12.07.2015 Views

ﻣ

ﻣ

ﻣ

SHOW MORE
SHOW LESS
  • No tags were found...

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

المنهاجلبيان الشركيات والضلالاتفي مدخل ابن الحاجتأليفمحمد حامد محمد


٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باالله من شرور أنفسنا ومنسيئات أعمالنا من يهده االله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إلهإلا االله وحده لا شريك له وأن محمدا ً عبده ورسوله.‏اللهم صل ّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيموبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فيالعالمين إنك حميد مجيد ﴿ يا أ َيها ال َّذين آمنوا ْ اتق ُوا ْ الل ّه حق تق َاته ولا َعمران/‏‎١٠٢‎تموتن إ ِلا َّ وأ َنتم مسلمون َ ﴾ آل..‏﴿يا أ َيها الناس اتق ُوا ْ ربك ُم ال َّذي خل َق َك ُم من نف ْس ٍ واحدة وخل َق منها زوجهاوبث َّ منهما ر ِجالا ً ك َثيرا ون ِساء واتق ُوا ْ الل ّه ال َّذي تساءل ُون َ ب ِه والأَرحام إ ِن َّ الل ّه ك َان َعل َيك ُم رقيبا﴾‏ النساء/‏‎١‎﴿ يا أ َيها ال َّذين آمنوا اتق ُوا الل َّه وق ُول ُوا ق َول ًا سديدا يصلح ل َك ُم أ َعمال َك ُم ويغفرل َك ُم ذ ُنوبك ُم ومن يطع الل َّه ورسول َه ف َق َد ف َاز ف َوزا عظيما ﴾ الأحزاب/‏‎٧٠‎. ٧١-ثم َّ أما بعد...‏فهذه بعض التعقبات والردود على كتاب " المدخل " لابن الحاج المالكي رحمهاالله تعالى ، وهو باب في البدع والخرافات ، وكل من أتى بعده فهو عيال ٌ عليه ، إلاأن ابن الحاج رحمه االله لما تناول بعض البدع والخرفات مال عن الجادة ، ووقع في


٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج "فيالدعوة إلى الشرك والمنكرات الكبار ، التي وجب التحذير منها ، والتنبيه عليها ،سيما ما للكتاب من ذيع وشهرة بين العوام وطلاب العلم .ومما يجدر ذكره هنا ، أنني لم أتتبع كل لفظ ، ولم أتقصد الأحاديث الضعيفة ،والأقوال الواهية ، إنما كان الغرض الوقوف على ج ِسام المسائل ، وعظائم البدعالشركية التي دعى إليها .مع أن فيه أشياء حسنة ، لكن الملاحة بالقباحة لا تفي ، فمن بنى غرفا ً علية ،وبذل جهده ، وطاقته في زخرفتها ، وتزويقها مع إهماله توثيق أساس بنائه فحاله لا(١)تخفى.".‏والحمد الله الذي بنعمته تتمالصالحات .١٧ صفر‎١٤٣٣‎هالموافق ‎٢٠١٢/١/١١‎م(١)من مقدمة السراج الوهاج لكشف ظلمات الشرك في مدخل ابن الحاج .


٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (١)ترجمة موجزة لابن الحاجهو محمد بن محمد بن محمد ، الشيخ القدوة ، الزاهد ، الورع ، المعروف بابنالحاج،‏ العبدري ، الفاسي ، المالكي.‏ولد بمدينة فاس من بلاد المغرب ، بعد الأربعين وستمائة ، ونشأ ا ، وأخذ عنعلمائها .وقدم إلى القاهرة ، وقرأ الموطأ على أبي القاسم عبيد الأسعردي ، وحدث به.‏وصحب جماعة ً من الصلحاء وأرباب القلوب وتخل ّق بأخلاقهم وتأدب بآدام وأخذعنهم الطريقة ، وصار أحد المشايخ المشهورين بالزهد والخير والصلاح . وهو منأجل ّ أصحاب الشيخ العارف أبي محمد عبد االله بن أبي جمرة.‏وصنف كتابا سماه " المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات ، والتنبيه علىبعض البدع والعوائد التي انتحل َت وبيان شناعتها وقبحها ".وهو من أجل ّ الكتب وأكثرها فوائد ، وفيه غرائب تفرد ا لا توجد في غيره .وقرئ عليه الكتاب غير مرة . وأضر في آخر عمره وأقعد .توفي بالقاهرة في العشرين من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ] وقدبلغ الثمانين أو جاوزها].‏ ودفن بالقرافة ، وقبره بالقرب من شيخه ابن أبي جمرةيتبرك بزيارته وكانت جنازته عظيمة الجمع جدا ً.‏(١)انظر في ترجمته : الديباج المذهب،‏ طبعة ابن شقرون‎٨‎‏/‏٣٢٧والدرر الكامنة٤٥٧ و ٢٣٧ :٤Princetonللمقريزيوشجرة النور٢١٨ و‎٩٥‎ (٨٣) S ٢: ٢:١٠١ .Brock٣٥/٧ الأعلام، ٩١-٩٠/٧كشف الظنون، ١٦٤٣/٢معجم المطبوعات العربية والمعربة‏،المقفى الكبير، ٧٠/١العارفين ١٤٩/٢، معجم المصنفات الواردة في فتح الباري ص‎٣٥٨‎رقم (١١٤٩) .هدية


٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وأما الكتاب ، فقد قال فيه ابن حجر :"معائب وبدع يفعلها الناس،‏ ويتساهلون فيها،‏يحتمل.‏(١)أوله:‏ ‏(الحمد الله المنفرد بالدوام،‏ الباقي بعد فناء الأنامذكر فيه:‏هو كثير الفوائد،‏ كشف فيه عنوأكثرها:‏ مما ينكر،‏ وبعضها:‏ مما... الخ)‏ .أن شيخه أبا محمد:‏ عبد االله بن أبي جبرة،‏ أشار إلى تعليم الناس مقاصدهم فيأعمالهم،‏ فكتبه.‏وسماه:‏ ‏(المدخل إلى:‏ تتمة الأعمال،‏ بتحسين النيات،‏ والتنبيه على بعض البدعوالعوائق التي انتحلت،‏ وبيان شناعتها)‏ .وفرغ من تصنيفه:‏ في سابع محرم،‏ سنة اثنتين وثلاثين(٢)وسبعمائة.‏قال الشيخ الألباني رحمه االله : " ومما يوسف له أن هذه البدعة واللتين بعدهاحيث أوردها مسلماقد نقلتها من ‏(كتاب المدخل)‏ لابن الحاجا كأا من الامور المنصوص عليها في الشريعة!‏ وله من هذا النحو أمثلة كثيرة سبقبعضها دون التنبيه على أا منه،‏ وسنذكر قسما كبيرا منها في الكتاب الخاص بالبدعإن شاء االله تعالى،‏ وقد تعجب من ذلك لما عرف أن كتابه هذا مصدر عظيم فيالتنصيص على مفردات البدع وهذا الفصل الذي ختمت به الكتاب شاهد عدل علىذلك،‏ ولكنك إذا علمت أنه كان في علمه مقلدا لغيره،‏ ومتأثرا إلى حد كبير بمذاهبالصوفية وخزعبلاا يزول عنك العجب وتزداد يقينا على صحة قول مالك:‏ ‏(ما منامن أحد إلا رد ورد عليه الاصاحب هذا القبر)‏ االله عليه وسلم.اه(٣)(٢٦٤ ،٢٥٩ / ١)، صلى(١)(٢)(٣)انظر : فتح الباري (٣٤٠/١٠كشف.(٣٤٣ ،الظنون ١٦٤٣/٢أحكام الجنائز ص‎٢٦٧‎


٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج "وقال فيه رحمه االله :" وكم فيه من الأحاديث الضعيفة والموضوعة،‏ وما لا أصلللغزالي،كما لا يخفى على من درسالإحياء له،‏ وهو في هذا شبيه بكتاب الكتابين من أهل العلم.اه"(١)وممن اعتنى بكشف ما فيه من أباطيل ، الشيخ عبد الكريم بن صالح الحميد فيكتيب مطبوع سنة ‎١٤١١‎ه بعنوان " السراج لكشف ظلمات الشرك في مدخلابن الحاج " ومما جاء فيه ) ص‎٦-٥‎‏)‏ : " تصفحت كتاب ‏"المدخل"‏ لابن الحاجالمتوفى سنة هجرية وإذا فيه ميل واعوجاج وانحراف عن المنهاج من الشركالأكبر والدعوة إليه والبدع والمنكرات مما يتعين التنبيه عليه والتحذير منه حسبالإمكان واالله سبحانه الموفق وهو المستعان.‏٧٣٧وكلامي فيه ليس حصرا ً لما يحويه ولكنه تبيين للخلل والشطط في مسائل كبيرةعظيمة يتعجب القارئ للكتاب كيف اتفق لمصنفه الوقوع بمثلها مع تدقيقه في أشياءأخرى صغيرة.‏وقد احتوى الكتاب وهو أربعة مجلدات على أحاديث موضوعة وحكاياتمكذوبة وشطحات منكرة غير الدعوة إلى الشرك الأكبر والبدع مع أن فيه أشياءحسنة لكن الملاحة بالقباحة لا تفي فمن بنى غرفا ً علية وبذل جهده وطاقته فيزخرفتها وتزويقها مع إهماله توثيق أساس بنائه فحاله لا تخفى.اه(١)سلسلة الأحاديث الضعيفةوالموضوعة ٦٥٣/٣


١٠في تلالاضلاوتایكرشلانایبلجاھنملا جاحلانبالخدم-١-ص لولأا دلا في جالحا نبا لاق٢١:]ِد َقرر َقتيف ِعرشلاهنع-ى َّلصه َّللاهي َلعم َّلسو-ارابخإنعهبرزع َّلجو:: ُلو ُقين َل»بر َقتيي َلإ َنوبر َقتم ْلابح َأ ِبنمِءاد َأامهتضرت ْفام ِهي َلعم ُثا َل ُلازيدبع ْلابر َقتيي َلإ ِلفاونلا ِبىتحهبح ُأا َذ ِإ َفهتببح َأتن ُكهعمسيذ َّلاعمسيه ِبهرصبويذ َّلارصبيه ِبهديويت َّلاشطبي«اه ِب. َلا َقانؤام َلع ُةمحره َّللا:م ِهي َلعهانعمهن َأى َقبيه ُفرصته ُّل ُكه َّللى َلاعتا َل،ه ِريغل ْن ِإ َفم َّل َكتم َّل َكته َّلل ْن ِإوت َكست َكسه َّلل ْن ِإور َظنر َظنه َّلل ْن ِإوض َغه َفر َطهض َغه َّلل ْن ِإوش َطبش َطبه َّللى َلإ ِري َغكل َذنمهتا َكرح،هتان َكسود َقو َنا َكيديسدمحمي ِناجرم ْلا-همحره َّللاى َلاعت-: ُلو ُقي َّنإيرق َف ْلاه ُلاحنيبِءاب ْلاف ْل َأ ْلاوي ِنعي َّن َأهتا َكرحهتان َكسو ٌةصلاخهبرلامئا َقاهيفه ِب ْذإهن َأا َليعديهِس ْفنلا ًئيشوه َفه ِب،هي َل ِإوى َلعوا َذهىنعم ْلا َلمح َنو ُق ِّقحم ْلامهنم َلو َق ِجا َّلح ْلا-همحره َّللا-ع َفنوه ِبامل: َليقه َلني َأه َّللا: َلا َقيفةبج ْلاي ِنعيهن َأم َلقبييفةبج ْلايت َّلاهي َلعهِس ْفنل،فرصتامن ِإوفرصتلاه ُّل ُكه َّلله َّلل َا ِبوى َلعىضت ْقماميفا َذهثيدح ْلايذ َّلانحنهلي ِبس ِبىت ْف َأ َفنمراشيهي َلإيفهت ْقونمِءام َلع ْلاينحلاصلاو؛هلت َق ِبا ًظ ُّفحتمهنمى َلع ِبصنمةعي ِرشلا ْن َأض رعتيه َلري َغ ٍق ِّقحميعدي َفا ًئيشنمك ْلت ِروم ُأ ْلا َلعجيوهتود ُقيفكل َذجا َّلح ْلا-يضره َّللاهنع-داع َأه َّللااني َلعنمم ِهتا َكربدمحم ِبهلآوا َذهويذ َّلاهر َك َذوه ُة َقيقح ِلو َق ِلوسره َّللا-ى َّلصه َّللاهي َلعم َّلسو:-او ُق َّلخت» ِقا َلخ َأ ِب«ه َّللا[.: درلاهجرخأ دقف ثيدلحا امأيراخبلا١٣١/٨(٦٥٠٢)، ةريره بيأ ثيدح نم" : هظفل اذهو َّن ِإه َّللا َلا َقنمىداعىلايلود َق َفهتن َذآ، ِبرح ْلا ِباموبر َقتى َل ِإىدبعٍءىش ِببح َأى َل ِإاممتضرت ْفا،هي َلعامو ُلازيىدبعبر َقتيى َل ِإىتح ِلفاونلا ِب


١١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -أ ُحبه‏،‏ ف َإ ِذ َا أ َحببته ك ُنت سمعه ال َّذى يسمع ب ِه‏،‏ وبصره ال َّذى يبصر ب ِه‏،‏ ويده ال َّتىيبط ُش ب ِها ور ِجل َه ال َّتى يمشى ب ِها،‏ وإ ِن ْ سأ َل َن ِى لأُعطينه‏،‏ ول َئن ِ استعاذ َن ِى لأُعيذ َنه‏،‏ وماترددت عن شىءٍ‏ أ َنا ف َاعل ُه ترددى عن نف ْس ِ ال ْمؤمن ِ،‏ يك ْره ال ْموت وأ َنا أ َك ْرهمساءَته‏."‏ .وأما الحلاج فهو زنديق ، ق ُتل بزندقته ، وقد سئل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية :ما تقول السادة العلماء رضي االله عنهم - في " الحلاج الحسين بن منصور "هل كان صديقا؟ أو زنديقا؟ وهل كان وليا الله متقيا له؟ أم كان له حال رحماني؟ أومن أهل السحر والخزعبلات؟ وهل قتل على الزندقة بمحضر من علماء المسلمين؟ أوقتل مظلوما؟ أفتونا مأجورين؟أجاب:‏ شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلامبن تيمية قدس االله روحه:‏ الحمد الله رب العالمين.‏ الحلاج قتل على الزندقة،‏ التي ثبتتعليه بإقراره،‏ وبغير إقراره؛ والأمر الذي ثبت عليه لما يوجب القتل باتفاق المسلمينومن قال:‏ إنه قتل بغير حق فهو إما منافق ملحد،‏ وإما جاهل ضال.‏ والذي قتل به مااستفاض عنه من أنواع الكفر،‏ وبعضه يوجب قتله؛ فضلا عن جميعه.‏ ولم يكن منأولياء االله المتقين؛ بل كان له عبادات ورياضات ومجاهدات:‏ بعضها شيطاني،‏وبعضها نفساني،‏ وبعضها موافق للشريعة من وجه دون وجه.‏ فلبس الحق بالباطل.‏وكان قد ذهب إلى بلاد الهند،‏ وتعلم أنواعا من السحر،‏ وصنف كتابا فيالسحر معروفا،‏ وهو موجود إلى اليوم،‏ وكان له أقوال شيطانية،‏ ومخاريق تانية.‏وقد جمع العلماء أخباره في كتب كثيرة أرخوها الذين كانوا في زمنه،‏ والذيننقلوا عنهم مثل أبي علي الحطي ذكره في تاريخ بغداد " والحافظ أبو بكر الخطيبذكر له ترجمة كبيرة في تاريخ بغداد " وأبو يوسف القزويني صنف مجلدا في أخباره،‏وأبو الفرج بن الجوزي له فيه مصنف سماه " رفع اللجاج في أخبار الحلاج ".


١٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وبسط ذكره في تاريخه أبو عبد الرحمن السلمي في " طبقات الصوفية " أن كثيرامن المشايخ ذموه وأنكروا عليه،‏ ولم يعدوه من مشايخ الطريق؛ وأكثرهم حط عليه.‏وممن ذمه وحط عليه أبو القاسم الجنيد؛ ولم يقتل في حياة الجنيد؛ بل قتل بعد موتالجنيد؛ فإن الجنيد توفي سنة ثمان وتسعين ومئتين.‏والحلاج قتل سنة بضع وثلاثمائة،‏ وقدموا به إلى بغداد راكبا على جمل ينادىعليه:‏ هذا داعي القرامطة،‏ وأقام في الحبس مدة حتى وجد من كلامه الكفر والزندقة،‏واعترف به:‏ مثل أنه ذكر في كتاب له:‏ من فاته الحج فإنه يبني في داره بيتا ويطوفبه،‏ كما يطوف بالبيت،‏ ويتصدق على ثلاثين يتيما بصدقة ذكرها،‏ وقد أجزأه ذلكعن الحج.‏ فقالوا له:‏ أنت قلت هذا؟ قال:‏ نعم.‏ فقالوا له:‏ من أين لك هذا؟ قالذكره الحسن البصري في " كتاب الصلاة " فقال له القاضي أبو عمر:‏ تكذب يازنديق،‏ أنا قرأت هذا الكتاب وليس هذا فيه،‏ فطلب منهم الوزير أن يشهدوا بماسمعوه،‏ ويفتوا بما يجب عليه،‏ فاتفقوا على وجوب قتله.‏لكن العلماء لهم قولان في الزنديق إذا أظهر التوبة،‏ هل تقبل توبته فلا يقتل؟ أميقتل؛ لأنه لا يعلم صدقه؛ فإنه ما زال يظهر ذلك؟ فأفتى طائفة بأنه يستتاب فلايقتل،‏ وأفتى الأكثرون بأنه يقتل وإن أظهر التوبة فإن كان صادقا في توبته نفعه ذلكعند االله وقتل في الدنيا؛ وكان الحد تطهيرا له،‏ كما لو تاب الزاني والسارق ونحوهمابعد أن يرفعوا إلى الإمام فإنه لا بد من إقامة الحد عليهم:‏ فإم إن كانوا صادقينكان قتلهم كفارة لهم،‏ ومن كان كاذبا في التوبة كان قتله عقوبة له.‏فإن كان الحلاج وقت قتله تاب في الباطن فإن االله ينفعه بتلك التوبة،‏ وإن كانكاذبا فإنه قتل كافرا.‏ولما قتل لم يظهر له وقت القتل شيء من الكرامات؛ وكل من ذكر أن دمهكتب على الأرض،‏ اسم االله،‏ وأن رجله انقطع ماؤها،‏ أو غير ذلك،‏ فإنه كاذب.‏وهذه الأمور لا يحكيها إلا جاهل أو منافق،‏ وإنما وضعها الزنادقة وأعداءالإسلام،‏ حتى يقول قائلهم:‏ إن شرع محمد بن عبد االله يقتل أولياء االله،‏ حتى يسمعوا


١٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -أمثال هذه الهذيانات؛ وإلا فقد قتل أنبياء كثيرون،‏ وقتل من أصحام وأصحاب نبينا- صلى االله عليه وسلم والتابعين وغيرهم من الصالحين من لا يحصي عددهم إلااالله،‏ قتلوا بسيوف الفجار والكفار والظلمة وغيرهم،‏ ولم يكتب دم أحدهم اسم االله.‏والدم أيضا نجس فلا يجوز أن يكتب به اسم االله تعالى.‏ فهل الحلاج خير من هؤلاء،‏ودمه أطهر من دمائهم؟ ،، وقد جزع وقت القتل؛ وأظهر التوبة والسنة فلم يقبلذلك منه.‏ ولو عاش افتتن به كثير من الجهال،‏ لأنه كان صاحب خزعبلات تانية،‏وأحوال شيطانية.‏ولهذا إنما يعظمه من يعظم الأحوال الشيطانية،‏ والنفسانية،‏ والبهتانية.‏ وأما أولياءاالله العالمون بحال الحلاج فليس منهم واحد يعظمه؛ ولهذا لم يذكره القشيري فيمشايخ رسالته؛ وإن كان قد ذكر من كلامه كلمات استحسنها.‏ وكان الشيخ أبويعقوب النهرجوري قد زوجه بابنته،‏ فلما اطلع على زندقته نزعها منه،‏ وكان عمروبن عثمان يذكر أنه كافر،‏ ويقول:‏ كنت معه فسمع قارئا يقرأ القرآن،‏ فقال:‏ أقدرأن أصنف مثل هذا القرآن.‏ أو نحو هذا من الكلام.‏ كان يظهر عند كل قوم مايستجلبهم به إلى تعظيمه؛ فيظهر عند أهل السنة أنه سني،‏ وعند أهل الشيعة أنهشيعي،‏ ويلبس لباس الزهاد تارة،‏ ولباس الأجناد تارة.‏وكان من مخاريقه أنه بعث بعض أصحابه إلى مكان في البرية يخبئ فيه شيئا منالفاكهة والحلوى،‏ ثم يجيء بجماعة من أهل الدنيا إلى قريب من ذلك المكان،‏ فيقوللهم:‏ ما تشتهون أن آتيكم به من هذه البرية فيشتهي أحدهم فاكهة،‏ أو حلاوة،‏فيقول:‏ امكثوا؛ ثم يذهب إلى ذلك المكان ويأتي بما خبأ أو ببعضه،‏ فيظن الحاضرونأن هذه كرامة له،،‏ وكان صاحب سيما وشياطين تخدمه أحيانا،‏ كانوا معه علىجبل أبي قبيس،‏ فطلبوا منه حلاوة،‏ فذهب إلى مكان قريب منهم وجاء بصحنحلوى،‏ فكشفوا الأمر فوجدوا ذلك قد سرق من دكان حلاوي باليمن،‏ حمله(١)شيطان من تلك البقعة.‏(١)الفتاوىالكبرى -٤٨٠/٣ ٤٨٢


١٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج أما قول ابن الحاج :-‏[ف َأ َف ْتى من يشار إل َيه في وق ْته من ال ْعل َماءِ‏ والصالحين ب ِق َتله؛ تحف ُّظ ًا منهمعل َى منصب ِ الشر ِيعة أ َن ْ يتعرض ل َه غ َير محق ِّق ٍ ف َيدعي شيئ ًا من تل ْك ال ْأ ُمور ِأ َعاد الل َّه عل َينا من برك َاته ِمرضي الل َّه عنه ويجعل َ ق ُدوته في ذ َلك ال ْحل َّاج ب ِمحمد وآله‏].‏فقد قال شيخ الإسلام رحمه االله-:"فمن الناس من يظهر أن الحلاج قتل باجتهاد فقهي يخالف الحقيقة الذوقية التيعليها هؤلاء وهذا ظن كثير من الناس؛ وليس كذلك بل الذي قتل عليه إنما هوالكفر،‏ وقتل باتفاق الطائفتين مثل دعواه:‏ أنه يقدر أن يعارض القرآن بخير منه،‏ودعواه أنه من فاته الحج أنه يبني بيتا يطوف به ويتصدق بشيء قدره وذلك يسقطالحج عنه.‏ إلى أمور أخرى توجب الكفر باتفاق المسلمين الذين يشهدون أن محمدارسول االله:‏ علماؤهم وعبادهم وفقهاؤهم وفقراؤهم وصوفيتهم.‏ و ‏(فريق يقولون)‏ :قتل لأنه باح بسر التوحيد والتحقيق:‏ الذي ما كان ينبغي أن يبوح به؛ فإن هذا منالأسرار التي لا يتكلم ا إلا مع خواص الناس وهي مما تطوى ولا تروى."اه(٢)فثبت من كلام شيخ الإسلام حقيقة الرجل ، وبيان ضلاله ، وعليه : فلا يثنيوالذي يظهر أن ابن الحاج منأو جاهل ضال عليه إلا منافق ملحد الصنف الثاني واالله أعلمزنديق ، مفتون ،.أما قول ابن الحاج : بمحمد وآله.‏ فهذا سؤال بالمخلوقين لا يجوز وهو بدعة فيالشرع ، ومفسدة للدين.‏قال شيخ الإسلام رحمه االله:(٢)مجموعالفتاوى ٣١٧ ، ٣١٦/٨


١٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج "فإن سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد:‏ مفسدة الافتقار إلى غير االله وهي مننوع الشرك.‏ ومفسدة إيذاء المسئول وهي من نوع ظلم الخلق.‏وفيه ذل لغير االله وهو ظلم للنفس.‏ فهو مشتمل على أنواع الظلم الثلاثة وقد(١)نزه االله رسوله عن ذلك كله."اهفإن سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد:‏-١-٢-٣مفسدة الافتقار إلى غير االله وهي من نوع الشرك.‏ومفسدة إيذاء المسؤول وهي من نوع ظلم الخلق.‏وفيه ذل لغير االله وهو ظلم النفس.‏(١)مجموعالفتاوى ١٩٠/١


١٦ مدخلابنالحاج-٢-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفقال ابن الحاج في الد الأول ص‎٢٥٤‎ بعد أن ذكر زيارة القبور:‏‏[وك َذ َلك يدعو عند هذه ال ْق ُبور ِ عند ناز ِل َة نزل َت ب ِه‏،‏ أ َو ب ِال ْمسلمين ويتضرعإل َى الل َّه تعال َى في زوالها وك َشفها عنه وعنهم‏،‏ وهذه صف َة ُ ز ِيارة ال ْق ُبور ِ عموما.‏ف َإ ِن ْ ك َان َ ال ْميت ال ْمزار ممن ترجى برك َته ف َيتوسل ُ إل َى الل َّه تعال َى ب ِه.[الرد:‏ زيارة القبور لأجل الدعاء عندها من أعظم-‏ ذرائع الشرك باالله ومنأعظم وسائل عبادة غير االله وطريق إلى الوثنية،‏ وسبيل إلى جعل القبور أعياداللمذنبين والمكروبين،‏ فإن الشيطان يستدرج بابن آدم؛ فيزين له أن الدعاء عند القبورأقرب إلى الإجابة؛ ثم يستدرجه إلى نداء الأموات،‏ والاستغاثة م عند الكربات،‏ فلميشرع الدعاء عند القبور؛ ولم يرد عن أحد من السلف أنه أتى إلى قبر نبي أو وليلأجل الدعاء عنده،‏ ولم يثبت أن الصحابة-‏ رضي االله عنهم أجمعين-‏ يقصدون قبرالنبي-‏ صلى االله عليه وسلم-‏ للدعاء عنده؛ بل لم يشرع النبي-‏ صلى االله عليهوسلم-‏ قط لأمته:أنه إذا كان لأحد حاجة أن يقصد قبر نبي أو ولي؛ فيدعو عندهلنفسه،‏ على ظن:‏ أن الدعاء عند قبره يجاب؛ بل كل هذه من وسائل الشرك التييجب سدها،‏ والتحذير منها،‏ حماية لحمى التوحيد؛ ولئلا يتذرع ا إلى الشرك باالله،‏وعبادة غير االله تعالى.‏قال شيخ الإسلام :"ومن المعلوم بالاضطرار أن الدعاء عند القبور لو كان أفضل من الدعاء عندغيرها وهو أحب إلى االله وأجوب:‏ لكان السلف أعلم بذلك من الخلف " وكانواأسرع إليه.‏ فإم كانوا أعلم بما يحبه االله ويرضاه وأسبق إلى طاعته ورضاه ولكانالنبي صلى االله عليه وسلم يبين ذلك ويرغب فيه؛ فإنه أمر بكل معروف وى عن


١٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج كل منكر وما ترك شيئا يقرب إلى الجنة إلا وقد حدث أمته به ولا شيئا يبعد عنالنار إلا وقد حذر أمته منه وقد ترك أمته على البيضاء ليلها كنهارها لا يتروي عنهابعده إلا هالك.‏ فكيف وقد ى عن هذا الجنس وحسم مادته بلعنه ويه عن اتخاذالقبور مساجد؟ فنهى عن الصلاة الله مستقبلا لها وإن كان المصلي لا يعبد الموتى ولايدعوهم كما ي عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الغروب؛ لأا وقتسجود المشركين للشمس وإن كان المصلي لا يسجد إلا الله؛ سدا للذريعة.‏ فكيفإذا تحققت المفسدة بأن صار العبد يدعو الميت ويدعو به كما إذا تحققت المفسدةبالسجود للشمس وقت الطلوع ووقت الغروب.‏ وقد كان أصل عبادة الأوثان منتعظيم القبور كما قال تعالى:‏ ‏{وق َال ُوا ل َا تذ َرن َّ آلهتك ُم ول َا تذ َرن َّ ودا ول َا سواعا ول َايغوث َ ويعوق ونسرا}‏ قال السلف كابن عباس وغيره:‏ كان هؤلاء قوما صالحين فيقوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم عبدوهم.."اه(١)وقال :"وأما الزيارة البدعية فهي التي يقصد ا أن يطلب من الميت الحوائج أو يطلبمنه الدعاء والشفاعة أو يقصد الدعاء عند قبره لظن القاصد أن ذلك أجوب للدعاء.‏فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة لم يشرعها النبي صلى االله عليه وسلم ولافعلها الصحابة لا عند قبر النبي صلى االله عليه وسلم ولا عند غيره وهي من جنس(٢)الشرك وأسباب الشرك."اهوقال رحمه االله :-"والشيطان يضل بني آدم بحسب قدرته فمن عبد الشمس والقمر والكواكبودعاها كما يفعل أهل دعوة الكواكب فإنه يترل عليه شيطان يخاطبه ويحدثهببعض الأمور ويسمون ذلك روحانية الكواكب وهو شيطان والشيطان وإن أعان-(١)مجموع الفتاوى ١٢٣/٢٧١٢٤ ،(٢)مجموع الفتاوى ١٦٦/١


١٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج الإنسان على بعض مقاصده فإنه يضره أضعاف ما ينفعه وعاقبة من أطاعه إلى شر إلاأن يتوب االله عليه وكذلك عباد الأصنام قد تخاطبهم الشياطين وكذلك من استغاثبميت أو غائب وكذلك من دعا الميت أو دعا به أو ظن أن الدعاء عند قبره أفضلمنه في البيوت والمساجد ويروون حديثا هو كذب باتفاق أهل المعرفة وهو:‏ " ‏{إذاأعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور}‏ " وإنما هذا وضع من فتح باب الشرك.‏ويوجد لأهل البدع وأهل الشرك المتشبهين م من عباد الأصنام والنصارى والضلالمن المسلمين أحوال عند المشاهد يظنوا كرامات وهي من الشياطين:‏ مثل أن يضعواسراويل عند القبر فيجدونه قد انعقد أو يوضع عنده مصروع فيرون شيطانه قدفارقه.‏ يفعل الشيطان هذا ليضلهم وإذ قرأت آية الكرسي هناك بصدق بطل هذا فإنالتوحيد يطرد الشيطان؛ ولهذا حمل بعضهم في الهواء فقال:‏ لا إله إلا االله فسقط ومثلأن يرى أحدهم أن القبر قد انشق وخرج منه إنسان فيظنه الميت وهو(١)شيطان."اه‏"فلو كان الدعاء عند القبور والصلاة عندها والتبرك ا فضيلة أو سنة أو مباحالنصب المهاجرون والأنصار علما لذلك،‏ ودعوا عنده،‏ وسنوا ذلك لمن بعدهم،‏ولكن كانوا أعلم باالله ورسوله ودينه من الخلوف التي خلفت بعدهم،‏ وكذلكالتابعون لهم بإحسان راحوا على هذا السبيل،‏ وقد كان عندهم من قبور أصحابرسول االله صلى االله عليه وسلم بالأمصار عدد كثير،‏ وهم متوافرون،‏ فما منهم مناستغاث عند قبر صاحب،‏ ولا دعاه ولا دعا به،‏ ولا دعا عنده ولا استشفى به،‏ ولااستسقى به ولا استنصر به،‏ ومن المعلوم أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على(٢)نقله،‏ بل على نقل ما هو دونه".‏(١)(٢)مجموع الفتاوى ٢٩٢/١١إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ٢٠٤/١.


١٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج بل الثابت ضد ذلك أم كانوا ينهون عن اقل من ذلك،‏ كما ثبت أن عمر بنالخطاب رضي االله عنه قطع الشجرة التي بايع تحتها أصحاب رسول االله:‏ وكما أنكررضي االله عنه على أنس صلاته عند القبر،‏ وقال له:‏ ‏"القبر،‏ القبر"‏.(١)(٢)وكما فعل الصحابة رضي االله عنهم بقبر دانيال لما فتحوا تستر إذا حفرواقبورا متفرقة ودفنوه ليلا في إحداها وسووا القبور جميعا لئلا يعرفه الناس.(٣)وهذه ثمرة تربية رسول االله صلى االله عليه وسلم لهؤلاء الأخيار الذين كانواجنودا أقوياء لهذه العقيدة،‏ وحراسا أوفياء لها،‏ يحبون ويعظمون ما أحبه االله ورسلهوعظمه ويكرهون ويحرمون ما كرهه االله ورسوله وحرمه.‏وإنما دين االله تعالى تعظيم بيوت االله وحده لا شريك له،‏ وهي المساجد التيتشرع فيها الصلوات جماعة وغير جماعة،‏ والاعتكاف وسائر العبادات البدنية والقلبيةمن القراءة والذكر والدعاء الله،‏ وقال تعالى:‏ ‏{وأ َن َّ ال ْمساج ِد لل َّه ف َلا تدعو مع الل َّهأ َحدا ً}.وقال تعالى:‏ ‏{ق ُل ْ أ َمر ربي ب ِال ْقسط وأ َقيموا وجوهك ُم عند ك ُل ِّ مسج ِد‏}.‏فقد تبين أن تحري دعاء االله عز وجل عند القبور للنوازل وغيرها ابتداع فيالدين وأنه من جنس الشرك وأسبابه فإنه لولا ما قام بقلب الداعي أن للدعاء عندهاخصوصية لما خصها بذلك وما أسرع ما ينقل الشيطان الداعي عند القبور إلى دعاءأرباا باعتبار أم وسائط يرفعون حاجته لربه حيث الأول كالسلم للثاني والشيطان(٤)يعمل مقدمات وتمهيدا ً وتوطئه للأمر الذي يريده.‏(١)(٢)(٣)البخاري مع الفتح ٥٢٣/١.بضم التاء الأولى وفتح الثالثة وبينهما سين ساكنة:‏ مدينة بالإقليم خوزستان فتحها أبو موسى الأشعريرضي االله عنه في خلافة عمر بن الخطاب رضي االله عنه.‏ انظر معجم البلدان لياقوت الحموي ٢٩/٢.انظر كتاب اقتضاء الصراط المسقيم ٦٨٠/١ ت د.‏ ناصر العقل،‏ وإغاثة اللهفان لابن قيم الجوزية.٢٠٣/١(٤)السراج لكشف ظلمات الشرك في مدخل ابن الحاج ص‎١٤‎


٢٠ مدخلابنالحاج-٣-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفأما قوله:‏‏[ف َإ ِن ْ ك َان َ ال ْميت ال ْمزار ممن ترجى برك َته ف َيتوسل ُ إل َى الل َّه تعال َى ب ِه‏].‏-الرد:‏ ولماذا لم يتوسلوا مباشرة بالنبيقبره وتوسلوا بعمه؟- صلى االله عليه وآله وسلموهو في-------يجيب عن ذلك الشيخ الألباني رحمه االله فيقول:‏ لأن التوسل بالنبيصلى االله عليه وآله وسلم غير ممكن بعد وفاته،‏ فأنى لهم أن يذهبوا إليه - صلى االلهعليه وآله وسلم ويشرحوا له حالهم،‏ ويطلبوا منه أن يدعو لهم،‏ ويؤمنوا علىدعائه،‏ وهو قد انتقل إلى الرفيق الأعلا.‏--ولذلك لجأ عمر رضي االله عنه وهو العربي الأصيل الذي صحب النبيصلى االله عليه وآله وسلم ولازمه في أكثر أحواله،‏ وعرفه حق المعرفة،‏ وفهم دينهحق الفهم،‏ ووافقه القرآن في مواطن عدة،‏ لجأ إلى توسل ممكن فاختار العباسرضي االله عنه لقرابته من النبي صلى االله عليه وآله وسلم من ناحية،‏ولصلاحه وتقواه من ناحية أخرا،‏ وطلب منه أن يدعو لهم بالغيث والسقيا،‏ وما كانلعمر ولا لغير عمر أن يدع التوسل بالنبي - صلى االله عليه وآله وسلم ويلجأ إلىالتوسل بالعباس أو غيره لو كان التوسل بالنبي - صلى االله عليه وآله وسلم ممكنا ً،‏وما كان من المعقول أن يقر الصحابة رضوان االله عليهم عمر على ذلكأبدا ً»‏------.(١)(١)التوسل أنواعه وأحكامه ‏(ص‎٦١‎.(٦٢ -


٢١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ----، فقال:‏عن عثمان بن حنيف رضي االله عنه أن رجلا ً ضرير البصر أتى النبيصلى االله عليه وآله وسلم ‏«ادع االله أن يعافينا»،‏ قال:‏ ‏«إن شئت دعوتلك،‏ وإن شئت أخرت ذاك فهو خير»،‏ وفي رواية:‏ ‏«وإن شئت صبرت فهو خيرلك»،‏ فقال:‏ ‏«ادعه»،‏ فأمره أن يتوضأ،‏ فيحسن وضوءه،‏ فيصلى ركعتين،‏ ويدعوذا الدعاء:‏ ‏«اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى االله عليه وآلهوسلم نبي الرحمة،‏ يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه،‏ فتقضى لي،‏اللهم فشفعه في َّ،‏ وشفعني فيه»،‏ قال:‏ ففعل فبرأ.‏-(١)---١قال الشيخ الألباني رحمه االله -: ‏«هذا الحديث لا حجة فيه على التوسلبالذات بل هو دليل على النوع الثالث من أنواع التوسل المشروع الذي أسلفناه؛ لأنتوسل الأعمى إنما كان بدعائه والأدلة على ما نقول من الحديث نفسه كثيرة،‏وأهمها:‏--أن الأعمى إنما جاء إلى النبي صلى االله عليه وآله وسلم ليدعو له،‏وذلك قوله:‏ ‏«ادع االله أن يعافيني»‏ فهو قد توسل إلى االله بدعائه صلى االله عليهوآله وسلم -، ولو كان قصد الأعمى التوسل بذات النبي صلى االله عليه وآلهوسلم أو جاهه أو حقه لما كان ثمة حاجة به إلى أن يأتي النبي صلى االله عليهوآله وسلم ويطلب منه الدعاء له،‏ بل كان يقعد في بيته،‏ ويدعو ربه بأن يقولمثلا ً ‏«اللهم إني أسألك بجاه نبيك ومترلته عندك أن تشفيني وتجعلني بصيرا ً»‏ ولكنه لميفعل،‏ لماذا؟ لأنه عربي يفهم معنى التوسل في لغة العرب حق الفهم،‏ ويعرف أنه ليسكلمة يقولها صاحب الحاجة،‏ يذ ْكر فيها اسم المتوسل به،‏ بل لابد أن يشتمل علىايء إلى من يعتقد فيه الصلاح والعلم بالكتاب والسنة،‏ وطلب الدعاء منه له.‏--------٢أن النبي - صلى االله عليه وآله وسلم وعده بالدعاء مع نصحه له ببيانما هو الأفضل له،‏ وهو قوله صلى االله عليه وآله وسلم -: ‏«إن شئت دعوت‏،‏وإن شئت صبرت فهو خير لك».‏(١)رواه الإمامان أحمد (١٧١٧٤، ١٧١٧٥) وابن ماجة (١٣٨٥) وصححه الشيخ الألباني.‏


٢٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ---- ٣-إصرار الأعمى على الدعاء وهو قوله:‏ ‏«فادع‏»‏ فهذا يقتضي أن الرسولصلى االله عليه وآله وسلم دعا له؛ لأنه خير من وفي بما وعد،‏ وقد وعده بالدعاء لهإن شاء كما سبق،‏ فقد شاء الدعاء وأصر عليه فإذن لابد أنه - صلى االله عليه وآلهوسلم دعا له،‏ فثبت المراد،‏ وقد وجه النبي - صلى االله عليه وآله وسلم الأعمىبدافع من رحمته،‏ وبحرص منه على أن يستجيب االله تعالى دعاءه فيه،‏ وجهه إلى النوعالثانى من التوسل المشروع،‏ وهو التوسل بالعمل الصالح،‏ ليجمع له الخير من أطرافهفأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يدعو لنفسه،‏ وهذه الأعمال طاعة الله سبحانهوتعالى يقدمها بين يدي دعاء النبي - صلى االله عليه وآله وسلمقوله تعالى:‏ ‏{وابتغوا إ ِل َيه ال ْوسيل َة َ}‏ ‏[المائدة:‏-.[٣٥--٤له،‏ وهي تدخل فيأن الدعاء الذي علمه رسول االله صلى االله عليه وآله وسلم إياه أن -يقول:‏ ‏«اللهم فشفعه في»‏ وهذا يستحيل حمله على التوسل بذاته صلى االله عليهوآله وسلم أو جاهه أو حقه إذ إن المعنى:‏ ‏«اللهم اقبل شفاعته صلى االله عليهوآله وسلم في ّ»،‏ أي اقبل دعاءه في أن ترد علي بصري،‏ والشفاعة لغة ً:‏ الدعاء،‏وهو المراد بالشفاعة الثابتة له صلى االله عليه وآله وسلم ولغيره من الأنبياءوالصالحين يوم القيامة.‏---------٥أن مما علم النبي صلى االله عليه وآله وسلم الأعمى أن يقوله:‏‏«وشفعنى فيه»‏ أي:‏ اقبل شفاعتي،‏ أي دعائي في أن تقبل شفاعته صلى االله عليهوآله وسلم أي دعاءه في أن ترد على بصري،‏ هذا الذي لا يمكن أن يفهم من هذهالجملة سواه،‏ ولهذا ترى المخالفين يتجاهلوا ولا يتعرضون لها من قريب أو منبعيد؛ لأا تنسف بيام من القواعد وتجتثه من الجذور،‏ وإذا سمعوها رأيتهم ينظرونإليك نظر المغشي عليه،‏ ذلك أن شفاعة الرسول - صلى االله عليه وآله وسلم فيالأعمى مفهومة،‏ ولكن شفاعة الأعمى في الرسول صلى االله عليه وآله وسلمكيف تكون؟ لا جواب لذلك عندهم البتة.‏وسلم------- ٦-أن هذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي صلى االله عليه وآلهودعائه المستجاب وما أظهر االله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من


