<br />
ماريا القبطية كانت من سراري مُحَمَّد فال بد أنه سمع ھذه الخرافة منھا ألنھا كانت جاھلة،<br />
فتوھَّمت أن ھذه القصة كانت في اإلنجيل الصحيح األصلي، فأخذھا منھا وتصرف في روايتھا<br />
الشفاھية قليالً ونقحھا ودوَّ نھا في القُرْ آن.<br />
((<br />
١<br />
٢<br />
سورة المائدة:<br />
و٣٠.<br />
.١١٠ /٥<br />
٢٩ :١٩<br />
- ٤٣ -
ُ<br />
؟ّ ِ<br />
فإذا أصرَّ إنسان وقال: ربما تكون ھذه القصة صحيحة، نقول: ال يمكن أن تكون<br />
صحيحة، ألنه يؤخذ من إنجيل يوحنا أن المسيح لم يفعل معجزة في طفولته، وقيل<br />
تعليقاً على معجزته في عرس قانا الجليل، التي صنعھا لما بلغ من العمر أكثر من ثالثين سنة،<br />
إنھا كانت بدء معجزاته وآياته.<br />
(١١ /٢)<br />
<br />
غير أن باقي معجزات المسيح المذكورة في القُرْ آن ھي حقيقية وحدثت فعالً، ما عدا<br />
معجزة المائدة التي ادَّعى القُرْ آن أن المسيح أنزلھا من السَّماء. فقد ذكر القُرْ آن أنه طھَّر البرص<br />
وأقام الموتى وأعطى بصراً للعميان، وھذا يطابق ما ورد في البشائر األربع الصحيحة. أما ما<br />
ورد في القُرْ آن بخصوص المائدة: إِذْ قَالَ الْحَ وَ ارِ يُّو َن: يَا عِيسَى ابْنَ مَرْ يَمَ ھَلْ يَسْ تَطِ يعُ رَ بُّكَ أَن<br />
يُنَزِّ لَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء؟ قَالَ: َ إِن كُنتُم مُّؤْ مِنِينَ قَالُواْ: نُرِ يدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْھَا<br />
وَ تَطْ مَئِنَّ قُلُوبُنَا وَ نَعْ لَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَ نَكُونَ عَلَيْھَا مِنَ الشَّاھِدِي َن. قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْ يَمَ: اللَّھُمَّ<br />
رَ بَّنَا أَنزِ لْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً ألَوَّ لِنَا وَ آخِرِ نَا وَ آيَةً مِّنكَ وَ ارْ زُقْنَا وَ أَنتَ خَ يْ ُر<br />
الرَّ ازِ قِينَ إِنِّي مُنَزِّ لُھَا عَلَيْكُ ْم ولم ترد ھذه المعجزة في أي كتاب من الكتب<br />
المسيحية، وال شك أنھا لم تحدث، ولكننا نرى أنھا نشأت عن عدم فھم بعض عبارات واردة في<br />
العھد الجديد. مثالً ورد في إنجيل متى وإنجيل مرقس وإنجيل<br />
لوقا ١٤٣٠) وإنجيل يوحنا ذكر العشاء الرباني الذي اشترك فيه المسيح<br />
مع الحواريين في آخر ليلة من وجوده بالجسد في ھذه الحياة الدنيا وذلك قبل يوم صلبه. ومن<br />
ذلك الوقت إلى يومنا يمارس المسيحيون الحقيقيون العشاء الرباني حسب أمره تذكاراً لصلبه.<br />
وقد ورد في إنجيل لوقا بخصوص مائدة المسيح: لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في<br />
ملكوتي، وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل اإلثني عشر . فإذا سأل سائل: لماذا<br />
يقول المسلمون إن ھذه المائدة نزلت من السَّماء؟ قلنا: ربما توھموا أن لھذا عالقة بما ذكر في<br />
أعمال الرسل وھو: ثم في الغد فيما ھم يسافرون ويقتربون إلى المدينة صعد<br />
بطرس على السطح ليصلي نحو الساعة السادسة فجاع كثيراً واشتھى أن يأكل. وبينما ھم يھيئون<br />
له وقعت عليه غيبة فرأى السَّماء مفتوحة وإناء نازالً عليه مثل مالءة عظيمة مربوطة بأربعة<br />
أطراف ومدالة على األرض، وكان فيھا كل دواب األرض والوحوش والزحافات وطيور<br />
السَّماء. وصار إليه صوت: قم يا بطرس اذبح وكُل. فقال بطرس: كال يا رب ألني لم آكل قط<br />
شيئاً دنساً أو نجساً. فصار إليه أيضاً صوت ثانية: ما طھَّره فال تدنِّسه أنت. وكان ھذا على<br />
ثالث مرات، ثم ارتفع اإلناء أيضاً إلى السَّماء . غير أن ھذه كانت رؤيا فقط، وال شك أن عدم<br />
فھم الكتاب المقدس حق الفھم ھو منشأ حكاية المائدة في القُرْ آن.<br />
(٢٥<br />
١٧ /١٤)<br />
((<br />
.<br />
))<br />
اتَّقُواْ ّ<br />
١<br />
. <br />
(٢٩ ٢٠ /٢٦)<br />
(٣٠ ١ /١٣)<br />
((<br />
))<br />
<br />
(٣٠ /٢٢)<br />
،(١٦<br />
. قَالَ ّ :<br />
٩ /١٠)<br />
<br />
/٢٢)<br />
ونتقدم اآلن إلى بعض ما ورد في القُرْ آن عن المسيح وأمه مريم العذراء، فمن ذلك<br />
سورة المائدة: وَ إذْ ُ يَا عِيسَى ا ْب نَ مَرْ يَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّيَ إِلَھَيْنِ مِن دُو ِن<br />
وورد في سورة النساء: يَا أَھْلَ الْكِتَابِ الَ تَغْ لُواْ فِي دِينِكُمْ وَ الَ تَقُولُواْ عَلَى ّ ِ إِالَّ<br />
الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِ يحُ عِيسَى ابْنُ مَرْ يَمَ رَسُولُ ّ ِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقَاھَا إِلَى مَرْ يَمَ وَ رُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاّ ِ<br />
ُ إِلَهٌ وَ احِدٌ سُبْحَ انَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَ لَدٌ لَّهُ مَا فِي<br />
وَ رُسُلِهِ وَ الَ تَقُولُواْ ثَالَثَةٌ انتَھُواْ خَ يْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا ّ<br />
السَّمَاوَ ات وَ مَا فِي األَرْ ضِ وَ كَفَى بِاّ ِ وَ كِيالً وورد في سورة المائدة: لَقْد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُو ْا<br />
َ ثَالِثُ ثَالَثَةٍ وَ مَا مِنْ إِلَهٍ إِالَّ إِلَهٌ وَ احِدٌ وَ إِن لَّمْ يَنتَھُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُو ْا<br />
مِنْھُمْ عَذَ ابٌ أَلِي ٌم فيتضح من ھذه اآليات أن مُحَ مَّداً سمع (كما قال جالل الدين ويحيى) من<br />
بعض أصحاب البدع من النصارى أنه يوجد ثالثة آلھة حسب وھمھم، ھم سبحانه، ومريم،<br />
<br />
٣<br />
. <br />
قَالَ ّ<br />
٤<br />
. <br />
٢<br />
. <br />
إِنَّ ّ<br />
١<br />
سورة المائدة:<br />
سورة المائدة:<br />
سورة النساء:<br />
سورة المائدة:<br />
.١١٥ ١١٢ /٥ <br />
.١١٦ /٥<br />
.١٧١ /٤<br />
.٧٣ /٥<br />
٢<br />
٣<br />
٤<br />
- ٤٤ -
))<br />
وعيسى. فردَّ القُرْ آن على آراء أصحاب البدع الكفرية وكرر المرة بعد األخرى أن واحد.<br />
وكل من له إلمام بالتوراة واإلنجيل يعرف أن وحدانية ھي أساس الدين المسيحي، فقد ورد<br />
في التوراة: اسمع يا إسرائيل: الرب إلھنا إله واحد وفي إنجيل مرقس (١٢/<br />
المسيح بھذه اآلية وأيَّد صحتھا بغاية التأكيد. ولم يقل مسيحي حقيقي إن مريم ھي إله. نعم إنه<br />
مما يحزن القلب أن عبادة مريم دخلت بعض الكنائس، ولكنھا في الحقيقة عبادة أصنام تناقض<br />
وصايا وتعاليم التوراة واإلنجيل، إال أنھا موافقة لبعض الكتب الموضوعة التي اقتبس منھا<br />
مُحَمَّد القصص المذكورة عن مريم العذراء. فقد ورد في سورة النساء أن اليھود قالوا: إِنَّا<br />
قَتَلْنَا الْمَسِ يحَ عِيسَى ابْنَ مَرْ يَمَ رَسُولَ ّ ِ، وَ مَا قَتَلُوهُ وَ مَا صَلَبُوهُ وَ لَكِن شُبِّهَ لَھُمْ وَ مَا قَتَلُوهُ<br />
ُ عَزِ يزاً حَ كِيماً فتعليم القُرْ آن في ھذه العبارة منافٍ على خط<br />
ُ إِلَيْهِ وَ كَانَ ّ<br />
يَقِيناً بَل رَّ فَعَهُ ّ<br />
مستقيم لجميع كتب األنبياء واإلنجيل، ولكنه يطابق غاية المطابقة مذاھب بعض أصحاب البدع<br />
الضالين، ألن إيرينيوس قال إن باسليديس كان يعلّم أتباعه أن المسيح لم يتألم، وأن شخصاً<br />
اسمه سمعان من قيروان التزم أن يحمل صليبه ألجله، وأن ھذا الرجل ھو الذي صُلب جھالً<br />
وخطأً، فإن المسيح غيَّر شكل ھذا الرجل ليتوھَّموا أنه ھو عيسى نفسه<br />
٢٩) استشھد<br />
<br />
...<br />
٢<br />
))<br />
.<br />
((<br />
١<br />
.<br />
((<br />
<br />
٤<br />
٣<br />
فمن ھنا يظھر أن مُحَ مَّداً اتخذ ھذا المذھب عن أتباع باسليديس. ومع ذلك فكل من ينكر<br />
أن المسيح صُلب حقيقة ومات على الصليب يناقض تعاليم األنبياء واإلنجيل، ألن األنبياء سبق<br />
أن تنبأوا أنه ال بد أن المسيح الموعود به أن يبذل حياته الكريمة ليكفِّر عن خطايا جميع البشر.<br />
وشھد تالميذ المسيح أنھم شاھدوا بأعينھم مخلِّصھم مصلوباً، ولكن مُحَ مَّداً لم يدرِ أن إنكار<br />
باسيليديس الزائف لصلب المسيح ھو بدعة مبنية على ضاللة من ضالالته، فإنه قال إن المسيح<br />
لم يتَّخذ طبيعة بشرية حقيقية، ولكنه اتخذ شِبه جسد ال وجود له حقيقة، وإنه كان ال يمكن أن يولد<br />
أو يتألم أو يُصلب، ولكنه خدع الناس وأغراھم على التصديق بأنه تألم وصُلب. ولكن ھذا<br />
المذھب الضال ينافي كل ما في اإلنجيل والقُرْ آن، فكان البد أن ينھار بناؤه وأركانه. وإن كانت<br />
أصوله كاذبة فكيف تثبت فروعه التي ھي أقل قيمة من أساسه؟ ولكن مُحَ مَّداً قبِل الفروع ودوَّ نھا<br />
في قرآنه، وصرف النظر عن األصل والمبدأ!<br />
) (٤ً الفارقليط:<br />
وقال المسلمون إن المسيح أوصى تالميذه أن ينتظروا مجيء نبي آخر اسمه أحمد<br />
وأوردوا آية من ال ُقرْ آن لتأييد ھذا الوھم والزعم، فقد ورد في سورة الصف: إِذْ قَالَ عِيسَى ابْ ُن<br />
مَرْ يَمَ يَا بَنِي إِسْ رَ ائِيلَ إِنِّي رَ سُولُ َّ ِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْ رَ اةِ وَ مُبَشِّرً ا بِرَسُولٍ يَأْتِي<br />
مِن بَعْدِي اسْ مُهُ أَحْ مَدُ وال شك أن ھذه اآلية تشير إلى ما ورد في إنجيل يوحنا<br />
و٢٦ و١٥/ بخصوص الفارقليط أو البارقليط وھو المعزي. لكن كل من طالع ھذه<br />
اإلصحاحات بتروٍ وإمعان يرى أنه لم يرد فيھا ذكرٌ لنبي يأتي بعد المسيح بل بالعكس، فإن<br />
المسيح كان يتكلم عن الروح القدس، كما ھو واضح من ھذه اآليات. وقد تم وعد المسيح بعد<br />
صعوده بأيام قليلة. وورد في أعمال الرسل نبأٌ عن تتميم ھذا الوعد وحلول الروح<br />
القدس على التالميذ. ومنشأ خطإ القُرْ آن ھو أنه لمَّا كان العرب يجھلون معنى فارقليط<br />
توھَّموا أن ترجمة ھذه الكلمة الحقيقي ھو أحمد . والحقيقة أن معنى الكلمة اليونانية الصحيح<br />
ھو مُعزٍّ . ولكن توجد كلمة أخرى باللغة اليونانية يجيء النطق بھا إلى آذان األجانب (مثل<br />
((<br />
))<br />
١٦ /١٤)<br />
((<br />
))<br />
<br />
(١١<br />
١ /٢)<br />
((<br />
))<br />
٥<br />
.<br />
٢٦ و١٦/ (٧<br />
((<br />
))<br />
.٤ /٦<br />
١٥٧ :٤<br />
١<br />
٢<br />
٣<br />
٤<br />
٥<br />
تثنية:<br />
و١٥٨.<br />
أحد علماء المسيحيين القدماء.<br />
أحد زعماء أصحاب البدع في األزمنة القديمة.<br />
سورة الصف:<br />
.٦ /٦١<br />
- ٤٥ -
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
العرب) قريبة مما يلفظه العرب فارقليط ومعنى ھذه الكلمة الثانية ھو المشھور الذائع<br />
الصيت. فيُحتمل أن أحد العرب الذين يجھلون اليونانية سمع ھاتين الكلمتين فالتبستا عليه، فتوھَّم<br />
أن معنى فارقليط أحمد. ويسھل وقوع العرب في مثل ھذا الخطأ، ألنه إذا سمع أجنبيٌّ عربياً<br />
يتكلم عن قلب تعذَّر عليه التمييز بين قلب و كلب . وقد يتوھم أن المقصود كلب<br />
فتلتبس عليه العبارة. وال يخفى أن ماني المصور الشھير نبغ في بالد الفرس، وادَّعى النبوَّ ة<br />
وقال إنه الفارقيلط وإن المسيح شھد له. غير أن المسيحيين رفضوا دعواه إلطالعھم على حقيقة<br />
تعاليم اإلنجيل، ولمعرفتھم أن المسيح لم يتنبأ عن نبي حقيقي يأتي بعده.<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
١<br />
وورد في األحاديث أنه لما ينزل المسيح من السَّماء يقيم في ھذه الحياة الدنيا أربعين سنة<br />
ويتزوج. وكل من له إطالع على التوراة واإلنجيل يعرف منشأ ھذا الخطأ، فقد ورد في سفر<br />
الرؤيا و٩): لنفرح ونتھلل ونعطه المجد، ألن عرس الحمل قد جاء، وامرأته ھيأت<br />
نفسھا، وأُعطيت أن تلبس بزاً نقياً بھياً ألن البز ھو تبررات القديسين. وقال لي: اكتب طوبى<br />
للمدعوين إلى عشاء عرس الحمل . ومن المعلوم أن الحمل ھو أحد ألقاب المسيح. وھنا<br />
ذُكر صريحاً عرسه عند رجوعه إلى األرض. ولكن إذا سأل سائل: من ھي العروس؟ وما معنى<br />
ھذه اآليات؟ قلنا: إنه ورد في سفر الرؤيا وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم<br />
الجديدة نازلة من السَّماء من عند مھيَّأة كعروس مزينة لرجلھا . وأورشليم الجديدة تعني<br />
الكنيسة المسيحية المكملة المطھرة كما في أفسس ٣٢). ھي العروس التي يقترن بھا<br />
المسيح، أي التي يقبلھا ويضمھا عند رجوعه. والمقصود بقوله يتزوجھا اإلشارة إلى المحبة<br />
الكاملة واالتحاد التام بين المخلِّص والمخلَّصين. ومن ھنا نرى أن ھذه القصة الواردة في<br />
األحاديث نشأت عن عدم فھم أقوال العھد الجديد. أما قولھم إن المسيح يقيم في ھذه الدنيا أربعين<br />
سنة بعد رجوعه فناشئ عن قول أعمال الرسل ومعناھا أنه أقام مع تالميذه أربعين يوماً<br />
بعد قيامته. أما ما ورد في األحاديث والتفاسير من أن المسيح يموت بعد رجوعه فمبنيٌّ على ما<br />