٢٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -العاهات،‏ فإنه بدعائه -بصره.‏صلى االله عليه وآله وسلملهذا الأعمى أعاد االله عليهيتبين مما سبق أن حديث الأعمى إنما يدور حول التوسل بدعائه صلى االله -عليه وآله وسلم -، وأنه لا علاقة له بالتوسل بالذات،‏ وأن قول الأعمى في دعائه:‏‏«اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد صلى االله عليه وآله وسلم إنماالمراد به:‏ ‏«أتوسل إليك بدعاء نبيك»،‏ أي على حذف المضاف،‏ وهذا أمر معروففي اللغة كقوله تعالى:‏ ‏{واسأ َل ِ ال ْق َرية َ ال َّتي ك ُنا فيها وال ْعير ال َّتي أ َق ْبل ْنا فيها}‏ ‏[يوسف:‏أي:‏ أهل القرية وأصحاب العير».‏«--(١)[٨٢وصفة زيارة القبور ومقاصدها ليست كما ذكرها ابن الحاج وإنما يمكن إجمالهافيما يلي:‏- ١تذكر الآخرة والاعتبار والاتعاظ،‏ ورقة القلب،‏ كما هو الوارد فيالأحاديث النبوية.‏- ٢إحسان الزائر إلى الميت بالدعاء له(٢).- ٣إحسان الزائر إلى نفسه باتباع السنة،‏ والوقوف عند ما شرعه الرسولصل ّى االله عليه وسل ّم،‏ وهو استحباب الزيارة،‏ وعدم هجر السنة.(٣)٤- حصول الأجر والثواب المترتب على فعل السنة.‏(١)(٢)التوسل أنواعه وأحكامه ‏(ص‎٧٦‎- (٨٢ بتصرف.‏(٣)أما قبور الكفار فلا تزار إلا لتذكر الموت،‏ أما الدعاء لهم وشهود جنائزهم فلا،‏ انظر:‏ شفاء الصدورلمرعي الحنبلي ص‎١٠٣‎‏،‏ فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم ٢٣٧/٣.انظر:‏ غاية الأماني للألوسي - ٧/٢ ٨، المشاهدات المعصومية لمحمد المعصومي ص‎٩‎.١٠ -


وأب٢٤ مدخلابنالحاج-٤-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم قال ابن الحاج في الد الأول ص‎٢٥٤‎‏،‏ ٢٥٥:- صل َّى-‏[وك َذ َلك يتوسل ُ الزائر ب ِمن يراه ال ْميت ممن ترجى برك َته إل َى النب ِيالل َّه عل َيه وسل َّم بل ْ يبدأ ُ ب ِالتوسل ِ إل َى الل َّه تعال َى ب ِالنب ِي - صل َّى الل َّه عل َيه وسل َّم-، إذ ْ هو ال ْعمدة ُ في التوسل ِ،‏ وال ْأ َصل ُ في هذ َا ك ُل ِّه‏،‏ وال ْمشرع ل َه ف َيتوسل ُ ب ِهصل َّى الل َّه عل َيه وسل َّم وب ِمن تب ِعه ب ِإ ِحسان إل َى يوم ِ الدين ِ-[-الرد:‏ لا يصح ولا يجوز التوسل بالنبي صلى االله عليه وسلم بعد موته ، ولعل من أجازهذا استدل بما أخرجه البخاري في تاريخه،‏ والبيهقي في الدلائل والدعوات وصححه،‏وأبو نعيم في المعرفة عن عثمان بن حنيف،‏ أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى االله عليهوسلم فقال:‏ ادع االله لي أن يعافيني.‏ قال:‏ إن شئت أخرت ذلك وهو خير لك،‏ وإنشئت دعوت االله تعالى.‏ قال:‏ فادعه.‏ فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء،‏ ويصليركعتين،‏ ويدعو ذا الدعاء ‏"اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى االلهعليه وسلم نبي الرحمة،‏ يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه ليقضيها،‏ اللهمشفعه في"‏ ففعل الرجل فقام وقد أبصر".‏والجواب أن يقال:‏ هذا الحديث غير محفوظ،‏ وفيه مقال مشهور وفي سنده أبوجعفر عيسى بن أبي عيسى بن ماهان الرازي التميمي قال الحافظ بن حجر في(١)(١)جعفر المذكور في السند هو الرازي وليس الخطمي،‏ ولذلك حكموا على هذا السند بالضعف.‏ ولكنرجح شيخ الإسلام الإمام الناقد أبو العباس ابن تيمية أن أبا جعفر هو الخطمي لا الرازي وتبعه على ذلكالمحققون من العلماء ‏"مجموع الفتاوى‎٢٦٦/١‎‏".‏


٢٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج التقريب:‏ الأكثرون على ضعفه،‏ وقال أحمد والنسائي:‏ ليس بالقوي،‏ وقال أبو حاتم:‏صدوق،‏ وقال ابن المديني:‏ ثقة كان يخلط،‏ وقال مرة:‏ يكتب حديثه إلا أنه يخطئ،‏وقال القلانسي:‏ سيء الحفظ،‏ وقال ابن حبان:‏ ينفرد بالمناكير عن المشاهير،‏ وقال أبوزرعة يهم كثيرا،‏ وقال الحافظ في التقريب أيضا في ترجمة الرازي التميمي مولاهممشهور بكنيته واسمه عيسى بن أبي عيسى بن عبد االله ماهان،‏ وأصله من مرو،‏ وكانيتجر إلى الري صدوق سيء الحفظ خصوصا عن مغيرة من كبار السابعة مات فيحدود الستين انتهى،‏ وعلى تقدير صحته وثبوته فلا يدل على ما توهمه هذا الملحد،‏وببيان معنى الحديث يعلم أن ما توهمه هؤلاء الغلاة غير صحيح،‏ فقوله:‏ ‏"اللهم إنيأسألك"‏ أي أطلب منك،‏ وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى االله عليه وسلم صرح باسمهمع ورود النهي عن ذلك تواضعا منه لكون التعليم من قبله،‏ وفي ذلك قصر السؤالالذي هو أصل الدعاء على االله تعالى الملك المتعال،‏ ولكنه توسل بالنبي بدعائه؛ولذلك قال في آخره:‏ ‏"اللهم فشفعه في ّ"‏ إذ شفاعته لا تكون إلا بالدعاء لربه قطعا،‏ولو كان المراد التوسل بذاته فقط لم يكن لذلك التعقيب معنى،‏ إذ التوسل بقوله:‏‏"نبيك"‏ كاف في إفادة هذا المعنى.‏ فقوله:‏ ‏"يا محمد إني توجهت بك إلى ربي"‏ قالالطيبي:‏ ‏"الباء في بك للاستعانة"‏ وقوله:‏ ‏"إني توجهت بك"‏ بعد قوله:‏ ‏"أتوجه إليك"‏فيه معنى قوله:‏ ‏{من ذ َا ال َّذي يشف َع عنده إ ِل َّا ب ِإ ِذ ْن ِه‏}‏ ‏[البقرة‎٢٢٥‎‏]‏ فيكون خطابالحاضر معاين في قلبه مرتبط بما توجه به عند ربه من سؤال نبيه بدعائه الذي هو عينشفاعته،‏ ولذلك أتى بالصيغة الماضوية بعد الصيغة المضارعية المفيد كل ذلك أن هذاالداعي قد توسل بشفاعة نبيه في دعائه فكأنه استحضره وقت ندائه.‏وقال شيخ الإسلام في ‏"اقتضاء الصراط المستقيم":‏ ‏"والميت لا يطلب منه شيءلا دعاء ولا غيره،‏ وكذلك حديث الأعمى فإنه طلب من النبي صلى االله عليه وسلمأن يدعو له ليرد االله عليه بصره فعلمه النبي صلى االله عليه وسلم دعاء أمره فيه أنيسأل االله قبول شفاعة نبيه فيه،‏ فهذا يدل على أن النبي صلى االله عليه وسلم وعلى كل حال فإن الحديث صحيح ولا دلالة فيه على مذهب المشركين القبوريين بل هو حجة عليهم،‏ وقدتقدم الكلام على هذا الحديث في التعليق على رسالة الشيخ حمد بن ناصر آل معمر ‏"الرد على القبوريين".‏


٢٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج شفع فيه،‏ وأمره أن يسأل االله قبول قوله ‏"أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبيالرحمة"‏ أي بدعائه وبشفاعته كما قال عمر:‏ ‏"كنا نتوسل إليك بنبينا"‏ فلفظ التوسلوالتوجه في الحديثين بمعنى واحد ثم قال:‏ ‏"يا محمد يا رسول االله إني أتوجه بك إلىربي في حاجتي ليقضيها اللهم فشفعه في ّ"‏ فطلب من االله أن يشفع فيه نبيه.‏ وقوله:‏‏"يا محمد يا نبي االله"‏ وهذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادي في القلب،‏فيخاطب المشهود بالقلب كما يقول المصلي:‏ ‏"السلام عليك أيها النبي ورحمة االلهوبركاته"،‏ والإنسان يفعل مثل هذا كثيرا يخاطب من يتصوره في نفسه وإن لم يكنفي الخارج من يسمع الخطاب،‏ فلفظ التوسل بالشخص،‏ والتوجه به،‏ والسؤال به فيهإجمال واشتراك غلط بسببه من لم يفهم مقصود الصحابة،‏ يراد التسبب به لكونهداعيا وشافعا مثلا،‏ أو لكون الداعي محبا له مطيعا لأمره مقتديا به،‏ فيكون التسببإما بمحبة السائل له واتباعه له،‏ وإما بدعاء الوسيلة،‏ وإما بدعاء الوسيلة وشفاعته،‏ويراد به الإقسام به،‏ والتوسل بذاته فلا يكون التوسل لا منه ولا من السائل بل بذاتهأو بمجرد الإقسام به على االله،‏ فهذا الثاني هو الذي كرهوه ووا عنه،‏ وكذلكالسؤال بالشيء قد يراد به المعنى الأول وهو التسبب لكونه سببا في حصولالمطلوب،‏ وقد يراد به الإقسام إلى آخر ما قال انتهى.‏فإذا عرفت هذا فليس في حديث الأعمى ما يدل على التوسل به ودعائهوالإلتجاء إليه بعد وفاته،‏ وإنما فيه أنه توسل بدعائه كما كان الصحابة يتوسلونبذلك،‏ ويسألونه الاستغفار والدعاء وقد قال تعالى:‏ ‏{وصل ِّ عل َيه ِم إ ِن َّ صل َاتك سك َنل َهم‏}‏ ‏[التوبة:‏ ١٠٣] وقال تعالى حاكيا عن المنافقين ‏{وإ ِذ َا قيل َ ل َهم تعال َوا يستغفرل َك ُم رسول ُ الل َّه ل َووا رءُوسهم ورأ َيتهم يصدون َ وهم مستك ْب ِرون َ}‏ ‏[المنافقونهذا الصنف بالصد عن ذلك،‏ فهذا كان هديهم وفعلهم في حياته صلى االله عليهوسلم،‏ وأما بعد موته صلى االله عليه وسلم فلم يفعله أحد منهم،‏ ولا من أهل العلموالإيمان بعدهم.‏٥] فذم


٢٧ مدخلابنالحاج-٥-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم قال في الد الأول ص‎٢٥٥‎‏:‏-رضي الل َّه عنه - ‏(أ َن َّ عمر بن ال ْخط َّاب ِ -‏[وق َد روى ال ْبخار ِي عن أ َنس ٍ ك َان َ إذ َا ق ُحط ُوا استسق َى ب ِال ْعباس ِ ف َق َال َ:‏ الل َّهم إنا ك ُنا نتوسل ُرضي الل َّه عنه ف َتسقينا وإ ِنا نتوسل ُ إل َيك ب ِعم نب ِيكصل َّى الل َّه عل َيه وسل َّم إل َيك ب ِنب ِيك ف َاسقنا ف َيسق َون َ)‏---.[ الرد :وقد ف ُهم من الحديث أن توسل عمر رضي االله عنه إنما كان بجاه العباس رضياالله عنه ومكانته عند االله عز وجل،‏ وأن المراد بقوله:‏ ‏«كنا نتوسل إليك بنبينا ‏[أيبجاهه]‏ فتسقينا،‏ وإنا نتوسل إليك بعم نبينا»‏ ‏[أيبجاهه]‏ .وهذا ولا ريب ِ فهم خاطئ وتأويل بعيد لا يدل عليه سياق النص لا من قريبولا من بعيد؛ إذ لم يكن معروفا لدى الصحابة التوسل إلى االله بذات النبي صلى االلهعليه وسلم أو جاهه،‏ وإنما كانوا يتوسلون إلى االله بدعائه حال حياته كما تقدم بعضهذا المعنى،‏ وعمر رضي االله عنه لم يرد بقوله:‏ ‏«إنا نتوسل إليك بعم نبينا»‏ أي ذاته أوجاهه،‏ وإنما أراد دعاءه،‏ ولو كان التوسل بالذات أو الجاه معروفا عندهم لما عدلعمر عن التوسل بالنبي صلى االله عليه وسلم إلى التوسل بالعباس رضي االله عنه،‏ بلولقال له الصحابة إذ ذاك كيف نتوسل بمثل العباس ونعدل عن التوسل بالنبي صلىاالله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلائق،‏ فلما لم يقل ذلك أحد منهم،‏ وقد علم أمفي حياته إنما توسلوا بدعائه،‏ وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره علم أن المشروع عندهمالتوسل بدعاء المتوسل لا بذاته.‏


٢٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج "وذا يتبين أن الحديث ليس فيه متمسك لمن يقول بجواز التوسل بالذات أوالجاه.‏قال الألباني رحمه االله :--١وأما سبب عدول عمر رضي االله عنه عن التوسل بالرسول - صلى االله عليهوآله وسلم بزعمهم-وتوسله بدلا ً منه بالعباس رضي االله عنه،‏ فإنما كان لبيانجواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل ليس غير.‏وفهمهم هذا خاطئ،‏ وتفسيرهم هذا مردود من وجوه كثيرة أهمها:‏إن ّ من القواعد المهمة في الشريعة الإسلامية أن النصوص الشرعية يفسربعضها بعضا ً،‏ ولا يفهم شيء منها في موضوع ما بمعزل عن بقية النصوص الواردةفيه.‏ وبناء على ذلك فحديث توسل عمر السابق إنما يفهم على ضوء ما ثبت منالروايات والأحاديث الواردة في التوسل بعد جمعها وتحقيقها،‏ ونحن والمخالفونمتفقون على أن في كلام عمر:‏ ‏(كنا نتوسل إليك بنبينا .. وإنا نتوسل إليك بعمنبينا)‏ شيئا ً محذوفا ً،‏ لا بد له من تقدير،‏ وهذا التقدير إما أن يكون:‏ ‏(كنا نتوسل ب‏(جاه)‏ نبينا،‏ وإنا نتوسل إليك ب ‏(جاه)‏ عم نبينا)‏ على رأيهم هم،‏ أو يكون:‏ ‏(كنانتوسل إليك ب ‏(دعاء)‏ نبينا،‏ وإنا نتوسل إليك ب ‏(دعاء)‏ عم نبينا)‏ على رأينا نحن.‏ولا بد من الأخذ بواحد من هذين التقديرين ليفهم الكلام بوضوح وجلاء.‏ولنعرف أي التقديرين صواب لا بد من اللجوء إلى السنة،‏ لتبين لنا طريقةتوسل الصحابة الكرام بالنبي - صلى االله عليه وآله وسلم.-ترى هل كانوا إذا أجدبوا وقحطوا قبع كل منهم في دراه،‏ أو مكان آخر،‏ أواجتمعوا دون أن يكون معهم رسول االله صلى االله عليه وآله وسلم -، ثم دعوارم قائلين:‏ ‏(اللهم بنبيك محمد،‏ وحرمته عندك،‏ ومكانته لديك اسقنا الغيث).مثلا ًأم كانوا يأتون النبي - صلى االله عليه وآله وسلم ذاته فعلا ً،‏ ويطلبون منه أن يدعو--


٢٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج االله تعالى لهم،‏ فيحقق - صلى االله عليه وآله وسلم -ويتضرع إليه حتى يسقوا؟طل ْبتهم،‏ ويدعو ربه سبحانه،‏أما الأمر الأول فلا وجود له إطلاقا ً في السنة النبوية الشريفة،‏ وفي عملالصحابة رضوان االله تعالى عليهم،‏ ولا يستطيع أحد من الخلفيين أو الط ُّرقيين ان يأتيبدليل يثبت أن طريقة توسلهم كانت بأن يذكروا في أدعيتهم اسم النبي - صلى االلهعليه وآله وسلم -، ويطلبوا من االله بحقه وقدره عنده ما يريدون.‏ بل الذي نجدهبكثرة،‏ وتطفح به كتب السنة هو الأمر الثاني،‏ إذ تبين أن طريقة توسل الأصحابالكرام بالنبي - صلى االله عليه وآله وسلم إنما كانت إذا رغبوا في قضاء حاجة،‏ أوكشف نازلة أن يذهبوا إليه - صلى االله عليه وآله وسلم -، ويطلبوا منه مباشرة أنيدعو لهم ربه،‏ أي أم كانوا يتوسلون إلى االله تعالى بدعاء الرسول الكريم صلىاالله عليه وآله وسلم ليس غير.‏---ويرشد إلى ذلك قوله تبارك وتعالى:‏ ‏{ول َو أ َنهم إ ِذ ْ ظ َل َموا أ َنف ُسهم جاءُوكف َاستغف َروا الل َّه واستغف َر ل َهم الرسول ُ ل َوجدوا الل َّه توابا ً رحيما ً}‏ ‏(النساء:‏ ٦٤).ومن أمثلة ذلك ما مر معنا في حديث أنس السابق الذي ذكر فيه مجيء الأعرابيإلى المسجد يوم الجمعة حيث كان رسول االله - صلى االله عليه وآله وسلموعرضه له ضنك حالهم،‏ وجدب أرضهم،‏ وهلاك ماشيتهم،‏ وطلبه منه أن يدعو االلهسبحانه لينقذهم مما هم فيه،‏ فاستجاب له صلى االله عليه وآله وسلمالذي وصفه ربه بقوله:‏ ‏{ل َق َد جاءَك ُم رسول ٌ من أ َنف ُسِك ُم عز ِيز عل َيه ما عن ِتم حر ِيصصلى االله عليه وآلهعل َيك ُم ب ِال ْمؤمن ِين رؤوف رحيم‏}‏ ‏(التوبة:‏وسلم لهم ربه،‏ واستجاب سبحانه دعاء نبيه،‏ ورحم عباده ونشر رحمته،‏ وأحياءبلدهم الميت.‏- يخطب،‏-، وهو،( فدعا --١٢٨-


٣٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -ومن ذلك أيضا ً مجيء الأعرابي السابق نفسه أو غيره إلى النبي - صلى االله عليهوآله وسلم وهو يخطب الجمعة الثانية،‏ وشكواه له انقطاع الطرقات ودم البنيان،‏وهلاك المواشي،‏ وطلبه منه أن يدعو لهم ربه،‏ ليمسك عنهم الأمطار،‏ وفعلاالله عليه وآله وسلم فاستجاب له ربه جل شأنه أيضا ً.‏- صلى--ومن ذلك ما روته السيدة عائشة رضي االله عنها حيث قالت:‏ شكا الناس إلىرسول االله صلى االله عليه وآله وسلم قحوط المطر،‏ فأمر بمنبر فوضع له فيالمصلى،‏ ووعد الناس يوما ً يخرجون فيه.‏ قالت:‏ فخرج رسول االله صلى االله عليهوآله وسلم حين بدا حاجب الشمس،‏ فقعد على المنبر،‏ فكبر وحمد االله،‏ ثم قال:‏‏«إنكم شكوتم جدب دياركم،‏ واستئخار المطر إبان زمانه عنكم،‏ وقد أمركم االله أنتدعوه،‏ ووعدكم أن يستجيب لكم ... " الحديث،‏ وفيه انه - صلى االله عليه وآلهوسلم دعا االله سبحانه،‏ وصلى بالناس،‏ فأغاثهم االله تعالى حتى سالت السيول،‏وانطلقوا إلى بيوم مسرعين،‏ فضحك الرسول - صلى االله عليه وآله وسلم حتىبدت نواجذه،‏ وقال:‏ ‏«أشهد أن االله على كل شيء قدير،‏ وأني عبد االله ورسوله ".----(١)----٢-فهذه الأحاديث وأمثالها مما وقع زمن النبي - صلى االله عليه وآله وسلم وزمنأصحابه الكرام رضوان االله عليهم تبين بما لا يقبل الجدال أو الممارة أن التوسل بالنبيصلى االله عليه وآله وسلم أو بالصالحين الذي كان عليه السلف الصالح هومجيء المتوسل إلى المتوسل به،‏ وعرضه حاله له،‏ وطلبه منه أن يدعو له االله سبحانه،‏ليحقق طلبه،‏ فيستجيب هذا له،‏ ويستجيب من ثم االله سبحانه وتعالى.‏وهذا الذي بيناه من معنى الوسيلة هو المعهود في حياة الناس واستعمالهم،‏فإنه إذا كانت لإنسان حاجة ما عند مدير أو رئيس أو موظف مثلا ً،‏ فإنه يبحثعمن يعرفه ثم يذهب إليه ويكلمه،‏ ويعرض له حاجته فيفعل،‏ وينقل هذا الوسيطرغبته إلى الشخص المسؤول،‏ فيقضيها له غالبا ً.‏ فهذا هو التوسل المعروف عند العرب(١)رواه أبو داود "١١٧٣" وقال:‏ هذا حديث غريب إسناده جيد وهو كما قال وصححه جمع وبيانه فيصحيح أبي داود "١٠٦٤".


٣١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج منذ القديم،‏ وما يزال،‏ فإذا قال أحدهم:‏ إني توسلت إلى فلان،‏ فإنما يعني أنه ذهبإلى الثاني وكلمه في حاجته،‏ ليحدث ا الأول،‏ ويطلب منه قضاءها،‏ ولا يفهم أحدمن ذلك أنه ذهب إلى الأول وقال له:‏ بحق فلان ‏(الوسيط)‏ عندك،‏ ومترلته لديكاقض لي حاجتي.‏وهكذا فالتوسل إلى االله عز وجل بالرجل الصالح ليس معناه التوسل بذاتهوبجاهه وبحقه،‏ بل هو التوسل بدعائه وتضرعه واستغاثته به سبحانه وتعالى،‏ وهذا هوبالتالي معنى قول عمر رضي االله عنه:‏ ‏(اللهم إنا منا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا)‏ أي:‏كنا إذ قل المطر مثلا ً نذهب إلى النبي - صلى االله عليه وآله وسلم -، ونطلب منه أنيدعو لنا االله جل شأنه.‏- ٣ويؤكد هذا ويوضحه تمام قول عمر رضي االله عنه:‏ ‏(وإنا نتوسل إليك بعمنبينا فاسقنا)،‏ أي إننا بعد وفاة نبينا جئنا بالعباس عم النبي صلى االله عليه وآلهوسلم -، وطلبنا منه أن يدعو لنا ربنا سبحانه ليغيثنا.‏---ترى لماذا عدل عمر رضي االله عنه عن التوسل بالنبي صلى االله عليه وآلهوسلم إلى التوسل بالعباس رضي االله عنه،‏ مع العلم أن العباس مهما كان شأنهومقامه فإنه لا يذكر أمام شأن النبي - صلى االله عليه وآله وسلم ومقامه؟---أما الجواب برأينا فهو:‏ لأن التوسل بالنبي صلى االله عليه وآله وسلم غيرممكن بعد وفاته،‏ فأنى لهم أن يذهبوا إليه - صلى االله عليه وآله وسلم ويشرحوا لهحالهم،‏ ويطلبوا منه أن يدعو لهم،‏ ويؤمنوا على دعائه،‏ وهو قد انتقل إلى الرفيقالأعلى،‏ وأضحى في حال يختلف عن حال الدنيا وظروفها مما لا يعلمه إلا االلهسبحانه وتعالى،‏ فأنى لهم أن يحظوا بدعائه - صلى االله عليه وآله وسلم وشفاعتهفيهم،‏ وبينهم وبينه كما قال االله عز شأنه:‏ ‏{ومن ورائه ِم برزخ إ ِل َى يوم ِ يبعث ُون َ}‏‏(المؤمنون:‏- صلى---.( ١٠٠ولذلك لجأ عمر رضي االله عنه،‏ وهو العربي الأصيل الذي صحب النبياالله عليه وآله وسلم ولازمه في أكثر أحواله،‏ وعرفه حق المعرفة،‏ وفهم دينه حق


٣٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -الفهم،‏ ووافقه القرآن في مواضع عدة،‏ لجأ إلى توسل ممكن فاختار العباس رضي االلهمن ناحية،‏ ولصلاحه ودينهصلى االله عليه وآله وسلم عنه،‏ لقرابته من النبي وتقواه من ناحية أخرى،‏ وطلب منه أن يدعو لهم بالغيث والسقيا.‏ وما كان لعمرصلى االله عليه وآله وسلم -، ويلجأ إلىولا لغير عمر أن يدع التوسل بالنبي ممكنا ً،‏التوسل بالعباس أو غيره لو كان التوسل بالنبي - صلى االله عليه وآله وسلم وما كان من المعقول أن يقر الصحابة رضوان االله عليهم عمر على ذلك أبدا ً،‏ لأنإلى التوسل بغيره ما هوالانصراف عن التوسل بالنبي - صلى االله عليه وآله وسلم في الصلاة إلىصلى االله عليه وآله وسلم إلا كالانصراف عن الاقتداء بالنبي الاقتداء بغيره،‏ سواء بسواء،‏ ذلك أن الصحابة رضوان االله تعالى عليهم كانوا يعرفونومكانته وفضله معرفة لا يدانيهم فيهاصلى االله عليه وآله وسلم قدر نبيهم أحد،‏ كما نرى ذلك واضحا ً في الحديث الذي رواه سهل بن سعد الساعدي رضيذهب إلى بني عمرو بنصلى االله عليه وآله وسلم االله عنه:‏ ‏«أن رسول االله عوف ليصلح بينهم،‏ فحانت الصلاة،‏ فجاء المؤذن إلى أبي بكر،‏ فقال:‏ أتصليبالناس،‏ فأقيم؟ قال:‏ فصلى أبو بكر،‏ فجاء رسول االله - صلى االله عليه وآله وسلموالناس في الصلاة،‏ فتخلص حتى وقف في الصف،‏ فصفق الناس،‏ وكان أبو بكر لاصلى االلهيلتفت في الصلاة،‏ فلما أكثر الناس التصفيق التفت،‏ فرأى رسول االله أن أمكثعليه وآله وسلم -، فأشار إليه رسول االله - صلى االله عليه وآله وسلم مكانك،‏ فرفع أبو بكر يديه،‏ فحمد االله عز وجل على ما أمره به رسول االلهمن ذلك،‏ ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف،‏ وتقدماالله عليه وآله وسلم فصلى ثم انصرف،‏ فقال:‏ ‏«يا أبا بكر:‏ ما منعكالنبي - صلى االله عليه وآله وسلم أن تثبت إذ أمرتك؟ ‏«قال أبو بكر:‏ ما كان لان أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسولاالله - صلى االله عليه وآله وسلم-- صلى----------(١)-.----(١)رواه البخاري "٣٧٦مختصره"‏ ومسلم "١٤٥/٤- ١٤٩بشرح النووي".‏


٣٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -" فأنت-ترى أن الصحابة رضي االله عنهم لم يستسيغوا الاستمرار على الاقتداءبأبي بكر رضي االله عنه في صلاته عندما حضر الرسول - صلى االله عليه وآله وسلم-، كما أن أبا بكر رضي االله عنه لم تطاوعه نفسه على الثبات في مكانه مع أمر النبيصلى االله عليه وآله وسلم له بذلك،‏ لماذا؟ كل ذلك لتعظيمهم نبيهم صلىاالله عليه وآله وسلم -، وتأدم معه،‏ ومعرفتهم حقه وفضله،‏ فإذا كان الصحابةرضوان االله تعالى عليهم لم يرتضوا الاقتداء بغير النبي - صلى االله عليه وآله وسلمعندما أمكن ذلك،‏ مع أم كانوا بدأوا الصلاة في غيابه - صلى االله عليه وآله وسلمعنهم،‏ فكيف يتركون التوسل به - صلى االله عليه وآله وسلم أيضا ً بعد وفاته،‏لو كان ذلك ممكنا ً،‏ ويلجئون إلى التوسل بغيره؟ وكما لم يقبل أبو بكر أن يؤمالمسلمين فمن البديهي أن لا يقبل العباس أيضا ً أن يتوسل الناس به،‏ ويدعوا التوسلبالنبي - صلى االله عليه وآله وسلم لو كان ذلك ممكنا ً.‏-----ثم قال رحمه االله :ونعود بعد هذا التنبيه إلى ما كنا فيه من الرد على المخالفين في حديث توسلعمر بالعباس،‏ فنقول:‏ إن تعليلهم لعدول عمر رضي االله عنه عن التوسل بالنبيصلى االله عليه وسلم إلى التوسل بالعباس رضي االله عنه بأنه لبيان جواز التوسلبالمفضول مع وجود الفاضل هو تعليل مضحك وعجيب.‏ إذ كيف يمكن أن يخطرفي بال عمر رضي االله عنه أو في بال غيره من الصحابة الكرام رضي االلهعنهم تلك الحذلقة الفقهية المتأخرة،‏ وهو يرى الناس في حالة شديدة من الضنكوالكرب،‏ والشقاء والبؤس،‏ يكادون يموتون جوعا ً وعطشا ً لشح الماء وهلاك الماشية،‏وخلو الأرض من الزرع والخضرة حتى سمي ذاك العام بعام الرمادة،‏ كيف ير ِد فيخاطره تلك الفلسفة الفقهية في هذا الظرف العصيب،‏ فيدع الأخذ بالوسيلة الكبرىفي دعائه،‏ وهي التوسل بالنبي الأعظم صلى االله عليه وسلم،‏ لو كان ذلك جائزا ًويأخذ بالوسيلة الصغرى،‏ التي لا تقارن بالأولى،‏ وهي التوسل بالعباس،‏ لماذا؟ لالشيء إلا ليبين للناس أنه يجوز لهم التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل!!‏------


٣٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -----٤-٥إن الشاهد والمعلوم أن الإنسان إذا حل ّت به شدة يلجأ إلى أقوى وسيلة عنده فيدفعها،‏ ويدع الوسائل الأخرى لأوقات الرخاء،‏ وهذا كان يفهمه الجاهليونالمشركون أنفسهم،‏ إذا كانوا يدعون أصنامهم في أوقات اليسر،‏ ويتركوا ويدعوناالله تعالى وحده في أوقات العسر،‏ كما قال تبارك وتعالى:‏ ‏{ف َإ ِذ َا ركبوا في ال ْف ُل ْكدعوا الل َّه مخلصين ل َه الدين ف َل َما نجاهم إ ِل َى ال ْبر إ ِذ َا هم يشر ِك ُون َ}.‏فنعلم منهذا أن الإنسان بفطرته يستنجد بالقوة العظمى،‏ والوسيلة الكبرى حينالشدائد والفواقر،‏ وقد يلجأ إلى الوسائل الصغرى حين الأمن واليسر،‏ وقد يخطر فيباله حينذاك أن يبين ذلك الحكم الفقهي الذي افترضوه،‏ وهو جواز التوسلبالمفضول مع وجود الفاضل.‏ وأمر آخر نقوله جوابا ً على شبهة أولئك،‏ وهو:‏ هبأن عمر رضي االله عنه خطر في باله أن يبين ذلك الحكم الفقهي المزعوم،‏ ترىفهل خطر ذلك في بال معاوية والضحاك بن قيس حين توسلا بالتابعي الجليل:‏ يزيدبن الأسود الج ُرشي أيضا ً؟ لا شك أن هذا ضرب من التمحل والتكلف لا يحسدونعليه.‏إننا نلاحظ في حديث استسقاء عمر بالعباس رضي االله عنهما أمرا ً جديرا ًبالانتباه،‏ وهو قوله:‏ ‏"إن عمر بن الخطاب كان إذا ق َحطوا،‏ استسقى بالعباس بن عبدالمطلب،‏ ففي هذا إشارة إلى تكرار استسقاء عمر بدعاء العباس رضي االله عنهما،‏ففيه حجة بالغة على الذين يتأولون فعل عمر ذلك أنه إنما ترك التوسل به صلى االلهعليه وسلم إلى التوسل بعمه رضي االله عنه،‏ لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجودالفاضل،‏ فإننا نقول:‏ لو كان الأمر كذلك لفعل عمر ذلك مرة واحدة،‏ ولما استمرعليه كلما استسقى،‏ وهذا بين لا يخفى إن شاء االله تعالى على أهل العلم والإنصاف.‏لقد فسرت بعض روايات الحديث الصحيحة كلام عمر المذكور وقصده،‏إذ نقلت دعاء العباس رضي االله عنه استجابة لطلب عمر رضي االله عنه،‏ فمنذلك ما نقله الحافظ العسقلاني رحمه االله في الفتح "١٥٠/٣" حيث قال:‏ قد بينالزبير بن بكار في ‏"الأنساب"‏ صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة،‏ والوقت الذيوقع فيه ذلك،‏ فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال:‏ ‏"اللهم إنه لم


٣٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج يترل بلاء إلا بذنب،‏ ولم يكشف إلا بتوبة،‏ وقد توجه القوم بي إليك لمكاني مننبيك،‏ وهذا أيدينا إليك بالذنوب،‏ ونواصينا إليك بالتوبة،‏ فاسقنا الغيث،‏ قال:‏فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض،‏ وعاش الناس.‏وفي هذا الحديث:‏----أولا ً:‏ التوسل بدعاء العباس رضي االله عنه لا بذاته كما بينه الزبير بن بكاروغيره،‏ وفي هذا رد واضح على الذين يزعمون أن توسل عمر كان بذات العباس لابدعائه،‏ إذ لو كان الأمر كذلك لما كان ثمة حاجة ليقوم العباس،‏ فيدعو بعد عمردعاءً‏ جديدا ً.‏ثانيا ً:‏ أن عمر صرح بأم كانوا يتوسلون بنبينا صلى االله عليه وسلم في حياته،‏وأنه في هذه الحادثة توسل بعمه العباس،‏ ومما لا شك فيه أن التوسلين من نوعواحد:‏ توسلهم بالرسول صلى االله عليه وسلم وتوسلهم بالعباس،‏ وإذ تبين للقارىءمما يأتي أن توسلهم به صلى االله عليه وسلم إنما كان توسلا ً بدعائه صلى االلهعليه وسلم فتكون النتيجة أن توسلهم بالعباس إنما هو توسل بدعائه أيضا ً،‏ بضرورةأن التوسلين من نوع واحد.‏أما أن توسلهم به صلى االله عليه وسلم إنما كان توسلا ً بدعائه،‏ فالدليل علىذلك صريح رواية الإسماعيلي في مستخرجه على الصحيح لهذا الحديث بلفظ:‏ كانواإذ قحطوا على عهد النبي صلى االله عليه وسلم استسقوا به،‏ فيستسقي لهم،‏ فيسقون،‏فلما كان في إمارة عمر ... فذكر الحديث،‏ نقلته من ‏"الفتحفيستسقي لهم صريح في أنه صلى االله عليه وسلم كان يطلب لهم السقيا من االله تعالىففي النهاية لابن الأثير:‏ الاستسقاء،‏ استفعال من طلب السقيا أي إنزال الغيث علىالبلاد والعباد،‏ يقال:‏ سقى االله عباده الغيث وأسقاهم،‏ والاسم السقيا بالضم،‏واستقيت فلانا ً إذا طلبت منه أن يسقيك.‏٣٩٩/٢"، فقوله:‏


٣٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج إذا تبين هذا،‏ فقوله في هذه الرواية:‏ ‏"استسقوا به"‏ أي بدعائه،‏ وكذلك قوله فيالرواية الأولى:‏ ‏"كنا نتوسل إليك بنبينا"‏ أي بدعائه،‏ لا يمكن أن يفهم من مجموعرواية الحديث إلا هذا.‏ ويؤيده.‏ثالثا ً:‏ لو كان توسل عمر إنما هو بذات العباس أو جاهه عند االله تعالى،‏ لما تركالتوسل به صلى االله عليه وسلم ذا المعنى،‏ لأن هذا ممكن لو كان مشروعا ً،‏ فعدولعمر عن هذه إلى التوسل بدعاء العباس رضي االله عنه أكبر دليل على أن عمروالصحابة الذين كانوا معه كانوا لا يرون التوسل بذاته صلى االله عليه وسلم،‏ وعلىهذا جرى عمل السلف من بعدهم،‏ كما رأيت في توسل معاوية بن أبي سفيانوالضحاك ابن قيس بيزيد بن الأسود الجرشي،‏ وفيهما بيان دعائه بصراحة وجلاء.‏--فهل يجوز أن يجمع هؤلاء كلهم على ترك التوسل بذاته صلى االله عليه وسلم لوكان جائزا ً،‏ سيما والمخالفون يزعمون أنه أفضل من التوسل بدعاء العباس وغيره؟!‏اللهم إن ذلك غير جائز ولا معقول،‏ بل إن هذا الإجماع منهم من أكبر الأدلة علىأن التوسل المذكور غير مشروع عندهم،‏ فإم أسمى من أن يستبدلوا الذي هو أدنىبالذي هو خير!‏اعتراض ورده:‏وأما جواب صاحب ‏"مصباح الزجاجة في فوائد قضاء الحاجة"‏ عن ترك عمرالتوسل بذاته صلى االله عليه وسلم بقوله ‏"ص‎٢٥‎‏":‏ ‏"إن عمر لم يبلغه حديث توسلالضرير،‏ ولو بلغه لتوسل به".‏فهو جواب باطل من وجوه:‏الأول:‏ أن حديث الضرير إنما يدل على ما دل عليه توسل عمر هذا من التوسلبالدعاء لا بالذات،‏ كما سبق ويأتي بيانه.‏


٣٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج --الثاني:‏ أن توسل عمر لم يكن سرا ً،‏ بل كان جهرا ً على رؤوس الأشهاد،‏ وفيهمكبار الصحابة من المهاجرين والأنصار وغيرهم،‏ فإذا جاز أن يخفى الحديث علىعمر،‏ فهل يجوز أن يخفى على جميع الموجودين مع عمر من الصحابة؟!‏الثالث:‏ أن عمر كما سبق كان يكرر هذا التوسل كلما نزل بأهل المدينةخطر،‏ أو كلما دعي للاستسقاء كما يدل على ذلك لفظ ‏"كان"‏ في حديث أنسالسابق أن عمر كان إذا قحطوا استسقى بالعباس وكذلك روى ابن عباس عن عمركما ذكره ابن عبد البر في ‏"الاستيعاب"‏ "٩٨/٣"، فإذا جاز أن يخفى ذلك عليه أولمرة،‏ أفيجوز أن يستمر على الجهل به كلما استسقى بالعباس،‏ وعنده المهاجرونوالأنصار،‏ وهم سكوت لا يقدمون إليه ما عندهم من العلم بحديث الضرير؟!‏ اللهمإن هذا الجواب ليتضمن رمي الصحابة جميعهم بالجهل بحديث الضرير مطلقا ً،‏ أوعلى الأقل بدلالته على جواز التوسل بالذات،‏ والأول باطل لا يخفى بطلانه،‏ والثانيحق فإن الصحابة لو كانوا يعلمون أن حديث الضرير يدل على التوسل المزعوم لماعدلوا عن التوسل بذاته صلى االله عليه وسلم إلى التوسل بدعاء العباس كما سبق.‏رابعا ً:‏ أن عمر ليس هو وحده الذي عدل عن التوسل بذاته صلى االله عليهوسلم إلى التوسل بالدعاء،‏ بل تابعه على ذلك معاوية بن أبي سفيان فإنه أيضا ً عدلإلى التوسل بدعاء يزيد بن الأسود،‏ ولم يتوسل به صلى االله عليه وسلم وعنده جماعةمن الصحابة وأجلاء التابعين،‏ فهل يقال أيضا ً إن معاوية ومن معه لم يكونوا يعلمونبحديث الضرير؟ وقل نحو ذلك في توسل الضحاك بن قيس بيزيد هذا أيضا ً.‏ثم أجاب صاحب المصباح بجواب آخر،‏ وتبعه من لم يوفق من المتعصبينالمخالفين فقال:‏ إن عمر أراد بالتوسل بالعباس الإقتداء بالنبي صلى االله عليه وسلم فيإكرام العباس وإجلاله،‏ وقد جاء هذا صريحا ً عن عمر،‏ فروى الزبير بن بكار في‏"الأنساب"‏ من طريق داود بن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال:‏ ‏"استسقىعمر ابن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب،‏ فخطب عمر فقال:‏ إن رسولصلى االله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد،‏ فاقتدوا أيها الناس


٣٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج برسول االله صلى االله عليه وسلم،‏ واتخذوه وسيلة إلى االله ... "، ورواه البلاذري منطريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه به.‏والجواب من وجوه أيضا ً:‏--الأول:‏ عدم التسليم بصحة هذه الرواية،‏ فإا من طريق داود ابن عاطاء وهوالمدني،‏ وهو ضعيف كما في ‏"التقريب"،‏ ومن طريق الزبير بن بكار عنه رواه الحاكم"٣٣٤/٣" وسكت عنه،‏ وتعقبه الذهبي بقوله:‏ ‏"داود متروك"‏ قلت:‏ والرواي عنهساعدة بن عبيد االله المزني لم أجد من ترجمه،‏ ثم إن في السند اضطرابا ً،‏ فقد رواهكما رأيت هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فقال:‏ ‏"عن أبيه"‏ بدل ابن عمر،‏ لكنهشاما ً أوثق من داود،‏ إلا أننا لم نقف على سياقه،‏ لننظر هل فيه مخالفة لسياق داودهذا أم لا؟ ولا تغتر بقولهم في ‏"المصباح"‏ عقب هذا الإسناد:‏ ‏"به"‏ المفيد أن السياقواحد،‏ فإن عمدته فيما نقله عن البلاذري إنما هو ‏"فتح الباري"‏ وهو لم يقل:‏ ‏"به".‏انظر ‏"الفتح"‏ "٣٩٩/٢".الثاني:‏ لو صحت هذه الرواية،‏ فهي إنما تدل على السبب الذي من أجله توسلعمر بالعباس دون غيره من الصحابة الحاضرين حينذاك،‏ وأما أن تدل على جوازالرغبة عن التوسل بذاته صلى االله عليه وسلم لو كان جائزا ً عندهم إلى التوسلبالعباس أي بذاته فكلا،‏ ثم كلا،‏ لأننا نعلم بالبداهة والضرورة - كما قال بعضهمأنه لو أصاب جماعة من الناس قحط شديد،‏ وأرادوا أن يتوسلوا بأحدهم لما أمكن أنيعدلوا عمن دعاؤه أقرب إلى الإجابة،‏ وإلى رحمة االله سبحانه وتعالى،‏ ولو أن إنسانا ًأصيب بمكروه فادح،‏ وكان أمامه نبي،‏ وآخر غير نبي،‏ وأراد أن يطلب الدعاء منأحدهما لما طلبه إلا من النبي،‏ ولو طلبه من غير النبي،‏ وترك النبي لعد من الآثمينالجاهلين،‏ فكيف يظن بعمر ومن معه من الصحابة أن يعدلوا عن التوسل به صلى االلهعليه وسلم إلى التوسل بغيره،‏ لو كان التوسل بذاته صلى االله عليه وسلم جائزا ً،‏فكيف وهو أفضل عند المخالفين من التوسل بدعاء العباس وغيره من الصالحين؟!‏ لاسيما وقد تكرر ذلك منهم مرارا ً كما سبق،‏ وهم لا يتوسلون به صلى االله عليهوسلم ولا مرة واحدة،‏ واستمر الأمر كذلك،‏ فلم ينقل عن أحد منهم خلاف ما---


٣٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج --صنع عمر،‏ بل صح عن معاوية ومن معه ما يوافق صنيعه حيث توسلوا بدعاء يزيدبن الأسود،‏ وهو تابعي جليل،‏ فهل يصح أن يقال:‏ إن التوسل به كان اقتداء بالنبيصلى االله عليه وسلم؟!‏الحق أقول:‏ إن جريان عمل الصحابة على ترك التوسل بذاته صلى االله عليهوسلم عند نزول الشدائد م بعد أن كانوا لا يتوسلون بغيره صلى االله عليه وسلمفي حياته لهو أكبر الأدلة الواضحة على أن التوسل بذاته صلى االله عليه وسلم غيرمشروع،‏ وإلا لنقل ذلك عنهم من طرق كثيرة في حوادث متعددة،‏ ألا ترى إلىهؤلاء المخالفين كيف ليهجون بالتوسل بذاته صلى االله عليه وسلم لأدنى مناسبةلظنهم أنه مشروع،‏ فلو كان الأمر كذلك لنقل مثله عن الصحابة،‏ مع العلم أمأشد تعظيما ً ومحبة له صلى االله عليه وسلم من هؤلاء،‏ فكيف ولم ينقل عنهم ذلك(١)ولا مرة واحدة،‏ بل صح عنهم الرغبة عنه إلى التوسل بدعاء الصالحين؟!‏(١)التوسل ص‎٦٨-٥٢‎ بتصرف واختصار


٤٠ مدخلابنالحاج-٦-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم قال بعد ذلك:‏(١)(٣)(٢)"‏[ث ُم يتوسل ُ ب ِأ َهل ِ تل ْك ال ْمق َاب ِر ِ أ َعن ِي ب ِالصالحين منهم في ق َضاءِ‏ حوائج ِهومغفرة ذ ُنوب ِه [ .الرد:‏ اعلم رحمك االله أن العبادات مبناها على الأمر والاتباع،‏ لا على الهوىوالابتداع،‏ والتوسل الذي جاءت به السنة والأحاديث الصحيحة هو التوسل والتوجهإلى االله بأسمائه وصفاته،‏ وبالأعمال الصالحة كالأدعية الواردة في السنة نحو:‏ ‏"اللهمإني أسألك بأن لك الحمد،‏ لا إله إلا أنت المنان،‏ بديع السموات والأرض،‏ يا ذاالجلال والإكرام،‏ يا حي يا قيوم"‏ وفي الحديث الآخر:‏ ‏"اللهم إني أسألك بأنيأشهد أن لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحدوكقوله في الحديث الآخر:‏ ‏"اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت بهنفسك،‏ أو أنزلته في كتابك،‏ أو علمته أحدا من خلقك،‏ أو استأثرت به في علمالغيب عندك"‏ وكما حكاه االله سبحانه عن عباده المؤمنين أم توسلوا إليه بصالحأعمالهم،‏ فقال تعالى حاكيا عنهم:‏ ‏{ربنا إ ِنناسمعنا مناديا ً ينادي لل ْإ ِيمان أ َن ْ آمنواب ِربك ُم ف َآمنا ربنا ف َاغ ْفر ل َنا ذ ُنوبنا}‏ ‏[آل عمران-‏‎١٩٣‎‏]‏ الآية،‏ وكذلك ما تقدم منقصة الثلاثة الذين آووا إلى الغار فانطبقت عليهم الصخرة،‏ فتوسلوا إلى االله بصالحأعمالهم،‏ وكالتوسل بدعاء الأنبياء والصالحين وشفاعتهم في حيام،‏ كما كانالصحابة يتوسلون بالنبي صلى االله عليه وسلم في الاستسقاء،‏ وكذا توسلهم بالعباس،‏(١)(٢)(٣)أخرجه أحمد ١٥٨/٣أخرجه أحمد ٣٤٩/٥أخرجه أحمد ٣٩١/١(١٢٦٣٨) و"أبو داود"‏ ١٤٩٥ و"النسائي"‏ ٥٢/٣(٢٣٣٤٠) و"مسلم"‏ (١٨٠١) ١٩٢/٢(٣٧١٢) و‎١‎‏/‏ (٤٣١٨) ٤٥٢


٤١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وبيزيد بن الأسود،‏ وتوسل الأعمى بدعاء النبي صلى االله عليه وسلم وشفاعته،‏ فهذامن الأمور المشروعة ولا نزاع فيه.‏وأما التوسل بالذوات فما الدليل على جوازه؟ ومن قال هذا من الصحابةوالتابعين؟ وإذا وقع التراع في مسألة وجب رد ذلك إلى االله والرسول كما قال تعالى:‏‏{ف َإ ِن ْ تنازعتم في شيءٍ‏ ف َردوه إ ِل َى الل َّه والرسول ِ إ ِن ْ ك ُنتم تؤمنون َ ب ِالل َّه وال ْيوم ِ ال ْآخر ِ}‏‏[النساء-‏‎٥٩‎‏]‏ وقال تعالى:‏ ‏{وما اختل َف ْتم فيه من شيءٍ‏ ف َحك ْمه إ ِل َى الل َّه‏}‏ ‏[الشورى-‏١٠] ومعلوم أن هذا لم يكن منقولا عن النبي صلى االله عليه وسلم ولا أحد منالسلف،‏ ولا ريب الأنبياء والصالحين لهم الجاه عند االله لكن الذي لهم عند االله منالجاه والمنازل والدرجات أمر يعود نفعه إليهم.‏ونحن ننتفع من ذلك باتباعنا لهم،‏ ومحبتنا،‏ فإذا توسلنا إلى االله بإيماننا بنبيه صلىاالله عليه وسلم ومحبته وطاعته واتباع سنته كان هذا من أعظم الوسائل.‏وأما التوسل بنفس ذاته مع عدم التوسل بالإيمان به وطاعته فلا يكون وسيلة،‏فالمتوسل بالمخلوق إذا لم يتوسل بدعائه أو بمحبته واتباعه فبأي شيء يتوسل؟؟والإنسان إذا توسل إلى غيره بوسيلة فإما أن يطلب من الوسيلة الشفاعة له عند ذلك،‏مثل أن يقول لأبي الرجل أو صديقه أو من يكرم عليه:‏ اشفع لنا عند فلان.‏ فهذاجائز،‏ وإما أن يقسم عليه،‏ ولا يجوز الإقسام بمخلوق،‏ كما أنه لا يجوز أن يقسمعلى االله بالمخلوقين.‏ويزيد المقام وضوحا ما قاله شيخ الإسلام رحمه االله تعالى بعد كلام سبق،‏ قال:‏لفظ التوسل والتوجه يراد به أن يتوسل إلى االله ويتوجه إليه بدعائهم وشفاعتهم،‏فهذا هو الذي جاء في ألفاظ الصحابة من السلف رضوان االله عليهم،‏ كما فيصحيح البخاري أن عمر بن الخطاب رضي االله عنه استسقى بالعباس وقال:‏ ‏"اللهمإنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا،‏ وإنا نتوسل إليك بعم نبينا"فهذا إخبارمن عمر رضي االله عنه بما كانوا يفعلونه،‏ وتوسل منهم بالعباس كما كانوا يتوسلونبالنبي صلى االله عليه وسلم.‏


٤٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج قال:‏ وهذا هو الذي ذكره الفقهاء في كتاب الاستسقاء،‏ قالوا:‏ ويستحب أنيستسقى بالصالحين،‏ وإن كانوا من أقارب رسول االله صلى االله عليه وسلم فهو(١)أفضل.‏ انتهى.‏(١)مجموع الفتاوى ٢٢٥/١


٤٣ مدخلابنالحاج-٧-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم قال بعد ذلك:‏‏[ويجأ َر إل َى الل َّه تعال َى ب ِالدعاءِ‏ عندهم ويك ْثر التوسل َ ب ِه ِم إل َى الل َّه تعال َى؛لأ َنه سبحانه وتعال َى اجتباهم وشرف َهم وك َرمهم ف َك َما نف َع ب ِه ِم في الدنيا ف َفيال ْآخرة أ َك ْث َر‏،‏ ف َمن أ َراد حاجة ً ف َل ْيذ ْهب إل َيه ِم ويتوسل ُ ب ِه ِم‏،‏ ف َإ ِنهم ال ْواسط َة ُ بينالل َّه تعال َى وخل ْقه‏].‏ الرد:‏.الدعاء عند القبر ينقسم إلى قسمين:‏(١)أحدهما:‏ أن يحصل الدعاء في البقعة بحكم الاتفاق،‏ لا لقصد الدعاء فيها،‏ كمنيدعو االله في طريقه،‏ ويتفق أن يمر بالقبور،‏ أو من يزور القبور ويدعو بالدعاء الواردعن الرسول صل ّى االله عليه وسل ّم،‏ فهذا لا بأس به.‏الثاني:‏ أن يتحرى الدعاء عند هذه القبور،‏ بحيث يستشعر أن الدعاء هناكأجوب منه في غيره،‏ فهذا منهي عنه:‏ إما ي تحريم،‏ وإما ي تتريه،‏ وهو إلى التحريمأقربإن قصد القبور للدعاء عندها،‏ ورجاء الإجابة بالدعاء هناك،‏ رجاءً‏ أكثر منرجائها بالدعاء في غير ذلك الموطن:‏ أمر لم يشرعه االله ولا رسوله ولا فعله أحد منالصحابة ولا التابعين،‏ ولا أئمة المسلمين،‏ ولا ذكره أحد من العلماء،‏ بل أكثر ماينقل من ذلك عن بعض المتأخرين بعد المائة الثانية.‏(١)انظر:‏ اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ٦٨٢/٢.٦٨٣ -


٤٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج --قوله صل َّى الل َّه عل َيه وسل َّم -: ‏(ك ُنت نهيتك ُم عن زيارة القبور ألافزوروها فإا تر ِق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة،‏ ولا تقولوا هجرا ً)‏ أي:‏محظورا ً شرعا ً.‏(١)-‏-ك َان َ رسول ُ الل َّه - صل َّى الل َّه عل َيه وسل َّم يعل ِّمهم إ ِذ َا خرجوا إ ِل َى ال ْمق َاب ِر ِ أ َن ْيق ُول َ ق َائل ُهم‏:‏ ‏(السل َام عل َيك ُم أ َهل َ الديار ِ من ال ْمؤمن ِين وال ْمسلمين وإ ِنا إ ِن ْ شاءَ‏ الل َّهب ِك ُم ل َاحق ُون َ،‏ نسأ َل ُ الل َّه ل َنا ول َك ُم ال ْعافية َ)‏(٢).-وقال عليه الصلاة والسلام:‏ ‏(لا يشد الرحال إلا ّ إلى ثلاث مساج ِد‏:‏ ال ْمسج ِدال ْحرام‏،‏ ومسج ِدي هذ َا،‏ وال ْمسج ِد ال ْأ َق ْصى)‏ والحديث في الصحيحين.‏وثبت عنه -- صلى االله عليه وسلم-أنه لعن زوارات القبور.(٣)رد‏)‏-(٤)‎٢‎‏-زيارة بدعية:‏ وهي ما صاحبها الاعتكاف عند القبر أو شد الرحال أوالصلاة أو التوسل بأهلها.‏قال صل َّى الل َّه عل َيه وسل َّم -: ‏(من أ َحدث َ في أ َمر ِنا هذ َا ما ل َيس منه ف َهو، وقال:‏ ‏(إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة)‏.(٥)-وأما حديث الأعمى الذي فيه أ َن َّ رجل ًا ضر ِير ال ْبصر ِ أ َتى النب ِي - صل َّى الل َّه عل َيهوسل َّم ف َق َال َ:‏ ادع الل َّه أ َن ْ يعافين ِي.‏ ق َال َ:‏ ‏(إ ِن ْ شئ ْت دعوت وإ ِن ْ شئ ْت صبرت ف َهوخير ل َك‏)‏ ق َال َ:‏ ف َادعه‏.‏ ق َال َ:‏ ف َأ َمره أ َن ْ يتوضأ َ ف َيحسِن وضوءَه ويدعو ب ِهذ َا الدعاءِ:‏‏(الل َّهم إ ِني أ َسأ َل ُك وأ َتوجه إ ِل َيك ب ِنب ِيك محمد صل َّى الل َّه عل َيه وسل َّم نب ِي--(١)(٢)(٣)(٤)أخرجه أحمد ٢٣٧/٣أخرجه أحمد ٣٥٣/٥(١٣٥٢١)(٢٣٣٧٣) و"مسلم"‏ ٦٤/٣حديث حسن.‏ صحيح سنن الترمذي،‏ رقم ٨٤٣.أخرجه أحمد ٧٣/٦و"البخار ِي"‏ ٢٤١/٣ و"مسلم"‏ ١٣٢/٥(٥)أخرجه ابن ماجة (٤٢) انظر صحيح سنن ابن ماجه ٤٢، صحيح سنن الترمذي ٢١٥٧


٤٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (١)الرحمة‏،‏ إني توجهت بك على ربي في حاجتي هذه لتق ْضى لي،‏ الل َّهم فشفعه في ّ)‏ ،وفي رواية:‏ ‏(وشفعني فيه)‏ فهذا الحديث ضعفه كثير من العلماء،‏ وإن جزمنابصحته فليس فيه أن توسل بغائب أو ميت وإنما توسل بدعاء النبي صلى االلهعليه وسلم وهو حاضر حيث طلب منه الدعاء وأجابه رسول االله - صلى االله عليهوسلم إلى ذلك،‏ وتوسل هو بدعاء النبي صلى االله عليه وسلم ودعا هوبنفسه،‏ فاجتمع الدعاء من الجهتين،‏ وهذا مشروع كان يفعله الصحابة مع الرسولصلى االله عليه وسلم وفعلوه من بعده حين توسلوا بدعاء العباس رضي االله عنه فيالاستسقاء،‏ ولو كان معلوما ً لديهم جواز التوسل بالأشخاص أنفسهم لما عدلوا عنالتوسل به صلى االله عليه وسلم إلى العباس رضي االله عنه،‏ وإنما توسلهم كانبالدعاء كما في قولهم:‏ ‏(اللهم إنا كنا نتوسل ُ إ ِل َيك ب ِنب ِينا ف َتسقينا وإ ِنا نتوسل ُ إ ِل َيكبعم نبينا فاسقنا)‏ ، كما هو مذكور في صحيح البخاري.‏---------‎٣‎‏-زيارة شركية:‏ وهي دعاء المقبور نفسه والعياذ باالله وسؤاله ما لا يقدر عليه.‏قال تعال َى:‏ ‏{ومن يدع مع الل َّه إ ِل َها آخر ل َا برهان َ ل َه ب ِه ف َإ ِنما حسابه عند ربه إنه لايفلح الكافرون}‏ المؤمنون:‏ ، وق َال َ تعال َى:‏ ‏{ول َا تدع من دون الل َّه ما ل َا ينف َعكول َا يضرك ف َإ ِن ْ ف َعل ْت ف َإ ِنك إ ِذ ًا من الظ َّالمين * وإ ِن ْ يمسسك الل َّه ب ِضر ف َل َا ك َاشف ل َهإ ِل َّا هو وإ ِن ْ يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفورالرحيم}‏ يونس:‏ ١٠٧.١١٧إن قصد القبور للدعاء عندها،‏ ورجاء الإجابة بالدعاء هناك،‏ رجاءً‏ أكثر منرجائها بالدعاء في غير ذلك الموطن:‏ أمر لم يشرعه االله ولا رسوله ولا فعله أحد منالصحابة ولا التابعين،‏ ولا أئمة المسلمين،‏ ولا ذكره أحد من العلماء،‏ بل أكثر ماينقل من ذلك عن بعض المتأخرين بعد المائة الثانية.‏(١)انظر تصحيح الألباني له ورده على من توهم منه جواز التوسل بذوات الأشخاص في ‏(التوسل،‏ أنواعهوأحكامه ص‎٨٣-٧٥‎‏)‏ .


٤٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -وقصد القبور بالدعاء لا يخلو:‏ إما أن يكون الدعاء عندها أفضل منه في غيرتلك البقعة أو لا يكون.‏فإن كان أفضل لم يجز أن يخفى علم هذا عن الصحابة والتابعين وتابعيهم،‏فتكون القرون الثلاثة الأولى الفاضلة جاهلة ذا الفضل العظيم،‏ ويعلمه من بعدهم،‏ولم يجز أن يعلموا ما فيه من الفضل العظيم ثم يزهدوا فيه،‏ مع حرصهم على كلخير،‏ لاسيما الدعاء.‏وإن لم يكن الدعاء عندها أفضل:‏ كان قصد الدعاء عندها ضلالة ومعصيةوكان القول باستحبابه أو وجوبه تشريعا ً من الدين ما لم يأذن به االله،‏ وقد قالتعالى:‏ ‏{أ َم ل َهم شرك َاء شرعوا ل َهم من الدين ِ ما ل َم يأ ْذ َن ب ِه الل َّه‏}‏ ‏[الشورى:‏ ٢١] .-وهذه العبادة عند المقابر أي الدعاء عندها نوع من أن يشرك باالله ما لميترل به سلطانا ً،‏ ومن جعل هذا من دين االله فقد قال على االله ما لا يعلم،‏ قال تعالى:‏‏{ق ُل ْ إ ِنما حرم ربي ال ْف َواحش ما ظ َهر منها وما بط َن والإِث ْم وال ْبغي ب ِغير ِ ال ْحق وأ َنتشر ِك ُوا ْ ب ِااللهِ‏ ما ل َم ينزل ْ ب ِه سل ْط َانا ً وأ َن تق ُول ُوا ْ عل َى االلهِ‏ ما لا َ تعل َمون َ}‏ ‏[الأعراف:‏. [٣٣أما اجتباء االله لهم وتشريفه لهم وتكريمه فحق لكنه لا يوجب رفعهم فوقمنازلهم التي هي سبب اجتباء االله لهم وتشريفهم وتكريمهم وذلك إخلاصهم توحيدهسبحانه وتعالى فهم إنما نالوا الاجتباء والتشريف والتكريم بذلك فما لنا نعدل عنطريقتهم ومنهاجهم إلى طريقة هم أعظم خلق االله إنكارا ً لها وبعدا ً عنه وذما ً لهاوتحذيرا ً عنها وبغضا ً وبراءة ممن يفعلها.‏


٤٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج فهذا الذي مال قلبه إليهم بعبودية التوسل والتبرك هم أنفسهم يعادونه علىذلك ويتبرأون منه لأجله لأنه طلب منهم ما لا يقدرون عليه فهو يتوسل بوسيلة هي(١)أعظم الموانع لحصول مطلوبه نعوذ باالله من الخذلان.‏(١)السراج ص‎١٩‎


٤٩ مدخلابنالحاج-٨-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفأما قوله:‏ ‏[ف َك َما نف َع ب ِه ِم في الدنيا ف َفي ال ْآخرة أ َك ْث َر‏،‏ ف َمن أ َراد حاجة ًف َل ْيذ ْهب إل َيه ِم ويتوسل ُ ب ِه ِم‏،‏ ف َإ ِنهم ال ْواسط َة ُ بين الل َّه تعال َى وخل ْقه‏]‏.الرد:‏ أن هذا الكلام امل فيه من لبس الحق بالباطل ما االله به عليم فلايقبل كله ولا يرد كله ولكن بالتفصيل يزول الإشكال فيقال:‏ نعم نفع االله م فيالدنيا كذلك ينفع االله م في الآخرة.‏أما في الدنيا فنفعهم فيها لا يوجب تعليق القلوب م تعبدا ً بما لا يصلح إلا اللهعز وجل والمحرك لهم هو الرب عز وجل فهو يجعلهم يدعون لمن شاء فيستجيب إذاشاء وليس لهم ولا لغيرهم تأثير مستقل في شيء من الأشياء وإنما هذا خاص بقدرةاالله تعالى وكل ما دونه فأسباب لا توجب تعلق القلب ا لا رغبة ولا رهبة ليخلصالتأله رغبا ً ورهبا ً للإله الحق سبحانه.‏وغير ذلك من نفعهم في الدنيا من دعوم الخلق إلى طاعة رم ودلالتهم عليهوكله لا يوجب تعبد القلوب لهم لأن هذا هو الشرك الذي هم أعظم الناس إنكارا ً لهومعاداة لمن يفعله م أو بغيرهم.‏أما في الآخرة فينفعون أيضا ً حيث يشفعون عند االله لكن هذه الشفاعة لا تطلبمنهم حيث أم لا يقدرون عليها ولا يملكوا وإنما إذا أراد الرب عز وجل أن يرحمعبدا ً من عباده أمرهم بالشفاعة وجعلهم يشفعون فيه تكريما ً لهم ورضا ً عنه بإخلاصهحيث لم يطلب الشفاعة منهم وإنما أخلص لربه.‏إذا تبين هذا فشفاعتهم في الآخرة لا توجب أيضا ً تعلق القلوب م بل هذاالتعلق أعظم موانعها ونفيه وبغضه والبراءة ممن فعله من أعظم موجبات حصولها.‏


٥٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وقد سأل أبو هريرة النبي صلى االله عليه وسلم عن أولى الناس بشفاعته يومالقيامة فأخبره أن أولاهم بذلك من قال لا إله إلا االله خالصا ً من قلبه ومن قال هذهالكلمة على التحقيق أخرجت من قلبه عبودية المكخلوقات بأسرها ومن العلم الدالعلى ذلك معرفة العبد معرفة قلبية أن الوجود كله لا يتحرك فيه متحرك ولا يسكنساكن إلا بفعل الرب عز وجل وذلك هو القدر وهو قدرته سبحانه.‏فالشفاعة داخلة في ذلك لأن من أردت منه أن يشفع لك فلا بد أن يحصل لهإرادة ذلك في نفسه وهو لا يخلق هذه الإرادة وإنما يخلقها رب العالمين وهو سبحانهاك أن تلتفت بقلبك بطلبها من غيره وطلب منك إخلاص ذلك له وهذا معنى لاإله إلا االله ويندرج ضمن ذلك معنى لا حول ولا قوة إلا باالله فلا بد من التحققبالكلمتين فالأولى فيها معنى توحيد الإلهية والثانية فيها معنى توحيد الربوبية وأنت إذاأخلصت لربك الطلب فهو يرحمك بلا واسطة وإن أراد سبحانه أن يكرم شافعا ًيشفع لك فهو يفعل ما شاء لكن أنت ممنوع من طلب ذلك من غيره.‏وتوحيد الربوبية الذي هو معنى لا حول ولا قوة إلا باالله لا بد منه كمدخللتوحيد الإلهية يعني علم العبد بإحاطة قدرة الرب سبحانه على الأعيان والأفعالبحيث لا يخرج من ذلك شيء أبدا ً.‏إذا تحقق العبد هذا وعلمه كما ينبغي خرج تأله قلبه لما سوى االله كائنا ً ما(١)كان.‏(١)السراج ص‎٢٠‎٢١،


٥١ مدخلابنالحاج-٩-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفوإذا كان الحال هكذا فقوله:‏‏[ف َمن أ َراد حاجة ً ف َل ْيذ ْهب إل َيه ِم ويتوسل ُ ب ِه ِم‏،‏ ف َإ ِنهم ال ْواسط َة ُ بين الل َّه تعال َىوخل ْقهِ].‏فالرد :إن قصد الانتفاع بالميت بدعة،‏ وهو سر الفرق بين الزيارة المشروعةوغيرها،‏ فإن الزيارة التي شرعها االله ورسوله مقصودها نفع الميت والإحسان إليه،‏وأن يفعل عند قبره من جنس ما يفعل على نعشه من الدعاء والاستغفار والترحمعليه،‏ فإن عمله قد انقطع وصار محتاجا ً إلى ما يصل إليه من نفع الأحياء له،‏ ولهذايقال عند زيارته ما علمه النبي صلى االله عليه وسلم لأمته أن يقولوا إذا زاروا القبورولو كان أهلها سادات أولياء االله وخيار عباده ‏"السلام عليكم أهل الديار منالمؤمنين والمسلمين،‏ وإنا إن شاء االله بكم لاحقون،‏ يرحم االله المستقدمين منا ومنكموالمستأخرين،‏ نسأل االله لنا ولكم العافية"‏ اللهم لا تحرمنا أجرهم،‏ ولا تفتنا بعدهم،‏واغفر لنا ولهم،‏ فهذا من جنس الدعاء له عند الصلاة عليه،‏ وهذا غير الدعاء بهوالدعاء عنده،‏ فالمراتب ثلاثة.‏ فالذي شرعه عز وجل ورسوله للأمة الدعاء للميتعند الصلاة عليه،‏ وعند زيارة قبره دون الدعاء به والدعاء عنده،‏ وهذه سنته بحمداالله،‏ إليها التحاكم والتخاصم،‏ ولا التفات إلى تحكيم غيرها البتة كائنا ً ما كان.‏وأما انتفاع الزائر فليس بالميت بل بعمله،‏ وهو زيارته ودعاؤه له والترحم عليهوالإحسان إليه كما ينتفع المحسن بإحسانه،‏ يوضحه أن الميت قد انقطع عمله الذيينفع به نفسه،‏ ولم يبق عليه منه إلا ما تسبب في حياته في شيء يبقى نفعه كالصدقةوتعليم العلم ودعاء الولد الصالح،‏ فكيف يبقى عمله للحي وهو عمل لم يعمله له؟وهل هذا إلا باطل شرعا ً؟


٥٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ومن جعل زيارة الميت من جنس زيارة الفقير الغني لينال من بره وإحسانه فقدأتى بما هو من أعظم الباطل المتضمن لقلب الحقيقة والشريعة،‏ ولو كان ذلك مقصودا ًلزيارة لشرع من دعاء الميت والتضرع إليه،‏ وسؤاله ما يناسب هذا المطلوب،‏ ولكنهذا يناقض ما دعا إليه الرسول صلى االله عليه وسلم من التوحيد وتجريده مناقضةظاهرة،‏ ولا ينبغي الاقتصار على ذلك بأنه بدعة،‏ بل فتح لباب الشرك وتوسل إليهبأقرب وسيلة،‏ وهل أصل عبادة الأصنام إلا ذلك،‏ كما قال ابن عباس رضي االلهعنهما في قوله تعالى:‏ ‏{وق َال ُوا لا تذ َرن َّ آلهتك ُم ولا تذ َرن َّ ودا ً ولا سواعا ً ولا يغوث َويعوق ونسرا ً}‏ . قال:‏ هؤلاء كانوا قوما ً صالحين في قومهم،‏ فلما ماتوا عكفوا علىقبورهم،‏ ثم صوروا تماثيلهم،‏ فلما طال عليم الأمد عبدوهم،‏ فهؤلاء لما قصدواالانتفاع بالموتى قادهم ذلك إلى عبادة الأصنام.‏وكذلك لم يكن أحد من الصحابة يأتيه فيسأله عند القبر عن بعض ما تنازعوافيه وأشكل عليهم من العلم،‏ لا خلفاؤه الأربعة ولا غيرهم،‏ مع أم أخص الناس به،‏حتى ابنته فاطمة رضي االله عنها،‏ لم يطمع الشيطان فيهم فيقول لهم اطلبوا منه أنيدعو لكم بالمطر لما أجدبوا،‏ ولا قال اطلبوا منه أن يستنصر لكم ولا أن يستغفر كماكانوا في حياته يطلبون منه أن يستسقي لهم،‏ وأن يستغفر لهم،‏ فلم يطمع الشيطانمنهم بعد موته أن يطلبوا منه،‏ ولا طمع بذلك في القرون الثلاثة،‏ وإنما ظهرت هذهالضلالات ممن قل علمه بالتوحيد والسنة،‏ فأضله الشيطان كما أضل النصارى فيأمور لقلة علمهم بما جاء به المسيح ومن قبله من الأنبياء صلوات االله عليهم وسلامه.‏وهو لم يأمرهم صلى االله عليه وسلم إذا كان لأحد حاجة أن يذهب إلى قبر نبيأو صالح فيصلي عنده ويدعوه أو يدعو بلا صلاة أو يسأله حوائجه أو يسأله أنيسأل ربه،‏ فقد علم الصحابة أن رسول االله صلى االله عليه وسلم لم يأمرهم بشيءمن ذلك،‏ ولا أمرهم أن يخصوا قبره أو حجرته لا بصلاة ولا دعاء لا له ولالأنفسهم،‏ بل قد اهم أن يتخذوا بيته عيدا ً.‏ فلم يقل كما يقول بعض الشيوخالجهال لأصحابه:‏ إذا كان لكم حاجة فتعالوا إلى قبري،‏ بل اهم عما هو أبلغ منذلك أن يتخذوا قبره أو قبر غيره مسجدا ً يصلون فيه الله،‏ ليسد ذريعة الشرك.‏


٥٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وهذه كانت عادة الصحابة معه صلى االله عليه وسلم أن أحدهم متى صدر منهما يقتضي التوبة جاء إليه فقال:‏ يا رسول االله فعلت كذا وكذا فاستغفر لي،‏ وكانهذا فرقا ً بينهم وبين المنافقين،‏ فلما استأثر االله عز وجل بنبيه صلى االله عليه وسلمونقله من بين أظهرهم إلى دار كرامته لم يكن أحد منهم قط يأتي إلى قبره ويقول يارسول االله فعلت كذا وكذا فاستغفر لي،‏ ومن ينقل هذا عن أحد منهم فقد جاهربالكذب والبهتان.‏ولم ينقل عن أحد منهم قط ‏-وهم القدوة-‏إلى قبره ليستغفر له ولا شكا إليه ولا سأله.‏بنوع من أنواع الأسانيد أنه جاءوقال الحافظ ابن القيم في ‏(الإغاثة)‏ : ومنها أن الذي شرعه رسول االله صلى االلهعليه وسلم عند زيارة القبور إنما هو تذكر الآخرة والإحسان إلى المزور بالدعاءوالترحم عليه والاستغفار له وسؤال العافية له،‏ فيكون الزائر محسنا ً إلى نفسه وإلىالميت،‏ فقلب هؤلاء المشركون الأمر وجعلوا المقصود بالزيارة الشرك بالميت وسؤال(١)حوائجهم منه،‏ فأساءوا إلى نفوسهم وإلى الميت.‏فبدل أهل البدع والشرك قول غير الذي قيل لهم،‏ فبدلوا الدعاء له بدعائهنفسه،‏ والشفاعة له بالاستشفاع به،‏ وجعلوا الزيارة التي لتذكر الآخرة والإحسان إلىالميت بسؤال الميت والإقسام به على االله،‏ وكيف يكون دعاء الموتى والدعاء عندقبورهم والاستشفاع م مشروعا ً وعملا ً صالحا ً وتصرف عنه القرون الثلاثة المفضلةبنص الرسول صلى االله عليه وسلم ثم يفوز به الخلوف الذين يقولون ما لا يفعلون،‏ويفعلون ما لا يؤمرون.‏وأيضا ً قال فيه:‏ ولو كان للدعاء عند القبور والتبرك ا فضيلة لنصب المهاجرونوالأنصار هذا القبر علما ً ودعوا عنده،‏ فقد كانوا السابقين إلى كل خير،‏ وكذلكالتابعون كان عندهم من قبور أصحاب رسول االله صلى االله عليه وسلم بالأمصار١٩٨/١ ط الفقي .(١)


٥٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج عدد كثير،‏ فما استغاثوا بقبر أحد منهم ولا دعوه،‏ ولا دعوا به ولا دعوا عنده،‏ ولااستشفعوا به،‏ ولو كان ذلك منهم لنقل،‏ أفيكون ذلك فضلا ً حرمه خير القرونوجهلوه،‏ وظفر به الخلوف وعلموه؟ أم كانوا عالمين به ولكنهم زهدوا فيه وقدكانوا أحرص الناس على الخير،‏ لو لم يكن منافيا ً للشرع مع احتياج كل أحد إلىالدعاء سيما عند نزول الحوادث العظيمة به.(١)وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الرد على أهل مكة:‏ فإذا كنا على جنازةندعو له لا ندعوه،‏ ونشفع له لا نستشفع به،‏ فبعد الدفن أولى وأحرى،‏ فبدل أهل(٢)الشرك قولا ً غير الذي قيل لهم:‏ بدلوا الدعاء له بدعائه،‏ والشفاعة له بالتشفع به.‏وقد كان عندهم من قبور أصحاب رسول االله صلى االله عليه وسلم بالأمصارعدد كثير وهم متوافرون،‏ فما منهم من استغاث عند القبر ولا دعاه ولا استسقى بهولا استنصر به،‏ ولا أحد من الصحابة استغاث بالنبي صلى االله عليه وسلم بعد موتهولا بغيره من الأنبياء،‏ ولا كانوا يقصدون الدعاء عند قبور الأنبياء ولا الصلاةعندها.‏وفي المختصر من الرسائل المؤلفة للشيخ محمد بن عبد الوهاب:‏ ولا ننكركرامات الأولياء،‏ ونعترف لهم أم على هدى من رم مهما ساروا على الطريقةالشرعية والقوانين المرعية،‏ إلا أم لا يستحقون شيئا ً من أنواع العبادة لا حال الحياةولا حال الممات،‏ ونطلب من أحدهم الدعاء في حال حياته بل ومن كل مسلم،‏ فقدجاء في الحديث:‏ ‏"دعاء المسلم مستجاب لأخيه"‏ الحديث وأمر النبي صلى االلهعليه وسلم عمر وعليا ً سؤال الاستغفار لهما من أويس ففعلا،‏ ونثبت الشفاعة لنبينامحمد صلى االله عليه وسلم يوم القيامة كما ورد أيضا ً،‏ ونسألها من االله المالك لها(٣)٢٠٤/١(١)(٢)(٣)الدرر السنية في الأجوبة النجدية ١٦٠/٥مسلم:‏ الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٢٧٣٣) ، وابن ماجه:‏ المناسك (٢٨٩٥) ، وأحمد (١٩٥/٥. (٤٥٢/٦،


٥٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج والآذن فيها لمن شاء من الموحدين الذين هم أسعد الناس ا،‏ كما ورد بأن يقولأحدنا متضرعا ً إلى االله تعالى:‏ اللهم شفع نبينا محمد صلى االله عليه وسلم فينا يومالقيامة،‏ واللهم شفع فينا عبادك الصالحين أو ملائكتك ونحو ذلك مما يطلب من االلهلأمتهم،‏ فلا يقال يا رسول االله أو يا ولي االله أسألك الشفاعة وغيرها،‏ وأدركنيوأغثني وانصرني على عدوي أو نحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا االله،‏ فإذا طلب ذلكممن ذكر في أيام البرزخ كان من أقسام الشرك،‏ إذ لم يرد بذلك نص من الكتاب ولامن السنة ولا حث من السلف الصالح على ذلك،‏ بل ورد الكتاب والسنة وإجماعالسلف أن ما ذكر شرك أكبر قاتل عليه رسول االله صلى االله عليه وسلم.‏ اه.‏(١)ايزون :يقول أن االله تعالى قد قال في كتابه العزيز:‏ ‏{من ذ َا ال َّذي يشف َع عندهإ ِل َّا ب ِإ ِذ ْن ِه‏}‏ وقال تعالى:‏ ‏{ولا يشف َعون َ إ ِل َّا لمن ِ ارتضى}‏ فالطالب للشفاعة لا يعلمحصول الإذن للنبي صلى االله عليه وسلم في أنه يشفع له فكيف يطلب منه الشفاعة،‏ولا يعلم أنه ممن ارتضى،‏ فكيف يطلب الشفاعة؟الجواب:‏ دليل مانعي طلب الشفاعة من النبي صلى االله عليه وسلم بعد الوفاة هوما ذكر .قالوا :احتجاجكم هذا مردود وباطل بالأحاديث الصحيحة الصريحة فيحصول الإذن للنبي صلى االله عليه وسلم بالشفاعة للمؤمنين.‏الجواب:‏ إن أردتم أن الأحاديث الصحيحة الصريحة في أن يحصل الإذن للنبيصلى االله عليه وسلم يوم القيامة بالشفاعة للمؤمنين فهذا لا ينكره أحد من أهل السنةوالجماعة،‏ وإن أراد أن الأحاديث الصحيحة صريحة في أن الإذن بالشفاعة يوم القيامةللمؤمنين حصل الآن فهذا غير مسلم،‏ كيف وليس هناك حديث واحد يدل علىهذه الدعوى فضلا ً عن الأحاديث الصحيحة.‏(١)الدرر السنية في الأجوبة النجدية ٢٣١/١


٥٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج قالوا :الطالب للشفاعة كأنه يتوسل إلى االله تعالى بالنبي صلى االله عليه وسلمأن يحفظ عليه الإيمان إلى أن يتوفاه االله عليه فيدخل في شفاعة النبي صلى االله عليهوسلم ويكون من أهلها.‏الجواب:‏ صورة طلب الشفاعة من النبي صلى االله عليه وسلم بعد موته التي وقعالتراع في جوازه هي أن يقول أحدهم عن القبر أو بعيدا ً منه:‏ يا رسول االله اشفع لي،‏أو يقول يا رسول االله أسألك الشفاعة،‏ ولا يخفاك أن هذه العبارة لا تدل بواحدة منالدلالات الثلاث المطابقة والتضمن والالتزام على التوسل المذكور.قالوا :ومما يعتقده هؤلاء المنكرون للزيارة والتوسل منع النداء للميت والجماد،‏ويقولون إن ذلك كفر وإشراك وعبادة لغير االله تعالى.‏الجواب:‏ المانعون لنداء الميت والجماد وكذا الغائب إنما يمنعونه بشرطين:‏‏(الأول)‏ : أن يكون النداء حقيقيا ً لا مجازيا ً.‏و ‏(الثاني)‏ : أن يقصد ويطلب به من المنادى ما لا يقدر عليه إلا االله من جلبالنفع وكشف الضر.‏ مثلا ً يقال:‏ يا سيدي فلان اشف مريضي وارزقني ولدا ً،‏ ولامرية أن هذا النداء هو الدعاء،‏ والدعاء هو العبادة،‏ فكيف يشك مسلم في كونهكفرا ً وإشراكا ً وعبادة لغير االله؟ وأما إذا قصد ذا النداء أن يدعو الميت والجمادوالغائب في حضرة الرب تعالى للمنادين ‏(بالكسر)‏ فنداء الميت بعيدا ً عن القبر وكذانداء الغائب يقتضي اعتقاد علم الغيب بذلك الميت والغائب،‏ واعتقاد علم الغيب لغيراالله تعالى شرك وكفر مع أنه من محدثات الأمور،‏ وأما نداء الجماد والأموات ذاالقصد فإن لم يكن كفرا ً وشركا ً فلا أقل من أن يكون بدعة وحمقا ً،‏ وأما إذا لميقصد بالنداء لا جلب النفع وكشف الضر ولا الدعاء من المنادين ‏(بالفتح)‏ للمنادين‏(بالكسر)‏ في حضرة الرب سبحانه وتعالى فيكون النداء الحقيقي جنونا ً وسفها ً،‏ وأماالنداء اازي فلا يمنعه أحد.‏


٥٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج قالوا :وإنما النداء الذي يكون عبادة هو نداء من يعتقد ألوهيته واستحقاقهللعبادة فيرغبون إليه ويخضعون بين يديه.‏الجواب:‏ لا ريب في أن من ينادي أحدا ً نداء حقيقيا ً ويقصد به من المنادى ما لايقدر عليه إلا االله من جلب النفع وكشف الضر فهو يعتقد استحقاقه العبادة وإلا لميصدر منه هذا النداء الذي هو الدعاء وهو من أفراد العبادة،‏ على أن مطلق ارتكابفعل أو قول أو عمل مما يعد من العبادة هو العبادة ولا يتوقف كونه عبادة علىاعتقاد ألوهيته،‏ ومن يدعى ذلك فعليه البيان.‏قالوا : فالذي يوقع في الإشراك هو اعتقاد ألوهية غير االله أو اعتقاد التأثير لغيراالله تعالى.‏الجواب:‏ فيه كلام من وجهين:‏‏(الأول)‏ : أن اعتقاد ألوهية غير االله واستحقاقه للعبادة متحقق فيما نحن فيه.‏و ‏(الثاني)‏ : أن هذا الحصر غير مسلم،‏ كيف ومجرد ارتكاب فعل أو قول أواعتقاد لغير االله مما يعد من العبادة من الدعاء والذبح والنذر والخوف والرجاء والخشيةوالإنابة والتوكل أيضا ً موقع في الإشراك سواء وجد معه اعتقاد ألوهية غير االله أم لا .قالوا :قد ورد في أحاديث كثيرة نداء الأموات والجمادات.‏الجواب:‏ كون هذا النداء نداء حقيقيا ً يطلب بهعليه إلا االله غير مسلم،‏ ومن يدعي فعليه البرهان.‏من المنادى ‏(بالفتح)‏ ما لا يقدرقالوا : كل نداء دعاء وكل دعاء عبادة غير صحيح على إطلاقه وعمومه.‏الجواب:‏ نسبة هذه الكلية والإطلاق والعموم إلى المانعين إفك قديم وتانعظيم.‏


٥٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج قالوا :لو كان الأمر كذلك لامتنع نداءكلا ً منهما لا تأثير له في شيء.‏الحي والميت،‏ فإما مستويان في أنالجواب:‏ فيه خلل من وجهين:‏‏(الأول)‏ : أن لزوم امتناع نداء الحي والميت كان على تقدير الكلية والإطلاقوالعموم،‏ وقد عرفت أنه افتراء بحت.‏و ‏(الثاني)‏ : أن التجشم لإثبات الملازمة بين المقدم والتالي مستغنى عنه ولامدخل لهذا القول في إثبات الملازمة،‏ وأن الملازمة على تقدير تسليم الكلية مما لاخفاء له.‏قالوا :إن قالوا إن نداء الحي والطلب منه لشيء من الأشياء إنما هو لكونه قادرا ًعلى فعل ذلك الشيء الذي طلب منه،‏ وأما الميت والجماد فإنه عاجز ولا قدرة لهعلى فعل شيء من الأشياء،‏ فنقول لهم:‏ اعتقادكم أن الحي قادر على بعض الأشياءيستلزم اعتقادكم أن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية،‏ وهو اعتقاد فاسد فيستويالحي والميت والجماد في أن كلا ً منهم لا خلق له ولا تأثير والمؤثر هو االله تعالىوحده.‏،الجواب:‏ ‏(أولا ً)‏ معارضة أن اعتقادكم أن الحي لا يقدر على شيء يستلزماعتقادكم أن العبد مجبور محض لا اختيار له،‏ وهو اعتقاد فاسد ومذهب باطل.‏‏(وثانيا ً)‏ خلا أنا لا نسلم أن اعتقاد أن الحي قادر على بعض الأشياء يستلزم اعتقادأن العبد يخلق أفعال نفسه،‏ كيف والفرق بين القدرة والخلق جلي واضح لا يخفىعلى من له أدنى بصيرة.‏قالوا :الأحاديث التي ورد فيها النداء للأموات والجمادات من غير اعتقادالألوهية والتأثير كثيرة:‏ منها حديث الأعمى فإن فيه:‏ يا محمد إني أتوجه بك إلىربك.‏ والصحابة رضي االله عنهم استعملوا ذلك الدعاء بعد وفاته صلى االله عليهوسلم.‏،