ورد في سورة آل عمران: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَ فِّيكَ لكنا ال نجزم بأن ھذا معنى اآلية<br />
الحقيقي، ألن ھذا التعليم يناقض نصوص الكتاب المقدس الصريحة، فقد ورد في سفر الرؤيا<br />
و١٨) قول المسيح: أنا ھو األول واآلخِر، والحيُّ، وكنت ميتاً وھا أنا حي إلى أبد<br />
اآلبدين. آمين. ولي مفاتيح الھاوية والموت أن أصل ما ورد في األحاديث بخصوص<br />
ھذا األمر عبارة وردت في كتاب نياحة أبينا القديس الشيخ يوسف النجار (فصل<br />
بخصوص النبييْن أخنوخ وإيليا اللذين صعدا إلى السَّماء بدون أن يذوقا الموت ينبغي ألولئك<br />
أن يأتوا إلى العالم في آخر الزمان في يوم القلق والخوف والشدة والضيق ويموتوا<br />
كذلك في كتاب قبطي عنوانه تاريخ رقاد القديسة مريم أما من جھة ھذين اآلخَ رين أي<br />
أخنوخ وإيليا فينبغي أن يذوقا الموت أخيراً<br />
/١)<br />
(٣١<br />
. وورد<br />
((<br />
((<br />
))<br />
((<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
:<br />
٢<br />
))<br />
))<br />
٢٢ /٥)<br />
.<br />
((<br />
:(٢ /٢١)<br />
(٣ /١)<br />
. غير<br />
.<br />
((<br />
((<br />
))<br />
<br />
))<br />
))<br />
٧ /١٩)<br />
١٧<br />
وبما أن أنصار مُحَ مَّد وأصحابه سمعوا ھذا القول من الذين اطلعوا على ھذين الكتاب ْين<br />
الساقط ْين، قالوا بطريق االستنتاج إن المسيح البد أن يذوق الموت أيضاً مثل أخنوخ وإيليا، ألنھم<br />
توھَّموا أنه صعد إلى السَّماء مثلھما بدون أن يذوق الموت، فال بد أنه سيموت بعد مجيئه ثانيةً.<br />
وفسروا آية سورة آل عمران حسب ھذا الزعم، مثل قوله في سورة العنكبوت: كُلُّ<br />
نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْ تِ ومثلھا في سورة آل عمران ھو مبني على ھذا المذھب (ما<br />
عدا حادثة موت المسيح بعد رجوعه) الذي منشأه أصحاب البدع والضاللة.<br />
<br />
(١٨٥ /٣)<br />
(٥٥ /٣)<br />
٣<br />
. <br />
١<br />
٢<br />
٣<br />
انظر عرائس المجالس، ص<br />
سورة آل عمران:<br />
سورة العنكبوت:<br />
.٥٥٤<br />
.٥٥ /٣<br />
.٥٧ /٢٩<br />
- ٤٦ -
))<br />
في ذكر بعض أشياء شتى أخذت من كتب المسيحيين أو من مؤلفات أصحاب البدع<br />
والضاللة: فمن ھذا القبيل الحكاية الواردة في قصص األنبياء<br />
:((<br />
.<br />
((<br />
))<br />
لما أراد أن يخلق آدم، أرسل المالئكة المقربين واحداً بعد اآلخر لكي<br />
يأتوا بقبضة من أديم األرض. ولما خاب مسعاھم نزل أخيراً عزرائيل<br />
ووضع يده وأخذ قبضة من أديم كل األرض، وأتى بھا إلى المولى قائالً: يا<br />
أنت تعرف ھا أتيت بھا<br />
وقال أبو الفداء نقالً عن<br />
))<br />
الكامل في التاريخ<br />
((<br />
إنّ َّ<br />
))<br />
البن األثير:<br />
قالَ النَّبِيُّ صَلعَم َ تعالى خَ لَقَ آدَ َم من قبضَةٍ قبضَھا من جَميع<br />
األرض... وَ إِنَّما سُمِّيَ آدم ألَنَّه خُلِقَ من أديم األرض<br />
.<br />
((<br />
))<br />
أما قضية نزول المالك من السَّماء ألخذ شيء من أديم األرض، وأنه طلب قبضة من<br />
األرض حسب األحاديث، فمأخوذة من أقوال مرقيون وھو يوناني من أصحاب البدع الذين<br />
انحرفوا عن الدين القويم، ألن يذنيق أحد المؤلفين األرمن القدماء أورد في كتابه ردُّ البدع<br />
(فصل ٤) العبارة اآلتية من أحد كتب مرقيون وترجمتھا:<br />
))<br />
((<br />
.<br />
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
ولما رأى إله التوراة أن ھذا العالم كان جميالً عزم على عمل اإلنسان<br />
منه أي من ھذا العالم ولما نزل إلى األرض إلى المادة أو الھيولي <br />
قال: أعطيني شيئاً من طينك وأنا أعطيك نسمة من عندي.. ولما أعطته<br />
المادة شيئاً من أديمھا خلقه أي آدم ونفخ فيه النسمة.. ولھذا السبب سُمي<br />
آدم ألنه خُلق من أديم األرض<br />
١<br />
.<br />
((<br />
وتقول بدعة مرقيون إن الشخص الذي يسميه إله التوراة الذي أخذ قبضة من<br />
األرض ليخلق منھا اإلنسان ھو مالك ال غير، ألن مرقيون المبتدع وأتباعه قالوا إن التوراة<br />
نزلت من عند أحد المالئكة الذي كان عدواً ، وكانوا يسمون ھذا المالك رب العالمين و((<br />
خالق المخلوقات و(( رئيس ھذا العالم . وال يخفى أن قولھم رئيس ھذا العالم مأخوذ من<br />
اإلنجيل وصفاً للشيطان (يوحنا: ٣٠). وقد قال المسلمون إن ھذه اآلية نبوَّ ة عن ُمحَ مَّد ألنھم<br />
جھلوا معناھا الحقيقي.<br />
((<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
/١٤<br />
((<br />
وقال مرقيون إن ھذا المالك أقام في السَّماء الثانية، وإنه لم يكن يعرف في أول األمر<br />
بوجود . ولكنه لما عرف بوجوده عاداه. وقال مرقيون إن اسم المولى واجب الوجود ھو<br />
اإلله المجھول . وحاول المالك منع الناس عن معرفة اإلله الحقيقي لئال يكرموه ويعبدوه.<br />
فكل ھذه اآلراء والمذاھب تشبه ما قاله المسلمون من أن عزازيل كان مقيماً أيضاً في السَّماء<br />
الثانية. ويوجد منشأ باقي قصة عزازيل في كتب أشياع زارادشت كما سنبينه في الفصل الخامس<br />
من ھذا الكتاب.<br />
))<br />
((<br />
وورد في سورة مريم:<br />
.υλη<br />
١<br />
- ٤٧ -
فَوَ رَ بِّكَ لَنَحْ شُرَ نَّھُمْ وَ الشَّيَاطِ ينَ ثُمَّ لَنُحْ ضِ رَ نَّھُمْ حَ وْ لَ جَھَنَّمَ جِثِيّاً. ثُمَّ<br />
لَنَنزِ عَنَّ مِن كُلِّ شِ يعَةٍ أَيُّھُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّ حْ مَنِ عِتِيّاً. ثُمَّ لَنَحْ نُ أَعْ لَمُ بِالَّذِينَ<br />
ھُمْ أَوْ لَى بِھَا صِ لِيّاً. وَ إِن مِّنكُمْ إِالَّ وَ ارِ دُھَا كَانَ عَلَى رَ بِّكَ حَ تْمًا مَّقْضِ يّاً. ثُمَّ<br />
نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيھَا جِثِيّاً<br />
١<br />
.<br />
واختلف المفسرون في معنى ھذه اآليات، فقال البعض إنه البد أن كل المؤمنين يردون<br />
جھنم ولكن ال يضرُّھم لھبھا. وقال البعض اآلخر إن اإلشارة ھي إلى الصراط الذي البد أن<br />
يمر عليه الجميع وھو ممدود على جھنم. وسنتحدث عن الصراط في الفصل الخامس.<br />
((<br />
))<br />
<br />
ولكن تعليقنا على القول: إِن مِّنكُمْ إِالَّ وَ ارِ دُھَا أنه يُحتمل أن ھذه العبارة تشير إلى ما<br />
استنتجه المسيحيون من إنجيل مرقس و١ كورنثوس ١٣)، وھو أنه يوجد مكان<br />
يتطھَّر فيه عصاة المسيحيين من خطاياھم بواسطة النار. أما إذا كانت عبارة القُرْ آن تشير إلى<br />
الصراط فيكون قد أخذ ھذا المذھب من أصحاب زارادشت وليس من المسيحيين، كما سنوضح<br />
في ما بعد.<br />
))<br />
/٣)<br />
<br />
َّ <br />
(٤٩ /٩)<br />
٢<br />
. <br />
((<br />
) (٥ً الميزان:<br />
وقد ورد ذكر الميزان في سورة الشوري: ُ الَّذِي أَ نزَ لَ ا ْلكِ َتا َب بالْحَقِّ وَ الْمِيزَا َن، وَ مَا<br />
يُدْ رِ يكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِ يبٌ وكذلك ورد في سورة القارعة فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَ ازِ ينُهُ؛ فَھُ َو<br />
فِي عِيشَةٍ رَّ اضِ يَةٍ. وَ أَمَّا مَنْ خَ فَّتْ مَوَ ازِ ينُهُ؛ فَأُمُّهُ ھَاوِيَة◌ٌ وال لزوم ألن نذكر كل ما ورد<br />
في األحاديث بخصوص الميزان الھائل، ألنھا معروفة. فإذا بحثنا عن أصل ھذه القصة نجد أنھا<br />
مأخوذة من كتاب عھد إبراھيم الذي أُلف في مصر أوالً ثم ترجم إلى اللغة اليونانية<br />
والعربية، فنرى في ھذا الكتاب ما يشبه ما ذكره القُرْ آن بخصوص وزن األعمال الصالحة<br />
والطالحة. فقد ورد فيه أنه لما شرع مالك الموت بأمر في القبض على روح إبراھيم، طلب<br />
منه خليل أن يعاين غرائب السَّماء واألرض قبل أن يموت. فلما أُذِن له عرج إلى السَّماء<br />
وشاھد كل شيء، وبعد ھنيھة دخل السَّماء الثانية ونظر الميزان يزن فيه أحد المالئكة أعمال<br />
الناس. ونص تلك العبارة:<br />
:<br />
٣<br />
.<br />
((<br />
))<br />
))<br />
١<br />
سورة مريم:<br />
سورة الشوري:<br />
سورة القارعة:<br />
<br />
إن كرسياً كان موضوعاً في وسط البابين، وكان جالساً عليه رجل<br />
عجيب، وأمامه مائدة تشبه البلور وكلھا من ذھب وكتان رفيع. وعلى<br />
المائدة كتاب سُمكه ست أذرع وعرضه عشر أذرع. وعلى يمينھا ويسارھا<br />
مالكان يمسكان بورقة وحبر وقلم. وأمام المائدة مالكٌ يشبه النور يمسك<br />
ميزاناً بيده. وعلى اليسار مالك من نار عليه عالمات القسوة والفظاظة<br />
والغلظة يمسك بوقاً فيه نار آكلة، المتحان الخطاة. وكان الرجل العجيب<br />
الجالس على الكرسي يدين ويمتحن األرواح، والمالكان اللذان عن اليمين<br />
واليسار يكتبان ويسجّالن أعمال الناس. فكان المالك الذي على اليمين<br />
يكتب ويسجّل األعمال الصالحة، والمالك الذي على اليسار يكتب الخطايا.<br />
أما المالك الذي أمام المائدة والممسك الميزان فكان يزن األرواح، والمالك<br />
الناري الممسك بالنار كان يمتحن األرواح. فاستفھم إبراھيم من ميخائيل<br />
.٧٢ ٦٨ /١٩<br />
.١٧ /٤٢<br />
.٨ ٦ /١٠١<br />
٢<br />
٣<br />
<br />
- ٤٨ -
رئيس المالئكة: ما ھذه األشياء التي نشاھدھا؟ فقال له رئيس المالئكة: إن<br />
ما تراه أيھا الفاضل إبراھيم ھو الحساب والعقاب والثواب<br />
١<br />
.<br />
((<br />
<br />
وذكر بعد ھذا أن إبراھيم رأى أن الروح التي تكون أعمالھا الصالحة والطالحة متساوية<br />
ال تُحسب من المخلَّصين وال من الھالكين، ولكنھا تقيم في موضع وسط بين االثنين. وھذا<br />
المذھب يشبه ما ورد في سورة األعراف: وَ بَيْنَھُمَا حِجَ ابٌ وَ عَلَى األَعْ رَ افِ رِ جَ الٌ<br />
٢<br />
.<br />
فيتَّضح مما تقدم أن مُحَ مَّداً اقتبس مسألة الميزان الذي ذكره في القُرْ آن من ھذا الكتاب<br />
الموضوع، الذي أُلف في مصر نحو سنة قبل الھجرة، واألرجح أنه عرف مضمون ھذا<br />
الكتاب من مارية القبطية التي كانت سريته. غير أن منشأ قضية الميزان الواردة في عھد إبراھيم<br />
وُ جدت منه<br />
كتاب األموات ليست من التوراة واإلنجيل، ولكن منشأھا كتاب قديم جداً عنوانه نُسخ كثيرة بخط اليد في قبور المصريين عبدة األصنام. ودفنوا ھذا الكتاب مع الموتى، ألن<br />
قدماء المصريين كانوا يعتقدون أن أحد آلھتھم الكذبة واسمه تھوتي ألَّفه، وزعموا أن الموتى<br />
من ھذا الكتاب صورة إلھين اسمھما<br />
يحتاجون إلى التعلم منه بعد موتھم. وفي أول فصل وضعا في كفة من ھذا الميزان قلب رجل بار صالح توفي. ووضعا في<br />
أنبو و حور فكان<br />
تھوتي أو الصدق. أما إلھھم مأت الكفة األخرى تمثال إله آخر من آلھتھم اسمه يقيد أعمال الميت في سجل.<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
))<br />
١٢٥<br />
((<br />
))<br />
٤٠٠<br />
.<br />
((<br />
))<br />
((<br />
فيتضح مما ذكر أن القُرْ آن اتخذ مسألة الميزان من كتاب عھد إبراھيم وأن مسألة<br />
الميزان فيه مأخوذة من الروايات الشفاھية التي وصلت من السلف إلى الخلف من اعتقادات<br />
قدماء المصريين المدوَّ نة في كتاب األموات الذي ھو مصدر ذكر الميزان األصلي.<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
١<br />
) ٦ً) صعود إبراھيم إلى السَّماء<br />
وورد في األحاديث أن مُحَ مَّداً رأى في ليلة المعراج آدم أب البشر تارة يبكي ويولول<br />
وأخرى يفرح ويھلل، فور في كتاب مشكاة المصابيح:<br />
كتاب عھد إبراھيم، صورة<br />
سورة األعراف:<br />
.١ فصل ١<br />
.٤٦ /٧<br />
٢<br />
- ٤٩ -
١<br />
.<br />
((<br />
))<br />
فلما فُتِحَ علونا السّماء الدّنيا إذا رجلٌ قاعد على يمينه أسوَ دةٌ وعلى يساره<br />
أسوَ دَة. إذا نظر قِبل يمينه ضحك، وإذا نظر قِبل شماله بكى. فقال: مرحباً<br />
بالنبي الصّالح واالبن الصّالح. قلت لجبرائيل: من ھذا؟ قال: ھذا آدم، وھذه<br />
األسودة عن يمينه وعن شماله نَسَمَ بنيه، فأھل اليمين منھم أھل الجنّة،<br />
واألسودة التي عن شماله أھل النّار. فإذا نظر عن يمينه ضحِكَ، وإذا نظر<br />
عن شماله بكى<br />
وأصل ھذا الحديث أيضاً من كتاب<br />
عھد إبراھيم ((<br />
((<br />
.<br />
((<br />
))<br />
فقد ورد فيه:<br />
فحوَّ ل ميخائيل العربة وحمل إبراھيم إلى جھة الشرق في أول باب<br />
السَّماء، فرأى إبراھيم طريقين إحداھما طريق كرب وضيقة واألخرى<br />
واسعة وعريضة. ورأى ھناك بابين أحدھما واسع يوصل إلى الطريق<br />
الواسعة، وباب ضيق يوصل إلى الطريق الضيقة. ورأيت ھناك خارج<br />
البابين رجالً جالساً على كرسي مرصع بالذھب وكانت ھيئته مھيبة كھيبة<br />
السيد. ورأيت أرواحاً كثيرة تسوقھا المالئكة وتُدخِلھا من الباب الواسع،<br />
ورأيت أرواحاً أخرى وھي قليلة العدد تحملھا المالئكة وتُدخِلھا في الباب<br />
الضيق. ولما رأى الرجل العجيب الذي كان مستوياً على الكرسي الذھبي<br />
أن الذين يدخلون من الباب الضيق قليلون، والذين يدخلون من الباب<br />
الواسع كثيرون، أمسك حاالً ھذا الرجل العجيب شعر رأسه وجانبَي لحيته<br />
وألقى بنفسه من الكرسي إلى األرض ينوح ويندب. ولما رأى أرواحاً<br />
كثيرة تدخل من الباب الضيق كان يقوم من على األرض ويجلس على<br />
كرسيه مھلالً. ثم استفھم إبراھيم من رئيس المالئكة وقال له: يا موالي<br />
الرئيس، من ھذا الرجل العجيب الموشح بمثل ھذا المجد وھو تارة يبكي<br />
ويولول وأخرى يفرح ويھلل؟ فقال له: إن ھذا الشخص المجرد من الجسد<br />
(المالك) ھو آدم، أول شخص خُلق، وھو في ھذا المجد العظيم يشاھد<br />
العالم ألن الجميع تناسلوا منه. فإذا رأى أرواحاً كثيرة تدخل من الباب<br />
الضيق يقوم ويجلس على كرسيه فرحاً ومھلالً من السرور، ألن الباب<br />
الضيق ھو باب الصالحين المؤدي إلى الحياة، والذين يدخلون منه يذھبون<br />
إلى جنة النعيم. ولھذا السبب يفرح ألنه يرى األنفس تفوز بالنجاة. ولما<br />
يرى أنفساً كثيرة تدخل من الباب الواسع ينتف شعر رأسه ويلقي بنفسه<br />
على األرض باكياً ومولوالً بحُرقة، ألن الباب الواسع ھو باب الخطاة الذي<br />
يؤدي إلى الھالك والعقاب األبدي<br />
٢<br />
١<br />
ومع أنه يسھل على كل عالم إقامة الدليل على أن القُرْ آن أخذ أشياء أخرى كثيرة من<br />
كتب جھلة المسيحيين الكاذبة، ومن تأليف أصحاب البدع الساقطة، فقد اكتفينا بما تقدم.<br />
ويناسب قبل ختام ھذا الفصل أن نسأل: بما أن مُحَ مَّداً اقتبس مقاطع كثيرة من كتب باطلة<br />
ال أصل لھا، فھل اقتبس أيضاً بعض آيات األناجيل أو رسائل الحواريين، خالف ما اقتبسه عن<br />
والدة المسيح، وعن معجزاته الكثيرة؟<br />
مِشكاة المصابيح ، محمد بن عبد َّ ِ الخطيب التبريزي، ص<br />
كتاب عھد إبراھيم، صورة فصل<br />
.٥٢١<br />
.١١<br />
١<br />
٢<br />
- ٥٠ -
الجواب على ھذا السؤال المھم ھو: اقتبس القُرْ آن من اإلنجيل آية واحدة، وكذلك وردت<br />
عبارة في األحاديث ربما تكون مقتبسة من رسائل بولس الرسول:<br />
(١) ورد في سورة األعراف: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَ اسْتَكْبَرُواْ عَنْھَا الَ تُفَتَّحُ لَھُ ْم<br />
أَبْوَ ابُ السَّمَاء وَ الَ يَدْ خُلُونَ الْجَ نَّةَ حَ تَّى يَلِجَ الْجَ مَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فالشطر األخير من ھذه<br />
اآلية مأخوذ من قول المسيح: دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت<br />
١<br />
. <br />
))<br />
.<br />
٢<br />
.<br />
((<br />
<br />
إن قال: أعددتُ لعبادي<br />
(٢) ورد في األحاديث عن أبي ھريرة أن مُحَ مَّداً قال: وھي مقتبسة من رسالة<br />
الصالحين ما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر كورنثوس األولى ما لم ترَ عي ٌن ولم تسم ْع أذ ٌن ولم يخط ْر على بال إنسا ٍن ما أعدَّه ُ<br />
للذين يحبونه<br />
٣<br />
.<br />
((<br />
))<br />
))<br />
:(٩ /٢)<br />
.<br />
((<br />
وال يمكن إنكار أقوال المعترضين من أن مُحَ مَّداً أخذ من اإلنجيل وباقي كتب المسيحيين،<br />
والسيما مؤلفات أصحاب البدع الباطلة، فھي أحد <strong>مصادر</strong> تعاليم الديانة اإلِسْالمية.<br />
<br />
١<br />
٢<br />
٣<br />
سورة األعراف:<br />
متى: ٢٤؛ مرقس:<br />
مشكاة المصابيح، ص<br />
.٤٠ /٧<br />
:١٠<br />
.٤٨٧<br />
/١٩<br />
٢٥؛ لوقا:<br />
.٢٥ /١٨<br />
- ٥١ -
%+<br />
تأثيرات زارادشتية في<br />
والحديث القُرْ آن<br />
))<br />
قال مؤرخو العرب إن ملوك الفرس كانوا متسلطين على كثير من ممالك العرب، قبل<br />
مولد مُحَ مَّد وفي عصره أيضاً. قال أبو الفداء إن كسرى أنوشروان أرسل جيوشه إلى مملكة<br />
الحيرة وعزل ملكھا الحارث وولى عوضاً عنه أحد رعاياه اسمه منذر ماء السَّماء. وبعد ذلك<br />
أرسل ھذا الملك المشھور جيشه تحت إمرة وھرز إلى بالد اليمن. وكان أول ما فعله بعد<br />
ذلك أنه طرد الحبَش وولى أبا السيف على مملكة أسالفه. ولكن بعد قليل تولى وھرز نفسه<br />
على مملكة اليمن، وسلَّم لذريته السيادة. وقال أبو الفداء: كانت المناذرة آل نصر بن ربيعة<br />
عماالً لألكاسرة على عرب العراق وقال عن اليمن: ثم ملك اليمن بعدھم (أي أھل<br />
الحِمْيَر) من الحبشة أربعة، ومن الفرس ثمانية، ثم صارت لإلِسْ الم<br />
((<br />
))<br />
.<br />
((<br />
))<br />
))<br />
١<br />
((<br />
٣<br />
.<br />
٢<br />
((<br />
))<br />
))<br />
فيتضح من ھذا أنه كان بين أھل الفرس وبين العرب تواصلٌ واختالط زمن أيام مُحَ مَّد،<br />
وقبله. وبما أن الفرس كانوا متقدمين في العلوم والمدنيَّة أكثر من العرب في زمن الجاھلية، كان<br />
البد أن دينھم وعلومھم وعاداتھم وفروضھم أثرت تأثيراً عظيماً في العرب. ويتضح من<br />
التواريخ ومن شھادة مفسري القُرْ آن أن قصص العجم وأشعارھم تواترت في ذلك الوقت بين<br />
قبائل جزيرة العرب، فتداولوھا تداوالً عاماً. وھذا يوافق قول ابن ھشام إن العرب لم يسمعوا في<br />
عصر مُحَ مَّد قصص رُستم وأسفنديار وملوك فارس القدماء فقط، بل إن بعض قريش استحسنوھا<br />
وفضلوھا على قصص القُرْ آن. وھاك نص عبارة ابن ھشام:<br />
والنّضر بن الحارث بن عَلْقمة بن كَلدة بن عَبْد مناف بن عَبْد الدّار بن<br />
قصي، كان إذا جلس رسولُ ّ صلى َّ عليه وسلّم مجلساً، فدعا فيه إلى<br />
َّ ِ تعالى وتال فيه القرآن، وحذّر قُريشاً ما أصاب األممَ الخاليةَ، خَ لفه في<br />
مجلسه إذ قام، فحدَّثھم عن رُستم الشّديد وعن أسفنديار وملوك فارس، ثم<br />
يقول: وَّ ما محمّد بأحسن حديثاً منّي، وما حديثه إِالَّ أساطير األوّ لين<br />
وقالوا أساطِ يرُ األوَّ لين اكْتَتَبَھا<br />
اكتتبھا كما اكتتبتُھا ))؛<br />
فَھِيَ تُمْلى عَليِه بُكْرَةَ وأصِ يالً. قُل أنزَلَهُ الَّذي يَعلمُ السِّرَ في السَّمواتِ<br />
واألرْ ض، إِنَّه كان غفوراً رحيماً<br />
فأنزل ّ ُ فيه: <br />
٤<br />
.<br />
((<br />
<br />
والشك أن ھذه القصص عن رستم وأسفنديار وملوك فارس ھي القصص التي أخذھا<br />
الفردوسي بعد مُحَ مَّد بأجيال من مجموعة قصص ألحد الفالحين ونظمھا شعراً، ودُوِّ نت في<br />
الشاھنامة . وبما أن العرب طالعوا قصص ملوك الفرس وتواريخھم، فال نتصور أنھم كانوا<br />
يجھلون قصة جمشيد ويجھلون خرافات الفرس عن معراج أرتاويراف وزارادشت، ووصف<br />
))<br />
((<br />
١<br />
انظر تاريخ أبي الفداء والمُسمَّى (المختصر في أخبار البشر<br />
السيرة النبويّة البن ھشام ص و٢٥.<br />
باب<br />
سورة الفرقان: و٦.<br />
.٢ باب (<br />
٢٤<br />
٥ /٢٥<br />
.٢<br />
٢<br />
٣<br />
٤<br />
- ٥٢ -
ُ<br />
الفردوس، وصراط چينود، وشجرة حوابة، وقصة خروج أھرمن من الظلمات األولية، فال<br />
أنھم كانوا يعرفونھا حق المعرفة.<br />
ب ّد<br />
((<br />
))<br />
١ً )<br />
فھل أثَّرت ھذه القضايا وما شابھھا في القُرْ آن وفي األحاديث المتواترة بين المسلمين أم<br />
لم تؤثر فيھما؟ يؤكد منتقدو القُرْ آن أن كل قضية من ھذه القضايا أثرت تأثيراً مھماً في القُرْ آن<br />
واألحاديث إلى درجة بليغة، حتى أصبحت قصص قدماء الفرس واعتقاداتھم أحد <strong>مصادر</strong><br />
اإلِسْ الم. وقال منتقدو القُرْ آن إن كثيراً من الخرافات التي كانت متداولة في بالد الفرس في قديم<br />
الزمان لم تقتصر على بالد فارس فقط، بل تناولت قدماء الھنود وانتشرت بينھم أيضاً، ألن أجداد<br />
الھنود زحفوا من ھرات إلى الھند واستوطنوھا. فبعض تلك األوھام واآلراء والمذاھب ھي<br />
الميراث األدبي والديني لھاتين األمَّتين، وديانتھم مبنية على ھذه األوھام واآلراء التي ورثوھا<br />
عن السلف. ومع أن مصدر بعضھا كان في بالد فارس بعد توطن أجداد الھنود في الھند، ولكنھا<br />
بمرور الوقت وصلت إلى الھند وانتشرت بين أھلھا فتمسكوا بھا. ولكن بما أنه ال يجوز التسليم<br />
بصحة قول المنتقدين بدون أن يقيموا برھاناً كافياً، وجب أن نطلب منھم أن يأتوا ببرھانھم إن<br />
كانوا صادقين. فأوردوا بعض آيات القُرْ آن واألحاديث. فلننظر فيھا بتدقيق ثم لنقارنھا بما ورد<br />
في كتب الفرس والھند القديمة عن مثل ھذه األمور وما أشبھھا.<br />
( قصة معراج مُحَ مَّد:<br />
١<br />
. <br />
النبأ عن المعراج في ليلة اإلسراء ورد في القُرْ آن في سورة اإلسراء: سُبْحَ انَ الَّذِي<br />
أَسْ رَ ى بِعَبْدِهِ لَيْالً مِّنَ الْمَسْ جِدِ الْحَ رَ امِ إِلَى الْمَسْ جِدِ األَقْصَى الَّذِي بَارَ كْنَا حَ وْ لَهُ لِنُرِ يَهُ مِنْ آيَا ِتنَا إِنَّ ُه<br />
ھُوَ السَّمِيعُ البَصِ يرُ وقد اختلف مفسرو المسلمين اختالفاً عظيماً في تفسير ھذه اآلية، فقال<br />
ابن إسحق إنه ورد في األحاديث أن عائشة كانت تقول: ما فُقد جسد رسول ص ولكن <br />
أسرى بروحه . وورد في األحاديث أيضاً أن مُحَ مَّداً ذاته قال: تنام عيني وقلبي يقظان<br />
ويُفھم مما قاله محيي الدين في تفسيره ھذه اآلية أنه فھم المعراج واإلسراء بطريقة مجازية<br />
واستعارية، ألنه قال:<br />
٢<br />
.<br />
((<br />
))<br />
))<br />
))<br />
((<br />
أنْرَ ھَهُ عن اللّواحق المادية والنقائص التشبيھية بلسان حال التجرّد<br />
والكمال في مقام العبوديّة الذي ال تصرف فيه أصالً. لَيْالً أي: في<br />
ظلمة الغواشي البدنيّة والتعلقات الطّبيعيّة، ألنَّ العروج والتّرقي ال يكون<br />
إال بواسطة البدن. مِّنَ الْمَسْ جِدِ الْحَ رَا ِم أي: من مقام القلب المحرّم عن<br />
أن يطوف به مشرك القوى البدنية ويرتكب فيه فواحشھا وخطاياھا ويحجّه<br />
غوى القُوى الحيوانية من البھيميّة والسبعيّة المنكشفة سوأتا إفراطھا<br />
وتفريطھا لعروھا عن لباس الفضيلة. إِلَى الْمَسْ جِدِ األَقْصَى الذي ھو<br />
مقام الروح األبعد من العالم الجسماني بشھود تجليات الذّات وسبحات<br />
الوجه، وتذكر ما ذكرنا أنّ تصحيح كل مقام ال يكون إال بعد التّرقي إلى ما<br />
فوقه، لتفھم من قوله. لِنُرِ يَهُ مِنْ آيَاتِنَا مشاھدة الصفات، فإِنّ مطالعة<br />
تجليّات الصّفات وإِ ْن كانت في مقام القلب، لك ّن ال ّذات الموصوفة بتلك<br />
الصفات ال تشاھد على الكمال بصفة الجالل والجمال إال عند الترقي إلى<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
١<br />
سورة اإلسراء:<br />
السيرة النبوية، ص<br />
.١ /١٧<br />
.١٣٩<br />
٢<br />
- ٥٣ -
((<br />
مقام الرّوح، أي: لنريه آيات صفاتنا من جھة أنَّھا منسوبة إلينا. ونحن<br />
المشاھدون بھا البارزون بصورھا<br />
١<br />
.<br />
))<br />
فإذا اعتمدنا على قول مُحَ مَّد ذاته وقول عائشة وتفسير محيي الدين، كان معراج مُحَ مَّد<br />
مجازياً واستعارياً وليس حقيقياً. غير أن ما قاله ابن إسحق وغيره ينافي ھذا الرأي، ألنه قال إن<br />
مُحَمَّداً قال إن جبريل أيقظه مرتين وأنه نام ثانية، ثم ساق الكالم قائالً:<br />
فجاءني الثالثةَ فھمزني بقدمه، فجلستُ . فأخذ بعَضدي. فقمت معه فخرج<br />
إلى بابِ المسجد فإذا دابَّة أبيض، بين البغل والحمار، في فَخذيه جناحان<br />
يحْ فِز بھما رجْ ليه. يضع يده في منتھى طرفه، فحملني عليه ثم خرج معي<br />
ال يفوتني وال أفوته. قال ابن إسحاق:وحُدّثت عن قَتادة أنّه قال: حُدثت أنَّ<br />
رسول ّ صلّى َّ عليه وسلّم قال: لمّا دنوتُ ألركبه شَمَس، فوضع<br />
جبريلُ يدَهُ على مَعْرَفته، ثم قال: أال تَسْ تحي يا بُراق مما تَصْ نع. فو يا<br />
براق ما ركبك عبدٌ َّ ِ قبل محمّد أكرم على ّ ِ منه. قال: فاسْتحيا حتى<br />
ارفضَّ عرقاً، ثم قرَّ حتى ركبته. قال الحسنُ في حديثه: فمضى رسولُ ّ<br />
عليه وسلّم ومضى جبريلُ عليه السّالم معه، حتى انتھى به إلى<br />
بيت المقدس، فوجد فيه إبراھيمَ ومُوسى وعيسى في نَفَر من األنبياء، فأمَّھم<br />
رسول ّ صلّى ّ عليه وسلّم فصلَّى بھم، ثم أُتِيَ بإناءين في أحدھما خمر<br />
وفي اآلخر لبن. قال: فأخذ رسول ّ صلّى ّ عليه وسلّم إناء اللبن فشرب<br />
منه وترك الخمر. فقال له جبريلُ: ھُديت للفِطْ رة وھُديتْ أمتك يا محمد،<br />
وحُرّمت عليكم الخمر. ثم انصرف رسولُ ّ صلّى ّ عليه وسلّم إلى<br />
مكة. . فلمّا أصبح غَدا على قريش فأخبرھم الخبرَ ، فقال أكثر الناس: ھذا<br />
وّ اإلِمْر البَيّن. إنَّ العير لتُطْ رد شھراً من مكة إلى الشام مُدبرة، وشھراً<br />
مقبلة. أفيذھب ذلك محمّد في ليلة واحدة ويَرجع إلى مكة<br />
٢<br />
.<br />
((<br />
صلى ّ<br />
))<br />
١<br />
٢<br />
وورد في مشكاة المصابيح:<br />
عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة: إن نبي ّ صلّى<br />