٥٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج الجواب:‏ الجواب على حديث الأعمى على وجوه:‏‏(الأول)‏ أن الحديث ضعيف،‏ لأن في سنده عيسى بن أبي عيسى ماهان أبا جعفرالرازي التميمي وقد ضعفه أحمد والنسائي وأبو حاتم والفلاس وابن حبان وأبوزرعة.‏و ‏(الثاني)‏ أن هذا نداء مجازي يطلب به استحضار المنادى في القلب فيخاطبالمشهود بالقلب كما يقول المصلي ‏"السلام عليك أيها النبي ورحمة االله وبركاته"‏(١).-و ‏(الثالث)‏ أن الأعمى إنما طلب من النبي صلى االله عليه وسلم أن يدعو له فيحياته وحضرته،‏ والدعاء في الحياة مما يقدر عليه النبي صلى االله عليه وسلم،‏ ولما كانطلب الدعاء من كل مسلم في الحياة مشروعا ً فما ظنك بسيد المرسلين والشافعين؟على أننا إذا أمعنا النظر في هذا الحديث ... تبين لنا أن الأعمى ما كان يقصدالتوسل بذات الرسول صلى االله عليه وسلم بل بدعائه المستجاب ولولا أملالأعمى بالشفاء بدعاء رسول االله صلى االله عليه وسلم لم يأت وذلك للأدلةالمستخلصة من نص الحديث نفسه فمن يمعن النظر فيه يستخلص منه الأدلة الآتية:‏----١ قول الأعمى لرسول االله - صلى االله عليه وسلم ‏-[ادع االله أن يعافيني].‏---٢جواب الرسولشئت صبرت وهو خير)).‏صلى االله عليه وسلمله:‏ ‏((إن شئت دعوت وإنإصرار الأعمى على طلب الدعاء منهصلى االله عليه وسلم- بقوله:‏--٣‏[فادعه].‏-٤ قول الأعمى في آخر دعائه الذي علمه إياه رسول االله:‏ ‏((اللهم شفعه في))‏انظر :(١)غاية الأماني في الرد على النبهاني ٤٠٦/٢


٦٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج - ٥وروى الترمذي في سننه والحاكم في مستدركه زيادة في الدعاء وهي قوله:‏‏((وشفعني فيه)).‏- ٦االلهوهناك دليل مستنبط من الحديث نفسه أو من- صلى االله عليه وسلمواقع الأعمى ومجيئه لرسول.---١-وإننا نود أن نعالج كل دليل ونشرحه ليتضح الحق جليا ً بالحجة والبرهان فنقولوباالله المستعان:‏إن قول الأعمى ‏[ادع االله أن يعافيني]‏ فيه بيان واضح جلي لقصد الأعمىمن ايء وهو أنه ما جاء إلا من أجل أن يدعو له رسول االله - صلى االله عليه وسلمبالشفاء من ضره.‏- ٢وأن قوله - صلى االله عليه وسلم - مجيبا ً للأعمى:‏ ‏((إن شئت دعوت وإنشئت صبرت وهو خير))‏ لدليل آخر على أن الأعمى ما جاء من أجل الدعاء وفيهتخيير من رسول االله صلى االله عليه وسلم له بالدعاء أو الصبر حتى إذا شاءالأعمى الدعاء دعا له ... وفي تخييره هذا وعد بالدعاء إن شاءه.‏--٣وأن إصرار الأعمى على الدعاء بقوله:‏ ‏[فادعه]‏ لدليل ثالث على أن مجيئهلم يكن إلا من أجل الدعاء ومن إصراره يفهم أن رسول االله دعا له لأنه وعده بذلكإذا شاء الدعاء وقد شاء بقوله ‏[فادعه].‏-على أن رسول االله - صلى االله عليه وسلم أحب أن يكون للأعمى كذلكمشاركة في الدعاء ... ولكنه لم يترك الأعمى أن يدعو ربه بما شاء ... بل علمهدعاء خاصا ً وأمره أن يدعو االله به بالإضافة إلى دعائه - صلى االله عليه وسلم.----٤أن قول الأعمى في آخر الدعاء الذي علمه إياه رسول االله صلى االلهعليه وسلم ‏((اللهم شفعه في))‏ لدليل رابع على الدعاء والشفاعة من رسول االلهصلى االله عليه وسلم لا تسمى شفاعة ولا تكون إلا بدعاء الشافع للمشفوع له--


٦١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج --.--٥فدعاء الأعمى أن يقبل االله شفاعة رسوله فيه يدل على أن رسول االله صلى االلهعليه وسلم قد دعا له فعلا ً والأعمى يطلب من االله قبول دعاء رسوله - صلى االلهعليه وسلموان رواية الترمذي في سننه ورواية الحاكم في مستدركه زيادة جملة‏((وشفعني فيه))‏ لدليل خامس على وقوع الدعاء من رسول االله صلى االله عليهوسلم للأعمى ليعافيه االله تعالى ويرد إليه بصره.‏---٦-ومعنى ‏((وشفعني فيه))‏ ... أي أقبل دعائي في قبول دعائه من أجل أن ترد إليبصري إذا ً ثبت أيضا ً أن لرسول االله دعاء من أجل أن يرد بصر الأعمى.‏وأن هناك دليلا ً سادسا ً مستنبطا ً من واقع هذا الأعمى إذ لو كان قصدهالتوسل بشخص الرسول أو بحقه أو بجاهه.‏ وما إلى ذلك .. لكان يكفيه أن يبقى فيبيته ويدعو االله قائلا ً مثلا ً اللهم رد بصري بجاه نبيك فكان يكفيه هذا دون أن يحضرويتجشم عناء المشي وليس له من قائد يقوده إلى رسول االله - صلى االله عليه وسلمولما كان هذا ليس من مراده إنما يريد الدعاء منه - صلى االله عليه وسلم فإنهذا ... يستلزم حضوره وإخبار الرسول بما حصل معه من العمى ثم سؤاله أن يدعوله ليعافيه االله لاعتقاده أن دعاء الرسول - صلى االله عليه وسلم مستجاب فيحصلمن الدعاء على مراده من الشفاء.‏---وهكذا فقد حضر الأعمى إلى رسول االله - صلى االله عليه وسلم وطلب منهالدعاء فدعا له فاستجاب االله الدعاء من رسوله فعاد بصيرا ً كأنه لم يكن فيه من ضر.‏فإذا استجمعنا هذه الأدلة الستة .. على ثبوت دعاء رسول االله للأعمى ...توحي لنا أمرا ً هاما ً يدور عليه مآل الحديث ونستكشف معناه بشكل واضح وهو:‏أن معنى:‏ ‏((اللهم إني أسألك بنبيك))‏ أي بدعاء نبيك ولا يفهم منه التوسل بذاتهصلى االله عليه وسلم ولا كان هذا مراد الأعمى من مجيئه إلى الرسول - صلى االلهعليه وسلم - حتى وإن معنى التوسل المتبادر إلى أذهان الصحابة رضي االله عنهمفي ذلك الوقت كان محصورا ً فقط في طلب الدعاء من المتوسل به وليس له المعنى----


٦٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج المتعارف عليه عند البعض في زمننا الحاضر أي التوسل بذات المتوسل به فقط كانمثل هذا التوسل ينفر منه الصحابة رضوان االله عليهم لأنه من مفاهيم الجاهلية التيمن أجل وجودها بعث االله رسوله - صلى االله عليه وسلم إلى الناس كافة.‏-لا سيما وإن لفظ الحديث ومآله ومفاهيم اللغة العربية وقواعدها كل ذلكيشهد للحديث أن معناه هو التوسل بدعاء النبي - صلى االله عليه وسلم وعلى هذايتبين سقوط استدلال اوزين للتوسل بذوات المخلوقين ذا الحديث ويثبت عدمشرعية هذا الاستدلال لأن هذا الحديث لا يعطي المعنى الذي يريدونه ألبتة ... لمابيناه من مراد الأعمى من الحضور إليه - صلى االله عليه وسلم-.-إن الشبه والظنون التي يتمسك ا القوم ... في سبيل دعم دعواهم لا تغني عنالحق شيئا ً ... وإن مجرد إيراد الحديث دون التأكد من صلاحه للاحتجاج هو الذييعطي من يحتج به هذه النتيجة المعكوسة وليس المهم أن تقدم حديثا ً صحيحا ً فقط... إنما يجب أن يكون هذا الحديث الصحيح له متعلق بالبحث الذي تريد أن تثبتهولكن مجرد إيرادك إياه فقط ظنا ً منك أن له علاقة بما نحن مختلفون فيه ... فالظن لايغني عن اليقين بديلا ً.‏هذه بدهيات كنا نتمنى أن لا نلفت أنظار ‏(القوم ... ( إليها لأا بدهيات لاتحتاج إلى الفات نظر ... ولكننا اضطررنا لأم هم الذين ألجأونا إليه لما أوردواحديثا ً ليس له علاقة فيما نختلف فيه.‏ولو علموا أن هذا الحديث هو حجة لنا عليهم لا حجة لهم علينا لما استدلوا بهعلى صحة دعواهم ولفتشوا عن حديث غيره ... !! ولا أدري إذا كانوا يوفقون إلىذلك أو لا يوفقون وفقنا االله وإياهم للصواب إنه على كل شيء قدير لا إله غيره ولا(١)رب سواه.‏(١)التوصل إلى حقيقة التوسل ص‎٢٣٦‎


٦٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وأما ما روى الطبراني من أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي االلهعنه في حاجة له ، فكان عثمان لا يلتفت إليه ، ولا ينظر في حاجته ، فلقي عثمانبن حنيف ، فشكا ذلك إليه ، فقال له عثمان بن حنيف:‏ ائت الميضأة فتوضأ ، ثمائت المسجد فصل فيه ركعتين ، ثم قل:‏ اللهم ، إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدصلى االله عليه وآله وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك عز وجلفيقضي لي حاجتي ، وتذكر حاجتك ، ورح إلي حتى أروح معك ، فانطلق الرجل ،فصنع ما قال له عثمان ، ثم أتى باب عثمان ، فجاء البواب حتى أخذ بيده ، فأدخلهعلى عثمان بن عفان ، فأجلسه معه على الطنفسة ، وقال:‏ حاجتك؟ فذكر حاجته ،فقضاها له ، ثم قال له:‏ ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة ، وقال:‏ ماكانت لك من حاجة ، فأتنا ، ثم إن الرجل خرج من عنده ، فلقي عثمان بن حنيف، فقال:‏ له جزاك االله خيرا ، ما كان ينظر في حاجتي ، ولا يلتفت إلي حتى كلمته في، فقال عثمان بن حنيف:‏ واالله ، ما كلمته ولكن شهدت رسول االله صلى االله عليهوآله وسلم وأتاه ضرير ، فشكا عليه ذهاب بصره ، فقال:‏ له النبي صلى االله عليهوآله وسلم:‏ فقال:‏ يا رسول االله ، إنه ليس لي قائد ، وقد شق علي ،فقال له النبي صلى االله عليه وآله وسلم:‏ ‏«ائت الميضأة ، فتوضأ ، ثم صل ركعتين ،ثم ادع ذه الدعوات»‏ قال عثمان بن حنيف:‏ فواالله ، ما تفرقنا وطال بنا الحديثحتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط " ، فهذا وإن كان دالا ً على أنهذا الدعاء استعمل بعد وفاته صلى االله عليه وسلم ولكن في سنده روح بن صلاحوقد ضعفه ابن عدي.‏(١)‏«أفتصبر؟»‏ ،قالوا :ومن ذلك الأحاديث الواردة في زيارة القبور،‏ فإن في كثير منها النداءوالخطاب كقوله:‏ السلام عليكم يا أهل القبور،‏ السلام عليكم أهل الديار منالمؤمنين،‏ وإنا إن شاء االله بكم لاحقون،‏ ففيها نداء وخطاب،‏ وهي أحاديث كثيرة لاحاجة إلى الإطالة بذكرها.‏(١)المعجم الصغير (٥٠٨. (


٦٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج الجواب:‏ أحاديث زيارة القبور وإن كان فيها النداء ولكن ليس فيه طلب شيءمن الأموات،‏ والكلام في النداء الذي يطلب فيه ما لا يقدر عليه إلا االله.‏قالوا :وقد جاءت صورة النداء أيضا في التشهد الذي يقرؤه الإنسان في كلصلاة حيث يقول:‏ السلام عليك أيها النبي ورحمة االله وبركاته.‏الجواب:‏ كون النداء حقيقيا ً هناك ممنوع،‏ وليس فيه طلب شيء فلم يكن ممانحن فيه.‏قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ‏(اقتضاء الصراط المستقيم)‏ : وقوله يا محمد يا نبياالله،‏ هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادى في القلب فيخاطب المشهود بالقلبكما يقول المصلي السلام عليك أيها النبي ورحمة االله وبركاته،‏ والإنسان يفعل مثلهذا كثيرا ً،‏ يخاطب من يتصوره في نفسه وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب.‏(١)اه.‏(٢)قال الحافظ في الفتح : فإن قيل ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب فيقول ‏"عليك أيها النبي"‏ مع أن لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السياق كأن يقول:‏‏"السلام على النبي"‏ فينتقل من تحية االله إلى تحية النبي ثم إلى تحية النفس ثم إلىالصالحين؟ أجاب الطيبي بما محصله نحن نتبع لفظ الرسول بعينه الذي كان علمهالصحابة،‏ ويحتمل أن يقال على طريق أهل العرفان:‏ إن المصلين لما استفتحوا بابالملكوت بالتحيات أذن لهم بالدخول في حريم الحي الذي لا يموت،‏ فقرت أعينهمبالمناجاة،‏ فنبهوا على أن ذلك بواسطة نبي الرحمة،‏ وبركة متابعته،‏ فالتفتوا فإذاالحبيب في حرم الحبيب حاضر،‏ فأقبلوا عليه قائلين:‏ ‏"السلام عليك أيها النبي ورحمةاالله وبركاته".‏ اه.‏٣١٩/٢٣١٤/٢(١)(٢)


٦٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود هذا ما يقتضي المغايرة بين زمانهصلى االله عليه وسلم فيقال بلفظ الخطاب،‏ وما بعده فيقال بلفظ الغيبة،‏ وهو ممايخدش في وجه الاحتمال المذكور،‏ ففي الاستئذان من صحيح البخاري من طريق أبيمعمر عن ابن مسعود بعد أن ساق حديث التشهد قال:‏ وهو بين ظهرانينا فلما قبضقلنا السلام يعني على النبي،‏ كذا وقع في البخاري.(١)قلت:‏ ليس المراد بضمير قلنا جميع الصحابة،‏ فهذا عمر رضي االله عنه كان يعلمالناس على المنبر التشهد وفيه السلام عليك أيها النبي ورحمة االله وبركاته،‏ رواه مالكفي الموطأ والطحاوي في شرح معاني الآثار ، وهذه عائشة رضي االله عنها كانتتقول في التشهد:‏ السلام عليك أيها النبي ورحمة االله وبركاته،‏ رواه مالك في الموطأبسندين ، وهذا عبد االله بن الزبير يعلم الناس التشهد على المنبر وفيه السلام عليكأيها النبي،‏ رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار ، وهذا أبو بكر رضي االله عنه يعلمالتشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان الكتاب،‏ وفيه السلام عليك أيها النبي،‏ رواهالطحاوي في شرح معاني الآثار(٤)(٢).(٥)(٣)(٦)وروى الطحاوي عن عبد الرحمن بن يزيد قال:‏ كان عبد االله يأخذ عليناالواو في التشهد،‏ وروى عن المسيب بن رافع قال:‏ سمع عبد االله رجلا ً يقول فيالتشهد بسم االله التحيات الله فقال له عبد االله أتأكل؟ وروى عن إبراهيم أن الربيع بنخثيم لقى علقمة فقال:‏ إنه بدا لي أن أزيد في التشهد ومغفرته،‏ فقال له علقمة:‏تنتهي إلى ما علمناه.‏ وروى عن إسحاق قال:‏ أتيت الأسود بن يزيد فقلت إن أبا(٦٢٦٥) ٧٣/٨(١)(٢)(٣)(٤)(٥)شرح معاني الآثار ٢٦١/١موطأ الإمام مالك ٩١/١شرح معاني الآثار ٢٦٥/١،(٦)شرح معاني الآثار ٢٦٤/١شرح معاني الآثار ٢٦٦/١موطأ الإمام مالك ٩٠/١ ط عبد الباقي


٦٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج الأحوص قد زاد في خطبة الصلاة:‏ والمباركات،‏ قال:‏ فأته فقل له إن الأسود ينهاكويقول لك إن علقمة ابن قيس تعلمهن من عبد االله كما يتعلم السورة من القرآن،‏عدهم عبد االله في يده ثم ذكر تشهد عبد االله.وروى سعيد بن منصور من طريق أبي عبيدة بن عبد االله بن مسعود عن أبيه أنالنبي صلى االله عليه وسلم علمهم التشهد فذكره فقال ابن عباس:‏ إنما كنا نقولالسلام عليك أيها النبي إذ كان حيا ً،‏ فقال ابن مسعود هكذا علمنا وكذا نعلم،‏ كذافي الفتح،‏ ثم قال الحافظ:‏ لكن رواية أبي معمر أصح،‏ لأن أبا عبيدة لم يسمع من(١)أبيه،‏ والإسناد إليه مع ذلك ضعيف.‏ اه.‏قلت:‏ وإن كانت رواية أبي عبيدة ضعيفة لكن تكفي للتأييد،‏ وقال في مجمعالزوائد:‏ وعن ابن مسعود أن رسول االله صلى االله عليه وسلم كان يتشهد،‏ قال فكنانحفظ عن رسول االله صلى االله عليه وسلم كما نحفظ حروف القرآن:‏ الواواتوالألفات إذا جلس على وركه اليسرى،‏ رواه الطبراني في الكبير هكذا،‏ وله عندالبزار عن الأسود قال:‏ كان عبد االله يعلمنا التشهد في الصلاة فيأخذ علينا الألفوالواو،‏ وفي إسناد الطبراني زهير بن مروان الرقاشي ولم أجد من ذكره،‏ وإسناد البزاررجاله رجال الصحيح.‏(٢)(٣)وكذلك اختلفت الرواية عن ابن عباس،‏ فقد روى الطحاوي أن عطاء قال:‏سمعت عبد االله بن عباس يقول مثل ما سمعت ابن الزبير يقول،‏ وقد تقدم رواية ماقال ابن الزبير على المنبر وقت تعليم التشهد وفيها:‏ السلام عليك أيها النبي،‏ وروىسعيد ابن منصور ما تقدم آنفا ً نقله من الفتح من أن ابن عباس قال:‏ إنما كنا نقولالسلام عليك أيها النبي إذ كان حيا ً.‏(١)(٢)فتح الباري ٣١٤/٢٥٣/١٠ برقم (٩٩٣٢) .٦٣/٥(٣)


٦٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (١): ‏"لا، وفي(٣)(٥)(٢)(٤)فقد علم مما ذكرنا أن الصحابة رضي االله عنهم لم يكونوا متفقين بعد وفاةرسول االله صلى االله عليه وسلم على ترك الخطاب،‏ والأحادايث المرفوعة كلها فيهالفظ الخطاب،‏ وقد ورد به الأمر وما يدل على تأكد أمره،‏ ففي صحيح البخاريعن عبد االله بن مسعود قال:‏ قال رسول االله صلى االله عليه وسلم:‏ ‏"فإذا صلىأحدكم فليقل التحيات ". ورواه أيضا ً مسلم ، وفي رواية البخاري وغيرهتقولوا السلام على االله فإن االله هو السلام ولكن قولوا التحيات الله"‏ وفي رواية:‏‏"علمني رسول االله صلى االله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمني السورةمن القرآن"،‏ وفي صحيح مسلم عن ابن عباس أنه قال:‏ كان رسول االله صلى االلهعليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن،‏ وفي صحيح مسلم عن أبيموسى الأشعري قال:‏ قال رسول االله صلى االله عليه وسلم،‏ وإذا كان عند القعدةفليكن من أول قول أحدكم التحيات".‏ ورواه أيضا ً أبو داود وابن ماجهصحيح البخاري عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال:‏ لقيني كعب بن عجرة فقال ألاأهدي لك هدية؟ إن النبي صلى االله عليه وسلم خرج علينا فقلنا:‏ يا رسول االله قدعلمنا كيف نسلم عليك،‏ فكيف نصلي عليك؟ الحديث،‏ ورواه أيضا ً مسلم وأبو(٦)داود.‏(١)(٢)(٣)في ‏(الأذان،‏ باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد،‏ ٢٦٩/١)في الصلاة باب التشهد في الصلاة رقم ٤٠٢البخاري:‏ الأذان (٨٣٥) ، ومسلم:‏ الصلاة (٤٠٢) ، والنسائي:‏ التطبيق (١١٦٩) والسهو (١٢٩٨)، وأحمد ٤١٣/١) (٤٣١/١، ، والدارمي:‏ الصلاة (١٣٤٠) .(٤)(٥)"٤٠٣" "٦١" في الصلاة:‏ باب التشهد في الصلاة،‏ومسلم "٣٥٣/٢-(٦)النووي":‏ كتاب الصلاة:‏ باب التشهد في الصلاة،‏ حديث "٤٠٤/٦٢"، وأبو داود"٢٥٥/١": كتاب الصلاة:‏ باب التشهد،‏ حديث "٩٧٢"، وابن ماجة "٢٩١/١، ٢٩٢": كتاب إقامةالصلاة والسنة فيها:‏ باب ما جاء في التشهد،‏ حديث "٩٠١"البخاري١٣٨ - ١٢٨ / ١١في الدعوات،‏ باب الصلاة على النبي صلى االله عليه وسلم،‏ ، ومسلمرقم (٤٠٦) في الصلاة،‏ باب الصلاة على النبي صلى االله عليه وسلم بعد التشهد،‏ وأبو داود رقم (٩٧٦)في الصلاة،‏ باب الصلاة على النبي صلى االله عليه وسلم بعد التشهد.


٦٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وعن أبي مسعود الأنصاري قال:‏ أتانا رسول االله صلى االله عليه وسلم ونحن فيمجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد:‏ أمرنا االله أن نصلي عليك يا رسول االلهفكيف نصلي عليك؟ الحديث،‏ وفي آخره ‏"والسلام كما علمتم"‏ رواه مسلم.(١)(٣)(٥)(٤)(٢)وروى النسائي عن عبد االله قال:‏ كنا لا ندري ما نقوله في كل ركعتين غيرأن نسبح ونكبر ونحمد ربنا،‏ وإن محمدا ً صلى االله عليه وسلم علم فواتح الخيروخواتمه فقال:‏ ‏"إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا:‏ التحيات"‏ الحديث،‏ وفي رواية لهقال:‏ كنا لا ندري ما نقول إذا صلينا فعلمنا نبي االله صلى االله عليه وسلم جوامعالكلم فقال لنا:‏ ‏"قولوا التحيات الله"‏ الحديث،‏ وفي آخره:‏ قال عبيد االله قال زيد عنحماد عن إبراهيم عن علقمة قال:‏ لقد رأيت ابن مسعود يعلمنا هؤلاء الكلمات كمايعلمنا القرآن.ورواه الطحاوي وأبو داود ولفظه:‏ وكان رسول االله صلى االله عليهوسلم قد علم ‏-وفي رواية له وكان يعلمنا-‏ كلمات ولم يكن يعلمناهن كما يعلمناالتشهد ، وفي صحيح مسلم عن حطان بن عبد االله الرقاشي قال:‏ صليت مع أبيموسى الأشعري صلاة،‏ فلما كان عند القعدة قال رجل من القوم:‏ أقرت ‏(أيقرنت)‏ الصلاة بالبر والزكاة،‏ قال:‏ فلما قضى أبو موسى الصلاة وسلم انصرففقال:‏ أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرم القوم،‏ ثم قال أيكم القال كلمة كذاوكذا؟ فأرم القوم،‏ فقال لعلك يا حطان قلتها،‏ قال ما قلتها،‏ ولقد رهبت أن تبكعنيا،‏ فقال رجل من القوم:‏ أنا قلتها ولم أرد ا إلا الخير،‏ فقال أبو موسى:‏ أما تعلمونكيف تقولون في صلاتكم؟ إن رسول االله صلى االله عليه وسلم خطبنا فيبن لنا سنتناوعلمنا صلاتنا.‏ الحديث،‏ وفي آخره:‏ ‏"وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قولأحدكم التحيات".‏(١)(٢)(٣)(٤)(٥)مسلم رقم (٤٠٥) في الصلاة،‏ باب الصلاة على النبي صلى االله عليه وسلم بعد التشهدالنسائي.٢/ ٢٣٧ في الافتتاح،‏ باب كيف التشهد الأول.‏النسائي (١٧٤/١) ، والطحاوي (١٦٢/١)أبو داود رقم (٩٦٨) و (٩٦٩) في الصلاة،‏ باب التشهدرقم (٤٠٤) في الصلاة،‏ باب التشهد في الصلاة..


٦٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج فهذه الأحاديث كلها دالة على أن كلمات التشهد توقيفية لا يتصرف فيهابالزيادة والنقصان،‏ وترك بعض الصحابة الخطاب بعد وفاته صلى االله عليه وسلم لايصلح معارضا ً لتلك الأحاديث المرفوعة الصحيحة،‏ فالقول ما قال الزرقاني:‏ فعلىهذا لا بد ههنا من بيان توجيه الخطاب،‏ فنقول فيه احتمالات:‏‏(الأول)‏ ما قال في المرقاة قال ابن الملك:‏ روى أنه صلى االله عليه وسلم لما عرجبه أثنى على االله تعالى ذه الكلمات فقال االله تعالى ‏"السلام عليك أيها النبي ورحمةاالله وبركاته".‏ فقال صلى االله عليه وسلم ‏"السلام علينا وعلى عباد االله الصالحين،‏فقال جبرائيل:‏ أشهد أن لا إله إلا االله الخ.‏ اه.‏ وبه يظهر وجه الخطاب وأنه علىحكاية معراجه صلى االله عليه وسلم في آخر الصلاة التي هي معراج المؤمنين.‏(١)اه.‏ويشير إلى هذا المروي القسطلاني حيث قال في شرح التشهد:‏ السلام أيالسلامة من المكاره،‏ أو السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء،‏ أو الذي سلمه االله(٢)عليك ليلة المعراج.‏ اهوقال في ‏(مسك الختام،‏ شرح بلوغ المرام):‏ ووجه الخطاب إبقاء هذا الكلامعلى ما كان في الأصل،‏ فإن ليلة المعراج قد خاطب االله تعالى رسوله بالسلام فأبقاهالنبي صلى االله عليه وسلم وقت تعليم الأمة على ذلك الأصل ليكون ذلك مذكرا ًلتلك الحال اه.‏ وتمام بيان القصة مع شرح ألفاظ التشهد في ‏(الإمداد)‏ كذا في ردالمحتار،‏ وهذا المروي لم أقف على سنده فإن كان ثابتا ً فنعم التوجيه هذا،‏ ونظيره ماورد في حديث أم سلمة في ‏(الإمداد)‏ قال رسول االله صلى االله عليه وسلم ‏"إنما هيأربعة أشهر وعشرا ً".‏ رواه البخاري،‏ قال الحافظ في الفتح:‏ كذا في الأصل بالنصب(٣)على حكاية لفظ القرآن.‏ اه.‏(١)(٢)(٣)مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ٧٣٢/٢إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ١٢٩/٢مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ٢٣٣/٣


٧٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج قلت:‏ كذلك الخطاب في التشهد على حكاية سلام االله ليلة المعراج،‏ ومن هذاالقبيل ما وقع في حديث سبيعة في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها من قولها:‏ فولدتقبل أن يمضي ا أربعة أشهر وعشرا ً من وفاة زوجها،‏ بنصب عشرا ً،‏ ومن قول أبيالسنابل لعلك تريدين النكاح قبل أن يمر عليك أربعة أشهر وعشرا ً بالنصب،‏ رواهالنسائي وهذه الحكاية لا يقتضي أن يكون معناها مرادا ً لقائله على أنه هو قائله،‏ وأنيكون مقصوده مجرد حكاية كلام الآخر فلا يرد عليه ما في اتبى وغيره من الكتبالفقيهة،‏ ويقصد بألفاظ التشهد معانيها مرادة له على وجه الإنشاء كأنه يحيي االلهتعالى ويسلم على نبيه وعلى نفسه وأوليائه،‏ لا الإخبار عن ذلك،‏ ذكره في اتبىاه.‏ ولعلك قد تفطنت من ههنا أن المراد بالإنشاء والإخبار في هذا القول ليس ماهو مصطلح علماء البيان،‏ بل المراد بالإنشاء قول القائل على أنه هو قائله أعم من أنيكون ذلك القول إنشاء أو إخبارا ً في الاصطلاح،‏ والمراد بالإخبار مجرد نقل قولالغير وحكايته،‏ على أن كلام الفقهاء هذا مما لا دليل عليه،‏ فلو قصد الإخبار عنالسلام وحكايته ولم يقصد الإنشاء فأي محذور فيه؟ فإن الإخبار عن السلام سلامكما أن الإخبار عن الحمد حمد،‏ بل هذا أتم وأكمل،‏ فإن فيه إشارة إلى أن المصليكأنه يعترف بأنه لا يقدر على سلام النبي صلى االله عليه وسلم كما ينبغي ويليقبشأن الرسول صلى االله عليه وسلم وحقه فيقتصر على حكاية سلام االله تعالى علىحبيبه‎١‎‏،‏ وقد علم أن الاعتراف بالعجز على آلاء االله تعالى من أكمل أفراد الشكر،‏فكذلك الاعتراف بالعجز عن سلام النبي صلى االله عليه وسلم ن أكل أفراد السلامفيحصل الامتثال بقوله تعالى:‏ ‏{يا أ َيها ال َّذين آمنوا صل ُّوا عل َيه وسل ِّموا تسليما ً}‏ .على تقدير الحكاية والإخبار أيضا ً،‏ وكيف لا يحصل الامتثال بالأمر ذه الحكاية وقدعلمها االله نبيه صلى االله عليه وسلم وعلم نبيه أمته؟و ‏(الثاني)‏ أن هذا الخطاب علمه النبي صلى االله عليه وسلم الحاضرين منالصحابة أولا ً ثم أبقى على حاله،‏ وأمثال هذا كثير في الشرع،‏ منها الرمل فإنه كانأولا ً للصحابة الذين قال المشركون فيهم ‏"إنه يقدم عليكم وفد وهنهم حمى يثرب"‏ومن ثم قال عمر رضي االله عنه ما لنا وللرمل إنما كنا رأينا المشركين وقد أهلكم االلهثم أبقى على غيرهم،‏ ولذا قال عمر رضي االله عنه بعده:‏ شيء صنعه النبي صلى االله


٧١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج عليه وسلم فلا نحب أن نتركه،‏ ومنها رمي الجمار إذ أصله رمي الخليل عليه السلامالشيطان عند الجمار لما عرض له عندها بالإغواء للمخالفة في ذبح الولد.‏(١)قال الإمام أحمد : حدثنا شريح ويونس قالا حدثنا حماد بن سلمة عن أبيعاصم الغنوي عن أبي الطفيل عن ابن عباس رضي االله عنهما،‏ أنه قال:‏ لما أمرإبراهيم عليه الصلاة والسلام بالمناسك عرض له الشيطان عند السعي فسابقه فسبقهإبراهيم عليه السلام ثم ذهب به جبرائيل إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماهبسبع حصيات حتى ذهب،‏ ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات،‏ثم تله للجبين وعلى إسماعيل عليه السلام قميص أبيض،‏ فقال له:‏ يا أبت إنه ليس ليثوب تكفنني فيه غيره فأخلعه حتى تكفنني فيه،‏ فعالجه ليخلصه،‏ فنودي من خلفه:‏‏{أ َن ْ يا إ ِبراهيم‏.‏ ق َد صدق ْت الرؤيا}‏ . فالتفت إبراهيم فإذا بكبش أبيض أقرن أعين،‏كذا في تفسير ابن كثير وفي معالم التتريل.‏وروى أبو الطفيل عن ابن عباس رضي االله عنهما عن إبراهيم لما أمر بذبح ابنهعرض له الشيطان ذا المشعر فسابقه فسبقه إبراهيم ثم ذهب إلى جمرة العقبة فعرضله الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب،‏ ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماهبسبع حصيات حتى ذهب،‏ ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى(٢)ذهب،‏ ثم مضى إبراهيم لأمر االله عز وجل:‏ ‏{ف َل َما أ َسل َما وتل َّه لل ْجب ِين ِ}‏ .ومنها قصر الصلاة في السفر فإنه شرع للخوف،‏ قال االله تعالى:‏ ‏{وإ ِذ َا ضربتمفي ال ْأ َرض ِ ف َل َيس عل َيك ُم جناح أ َن ْ تق ْصروا من الصلاة إ ِن ْ خف ْتم أ َن ْ يف ْتنك ُم ال َّذينك َف َروا}‏ .وروى مسلم في صحيحه عن يعلى قال:‏ قلت لعمر بن الخطاب:‏ ‏{ف َل َيس عل َيك ُمجناح أ َن ْ تق ْصروا من الصلاة إ ِن ْ خف ْتم أ َن ْ يف ْتنك ُم ال َّذين ك َف َروا}‏ . فقد أمن الناس،‏المسند (٢٠٢٩) ٢٢٩/١(١)(٢)أخرجه الحميدي (٥١١) و ‏"أحمد"‏ ٢٢٩/١(٢٠٢٩)


٧٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج فقال:‏ عجبت مما عجبت منه فسألت رسول االله صلى االله عليه وسلم عن ذلك فقال:‏(١)‏"صدقة تصدق االله ا عليكم فاقبلوا صدقته".‏(٢)وقال الحافظ في الفتح : قيل هو من الأشياء التي شرع الحكم فيها بسبب ثمزال السبب وبقي الحكم كالرمل،‏ وفي جواب عمر إشارة إليه،‏ وروى السراج منطريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حنظلة وهو الحذاء لا يعرف اسمه قال:‏ سألت ابنعمر عن الصلاة في السفر فقال:‏ فقلت إن االله عز وجل قال:‏ ‏{إ ِن ْ خف ْتم‏}‏ . ونحنآمنون؟ فقال:‏ سنة النبي صلى االله عليه وسلم،‏ وهذا يرجح ما قيل اه ملخصا ً،‏ولعل هذا الاحتمال أراد الطيبي حيث قال:‏ نحن نتبع لفظ الرسول بعينه الذي كان(٤)علمه الصحابة الحاضرين.‏(٣)و ‏(الثالث)‏ ما ذكره الطيبي من أنه يحتمل أن يقال على طريق أهل العرفان:‏ إنالمصلين الخ.‏ وقد سبق نقل عبارته فيما تقدم من الفتح،‏ وحاصله أن الخطاب والنداءمجازي،‏ ولعل شيخ الإسلام ابن تيميه أراد هذا المعنى أو نحوه حيث قال:‏ هذا وأمثالهنداء يطلب به استحضار المنادى في القلب فيخاطب المشهود بالقلب اه.(٥)و ‏(الرابع)‏ أنه صلى االله عليه وسلم نصب العين للمؤمنين،‏ وقرة العين للعابدين،‏دائما ً في جميع الأحوال والأوقات سيما حالة العبادة،‏ فإن النورانية والانكشاف فيهذه الحال أكثر وأقوى.‏ويؤيد هذا المعنى ما ورد في الحديث الصحيح في عذاب القبر من أن العبد إذاوضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان(١)(٢)(٣)(٤)مسلم رقم (٦٨٦) في صلاة المسافرين،‏ باب صلاة المسافرين وقصرها.٥٦٤/٢حديث السراج ٤٥/٣برقم ١٨٠١) ( .(٥)مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ٢٣٣/٣اقتضاء الصراط المستقيم ٣١٩/٢


٧٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ما كنت تقول في هذا الرجل؟ لمحمد صلى االله عليه وسلم،‏ رواه البخاري من حديث(١)أنس بن مالك.‏(٢)قال القسطلاني : وعبر بذلك امتحانا ً لئلا يتلقن تعظيمه من عبارة القائل،‏والإشارة في قوله ‏"هذا"‏ لحاضر فقيل:‏ يكشف للميت حتى يرى النبي صلى االله عليهوسلم،‏ وهي بشرى عظيمة للمؤمن إن صح ذلك،‏ ولا نعلم حديثا ً صحيحا ً مرويا ً فيذلك،‏ والقائل به إنما استند رد أن الإشارة لا تكون إلا لحاضر،‏ لكن يحتمل أنتكون الإشارة لما في الذهن فيكون مجازا ً اه.‏ وهذا الاحتمال أيضا ً يؤول إلى أنهذا الخطاب والنداء مجازي.‏و ‏(الخامس)‏ أن هذا الخطاب وجهه سريان الحقيقة المحمدية عليها الصلاةوالسلام في ذرائر الموجودات،‏ وأفراد الممكنات،‏ فهو صلى االله عليه وسلم موجودفي ذوات المصلين،‏ فلابد للمصلي أن يتنبه إلى هذا المعنى،‏ ولا يغفل عن هذا الشهود،‏ليتنور بأنوار القرب وأسرار المعرفة.‏قلت:‏ هذا مما لا دليل عليه من الكتاب والسنة،‏ بل عسى أن يكون باطلا ً فلايصغي إليه .وتحقيق المقام يقتضي تمهيدا ً،‏ وهو أن تشهده صلى االله عليه وسلم كان مثل ماعلم الأمة فيقول صلى االله عليه وسلم في التشهد ‏"السلام عليك أيها النبي"‏ ما أمرالأمة.‏ قال الطحاوي في ‏(شرح معاني الآثار)‏ : حدثنا محمد بن حميد أبو قرة قالحدثنا سعيد بن أبي مرج قال أخبرنا ابن لهيعة قال حدثني الحارث بن يزيد أن أباأسلم المؤذن حدثه أنه سمع عبد االله بن الزبير يقول:‏ إن تشهد رسول االله صلى االلهعليه وسلم الذي كان يتشهد به ‏"بسم االله وباالله خير الأسماء،‏ التحيات الطيباتالصلوات الله،‏ أشهد أن لا إله إلا االله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا ً عبده(١٣٣٨) ١١٣/٢ و‎١٢٣/٢‎ (١٣٧٤)(١)(٢)إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ٤٦٤/٢


٧٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج .(٢)ورسوله،‏ أرسله بالحق بشيرا ً ونذيرا ً،‏ وأن الساعة آتية لا ريب فيها،‏ السلام عليكأيها النبي ورحمة االله وبركاته،‏ السلام علينا وعلى عباد االله الصالحين،‏ اللهم اغفر لي(١)واهدني".‏وفي مجمع الزوائد عن ابن مسعود أن رسول االله صلى االله عليه وسلم كانيتشهد في الصلاة،‏ قال فكنا نحفظ عن رسول االله صلى االله عليه وسلم كما نحفظحروف القرآن الواوات والألفات إذا جلس على وركه اليسرى.‏ رواه الطبراني فيالكبير هكذاوأيضا ً في مجمع الزوائد عن أبي الورد أنه سمع عبد االله بن الزبير يقول:‏ إن تشهدرسول االله صلى االله عليه وسلم كان يتشهد ‏"ببسم االله وباالله خير الأسماء،‏ التحياتالطيبات الصلوات الله،‏ أشهد أن لا إله إلا االله وحده لا شريك له،‏ وأن محمدا ً عبدهورسوله،‏ أرسله بالحق بشيرا ً ونذيرا ً،‏ وأن الساعة آتية لا ريب فيها،‏ السلام عليكأيها النبي الكريم ورحمة االله وبركاته،‏ السلام علينا وعلى عباد االله الصالحين،‏ اللهماغفر لي واهدني".‏ رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط وزاد فيه:‏ وحده لاشريك له،‏ وقال في آخره:‏ هذا في الركعتين الأوليين،‏ ومداره على ابن لهيعة وفيه(٣)كلام.‏إذا عرفت هذا فقد علمت بطلان الاحتمالات الأربعة الأخيرة،‏ والملازمة ظاهرةفلا نطول الكلام ببياا،‏ فوجه الخطاب حينئذ إما الاحتمال الأول إن ثبت ما رويفيه وإلا فهو مما لم نؤت علمه،‏ فينبغي لنا أن لا نبحث فيه ونكل أمره إلى االله تعالى،‏قال االله تعالى:‏ ‏{ولا تق ْف ما ل َيس ل َك ب ِه عل ْم إ ِن َّ السمع وال ْبصر وال ْف ُؤاد ك ُل ُّ أ ُول َئك(١)(٢)(٣)شرح معاني الآثار ٢٦٥/١٥٣ /١٠٢٦٥/١٤‏(‏‎٩٩٣٢‎‏)،وقال الهيثمي ١٤١: ٢/ في إسناد الطبراني زهير بن مروان ولم أجد من ذكره.‏وذكره الهيثمي في ‏"مجمع الزوائد"‏ (١٤١/٢-١٤٢) ، وقال:‏ ‏«رواه البزار والطبراني في‏"الكبير"‏ و"الأوسط"‏ وزاد فيه:‏ ‏«وحده لا شريك له»‏ ، وقال في آخره:‏ ‏«هذا من الركعتين الأوليين»‏ومداره على ابن لهيعة،‏ وفيه كلام»‏ .،