ّ عليه وسلّم حدَّثھم عن ليلة أُسري به: بينما أنا في الحطيم وربما قال في<br />
الحجر، مضطجعاً، إذ أتاني آتٍ، فشق ما بين ھذه وھذه (يعني من ثغرة<br />
نحره إلى شعرته) فاستخرج قلبي، ثم أُتيتُ بطست من ذھب مملوءٍ إيماناً،<br />
فغسل قلبي ثم حشي، ثم أعيد. وفي رواية: غُسل البطن بماء زمزم ثم مُلئ<br />
إيماناً وحكمةً. ثم أُتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار، أبيض، يُقال له<br />
البراق، يضع خطوة عند أقصى طرفه. فحُملت عليه فانطلق بي جبريل<br />
حتى أتى السَّماء الدنيا، فاستفتح. قيل: من ھذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن<br />
معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، فنِعم<br />
المجيء جاء. ففتح. فلمَّا خلصتُ فإذا فيھا آدم. فقال: ھذا أبوك آدم فسلِّم<br />
عليه. فسلمتُ عليه فردَّ السّالم، ثم قال: مرحباً باالبن الصالح والنبي<br />
الصَّالح. ثم صَعِدَ بي حتى أتى السّماء الثانية ، فاستفتح. قيل: من ھذا؟ قال:<br />
جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم. قيل:<br />
تفسير ابن عَربَي.<br />
السيرة النبوية البن ھشام، ص<br />
و١٣٩. ١٣٨<br />
- ٥٤ -
مرحباً به فنعم المجيء جاء. ففتح فلمّا خلصتُ إذا يوسف. قال : ھذا<br />
يوسف فسلّم عليه ، فسلمت عليه ، فردّ ثمّ قال : مرحباً باألخ الصّالح<br />
والنبيّ الصّالح ، ثم صَعِد بي حتى أتى السّماء الرّابعة فاستفتح. قيل: من<br />
ھذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال:<br />
نعم. قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء. ففتح ، فلّما خلصتُ إذا إدريس ،<br />
فقال : ھذا إدريس فسلّم عليه ،فسلّمت عليه ، فرَ دّ ثم قال : مرحباً باألخ<br />
الصّالح والنَّبيّ الصّالح . ثم صَعِدَ بي حتى السّماء الخامسة فاستفتح. قيل:<br />
من ھذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أُرسل إليه؟<br />
قال: نعم. قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت فإذا ھارون.<br />
قال: ھذا ھارون فسلّم عليه فسلمت عليه، فردَّ ثم قال: مرحباً باألخ الصّالح<br />
والنبي الصّالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح، قيل: من<br />
ھذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل وقد أُرسل إليه؟ قال:<br />
نعم. قيل: مرحباً، فنعم المجيء. جاء ففتح. فلما خلصت فإذا موسى. قال:<br />
ھذا موسى فسلِّم عليه. فسلمتُ عليه، فردَّ ثم قال: مرحباً باألخ الصّالح<br />
والنبي الصّالح. فلما جاوزتُ بكى. قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي ألن غالماً<br />
بُعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلھا من أمتي. ثم صعد بي إلى<br />
السّماء السابعة، فاستفتح جبرائيل. قيل: من ھذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن<br />
معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به فنعم<br />
المجيء جاء. فلما خَ لَصتُ فإذا إبراھيم. قال: ھذا أبوك إبراھيم فسلِّم عليه،<br />
فسلمتُ عليه، فردَّ السالم، ثم قال: مرحباً باالبن الصّالح والنبي الصّالح. ثم<br />
رُفعت إلى سِ درة المنتھى فإذا نبقھا مثل قالل ھَجَ رَ ، وإذا ورقھا مثل آذان<br />
الفيلة. قال: ھذا سِ درة المنتھى. فإذا أربعة أنھار، نھران باطنان ونھران<br />
ظاھران. قلت: ما ھذا يا جبرائيل؟ قال: أما الباطنان فنھران في الجنة،<br />
وأما الظاھران فالنيل والفرات. ثم رُفع لي البيت المعمور، ثم أوتيت بإناء<br />
من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذت اللّبن. فقال: ھي الفطرة<br />
أنت عليھا وأمَّتك<br />
١<br />
.((<br />
ثم ساق الكالم وذكر أشياء أخرى كثيرة تختص بمعراج مُحَ مَّد، منھا بكاء آدم وغيره مما<br />
ال لزوم إلى ذكره ھنا.<br />
ولننظر فيما إذا كان ما ذُكر عن معراج مُحَ مَّد أُخذ من قصة قديمة مشابھة لھا أم ال. وإذا<br />
سأل سائل: ما ھو مصدر قصة المعراج؟ قلنا: كتاب أرتاويراف نامك المكتوب باللغة<br />
البھلوية منذ سنة قبل الھجرة، في أيام أردشير بابكان ملك الفرس. وبيان ذلك أنه لما<br />
أخذت ديانة زارادشت في بالد الفرس في االنحطاط، ورغب المجوس في إحيائھا في قلوب<br />
الناس، انتخبوا شاباً من أھل زارادشت اسمه أرتاويراف وأرسلوا روحه إلى السَّماء. ووقع<br />
على جسده سُبات. وكان الھدف من سفره إلى السَّماء أن يطَّلع على كل شيء فيھا ويأتيھم بنبأ.<br />
فعرج ھذا الشاب إلى السَّماء بقيادة وإرشاد رئيس من رؤساء المالئكة اسمه ساروش فجال<br />
من طبقة إلى أخرى وترقى بالتدريج إلى أعلى فأعلى. ولما اطلع على كل شيء أمره<br />
أورمزد اإلله الصالح سند وعضد مذھب زارادشت أن يرجع إلى األرض ويخبر<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
))<br />
٥١٨<br />
٤٠٠<br />
((<br />
٢<br />
١<br />
مشكاة المصابيح، ص <br />
البھلوية: اللغة الفارسية القديمة.<br />
.٥٢٠<br />
٢<br />
- ٥٥ -
.<br />
((<br />
))<br />
الزارداشتية بما شاھد، ودُوِّ نت ھذه األشياء بحذافيرھا وكل ما جرى له في أثناء معراجه في<br />
كتاب أرتاويراف نامك<br />
ولنترجم عبارتين أو ثالث عبارات من كتاب أرتاويراف نامك<br />
تشابه بين معراج مُحَ مَّد ومعراج أرتاويراف الوھمي. قال:<br />
))<br />
))<br />
١<br />
)) لننظر إن كان ھناك<br />
وقدمت القدم األولى حتى ارتقيت إلى طبقة النجوم في حومت.. ورأيت<br />
أرواح أولئك المقدّسين الذين ينبعث منھم النور كما من كوكب ساطع.<br />
ويوجد عرش ومقعد باه باھر رفيع زاھر جداً. ثم استفھمت من ساروش<br />
المقدس ومن المالك آذر ما ھذا المكان، ومن ھم ھؤالء األشخاص<br />
.<br />
((<br />
وقصدھم من قولھم (( طبقة الكواكب فھو الحياط األول أو األدنى من فردوس<br />
الزارادشتية، وأن آذر ھو المالك الذي له الرئاسة على النار، و(( ساروش ھو مالك<br />
الطاعة وھو أحد المقدسين المؤبدين، أي المالئكة المقرَّ بين لديانة زارادشت، وھو الذي أرشد<br />
أرتاويراف في جميع أنحاء السَّماء وأطرافھا المتنوعة، كما فعل جبرائيل بمُحَ مَّد.<br />
))<br />
((<br />
((<br />
((<br />
))<br />
((<br />
وبعد ھذا ساق الكالم على كيفية وصول أرتاويراف إلى طبقة القمر، وھي الطبقة<br />
الثانية، ثم يليھا طبقة الشمس وھي الطبقة الثالثة في السموات. وھكذا أرشده إلى باقي السموات.<br />
وبعد ھذا ورد في فصل وأخيراً قام رئيس المالئكة بھمن من عرشه المرصع<br />
بالذھب فأخذني من يدي وأتى بي إلى حومت وحوخت وھورست بين أورمزد ورؤساء المالئكة<br />
وباقي المقدسين، وجوھر زارادشت السامي العقل واإلدراك وسائر األمناء وأئمة الدين. ولم أ َر<br />
أبھى منھم رِ واءً وال أبصر منھم ھيئة. وقال بھمن: ھذا أورمزد. ثم أني أردت أن أسلِّم عليه،<br />
فقال لي: السالم عليك يا أرتاويراف. مرحباً أنك أتيت من ذلك العالم الفاني إلى ھذا المكان<br />
الباھي الزاھر. ثم أمر ساروش المقدس والمالك آذر قائالً: احمال أرتاويراف وأرياه العرش<br />
وثواب الصالحين وعقاب الظالمين أيضاً. وأخيراً أمسكني ساروش المقدس والمالك آذر من يدي<br />
وحمالني من مكان إلى آخر، فرأيت رؤساء المالئكة أولئك، ورأيت باقي المالئكة<br />
.<br />
((<br />
((<br />
:(١٠١)<br />
))<br />
((<br />
))<br />
))<br />
:(١١)<br />
ثم ذكر أن أرتاويراف شاھد الجنة وجھنم، وورد في فصل أخيراً أخذني<br />
ساروش المقدس والمالك آذر من يدي وأخرجاني من ذلك المحل المظلم المخيف المرجف<br />
وحمالني إلى محل البھاء ذلك وإلى جمعية أورمزد ورؤساء المالئكة فرغبت في تقديم السالم<br />
أمام أورمزد، فأظھر لي التلطف. قال: يا أرتاويراف المقدس العبد األمين، يا رسول عبدة<br />
أورمزد، اذھب إلى العالم المادي وتكلم بالحق للخالئق حسب ما رأيت وعرفت، ألني أنا الذي<br />
ھو أورمزد موجود ھنا. من يتكلم باالستقامة والحق أنا أسمعه وأعرفه. تكلم أنت الحكماء. ولما<br />
قال أورمزد ھكذا وقفت باھتاً ألني رأيت نوراً ولم أرَ جسماً، وسمعت صوتاً وعرفت أن ھذا ھو<br />
أورمزد<br />
))<br />
.<br />
((<br />
فتتضح من ھذا المشابھة العجيبة بين قصة معراج أرتاويراف الكاھن المجوسي وبين<br />
معراج مُحَ مَّد. ويوجد عند الزارادشتية حكاية أخرى عن زارادشت نفسه تقول إنه قبل ذلك<br />
الزمان بعدة أجيال عرج زارادشت ذاته إلى السَّماء ثم استأذن لمشاھدة جھنم أيضاً، فرأى فيھا<br />
أھرمن أي إبليس. ووردت ھذه القصة بالتفصيل كتاب زارادشتنامه . ولم تتواتر أمثال<br />
ھذه الخرافات بين الفرس فقط، بل تواترت بين الھنود عبدة األصنام أيضاً، ألنه يوجد بلغة<br />
))<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
١<br />
٤. ١ فقرة ٧ فصل<br />
- ٥٦ -
))<br />
((<br />
سنسكرت (لغة الھنود القديمة) كتاب يُدعى إتَدرلوكاكمتم (يعني السياحة إلى عالم إندره)<br />
قال فيه الھنود إن إندره ھو إله الجو وذُكر فيه أن شخصاً اسمه أرجنة وصل إلى السَّماء<br />
وشاھد كل شيء فيھا، وأن أرجنة نظر قصر إندره السَّماو ّي واسمه وَ يْونتي وھو قصر<br />
في بستان يسمى نَفْدَنَم . وورد في الكتب الھندية أن في ذلك المحل ينابيع أبدية تروي<br />
النباتات الخضراء النضرة الزاھية. وفي وسط ذلك البستان السَّماو ّي شجرة تسمى بكشجتي<br />
تثمر أثماراً تسمى أمرته أي البقاء فمن أكل من ثمرھا ال يموت ولن يموت. وھذه<br />
الشجرة مزينة باألزھار الزاھية ذات ألوان متنوعة رائعة. ومن استظل بظاللھا الوارفة مُنح كل<br />
منية تمناھا. وال شك أن ھذه الشجرة ھي التي يسميھا المسلمون الطوبى<br />
))<br />
((<br />
((<br />
.<br />
((<br />
))<br />
))<br />
))<br />
((<br />
((<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
))<br />
((<br />
وتُسمى باللغة<br />
حوابة وتعتقد الزارادشتية بوجود شجرة عجيبة تُسمى بلغة أڤستا (فصل<br />
ونديداد (ومعناھا مروية بماء رائق فائق). ووصف في كتاب حوميا البھلوية تأتي المياه في الصفاء من بحر يوئتكة إلى بحر ووؤركشة وإلى شجرة حوابة فتنبت ھناك كل<br />
شجرة الطوبى<br />
. ومن الواضح أن ھذه الشجرة ھي ذات النباتات على اختالف أنواعھا وھي مثل بكشجتي شجرة الھنود.<br />
(٥<br />
((<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
))<br />
((<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
))<br />
ولم ترد ھذه األشياء فقط في كتب الھنود والزارادشتية، بل وردت أيضاً في بعض الكتب<br />
الكاذبة التي كانت متداولة عند أصحاب البدع والضالالت من المسيحيين في األزمنة القديمة،<br />
والسيما كتاب عھد إبرھيم الذي تقدم ذكره وفي كتاب آخر يسمى رؤيا بولس<br />
في كتاب عھد إبرھيم أن إبراھيم عرج بإرشاد أحد رؤساء المالئكة إلى السَّماء وشاھد كل<br />
ما فيھا. وورد في كتاب رؤيا بولس أن بولس الرسول عرج كذلك، ولم نذكره اكتفاءً بما<br />
تقدم. وإنما نورد عبارة من عھد إبرھيم وھي: ونزل رئيس المالئكة ميخائيل وأخذ<br />
إبراھيم في عربة كروبية ورفعه في أثير السَّماء وأتى به وبستّين مالكاً من المالئكة على<br />
السحاب، فساح إبراھيم على كل المسكونة في مركب<br />
. فورد<br />
((<br />
))<br />
١<br />
))<br />
.<br />
((<br />
((<br />
((<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
))<br />
))<br />
))<br />
فھذا ھو أصل فكرة البراق الذي ذُكر في األحاديث اإلِسْ المية. ولعل اشتقاق البراق<br />
من كلمة عبرية تسمى باراق ومعناھا البرق. ويوجد ما يشبه ذلك في الكتاب الكاذب<br />
كتاب أخنوخ (فصل ١٤) فقد ورد فيه كالم على تلك الشجرة السَّماو ّية واألربعة األنھر. وقال<br />
اليھود عن شجرة الحياة التي كانت في جنة عدن إن مسافة ارتفاعھا سنة. ورووا أيضاً<br />
روايات أخرى عجيبة عنھا. وبما أن المسلمين توھموا أن جنة عدن التي خُلق فيھا آدم ھي في<br />
السَّماء، وجب أن نبحث عن منشأ ھذا الخطأ والوھم، فنقول إن مصدره الكتب الموضوعة<br />
والسيما رؤيا بولس (فصل ٤٥). وال نعرف إذا كان أصحاب البدع الذين اختلقوا ھذه الكتب<br />
قد اتخذوا ھذه األشياء وغيرھا من كتب الزارادشتية والھنود أم ال. إال أنه من المؤكد أن ھذه<br />
القصص كاذبة وال يصدقھا عاقل، ولم يقبلھا أحد من المسيحيين، سواء كان في األزمنة القديمة<br />
أو الحديثة، بل نبذھا الجميع، ولم يعتقد أحد منھم بأنھا كُتبت بوحي وإلھام، بل أنھا كُتبت لفئة<br />
صغيرة من الجھلة أصحاب البدع والضالالت، وال توجد اآلن إال في مكتبات قليلة على سبيل<br />
الفكاھات، ولتبرھن على جھل وحماقة الفرق المبتدعة التي قبلت بعضھا بدون برھان على<br />
صحتھا. بل بالعكس، قبلتھا رغم توفُّر األدلة على بطالنھا.<br />
))<br />
٢<br />
٥٠٠<br />
((<br />
((<br />
))<br />
١<br />
عھد إبراھيم، صورة<br />
ترجوم يوناثان.<br />
١ فصل .١٠<br />
٢<br />
- ٥٧ -
وإذا سأل سائل: إذا كانت خرافات معراج أرتاويراف وزارادشت وإبراھيم وأرجنة ھي<br />
بال أصل وال أساس في الواقع، وأن الواجب أن نرفضھا، أال يجب أيضاً عدم تصديق أن أخنوخ<br />
وإيليا والمسيح صعدوا إلى السموات؟<br />
قلنا: ال يصعب على الذكي الرد على ذلك، فمن البديھي أنه ال يمكن وجود نقود زائفة ما<br />
لم توجد نقود صحيحة حقيقية متقدمة في الوجود عليھا، فإن النقود الزائفة عُملت على منوال<br />
النقود الصحيحة لغش الجاھل. وال يجوز لعاقل أن يرفض التعامل بجميع النقود لوجود نقود<br />
زائفة في بعض األحيان. بل نقول إن وجود النقود الزائفة تدل داللة واضحة على وجود نقود<br />
صحيحة. فكذلك يصدق القول على المعجزات، ألنه لوال وجود معجزات صحيحة ما ادَّعى أحدٌ<br />
بمعجزات كاذبة. ولو لم يوجد دين حقيقي صحيح ما وُ جدت األديان الكاذبة، ولو لم يشتھر<br />
صعود رجال بالحقيقة إلى السَّماء ما رأينا ھذه الخرافات المختلفة بلغات شتى بين عقائد عديدة.<br />
والحكيم ھو الذي يفحص النقود التي تُعرض عليه قبل قبولھا، ألن الفحص يُظھر أن بينھا فرقاً<br />
كبيراً. وھذا ھو سبب اعتقاد المسيحيين اعتقاداً جازماً بصحة ما ورد في الكتب المقدسة من<br />
القصص عن صعود أخنوخ وإيليا والمسيح، ورفضھم القصص األخرى التي ذكرناھا. والفرق<br />
بين الصدق والكذب ظاھر كالصبح إذا طالعنا ما ورد في الكتاب المقدس عن صعود أخنوخ<br />
وإيليا والمسيح، وقارنا بين القصص البسيطة التي لھا رنة النقود الحقيقية الصحيحة وبين<br />
القصص الكذابة التي تقدم ذكرھا.<br />
أما من جھة أخنوخ فقد ورد في سفر التكوين وسار أخنوخ مع ولم<br />
يوجد ألن أخذه . وأما عن إيليا فورد في ٢ملوك و١٢): وفيما ھما أي أليشع<br />
وإيليا يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينھما، فصعد إيليا في<br />
العاصفة إلى السَّماء. وكان أليشع يرى وھو يصرخ: يا أبي يا أبي، يا مركبة إسرائيل وفرسانھا.<br />
ولم يره بعد . أما صعود المسيح فذُكر في أعمال الرسل ٩١١): ولما قال ھذا أي<br />
المسيح ارتفع وھم ينظرون، وأخذته سحابة عن أعينھم. وفيما كانوا يشخصون إلى السَّماء وھو<br />
منطلق إذا رجالن قد وقفا بھم بلباس بيض وقاال: أيھا الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون<br />
إلى السَّماء؟ إن يسوع ھذا الذي ارتفع عنكم إلى السَّماء سيأتي ھكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى<br />
السَّماء . فھذه القصص الحقيقية سلمھا لنا الذين شاھدوھا بأعينھم، وھي منزھة عن الحكايات<br />
المطولة الوھمية الخرافية عما في السموات. وال شك أن القصص الكاذبة تختلف اختالفاً بيناً عن<br />
القصص الحقيقية بحيث يسھل التمييز بين تواريخ الحوادث الواقعية الحقيقية وبين الحكايات<br />
الملفقة المختلفة التي يخترعھا الناس إلرضاء الناس الذين يعجبون بمعرفة المجھوالت التي<br />
سترھا عن البشر.<br />
))<br />
))<br />
))<br />
:(٢٤ /٥)<br />
١١ /٢)<br />
/١)<br />
١<br />
.<br />
((<br />
))<br />
((<br />
((<br />
((<br />
قال الرسول بولس: أعرف إنساناً في المسيح قبل أربع عشرة سنة، أفي الجسد؟ لست<br />
أعلم، أم خارج الجسد؟ لست أعلم. يعلم. اختُطف ھذا إلى السَّماء الثالثة. وسمع كلمات ال<br />
يُنطق بھا، وال يسوغ إلنسان أن يتكلم بھا وقد ورد في كتاب رؤيا بولس نبأ مطول عما<br />
رآه بولس وسمعه ھناك. ومن ھذا يظھر الفرق بين الحق والكذب. فالفرق بين األناجيل<br />
الموضوعة واألناجيل الصادقة ظاھر للقارئ، كالفرق الموجود بين كتاب ألف ليلة وليلة و<br />
((كتاب الواقدي)) . فأحدھما يشتمل على خرافات فارغة، واآلخر يشتمل على حوادث حقيقية<br />
حصلت فعالً. وإذا سأل سائل: ما ھو أصل الخرافات الواردة عن شجرة الطوبى أو سدرة<br />
المنتھي أو األربعة األنھار السَّماو ّية؟ قلنا: نشأت ھذه الخرافات من القصة البسيطة الصحيحة<br />
الواردة في التكوين ١٧)، فإنه لما كان الجھلة السذج الميالون إلى تصديق الخرافات ال<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
٨ /٢)<br />
٢<br />
١<br />
كورنثوس:<br />
.٤ ٢ /١٢<br />
- ٥٨ -
))<br />
((<br />
يعرفون أن جنة عدن كانت بقرب بابل وبغداد، حوَّ لوا بأوھامھم الجامحة وتصوراتھم الشاردة<br />
حق إلى أكاذيب بزياداتھم ومبالغاتھم، وغيَّروا الوقائع التاريخية والجغرافية إلى خرافات ال<br />
أصل لھا.<br />
) ٢ً) الجنة والحوريات:<br />
))<br />
((<br />
))<br />
كل مسلم ملمّ بھذه األمور يعرف ما ورد عنھا في القُرْ آن وفي الحديث، فال لزوم أن<br />
نسرد كل تفاصيلھا ھنا. غير أن منتقدي القُرْ آن قالوا إن مصدر كل ھذه التعاليم ھو كتب<br />
الزارادشتية. وال شك أن كل مطلع على التوارة واإلنجيل يرى أنه ال يوجد أثر لھا مطلقاً في<br />
التوراة أو اإلنجيل. غاية األمر أن األنبياء والرسل أفادوا بوجود مكان راحة للمؤمنين الحقيقيين،<br />
سمّوه حضن إبراھيم أو الجنة أو الفردوس . ولم يرد ذكرٌ للحور أو الغلمان في<br />
كتب الرسل أو األنبياء، غير أنھا ذُكرت في كتب الزارادشتية والھنود. ومن الغريب أن ما ورد<br />
فيھا يشابه مشابھة غريبة ما ورد في القُرْ آن والحديث.<br />
١<br />
.<br />
<br />
((<br />
<br />
. <br />
<br />
قال المسلمون عن الحور في سورة الرحمن: حُورٌ مَّقْصُورَ اتٌ فِي الْخِيَامِ وفي<br />
سورة الواقعة: وَ حُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْ لُؤِ الْمَكْنُو ِن وھو مأخوذ مما قاله الزارادشتية<br />
القدماء عن بعض أرواح غادات اسمھن بَيْركان ويسميھا الفرس المتأخرون بَرْ يان ألن<br />
الزارادشتية زعموا أن أرواح ھذه الغادات سكنت في الھواء ولھا عالقة تامة بالكواكب والنور.<br />
وكان جمال أرواح ھاته الغادات رائعاً حتى خلبت قلوب الرجال. وقال بعض الذين ال يعرفون<br />
غير العربية إن كلمة حور ھي في األصل عربية مشتقة من حار ولكن األرجح أنھا<br />
مأخوذة من لغة أڤستا ومن البھلوية، وھما لغتان من لغات الفرس القديمة، ألنه ورد في لغة أڤستا<br />
كلمة حوري (بمعنى الشمس وضوء الشمس). ووردت في اللغة البھلوية ھور وفي لغة<br />
الفرس الحديثة (أي الشمس وضوؤھا). ولما أدخل العرب كلمة حور في لغتھم<br />
وكانوا ال يعرفون مصدرھا واشتقاقھا توھموا أنھا مأخوذة من فعل حار وظنوا أن سبب<br />
تسميتھن بالحور ھو سواد أعينھن. ولم يرد ذكر ھاته الغانيات السَّماو ّيات في كتب قدماء الفرس<br />
فقط، ألنه يوجد في كتب قدماء الھنود بعض القصص بخصوص األشخاص الذين يسميھم<br />
المسلمون الحور و(( الغلمان ويسميھم الھنود أَبْسَرسس و(( كندھروس . وقال الھنود<br />
إن الذين يعاشرونھم في السَّماء ھم الذين يظھرون البسالة في الحروب ويُقتَلون فيھا، فإنھم كانوا<br />
يعتقدون في األزمنة القديمة، كالمسلمين، أن كل من يُقتل في ساحة القتال جدير بالدخول إلى<br />
السَّماء. وقد ورد في كتاب (( شرائع منوا (فصل بيت الملوك الذين تكافحوا في<br />
الحروب باختيارھم قتل بعضھم بعضاً وال يصرفون وجوھھم أخصامھم ذھبوا بعد إلى السَّماء..<br />
إلقدامھم<br />
((<br />
((<br />
((<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
))<br />
))<br />
))<br />
((<br />
:(٨٩<br />
٢<br />
٥<br />
))<br />
((<br />
((<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
(( ضور<br />
((<br />
))<br />
.<br />
((<br />
وكذلك ورد في كتاب قصة نلة قول اإلله إندره للملك نله: أما حراس األرض<br />
العدول والمحاربون الذين تركوا أمل الحياة، الذاھبون في الوقت المعين إلى الھالك بالسالح<br />
بدون أن يصرفوا وجودھم أن لھم ھذا العالم الباقي<br />
))<br />
.<br />
((<br />
١<br />
فيتضح من مثل ھذه األقوال أن قدماء عبدة األصنام من الھنود توھموا، كما توھم<br />
المسلمون، أنه إذا قُتل إنسان في كفاح أو حرب استحق الدخول في السَّماء وفردوس النعيم<br />
وعاشر الحور والغلمان المقيمين فيھا. وكان اإلنكليز القدماء وجميع سكان شمال أوربا، أيام<br />
سورة الرحمن:<br />
سورة الواقعة:<br />
.٧٢ /٥٥<br />
.٢٣ ٢٢ /٥٦<br />
٢<br />
<br />
- ٥٩ -
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
وثنيتھم يعتقدون أن الغادات السَّماو ّيات ويسمّونھن الكوريات، أي منتخبات المقتولين كن<br />
يأتين إلى ميدان الحرب ويحملن إلى سماء إله الحرب أرواح األبطال الذين قُتلوا في الكفاح.<br />
ويعتقد المسلمون بوجود الجن. غير أن اشتقاق كلمة جن أو جني تدل على أَخْ ذھا من<br />
لغة أجنبية، ألنه لو كانت ھذه الكلمة عربية، وكانت مشتقة من الفعل جن القتضى أن يكون<br />
مفردھا جنين، على قياس أن قليل مأخوذة من الفعل قل. وقال البعض اآلخر إن ھذه الكلمة<br />
مشتقة من جنة ولكن يلزم أن يكون مفردھا جني مع أن األمر ھو خالفه. ثم أنه ال عالقة للجن<br />
بالجنة، ألنه ال يجوز لھم الدخول فيھا. والحقيقة ھي أن الكلمة مشتقة من لغة الفرس القديمة،<br />
بھذه<br />
وھو كتاب الزارادشتية المقدس ودستور ديانتھم أڤستا ألنھا وردت في كتاب ومعناھا روح شرير، فأخذ العرب االسم والمسمى من<br />
جيني الصورة والصيغة، وھي الزارادشتية.<br />
ويتضح مما ذكرنا أعاله عن الميزان أنه ورد في األحاديث أنه لما عرج مُحَ مَّد إلى<br />
السَّماء، رأى أنه إذا نظر آدم إلى األسودة إلى عن يمينه ضحك، وإذا نظر إلى التي عن يساره<br />
ناح وبكى. وقد ظھر لنا قبالً أنه ورد لنا ذكر ھذا الشيء ذاته في كتاب عھد إبراھيم أيضاً،<br />
وھو مصدر ھذه الحكاية ومنشأھا. غير أنه يوجد فرق بين القصتين، وھو أن األرواح المذكورة<br />
في كتاب عھد إبراھيم ھم أرواح األموات، غير أن األسودة المذكورة في األحاديث ھم<br />
أرواح أشخاص لم يولدوا بعد، ويسميھم المسلمون الذرات الكائنات ينكر أن كلمة<br />
ذرة ھي عربية، غير أن المسلمين اتخذوا االعتقاد بوجود الذرات الكائنات من قدماء<br />
الزارادشتية، ألن الزارادشتية كانوا في قديم الزمان يعتقدون بمثل ھذا االعتقاد. وعبارة األڤستا<br />
ھو أن كل ذرة كائنة تسمى فروشي وتسمى باللغة البھلوية فروھر وقال البعض إنه<br />
يمكن أن الزارادشتية اتخذوا ھذا االعتقاد من قدماء المصريين، ولكن العرب اقتبسوه من<br />
الزارادشتية وأدخلوه في ديانتھم.<br />
))<br />
((<br />
((<br />
. وال<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
))<br />
))<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
وقد اقتبس المسلمون من اليھود لقب ملك الموت ألن اليھود يطلقون عليه ھذا اللقب<br />
بالعبري. ويتفق الفريقان على اسم ھذا المالك، وال يوجد بشأنه سوى اختالف زھيد بينھم.<br />
فاليھود يسمونه سمائيل والمسلمون يسمونه عزازيل )). غير أن كلمة عزازيل ليست<br />
عربية بل ھي عبرية، ومعناھا . ولم يرد اسم ھذا المالك في التوراة واإلنجيل.<br />
فيتضح أن اليھود اقتبسوا معلوماتھم عنه من مصدر آخر، واألرجح أن مصدر معلوماتھم ھو<br />
األڤستا التي ورد فيھا أنه إذا وقع إنسان في الماء أو في النار أو في أي شيء من ھذا القبيل<br />
فغرق أو احترق، فال يكون سبب موته الماء أو النار، بل مالك الموت، ألنھم زعموا أن<br />
عنصري الماء والنار صالحان وال يؤذيان الناس. ويسمى مالك الموت بلغة أڤستا<br />
أستووِيدھوتُش<br />
))<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
)) نصرة <br />
((<br />
١<br />
.<br />
))<br />
((<br />
((<br />
) ٣ً) قصة خروج عزازيل من جھنم<br />
٢<br />
اتَّخذ المسلمون اسم عزازيل من اليھود، وتوجد ھذه الكلمة في التوراة العبرية. ولكنھم<br />
اتخذوا قصة خروجه من جھنم من الزارادشتية، من كتاب بھلوي عنوانه: بوندھشينة أي<br />
الخليقة . فورد في قصص األنبياء خلق عزازيل، فعبد عزازيل تعالى ألف سنة<br />
في سجن، ثم طلع إلى األرض؛ فكان يعبد تعالى في كل طبقة ألف سنة، إلى أن طلع على<br />
((<br />
))<br />
))<br />
:<br />
((<br />
٥<br />
))<br />
)<br />
١<br />
انظر كتاب ونديداد فصل األسطر<br />
الالويين: و١٠ و٢٦.<br />
( ٣٥ . ٢٥<br />
٨ /١٦<br />
٢<br />
- ٦٠ -
))<br />
((<br />
األرض الدنيا . وورد في عرائس المجالس إن إبليس يعني عزازيل أقام ثالثة آالف<br />
سنة عند باب الجنة باألمل أن يضر آدم وحواء المتالء قلبه بالحسد<br />
وورد في<br />
.<br />
((<br />
)) :((<br />
بوندھشينة ((<br />