٧٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ك َان َ عنه مسؤولا ً}‏ . وإذا ً يكون هذا الخطاب معدولا ً عن العقل والقياس،‏ فيكونمقصورا ً على مورده،‏ فلا يقتضي هذا الخطاب جواز خطابه صلى االله عليه وسلموندائه في غير تشهد الصلاة.‏قالوا :وصح عن بلال بن الحارث رضي االله عنه أنه ذبح شاة عام القحطالمسمى الرمادة فوجدها هزيلة،‏ فصار يقول:‏ وامحمداه،‏ وامحمداه.‏الجواب:‏ فيه كلام من وجهين:‏‏(الأول)‏ أن دعوى صحة هذا الأثر مفتقرة إلى إقامة الحجة عليها،‏ ودوا لايلتفت إليها.‏و ‏(الثاني)‏ أن هذا ليس نداء بل ندبة،‏ كما تقرر في مقره من أن ‏"وا"‏ إنما تدخلعلى المندوب لا على المنادى،‏ فإن قلت:‏ المندوب عند البعض داخل في المنادى،‏فالجواب أن من يدخله في المنادى فالجواب أن من يدخله في المنادى فإنما يدخله فيالمنادى الحكمي لا الحقيقي،‏ فلم يكن مما نحن فيه في شيء.‏قالوا :وصح أيضا ً أن أصحاب النبي صلى االله عليه وسلم لما قاتلوا مسليمةالكذاب كان شعارهم:‏ وامحمداه وامحمداه.‏الجواب:‏ الكلام عليه بوجهين:‏‏(الأول)‏ أن القول بصحة هذا الأثر كلام بلا دليل فلا يقبل.‏و ‏(الثاني)‏ أن هذا مندوب أو منادى حكمي فلم يكن مما نحن فيه في شيء.‏قالوا : وفي ‏(الشفاء)‏ للقاضي عياض أن عبد االله بن عمر رضي االله عنه خدلترجله مرة فقيل له اذكر أحب الناس إليك،‏ فقال:‏ وامحمداه فانطلقت رجله.‏الجواب:‏ فيه كلام من وجوهين:‏


٧٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(الأول)‏ المطالبة بإثبات صحة هذا الأثر أو حسنه ودونه لا يصغى إليه.‏و ‏(الثاني)‏ أن هذا ليس نداء حقيقيا ً،‏ إنما هو ندبة أو نداء مجازي.‏قالوا :جاء الخطاب والنداء للجمادات في أحاديث كثيرة،‏ منها أنه صلى االلهعليه وسلم كان إذا نزل أرضا ً قال ‏"يا أرض،‏ ربي وربك االله"‏ فهذا نداء وخطابلجماد،‏ ولا كفر ولا إشراك فيه،‏ إذ ليس فيه اعتقاد ألوهية واستحقاق عبادة ولااعتقاد تأثير لغير االله تعالى.‏الجواب:‏ هذا الخطاب والنداء مجازي،‏ وقد تقدم شيء من بيانه.‏قالوا :قد ذكر الفقهاء في آداب السفر أن المسافر إذا انفلتت دابته بأرض ليسا أنيس فليقل:‏ يا عباد االله احبسوا،‏ وإذا أضل شيئا ً أو أراد عونا ً فليقل:‏ يا عباد االلهأعينوني أو أغيثوني فإن الله عبادا ً لا نراهم،‏ واستدل الفقهاء على ذلك بما رواه ابنالسني عن عبد االله بن مسعود رضي االله عنه قال:‏ قال رسول االله صلى االله عليهوسلم ‏"إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد:‏ يا عباد االله احبسوا،‏ فإن الله عبادا ًيجيبونه"‏ ففيه نداء وطلب نفع.‏الجواب:‏ هذا الحديث ضعيف،‏ في سنده:‏ معروف بن حسان.‏ قال ابن عدي في‏"الكامل"‏ ٢٣٢٦/٦": منكر الحديث اه.‏ وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل٣٢٣/٨ عن أبيه:‏ مجهول اه.‏وذكره الذهبي في كتاب الضعفاء.‏وأعله ابن حجر بالانقطاع بين عبد االله بن بريدة وابن مسعود رضي االله عنهنقل ذلك ابن علان في شرح الأذكار.١٥٠/٥ولفظ حديث ابن مسعود عند الطبراني في المعجم الكبير ٢٦٧/١٠: ‏"إذا انفلتتدابة أحدكم بأرض فلاة،‏ فليناد:‏ يا عباد االله احبسوا علي،‏ فإن الله حاضرا ً سيحبسهعليكم".‏


٧٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ١١٧/١٧-وقد أخرج الحديث الطبراني ‏-أيضا ً-‏ في المعجم الكبير عن عتبة بنغزوان ‏-مرفوعا ً-‏ قال:‏ ‏"إذا ضل أحدكم شيئا ً أو أراد أحدكم عونا ً،‏ وهو بأرضليس فيها أنيس،‏ فليقل:‏ يا عباد االله أغيثوني.‏ يا عباد االله أغيثوني،‏ فإن الله عبادا ً لانراهم".‏قال الهيثمي في مجمع الزوائد ١٣٢/١٠: رواه الطبراني،‏ ورجاله وثقوا علىضعف في بعضهم،‏ إلا أن زيد بن علي لم يدرك عتبة اه.‏قلت:‏ وفي سنده عبد الرحمن بن شريك،‏ قال أبو حاتم:‏ واهي الحديث.‏ وقالابن حبان:‏ ربما أخطأ.‏ وفي السند أيضا ً والده شريك بن عبد االله.‏ قال الحافظ ابنحجر في التقريب:‏ صدوق يخطئ كثيرا ً،‏ تغير حفظه منذ ولي القضاء.‏وفي السند انقطاع بين زيد بن علي وعتبة بن غزوان.‏ كما تقدم في كلامالهيثمي.‏ وكما ذكره ابن حجر،‏ نقله عنه ابن علان في شرح الأذكار ١٥٠/٥.ومن المعلوم إن كان صحيحا-‏ أن النبي صلى االله عليه وسلم لا يأمر منانفلتت دابته أن يطلب ردها وينادي من لا يسمعه وله قدرة على ذلك،‏ كما يناديالإنسان أصحابه الذين معه في سفره ليردوا دابته.‏ وهذا يدل ‏-إن صح-‏ على أن اللهجنودا يسمعون ويقدرون ‏{وما يعل َم جنود ربك إ ِل َّا هو‏}‏ ‏[المدثر:‏‎٣١‎‏]‏ وروى زيادةلفظة في الحديث:‏ ‏"فإن الله حاضرا"‏ ، فهذا صريح في أنه إنما ينادي حاضرا يسمع،‏فكيف يستدل بذلك على جواز الاستغاثة بأهل القبور والغائبين.‏فمن استدل ذا الحديث على دعاء الأموات لزمه أن يقول:‏ إن دعاء الأمواتونحوهم،‏ إما مستحب أو مباح؛ لأن لفظ الحديث ‏"فليناد"‏ وهذا أمر أقل أحوالهالاستحباب أو الإباحة.‏ ومن ادعى أن الاستغاثة بالأموات والغائبين مستحب أومباح فقد مرق من الإسلام.‏فإذا تحققت أن الرسول صلى االله عليه وسلم لا يأمر من انفلتت دابته أن يناديمن لا يسمعه ولا قدرة له على ذلك،‏ وكما دل عليه قوله:‏ " فإن الله حاضرا"‏ تبين


٧٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -لك ضلال من استدل به على دعاء الغائبين والأموات الذين لا يسمعون ولا ينفعون،‏وهل هذا إلا مضادة لقوله تعالى:‏ ‏{ولا َ تدع من دون االلهِ‏ ما لا َ ينف َعك ولا َ يضركف َإ ِن ف َعل ْت ف َإ ِنك إ ِذ ًا من الظ َّالمين‏}‏ ‏[يونس:‏‎١٠٦‎‏]‏ ‏{و (٢) ال َّذين تدعون َ من دون ِه مايملك ُون َ من قط ْم ِ ير إ ِن ْ تدعوهم لا يسمعوا دعاءَك ُم ول َو سمعوا ما استجابوا ل َك ُمويوم ال ْقيامة يك ْف ُرون َ ب ِشركك ُم‏}‏ ‏[فاطر:‏‎١٤-١٣‎‏]‏ وقوله:‏ ‏{ومن أ َضل ُّ ممن يدعومن دون الل َّه من ل َّا يستج ِيب ل َه إ ِل َى يوم ِ ال ْقيامة وهم عن دعائه ِم غ َافل ُون َ}‏‏[الأحقاف:‏‎٥‎‏]‏ ، وقال:‏ ‏{ل َه دعوة ُ ال ْحق وال َّذين يدعون َ من دون ِه لا َ يستج ِيبون َ ل َهمب ِشيءٍ‏ إ ِلا َّ ك َباسط ك َف َّيه إ ِل َى ال ْماء}‏ ‏[الرعد:‏‎١٤‎‏]‏ . فهذه الآيات وأضعافها نص فيتضليل من دعا من لا يسمع دعاءه ولا قدرة له على نفعه ولا ضره،‏ ولو قدر سماعهفإنه عاجز.‏فكيف تترك نصوص القرآن الواضحة وترد بقوله:‏ ‏"يا عباد االله احبسوا"‏ مع أنهليس في ذلك معارضة لما دل عليه القرآن ولا شبهة معارضة والله الحمد.‏--قالوا :-روي عن ابن عباس رضي االله عنه أن رسول االله - صلى االله عليهوآله وسلم قال:‏ ‏«إن الله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط منورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد أعينوا عباد االله.‏الجواب:‏ قال الهيثمي:‏ رواه الطبراني ورجاله ثقات.‏والموضوعة)‏ (٢/-قال الشيخ الألباني رحمه االله في ‏(السلسلة الضعيفة١٠٩): وأخرجه البزار عن ابن عباس بلفظ:‏ ‏«إن الله تعالى ملائكة في الأرض سوىالحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر،‏ فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاةفليناد:‏ يا عباد االله أعينوني».قال الحافظ كما في ‏(شرح ابن علان)‏ (٥/‏«هذا حديث حسن الإسناد غريب جدا،‏ أخرجه البزار وقال:‏ لا نعلم يروى عنالنبي صلى االله عليه وآله وسلم ذا اللفظ إلا من هذا الوجه ذاالإسناد».وحسنه السخاوي أيضا في ‏(الابتهاج)‏ وقال الهيثمي:‏ ‏«رجاله ثقات».قلت‏(أي الألباني):‏ ورواه البيهقي في ‏(الشعب)‏ موقوف ًا كما يأتي .... ثم قال الشيخ:(١٥١--


٧٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج الألباني:‏ وقفت على إسناد البزار في " زوائده " ‏(ص ٣٠٣): حدثنا موسى بنإسحاق:‏ حدثنا منجاب بن الحارث:‏ حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد ‏(عنأبان)‏ ابن صالح عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى االله عليه وآله وسلمقال:‏ فذكره.‏ قلت:‏ وهذاإسناد حسن كما قالوا،‏ فإن رجاله كلهم ثقات غير أسامةبن زيد وهو الليثي وهو من رجال مسلم،‏ على ضعف في حفظه،‏ قال الحافظ في‏(التقريب):‏ ‏«صدوق يهم».‏----٥٢وموسى بن إسحاق هو أبو بكر الأنصاري ثقة،‏ ترجمه الخطيب البغدادي في٥٤) ترجمة جيدة.‏ نعم خالفه جعفر بن عون فقال:‏ حدثناأسامة بن زيد.‏ ... فذكره موقوفا على ابن عباس.‏ أخرجه البيهقي في ‏(شعب‎٤٥٥‎‏).وجعفر بن عون أوثق من حاتم بن إسماعيل،‏ فإما وإن كانا منرجال الشيخين،‏ فالأول منهما لم يجرح بشيء،‏ بخلاف الآخر،‏ فقد قال فيه النسائي:‏ليس بالقوي.‏ وقال غيره:‏ كانت فيه غفلة.‏ ولذلك قال فيه الحافظ:‏ ‏«صحيحالكتاب،‏ صدوق يهم».‏ وقال في جعفر:‏ ‏«صدوق».ولذلك فالحديث عندي معلولبالمخالفة،‏ والأرجح أنه موقوف،‏ وليس هو من الأحاديث التي يمكن القطع بأا فيحكم المرفوع،‏ لاحتمال أن يكون ابن عباس تلقاها من مسلمة أهل الكتاب.‏ وااللهأعلم.‏-‏(تاريخه)‏ (١٣/الإيمان)‏ (٢/ولعل الحافظ ابن حجر رحمه االله لو اطلع على هذه الطريق الموقوفة،‏لانكشفت له العلة،‏ وأعله بالوقف كما فعلت،‏ ولأغناه ذلك عن استغرابه جدا،‏ وااللهأعلم.»‏ اه.‏تنبيه:‏ قولهم:‏ ‏«رجاله رجال الصحيح»‏ أو ‏«رجاله ثقات»،‏ ليس تصحيحاللحديث؛ لأن من شروط الحديث الصحيح أن يسلم من العلل التي بعضها الشذوذوالاضطراب والتدليس،‏ وعليه فقول بعض المحدثين في حديث ما:‏ ‏«رجاله رجالالصحيح»‏ أو:‏ ‏«رجاله ثقات»‏ أو نحو ذلك لا يساوي قوله:‏ ‏«إسناده صحيح»‏ فإنهذا يثبت وجود جميع شروط الصحة التي منها السلامة من العلل،‏ بخلاف القول


٨٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج --الأول،‏ فإنه لا يثبتها،‏ وإنما يثبت شرط ًا واحدا فقط وهو عدالة الرجال وثقتهم وذالا تثبت الصحة كما لا يخفى.‏تنبيه آخر:‏ قد يسل َم الحديث المقول فيه ذلك القول من تلك العلل ومع ذلك فلايكون صحيحا،‏ لأنه قد يكون في السند رجل من رجال الصحيح ولكن لم يحتج به،‏وإنما أخرج له استشهادا أو مقرونا بغيره لضعف في حفظه،‏ أو يكون ممن تفردبتوثيقه ابن حبان،‏ وكثيرا ما يشير بعض المحققين إلى ذلك بقوله:‏ ‏«ورجاله موثقون»‏إشارة إلى أن في توثيق بعضهم لينا،‏ فهذا كله يمنع من أن تفهم الصحه من قولهمالذي ذكرنا.‏تنبيه أخير:‏ قال أحد دعاة الصوفية المعاصرين بعد أن استشهد بالحديث:‏ ‏«ولايبعد أن يقاس على الملائكة أرواح الصالحين فهي أجسام نورانية باقية في عالمها».‏الرد:‏ أول ًا:‏ من أين لك هذا؟ كيف يقال:‏ ‏«إن أرواح الصالحين أجسام نورانية»‏مع أن االله عز وجل قد قال:‏ ‏{ويسأ َل ُونك عن ِ الروح ِ ق ُل ِ الروح من أ َمر ِ ربيوما أ ُوتيتم من ال ْعل ْم ِ إ ِل َّا ق َليل ًا}‏ ‏(الإسراء:‏‎٨٥‎‏)‏قال الحافظ ابن كثير:‏ ‏{ق ُل ِ الروح من أ َمر ِ ربي}‏ أي:‏ من شأنه،‏ ومما استأثربعلمه دونكم؛ ولهذا قال:‏ ‏{وما أ ُوتيتم من ال ْعل ْم ِ إ ِلا ق َليلا}‏ أي:‏ وما أطلعكم منعلمه إلا على القليل،‏ فإنه لا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء تبارك وتعالى.‏ثانيا:‏ بقاء أرواح الصالحين في عالمها ليس دليل ًا على أا تنفع أو تضر.‏ فالحياةالبرزخية حياة لا يعلمها إلا االله تعالى،‏ وليس لها أية علاقة بالحياة الدنيا وليس لها اأي صلة ... فهي حياة مستقلة نؤمن ا ولا نعلم ما هيتها.‏وإن ما بين الأحياء والأموات حاجز يمنع الاتصال فيما بينهم قطعيا وعلى هذافيستحيل الاتصال بينهم لا ذاتا ولا صفات واالله سبحانه يقول:‏ ‏{ومن ورائه ِم برزخإ ِل َى يوم ِ يبعث ُون َ}‏ ‏(المؤمنون:‏‎١٠٠‎‏)‏ والبرزخ معناه:‏ الحاجز الذي يحول دون اتصال


٨١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -هؤلاء ؤلاء.‏ لا سيما وأن االله تعالى يقول:‏ ‏{إ ِنك ل َا تسمع ال ْموتى}‏ ‏(النمل:‏‎٨٠‎‏)‏ويقول عز وجل -: ‏{وما أ َنت ب ِمسمع ٍ من في ال ْق ُبور ِ}‏ ‏(فاطر:‏‎٢٢‎‏).‏قال الشيخ الألباني:‏ فهذا الحديث إذا صح يعين أن المراد بقوله فيالحديث الأول:‏ ‏«يا عباد االله»‏ إنما هم الملائكة،‏ فلا يجوز أن يلحق م المسلمون منالجن أو الإنس ممن يسموم برجال الغيب من الأولياء والصالحين،‏ سواء كانوا أحياءأو أمواتا،‏ فإن الاستغاثة م وطلب العون منهم شرك بين لأم لا يسمعون الدعاء،‏ولو سمعوا لما استطاعوا الاستجابة وتحقيق الرغبة،‏ وهذا صريح في آيات كثيرة،‏ منهاقوله تبارك وتعالى:‏ ‏{وال َّذين تدعون َ من دون ِه ما يملك ُون َ من قط ْمير ٍ * إ ِن ْ تدعوهم ل َايسمعوا دعاءَك ُم ول َو سمعوا ما استجابوا ل َك ُم ويوم ال ْقيامة يك ْف ُرون َ ب ِشركك ُم ول َاينبئ ُك مث ْل ُ خب ِير ٍ}‏ ‏(فاطر.(١٤ - ١٣قالوا : وروى البخاري عن أنس رضي االله عنه أن فاطمة رضي االله عنها بنترسول االله صلى االله عليه وسلم قالت لما توفي رسول االله صلى االله عليه وسلم:‏ ياأبتاه ‏-......الحديث-‏ ففي هذا الحديث أيضا ً نداؤه صلى االله عليه وسلم بعد وفاته.‏الجواب:‏ هذا ليس من النداء في شيء،‏ بل هو ندبة،‏ يرشدك إلى هذا كون هذاالكلام صادر وقت الوفاة،‏ ووقوع لفظ النعي فيه وزيادة الألف في آخره لمد الصوتالمطلوب في الندبة،‏ فالقول بكونه نداء أدل دليل على جهل قائله.‏قالوا : ومن النداء للميت ما جاء في الحديث المشهور حديث نادى النبي صلىاالله عليه وسلم كفار قريش المقتولين يوم بدر بعد إلقائهم في القليب،‏ رواه البخاري(١).الجواب:‏ الجواب عنه من وجوه:‏صحيح البخاري /٥) (٧٦ (٣٩٧٦)(١)


٨٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (١)‏(الأول)‏ : أن االله تعالى أحياهم حتى أسمعهم قول النبي صلى االله عليه وسلم علىطريق خرق العادة،‏ والدليل عليه ما روى البخاري في المغازي عن ابن عمر قال:‏وقف النبي صلى االله عليه وسلم على قليب بدر فقال:‏ ‏"هل وجدتم ما وعد ربكمحقا ً"‏ ثم قال ‏"إم الآن يسمعون ما أقول"‏ الحديث،‏ فإن لفظة ‏"الآن"‏ دليل واضحعليه،‏ والتخصيص بما أقول يمكن الاستئناس به على أن ذلك كان من قبيل خرقالعادة،‏ وقال قتادة:‏ أحياهم االله حتى أسمعهم قوله توبيخا ً وتصغيرا ً ونقمة وحسرةوندما ً رواه البخاري في صحيحه ، ورواه أحمد بلفظ:‏ قال قتادة:‏ أحياهم االله لهحتى سمعوا قوله توبيخا ً وتصغيرا ً،‏ ورجاله رجال الصحيح.‏(٢)(٣)قال السهيلي ما محصله:‏ إن في نفس الخبر ما يدل على خرق العادة بذلك للنبيصلى االله عليه وسلم لقول الصحابة له:‏ أتخاطب أقواما ً جيفوا؟ فأجام.‏ كذا فيالفتح ، وإذا كان الذي وقع حينئذ من خوارق العادة للنبي صلى االله عليه وسلمحينئذ لم يصح التمسك به على جواز نداء الميت.‏و ‏(الثاني)‏ : أن هذا النداء لم يكن لطلب ما لا يقدر عليه إلا االله،‏ بل إنما كانتوبيخا ً وتصغيرا ً،‏ فعلى تقدير عدم كونه من خوارق العادة إنما يثبت به جواز نداءمن علم موته على الكفر قطعا ً على قبره وقول ما قال رسول االله صلى االله عليهوسلم لقتلى بدر من المشركين توبيخا ً وتصغيرا ً،‏ وهذا لا نزاع فيه،‏ إنما التراع فيندائهم الأموات من الأنبياء والصالحين تعظيما ً وإكراما ً لهم متضرعين خاشعين طالبينلما لا يقدر عليه إلا االله،‏ وهذا لا يدل عليه الحديث أصلا ً.‏و ‏(الثالث)‏ : أن هذا النداء معدول عن القياس مخالف له،‏ فيكون مقصورا ً علىالمورد فلا يقاس عليه غيره،‏ وقد صدر مثل هذا التقريع والتوبيخ من الأنبياء السابقين٧٦/٥٢٧٩/٢٦٣٠٤/٧(١)(٢)(٣)


٨٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -أيضا ً كصالح عليه السلام،‏ قال االله تعالى في سورة الأعراف:‏ ‏{ف َتول َّى عنهم وق َال َ ياق َوم ِ ل َق َد أ َبل َغتك ُم ر ِسال َة َ ربي ونصحت ل َك ُم ول َكن لا تحبون َ الناصحين‏}‏ .قال الحافظ ابن كثير في تفسيره:‏ هذا تقريع من صالح عليه السلام لقومه لماأهلكهم االله بمخالفتهم إياه وتمردهم على االله وإبائهم عن قبول الحق وإعراضهم عنالهدى إلى العمى،‏ قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم تقريعا ً وتوبيخا ً وهم يسمعونذلك.‏ اه.‏ وكشعيب عليه السلام،‏ قال تعالى في سورة الأعراف:‏ ‏{ف َتول َّى عنهموق َال َ يا ق َوم ِ ل َق َد أ َبل َغتك ُم ر ِسالات ربي ونصحت ل َك ُم ف َك َيف آسى عل َى ق َوم ٍك َافر ِين‏}‏ .قال الحافظ بن كثير:‏ أي فتولى عنهم شعيب عليه السلام بعدما أصام ماأصام من العذاب والنقمة والنكال،‏ وقال مقرعا ً لهم وموبخا ً:‏ ‏{يا ق َوم ِ ل َق َد أ َبل َغتك ُم(١)ر ِسالات ربي ونصحت ل َك ُم‏}‏ . اه.‏قالوا : وأما ما جاء من الآثار،‏ عن الأئمة الأحبار،‏ والعلماء الأخيار،‏ والأولياءالكبار،‏ مما يدل على جواز ذلك النداء والخطاب فشيء كثير تنقضي دون نقلهالأعمار،‏ ومضى على ذلك القرون والأعصار،‏ ولا وقع منهم إنكار.‏الجواب:‏ دلالة ما جاء من الآثار على جواز نداء الأموات والجمادات نداءحقيقيا ً بحيث يطلب فيه منهم ما لا يقدر عليه إلا االله ممنوعة،‏ ومن يدعي فعليهالبيان،‏ وأما مطلق النداء فلا يمنعه أحد.‏قالوا :نحن لا نشرك باالله،‏ ونشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلااالله وحده لا شريك له،‏ وأن محمدا صلى االله عليه وآله وسلم لا يملك لنفسهنفعا ولا ضرا،‏ ولكننا مذنبون،‏ والصالحون لهم جاه عند االله،‏ ونطلب من االله م.‏-(٢٣٣ / ٢)(١)


٨٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ---الجواب:‏ اعلم أن الذين قاتلهم رسول االله صلى االله عليه وآله وسلمواستباح دماءهم ونساءهم مقرون بذلك،‏ ومقرون بأن أوثام لا تدبر شيئ ًا،‏ وإنماأرادوا الجاه والشفاعة،‏ ولم يغن ِهم هذا التوحيد شيئ ًا.‏وقد ذكر االله عز وجل - في محكم كتابه:‏ ‏{وما أ َرسل ْنا من ق َبلك من رسول ٍإ ِلا نوحي إ ِل َيه أ َنه لا إ ِل َه إ ِلا أ َنا ف َاعبدون‏}‏ ‏(الأنبياء:‏‎٢٥‎‏).وقال تعالى:‏ ‏{وما خل َق ْتال ْج ِن والإِنس إ ِلا ليعبدون‏}‏ ‏(الذاريات:‏‎٥٦‎‏).وقال تعالى:‏ ‏{شه ِد االلهُ‏ أ َنه لا َ إ ِل َه إ ِلا َّ هووال ْملا َئك َة ُ وأ ُول ُوا ْ ال ْعل ْم ِ ق َآئما ب ِال ْقسط لا َ إ ِل َه إ ِلا َّ هو ال ْعز ِيز ال ْحكيم‏}‏ ‏(آلعمران:‏‎١٨‎‏).وقال تعالى:‏ ‏{وإ ِل َهك ُم إ ِل َه واحد لا َّ إ ِل َه إ ِلا َّ هو الرحمن الرحيم‏}‏‏(البقرة:‏‎١٦٣‎‏).وقال تعالى:‏ ‏{ف َإ ِياي ف َاعبدون‏}‏ ‏(العنكبوت:‏‎٥٦‎‏)‏ إلى غيرها منالآيات الكثيرة الدالة على وجوب توحيد االله عز وجل - في عبادته،‏ وأن لا يعبدأحد سواه.‏-بأصنام.‏قالوا : إن الآيات التي ذكرا نزلت فيمن يعبد الأصنام،‏ وهؤلاء الأولياء ليسواالجواب:‏ اعلم أن كل من عبد غير االله فقد جعل معبوده وثنا فأي فرق بين منعبد الأصنام وعبد الأنبياء والأولياء؟!‏فالكفار منهم من يدعو الأصنام لطلب الشفاعة،‏ ومنهم من يعبد الأولياء،‏والدليل على أم يدعون الأولياء قوله تعالى:‏ ‏{أ ُول َئك ال َّذين يدعون َ يبتغون َ إ ِل َى ربه ِمال ْوسيل َة َ}‏ ‏(الإسراء:‏ ٥٧) ‏(أي أن المعبودين يبتغون القربة إلى رم).‏ وكذلك يعبدونالأنبياء كعبادة النصارى المسيح ابن مريم والدليل قوله تعالى:‏ ‏{وإ ِذ ْ ق َال َ االلهُ‏ يا عيسىابن مريم أ َأ َنت ق ُلت للناس ِ اتخذ ُون ِي وأ ُمي إ ِل َهين ِ من دون االلهِ‏ ق َال َ سبحانك ما يك ُون ُلي أ َن ْ أ َق ُول َ ما ل َيس لي ب ِحق إ ِن ك ُنت ق ُل ْته ف َق َد علمته تعل َم ما في نف ْسِي ولا َ أ َعل َم مافي نف ْسِك إ ِنك أ َنت علا َّم ال ْغيوب ِ}‏ ‏(المائدة:‏‎١١٦‎‏)،‏ وكذلك يعبدون الملائكة كقولهتعالى:‏ ‏{ويوم يحشرهم جميعا ث ُم يق ُول ُ لل ْملائك َة أ َهؤلاء إ ِياك ُم ك َانوا يعبدون َ}‏‏(سبأ:‏‎٤٠‎‏).‏


٨٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -فبهذا تبين تلبيسهم بكون المشركين يعبدون الأصنام وهم يدعون الأولياءوالصالحين من وجهين:‏ الوجه الأول:‏ أنه لاصحة لتلبيسهم؛ لأن من أولئك المشركينمن يعبد الأولياء والصالحين.‏الوجه الثاني:‏ لو قدرنا أن أولئك المشركين لا يعبدون إلا الأصنام فلا فرق بينهموبين المشركين لأن الكل عبد من لا يغني عنه شيئ ًا.‏وذا عرفنا أن االله كف َّر من قصد الأصنام،‏ وكفر أيضا من قصد الصالحينوقاتلهم رسول االله صلى االله عليه وآله وسلم على هذا الشرك ولم ينفعهم أنكان المعبودون من أولياء االله وأنبيائه.‏--قالوا :-الكفار يريدون من الأصنام أن ينفعوهم أو يضروهم،‏ ونحن لا نريد إلامن االله والصالحون ليس لهم من الأمر شيء،‏ ونحن لا نعتقد فيهم ولكن نتقرب مإلى االله عز وجل ليكونوا شفعاء.‏الجواب:‏ اعلم أن هذا قول الكفار سواءً‏ بسواء حيث قال تعالى:‏ ‏{وال َّذيناتخذ ُوا من دون ِه أ َولياء ما نعبدهم إ ِلا ليق َربونا إ ِل َى االلهِ‏ زل ْف َى}‏ ‏(الزمر:‏‎٣‎‏)‏ وقوله تعالى:‏‏{هؤلاء شف َعاؤنا عند االلهِ}‏ ‏(يونس:‏‎١٨‎‏).‏قالوا:‏ نحن لا نعبد إلا االله،‏ وهذا الالتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة.‏الجواب:‏ اعلم إن االله فرض عليك إخلاص العبادة له وهو حقه على الناس،‏حيث قال تعالى:‏ ‏{ادعوا ْ ربك ُم تضرعا وخف ْية ً إ ِنه لا َ يحب ال ْمعتدين‏}‏‏(الأعراف:‏‎٥٥‎‏).والدعاء عبادة،‏ وإذا كان عبادة فإن دعاء غير االله شرك باالله عزوجل والذي يستحق أن يدعى ويعبد ويرجى هو االله وحده لا شريك له.‏---فإذا علمنا أن الدعاء عبادة،‏ ودعونا االله ليل ًا وارا،‏ خوف ًا وطمعا،‏ ثم دعونا فيأو غيره فقد أشركنا في عبادة االلهصلى االله عليه وآله وسلم تلك الحاجة نبينا غيره.‏-


٨٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وقال تعالى:‏ ‏{ف َصل ِّ لربك وانحر}‏ ‏(الكوثر:‏‎٢‎‏)‏ فإذا أطعنا االله ونحرنا له،‏ فهذهعبادة الله،‏ فإذا نحرنا لمخلوق نبي،‏ أو جني أو غيرهما فقد أشركنا في العبادة غيراالله.‏والمشركون الذين نزل فيهم القرآن،‏ كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات،‏وما كانت عبادم إياهم إلا في الدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك،‏ وهم مقرونأم عبيد الله وتحت قهره،‏ وأن االله هو الذي يدبر الأمر،‏ ولكن دعوهم والتجأواإليهم للجاه والشفاعة وهذا ظاهر جدا.‏قالوا :أنتم تنكرون شفاعة الرسول - صلى االله عليه وآله وسلم-.--الجواب:‏ نحن لا ننكر شفاعة الرسول - صلى االله عليه وآله وسلم ولا نتبرأمنها،‏ بل هو - صلى االله عليه وآله وسلم -، الشافع المشفع ونرجو شفاعته،‏ ولكنالشفاعة كلها الله،‏ كما قال تعالى:‏ ‏{ق ُل اللهِ‏ الشف َاعة ُ جميعا}‏ ‏(الزمر:‏‎٤٤‎‏).ولا تكونإلا من بعد إذن االله كما قال عز وجل -: ‏{من ذ َا ال َّذي يشف َع عنده إ ِلا َّ ب ِإ ِذ ْن ِه‏}‏‏(البقرة:‏‎٢٥٥‎‏)‏ ولا يشفع إلا من بعد أن يأذن االله فيه كما قال عز وجليشف َعون َ إ ِلا لمن ِ ارتضى}‏ ‏(الأنبياء:‏‎٢٨‎‏).واالله لا يرضى إلا التوحيد كما قال عزوجل -: ‏{ومن يبتغ ِ غ َير الإِسلا َم ِ دينا ف َل َن يق ْبل َ منه‏}‏ ‏(آل عمران:‏‎٨٥‎‏).‏-: ‏{ولا----فإذا كانت الشفاعة كلها الله،‏ ولا تكون إلا من بعد إذنه،‏ ولا يشفع النبيصلى االله عليه وآله وسلم ولا غيره في أحد حتى يأذن االله فيه،‏ ولا يأذن إلا لأهلالتوحيد،‏ فاطلب الشفاعة من االله،‏ فقل:‏ اللهم لا تحرمني شفاعة النبي صلى االلهعليه وآله وسلم -، اللهم شف ِّعه في‏،‏ وأمثال هذا.‏-قالوا :نحن لا نشرك باالله شيئ ًا ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك.‏فالشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام.‏الجواب:‏ اعلم أن عباد الأصنام لا يعتقدون أا تخلق وترزق وتدبر أمر مندعاها،‏ وإن القرآن يكذب من قال أم كانوا يعتقدون غير ذلك.‏ وأن عباد الأصنام


٨٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج هم من قصد خشبة،‏ أو حجرا،‏ أو بنية على قبر أو غيره،‏ يدعون ذلك ويذبحون لهويقولون:‏ إنه يقربنا إلى االله زلفى ويدفع االله عنا ببركته أو يعطينا.‏ وأن فعلكم عندالأحجار والأبنية التي على القبور وغيرها هو نفس فعلهم،‏ وذا يكون فعلكم هوعبادة الأصنام.‏وقولكم:‏ الشرك عبادة الأصنام،‏ هل هذا يعني أن الشرك مخصوص ذا،‏ وأنالاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في ذلك؟ فهذا يرده ما ذكر االله في كتابهمن كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين.‏قالوا :إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا االله،‏ ويكذبونالرسول - صلى االله عليه وآله وسلم -، وينكرون البعث،‏ ويكذبون القرآن ويجعلونهسحرا،‏ ونحن نشهد أن لا إله إلا االله وأن محمدا رسول االله ونصدق القرآن،‏ ونؤمنبالبعث،‏ ونصلي ونصوم،‏ فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟--الجواب:‏ اعلم أن العلماء أجمعوا على أن من كفر ببعض ما جاء به الرسولصلى االله عليه وآله وسلم وكذ َّب به،‏ فهو كمن كذب بالجميع وكفر به،‏ ومنكفر بنبي من الأنبياء فهو كمن كفر بجميع الأنبياء لقوله تعالى:‏ ‏{إ ِن َّ ال َّذين يك ْف ُرون َب ِااللهِ‏ ورسله وير ِيدون َ أ َن يف َرق ُوا ْ بين االلهِ‏ ‏ِورسله ويق ُول ُون َ نؤمن ب ِبعض ٍ ونك ْف ُر ب ِبعض ٍوير ِيدون َ أ َن يتخذ ُوا ْ بين ذ َلك سب ِيل ًا * أ ُول َئك هم ال ْك َافرون َ حقا}‏ ‏(النساء:‏١٥١) وقوله تعالى في بني إسرائيل:‏ ‏{أ َف َتؤمنون َ ب ِبعض ِ ال ْكتاب ِ وتك ْف ُرون َ ب ِبعض ٍ ف َماجزاء من يف ْعل ُ ذ َلك منك ُم إ ِلا َّ خزي في ال ْحياة الدنيا ويوم ال ْقيامة يردون َ إ ِل َى أ َشدال ْعذ َاب ِ}‏ ‏(البقرة:‏‎٨٥‎‏).‏- ١٥٠فمن أقر بالتوحيد وأنكر وجوب الصلاة فهو كافر،‏ ومن أقر بالتوحيد والصلاةوجحد وجوب الزكاة فإنه يكون كافرا،‏ ومن أقر بوجوب ما سبق وجحد وجوبالصوم فإنه يكون كافرا،‏ ومن أقر بذلك كله وجحد وجوب الحج فإنه كافر والدليلعلى ذلك قوله تعالى:‏ ‏{ولله عل َى الناس ِ حج ال ْبيت من ِ استط َاع إ ِل َيه سب ِيل ًا ومن ك َف َر


٨٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(يعني من كفر بكون الحج واجبا أوجبه االله على عباده)‏ ف َإ ِن َّ االلهَ‏ غ َن ِي عن ِ ال ْعال َمين‏}‏‏(آل عمران:‏‎٩٧‎‏).‏ومن أق َر ذا كله،‏ ولكنه كذب بالبعث فإنه كافر بالإجماع لقول االله تعالى:‏‏{زعم ال َّذين ك َف َروا أ َن ل َّن يبعث ُوا ق ُل ْ بل َى وربي ل َتبعث ُن ث ُم ل َتنبؤن َّ ب ِما عمل ْتم وذ َلكعل َى االلهِ‏ يسِير‏}‏ ‏(التغابن:‏‎٧‎‏).‏--فإذا أقررت ذا فاعلم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء ا النبي صلى االلهعليه وآله وسلم وهو أعظم من الصلاة،‏ والزكاة،‏ والصوم والحج،‏ فكيف إذاجحد الإنسان شيئ ًا من هذا الأمور كف َر ولو عمل بكل ما جاء به الرسولاالله عليه وآله وسلم ‏-؟ وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر؟سبحان االله،‏ ما أعجب هذا الجهل!‏ فمنكر التوحيد أشد كفرا وأبين وأظهر.‏- صلى--وها هم أصحاب رسول االله صلى االله عليه وآله وسلم قاتلوا بني حنيفةوقد أسلموا مع النبي - صلى االله عليه وآله وسلم وهم يشهدون أن لا إله إلا االلهوأن محمدا رسول االله صلى االله عليه وآله وسلم ويؤذ ِّنون ويصلون وهم إنمارفعوا رجل ًا،‏ وهو مسيلمة الكذاب،‏ إلى مرتبة النبي - صلى االله عليه وآله وسلمفكيف بمن رفع مخلوق ًا إلى مرتبة جبار السماوات والأرض،‏ يدعوه ويذبح لهويستغيث به ويعتقد فيه النفع والضر؟ أفلا يكون أحق بالكفر ممن رفع مخلوق ًا إلىمترلة مخلوق آخر؟!‏،----وقد أجمع العلماء على كفر بني عبيد القداح ‏(الفاطميين)‏ الذين الذين ملكواالمغرب ومصر وكانوا يشهدون أن لا إله إلا االله وأن محمدا رسول االله،‏ ويصلونالجمعة والجماعات ويدعون أم مسلمون،‏ ولكن ذلك لم يمنعهم من حكم المسلمينعليهم بالردة حين أظهروا مخالفة المسلمين في أشياء دون التوحيد حتى قاتلوهمواستنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين.‏وإذا كان الكفار الأولون لم يكفروا إلا حين جمعوا جميع أنواع الكفر منالشرك والتكذيب والاستكبار فما معنى ذكر أنواع من الكفر في ‏(باب حكم المرتد)؟


٨٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -كل نوع منها يك َف ّر حتى ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرهابلسانه دون قلبه،‏ أو كلمة يذكرها على وجه المزاح واللعب،‏ فلولا أن الكفر يحصلبفعل نوع منه وإن كان الفاعل مستقيما في جانب آخر لم يكن لذكر الأنواع فائدة.‏وقد حكم االله تعالى بكفر المنافقين الذين قالوا كلمة الكفر مع أم كانوا معالنبي - صلى االله عليه وآله وسلم يصلون ويزكون ويحجون ويجاهدون ويوحدون،‏فقال االله تعالى فيهم:‏ ‏{يحلف ُون َ ب ِااللهِ‏ ما ق َال ُوا ْ ول َق َد ق َال ُوا ْ ك َلمة َ ال ْك ُف ْر ِ وك َف َروا ْ بعدإ ِسلا َمه ِم‏}‏ ‏(التوبة:‏‎٧٤‎‏).‏وحكم االله تعالى بكفر المنافقين الذين قالوا كلمة ً ذكروا أم قالوها على وجهالمزح،‏ فقال االله تعالى فيهم:‏ ‏{ق ُل ْ أ َب ِااللهِ‏ وآياته ورسوله ك ُنتم تستهز ِئ ُون َ * لا َ تعتذروا ْق َد ك َف َرتم بعد إ ِيمان ِك ُم‏}‏ ‏(التوبة:‏ ٩٦).ومن الدليل على أن الإنسان قد يقول أو يفعل ما هو كفر من حيث لا يشعرقول بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم لموسى عليه الصلاة والسلام:‏‏{اجعل ل َّنا إ ِل َها ك َما ل َهم آلهة ٌ}‏ وقول أصحاب النبي - صلى االله عليه وآله وسلم‏«اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط»‏ فقال:‏ ‏«االله أكبر إا السنن قلتم والذينفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى:‏ ‏{اجعل ل َّنا إ ِل َها ك َما ل َهم آلهة ٌ ق َال َ إ ِنك ُمق َوم تجهل ُون َ}‏ ‏(الأعراف:‏ ١٣٨) لتركبن سنة من كان قبلكم».‏ ‏(رواه الترمذيوصححه الألباني).‏ وهذا يدل على أن موسى ومحمدا عليهما الصلاة والسلام قد أنكروا ذلك غاية الإنكار.‏:-قالوا :في قول بني إسرائيل لموسى ‏{اجعل ل َّنا إ ِل َها ك َما ل َهم آلهة ٌ}‏ وقول بعضالصحابة للنبي - صلى االله عليه وآله وسلم -: ‏«اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذاتأنواط»‏ إن الصحابة وبني إسرائيل لم يكفروا.‏الجواب:‏ أن الصحابة وبني إسرائيل لم يفعلوا ذلك حين لقوا من الرسولينالكريمين إنكار ذلك،‏ ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا،‏ وكذلك لا


٩٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -خلاف في أن الذين اهم النبيذات أنواط بعد يه لكفروا.‏- صلى االله عليه وآله وسلملو لم يطيعوه واتخذواقالوا :إن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم،‏ ثم بنوح،‏ ثم إبراهيم،‏ ثم بموسى،‏ ثمبعيسى،‏ فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول االله صلى االله عليه وآله وسلمفهذا يدل على أن الاستغاثة بغير االله ليست شرك ًا.‏،----الجواب:‏ الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها،‏ كما قال االله تعالى فيقصة موسى:‏ ‏{ف َاستغاث َه ال َّذي من شيعته عل َى ال َّذي من عدوه‏}‏ ‏(القصص:‏‎١٥‎‏).‏والناس لم يستغيثوا ؤلاء الأنبياء الكرام ليزيلوا عنهم الشدة،‏ ولكنهميستشفعون م عند االله عز وجل ليزيل هذه الشدة،‏ وهناك فرق بين منيستغيث بالمخلوق ليكشف عنه الضرر والسوء،‏ ومن يستشفع بالمخلوق إلى االله ليزيلاالله عنه ذلك،‏ وهذا أمر جائز كما أن الصحابة رضي االله عنهم يسألون النبيصلى االله عليه وآله وسلم - في حياته أن يدعو االله لهم،‏ وأما بعد موته فحاشا وكلاأم سألوه ذلك عند قبره،‏ بل أنكر السلف الصالح على من قصد دعاء االله عند قبرهفكيف بدعائه نفسه؟---ولا بأس أن تأتي لرجل صالح حي تعرفه وتعرف صلاحه فتسأله أن يدعو االلهلك،‏ وهذا حق إلا أنه لا ينبغي للإنسان أن يتخذ ذلك ديدنا له كلما رأى رجل ًاصالح ًا قال:‏ ادع االله لي،‏ فإن هذا ليس من عادة السلف رضي االله عنهماتكال على دعاء الغير،‏ ومن المعلوم أن الإنسان إذا دعا ربه بنفسه كان خيرا له؛ لأنهيفعل عبادة يتقرب ا إلى االله عز وجل-، وفيه--.---قالوا:‏ أن في قصة إبراهيم عليه السلام لما أ ُلقي في النار اعترض له جبريلفي الهواء فقال:‏ ألك حاجة؟ فقال إبراهيم:‏ أما إليك فلا،‏ دليل على أنه لو كانتالاستغاثة بجبريل شرك ًا لم يعرضها على إبراهيم؟