: و٢) ١ (فصل ((<br />
))<br />
أھرمن يعني إبليس كان وال يزال في الظالم غير عالم باألشياء إال بعد<br />
وقوعھا، وحريصاً على إيصال الضرر لآلخرين وكان في القعر.. وذلك<br />
الميل للضرر وتلك الظلمة أيضاً ھما محل يسمونه المنطقة المظلمة<br />
وكان أورمزد يعرف بعلمه التام بوجود أھرمن ألن أھرمن يھيج نفسه<br />
ويتداخل بالميل للحسد حتى اآلخر.. وكان أورمزد وأھرمن مدة ثالثة آالف<br />
سنة بالروح، يعني كانا بدون تغيير وال حركة.. فالروح الضار لم يعرف<br />
بوجود أورمزد لقصور معرفته. وأخيراً طلع من تلك الھاوية وأتى إلى<br />
المحل الباھي. ولما شاھد نور أورمزد ذلك اشتغل باألضرار<br />
.<br />
((<br />
.<br />
((<br />
))<br />
فالفرق بين األحاديث وبين ھذا القول ظاھر، ألنه ذكر في األحاديث أن عزازيل كان<br />
يعبد قبل خروجه من سجن، ولكن الزارادشتية قالوا إن أھرمن لم يدرِ بوجود أورمزد أوالً.<br />
ولكن توجد مشابھة أيضاً بين ھاتين الروايتين، وھي أن عزازيل وأھرمن دخال الوجود في سجن<br />
أو في الھاوية، وصعد كل منھما من ھناك، وبذال جھدھما في اإلضرار بخلق .<br />
وقبل ختام الكالم على عزازيل أو أھرمن ال بأس من إيراد البرھان على وجود عالقة<br />
بين ھاتين القصتين، فنقول: يتضح من األحاديث ومن كتب الزارادشتية أن الطاووس وافق من<br />
بعض الوجوه عزازيل الذي ھو أھرمن، ألنه ورد في قصص األنبياء أنه لما جلس عزازيل<br />
أمام باب الجنة ورغب في الدخول فيھا رأى الطاووس الذي كان جالساً على الجنة واحداً يتلو<br />
أسماء العظمى الحسنى. فسأله الطاووس: من أنت؟ فقال له: أنا أحد مالئكة <br />
فسأله الطاووس: لماذا أنت جالس ھنا؟ . فقال له عزازيل: أنظر الجنة وأتمني الدخول فيھا<br />
. فقال له الطاووس: لم أُؤمر بإدخال أحد إلى الجنة ما دام آدم عليه السالم فيھا . فقال له:<br />
إذا كنت تأذن لي بالدخول فيھا أعلّمك صالة من تالھا نال ثالثة أشياء: أحدھا أنه ال يكبر،<br />
وثانيھا أنه ال يصير عاصياً، وثالثھا أنه ال يطرد من الجنة . فأخبره إبليس بھذه الصالة فتالھا<br />
الطاووس فطار من سور الجنة إلى الجنة ذاتھا وأخبر الحية بما سمعه من إبليس. وذكر بعد ھذا<br />
أنه لما أھبط آدم وحواء وإبليس من الجنة إلى األرض طرد الطاووس معھم أيضاً.<br />
.<br />
((<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
))<br />
أما قصة الطاووس في كتب الزارادشتية فتختلف عن ھذا، غير أنھم في قديم األيام ظنوا<br />
أنه مساعد ألھرمن. فقد ورد في كتاب أرمني قديم يسمى ردُّ البدع (باب ٢) تأليف يزنبق<br />
عن الزارادشتية في تلك األعصر، قالوا إن أھرمن قال إنه ليس أني ال أقدر أن أعمل شيئاً من<br />
الخير، ولكني ال أريده. وخلق الطاووس إلثبات ھذا الكالم . فإذا كان أھرمن أو عزازيل ھو<br />
الذي خلق الطاووس فال غرابة إذا كان ھو الذي علمه وصار معينه وطرد معه من الجنة.<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
(٤) نور<br />
ورد في<br />
روضة األحباب<br />
))<br />
مُحَ مَّد:<br />
قصص األنبياء<br />
أن مُحَ مَّداً قال:<br />
١<br />
.<br />
))<br />
((<br />
أن مُحَ مَّداً قال أول ما خلق نوري وجاء في<br />
لما خُلق آدم وضع على جبھته ذلك النور، وقال: يا آدم،<br />
))<br />
((<br />
))<br />
((<br />
١<br />
و٢٨٢. ٢ ص<br />
- ٦١ -
((<br />
إن ھذا النور وضعتُه على جبھتك ھو نور ابنك األفضل األشرف، وھو نور رئيس األنبياء الذي<br />
يُبعَث . ثم جاء أن ذلك النور انتقل من آدم إلى شيث ومن شيث إلى ذريته، وھكذا بالتعاقب إلى<br />
أن وصل إلى عبد بن عبد المطلب، ومنه إلى آمنة لما حبلت بمُحَ مَّد. وورد أيضاً في<br />
األحاديث أن مُحَ مَّداً قال إن قسم النور إلى أربعة أقسام، وخلق العرش من قسم من ھذه<br />
األقسام، وخلق القلم من قسم وخلق الجنة من قسم وخلق المؤمنين من قسم، ثم قسم ھذه إلى<br />
أربعة أقسام أخرى، فمن أفضل وأشرف القسم األول خلقني أنا الرسول، ومن القسم الثاني خلق<br />
العقل وجعله في رأس المؤمنين، ومن القسم الثالث خلق الحياء وجعله في أعين المؤمنين، ومن<br />
القسم الرابع خلق العشق وجعله في قلوب المؤمنين.<br />
١<br />
((<br />
))<br />
فإذا بحثنا عن مصدر ھذه القصة وجدناھا أيضاً في كتب الزارادشتية، ألنه ورد في<br />
كتاب فارسي قديم يُدعى مينوخرد كُتب باللغة البھلوية أيام الفرس الساسانية أن الخالق<br />
أورمزد خلق ھذه الدنيا وجميع خالئقه ورؤساء المالئكة والعقل السَّماو ّي من نوره<br />
الخصوصي مع تسبيح الزمان غير المتناھي. وذُكر ھذا النور في كتاب أقدم من مينوخرد<br />
ھو يشت بخصوص يمه خشائته المسمى اآلن جمشيد<br />
))<br />
،((<br />
))<br />
:<br />
((<br />
))<br />
.<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
))<br />
((<br />
))<br />
٢٩<br />
((<br />
))<br />
كان البھاء الملكي العظيم مالزماً لجمشيد صاحب القطيع الصالح مدة<br />
طويلة، بينما كان متسلطاً على سبعة أقاليم األرض: على الجن واإلنس<br />
والسحرة والجنيات واألرواح الشريرة والعرافين والكھنة.. ثم لما خطرت<br />
بباله تلك الكلمة الكاذبة الساقطة زال منه البھاء الظاھر بصورة طير..<br />
وھو جمشيد )) صاحب القطيع الصالح، لما لم يرَ بعد ذلك البھاء، تحسر<br />
جم، ولما اضطرب عمل على إحداث العداوة على األرض. وأول ما زال<br />
ذلك البھاء زال من جمشيد، وزال ذلك البھاء من جم ابن الشمس بھيئة<br />
طير محلق فأخذ مثره ذلك البھاء. ولما زال البھاء ثانيةً من جمشيد زال<br />
ذلك البھاء من جم ابن الشمس، وفارقه بھيئة طير محلق، فأخذ فريدون ابن<br />
القبيلة اآلثويانية ابن القبيلة المشھورة بالبسالة ذلك البھاء، ألن فريدون كان<br />
أعظم مَن فاز بين الفائزين. ولما زال البھاء من جمشيد ثالثةً زال ذلك<br />
البھاء من جم ابن الشمس بھيئة طير محلق، فأخذ البطل كرساسبه ذلك<br />
البھاء ألنه كان أقوى من األقوياء<br />
فإذا قارنا بين ھاتين القصتين رأينا أن جمشيد كان حائزاً على ھذا النور العجيب مدة<br />
من الزمن. وبحسب تعاليم أڤستا كان جمشيد أول رجل خلقه على األرض، ويقصدون بھذا<br />
آدم أبو البشر. ولما سقط جمشيد في الخطيئة واقترف الزلل، انتقل ذلك النور من واحد إلى آخر<br />
من أفضل أوالده بالتتابع، وھذا يوافق ما ذُكر في األحاديث بخصوص نور مُحَ مَّد. فيتضح أن<br />
خرافة الفرس ھذه ھي مصدر ما رُوي عن نور مُحَ مَّد. وال شك أن المسلمين اتَّخذوا ھذه القصة<br />
من الزارادشتية، فقد ورد في كتاب الزارادشتية القديم أن الملك العظيم جمشيد تسلط على الناس<br />
والجن واألرواح الشريرة. فال ب ّد أن اليھود اتخذوا من ھذه الرواية ما نسبوه إلى الملك سليمان<br />
من القوة والسلطة على الناس والجن.. إلخ.<br />
((<br />
١<br />
واتخذ المسلمون من اليھود ھذا االعتقاد (كما رأينا في الفصل الثالث من ھذا الكتاب).<br />
وما قاله المسلمون عن تقسيم نور مُحَمَّد إلى أقسام ورد بالتفصيل، مع اختالف بسيط، في كتاب<br />
قصص األنبياء، ص<br />
.٢<br />
- ٦٢ -
١<br />
((<br />
))<br />
فارسي قديم عنوانه دساتير آسماني في الباب الوارد بخصوص زارادشت. فنرى من ذلك<br />
أيضاً أن تفاصيل نور مُحَ مَّد مأخوذة من كتب الزارادشتية.<br />
) ٥ً) الكالم على الصراط:<br />
((<br />
))<br />
قال المسلمون إن مُحَ مَّداً قال إنه بعد دينونة يوم الدين األخيرة يُؤمر جميع الناس<br />
بالمرور على الصراط، وھو شيء ممدود على متن جھنم بين األرض والجنة. وقالوا إن<br />
الصراط ھو أدق من الشعرة وأحدُّ من السيف، فيقع منه الكفار ويھلكون في النار. فمن أراد<br />
معرفة منشأ ھذا القول وجب عليه أوالً أن ينظر في اشتقاق كلمة صراط ألن أصلھا ليس من<br />
اللغة العربية، فالبد أنھا اتُّخذت من لغة أخرى، ألن صراط معربة من أصل فارسي.<br />
والزارادشتيون يسمّون الصراط چينود . وبما أنه ال يوجد حرف في األبجدية العربية،<br />
استُعمل بدالً عنه حرف ص، فكل كلمة أعجمية تكون تبدأ بحرف ويُراد تعريبھا، يُبدل<br />
حرف إلى مثالً چين تصير صين. وعلى ھذا القياس تكون كلمة صراط معربة<br />
عن چينود ولم يتخذ المسلمون من قدماء الزارادشتية كلمة صراط فقط، بل اتخذوا عنھم<br />
ھذا االعتقاد كله، كما يظھر من مجرد التأمل في العبارة اآلتية المأخوذة من كتاب بھلوي يسمى<br />
دينكرت ونصه: أھرب من الخطايا الكثيرة. أحافظ على نقاوة وطھارة سلوكي بحفظ<br />
طھارة قوى الحياة الست، وھي الفعل والقول والفكر والذھن والعقل والفھم حسب إرادتك يا<br />
مسبِّب األعمال الصالحة العظيم. وإني أؤدي عبادتك بعدالة بحسن الفكر والقول والعمل، ألستمر<br />
في الطريق الباھية، لكي ال أعاقب بعقاب جھنم الصارم، بل أعبر على چينود، وأصل إلى ذلك<br />
المسكن المبارك المملوء من العطريات والمسر بأجمعه والباھر دائماً<br />
) چ (<br />
) چ (<br />
.<br />
((<br />
))<br />
) ص ( .<br />
.<br />
))<br />
((<br />
) چ (<br />
٢<br />
((<br />
))<br />
))<br />
وتعني كلمة صراط في األصل الجسر الممدود فقط، إال أنھم توسعوا في معنى ھذه<br />
الكلمة بعد ذلك، فصارت تفيد الطريق، كما وردت بھذا المعنى في سورة الفاتحة. ومعنى<br />
الصراط الحقيقي (الذي ال يمكن أن يُستفاد من العربية) واضح إذا اطلعنا على اللغة الفارسية<br />
القديمة، ألنھا مشتقة من كلمتيْن فارسيت ْين قديمت ْين معنى إحداھما االتحاد ومعنى الثانية معبر،<br />
فيفيد جمع ھاتين الكلمتين القنطرة التي قال الزارادشتية إنھا توصِّل األرض بالجنة.<br />
((<br />
((<br />
))<br />
) ٦ً) في ذكر قضايا قليلة مھمة:<br />
))<br />
لما كان ذكر جميع األشياء التي اتَّخذھا المسلمون من الزارادشتية بالتفصيل الوافي ال<br />
يخلو من التطويل الممل، اكتفينا بذكر ثالث أو أربع قضايا أخرى من ھذا القبيل طلباً لالختصار:<br />
أحدھا، إن المسلمين قالوا إن كل نبي شھد قبل موته للنبي الذي يأتي بعده فقالوا مثالً إن<br />
إبراھيم شھد لموسى، وشھد موسى لداود، وھلم جراً. ولكن كل من طالع كتب األنبياء وجد األمر<br />
خالف ذلك، فجميع األنبياء من أولھم إلى آخرھم شھدوا للمسيح وحده ال غير. وبما أن المسلمين<br />
لم يتَّخذوا ما ذھبوا إليه من التوراة واإلنجيل، وجب أن نبحث عن مصدر ھذا الرأي، وھو كتاب<br />
من الكتب الزارادشتية يُسمى دساتير آسماني (أي األساطير السَّماو ّية). وھو من الكتب<br />
الحديثة، ألن مؤلف دبستان مذاھب ومؤلف البرھان القاطع ذكرا ھذا الكتاب. وقالت<br />
الزارادشتية كذباً وبھتاناً أنه مكتوب بلغة السَّماء، وتُرجم إلى اللغة الدارية في عصر خسرو<br />
برويز، أحد قدماء ملوك الفرس. وال يزال ھذا الكتاب موجوداً باللغة األصلية وبالكيفية المترجم<br />
((<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
١<br />
٢<br />
أي األساطير السَّماويّة.<br />
جزء فصل في قسمي<br />
٥<br />
٨١<br />
٢<br />
و٦.<br />
- ٦٣ -
((<br />
))<br />
إليھا، وطبع في بومباي منذ سنين عديدة. وقال مال فيروز، الذي طبع ھذا الكتاب، إنه يشتمل<br />
على خمس عشرة رسالة نزلت على خمسة عشر نبياً، أولھم مھاباد وآخرھم ساسان الخامس،<br />
ومنھم زارادشت الثالث عشر. وفي آخر كل رسالة من ھذه الخمس عشرة رسالة ذكر النبي الذي<br />
كان ينبغي أن يأتي بعدئذ في الوقت المعين. وال شك أن ھذا الكتاب ھو من الكتب الموضوعة<br />
الكاذبة، مع أنه كان مؤلفاً في األصل باللغة البھلوية قبل أن يُترجم إلى اللغة الدارية. وبناء على<br />
ذلك فھو كتاب قديم. والظاھر أن قول الفُرس إن كل نبي تنبأ عن مجيء خلَفه وقع موقعاً حسناً<br />
عند المسلمين، فاتَّخذوه من كتاب الزارادشتية ھذا. وثاني فقرة من كل رسالة من ھذه الرسائل<br />
ھي: باسم المعطي الغافر الرحمن العادل . فكل إنسان يرى أن ھذه الكلمات توافق من بعض<br />
الوجوه البسملة التي افتُتحت بھا المائة والثالث عشرة سورة من سور القُرْ آن البالغة<br />
سورةً وھي باسم الرحمن الرحيم فالكلمات األولى البوندھشنية تشبھھا أيضاً، ونصھا<br />
باسم أورمزد الصانع . وكان قدماء الزارادشتية يؤدون الصالة خمس مرات كل يوم، فيوجد<br />
اتفاق بين الزارادشتية وبين الصابئين في ھذا األمر. ورأينا أن الصلوات الخمس المفروضة على<br />
المسلمين تطابق خمساً من الصلوات السبع المفروضة على الصابئين.<br />
(١١٤)<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
ختام الكالم<br />
((<br />
))<br />
))<br />
وإذا قال قائل ال يصح أن مُحَ مَّداً استحسن استحساناً تاماً قصص الزارادشتية وفروضھم<br />
حتى أدرجھا في القُرْ آن واألحاديث، ألنه ال يُتصوَّ ر أن ھذا النبي األمي يعرف كل ھذه األشياء.<br />
قلنا إن المعترضين ردوا على ھذا بثالثة أفكار:<br />
أوالً: ورد في روضة األحباب أن مُحَ مَّداً اعتاد محادثة ومسامرة ومحاورة كل من<br />
يقصدونه على اختالف مللھم ونحلھم، وكان يخاطبھم بألفاظ قليلة من لغتھم. وبما أنه كان كثيراً<br />
ما يتكلم بالفارسية تداولت بعض األلفاظ الفارسية في اللغة العربية.<br />
ثانياً: إذا ثبت مما تقدم أن مُحَ مَّداً استحسن خرافات اليھود وروايات العرب الوثنيين<br />
عبدة األصنام وفروضھم حتى أدرجھا في القُرْ آن، فما الفرق بين ھذا وبين استحسانه لقصص<br />
الفُرس؟ أما القصص الكثيرة الواردة في القُرْ آن فكانت متواترة بين العرب تواتراً عظيماً حتى<br />
قال الكندي عنھا: فإن ذكرتَ قصة عاد وثمود والناقة وأصحاب الفيل ونظائر ھذه القصص،<br />
قلنا لك: ھذه أخبار باردة وخرافات عجائز الحي اللواتي كنَّ يدرسنھا ليلھنّ ونھارھ ّن<br />
.<br />
((<br />
١<br />
. <br />
<br />
١<br />
ثالثاً: جاء في السيرة النبوية البن ھشام وابن إسحق أنه كان من صحابة مُحَ مَّد شخص<br />
فارسي اسمه سلمان، وھو الذي أشار على مُحَ مَّد وقت حصار المدينة بحفر الخندق فتبع<br />
نصيحته. وكان سلمان الفارسي أول من أشار على مُحَ مَّد باستعمال المنجنيق في غزوة ثقيف<br />
بالطائف. وأكد أعداء مُحَ مَّد في عصره أن سلمان ھذا ساعد مُحَ َّمداً على تأليف القُرْ آن، فقد قيل:<br />
وَ لَقَدْ نَعْ لَمُ أَنَّھُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْ جَ مِيٌّ وَ ھَذَا لِسَانٌ عَرَبِ ٌّي<br />
مُّبِينٌ فإذا قال المعارضون األولون لمُحَ مَّد إن ھذا العجمي أو الفارسي المسلم كان سبب<br />
حُسن تأليف القُرْ آن وفصاحة عباراته، فھذا الجواب يكفي لدحض أقوالھم.<br />
ولكن بما أنه ثبت أن كثيراً مما ورد في القُرْ آن وفي األحاديث يطابق مطابقة غريبة ما<br />
ورد في كتب الزارادشتية، فھذه اآلية القُرْ آنية ال تكفي لدحض االعتراض الذي تبرھن اآلن<br />
ببراھين قوية. بل نقول إن ھذه اآلية التي أوردناھا تدل على أنه كان قد اشتھر في عصر مُحَ مَّد<br />
سورة النحل:<br />
.١٠٣ /١٦<br />
- ٦٤ -
أن سلمان الفارسي ساعد مُحَ مَّداً على التأليف وأفاده بحقائق كثيرة. وعليه فنحن مُلزَمون أن نسلم<br />
أن كتب الزارادشتية كانت مصدراً من ال<strong>مصادر</strong> التي اتَّخذت الديانة اإلِسْالمية بعضھا.<br />
<br />
<br />
- ٦٥ -
^+<br />
تأثيرات الحُنفاء على اإلِسْالم<br />
قبل ظھور مُحَ مَّد وادعائه النبوة سئمت نفوس بعض العرب من عبادة األصنام، فأخذوا<br />
يبحثون عن الدين الحقيقي. ولما عرفوا من اليھود، وربما بعض أخبار وصلت إليھم بالتقاليد<br />
والتواتر من األزمنة القديمة أن إبراھيم كان يعتقد بوجود الحي الحقيقي الوحيد، أخذ بعض<br />
العرب المقيمين في مكة والمدينة والطائف في البحث لمعرفة دين خليل ، ونبذوا عبادة<br />
األصنام. فكانوا يسمون الذين وجَّھوا أنظارھم وأفكارھم إلى ھذه القضية المھمة الحُنفاء<br />
ومن ھؤالء أبو عامر وأصحابه في المدينة، وأمية بن الصلت في الطائف، وأربعة من سكان<br />
مكة، ھم: ورقة وعبيد وعثمان وزيد. فقال المعترضون إن آراء ھؤالء الحنفاء وقدوتھم<br />
ومثالھم ومحادثتھم مع مُحَ مَّد، والسيما زيد بن عمرو أثَّر في أفكار مُحَ مَّد تأثيراً عظيماً وأثَّر في<br />
ديانته. واستدلوا على تأييد أقوالھم بما ورد في القُرْ آن ذاته. ولكي يتأكد مطالعو كتابنا ھذا من<br />
صحة ھذا القول أو خطئه يجب عليھم أن يطالعوا ما قاله ابن إسحق وابن ھشام بخصوص حُنفاء<br />
مكة. ومع أن كثيرين ألفوا كتباً في سيرة مُحَ مَّد، إال أن كتاب السيرة النبوية البن ھشام ھو أجدر<br />
ھذه الكتب باالعتماد، ألنه أقدمھا وأقربھا إلى عصر مُحَ مَّد. وأول من جمع أقوال مُحَمَّد وأفعاله<br />
ھو الزھري، الذي تُوفي سنة ھ)، فنقل أخباره من التواتر الذي أخذه عن الصحابة<br />
والسيما من عروة أحد أقرباء عائشة. وال شك أنه مع مرور سنين عديدة عبث به العابثون<br />
فدخلت في أخبارھم األغالط والمبالغات. ولو كان كتاب الزھري موجوداً اليوم ألفاد المحقِّقين<br />
الذين يودّون معرفة حقائق األمور بخصوص مُحَ مَّد، ألن ھذا الكتاب ھو أقدم من غيره، فيكون<br />
جديراً باالعتماد أكثر من أي كتاب آخر كُتب عن سيرة مُحَمَّد. ومع أن كتاب الزھري ضاع ولم<br />
يبق له أثر، إال أن ابن إسحق (ت ھ) كان أحد تالميذ الزھري. فابن إسحق ألف كتاباً آخر<br />
في ھذا الصدد، ونقل ابن ھشام (ت ھ) في كتابه المسمى السيرة النبوية أجزاء كثيرة<br />
منه. فاعتمادنا إذاً في نقل أخبار الحُنفاء ھو على كتاب السيرة البن ھشام، وقد ورد فيه:<br />
((<br />
))<br />
((<br />
((<br />
))<br />
))<br />
١٢٤)<br />
١٥١<br />
٢١٣<br />
) (١ً زيد:<br />
قال ابن إسحاق:<br />
))<br />
واجتمعت قُريشٌ يوماً في عيدٍ لھم عند صنم من أصنامھم، كانوا<br />
يعظِّمونه وينحرون له، ويعكِفُون عنده ويُديرون به. وكان ذلك عيداً لھم،<br />
في كلّ سنة يوماً. فخلَص منھم أربعةُ نفرٍ نجياً. ثم قال بعضًھم لبعضٍ :<br />
تصادقُوا، وليكْتُم بعضُكم على بعض. قالوا: أجَ ل. وھم: وَ رَقة بن نَوْ فل بن<br />
أسَد بن عبد العُزّى بن قُصَيّ بن كِالب بن مُرّ ة بن كعب بن لؤي؛ وعُبيد<br />
ّ ِ بن جَ حْ ش بن رِ ئاب بن يَعْمر بن صَبْرة بن مُرّة بن كبير بن غَنْم بن<br />
دُودان بن أسد بن خُزَ يمة، وكانت أمُّه أميمة بنت عبد المطلب؛ وعثمان بن<br />
الحويرث بن أسَد بن عبد العُزّى بن قُصَيّ؛ وزَ يْد بن عَمْرو بن نُفَيل بن<br />
عبد العُزّى بن عبد ّ بن قُرْ ط بن رِ ياح بن رَزَ اح بن عُديّ بن كَعْب بن<br />
لؤيّ. فقال بعضھم لبعض: تعلَّموا وّ ِ ما قومُكم على شيء ! لقد أخطئوا<br />
- ٦٦ -
ْ<br />
دينَ أبيھم إبراھيم. ما حَ جَر نُطيف به، ال يسمع وال يُبْصر وال يضرُّ وال<br />
ينفع، يا قوم، التمسوا ألنفسكم فإنكم وّ ِ ما أنتم على شيء. فتفرَّقوا في<br />
البلدان يلتمسون الحنيفيّة دين إبراھيم. فأمّا وَ رَقة بن نوفل فاستحكم في<br />
النصرانيّة واتَّبع الكتبَ من أھلھا حتى علم علماً من أھل الكتاب. وأمّا عُبيد<br />
ّ ِ بن جَ حْ ش فأقام على ما ھو عليه من االلتباس حتى أسلم ثم ھاجر مع<br />
المسلمين إلى الحبشة ومعه امرأتُه أمّ حَبيبة بنت أبي سُفيان مُسْ لِمةَ؛ فلمَّا<br />
قَدِمَھا تنصَّر وفارق اإلسالم حتى ھلك ھنالك نَصْرانيّاً. قال ابن إسحاق:<br />
فحدثني محمّد بن جعفر بن الزُّ بير، قال: كان عُبَيد ّ بن جَ حْ ش حين<br />
تنصَّر يمر بأصحاب رسول ّ صلّى ّ عليه وسلّم، وھم ھنالك من أرض<br />
الحبشة، فيقول: فقَّحْ نا وصأصأتم؛ أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر، ولم<br />
تُبصروا بعدُ، وذلك أنّ الكَلْب الوليد إذا أراد أن يفتح عينيه لينظر صأصأ<br />
لينظر. وقوله فقَّح عينيه تعني فتح عينيه. قال ابن إسحاق: وخلف رسو ُل<br />
ّ صلّى ّ عليه وسلّم بعده على امرأته أم حَ بيبة بنت أبي سفيان بن<br />
حَ رْ ب. قال ابن إسحاق: وحدثني محمّد بن عليّ بن حسين أنّ رسول ّ<br />
صلّى ّ عليه وسلّم بعث فيھا إلى النجاشيّ عمرو بن أُمَيَّة الضَّمْر ّي<br />
فخطبھا عليه النجاشيّ فزوَّ جه إياھا، وأصدقھا عن رسول ّ صلّى ّ<br />
عليه وسلّم أربع مِئَة دينار، فقال محمّد بنُ علي : ما نرى عبدَ الملك بن<br />
مَرْ وان وَ قَفَ صداقَ النساء على أربع مِئَة دينار، إال عن ذلك. وكان الذي<br />
أمْلكھا النبي خالدُ بن سَعيد بن العاص. قال ابن إسحاق: وأمَّا عثمان بن<br />
الحُوَ يرث فقَدِم على قيصر ملك الروم، فتنصَّر وحسُنت منزلته عنده. قال<br />
ابن ھشام: ولعثمان بن الحُوَ يرث عند قيصر حديثٌ منعني من ذكره ما<br />
ذكرتُ في حديث الفِجار. قال ابن إسحاق: وأمّا زيد بن عَمْرو بن نُفَيل<br />
فوقف فلم يدخل في يھوديّة وال نَصْ رانيّة. وفارق دينَ قومه فاعتزل األوثان<br />
والمَيْتة والدّم والذّبائح التي تُذبح على األوثان، ونھى عن قتل المَوءودة،<br />
وقال: أعْ بُد ربَّ إبراھيم. وبادى قومَه بعيب ما ھم عليه. قال ابن إسحاق:<br />
وحدثني ھشام بن عُرْ وة عن أبيه عن أمّه أسماء بنت أبي بَكَر رضي <br />
عنھما، قالت: لقد رأيت زيدَ بن عمرو بن نُفَيل شيخاً كبيراً مُسْ نَداً ظھره<br />
إلى الكعبة وھو يقول: يا معشر قريش، والذي نفسُ زيدِ بن عمرو بيده ما<br />
أصبح منكم أحدٌ على دين إبراھيم غيري. ثم يقول: اللھمَّ لو أنّي أعلم أيّ<br />
الوجوه أحبّ إليك عَبَدْ تُك به، ولكنّي ال أعلمه. ثمّ يسجد على راحته. قال<br />
ابن إسحاق: وحُدّثت أن ابنَة سعيدَ بن زَ يد بن عمرو بن نُفَيل، وعُمَر بن<br />
الخطّاب، وھو ابن عمِّه قاال لرسول ّ صلّى ّ عليه وسلّم : استغفِر لزيد<br />
بن عمرو؟ قال: نعم، فإنه يُبعث أمة وحده. وقال زيدُ بنُ عمرو بن نُفَيل في<br />
فِراق دين قومه، وما كان لَقِي منھم في ذلك:<br />
أَرَ بّاً وَ ا ِحداً أمْ أ ْل َف رَ ّب<br />
عَزَلْتُ الالَّت والعُزَّى جميعاً<br />
فال العُزَّى أدينُ وال ابْنَتَيْھا<br />
وال ھُبَالً أدي ُن وكانَ رَ بَّاً<br />
عَجِبتُ وفي اللَّيالي مُعْجبا ُت<br />
ب دْ أفْنَى رجاالً<br />
وأبقى آخَ رين ببر َقوْ ٍم<br />
وَ بَيْنا المَرْ ءُ يفترّ ثاب يوماً<br />
أدِي ُن إذَا تُقَ ّسَمت األُمو ُر<br />
كَذَلك يَفْعَل الجَ ل ُد الصَّبُور<br />
وال صَنَمَيْ بني عمرٍ و أزُو ُر<br />
لَنا في الدَّھر إذ حِلْمي يَسِ يُر<br />
وفي األَ َّيام يَعْرِ فُھا البَصي ُر<br />
كثِيراً كان شأنَھُمُ الفُ ُجو ُر<br />
فَيَرْ بِلُ منھم الطفلُ الصَّغي ُر<br />
كما يترّوح الغُصْ ن المَطي ُر<br />
َ َق<br />
أنَّ ّ<br />
- ٦٧ -
ولَكِنْ أَعْ بُدُ الرَّ حمنَ ربي<br />
فتَقْوَ ى ّ ِ رَ بِّكُمُ احف ُظوھا<br />
ترَى األبْرَار دَارُھُم جِنان<br />
وَ خِزْ يٌ في الحياةِ وإنْ يَمُوتوا<br />
لِيَغْ فِرَ ذَنْبِي الرَّب الغَ ُفور<br />
متى ما تَحْ فَظُوھا ال تَبُورُوا<br />
وللك ّفَا ِر حامِيَ ًة َسعِي ُر<br />
يُالقوا ما تَضِ يقُ بِه الصُّدُور<br />
١<br />
فأفادنا ابن ھشام أن خطاباً (عمّ زيد) طرده من مكة وألزمه أن يقيم على جبل<br />
حراء أمام تلك المدينة، ولم يأذن له بالدخول إلى مكة. وكذلك نستفيد من ھذا الكتاب أن<br />
مُحَمَّداً كان معتاداً أن يقيم في غار جبل حراء في صيف كل سنة للتحنُّث حسب عادة<br />
العرب. فاألرجح أنه كان يجتمع بزيد بن عمرو، ألنه أحد أقربائه. وأقوال ابن إسحق تؤيد<br />
ھذا القول، ألنه قال إنه لما كان مُحَ مَّد في ذات ھذا الغار جاءه جبريل بما جاءه من<br />
كرامة وھو بحراء في شھر رمضان.. كان رسول يجاور في حراء من كل سنة<br />
شھراً، وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاھلية والتحنث التبرر.. قال ابن ھشام تقول<br />
العرب التحنث والتحنف يريدون الحنيفية فيبدلون الفاء من الثاء<br />
٢<br />
.<br />
((<br />
))<br />
((<br />
))<br />
فكل من له إطالع على القُرْ آن واألحاديث يرى مما تقدم أن آراء زيد بن عمرو أثرت<br />
تأثيراً مھماً جداً في تعاليم مُحَ مَّد، ألن كل آراء زيد نجدھا في ديانة مُحَ مَّد أيضاً. وھذه اآلراء<br />
ھي:<br />
(١) منع الوأد (٢) رفض عبادة األصنام (٣) اإلقرار بوحدانية (٤) الوعد بالجنان<br />
(٥) الوعيد بالعقاب في سعير وجھنم. (٦) اختصاص سبحانه بأسماء: الرحمن. الرب.<br />
الغفور. وقد قال مُحَ مَّد ما قال زيد بن عمرو، ألن زيداً وكل واحد من الحنفاء قال إنھم يبحثون<br />
عن دين إبرھيم غير أن زيداً قال إنه أدرك غايته، وھي أنه وجد ھذا الدين، وأن مُحَ مَّداً قال<br />
إن غايته ھي دعوة الناس إلى دين إبراھيم بواسطته. وكثيراً ما أطلق القُرْ آن على إبراھيم أنه<br />
حنيف مثل زيد وأصحابه، وإن كان إطالقه ھذا اللقب في القُرْ آن على إبراھيم يفيد ذلك بطريق<br />
االلتزام. ولتأييد ھذا نورد من القُرْ آن بعض آيات قليلة، فورد في سورة النساء: وَ مَنْ أَحْ سَنُ<br />
ُ إِبْرَ اھِيمَ خَ لِيالً<br />
دِيناً مِّمَّنْ أَسْ لَ َم وَ جْ ھَهُ ِ َّ ِ وَ ھُوَ مُحْ سِ نٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَ اھِيمَ حَ نِيفاً وَ اتَّخَذَ ّ<br />
ُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَ اھِيمَ حَنِيفًا وَ مَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِ كِي َن<br />
وورد في سورة آل عمران: قُلْ صَدَقَ ّ<br />
وورد في سورة األنعام: قُلْ إِنَّنِي ھَدَانِي رَ بِّي إِلَى صِ رَ اطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَ اھِيمَ<br />
حَ نِيفا◌ً فكل من له إلمام بتراكيب اللغة العربية وقواعدھا يرى أنه مع أن القُرْ آن لم يطلق<br />