٩١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج الجواب:‏ أول ًا:‏ قال العجلوني في ‏(كشف الخفاء:‏‎١١٣٦‎‏):‏ ‏«(حسبي من سؤاليعلمه بحالي)‏ ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء بلفظ:‏ رو ِي عن كعب الأحبار أنإبراهيم قال حين أوثقوه ليلقوه في النار:‏ ‏«لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين،‏ لكالحمد ولك الملك لا شريك لك»‏ ثم رموا به في المنجنيق إلى النار فاستقبله جبريل،‏فقال:‏ ‏«يا إبراهيم ألك حاجة؟»‏ قال:‏ ‏«أما إليك فلا»،‏ قال جبريل:‏ ‏«فسل ْ ربك»،‏فقال إبراهيم:‏ ‏«حسبي من سؤالي علمه بحالي»‏ انتهى،‏ وذكر البغوي في تفسير ‏{ق َال ُواحرق ُوه وانصروا آلهتك ُم‏}‏ ‏(الأنبياء:‏‎٦٨‎‏)‏ أن إبراهيم عليه السلام قال:‏ ‏«حسبياالله ونعم الوكيل»‏ حين قال له خازن المياه لما أراد النمرود إلقاؤه في النار:‏ إن أردتأخمدت النار،‏ وأتاه خازن الرياح فقال له:‏ إن شئت طيرت النار في الهواء،‏ فقالإبراهيم:‏ ‏«لا حاجة لي إليكم،‏ حسبي االله ونعم الوكيل»‏ انتهى.‏--قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (١/ ٧٤): ‏(حسبي من سؤالي علمهبحالي).‏ لا أصل له.‏ أورده بعضهم من قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام،‏ وهو منالإسرائيليات ولا أصل له في المرفوع،‏ وقد ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياءمشيرا لضعفه فقال:‏ رو ِي عن كعب الأحبار:‏ أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لمارموا به في المنجنيق إلى النار استقبله جبريل.‏ ..وقد أخذ هذا المعنى بعض من صنف في الحكمة على طريقة الصوفية فقال:‏سؤالك منه يعني االله تعالى اام له،‏ وهذه ضلالة كبري!‏ فهل كان الأنبياء صلوات االله عليهم مته ِمين لرم حين سألوه مختلف الأسئلة؟.‏ .. وأدعية الأنبياءفي الكتاب والسنة لا تكاد تحصى.‏ .. وبالجملة فهذا الكلام المعزو لإبراهيم عليهالصلاة والسلام لا يصدر من مسلم يعرف مترلة الدعاء في الإسلام فكيف يصدر ممنسمانا المسلمين؟!‏ثم وجدت الحديث قد أورده ابن عراق في ‏(تتريه الشريعة المرفوعة عنالأخبارالشنيعة الموضوعة)‏ وقال (١/ ٢٥٠): قال ابن تيمية موضوع».انتهى كلامالألباني ‏(بتصرف).‏


٩٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج * الذي في البخاري عن ابن ِ عباس ٍ ق َال َ:‏النار ِ حسب ِي الل َّه ون ِعم ال ْوكيل ُ».‏‏«ك َان َ آخر ق َول ِ إ ِبراهيم حين أ ُل ْقي في--ثانيا:‏ على فرض ثبوت الأثر وقد تبين لك أنه من الإسرائيليات فإنجبريل عليه السلام إنما عرض على إبراهيم عليه السلام أمرا ممكنا يمكن أنيقوم به فلو أذن االله لجبريل لأنقذ إبراهيم بما أعطاه االله تعالى من القوة فإن جبريلكما وصفه االله تعالى:‏ ‏{شديد ال ْق ُوى}‏ ‏(النجم:‏‎٥‎‏)‏ فلو أمره االله أن يأخذ نار إبراهيموماحولها ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل ولو أمره أن يحمل إبراهيم إلى مكانبعيد عنهم لفعل ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل.‏--وهذا يشبه لو أن رجل ًا غنيا أتي إلى فقير فقال هل لك حاجة في المال؟ من قرضأو هبة أو غير ذلك؟ فإنما هذا مما يقدر عليه،‏ ولا يعد هذا شرك ًا لو قال:‏ ‏«نعم ليحاجة أقرضني،‏ أو هبني»‏ لم يكن مشرك ًا.‏-قالوا:‏ كيف تقولون:‏ الميت لا ينفع وقد نفعنا موسى -كان السبب في تخفيف الصلاة من خمسين إلى خمس؟عليه السلامحيثالجواب:‏ الأصل في الأموات أم لا يسمعون نداء من ناداهم من الناس،‏ ولايستجيبون دعاء من دعاهم،‏ ولا يتكلمون مع الأحياء من البشر ولو كانوا أنبياء،‏ بلانقطع عملهم بموم؛ لقول االله تعالى:‏ ‏{وال َّذين تدعون َ من دون ِه ما يملك ُون َ منقط ْمير ٍ * إ ِن ْ تدعوهم ل َا يسمعوا دعاءَك ُم ول َو سمعوا ما استجابوا ل َك ُم ويوم ال ْقيامةيك ْف ُرون َ ب ِشركك ُم ول َا ينبئ ُك مث ْل ُ خب ِير ٍ}‏ ‏(فاطر:‏‎١٤‎‏)‏ وقوله:‏ ‏{وما أ َنت ب ِمسمع ٍ منفي ال ْق ُبور ِ}‏ ‏(فاطر:‏‎٢٢‎‏)‏ وقوله:‏ ‏{ومن أ َضل ُّ ممن يدعو من دون الل َّه من ل َا يستج ِيبل َه إ ِل َى يوم ِ ال ْقيامة وهم عن دعائه ِم غ َافل ُون َ * وإ ِذ َا حشر الناس ك َانوا ل َهم أ َعداءً‏وك َانوا ب ِعبادته ِم ك َافر ِين‏}‏ ‏(الأحقاف:‏‎٥‎ ٦) وقول رسول االله صلى االله عليهوآله وسلم -: ‏«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث:‏ صدقة جارية،‏ وولدصالح يدعو له وعلم ينتفع به»‏ ‏(رواه مسلم).‏--


٩٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ويستثنى من هذا الأصل ما ثبت بدليل صحيح،‏ كسماع أهل القليب من الكفاركلام رسول االله - صلى االله عليه وآله وسلم عقب غزوة بدر،‏ وكصلاته بالأنبياءليلة الإسراء،‏ وحديثه مع الأنبياء عليهم السلام في السماوات حينما عرج بهإليها،‏ ومن ذلك نصح موسى لنبينا عليهما الصلاة والسلام أن يسأل االلهالتخفيف مما افترضه عليه وعلى أمته من الصلوات فراجع نبينا - صلى االله عليه وآلهوسلم ربه في ذلك حتى صارت خمس صلوات في كل يوم وليلة،‏ وهذا منالمعجزات وخوارق العادات فيقتصر فيه على ما ورد.‏ ولا يقاس عليه غيره مما هوداخل في عموم الأصل؛ لأن بقاءه في الأصل أقوى من خروجه عنه بالقياس علىخوارق العادات،‏ علما بأن القياس على المستثنيات من الأصول ممنوع خاصة إذا لمتعلم العلة،‏ والعلة في هذه المسألة غير معروفة؛ لأا من الأمور الغيبية التي لا تعلم إلابالتوقيف من الشرع،‏ ولم يثبت فيها توقيف فيما نعلم،‏ فوجب الوقوف ا معالأصل.‏---------قالوا:‏ من الأدلة على جواز دعاء الصالحين وندائهم،‏ ما ذكره االله عز وجلعن نبيه سليمان عليه السلام وقوله لآصف بن برخيا وقد طلب منه ما لايقدر عليه إلا االله.‏ قال عز وجل -: ‏{ق َال َ يا أ َيها ال ْمل َأ ُ أ َيك ُم يأ ْتين ِي ب ِعرشها ق َبل َأ َن ْ يأ ْتون ِي مسلمين * ق َال َ عف ْريت من ال ْج ِن أ َنا آَتيك ب ِه ق َبل َ أ َن ْ تق ُوم من مق َامكوإ ِني عل َيه ل َق َو ِي أ َمين * ق َال َ ال َّذي عنده عل ْم من ال ْكتاب ِ أ َنا آَتيك ب ِه ق َبل َ أ َن ْ يرتدإ ِل َيك ط َرف ُك ف َل َما رآَه مستقرا عنده ق َال َ هذ َا من ف َضل ِ ربي ليبل ُون ِي أ َأ َشك ُر أ َم أ َك ْف ُرومن شك َر ف َإ ِنما يشك ُر لنف ْسِه ومن ك َف َر ف َإ ِن َّ ربي غ َن ِي ك َر ِيم‏}‏ ‏(النمل:‏‎٣٨‎.(٤٠ -.---وقوله عز وجل -: ‏{أ َنا آتيك ب ِه ق َبل َ أ َن ْ يرتد إ ِل َيك ط َرف ُك‏}‏ أي:‏ ارفعبصرك وانظر مد بصرك مما تقدر عليه،‏ فإنك لا يكل ّ بصرك إلا وهو حاضر عندك.‏وذ ُكر أنه أمره أن ينظر نحو اليمن التي فيها هذا العرش المطلوب،‏ ثم قام فتوضأ،‏ ودعااالله عز وجلقال مجاهد:‏ قال:‏ يا ذا الجلال والإكرام.‏ وقال الزهري:‏ قال:‏ يا إلهنا وإله كلشيء،‏ إله ًا واحدا،‏ لا إله إلا أنت،‏ ائتني بعرشها.‏ قال:‏ فتمثل له بين يديه».‏


٩٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج الرد:‏ ما الدليل على أن المقصود هو آصف بن برخيا،‏ إن قصة آصف بن برخيالم ير ِد فيها حديث مرفوع إلى النبي - صلى االله عليه وآله وسلم فيما نعلم.‏ نريدإسنادا ً على الأقل لهذه القصة؟في المسألة أقوال كثيرة؛ أقواها أربعة أقوال وهي:‏---أنه آصف بن برخيا كاتب سليمان-. عليه السلام١-أنه سليمان -نفسه.‏ - عليه السلام٢-أنه جبريل --. عليه السلام٣-٤ أنه ملك من الملائكة.‏-* القول الأول:‏ بأنه آصف بن برخيا،‏ وكان وزيرا ً لسليمان عليه السلام -وكان صديقا ً يعلم اسم االله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب،‏ وإذا سئل به أعطى.‏وهذا القول رواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان،‏ وهذا إسناد لا يسمن ولايغني من جوع،‏ فإن بين يزيد بن رومان وبين سليمان عليه السلام مفاوز تقطعدوا أعناق الإبل.‏----* القول الثاني:‏ قال ابن عطية:‏ وقالت فرقة هو سليمان نفسه،‏ ويكون الخطابعلى هذا للعفريت،‏ كأن سليمان استبطأ ما قاله العفريت فقال له تحقيرا ً له:‏ ‏{أ َناآَتيك ب ِه ق َبل َ أ َن ْ يرتد إ ِل َيك ط َرف ُك‏}‏ وهذا القول أقرب لمعنى الآية،‏ ودلالته ظاهرة،‏ورجحه بعض العلماء؛ لأن سليمان عليه السلام نبي ورسول وملك،‏ فلا ينبغيأن يكون من حاشيته أعلم بالكتاب منه،‏ فالذي عنده علم من الكتاب أيكون أحدحاشيته أو كاتبه؟ ويكون لديه من القوة أعظم مما لدى سليمان نفسه؟وكيف يكون ذلك وقد استجاب االله دعوة سليمان ‏{ق َال َ رب اغ ْفر لي وهبلي مل ْك ًا ل َا ينبغي لأ َحد من بعدي إ ِنك أ َنت ال ْوهاب‏}‏ ‏(ص:‏‎٣٥‎‏)‏ فكيف يكونلكاتبه قوة أقوى منه أليست القوة من أهم أسباب الملك،‏ ولا سيما وأنه نبي مؤيد


٩٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ---بالمعجزات؟ فبدهي أن يكون عند سليمان علم من الكتاب وذلك من باب أولى منجميع أفراد مملكته.‏ وإلا فيكون في مملكته من هو أصلح للنبوة والملك منه؟!!‏ فهليعقل أن يكون عند آصف علم من الكتاب،‏ وسليمان يجهل هذا العلم؟!!!‏* إذا لم يكن المقصود هو سليمان عليه السلام -، فإما من أن يكون جبريلعليه السلام أو يكون مل َكا ً آخر.‏ وسواءً‏ كان هو القول الأول أو الثاني أوالثالث أو الرابع فإنه ليس به أي دلالة لما يريد أن يستدل به المستغيثون بغير االله.‏فعل فرض أن قصة آصف صحيحة وهي ليست كذلك فإا من أدلةالتوحيد،‏ حيث إن آصف توسل إلى االله بتوحيده وإلهيته،‏ وكرر ذلك في دعائه،‏ وقدقيل إنه يعرف الاسم الأعظم،‏ فهو طالب من االله،‏ راغب إليه سائل له،‏ وسليمانعليه السلام آمر ليس بسائل ولا طالب.‏ وفرق بين الأمر والمسألة:‏ فالأمر هوطلب فعل الشيء على وجه الاستعلاء.‏--وأما المسألة فهي طلب الشيء على وجه الضعف والرجاء والتذلل.‏ وأمرسليمان لآصف هو من باب أمر السيد لمملوكه والأب لابنه والملك لرعيته.‏وهذا من جنس الأسباب العادية،‏ فإن الرجل إذا كان معروفا ً بالصلاح وإجابةالدعاء فط ُلب منه الدعاء،‏ أو أمر به فدعا االله واستجيب له،‏ لا يكون هو الفاعلللاستجابة،‏ وليس المطلوب منه ما يختص باالله من الفعل،‏ وإنما يطلب منه ما يختص بهمن الدعاء والتضرع،‏ فالآية من أدلة التوحيد،‏ وصرف الوجوه إلى االله،‏ وإقبالالقلوب عليه،‏ فإن آصف توسل َ إلى االله بتوحيده وربوبيته،‏ وقصده وحده،‏ ولم يقصدسليمان،‏ ولا غيره مع أن سليمان أفضل منه لنبوته.‏وفي هذه القصة أن الأنبياء لا يسألون ولا يقصدون،‏ بل ربما صار حصولمقصودهم،‏ ونيل مطلوم على يد من هو دوم من المؤمنين،‏ وإن أعظم الوسائل،‏وأشرف المقاصد هو:‏ توحيد االله بعبادته ودعائه وحده لا شريك له كما فعل آصف.‏وفيها براءة أولياء االله من الحول والقوة كما دلت عليه القصة،‏ فإنه توضأ وصلىودعا.‏


٩٦ مدخلابنالحاج-١٠-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم قال في الد الأول ص‎٣٥٥‎‏:‏-‏[وق َد تق َرر في الشرع ِ وعلم ما لل َّه تعال َى ب ِه ِم من الاعتناءِ،‏ وذ َلك ك َثيرمشهور‏،‏ وما زال َ الناس من ال ْعل َماءِ،‏ وال ْأ َك َاب ِر ِ ك َاب ِرا عن ك َاب ِر ٍ مشر ِق ًا ومغر ِبايتبرك ُون َ ب ِز ِيارة ق ُبور ِهم ويج ِدون َ برك َة َ ذ َلك حسا ومعنى،‏ وق َد ذ َك َر الشيخ ال ْإ ِمامأ َبو عبد الل َّه بن النعمان رحمه الل َّه في كتاب ِه ال ْمسمى ب ِسفينة النجاءِ‏ لأ َهل ِالال ْتجاءِ‏ في ك َرامات الشيخ ِ أ َب ِي النجاءِ‏ في أ َث ْناءِ‏ ك َل َامه عل َى ذ َلك ما هذ َا ل َف ْظ ُه‏:‏تحق َّق لذ َو ِي ال ْبصائر ِ،‏ والاعتبار ِ أ َن َّ ز ِيارة َ ق ُبور ِ الصالحين محبوبة ٌ لأ َجل ِ التبرك معالاعتبار ِ،‏ ف َإ ِن َّ برك َة َ الصالحين جار ِية ٌ بعد مماته ِم ك َما ك َانت في حياته ِم والدعاءُ‏عند ق ُبور ِ الصالحين‏،‏ والتشف ُّع ب ِه ِم معمول ٌ ب ِه عند عل َمائنا ال ْمحق ِّقين من أ َئمةالدين ِ]‏ .-(١)الرد:‏ لقد كان الأمر في صدر الإسلام على منع زيارة القبور لقرب عهدهمبالجاهلية حماية لحمى التوحيد وصيانة لجنابه،‏ ولما حسن الإيمان وعظم شأنه في الناسورسخ في القلوب واتضحت براهين التوحيد وانكشفت شبهة الشرك جاءتمشروعية زيارة القبور محددة أهدافها موضحة مقاصدها.فعن بريدة بن الحصيبرضي االله عنه قال:‏ قال رسول االله صلى االله عليه وسلم:‏ ‏«‏يتكم عن زيارة القبورفزوروها»‏ ، رواه مسلم.‏برقم (٩٧٧) .(١)


٩٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وعن أبي هريرة رضي االله عنه قال:‏ قال النبي صلى االله عليه وسلم:‏القبور فإا تذكر الموت»‏‏«زوروا.(١)وعن أبي سعيد الخدري رضي االله عنه قال رسول االله صلى االله عليه وسلم:‏‏«إني يتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن فيها عبرة»‏.(٢).(٣)وعن أنس بن مالك رضي االله عنه قال:‏ قال رسول االله صلى االله عليه وسلم:‏‏«كنت يتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها؛ فإا ترق القلب وتدمع العين وتذكرالآخرة،‏ ولا تقولوا هجرا»‏وعن بريدة رضي االله عنه قال:‏ ‏«كان رسول االله صلى االله عليه وسلم يعلمهمإذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول:‏ السلام عليكم أهل الديار من المؤمنينوالمسلمين،‏ وإنا إن شاء االله بكم للاحقون،‏ أسأل االله لنا ولكم العافية»‏(٤).فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على أن مشروعية زيارة القبور بعدالمنع من ذلك إنما كانت لهدفين عظيمين وغايتين جليلتين:‏الأولى:‏ التزهيد في الدنيا بتذكر الآخرة والموت والبلى،‏ والاعتبار بأهل القبور ممايزيد في إيمان الشخص ويقوي يقينه ويعظم صلته باالله،‏ ويذهب عنه الإعراضوالغفلة.‏الثانية:‏ الإحسان إلى الموتى بالدعاء لهم والترحم عليهم وطلب المغفرة لهموسؤال االله العفو عنهم.‏مسلم برقم (٩٧٥) .(١)(٢)(٣)مسند أحمد (٣مستدرك الحاكم (١/ (٣٨ ، ومستدرك الحاكم ١) (٥٣١ / .. (٥٣٢ /مسلم برقم (٩٧٥) .(٤)


٩٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (١)ومن ا لمعلوم أن التبرك بالقبور والأمكنة التي تنسب إلى الأنبياء والصالحين منأعظم أسباب الكفر والشرك،‏ وهذا ما أدى إلى عبادة الأصنام والأوثان.‏ أخرجالبخاري في تفسيره قوله تعالى:‏ ‏{وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعاولا يغوث ويعوق ونسرا}‏ عن ابن عباس:‏ ‏((صارت الأوثان التي كانت في قوم نوحفي العرب بعد،‏ وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام فلما هلكواأوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا ًوسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت))‏ .قال ابن كثير في تفسيره:‏ ‏((وقوله تعالى:‏ ‏{وقد أضلوا}‏ يعني الأصنام التياتخذوها أضلوا ا كثيرا فإنه قد استمرت عبادا في القرون إلى زماننا هذا في العربوالعجم وسائر صنوف بني آدم،‏ وقد اتفق المحققون من أهل العلم على أن أصل عبادةالأصنام هو الغلو في الصالحين وتعظيم قبورهم واتخاذ المساجد عليها.‏(٢)وقال القرطبي:‏ ‏((وإنما صور أوائلهم الصور ليتأسوا ا ويتذكروا أفعالهم الصالحةفيجتهدوا كاجتهادهم ويعبدوا االله عند قبورهم،‏ ثم خلفهم قوم جهلوا مرادهمفوسوس إليهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظموا))‏ .(٣)وقال ابن القيم رحمه االله:‏ ‏((وما زال الشيطان يوحي إلى عباد القبور ويلقيإليهم أن البناء والعكوف عليها من محبة أهل القبور من الأنبياء والصالحين،‏ وأنالدعاء عندها مستجاب،‏ ثم ينقلهم من هذه المرتبة إلى الدعاء ا والإقسام على االلها واالله أعظم من أن يقسم عليه ويسأل بأحد من خلقه))‏.(٤)برقم (٤٩٢٠)(١)(٢)(٣)تفسير القرآن العظيم ٢٣٦/٨المفهم شرح صحيح مسلم للقرطبي/٢١٩٩. واموع الثمين للشيخ ابن عثيمين ٢٤٩. ٢/٩٣١-٩٣٢. وانظر:‏ الجامع لأحكام القرآن له-١٩٨ /١٨انظر"إغاثة اللهفان":‏ (٢١٢/١-٢١٧) .(٤)


٩٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى دعائها وعبادا وسؤالها الشفاعة من دوناالله واتخاذها أوثانا ً تضاء لها القناديل وتجعل عليها الستور ويطاف ا ويستلم ويقبلويحج إليها ويذبح عندها.‏فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى دعاء الناس إلى عبادا واتخاذها عيدا ًومنسكا ً،‏ ورأوا أن ذلك أنفع لهم في دنياهم وأخراهم،‏ وكل هذا قد علموهبالاضطرار من دين الإسلام وأنه مضاد لما بعث االله به رسوله صلى االله عليه وسلممن تجريد التوحيد وأن لا يعبد إلا االله.‏فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى أن من ى عن ذلك تنقص أهل هذهالرتب العالية وحطهم عن مترلتهم وزعم أنه لا حرمة لهم ولا قدر،‏ فغضبالمشركون واشمأزت قلوم كما قال تعالى في سورة الزمر:‏ } ‏{وإ ِذ َا ذ ُكر الل َّه وحدهاشمأ َزت ق ُل ُوب ال َّذين لا يؤمنون َ ب ِال ْآخرة وإ ِذ َا ذ ُكر ال َّذين من دون ِه إ ِذ َا هميستبشرون َ}‏ وسرى ذلك في نفوس كثير من الجهال والطغاة وكثير ممن ينتسب إلىالعلم والدين حتى عادوا أهل التوحيد ورموهم بالفظائع ونفروا الناس عنهم ووالواأهل الشرك وعظموهم وزعموا أم أولياء االله وأنصار دينه ورسوله ويأبى االله ذلك،‏قال شيخ الإسلام(١)رحمه االله تعالى :‏(والذي يجري عند المشاهد من جنس ما يجري عند الأصنام،‏ وقد ثبت فيالطرق المتعددة أن ما يشرك به من دون االله من صنم ووثن،‏ أو قبر قد يكون عندهشياطين تضل من أشرك به،‏ وأن تلك الشياطين لا يقضون بعض أغراضهم،‏ وإنمايقضوا إذا حصل منه الشرك والمعاصي،‏ ومنهم من يأمر الداعي أن يسجد له؛ وقدينهاه عما أمره االله به من التوحيد والإخلاص والصلوات الخمس وقراءة القرآن،‏ونحو ذلك،‏ وقد وقع في هذا النوع كثير من الشيوخ الذين لهم نصيب من الدينوالزهاد والعبادة،‏ ولعدم علمهم بحقيقة الدين الذي بعث االله به رسله طمعت فيهمالشياطين،‏ حتى أوقعوهم فيما يخالف الكتاب والسنة،‏ وقد جرى لغير واحد من(١)انظر " الرد على البكري"‏ ص‎٣٣٣‎و ٢٣٤.


١٠٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج أصحابنا المشايخ يستغيث بأحدهم بعض أصحابه ، فيرى الشيخ جاء في اليقظة حتىقضى ذلك المطلوب،‏ وإنما هي شياطين تتمثل للذين يدعون غير االله،‏ فالكافر للكافر،‏والفاجر للفاجر،‏ والجاهل للجاهل)‏ .عن أبي واقد الليثي قال:‏ خرجنا مع رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى حنينونحن حدثاء عهد بكفر،‏ وللمشركين سدرة ‏(أي شجرة من السدر)‏ يعكفون عندهاوينوطون ‏(أي يعلقون)‏ ا أسلحتهم يقال لها ذات أنواط،‏ فمررنا بسدرة فقلنا يارسول االله:‏ اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال لهم رسول االله صلى االلهعليه وسلم:‏ االله أكبر!‏ إا السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنواإسرائيل لموسى ‏{اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}‏ ، قال:‏ إنكم قوم تجهلون لتركبن سننمن كان قبلكم))‏--.(١)فتأمل هذا الحديث تجد فيه مسائل:‏الأولى:‏ أن من قل علمه ولو من أهل القرون الأولى المصاحبين لرسول االله صلىاالله عليه وسلم قد يلتبس عليه الأمر وتخفى عليه بعض أنواع الشرك فلا يعصمه منالوقوع فيه إلا الاستنارة بأنوار السنة المحمدية والرجوع إلى كتاب االله وبيان رسولهالكريم صلى االله عليه وسلم،‏ وكذلك فعل أبو واقد وأصحابه فإم حين ظنوا أنالتبرك بشجرة يأذن فيها رسول االله صلى االله عليه وسلم لا بأس به ولا ينافي التوحيدولا يتعارض مع قول ‏((لا إله إلا االله))‏ فأخبرهم النبي صلى االله عليه وسلم مؤكدا ًإخبارهم بالقسم ومكبرا ً،‏ استعظاما ً لذلك الأمر:‏ أن ما سألوه هو عين ما سأله قومموسى،‏ وهو الشرك الأكبر الموجب للخلود في جهنم.‏الثانية:‏ أنه لا عبرة بالأسماء وإنما العبرة بالمسميات فإم لم يقولوا للنبي صلى االلهعليه وسلم:‏ اجعل لنا إلها ً نعبده من هذه الشجرة بتعليق أسلحتنا في أغصاا والتبركبالجلوس عندها،‏ بل قالوا:‏ اجعل لنا ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط،‏فأخبرهم،‏ وأكد لهم أن ذلك اتخاذ لتلك الشجرة إلها ً.‏(١)أخرجه الترمذي (٢١٨١) وقال:‏ حديث حسن صحيح.‏


١٠١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج الثالثة:‏ أن العبادة غير منحصرة في السجود والركوع والدعاء والاستغاثةوالاستعاذة،‏ بل كل قول أو عمل عظم به غير االله تعالى رجاء النفع،‏ وإن كان منالأماكن التي مر ا نبي صالح،‏ هو عبادة لذلك المكان،‏ ولا ينفع عابده زعمه أنهيتبرك بمكان كان فيه نبي فضلا ً عن غيره،‏ فتقبيل التوابيت والقبور والطواف اوالتمسح ا وأخذ تراا للشفاء كل ذلك عبادة وشرك باالله تعالى.‏الرابعة:‏ فإن قيل:‏ هل أشرك أبو واقد وأصحابه لما خطر ببالهم ذلك؟ قلنا:‏ لا؛لأن االله تعالى لا يؤاخذ على الخواطر وما وسوست به النفس ما لم يعتقده الإنسان أويتكلم به أو يعمله،‏ فإن قيل:‏ لو أقدموا على ذلك ولم يسألوا النبي صلى االله عليهوسلم هل كانوا يشركون؟ فالجواب:‏ أن ذلك مقتضى قول النبي صلى االله عليهوسلم:‏ ‏((قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى))‏ ولكنهم أجل ولو كانواحديثي عهد بكفر من أن يقدموا على مثل ذلك أو أقل منه بلا دليل قاطع منكتاب االله وسنة رسوله،‏ فليعتبر بذلك الذين يسمون أنفسهم علماء ويبيحون اتخاذالمواسم والأعياد عند القبور والقباب،‏ ويحضروا بأنفسهم،‏ ويأكلون من القرابين التيتذبح عندها،‏ وهي مما أهل لغير االله به ويشاركون العوام في الابتهال والتضرعللأوثان فبعدا للقوم الظالمين فما تركوا للجهال إذن!!‏ .--الخامسة:‏ من أعلام نبوته قوله ‏((إا السنن لتركبن سنن من كان قبلكم))‏ ، أيلتتبعن طريقهم في بدعهم ومعاصيهم وشركهم وكفرهم،‏ فتعوذ باالله من العصيان بعدالطاعة،‏ ومن الخذلان وعمى البصيرة.‏قال الحافظ أبو عبد الرحمن بن إسماعيل الشافعي المعروف بابن أبي شامة فيكتاب البدع والحوادث:‏ ‏((ومن هذا القسم أيضا ً ما قد عم الابتلاء به من تزيينالشياطين للعامة تخليق الحيطان والعمد،‏ وإسراج مواضع مخصوصة في كل بلد،‏ يحكيلهم حاك أنه رأى في منامه ا أحدا ً ممن اشتهر بالصلاح والولاية فيفعلون ذلكويحافظون عليه مع تضييعهم لفرائض االله وسننه،‏ ويظنون أم مقربون بذلك،‏ ثميتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوم فيعظموا،‏ ويرجون الشفاءلمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها،‏ وهي من عيون وشجر وحائط وحجر،‏ وفيمدينة دمشق مواضع متعددة كمدينة الحمى خارج باب ‏((توما))‏ ، والعمود المخلق


١٠٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (٢)داخل باب الصغير،‏ والشجرة الملعونة،‏ خارج باب النصر في نفس قارعة الطريق،‏سهل االله قطعها واجتثاثها من أصلها فما أشبهها بذات أنواط الواردة في الحديث))‏(١)انتهى.‏وذكر ابن القيم رحمه االله مثل ما ذكره أبو شامة ثم قال:‏ ‏((فما أسرع أهلالشرك إلى اتخاذ الأوثان من دون االله ولو كانت ما كانت ويقولون:‏ إن هذا الحجروهذه الشجرة وهذه العين تقبل النذر،‏ أي تقبل العبادة من دون االله فإن النذر عبادةوقربة يتقرب ا الناذر إلى المنذور له)).‏وفي مغازي ابن إسحاق من زيادة يونس بن بكير عن أبي خلدة خالد بن دينارحدثنا أبو العالية قال:‏ لما فتحنا ‏((تستر))‏ وجدنا في بيت مال ‏((الهرمزان))‏ سريرا ًعليه رجل ميت،‏ عند رأسه مصحف فأخذنا المصحف فحملناه إلى ‏((عمر))‏ فدعا لهكعبا ً فنسخه بالعربية فأنا أول رجل قرأه من العرب قرأته مثل ما أقرأ القرآن فقلتلأبي العالية ما كان فيه قال:‏ سيرتكم وأموركم ولحون كلامكم وما هو كائن بعدقلت:‏ فماذا صنعتم بالرجل؟ قال:‏ حفرنا له بالنهار ثلاثة عشر قبرا ً متفرقة فلما كانالليل دفناه وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس،‏ قلت:‏ وما يرجون منه قال:‏ كانتالسماء إذا حبست عنهم برزوا بسريره يستمطرون فقلت:‏ من كنتم تظنون الرجل؟قال:‏ رجل يقال له ‏((دانيال))‏ : فقلت منذ كم وجدتموه مات؟ قال:‏ منذ ثلاثمائة(٣)سنة.‏ قلت:‏ ما كان تغير منه شيء؟ قال:‏ لا إلا شعيرات من قفاه)).‏(١)(٢)(٣)الباعث على إنكار البدع والحوادث ص‎٢٦‎إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ٢١٢/١ذكرها الطبري ‏(ج٤ ص٢٢٠) في حوادث سنة١٧قال:‏ قيل لأبي سبرة هذا جسد دانيال في هذهالمدينة.‏ قال:‏ وما لنا بذلك؟ فأقره بأيديهم،‏ ثم ذكر خبر دانيال وسبي بختنصر له من بيت المقدس وموتهبالسوس؛ فكان هنالك يستسقى بجسده،‏ فلما فتحها المسلمون أتوا به فأقروه في أيديهم؛ حتى إذا ولى أبوسبرة عنهم إلى جندي سابور أقام أبو موسى بالسوس،‏ وكتب إلى عمر فيه.‏ إلخ القصة.‏ وقد ذكرها أبو عبيدفي الأموال ص٨٧٦ رقم ٣٤٣عن قتادة قال:‏ ‏"لما فتحت السوس وعليهم أبو موسى الأشعري وجدوادانيال في إبرن،‏ وإذا إلى جانبه مال موضوع وكتاب فيه:‏ من شاء أتى فاستقرض منه إلى أجل،‏ فإن أتى به إلى


١٠٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج قال ابن القيم رحمه االله:‏ ‏((ففي هذه القصة ما فعله المهاجرون والأنصار رضياالله عنهم من تعمية قبره حتى لا يعثر عليه،‏ ولم يبرزوه للدعاء عنده والتبرك به،‏ ولوظفر به المتأخرون لجالدوا عليه بالسيوف ولعبدوه من دون االله))‏ .(١)قال شيخ الإسلام ‏-رحمه االله-:‏ وهو إنكار منهم لذلك؛ فمن قصد بقعة يرجوالخير بقصدها ولم يستحب الشارع قصدها-‏ فهو من المنكرات،‏ وبعضه أشد منبعض،‏ سواء قصدها ليصلي عندها أو ليدعو عندها،‏ أو ليقرأ عندها أو ليذكر االلهعندها،‏ أو لينسك عندها بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرعتخصيصها به لا نوعا ولا عينا،‏ إلا أن ذلك قد يجوز بحكم الاتفاق لا لقصد الدعاءفيها،‏ كمن يزورها ويسلم عليها،‏ ويسأل االله العافية له وللموتى،‏ كما جاءت بهالسنة.‏ وأما تحري الدعاء عندها بحيث يستشعر أن الدعاء هناك أجوب منه في غيره،‏(٢)فهذا هو المنهي عنه.‏ذلك الأجل وإلا برص.‏ فكتب إليه عمر:‏ كفنه وحنطه وصل عليه ثم ادفنه كما دفنت الأنبياء صلوات االلهعليهم.‏ وانظر ماله فاجعله في بيت مال المسلمين.‏ قال:‏ فكفنه في قباطي بيض وصلى عليه ودفنه".‏ وقالالبلاذري:‏ ص٣٧١(١)(٢)‏"ورأى أبو موسى في قبلتهم بيتا وعليه ستر فسأل عنه فقيل:‏ إن فيه جثة دانيال النبي،‏فإم كانوا أقحطوا،‏ فسألوا أهل بابل دفعه إليهم ليستسقوا به ففعلوا.‏ وكان بختنصر سبى دانيال وأتى به إلىبابل فقبض ا.‏ فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر،‏ فكتب إليه عمر أن كفنه وادفنه.‏ فسكر أبو موسى راحتى إذا انقطع دفنه ثم أجرى الماء عليه".‏إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ٢٠٤/١اقتضاء الصراط المستقيم ١٥٨/٢


١٠٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج التبرك :•قال في " الصحاح ": " البركة:‏ النماء والزيادة،‏ والتبريك:‏ الدعاء بالبركة،‏وطعام بريك:‏ كأنه مبارك،‏ ويقال:‏ بارك االله لك وفيك وعليك وباركك،‏ وقالتعالى:‏ ‏{بور ِك من في النار ِ}‏ ‏[النمل:‏ ٨]، و ‏{تبارك الل َّه‏}‏ ‏[الأعراف:‏ ‎٥٤‎‏]؛ أي:‏بارك؛ مثل قاتل وتقاتل،‏ إلا أن ‏(فاعل َ)‏ يتعدى و ‏(تفاعل َ)‏ لا يتعدى،‏ وتبركت به،‏أي:‏ تيمنت به ".وقال الراغب:‏ " البركة ثبوت الخير الإِلهي في الشيء،‏ قال تعالى:‏ ‏{ل َف َتحنا عل َيه ِمبرك َات من السماءِ‏ وال ْأ َرض ِ}‏ ‏[الأعراف:‏ ٩٦]، وسمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوتالماء في البركة،‏ والمبارك ما فيه ذلك الخير ... ولما كان الخير الإِلهي يصدر من حيثلا يحس،‏ وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر؛ قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غيرمحسوسة:‏ هو مبارك،‏ وفيه بركة ".ما جاء في التبرك:‏(١)-١وفي كتاب الصلاة من " صحيح البخاري " باب المساجد التي علىطرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم -، ثم أسند إلىموسى بن عقبة،‏ أنه قال:‏ " رأيت سالم بن عبد االله يتحرى أماكن من الطريق،‏فيصلي فيها،‏ ويحدث أن أباه كان يصلي فيها،‏ وأنه رأى النبي - صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّميصلي في تلك الأمكنة ".---.-ففي فعل عبد االله بن عمر رضي االله عنهما وابنه إثبات للتبرك بآثار النبيصل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّمقال شيخ الإسلام:‏ ‏«إن ما فعله ابن عمر لم يوافقه عليه أحد من الصحابة فلمينقل عن الخلفاء الراشدين ولا عن غيرهم من المهاجرين والأنصار أن أحدا ً منهم/١) ،٥٦٧ برقم:‏ .(٤٨٣(١)


١٠٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج --صلى االله عليه وآله وسلمكان يتحرى قصد الأمكنة التي نزل فيها النبي صلى االله عليه وآله وسلموالصواب مع جمهور الصحابة؛ لأن متابعة النبي تكون بطاعة أمره،‏ وتكون في فعله بأن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعله،‏ فإذاالعبادة في مكان كان ق َصد العبادة فيهصلى االله عليه وآله وسلم ق َصد النبي متابعة له،‏ كقصد المشاعر والمساجد.‏----وأما إذا نزل في مكان بحكم الاتفاق لكونه صادف وقت الترول أو غير ذلك ممايعلم أنه لم يتحر ذلك المكان:‏ فإذا تحرينا ذلك المكان لم نكن متبعين له؛ فإن الأعمالبالنيات ... فأما قصد الصلاة في تلك البقاع التي صلى فيها اتفاقا ً فهذا لم ينقل عنغير ابن عمر من الصحابة،‏ بل كان أبو بكر وعمر وعلي وسائر السابقين الأولين منالمهاجرين والأنصار،‏ يذهبون إلى مكة حجاجا ً وعمارا ً ومسافرين،‏ ولم ينقل عن أحدمنهم أنه تحرى الصلاة في مصليات النبي - صلى االله عليه وآله وسلم ومعلوم أنهذا لو كان عندهم مستحبا ‏ًلكانوا إليه أسبق،‏ فإم أعلم بسنته وأتبع لها من غيرهم،‏وقد قال صلى االله عليه وآله وسلم -: ‏«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدينالمهديين من بعدي،‏ تمسكوا ا وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإنكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة»‏-.(١)-وتحري هذا ليس من سنة الخلفاء الراشدين،‏ بل هو مما ابتدع،‏ وقول الصحابيإذا خالف نظيره ليس بحجة،‏ فكيف إذا انفرد عن جماهير الصحابة؟أيضا ً فإن تحري الصلاة فيها ذريعة إلى اتخاذها مساجد،‏ والتشبه بأهل الكتابمما ينا عن التشبه م فيه،‏ وذلك ذريعة إلى الشرك باالله،‏ والشارع قد حسم هذهالمادة بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس،‏ وعند غروا،‏ والنهي عن اتخاذ القبورمساجد:‏ فإذا كان قد ى عن الصلاة المشروعة في هذا المكان وهذا الزمان سدا ً(١)سنن أبي داود (٤٦٠٧)، وسنن الترمذي (٢٦٧٦)، وسنن ابن ماجه (٤٢)، والمسند (١٧٠٧٦)،وصححه الشيخ الألباني وروى الإمام مسلم (٨٦٧) لفظة:‏ كل بدعة ضلالة.‏


١٠٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج .(١)-٢.(٢)-"للذريعة،‏ فكيف يستحب قصد الصلاة فيه من غير أن يكونوا قد قصدوه للصلاة فيهوالدعاء فيه؟ولو ساغ هذا لاستحب قصد جبل حراء والصلاة فيه،‏ وقصد جبل ثوروالصلاة فيه»‏وفي " موطأ مالك " و " سنن النسائي " عن محمد بن عمران الأنصاريعن أبيه؛ أنه قال:‏ " عدل إلي َّ عبد االله بن عمر رضي االله عنهما وأنا نازل تحتسرحة بطريق مكة،‏ فقال:‏ ما أنزلك تحت هذه السرحة؛ فقلت:‏ أردت ظلها.‏ فقال:‏هل غير ذلك؛ فقلت:‏ لا؛ ما أنزلني إلا ذلك.‏ فقال عبد االله بن عمر:‏ قال رسول االلهصل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم -: ‏«إ ِذ َا ك ُنت بين الأَخشبين ِ من منى ‏(ونف َخ ب ِيده نحوال ْمشر ِق ِ)؛ ف َإ ِن َّ هنالك واديا،‏ يق َال ُ ل َه‏:‏ السرر‏،‏ ب ِه شجرة ٌ سر تحتها سبعون َ نب ِيا»‏و ‏(السرحة)‏ كتمرة:‏ شجرة طويلة ذات أغصان،‏ و ‏(الأخاشب):‏ جبال مكةومنى،‏ و ‏(الأخشبان)‏ هنا:‏ ما تحت العقبة بمنى وفوق مسجدها،‏ و ‏(نفخ):‏ أشار،‏ و‏(السرر)‏ بضم السين وكسرها،‏ و ‏(سر)‏ بالبناء للنائب:‏ يحتمل أن يكون من السرة؛(١)اقتضاء الصراط المستقيم (٣٤٧- (٣٥٢ بتصرف.‏(٢)ضعيف منكر:‏ أخرجه مالك في " الموطأ " (٢/،٣٩٩ برقم:‏ - ٩٧٨" سننه " /٥) - ٢٤٨ ٢٤٩وهذا سند ضعيف لجهالة محمد وأبيه عمران.‏بشرح الزرقاني)،‏ وعنه النسائي في- بشرح السيوطي)‏ عن محمد بن عمران الأنصاري عن أبيه به.‏قال الذهبي في ترجمة محمد من " الميزان " (٣/ ٦٧٢): " لا يدرى من هو ولا أبوه!‏ "، وقال الحافظ في "التقريب " /٢) :(١٩٧ " مجهول ،" وقال في عمران /٢)٨٥): " مقبول " يعني عند المتابعة،‏ وإل ّا؛ فلينالحديث،‏ كما نص عليه في المقدمة،‏ وقال الذهبي فيه (٣/ ٢٤٥): " لا يدرى من هو!‏ تفرد عنه ابنه محمد،‏وحديثه في " الموطأ "، وهو منكر ".وانظر:‏ " ضعيف سنن النسائي " (١٩٦) للألباني.‏