على إبراھيم أنه حنيف إال أنه أطلق عليه ضمناً أنه كان حنيفاً، وحض القُرْ آن أصحاب مُحَ مَّد<br />
على قبول ملة إبراھيم، ألن من قبل ملة إبراھيم كان من عداد الحنفاء. وأصل كلمة حنيف<br />
في اللغة العبرية والسريانية تعني نجس أو مرتد ألن عبَدة األصنام من العرب أطلقوا على<br />
زيد وأصحابه لقب الحنفاء ليصفوھم باالرتداد، ألنھم تركوا ديانة أسالفھم عبدَة األصنام.<br />
فاستحسن مُحَ مَّد والعرب الحنفاء أن يختصوا بھذا اللقب، وفسَّروا ھذه اللقب تفسيراً حسناً<br />
وصبغوه بمعنى مناسب. ولعلھم فعلوا ذلك ألنھم لم يروا فرقاً بين التحنُّف والتحنُّث. وال ننسى أن<br />
ھؤالء األشخاص األربعة الذين دُعوا حنفاء كانوا من أقرباء مُحَ مَّد ألنھم تناسلوا جميعھم من<br />
لؤي. كما أن عبيد كان ابن خالة مُحَ مَّد، وتزوج مُحَ مَّد أم حبيبة أرملة عبيد . وذكر ابن<br />
ھشام أن ورقة وعثمان ابني عم خديجة كانا من الحنفاء، فمن المستحيل أن آراء زيد وغيره من<br />
٣<br />
. <br />
<br />
((<br />
))<br />
<br />
((<br />
))<br />
((<br />
<br />
<br />
((<br />
))<br />
))<br />
٥<br />
. <br />
٤<br />
.<br />
١<br />
٢<br />
٣<br />
٤<br />
٥<br />
السيرة النبوية البن ھشام، الجزء األول، ص<br />
جزء و٨١.<br />
سورة النساء:<br />
سورة آل عمران:<br />
سورة األنعام:<br />
٧٦<br />
١ ص ٨٠<br />
.١٢٥ /٤<br />
.٩٥ /٣<br />
.١٦١ /٦<br />
و٧٧.<br />
- ٦٨ -
ُ<br />
١<br />
الحنفاء ومذاھبھم وأقوالھم وتعاليمھم ال تُحدِث في أفكار مُحَ مَّد أثراً مھماً جداً. ومع أنه لم يؤذن<br />
لمُحَ مَّد أن يستغفر آلمنة والدته، إال أنه استغفر لزيد بن عمرو، فقال إنه سيُبعث أمة وحده في<br />
يوم القيامة، وھذا تصديقُ مُحَ مَّد لمبادئ زيد بن عمرو.<br />
) ٢ً) أوامر محمد المتعاقبة للحرب:<br />
وقد يتصدى إنسان للرد على ما ذكرتُه في ھذا الفصل وفي غيره من فصول ھذا الكتاب<br />
السابقة قائالً: إذا فرضنا أن <strong>مصادر</strong> اإلِسْ الم التي أوردھا المعترضون ھي ال<strong>مصادر</strong> الحقيقية له،<br />
فال يكون لمُحَ مَّد أثرٌ في كل ديانته، وھذا غير ممكن. قلنا في الرد على ذلك: إن المعترضين على<br />
اإلِسْ الم يقولون إنه لما شرع مُحَ مَّد في إيجاد دينه فال بد أن تظھر ميوله وصفاته في ھذا الدين،<br />
ألن البنّاء أو المھندس إذا بنى بيتاً من حجارة متنوّ عة من اللَّبِن وقوالب األجُرّ فال بدَّ أن تظھر<br />
كفاءته في تنظيم ھذه المواد بأن يجعلھا في ترتيب محكم، وال بد من ظھور غاياته ومھاراته في<br />
البناء الذي يشيِّده. فھكذا يُقال في الديانة اإلِسْ المية.. لقد تشكلت بشكل يختلف عن سائر األديان<br />
من وجوه كثيرة. فنقول بناءً على ھذا إن باني أو مھندس ھذا البناء كان عاقالً مقتدراً. ويستدل<br />
على فصاحة مُحَ مَّد من فصاحة عبارات القُرْ آن. وبصرف النظر عن كل ھذا ففي القُرْ آن آثار<br />
وقرائن تدل على الحوادث والوقائع التي حصلت في تاريخ مُحَ مَّد. مثالً كان مُحَ مَّد قبل الھجرة<br />
بال سطوة دنيوية، فال ترى في اآليات التي كتبھا قبل الھجرة ذكراً للجھاد لنشر دعوته وتعميم<br />
ديانته. ولكن بعد الھجرة لما صار سكان المدينة من أنصاره أذِن أوالً ألصحابه بالكفاح والحرب<br />
للدفاع عن أنفسھم، فورد في سورة الحج: أ◌ُ ذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّھُمْ ظُلِمُوا... الَّذِينَ أُخْ رِ جُوا<br />
مِن دِيَارِ ھِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِالَّ أَن يَقُولُوا رَ بُّنَا َّ وقال ابن ھشام في السيرة النبوية عن عروة<br />
وغيره من أصحاب مُحَ مَّد أن اإلذن بالحرب أوالً في ھاتين اآليتين. وثانياً: لما انتصر مُحَ مَّد<br />
وصحابته في جملة غزوات تغيَّر ھذا اإلذن إلى فرض وأمر واجب، فورد في سورة البقرة:<br />
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَ ھُوَ كُرْ هٌ لَّكُمْ... يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّھْرِ الْحَ رَ امِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَ صَ ٌّد<br />
عَن سَبِيلِ ّ ِ وَ كُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْ جِدِ الْحَرَ امِ وَ إِخْ رَ اجُ أَھْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ّ ِ وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْ ِل<br />
ومعنى ھاتين اآليتين أن الواجب على المسلمين أن يكافحوا ويلزموا قريشاً على عدم التعرض<br />
لھم ومنعھم عن السفر إلى الكعبة. وثالثاً: لما ھزم المسلمون في السنة السادسة من الھجرة بني<br />
قريظة وبعض طوائف اليھود األخرى، شدَّد في الحض على الجھاد، كما ذكر في سورة المائدة:<br />
َ وَ رَ سُولَهُ وَ يَسْعَوْ نَ فِي األَرْ ضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَ ْو<br />
إِنَّمَا جَ زَ اء الَّذِينَ يُحَ ارِ بُونَ ّ<br />
تُقَطَّعَ أَيْدِيھِمْ وَ أَرْ جُلُھُم مِّنْ خِالفٍ أَوْ يُنفَوْ اْ مِنَ األَرْ ضِ ذَلِكَ لَھُمْ خِزْ يٌ فِي الدُّنْيَا وَ لَھُمْ فِي اآلخِرَ ِة<br />
عَذَابٌ عَظِ يمٌ قال المفسرون إن ھذا األمر يختص بما يجب معاملة عبَدة األصنام به، وال<br />
دخل له في معاملة اليھود أو النصارى. ولكن بعد ھذا بعدة سنين وُ ضعت القوانين التي يجب<br />
على المسلمين مراعاتھا نحو أھل الكتاب، وذلك في السنة الحادية عشرة بعد الھجرة، قبيل وفاة<br />
مُحَمَّد. ورابعاً: فُرض على المسلمين في سورة التوبة و٢٩)، وھي آخر سورة نزلت، أن<br />
يبدأوا بالحرب بعد األربعة األشھر الحرام: فَإِذَا انسَلَخَ األَشْھُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِ كِينَ حَ يْثُ<br />
وَ جَ دتُّمُوھُمْ وَ خُذُوھُمْ وَ احْ صُرُوھُمْ وَ اقْعُدُواْ لَھُمْ كُلَّ مَرْ صَدٍ فَإِن تَابُواْ وَ أَقَامُواْ الصَّالَةَ وَ آتَوُ اْ الزَّ كَا َة<br />
َ غَفُورٌ رَّ حِيمٌ ... قَاتِلُواْ الَّذِينَ الَ يُؤْ مِنُونَ بِاّ ِ وَ الَ بِالْيَوْ مِ اآلخِ رِ وَ الَ يُحَ رِّ مُو َن<br />
فَخَ لُّواْ سَبِيلَھُمْ إِنَّ ّ<br />
ُ وَ رَ سُولُهُ وَ الَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَ تَّى يُعْ طُواْ الْجِزْ يَةَ عَن يَ ٍد<br />
مَا حَ رَّ مَ ّ<br />
وَ ھُمْ صَاغِرُونَ<br />
<br />
<br />
٣<br />
٥ /٩)<br />
٢<br />
<br />
. <br />
<br />
٥<br />
. <br />
. <br />
٤<br />
.<br />
<br />
١<br />
حسب الحديث الذي ذكره البيضاوي في تفسيره على سورة التوبة<br />
سورة الحج: و٤٠.<br />
جزء ص،<br />
سورة البقرة: و٢١٧.<br />
سورة المائدة:<br />
.١١٣ /٩<br />
٣٩ /٢٢<br />
,١٦٤<br />
٢١٦ /٢<br />
.٣٣ /٥<br />
١<br />
٢<br />
٣<br />
٤<br />
٥<br />
- ٦٩ -
يثن<br />
َ<br />
((<br />
وتدفعنا قواعد القُرْ آن الست أن نقول إن إرادة الحكيم المنزه عن التغيير تغيَّرت<br />
بالنسبة إلى فوز مُ َحمَّد وانتصار أصحابه في الحروب وفي تقدُّمھم بالتدريج المكلل باالنتصار.<br />
ويظھر ذلك بجالء فيما قرره فقھاء اإلِسْالم أن بعض آيات القُرْ آن منسوخة وبعضھا ناسخة،<br />
فجاء في سورة البقرة: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِھَا نَأْتِ بِخَ يْرٍ مِّنْھَا أَوْ مِثْلِھَا أَ لَمْ تَعْ لَمْ أَنَّ ّ<br />
عَلَىَ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ وسبب ذلك أن مُحَ مَّداً كان يرجو أنه إذا خلط أديان اليھود والمسيحيين<br />
وبعض فروض دينية عند العرب تيسَّر له أن يؤلف ديناً يدين به جميع سكان جزيرة العرب،<br />
فيصبحون أمة واحدة. فبذل غاية جھده ليجذب إليه ھذه الطوائف المختلفة كلھا وھذه الملل<br />
المتنوعة المتفرقة ويجمعھم إلى أمة واحدة من أتباعه. ولكنه لما فشل ھذا المسعى عزم على<br />
استئصال اليھود والمسيحيين لقطع دابرھم أو نفيھم من بالد العرب، كما ھو واضح من منطوق<br />
القُرْ آن.<br />
٣٧ /٣٣)<br />
<br />
١<br />
. <br />
))<br />
ويظھر زيادة على ذلك مما ورد في سورة األحزاب و٣٨) بخصوص زينب<br />
امرأة ابنه بالتبنّي زيدٍ أن صفات مُحَ مَّد وأطواره أحدثت أثراً مھماً جداً في القُرْ آن، وھذا واضح<br />
مما ورد في القُرْ آن واألحاديث بخصوص تعدد الزوجات.<br />
) ٣ً) المخلّص الذي وعد بھا إبراھيم:<br />
وال شك أن مجموع المواضيع والمطالب والتعاليم المدونة في القُرْ آن واألحاديث ھي<br />
مثل أنواع وأقسام مياه آتية من أنحاء شتى ومن ينابيع متفرقة فتجمعت إلى بحيرة. غير أن اإلناء<br />
الذي أكسب ھذه المياه المتجمِّعة شكلھا وھيئتھا ھو عقل مُحَ مَّد ونفسه وسجيته وطبيعته.<br />
وال ينكر أن كثيراً من التعاليم الواردة في القُ ْرآن، والسيما التعاليم المختصة بوحدانية <br />
القدوس، مفيدة ونافعة. وال ننكر وجود بعض الصدق والفائدة في األقوال المختصة بالميزان<br />
والجنة وشجرة الطوبى. ولكن من أراد أن يشرب ماءً رائقاً نقياً ال ينبغي له أن يرد مورد الماء<br />
المعكر، بل عليه أن يرد ينبوع نھر ماء الحياة الذي كثيراً ما يشھد له القُرْ آن نفسه. وھذا الينبوع<br />
ھو كتب األنبياء والحواريين التي قال عنھا القُرْ آن: إِنَّا أَنزَ لْنَا التَّوْ رَ اةَ فِيھَا ھُدًى وَ نُور<br />
وَ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِ ھِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْ يَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْ رَ اةِ وَ آتَيْنَاهُ اإلِنجِيلَ فِيهِ ھُدًى<br />
وَ نُورٌ وَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْ رَاةِ وَ ھُدًى وَ مَوْ عِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ فشھادة القُرْ آن ھذه للكتاب<br />
المقدس أي التوراة واإلنجيل تغافل عنھا المسلمون ونبذوھا في زوايا النسيان أو أھملوھا<br />
وأوَّ لوھا وصرفوھا عن أذھانھم، ولكنھا أھم أركان تعاليم القُرْ آن. وزد على ھذا أن مُحَ مَّداً ح َّض<br />
أتباعه على التمسك بدين إبراھيم خليل . ومن أراد معرفة دين إبراھيم وجب عليه أن<br />
يستقصي توراة موسى، فيرى فيھا أن وعد إبراھيم أن يجيء المسيح من نسله ومن نسل<br />
إسحق ابنه، وھو المخلِّص الوحيد. وقد اعتمد إبراھيم على ھذا الوعد وآمن بالمخلِّص الموعود<br />
فنال خالصاً، ودُعي خليل ولتأييد صدق كالمنا نورد بعض آيات من الكتاب المقدس: ورد<br />
في شريعة موسى في سفر التكوين ١٨٢١) أنه قبْلَ مولد إسحق كان إبراھيم قد شاخ،<br />
وطلب من أن يقبل إسماعيل وارثاً للوعد قائالً: ليت إسماعيل يعيش أمامك<br />
ھذا الطلب، وإن كان قد وعد بأن يبارك إسماعيل بالرخاء الدنيوي، وقال إلبراھيم: بل سارة<br />
امرأتك تلد لك ابناً وتدعو اسمه إسحق، وأقيم عھدي معه عھداً أبدياً لنسله من بعده. وأما إسمعيل<br />
فقد سمعت لك فيه. ھا أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً. إثنا عشر رئيساً يلد، وأجعله أمة<br />
...<br />
فرفض <br />
))<br />
((<br />
٤<br />
٢<br />
. <br />
<br />
))<br />
/١٧)<br />
٣<br />
.<br />
١<br />
سورة البقرة:<br />
سورة المائدة:<br />
رسالة يعقوب:<br />
نجد أسماء اال<br />
.١٠٦ /٢<br />
.٤٦ ،٤٤ /٥<br />
.٢٣ /٢<br />
٢<br />
٣<br />
٤<br />
عشر رئيساً في سفر التكوين:<br />
.١٦ ١٣ /٢٥<br />
- ٧٠ -
.<br />
.<br />
كبيرة. ولكن عھدي أقيمه مع إسحق الذي تلده لك سارة في مثل ھذا الوقت في السنة اآلتية<br />
وقال إلبراھيم ثانية: يتبارك في نسلك جميع أمم األرض من أجل أنك سمعت لقولي<br />
(يعني ألنك رضيت أن تقدم ابنك إسحق ذبيحة ). وقال المسيح لليھود مشيراً إلى ھذا الوعد<br />
وإلى اعتماد إبراھيم عليه: أبوكم إبراھيم تھلل بأن يرى يومي فرأى وفرح وقال بولس<br />
الرسول بالوحي اإللھي: وأما المواعيد فقيلت في إبراھيم وفي نسله. ال يقول: وفي األنسال<br />
كأنه عن كثيرين، بل كأنه عن واحدٍ: وفي نسلك الذي ھو المسيح.. فإن كنتم للمسيح فأنتم إذاً<br />
نسل إبراھيم، وحسب الموعد ورثة<br />
((<br />
١<br />
((<br />
٢<br />
.<br />
((<br />
٣<br />
.<br />
((<br />
))<br />
))<br />
))<br />
١<br />
نطلب من الرحمن الرحيم الھادي الحكيم الذي أنجز وعده األزلي بأن أرسل المسيح فوُ لد<br />
من ذرية إبراھيم ومات عن خطايانا وقام لتبريرنا أن يوفقنا جميعاً للتمتع بھذا الخالص العظيم<br />
والميراث الثمين فنحظى بالمجد الدائم واالبتھاج الكامل بفضل نعمته وكرمه وفضله. إنه القدير<br />
على اإلجابة.<br />
تكوين:<br />
يوحنا:<br />
غالطية:<br />
.١٨ /٢٢<br />
.٥٦ /٨<br />
١٦ /٣<br />
٢<br />
٣<br />
و٢٩.<br />
آمين<br />
- ٧١ -