١٠٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج أي:‏ قطعت سرم هنالك،‏ وقال مالك وابن حبيب:‏ هو من السرور؛ أي:‏ بشرواعندها بالنبوة.‏(١)ودل الحديث على التبرك بمواضع النبيين،‏ كما قاله الزرقاني في " شرحه ".- صل َّى--٣وفي " الصحيحين " عن ابن عمر رضي االله عنهما:‏ " كان النبيااللهُ‏ عل َيه وسل َّم يزور قباء راكبا ً وماشيا ً،‏ فيصلي فيه ركعتين ".(٢)وفيه إثبات للتبرك أيضا ً.‏-٤وفي " الموطأ " وكتاب الحج من " صحيح البخاري " عن أمير المؤمنينعمر بن الخطاب رضي االله عنه،‏ أنه قال للحجر الأسود:‏ " أما واالله؛ إني لأعلم أنكحجر لا تضر ولا تنفع،‏ ولولا أني رأيت النبي - صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم استلمك؛ ما-.(٣)استلمتك "هذا لفظ البخاري،‏ وفيه نفي للتبرك.‏(٤)قال الباجي في " المنتقى " ما خلاصته:‏ " بين عمر للناس أن تقبيل ذلكالحجر إنما هو اقتداء بالرسول،‏ وليس تعظيما ً لذات الحجر أو لمعنى فيه حتى يكون منتعظيم الجاهلية أوثاا؛ لاعتقاد النفع والضر فيها " ..(٢٨٥ /٢)أخرجه البخاري (٣/ ٦٨ و‎٦٩‎‏/‏ ١١٩١(١)(٢)و‎١١٩٣‎و‎١١٩٤‎‏)،‏ ومسلم (٢/ ١٠١٦.(١٣٩٩(٣)و‎١٠١٧‎‏/‏أخرجه البخاري (٣/ ‎١٦٠٥‎‏)؛ ٤٧١/ أن عمر بن الخطاب رضي االله عنه قال للركن ... فذكره،‏ وزادفي آخره:‏ ‏[فاستلمه،‏ ثم قال:‏ ما لنا وللرمل؛ إنما ك ُنا راءينا به المشركين،‏ وقد أهلكهم االله.‏ ثم قال:‏ شيءٌ‏صنعه النبي - صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم-(٤)فلا نحب أن نتركه].‏وفي لفظ له (١٥٩٨ و‎١٦١٠‎‏):‏ " ... ق َبل َك ما ق َبل ْتك " أخرجه مسلم (١٢٧٠)، ومالك (٨٣٥) أيضا ً.‏.(٢٨٧ /٢)


١٠٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -(١)وفي رسالة " البدع والنهي عنها " : أن مؤلفها-‏ ابن وضاح قال:‏ سمعتعيسى بن يونس مفتي أهل طرسوس يقول:‏ " أمر عمر بن الخطاب بقطع الشجرة- ٥التي بويع تحتها النبي صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم -، فقطعها،‏ لأن الناس كانوا يذهبونفيصلون تحتها،‏ فخاف عليهم من الفتنة ".(٢)-٦وقال الحافظ في " الفتح "(١/ ٤٥٠): " ثبت عن عمر أنه رأى الناس فيسفر يتبادرون إلى مكان،‏ فسأل عن ذلك؛ فقالوا:‏ قد صلى فيه النبي - صل َّى االلهُ‏ عل َيهوسل َّم -. فقال:‏ من عرضت له الصلاة؛ فليصل،‏ وإلا،‏ فليمض،‏ فإنما هلك أهلالكتاب لأم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعا ً ".(٣)--ورواه ابن وضاح في " رسالته " بنحوه،‏ وبين في روايته أن ذهاب الناس إلىمصلاه صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم كان للصلاة فيه،‏ ثم نقل عن مالك وغيره منعلماء المدينة كراهية إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي - صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم، ما عدا قباء وحده،‏ ونقل عن سفيان الثوري ووكيع وغيرهما ممن يقتدى به عدمتتبع الآثار والصلاة فيها،‏ ثم قال:‏-(١)(٢). ص:‏‎٤٢‎(٣)ضعيف:‏ أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (٢/ ٢٦٩) عن معاذ بن معاذ،‏ وابن وضاح في " البدعوالنهي عنها " ‏[ص:‏‎٤٢‎ - ٤٣] عن عيسى بن يونس-‏ مفتي أهل طرسوس-،‏ كلاهما عن ابن عون عننافع؛ قال:‏ بلغ عمر بن الخطاب ... فذكره.‏وهذا سند رجاله ثقات مقبولون؛ إل ّآ أن فيه انقطاعا ً بين نافع وعمر.‏صحيح:‏ رواه بنحوه ابن أبي شيبة في " المصنف " (٢/ ٢٧٠)، وابن وضاح في " البدع والنهي عنها "- ‏[ص:‏‎٤١‎٤٢]، وسعيد بن منصور في " سننه "-كما في " الاقتضاء " ‏[ص:‏‎٣٨٦‎‏]‏ لابن تيمية-‏ منطريق الأعمش عن المعرور بن سويد الأسدي رحمه االله تعالى عن عمر رضي االله عنه.‏ورجال ابن أبي شيبة ثقات رجال الستة،‏ وقد صححه شيخ الإِسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (١/٢٨١)، وقواه الحافظ في " الفتح " (١/الساجد " ‏[ص:‏‎١٣٧‎‏]،‏ واالله أعلم.‏٥٦٩) كما ذكره المؤلف،‏ وصححه أيضا ً الألباني في " تحذير


١٠٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج •" فعليكم بالاتباع لأئمة الهدى المعروفين،‏ فقد قال بعض من مضى:‏ كم من أمرهو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكرا ً عند بعض من مضى،‏ ومتحبب إليه(١)بما يبغضه عليه،‏ ومتقرب إليه بما يبعده منه،‏ وكل بدعة عليها زينة وجة ".الجمع بين ما جاء في التبرك:‏-فأنت ترى من هذا إثبات بعض الأخبار للتبرك ونفي بعضها له،‏ حتى إن عمروابنه لم يتواردا على التبرك بآثاره صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم -، ومترلتهما عظيمة فيالعلم والدين ومحبة أكرم المرسلين.‏ثم التبرك حيث أثبت في روايات الإِثبات؛ فإنما المقصود منه طلب الزيادة فيثواب الطاعة.‏قال الباجي في " المنتقى " موجها ً إعلامه - صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم لأمته بقصة -وادي السرر:‏ " وإنما أعلم بذلك - صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم فيما يظهر إلي واالله أعلملفضل الذكر عندها لمن مر ا،‏ ورجاء إجابة الدعاء،‏ وتترل الرحمة عندها ".(٢)-•والتبرك على هذا الوجه عندي معقول لأن ذكرى الأنبياء والصالحين ورؤيةآثارهم مما يزيد الموحدين خشوعا ً وتعريفا ً بتقصيرهم في طاعة خالقهم،‏ فتخلصبذلك عبوديتهم الله تعالى،‏ وحينئذ تكون الإِثابة على عبادم أسمى،‏ وقبول دعائهمأرجى،‏ وطمعهم في تترل الرحمة أقوى،‏ وروايات نفي التبرك غير معارضة لرواياتإثباته ذا المعنى،‏ لأن النافين إنما يقصدون الاحتياط على عقائد العامة أن تزيغ كماسبق في توجيه مخاطبة عمر للحجر الأسود،‏ وأنه قطع الشجرة خوف الفتنة،‏ وأنهحذرهم أن يهلكوا بتتبع الآثار هلاك أهل الكتاب.‏الاحتياط:‏(١)(٢)ص:‏‎٤٣‎.(٨١ /٣)


١١٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج والاحتياط من الضلال مشروع؛ ففي " الموطأ " و " الصحيحين " عن عائشةرضي االله عنها؛ أن النبي - صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم قال:‏ ‏«أ َل َم تري أ َن َّ ق َومك حينبنوا ال ْك َعبة َ اق ْتصروا عن ق َواعد إ ِبراهيم‏».‏ ق َال َت‏:‏ ف َق ُل ْت‏:‏ يا رسول َ الل َّه‏!‏ أ َف َل َا تردهاعل َى ق َواعد إ ِبراهيم؟ ف َق َال َ رسول ُ الل َّه صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم -: ‏«ل َول َا حدث َان ُق َومك ب ِال ْك ُف ْر ِ؛ ل َف َعل ْت‏»‏• شروط التبرك:‏--.(١)والذي تفيده النقول السابقة في مجموعها إثباتا ً ونفيا ً وتوجيها ً:‏ أن التبركمشروع،‏ ولكنه مقيد بقيود:‏أحدها:‏ أن يكون التبرك بفعل طاعة مشروعة؛ كصلاة،‏ ودعاء،‏ ورجاء القبول،‏وزيادة الأجر،‏ لا ب ِحمل ِ تراب أو بخور وغيرهما من أجزاء المكان المتبرك به،‏ أوالأشياء الموضوعة فيه.‏-(٢)-نعم؛ ثبت عن الصحابة أم تبركوا بالتمسح بفضل وضوئه صل َّى االلهُ‏ عل َيهوسل َّم والتدلك بنخامته ، بل إن منهم من شرب دم حجامته صل َّى االلهُ‏-(٣)(١)أخرجه البخاري (٣//٤٣٩١٥٨٣) عن عبد االله بن مسلمة،‏ ومسلم (٢/١٣٩٩) عن يحى بن يحى،‏ كلاهما عن مالك،‏ وهذا في " الموطأ " (٢/عائشة رضي االله عنها.‏- ١٣٣٣ / ٩٦٩/٣٠٠ - ٢٩٧(٢)أخرجه البخاري في " صحيحه " (٥/٢٧٣١ /٣٣٣ - ٣٢٩ومروان بن الحكم مطولا ً،‏ وفيه قول عروة بن مسعود الثقفي:‏" فواالله،‏ ما تنخم رسول االله - صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم-وجلده،‏ وإذا أمرهم ابتدروا أمره،‏ وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ... ".وعن أبي جحيفة؛ قال:‏ " خرج علينا رسول االله - صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم-٨٢٤) من حديثو‎٢٧٣٢‎‏)‏ من حديث المسور بن مخرمةنخامة ً إل ّا وقعت في ك َف رجل منهم؛ فدلك ا وجههفجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به ... " الحديث.أخرجه البخاري (١/أيضا ً.‏بالهاجرة،‏ فأتي بوضوء فتوضأ؛(١٨٧ /٢٩٤(٣)ورد ذلك في أحاديث،‏ منها:‏


١١١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ١- حديث عبد االله بن الزبير،‏ قال:‏ احتجم النبي - صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم -، فأعطاني الدم،‏ فقال:‏ " اذهبفغيبه ". فذهبت فشربته،‏ فأتيت النبي - صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم ‏-؛ فقال:‏ " ما صنعت؛ ". قلت‏:‏ غيبته!‏ قال:‏" لعل َّك شربته؟ ". قلت‏:‏ شربته.‏ فقال:‏ " من أمرك أن تشرب الدم؟ ويل ٌ لك من الناس!‏ وويل ٌ للناس منك." أخرجه البزار /٣) ،(٢٤٣٦ /١٤٥ والطبراني،‏ والحاكم /٣) ،(٥٥٤ وأبو نعيم /١) - ٣٢٩ (٣٣٠وغيرهم من طريق هنيد بن القاسم عن عامر بن عبد االله بن الزبير عنه.‏قلت‏:‏ وهنيد بن القاسم ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (٩/ ‎١٢١‎‏)؛ فلم يذكر فيه جرحا ً ولاتعديل ًا،‏ سوى رواية موسى بن إسماعيل عنه،‏ وكذا قال ابن حبان،‏ ومع ذلك أورده فيكتابه " الثقات " /٥)!(٥١٥والحديث سكت عليه الحاكم والذهبي!‏وقال الحافظ الهيثمي في " امع " (٨/ ٢٧٠): " رواه الطبراني والبزار باختصار،‏ ورجال البزار رجالالصحيح غير هنيد بن القاسم وهو ثقة!‏ ".وقال تلميذه الحافظ ابن حجر في " التلخيص " (١/ ٣٠): " وفي إسناده الهنيد بن القاسم ولا بأس به،‏ لكنهليس بالمشهور بالعلم ".ثم ذكر رحمه االله تعالى أن للحديث شاهدين:‏أحدهما:‏ عند الطبراني والدارقطني من حديث أسماء بنت أبي بكر نحوه،‏ وفيه علي بن مجاهد وهو ضعيف.‏والأخر:‏ عند الطبراني وأبي نعيم (١/ ٣٣٠) عن سلمان.‏وانظر:‏ " الإِصابة " (٢/ ٣٠٢) له أيضا ً.‏والحديث حسنه الحافظ السيوطي رحمه االله تعالى في " الخصائص الكبرى " (٢/ ٢٥٢)! والعلم عند االله جل َّوعلا.‏- ٢حديث سفينة مولى رسول االله - صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم ‏-؛ قال:‏ احتجم،‏ فقال:‏ " خذ ْ هذا الدم فادفنهمن الدواب والطير والناس "، فتغيبت فشربته،‏ ثم ذكرت ذلك له فضحك.‏أخرجه البزار (٣/- ١٤٤ /١٤٥ ،(٢٤٣٥ والطبراني /٧) - ٩٤ /٩٥اروحين " /١) (١١١ -السنن "٦٤٣٤)، وابن حبان في "وزاد في " التلخيص " نسبته إلى ابن أبي خيثمة والبيهقي في " الشعب " و "-، كل ّهم من طريق بريه ‏(واسمه إبراهيم)‏ بن عمر بن سفينة مولى رسول االله - صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم- عن أبيه عن جده به.‏


١١٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج عل َيه وسل َّم -، ولكن لم يرد أم فعلوا نحو ذلك مع غيره شيئا ً من خلفائه الراشدينوأهل بيته الطاهرين،‏ فيكون هذا الضرب من التبرك مقصورا ً على ذاته الشريفة،‏منقطعا ً بموته،‏ وقد بسط الحديث في ذلك صاحب " الاعتصام " (٢/.(٩ - ٦-ثانيها:‏ أن لا يحمل المتبرك غيره على التبرك،‏ ولا أن يدعوه إليه؛ فلا ينصبشيء للعموم يتبركون به.‏ثالثها:‏ أن يتفق له المرور بمكان التبرك،‏ لا أن يقصد إليه من بعيد ويقتحم السفرمن أجله.‏رابعها:‏ أن يكون من المعرفة بدينه بحيث لا تضله خطرات النفس،‏ ولا نزغاتالشيطان،‏ لا أن يكون ضعيف الإِيمان قليل المعرفة.‏ولقلة اطلاعي؛ لم أر من أفصح عن هذه الشروط،‏ ولكنها مقتضى العلم ووحيالنصيحة،‏ وقد كان النبي صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم وأصحابه رضوان االله عليهميحتاطون على الاعتقاد أي احتياط،‏ حتى لا يزل أو يكدر بالاختلاط.‏(١)-وهذا سند ضعيف؛ إبراهيم ضعفه النسائي والدارقطني،‏ وقال العقيلي:‏ " لا يتابع على حديثه "، وقال ابنحبان:‏ " يخالف الثقات في الروايات،‏ ويروي عن أبيه ما لا يتابع عليه من رواية الأثبات،‏ فلا يحل الاحتجاجبخبره بحال "، وقال ابن عدي:‏ " أحاديثه لا يتابعه عليها الثقات،‏ وأرجو أنه لا باس به "، وأبو عمر،‏ قالالذهبي:‏ " لا يعرف "، وقال أبو زرعة:‏ " صدوق "، وقال البخاري:‏ " إسناده مجهول ".فلا تغتر بقول الهيثمي:‏ " رجال الطبراني ثقات "، فإنه من تساهله رحمه االله،‏ واالله ولي التوفيق.‏- ٣حديث ابن عباس،‏ قال:‏ حجم النبي-صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم-(١)غ ُل َام لبعض قريش،‏ فلما فرغ منحجامته،‏ أخذ الدم فذهب به من وراء الحائط،‏ فنظر يمينا ً وشمالا ً،‏ فلما ل َم ير أحدا ً تحسى دمه حتى فرغ،‏ ثمأقبل،‏ فنظر النبي - صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم - في وجهه،‏ فقال:‏ " ويحك!‏ ما صنعت بالدم؛ ". قلت‏:‏ غيبته وراءالحائط!‏ قال:‏ " أين غيبته؛ ". قلت:‏ يا رسول االله!‏ نفست على دمك أن أهريقه في الأرض فهو في بطني!‏ قال:‏" اذهب،‏ فقد أحرزت نفسك من النار ".رسالة الشرك ومظاهره-مبارك بن محمد الميلي الجزائري ص‎١٥٧-١٥١‎بتصرف .


١١٣ مدخلابنالحاج-١١-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف.وقول ابن الحاج:‏ ويجدون بركة ذلك حسا ً ومعنى من أبطل الباطل وهيدعوى مجردة من التحقيق لأن اعتقاد حصول البركة منهم شرك والشرك ماحقللبركة جالب لضدها والبركة حصول الخير ودوامه وطلب ذلك من غير االله شركلكن قد يحصل قضاء بعض الحوائج عند القبور لمن اعتقدها وتبرك ا وهذا منالشيطان فهو الذي يفعل ذلك لأجل الفتنة والضلال حيث يزداد تعلق المشرك بغيراالله وهذا لا يسميه بركة إلا أضل الخلق مثل هذا المؤلف الضال أما ما قاله ابنالنعمان من جريان بركة الصالحين بعد ممام وبركتهم في حيام فإنما يحصل ذلكباتباع الحق الذي يدعون إليه واجتناب الباطل الذي ينهون عنه فبذلك تحصل البركة.‏إذ المعنى أن البركة تدور مع الحق حيث دار ليس متعلقها ذوات المخلوقينيستثنى من ذلك سيد الأولين والآخرين وإنما ذلك مخصوص في حياته أما غيره(١)فاعتقاد ذلك فيه لا يجوز.‏أما ما ذكره ابن النعمان من الدعاء عند قبور الصالحين والتشفع م فقد تقدمبيان النهي عن ذلك وأنه وسيلة إلى الشرك ووسائل الشرك محرمة لأا تؤدي إليه.‏كذلك التشفع م من أعظم القواطع عن االله عز وجل وهو شرك حيث أنالمتشفع جعل بينه وبين االله واسطة.‏حقيقة الشفاعة في اللغة،‏ والاصطلاح.‏أما الشفاعة في اللغة:‏(١)السراج ص‎٢٧‎


١١٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (١)فقد جاء في الصحاح للجوهري : ‏"الشفع خلاف الوتر وهو خلاف الوترتقول:‏ كان وترا ً فشفعته شفعا ً....‏ واستشفعته إلى فلان،‏ أي سألته أن يشفع لي إليه،‏وتشف َّعت إليه في فلان فشفعني فيه تشفيعا ً"‏.(٢)وفي القاموس : ‏"الشفع خلاف الوتر وهو الزوج وقد شفعه كمنعه ... إلى أنقال:‏ وعين شافعة تنظر نظرين،‏ وشفعت لي الأشباح بالضم أي أرى الشخصشخصين لضعف بصري وانتشاره"‏ أ.‏ ه.‏(٣)وجاء في اللسان : ‏"الشفع خلاف الوتر وهو الزوج تقول:‏ كان وترا ً فشفعتهشفعا ً وشفع الوتر من العدد شفعا ً صيره زوجا ً"‏.(٤)وجاء في النهاية لابن الأثير : ‏"ومنه الشفعة بالضم وهي مشتقة منالزيادة لأن الشفيع يضم المبيع إلى ملكه فيشفعه به كأنه كان واحدا ً وترا ً فصار زوجا ًشفعا ً".‏وقال الراغب:‏ ‏"ويطلق لفظ الشفيع والشافع على من طلب شيئا ً لغيره لينفعه بهأو يضره قال تعالى:‏ ‏{من يشف َع شف َاعة ً حسنة ً يك ُن ل َه نصيب منها ومن يشف َعشف َاعة ً سيئ َة ً يك ُن ل َه كف ْل ٌ منها}‏ أي:‏ من انضم إلى غيره وعاونه صار شفعا ً له،‏ أوشفيعا ً في فعل الخير والشر فعاونه وقواه وشاركه في نفعه وضره"‏.(٥)ومن هذه التعاريف اللغوية السابقة يتبين أن المعنى اللغوي للشفاعة يدخل فيهكل ما دلت عليه مادة الشفع وهو:‏ الازدواج والانضمام إلى الغير في الحصولعلى أمر ما.‏.١٢٣٨/٣.٤٧/٣(١)(٢)(٣)(٤)(٥)١٨٣/٨، وانظر المعجم الوسيط ٤٨٧/١، الجامع لأحكام القرآن ٣٧٨/١..٤٨٥/٢المفردات في غريب القرآن ص‎٢٦٣‎ وانظر ‏"الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية ص‎٦١‎‏.‏


١١٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج قال في اللسان:‏ ‏"والشافع:‏ الطالب لغيره يتشفع به إلى المطلوب يقال:‏ تشفعتبفلان إلى فلان فشفعني فيه واسم الطالب شفيع"‏.(١).(٢)وقال الراغب:‏ ‏"الشفع:‏ ضم الشيء إلى مثله والشفاعة الانضمام إلى آخر ناصرا ًله وسائلا ً عنه،‏ وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى مرتبة إلى من هو أدنىومنه الشفاعة في القيامة"‏وقال الحافظ:‏ ‏"الاستشفاع طلب الشفاعة،‏ليستعين به على ما يرونه"‏وهي:‏ انضمام الأدنى إلى الأعلى.(٣)وأما تعريف الشفاعة في الاصطلاح:‏فإنه لا يكاد يخرج عن المعنى اللغوي،‏ إذ المعنى الاصطلاحي للشفاعة هو:‏ ضمالشافع طلبه إلى طلب المشفوع له،‏ فيصبح بذلك شفعا ً وهو ضد الوتر.‏وعرفها بعضهم بأا:‏ ‏"سؤال الخير للغير"‏(٤).وقيل:‏ ‏"هي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم"‏(٥).وذا نعلم موافقة المعنى الشرعي للشفاعة لمعانيها اللغوية.‏قال تعالى:‏ ‏{وال َّذين اتخذ ُوا من دون ِه أ َولياءَ‏ ما نعبدهم إ ِلا َّ ليق َربونا إ ِل َى االلهِ‏ زل ْف َىإ ِن َّ االلهَ‏ يحك ُم بينهم في ما هم فيه يختلف ُون َ إ ِن َّ االلهَ‏ لا يهدي من هو ك َاذب ك َف َّار‏}‏ .(١)(٢)(٣)(٤)اللسان ١٨٤/٨، وانظر تاج العروس ٤٠٠/٥.المفردات في غريب القرآن ص‎٢٦٣‎‏.‏الفتح ٤٣٣/١١.(٥)لوامع الأنوار البهية ٢٠٤. ٢/النهاية لابن الأثير ٤٨٥/٢، لسان العرب ١٨٤/٨.


١١٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (١)وقال تعالى:‏ ‏{أ َم ِ اتخذ ُوا من دون االلهِ‏ شف َعاءَ‏ ق ُل ْ أ َول َو ك َانوا لا يملك ُون َ شيئا ً ولايعقل ُون َ * ق ُل ْ الله الشف َاعة ُ جميعا ً ل َه مل ْك السماوات والأَرض ِ ث ُم إ ِل َيه ترجعون َ}‏ هذهثلاث آيات من سورة الزمر الآية الأولى:‏ منها أوضحت أن المشركين كانوا يعبدونالأصنام،‏ والأوثان لكي تشفع لهم عند االله وتقرم إليه زلفى.‏ قال قتادة:‏ ‏{ما نعبدهمإ ِلا َّ ليق َربونا إ ِل َى االلهِ‏ زل ْف َى}‏ أي ‏"قالوا ما نعبد هؤلاء إلا ليقربونا،‏ إلا ليشفعوا لنا عنداالله".‏قال ابن زيد:‏ قالوا هم شفعاؤنا عند االله،‏ وهم الذين يقربوننا إلى االله زلفى يومالقيامة"‏ فهذه حال من يتخذ الأولياء والشفعاء من دون االله يزعم أن ذلك يقربهإلى االله زلفى،‏ والحال أن عمله هذا مشاهد عليه بالكفر والكذب محروم من هداية االلهتعالى،‏ وأما الآيتان الأخيرتان وهما قوله تعالى:‏ ‏{أ َم ِ اتخذ ُوا من دون االلهِ‏ شف َعاءَ‏ ق ُل ْأ َول َو ك َانوا لا يملك ُون َ شيئا ً ولا يعقل ُون َ * ق ُل ْ الله الشف َاعة ُ جميعا ً ل َه مل ْك السماواتوالأَرض ِ ث ُم إ ِل َيه ترجعون َ}‏ هاتان الآيتان من سورة الزمر بينتا بأن الشفاعة تنقسم إلىقسمين:‏أ شفاعة منفية وهي التي ادعاها المشركون وأثبتوها لآلهتهم.‏ب شفاعة مثبتة،‏ وهي التي أثبتها االله لأهل الإخلاص فيأذن هو سبحانه لمن يشاء أن يشفع فيه فصارت الشفاعة في الحقيقة إنما هي له،‏ والذي يشفع عندهإنما يشفع بإذنه له،‏ وأمره وهذا ضد الشفاعة الشركية التي أثبتها هؤلاء المشركونومن وافقهم،‏ وهي التي أبطلها االله في أماكن كثيرة من كتابه سنذكر طرفا ً منها فيمايأتي إن شاء االله تعالى بعد بيان دلالة الآيتين من السورة التي تقدم ذكرها.‏فالآية الأولى منهما:‏ وهي قوله تعالى :‏ ‏{أ َم ِ اتخذ ُوا من دون االلهِ‏ شف َعاءَ‏ ق ُل ْأ َول َو ك َانوا لا يملك ُون َ شيئا ً ولا يعقل ُون َ}‏ . فهذه الآية تضمنت الإنكار لاتخاذالمشركين الشفعاء من دون االله سبحانه حيث زعموا أا تشفع لهم عند االله(١)قول قتادة وابن زيد في جامع البيان للطبري ١٩٢. ١٩١/٢٣،


١١٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج من دون أن يأذن أو يأمرهم بذلك والحال أنه لا يمكن أن يشفع أحد عنده تعالى إلا بإذنه وأن يرضى عن المشفوع له فهذان الشرطان الثقيلان لا بد منهما فيالشفاعة المقبولة عنده جل وعلا وهذان الشرطان مفقودان فيمن زعمهمالمشركون أم شفعاؤهم عند االله تعالى وهو سبحانه لم يجعل اتخاذالشفعاء ودعاءهم من دونه سببا ً لإذنه ورضاه بل ذلك من أعظم الأسباب المانعةلرضاه،‏ ومن أعظم الأسباب الجالبة لغضبه ثم أنكر عليهم ثانيا ً في نفس الآية:‏ ‏{ق ُل ْأ َول َو ك َانوا لا يملك ُون َ شيئا ً ولا يعقل ُون َ}‏ أي:‏ يشفعون لكم ولو كانوا على هذهالصفة كما تروم جمادات ليس لها قدرة ولا علم بحالكم،‏ أو أموات كذلك لايملكون الشفاعة وليسوا أهلا ً لها.‏وأما الآية الثانية:‏ وهي قوله تعالى :‏ ‏{ق ُل ْ الله الشف َاعة ُ جميعا ً ل َه مل ْكالسماوات والأَرض ِ ث ُم إ ِل َيه ترجعون َ}‏ .فهذه الآية أمر من االله جل وعلا لنبيه محمد صلى االله عليه وسلم:‏ بأنيعلن لجميع العالمين بأن الشفاعة كلها الله فهو المالك لها وليس لمن زعمهم المشركونمنها شيء.‏ قال العلامة ابن جرير حول الآيتين السابقتين:‏ ‏"يقول تعالى ذكره :‏أم اتخذ هؤلاء المشركون باالله من دونه آلهتهم التي يعبدوا شفعاء تشفع لهم عند االلهفي حاجام وقوله:‏ ‏{ق ُل ْ أ َول َو ك َانوا لا يملك ُون َ شيئا ً ولا يعقل ُون َ}‏ يقول تعالى ذكرهلنبيه محمد صلى االله عليه وسلم قل يا محمد لهم:‏ أتتخذون هذه الآلهة شفعاء كماتزعمون ولو كانوا لا يملكون لكم نفعا ً ولا ضرا ً،‏ ولا يعقلون شيئا ً،‏ قل لهم:‏ إنتكونوا تعبدوا لذلك وتشفع لكم عند االله فأخلصوا عبادتكم الله وأفردوه بالألوهيةفإن الشفاعة جميعا ً له،‏ لا يشفع عنده إلا من أذن له ورضي له قولا ً وأنتم متىأخلصتم له العبادة فدعوتموه وشفعكم ‏{ل َه مل ْك السماوات والأَرض ِ}‏ يقول:‏ لهسلطان السموات والأرض وملكها،‏ وما تعبدون أيها المشركون من دونه ملك له.‏


١١٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج يقول:‏ فاعبدوا الملك لا المملوك الذي لا يملك شيئا ً ‏{ث ُم إ ِل َيه ترجعون َ}‏ يقول:‏ ثم إلىاالله مصيركم وهو معاقبكم على إشراككم به إن متم على شرككم"أ.‏ ه.(١)وقال البيضاوي:‏ عند قوله تعالى:‏ ‏{ق ُل ْ الله الشف َاعة ُ جميعا ً}‏ الآية،‏ لعل َّه رد لماعسى يجيبون به،‏ وهو أن الشفعاء أشخاص مقربون وهي تماثيلهم،‏ والمعنى أنه مالكالشفاعة كلها لا يستطيع أحد شفاعة إلا بإذنه ولا يستقل ا.(٢)وقوله:‏ ‏{ل َه مل ْك السماوات والأَرض ِ}‏ تقرير لبطلان اتخاذ الشفعاء من دونهبأنه مالك الملك كله لا يملك أحد أن يتكلم في أمره دون إذنه ورضاه فيدخل فيذلك ملك الشفاعة فإذا كان هو مالكها بطل اتخاذ الشفعاء من دونه كائنا ً من كانوسيعلمون حقيقة ذلك إذ وقفوا بين يدي االله يتبين لهم أم لا يشفعون ويخيبسعيهم في عبادم.‏قال العلامة ابن القيم حول الآية السابقة:‏‏"فأخبر أن حال ملكه للسموات والأرض يوجب أن تكون الشفاعة كلها لهوحده وأن أحدا ً لا يشفع عنده إلا بإذنه فإنه ليس بشريك بل مملوك محض بخلافشفاعة أهل الدنيا بعضهم عند بعض.‏ أ.‏ ه.(٣)والشفاعة التي أثبتها المشركون لأصنامهم صرح القرآن ببطلاا ونفيها فيمواضع كثيرة.‏قال تعالى:‏ ‏{من ذ َا ال َّذي يشف َع عنده إ ِلا َّ ب ِإ ِذ ْن ِه‏}.‏(١)(٢)جامع البيان:‏ ٢٤/‎٩‎أنوار التتريل ٣٢٤/٢..١٠(٣)إغاثة اللهفان ٢٢٢/١.


١١٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج قال في تيسير العزيز الحميد:‏ في هذه الآية رد على المشركين الذين اتخذواالشفعاء من دون االله من الملائكة والأنبياء والأصنام المصورة على صور الصالحين(١)وغيرهم وظنوا أم يشفعون عنده بغير إذنه فأنكر ذلك عليهم"‏ أ.‏ هوقال تعالى:‏ ‏{وأ َنذر ب ِه ال َّذين يخاف ُون َ أ َن ْ يحشروا إ ِل َى ربه ِم ل َيس ل َهم من دون ِهولي ولا شفيع ل َعل َّهم يتق ُون َ}.‏فأخبر أنه ليس للعباد شفيع من دونه،‏ بل إذا أراد االله سبحانه رحمة عبدهأذن هو لمن يشفع فيه كما قال تعالى:‏ ‏{ما من شفيع ٍ إ ِلا َّ من بعد إ ِذ ْن ِه‏}‏ فالشفاعةبإذنه ليست شفاعة من دونه ولا الشافع شفيع من دونه،‏ بل شفيع بإذنه والفرق بينالشفيعين كالفرق بين الشريك والعبد المأمور فالشفاعة التي أبطلها االله شفاعةالشريك فإنه لا شريك له،‏ والتي أثبتها:‏ شفاعة العبد المأمور الذي لا يشفع ولا يتقدمبين يدي مالكه حتى يأذن له،‏ ويقول:‏ اشفع في فلان ولهذا كان أسعد الناس بشفاعةسيد الشفعاء يوم القيامة أهل التوحيد الذين جردوا التوحيد وخل َّصوه من تعلقاتالشرك وشوائبه وهم الذين ارتضى االله سبحانه قال تعالى:‏ ‏{ولا يشفعون إلالمن ارتضى}.‏وقال تعالى:‏ ‏{يومئذ لا تنف َع الشف َاعة ُ إ ِلا َّ من أ َذن َ ل َه الرحمن ورضي ل َه ق َولا ً}‏وهنا أخبر سبحانه أنه لا يحصل يومئذ شفاعة تنفع إلا بعد رضاء قول المشفوع له،‏وإذنه للشافع فيه،‏ فأما المشرك فإنه لا يرتضيه ولا يرضى قوله فلا يأذن للشفعاء أنيشفعوا فيه فإنه سبحانه علقها بأمرين رضاه عن المشفوع له وإذنه للشافع فمالم يوجد مجموع الأمرين لم توجد الشفاعة.(٢)‏"والسر في ذلك أن الأمر كله الله تعالى وليس لأحد معه من الأمر شيء وأكرمخلقه سبحانه وأفضلهم عنده ملائكته المقربون ورسله الكرام وهم مع ذلك عبيد(١)(٢)ص‎٢٤٠‎‏.‏إغاثة اللهفان ٢٢١/١.


١٢٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج محض لا يسبقونه بقول،‏ ولا يتقدمون بين يديه،‏ ولا يفعلون شيئا ً إلا بعد إذنه،‏ وأمرهلهم،‏ ولا سيما يوم القيامة،‏ فالملائكة والأنبياء مملوكون مربوبون أفعالهم مقيدة بأمراالله وإذنه فمن عبدهم واتخذهم شفعاء،‏ وأولياء ظنا ً منه أنه إذا فعل ذلك تقدمواوشفعوا له عند االله فهو من أجهل الناس بحق الرب سبحانه وما يجب له ويمتنععليه.‏والذي أوقع عباد الأصنام،‏ وعباد القبور في طلب الشفاعة من غير االله تعالى هو قياسهم الخالق على المخلوق حيث قاسوه تعالى على الملوك والعظماءفي هذه الدنيا حيث يتخذ الشخص من المقربين لديهم من يشفع له عندهم في قضاءالحوائج فهذا هو القياس الفاسد الذي بنى عليه المشركون عبادم للأصنام،‏ واتخذوامن دونه الشفعاء والأولياء وهذا من جهلهم بالفارق بين الخالق والمخلوق"‏الذي يجب على كل مسلم معرفته.(١)فهناك فرق بين الشفاعة عند المخلوقين والشفاعة عنده تعالى ذلك أنالوسائط التي تكون بين الملوك وبين الناس تكون على أحد الوجوه التالية:‏الوجه الأول:‏أن العظماء من أهل الدنيا بحاجة إلى من يخبرهم بأحوال الناس ما لا يعرفونه،‏ومن زعم أن االله لا يعلم أحوال الناس حتى يخبره بذلك بعض الأنبياء،‏ أو غيرهم منالملائكة والأولياء والصالحين فهو كافر به سبحانه لأنه جل وعلا يعلمالسر وأخفى ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.‏الوجه الثاني:‏(١)انظر إغاثة اللهفان ٢٢١/١ بتصرف.‏


١٢١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج إن العظماء من أهل الدنيا عاجزون عن تدبير رعيتهم ودفع أعدائهم إلا بأعوانيعاونوم،‏ وأنصار يكونون مستندا ً لهم عند الذلة والعجز،‏ أما االله جل وعلا ليس له ظهير،‏ ولا ولي من الذل،‏ وكل ما في الوجود من الأسباب فهو سبحانه ربه وخالقه وهو الغني عن كل ما سواه،‏ وكل ما سواه فقير إليه بخلاف الملوكالمحتاجين إلى ظهرائهم وهم في الحقيقة شركاؤهم واالله سبحانه لا شريك له فيالملك،‏ بل لا إله إلا هو وحده لا شريك له،‏ له الملك وله الحمد،‏ ولهذا لا يشفع عندهأحد إلا بإذنه،‏ لا ملك مقرب ولا نبي مرسل،‏ فضلا ً عن غيرهما،‏ فإن من شفع عندهبغير إذنه فهو شريك له في حصول المطلوب أث َّر فيه بشفاعته حتى يفعل ما يطلبمنه،‏ واالله تعالى لا شريك له بوجه من الوجوه.‏الوجه الثالث:‏.(١)إن العظماء من أهل الدنيا قد يكونون غير مريدين نفع رعيتهم والإحسان إليهمإلا بمحرك يحركهم من الخارج،‏ فإذا خاطبهم من ينصحهم ويعظهم أو من يدلهم ممنيرجوم ويخافوم تحركت إرادم وهمتهم في قضاء حوائج رعيتهم.‏ فلحاجتهمإليهم يقبلون شفاعتهم وإن لم يأذنوا فيها لأم يخافون أن يردوا شفاعتهم فتنتقضطاعتهم،‏ ولذا يقبلون شفاعتهم على الكره والرضي.‏أما الباري سبحانه وتعالى فهو رب كل شيء ومليكه وهو أرحم بعباده منالوالدة بولدها وكل الأسباب إنما تكون بمشيئته،‏ فما شاء كان وما لم يشأ لم يكنوهو سبحانه إذا أراد إجراء نفع العباد بعضهم على يد بعض جعل هذا يحسنإلى هذا وهو الذي خلق في قلب هذا المحسن والداعي إرادة الإحسان والدعاءوالشفاعة"‏٢٢٣/١، وانظر١٩(١)الواسطة بين الحق والخلق لابن تيمية ص‎١٧‎الهدية السنية لابن سحمان ص‎٥١‎‏.‏بتصرف،‏ وانظر إغاثة اللهفان


١٢٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ولا يجوز أن يكون في الوجود من يكرهه على خلاف مراده أو يعلمه ما لميكن يعلمه،‏ والشفعاء الذين يشفعون عنده لا يشفعون إلا بإذنه كما قدمنا ذلكبخلاف العظماء من أهل الدنيا فإم محتاجون والشافع عندهم يكون شريكا ً لهم فيالملك،‏ وقد يكون مظاهرا ً لهم على ملكهم ولذا فإم يشفعون عند ملوكهم بغيرإذم،‏ والملوك يقبلون شفاعتهم تارة لحاجتهم إليهم وتارة لجزاء إحسام ومكافأم،‏حتى أم يقبلون شفاعة أولادهم وأزواجهم،‏ بل إن أحدهم لو أعرض عنه ولدهوزوجته لتضرر بذلك،‏ بل يقبل حتى شفاعة مملوكه فإنه إذا لم يقبل شفاعته يخاف أنلا يطيعه،‏ ويقبل شفاعة أخيه مخافة أن يسعى في ضرره.‏فشفاعة العباد بعضهم عند بعض كلها من هذا القبيل فلا يقبل أحد شفاعة أحدإلا لرغبة أو لرهبة،‏ واالله جل وعلا لا يرجو أحدا ً،‏ ولا يخافه ولا يحتاج إلىأحد هو الغني سبحانه عما سواه،‏ وكل ما سواه فقير إليه،‏ والمشركون قديما ًوحديثا ً إنما يتخذون الشفعاء،‏ والأولياء على غرار ما يعهدونه عند المخلوق"‏(١)وفيما ذكرنا من الفروق كفاية بين الشفاعة الشركية،‏ والشفاعة الشرعية لمنأراد االله تنوير بصيرته،‏ فابتعد عما يدين به المشركون والقبوريون في الشفعاءوالأولياء،‏ وأما من أراد االله فتنته فلا حيلة فيه ‏{من يهد االلهُ‏ ف َهو ال ْمهتد ومن يضلل ْف َل َن تج ِد ل َه وليا ً مرشدا ً}.‏ولقد حكم االله في كتابه على اتخاذ المشركين الشفعاء والأولياء بالكفر وأمكاذبون فيما يزعمون من أن معبودام تشفع لهم عند االله وتقرم إليه زلفى.‏ قالتعالى:‏ ‏{وال َّذين اتخذ ُوا من دون ِه أ َولياءَ‏ ما نعبدهم إ ِلا َّ ليق َربونا إ ِل َى االلهِ‏ زل ْف َى إ ِن َّ االلهَ‏يحك ُم بينهم في ما هم فيه يختلف ُون َ إ ِن َّ االلهَ‏ لا يهدي من هو ك َاذب ك َف َّار‏}‏ .(١)إغاثة اللهفان ٢٢٣/١.


١٢٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وهذه الآية من السورة بينت أن غاية المشركين من عبادم الأولياء أميقربوم إلى االله زلفى،‏ وذلك بتحصيل شفاعتهم وهذا من افتراء المشركين الباطلوقد تقدم الكلام على هذه الآية قريبا ً.‏وقال تعالى:‏ ‏{ويعبدون َ من دون االلهِ‏ ما لا يضرهم ولا ينف َعهم ويق ُول ُون َ هؤلاءِ‏شف َعاؤنا عند االلهِ‏ ق ُل ْ أ َتنبئ ُون َ االلهَ‏ ب ِما لا يعل َم في السماوات ولا في الأَرض ِ سبحانهوتعال َى عما يشر ِك ُون َ}.‏هذه الآية فيها الإخبار بذم المشركين الذين يعبدون الأصنام التي ليس لديهاجلب نفع ولا دفع ضر وأبانت بأن مقصودهم من عبادا هو الشفاعة عند االله كماأوضحت بأن ذلك شرك باالله العظيم نزه تعالى نفسه عنه.‏قال الصنعاني رحمه االله تعالى:‏ ‏"فجعل االله تعالى اتخاذهم للشفعاء شركا ً ونزهنفسه عنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه،‏ فكيف يثبتون شفعاء لهم لم يأذن االله لهم فيشفاعة ولا هم أهل لها،‏ ولا يغنون عنهم من االله شيئا ً"‏ اه.(١)(٢)وقال تعالى مبطلا ً للشفاعة الشركية وقاطعا ً منافذ الشرك فيها بالكلية ‏{ق ُل ِادعوا ال َّذين زعمتم من دون االلهِ‏ لا يملك ُون َ مث ْق َال َ ذ َرة في السماوات ولا في الأَرض ِوما ل َهم فيه ِما من شرك وما ل َه منهم من ظ َه ِير ٍ * ولا تنف َع الشف َاعة ُ عنده إ ِلا َّ لمن أ َذن َل َه‏}.‏هذه الآية قال فيها بعض العلماء:‏ ‏"إا تقطع عروق شجرة الشرك من القلبلمن عقلها"‏ يوضح ذلك ما قاله العلامة ابن القيم حولها:‏قال رحمه االله تعالى:‏ ‏"فتأمل كيف أخذت هذه الآية على المشركين مجامع الطرقالتي دخلوا منها إلى الشرك وسدت ا عليهم الباب أبلغ سد وأحكمه؟ فإن العابد(١)(٢)تطهير الإعتقاد ص‎١١‎‏،‏ وانظر ‏"شذرات البلاتين"‏ ٢٨١/١ ٢٨٣.تيسير العزيز الحميد ص‎٢٤٥‎‏.‏


١٢٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج .(١)إنما تعلق بالمعبود لما يرجو من نفعه،‏ وإلا فلو كان لا يرجو منفعة منه فلا يتعلق قلبهبه أحدا ً وحينئذ فلا بد أن يكون المعبود إما مالكا ً للأسباب التي ينتفع ا عابداه أوشريكا ً لمالكها،‏ أو ظهيرا ً أو وزيرا ً أو معاونا ً له،‏ أو وجيها ً ذا حرمة وقدر،‏ يشفععنده فإذا انتفت هذه الأمور الأربعة من كل وجه انتفت أسباب الشرك وانقطعتموارده فنفى سبحانه عن آلهتهم أن تملك مثقال ذرة في السموات والأرضفقد يقول المشرك:‏ هي شريكه للمالك الحق فنفى شركها له.‏فيقول المشرك:‏ قد تكون ظهيرا ً أو وزيرا ً أو معاونا ً فقال:‏ ‏{وما ل َه منهم منظ َه ِير ٍ}.‏ولم يبق إلا الشفاعة فنفاها عن آلهتهم وأخبر أنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنهفإن لم يأذن للشافع لم يتقدم بالشفاعة بين يديه،‏ كما يكون في حق المخلوقين،‏ فإنالمشفوع عنده يحتاج إلى الشافع وإلى معاونته له فيقبل شفاعته وإن لم يأذن له ا.‏وأما من كل ما سواه فقير إليه بذاته فهو الغني بذاته عن كل ما سواه فكيفيشفع عنده أحد بغير إذنه؟فتبين مما تقدم أن الشفاعة المنفية التي نفاها االله سبحانه هي الشفاعةالشركية التي زعمها المشركون في آلهتهم أا تشفع لهم عند االله وتقرم إليه زلفىولذلك يطلق القرآن نفيها تارة بناء على أا هي المعروفة عند الناس ويقيدها تارةبأا لا تنفع إلا بعد أن يأذن االله لمن يشاء،‏ وهذه الشفاعة في الحقيقة هي منه سبحانه وتعالى لأنه هو الذي أذن وهو الذي رضي عن المشفوع وهو الذي وفقهللعمل الذي استحق به الشفاعة،‏ أما متخذ الشفيع فهو مشرك لا تنفعه شفاعته ولايشفع فيه.‏(١)مختصر الصواعق المرسلة ٩٤/١، مدارج السالكين ٣٤٣/١.


١٢٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج النوع الثاني:‏ الشفاعة المثبتة:‏ذكرنا فيما تقدم أن السورة دلت على نوعي الشفاعة،‏ المنفية،‏ والمثبتة وتقدمالكلام على الشفاعة المنفية وهي التي أثبتها المشركون لآلهتهم الباطلة وذكرنا أن قولهتعالى:‏ ‏{ق ُل ْ الله الشف َاعة ُ جميعا ً ل َه مل ْك السماوات والأَرض ِ ث ُم إ ِل َيه ترجعون َ}‏ .هذه الآية من السورة دلت على الشفاعة المثبتة.‏فالآية كما قدمنا قريبا ً دلت على أن الشفاعة كلها الله تعالى لأن الأمر كله لهوبيده سبحانه وكل شفيع يخافه ولا يقدر أي مخلوق كائنا ً من كان أن يشفععنده بدون إذنه مهما كانت مكانته،‏ فإذا أراد سبحانه رحمة عبد من عبيدهأذن للشفيع أن يشفع عنده رحمة بالاثنين فله سبحانه ملك السموات والأرضمن الذوات والأفعال والصفات فالواجب على جميع العباد أن يطلبوا الشفاعة منمالكها ويخلصوا في الطلب عل َّهم يحصلون على نصيب من ذلك.‏وسنبين هنا حقيقة الشفاعة المثبتة وحكمها ثم نختم ذلك بذكر أنواعها:‏حقيقة الشفاعة المثبتة:‏لقد قيد القرآن الكريم الشفاعة المثبتة بشرطين:‏الشرط الأول:‏ إذن االله تعالى للشافع بالشفاعة قال تعالى:‏ ‏{من ذ َا ال َّذي يشف َععنده إ ِلا َّ ب ِإذ ْن ِه‏}‏ .الشرط الثاني:‏ رضاه عن المشفوع له قال تعالى:‏ ‏{ولا يشف َعون َ إ ِلا َّ لمن ِارتضى}‏ وعلى هذين الشرطين فليس في مكانة الملائكة،‏ أو أي مخلوق ما سوغالمشركون عبادته من دون االله ممن لا يملك النفع والضر.‏ أن يشفع عند االله إلا بإذنه،‏ولا يأذن االله بالشفاعة إلا عند رضاه عن المشفوع له،‏ واالله لا يرضى عن المشركينالذين قامت عليهم الحجة بدعوة التوحيد،‏ فلم يستجيبوا ‏{إ ِنه من يشر ِك ب ِااللهِ‏ ف َق َدحرم االلهُ‏ عل َيه ال ْجنة َ ومأ ْواه النار وما للظ َّالمين من أ َنصار ٍ}.‏


١٢٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج حكمها:‏.(١)قال القاضي عياض رحمه االله تعالى:‏ ‏"مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلا ًووجودها سمعا ً بصريح قوله تعالى:‏ ‏{يومئذ لا تنف َع الشف َاعة ُ إ ِلا َّ من أ َذن َ ل َه الرحمنورضي ل َه ق َولا ً}.‏وقوله:‏ ‏{ولا يشف َعون َ إ ِلا َّ لمن ِ ارتضى}‏ وأمثالهما ويخبر الصادق صلى االله عليهوسلم وقد جاءت الآثار والتي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرةلمذنبي المؤمنين،‏ وأجمع السلف والخلف ومن بعدهم من أهل السنة عليها،‏ ومنعتالخوارج والمعتزلة،‏ وتعلقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار،‏ واحتجوا بقوله تعالى:‏‏{ف َما تنف َعهم شف َاعة ُ الشافعين‏}‏ وبقوله تعالى:‏ ‏{ما للظ َّالمين من حميم ٍ ولا شفيع ٍيط َاع‏}وهذه الآيات في الكفار،‏ وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكوا في زيادةالدرجات فباطل وألفاظ الأحاديث في الكتاب وغيره صريحة في بطلان مذهبهموإخراج من استوجب النار"‏ اهقال القاضي عبد الجبار عند قوله تعالى:‏ ‏{واتق ُوا يوما ً لا تجز ِي نف ْس عن نف ْس ٍشيئا ً ولا يق ْبل ُ منها شف َاعة ٌ ولا يؤخذ ُ منها عدل ٌ ولا هم ينصرون َ}.‏ يدل على أن مناستحق العقاب لا يشفع النبي صلى االله عليه وسلم،‏ ولا ينصره لأن الآية وردت فيصفة اليوم ولا تخصيص فيها فلا يمكن صرفها إلى الكفار دون أهل الثواب وهيواردة فيمن يستحق العذاب في ذلك اليوم لأن هذا الخطاب لا يليق إلا م فليسلأحد أن يطعن على ما قلناه بأن يمنع الشفاعة للمؤمنين أيضا ً ولو كان النبي صلى االلهعليه وسلم يشفع لهم لكان قد أغنى عنهم وأجزى فكان لا يصح أن يقول تعالى:‏‏{لا تجز ِي نف ْس عن نف ْس ٍ شيئا ً}‏ ولما صح أن قول ‏{ولا يق ْبل ُ منها شف َاعة ٌ}‏ وقدقبلت شفاعته صلى االله عليه وسلم فيهم،‏ ولما صح أن يقول:‏ ‏{ولا يؤخذ ُ منهاعدل ٌ}‏ لأن قبول الشفاعة وإسقاط العقاب إلى المغفرة أعظم من كل فداء لهم عما قداستحقوه من المضرة،‏ بل كان يجب أن تكون الشفاعة فداء لهم عما قد استحقوه من(١)نقلا ً عن شرح النووي على صحيح مسلم ٥٥/٣.


١٢٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (١).حيث تزول ا ولمكاا،‏ ولما صح أن يقول:‏ ‏{ولا هم ينصرون َ}‏ وأعظم النصرةتخليصهم من العذاب الدائم بالشفاعة فالآية دالة على ما نقوله من جميع هذه الوجوه"‏أ هونحن نقول له إن ذلك غير صحيح وأن مذهبك هذا ومذهب أتباعك منالمعتزلة ظاهر الفساد والبطلان لمخالفته الكتاب والسنة وإجماع الأمة في ثبوتالشفاعة لأهل الكبائر.‏قال البيضاوي حول الآية السابقة التي استدل ا عبد الجبار بن أحمد على نفيالشفاعة ‏"وقد تمسكت المعتزلة ذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر وأجيببأا مخصوصة بالكفار للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة،‏ ويؤيده أن الخطابمعهم والآية نزلت ردا ً لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم"‏ اهويرد على المعتزلة والخوارج الذين نفوا الشفاعة من وجوه:‏.(٢)١ ٢إن الشفاعة ثابتة بالقرآن والأخبار المتواترة.‏ الإجماع:‏ من السلف على تلقي هذه الأخبار بالقبول،‏ ولم يبد من أحدمنهم في عصر من الأعصار نكير فظهور الأخبار الواردة فيها وإطباقهم على صحتها،‏وقبولها لها دليل قاطع على صحة عقيدة أهل السنة وفساد مذهب المعتزلة والخوارج(٣).(١)(٢)(٣)متشابه القرآن القسم الأول:‏ ٩٠ ٩١.أنوار التتريل ٥٥/١.تفسير القرطبي ٣٧٨/١ ٣٧٩.


١٢٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ٣ إن أهل العلم قد جمعوا بين الآيات الواردة في نفي الشفاعة وبين الآياتالدالة على إثبات الشفاعة،‏ بأن الآيات الواردة في نفي الشفاعة والشفيع المراد ا(١)الشفاعة للكفار.‏والشفاعة المنفية هي التي تطلب من الأصنام والأموات الذين لا يملكونلأنفسهم ولا لغيرهم نفعا ً ولا ضرا َ.‏أنواع الشفاعة المثبتة:‏اختلف العلماء في شفاعاته صلى االله عليه وسلم يوم القيامة كم هي؟ فذكر أبوبكر النقاش في تفسيره أن للنبي صلى االله عليه وسلم ثلاث شفاعات:‏ الشفاعة العامة،‏وشفاعته في السبق إلى الجنة،‏ وشفاعة في أهل الكبائر.‏وقال ابن عطية : في تفسيره،‏ والمشهور أما شفاعتان فقط العامة وشفاعة فيإخراج المذنبين وهذه الشفاعة الثانية لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء،‏وذكر القاضي عياض إن للنبي صلى االله عليه وسلم خمس شفاعات.(٢)(٣)وذكر القرطبي أن للنبي صلى االله عليه وسلم ست شفاعات وذكر شيخالإسلام ابن تيمية في ‏"العقيدة الواسطية"‏ أن للنبي صلى االله عليه وسلم ثلاثشفاعات وقد ذكر شارح الطحاوية أن أنواع الشفاعة في الآخرة ثمانية أنواع منها ماهو خاص بالنبي صلى االله عليه وسلم وهذه الأنواع هي:(٤)(١)شرح النووي على صحيح مسلم ٣٥/٣، فتح الباري ٤٢٦/١١، تفسير ابن جرير الطبريتفسير الرازي ٥٦/٣ وما بعدها،‏ الجامع لأحكام القرآن ٣٧٨/١ وما بعدها،‏ تفسير النسفي ٤٧/١.،٢٦٧/١(٢)انظر التذكرة للقرطبي ص‎٢٤٩‎‏،‏ شرح النووي على صحيح مسلم ٣٥/٣ ٣٦ فتح الباري.٤٢٨/١١(٣)(٤)التذكرة ص‎٢٤٩‎‏.‏ص‎١٢٧‎ ١٢٨ بشرح محمد خليل هراس.‏


١٢٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج النوع الأول:‏الشفاعة العامة:‏ وهي التي يتدافعها الأنبياء أصحاب الشرائع آدم إلى نوحوإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وهي المقام المحمود الذي يحمدهعليه الأولون والآخرون.‏قال تعالى:‏ ‏{ومن الل َّيل ِ ف َتهجد ب ِه نافل َة ً ل َك عسى أ َن ْ يبعث َك ربك مق َاما ًمحمودا ً}.‏روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي االله عنهما قال:‏ ‏"إن الناسيصيرون يوم القيامة جيشا ً كل أمة تتبع نبيها تقول:‏ يا فلان اشفع يا فلان اشفع حتىتنتهي الشفاعة إلى النبي صلى االله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه االله المقام المحمود"‏.(١)وروى الترمذي في سننه وحسنه من حديث أبي هريرة رضي االله عنه قال:‏ سئلالنبي صلى االله عليه وسلم في قوله:‏ ‏{عسى أ َن ْ يبعث َك ربك مق َاما ً محمودا ً}‏ .قال:‏ هي الشفاعة(٢).فالمقام المحمود هو الشفاعة العظمى لتفسير النبي صلى االله عليه وسلم الآيةالواردة فيه بذلك.‏جاء في لوامع الأنوار ما نصه:‏ شفاعة النبي صلى االله عليه وسلم نوع منالسمعيات وردت ا الآثار حتى بلغت مبلغ التواتر المعنوي وانعقد عليها إجماع أهلالحق من السلف الصالح قبل ظهور المبتدعة لكن هذه الشفاعة العظمى مجمع عليها لمينكرها أحد ممن يقول بالحشر إذ هي للإراحة من طول الوقوف حتى يتمنونالإنصراف من موقفهم ذلك ولو إلى النار ....١٥١/٣.٣٦٥/٤(١)(٢)


١٣٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وقد التمس بعض العلماء الحكمة في إلهام الناس التردد إلى غير النبي صلى االلهعليه وسلم قبله ولم يلهموا ايء إليه لأول وهلة أن ذلك إظهار لفضله عليه الصلاةوالسلام وشرفه على رؤوس الخلائق فصلوات االله وسلامه عليه"‏النوع الثاني:‏.(١)شفاعته صلى االله عليه وسلم في أقوام قد تساوت حسنام وسيئام فيشفعليدخلوا الجنة.‏النوع الثالث:‏شفاعته صلى االله عليه وسلم في أقوام أمر م إلى النار فيشفع فيهم أن لايدخلوها.‏ومما يستدل به لهذين النوعين قوله صلى االله عليه وسلم:‏ ‏"يجمع االله تبارك وتعالىالناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون:‏ يا أبانا استفتح لناالجنة فيقول:‏ وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم لست بصاحب ذلك.‏اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل االله قال فيقول:‏ إبراهيم لست بصاحب ذلك إنما كنتخليلا ً من وراء وراء اعمدوا موسى صلى االله عليه وسلم الذي كلمه االله تكليما ً.‏فيأتون موسى صلى االله عليه وسلم فيقول:‏ لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى عيسىكلمة االله وروحه فيقول عيسى صلى االله عليه وسلم لست بصاحب ذلك فيأتونمحمدا ً صلى االله عليه وسلم.‏ فيقوم فيؤذن له.‏ وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتيالصراط يمنا ً وشمالا ً فيمر أولكم كالبرق"‏ قال قلت:‏ بأبي أنت وأمي!‏ أي شيء كمرالبرق؟ قال:‏ ‏"ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمر الريح ثمكمر الطير وشد الرحال تجري م أعمالهم ونبيكم قائم على الصراط يقول:‏ رب!‏سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا ً"‏٢٠٨/٢(١)وانظر شرح النووي على مسلم ٥٦/٣.


١٣١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج .(١)قال:‏ ‏"وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناجومكدوس في النار"‏قال الحافظ بعد أن ذكر النوع الثالث من أنواع الشفاعة:‏ ‏"ودليل الثالثة حديثحذيفة عند مسلم:‏ ونبيكم على الصراط يقول:‏ ‏"رب سلم سلم"‏النوع الرابع:‏.(٢).(٣)شفاعته صلى االله عليه وسلم في رفع درجات من يدخل الجنة فيها فوق ما كانيقتضيه ثواب أعمالهم وقد وافقت المعتزلة على هذه الشفاعة.‏قال القاضي عياض:‏ ‏"وهذه الشفاعة لا تنكرها المعتزلة ولا تنكر شفاعة الحشرالأول"‏ودليل هذا النوع:‏ ما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي موسىالأشعري رضي االله عنه لما أصيب عمه أبو عامر في غزوة أوطاس فلما أخبر أبوموسى رسول االله صلى االله عليه وسلم فرفع يديه وقال:‏ ‏"اللهم اغفر لعبيد أبي عامرواجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك"‏.(٤)وحديث أم سلمة رضي االله عنها أن رسول االله صلى االله عليه وسلم دعا لأبيسلمة بعدما توفي فقال:‏ ‏"اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه فيعقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه"‏النوع الخامس:‏.(٥)(١)(٢)(٣)(٤)(٥)رواه مسلم من حديث حذيفة ١٨٧/١.فتحالباري ٤٢٨/١١.ذكره عنه القرطبي في التذكرة ص‎٢٤٩‎‏.‏صحيح البخاري ١٠٣/٤، صحيح مسلم ١٩٤٣/٤.صحيح مسلم ٦٤٣/٢، وسنن أبي داود ١٧٠/٢والمسند ٢٩٧/٦.


١٣٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج شفاعته صلى االله عليه وسلم في أقوام أن يدخلوا الجنة بغير حساب.‏ويستدل لهذا النوع بما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي االله عنه أنالنبي صلى االله عليه وسلم قال:‏ ‏"ويدخل من أمتي الجنة سبعون ألفا ً بغير حساب"‏فقال رجل:‏ يا رسول االله!‏ أدع االله أن يجعلني منهم قال:‏ ‏"اللهم اجعله منهم"‏ ثم قامآخر فقال:‏ يا رسول االله!‏ أدع االله أن يجعلني منهم قال:‏ ‏"سبقك ا عكاشة"‏.(١)ووجه الدلالة منه دعاؤه لعكاشة بن محصن أن يجعله من أولئك السبعين ألفا ًفدعاؤه صلى االله عليه وسلم شفاعة له.‏النوع السادس:‏.(٢)الشفاعة في تخفيف العذاب عمن يستحقه كشفاعته صلى االله عليه وسلم فيعمه أبي طالب أن يخفف عنه عذابه،‏ ودليل هذا النوع ما رواه مسلم في صحيحه منحديث أبي سعيد الخدري رضي االله عنه أن رسول االله صلى االله عليه وسلم ذكرعنده عمه أبو طالب فقال:‏ ‏"لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح مننار،‏ يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه"‏قال القرطبي:‏ بعد أن ذكر هذا النوع فإن قيل:‏ فقد قال تعالى ‏{ف َماتنف َعهم شف َاعة ُ الشافعين‏}‏ قيل له لا تنفعه في الخروج من النار كما تنفع عصاةالموحدين الذين يخرجون ويدخلون الجنة"‏ أ ه.(٣)وقال الحافظ:‏ ‏"لعله تنفعه شفاعتي"‏ ظهر من حديث العباس وقوع هذا الترجيواستشكل قوله صلى االله عليه وسلم:‏ ‏"تنفعه شفاعتي"‏ بقوله تعالى ‏{ف َماتنف َعهم شف َاعة ُ الشافعين‏}‏ وأجيب بأنه خص ولذلك عدوه في خصائص النبي صلى(١)(٢)صحيح البخاري مع الفتح ٤٠٦/١١، صحيح مسلم ١٩٧/١..١٩٥/٤(٣)التذكرة ص‎٢٤٩‎‏.‏


١٣٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج االله عليه وسلم،‏ وقيل:‏ معنى المنفعة في الآية يخالف معنى المنفعة في الحديث والمراد افي الآية الإخراج من النار وفي الحديث ‏"المنفعة بالتخفيف"أهالنوع السابع:‏.(١).(٣).(٢)شفاعته صلى االله عليه وسلم في أن يؤذن لأهل الجنة في دخولها ومن أدلة هذاالنوع ما جاء في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي االله عنه قال:‏ قالرسول االله صلى االله عليه وسلم:‏ ‏"أنا أول الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الأنبياءتبعا ً"‏وفي حديث آخر عنه رضي االله عنه قال:‏ قال رسول االله صلى االله عليه وسلم‏"آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن من أنت؟ فأقول:‏ محمد فيقول:‏بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك"‏النوع الثامن:‏الشفاعة في أهل الكبائر من هذهتواترت ذا النوع الأحاديث الكثيرةالأمة ممن دخل النار فيخرجون منها وقد.(٤)ورغم تواترها فقد خالف في ثبوا الخوارج والمعتزلة ممن قل علمه منهم ينكرهالجهله بكثرة الأحاديث الواردة فيها.‏(١)(٢)(٣)(٤)فتح الباري ٤٣١/١١.صحيح مسلم ١٨٨/١.المصدر السابق ورواه أيضا ً أحمد في مسنده ٢٤٧/٣.ذكر هذه الأنواع العلامة ابن القيم في شرحه على سنن أبي داود،‏ انظر عون المعبودوابن كثير في النهاية٧٧/١٣ ٧٨١٧٩/٢٤٢٨/١١، شرح ٢٨٢، كما ذكرها شارح الطحاوية ص‎٢٥٣‎ ٢٥٨، فتح الباريالنووي على صحيح مسلم ٣٥/٣، تحفة الأحوذي ١٢٧/٧، لوامع الأنوار البهية٢٠٤/٢ ٢١٧، الدين الخالص ٣٠٩/٢ ٣١٠.


١٣٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (١)وأما من علم تلك الأحاديث منهم فإنكاره لها إنما هو عناد واستكبار عن الحقواسترواح لهذه البدعة المنكرة،‏ واتباع للهوى.‏وهذه الشفاعة يشارك فيها النبي صلى االله عليه وسلم الملائكة والنبيون والمؤمنونوأدلة هذا النوع كثيرة جدا ً.‏فمنها ما رواه الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي االله عنه قال:‏ قالرسول االله صلى االله عليه وسلم ‏"لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإنياختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء االله،‏ من مات من أمتي لايشرك باالله شيئا ً"‏ ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عن معبد بن هلال العتريقال:‏ اجتمعنا ناس من أهل البصرة فذهبنا إلى أنس بن مالك،‏ وذهبنا معنا بثابتالبناني إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة فإذا هو في قصره فوافقناه يصلي الضحى،‏فاستأذنا،‏ فأذن لنا وهو قاعد على فراشه فقلنا لثابت لا تسأله عن شيء أول منحديث الشفاعة فقال:‏ يا أبا حمزة هؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاؤوك يسألونكعن حديث الشفاعة فقال:‏ حدثنا محمد صلى االله عليه وسلم قال:‏ ‏"إذا كان يومالقيامة ماج الناس بعضهم في بعض....."‏ الحديث وفيه أم يأتون آدم فيطلبون منهأن يشفع لهم.‏ فيحيلهم على إبراهيم وإبراهيم يحيلهم على موسى وموسى يحيلهمعلى عيسى،‏ وعيسى يحيلهم على الرسول صلى االله عليه وسلم فيأتونه فيقول:‏ ‏"أنا لهافأستأذن على ربي فيؤذن لي،‏ ويلهمني محامد أحمده ا،‏ لا تحضرني الآن،‏ فأحمدهبتلك المحامد،‏ وأخر له ساجدا ً،‏ فيقال:‏ يا محمد،‏ ارفع رأسك،‏ وقل يسمع لك،‏وأشفع تشفع،‏ وسل تعط،‏ فأقول:‏ يا رب أمتي أمتي،‏ فيقال انطلق فأخرج منها منكان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فانطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد،‏ ثمأخر له ساجدا ً،‏ فيقال:‏ يا محمد،‏ أرفع رأسك،‏ وقل يسمع لك،‏ واشفع تشفع،‏ وسلتعط،‏ فأقول:‏ يا رب أمتي أمتي فيقال:‏ انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرةأو خردلة من إيمان فأنطلق فأفعل،‏ ثم أعود بتلك المحامد،‏ ثم أخر له ساجدا ً فيقال:‏ يا(١)صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري ٤٤٧/١٣، صحيح مسلم ١٨٩/١.


١٣٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج محمد،‏ ارفع رأسك،‏ وقل يسمع لك،‏ وسل تعط،‏ واشفع تشفع،‏ فأقول:‏ يا رب أمتيأمتي فيقول:‏ انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمانفأخرجه من النار،‏ فأنطلق فأفعل".‏ قال:‏ فلما خرجنا من عند أنس وقلت لبعضأصحابنا لو مررنا بالحسن،‏ وهو متوار ٍ في مترل أبي خليفة فحدثناه بما حدثنا به أنسبن مالك فأتيناه فسلمنا عليه،‏ فأذن لنا،‏ فقلنا له:‏ يا أبا سعيد جئناك من عند أخيكأنس بن مالك فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة،‏ فقال:‏ هيه؟فحدثنا بالحديث،‏ فانتهى إلى هذا الموضع،‏ فقال:‏ هيه؟ فقلنا له لم يزد لنا علىهذا،‏ فقال:‏ لقد حدثني وهو يومئذ جميع،‏ منذ عشرين سنة فما أدري،‏ أنسي،‏ أم كرهأن تتكلوا؟ فقلنا:‏ يا أبا سعيد،‏ فحدثنا،‏ فضحك وقال:‏ خلق الإنسان عجولا ً ماذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم،‏ حدثني كما حدثكم به،‏ قال:‏ ‏"ثم أعود الرابعة،‏فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا ً فيقال:‏ يا محمد ارفع رأسك،‏ وقل يسمع،‏وسل تعطه واشفع تشفع،‏ فأقول:‏ يا رب ائذن لي فيمن قال:‏ لا إله إلا االله".‏ فيقول:‏وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن منها من قال لا إله إلا االله"‏.(١).(٢)فهذا الحديث:‏ وأمثاله من الأحاديث الواردة في شفاعته صلى االله عليه وسلملأهل الكبائر من أمته بلغت مبلغ التواتر ورغم ذلك فقد خفي علم ذلك علىالخوارج والمعتزلة،‏ فخالفوا في ذلك،‏ لجهلهم بصحة الأحاديث،‏ وعنادا ً ممن علم ذلكواستمر على بدعته،‏ وهذه الشفاعة،‏ تشاركه فيها الملائكة والنبيون والمؤمنونأيضا ًللحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي االله عنهمرفوعا ً قال:‏ ‏"فيقول االله تعالى شفعت الملائكة،‏ وشفع النبيون،‏ وشفع المؤمنون١٨٢/١ .١٨٤(١)(٢)انظر النهاية لابن كثير ١٨٠/٢.


١٣٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج .(١)ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما ً لم يعملوا خيرا ًقط"‏قال شارح الطحاوية:‏ ‏"ثم إن الناس في الشفاعة على ثلاثة أقوال:‏فالمشركون والنصارى والمبتدعون من الغلاة في المشايخ وغيرهم:‏ يجعلون شفاعةمن يعظمونه عند االله كالشفاعة المعروفة في الدنيا.‏ والمعتزلة والخوارج أنكروا شفاعةنبينا صلى االله عليه وسلم في أهل الكبائر.‏وأما أهل السنة والجماعة،‏ فيقرون بشفاعة نبينا صلى االله عليه وسلم في أهلالكبائر وشفاعة غيره لكن لا يشفع أحد حتى يأذن االله له ويحد له حدا ً كما فيالحديث الصحيح حديث ‏"الشفاعة"‏ ‏"إم يأتون آدم ثم نوحا ً،‏ ثم إبراهيم ثم موسى،‏ثم عيسى،‏ فيقول لهم عيسى عليه السلام:‏ ‏"اذهبوا إلى محمد،‏ فإنه عبد غفر االله له ماتقدم من ذنبه وما تأخر،‏ فيأتوني،‏ فأذهب فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا ً فأحمدربي بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن،‏ فيقول:‏ أي محمد ارفع رأسك وقل يسمع،‏واشفع تشفع،‏ فأقول:‏ ربي:‏ أمتي،‏ فيحد لي حدا ً فأدخلهم الجنة،‏ ثم انطلق فأسجد،‏فيحد لي حدا ً ‏"ذكرها ثلاث مرات"‏ أ ه.(٢)والذي نخلص إليه مما تقدم أن الشفاعة التي نفاها القرآن هي الشفاعة التي تعلقا المشركون الذين اتخذوا من دون االله،‏ الشفعاء،‏ والأولياء،‏ فعاملهم االله بنقيضقصدهم من شفعائهم.‏ وأما الشفاعة المثبتة التي أثبتها القرآن فهي التي يفوز االموحدون والتي أرشد إليه النبي صلى االله عليه وسلم في قوله لأبي هريرة رضي االلهعنه حين سأله عنها:‏ من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول االله؟ قال:‏ ‏"أسعد الناسبشفاعتي من قال لا إله إلا االله خالصا ً من قلبه"‏.(٣)١٧٠/١، صحيح البخاري ٢٨٦/٤.(١)(٢)(٣)شرح الطحاوية ص‎٣٦٠‎‏.‏صحيح البخاري مع الفتح ٤١٨/١١، وأحمد في المسند ٣٧٣/٢.


١٣٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج فتأمل كيف جعل أعظم الأسباب التي تنال ا شفاعته تجريد التوحيد وتخليصهمن شوائب الشرك،‏ وذلك عكس ما عند المشركين:‏ حيث زعموا أن الشفاعة تنالباتخاذهم أولياءهم شفعاء،‏ وعبادم وموالام من دون االله،‏ وقد أبطل االله هذا الزعمفي كتابه وسنة رسوله صلى االله عليه وسلم بأنه لا تطلب الشفاعة إلا منه تباركوتعالى ولا يعبد إلا هو سبحانه ولا ولاء إلا له جل وعلا والمتأمللحديث أبي هريرة السابق يرى أنه قلب المفهوم الذي يتصوره المشركون،‏ وأبانللناس أجمعين مسلمهم وكافرهم أن سبب الشفاعة الوحيد هو تجريد التوحيد،‏وحينئذ يأذن االله للشافع أن يشفع وباالله التوفيق،‏ وهو المستعان.‏


١٣٨ مدخلابنالحاج-١٢-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف]قال ابن الحاج في الد الأول ص‎٢٥٥‎‏:‏ول َا يعتر ِض عل َى ما ذ ُكر من أ َن َّ من ك َانت ل َه حاجة ٌ ف َل ْيذ ْهب إل َيه ِمول ْيتوسل ْ ب ِه ِم ب ِق َوله - عل َيه الصل َاة ُ والسل َام -: ‏«ل َا تشد الرحال ُ إل َّا لث َل َاث َة مساج ِدال ْمسج ِد ال ْحرام ِ ومسج ِدي،‏ وال ْمسج ِد ال ْأ َق ْصى»‏.[: الرد لا يجوز السفر لزيارة القبور؛ لأن هذا السفر بدعة،‏ لم يكن في عصر السلف،‏ ولأنفي الصحيحين عن النبي - صلى االله عليه وآله وسلم قال:‏ ‏«لا تشد الرحال إلا إلىثلاثة مساجد:‏ المسجد الحرام،‏ والمسجد الأقصى،‏ ومسجدي هذا».‏(١)-وهذا النهي يعم السفر إلى المساجد والمشاهد،‏ وكل مكان يقصد السفر إلى عينهللتقرب،‏ بدليل أن بصرة بن أبي بصرة الغفاري،‏ لما رأى أبا هريرة رضي االله عنهراجعا من الطور الذي كلم االله عليه موسى قال:‏ لو رأيتك قبل أن تأتيه لم تأته؛ لأنالنبي - صلى االله عليه وآله وسلم قال:‏ ‏«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد»‏-(٢)--فقد فهم الصحابي الذي روى الحديث،‏ أن الطور وأمثاله من مقامات الأنبياء،‏مندرجة في العموم،‏ وأنه لا يجوز السفر إليها،‏ كما لا يجوز السفر إلى مسجد غيرالمساجد الثلاثة.‏ وأيضا فإذا كان السفر إلى بيت من بيوت االله غير الثلاثة لايجوز،‏ مع أنه قد جاء في قصد المساجد من الفضل ما لا يحصى فالسفر إلى بيوتالموتى من عباده أولى أن لا يجوز.‏(١)(٢)أخرجه البخاري في صحيحه ‏-كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة-‏ ٦٣/٣، ومسلم في كتابالحج من صحيحه ١٠١٤/٢-١٠١٥ كلاهما من طريق الزهري عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعا ً..‏ به.‏مالك ‏((الموطأ))‏٨٨


١٣٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج * نفس السفر لزيارة قبر من القبور قبر نبى أو غيره منهى عنه عند جمهورالعلماء حتى أم لا يجوزون قصر الصلاة فيه بناء على أنه سفر معصية لقولهاالله عليه وآله وسلم الثابت فى الصحيحين:‏ ‏«لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد:‏المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا».‏ وهو أعلم الناس بمثل هذه المسألة.‏- صلى-الرد على الشبهات:‏الشبهة الأولى:‏احتج بعض المتأخرين على جواز السفر لزيارة القبور بأنه -وسلم - كان يزور مسجد قباء.‏صلى االله عليه وآلهالجواب:‏ فى الصحيحين عن النبي - صلى االله عليه وآله وسلم أنه قال::‏ ‏«لا -تشد الرحال الا إلى ثلاثة مساجد:‏ المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا»‏وهذا الحديث مما اتفق الأئمة على صحته والعمل به فلو نذر الرجل أن يشد الرحلليصلى بمسجد أو مشهد أو يعتكف فيه أو يسافر إليه غير هذه الثلاثة لم يجب عليهذلك باتفاق الأئمة.‏ولو نذر أن يسافر ويأتي المسجد الحرام لحج أو عمرة وجب عليه ذلك باتفاقالعلماء.‏وأما السفر إلى بقعة غير المساجد الثلاثة فلم يوجب أحد من العلماء السفر إليهإذا نذره حتى نص العلماء على أنه لا يسافر إلى مسجد قباء؛ لأنه ليس من المساجدالثلاثة مع أن مسجد قباء يستحب زيارته لمن كان فى المدينة؛ لأن ذلك ليس بشدرحل كما فى الحديث الصحيح أن النبي - صلى االله عليه وآله وسلم قال:‏ ‏«صلاةفي مسجد قباء كعمرة».‏-(١)(١)رواه الترمذي (٣٢٤) وابن ماجه (١٤١١) عن أسيد بن ظهير رضي االله عنه،‏ وقال الترمذي:‏ ‏"حديثحسن صحيح"‏


١٤٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -وقال رسول االله صلى االله عليه وآله وسلم -: ‏«من تطهر في بيته ثم أتىمسجد قباء،‏ فصلى فيه صلاة،‏ كان له كأجر عمرة»‏.(١)قال بعض العلماء:‏ قوله - صلى االله عليه وآله وسلم -: ‏«من تطهر في بيته ثمأتى مسجد قباء»‏ تنبيه على أنه لا يشرع قصده بشد الرحال،‏ بل إنما يأتيه الرجل منبيته الذي يصلح أن يتطهر فيه ثم يأتيه فيقصده كما يقصد الرجل مسجد مصره دونالمساجد التي يسافر إليها.‏‏*السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة ولاالتابعين ولا أمر ا رسول االله االله عليه وآله وسلم ولا استحب ذلك أحدمن أئمة المسلمين فيما نعلم فمن اعتقد ذلك عبادة وفعله فهو مخالف للسنةولإجماع الأئمة.‏ وهذا مما ذكره أبو عبداالله بن بطة فى الإبانة الصغرى من البدعالمخالفة للسنة والإجماع.‏-- صلى-وذا يظهر بطلان هذه الشبهة؛ لأن زيارة النبىلمسجد قباء لم تكن بشد رحل.‏الشبهة الثانية:‏- صلى االله عليه وآله وسلمأجابوا عن حديث ‏«لا تشد الرحال»‏ بأن ذلك محمول على نفى الاستحباب.‏الجواب:‏ قولهم يجاب عنه بوجهين:‏أحدهما:‏ أن هذا تسليم منهم أن هذا السفر ليس بعمل صالح ولا قربة ولا طاعةولا هو من الحسنات فإن ّ من اعتقد أن السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين قربةوعبادة وطاعة فقد خالف الإجماع وإذا سافر لاعتقاد أن ذلك طاعة كان ذلك محرما(١)رواه ابن ماجه (١٤١٢) عن سهل بن حنيف رضي االله عنه


١٤١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج بإجماع المسلمين فصار التحريم من جهة اتخاذه قربة ومعلوم أن أحدا لا يسافر إليهاإلا لذلك.‏الوجه الثانى:‏ أن هذا الحديث يقتضى النهى والنهى يقتضى التحريم وما ذكروهمن الأحاديث فى زيارة قبر النبى - صلى االله عليه وآله وسلم فكلها ضعيفة باتفاقأهل العلم بالحديث بل هى موضوعة لم يرو ِ أحد من أهل السنن المعتمدة شيئا منهاولم يحتج أحد من الأئمة بشىء منها.‏--.(١)وفى سنن أبى داود عن النبى - صلى االله عليه وآله وسلم أنه قال:‏ ‏«لا تجعلوابيوتكم قبورا،‏ ولا تجعلوا قبري عيدا،‏ وصل ُّوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثكنتم»‏--ووجه الدلالة:‏ أن قبر رسول االله - صلى االله عليه وآله وسلم أفضل قبر علىوجه الأرض،‏ وقد ى عن اتخاذه عيدا.‏ فقبر غيره أولى بالنهي كائنا من كان،‏ ثم إنهق َرن ذلك بقوله - صلى االله عليه وآله وسلم -: ‏«ولا تتخذوا بيوتكم قبورا»‏ أي لاتعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة،‏ فتكون بمترلة القبور،‏ فأمر بتحري العبادةفي البيوت،‏ وى عن تحريها عند القبور،‏ عكس ما يفعله المشركون من النصارىومن تشبه م.‏-ثم إنه صلى االله عليه وآله وسلم أعقب النهي عن اتخاذه عيدا بقوله:‏‏«صل ُّوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم»‏ يشير بذلك صلى االله عليه وآلهوسلم إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبريوبعدكم منه فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيدا.‏--(١)أخرجه أبو داود في سننه-‏ كتاب المناسك-‏ باب زيارة القبور.قال شيخ الإسلام ابن تيمية ‏-رحمه االله-‏في الاقتضاء ٦٥٤/٢: إسناده حسن؛ فإن رواته كلهم ثقات مشاهير.‏ لكن عبد االله بن نافع الصائغ-‏ أحدرجال السند- الفقيه المدني صاحب مالك فيه لين لا يقدح في حديثه ... إلخ.‏


١٤٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -(١).---والأحاديث عنه صلى االله عليه وآله وسلم بأن صلاتنا وسلامنا تعرضعليه كثيرة.‏ مثل ما روى أبو داود عن أبي هريرة أن رسول االله - صلى االله عليه وآلهوسلم قال:‏ ‏«ما من أحد يسلم علي إلا رد االله علي روحي حتى أرد عليه السلام»‏- صلى االله عليه وآله وسلم ومثل ما روى أبو داود أيضا عن أوس بن أوسرضي االله عنه أن رسول االله صلى االله عليه وآله وسلم قال:‏ ‏«أكثروا منالصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة،‏ فإن صلاتكم معروضة علي»،‏ قالوا:‏ يا رسولاالله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أر ِمت؟ فقال:‏ ‏«إن االله حرم على الأرض أجسادالأنبياء».‏ وفي النسائي عنه صلى االله عليه وآله وسلم أنه قال:‏ ‏«إن اللهملائكة سياحين في الأرض يبل َّغوني عن أمتي السلام»‏---.--(٣)-(٢)* الذى يقتضيه مطلق الخبر النبوى في قوله:‏ ‏«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثةمساجد:‏ المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا»‏ أنه لا يجوز شد الرحالإلى غير ما ذكر أو وجوبه أو ندبيته فإن فعله كان مخالف ًا لصريح النهى ومخالفة النهىمعصية إما كفر أو غيره على قدر المنهى عنه ووجوبه وتحريمه وصفة النهى.‏الشبهة الثالثة:‏إن حديث ‏(لا تشد الرحال الا إلى ثلاثة مساجد:‏ المسجد الحرام والمسجد الأقصىومسجدى هذا)‏ لم يتناول النهي عن السفر لزيارة المقابر،‏ كما لم يتناول النهي عنالسفر إلى الأمكنة التي فيها الوالدان،‏ والعلماء والمشايخ،‏ والإخوان،‏ أو بعضالمقاصد،‏ من الأمور الدنيوية المباحة.‏أبو داود:‏ المناسك (٢٠٤١) ، وأحمد (٥٢٧/٢) .(١)(٢).٤(٣)أخرجه أبو داود،‏ كتاب الصلاة،‏ باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة،‏ حديث ١٠٤٧، والنسائي،‏ كتابالجمعة،‏ باب إكثار الصلاة على النبي صلىاالله عليه وسلم يوم الجمعة،‏ حديث ١١٣٧٣، وابن ماجه،‏ كتابإقامة الصلاة والسنة فيها،‏ باب فضل الجمعة،‏ حديث ١٠٨٥، وصححه العلامة الألباني،‏ انظر الإرواء رقم(١٨٩ / ١)


١٤٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -الجواب:‏ المسافر إلى طلب العلم أو التجارة أو زيارة قريبه ليس مقصوده مكانامعينا إلا بالعرض إذا عرف أن مقصوده فيه،‏ ‏(فهو لا يقصد المكان لذاته،‏ بل يقصدهلأن حاجته فيه،‏ فلولا أن قريبه مثل ًا في هذا المكان ما ذهب إلى هذا المكانأصل ًا،‏ ولولا أن العالم الفلاني يدرس العلم في المسجد الفلاني مثل ًا ما سافر إلىهذا المسجد أصل ًا،‏ فهو لم يسافر لاعتقاده فضيلة للمسجد بل سافر لتلقي العلم)،‏ولو كان مقصوده فى غير هذا المكان لذهب إليه؛ فالسفر إلى مثل هذا لم يدخل فىالحديث باتفاق العلماء وإنما دخل فيه من يسافر لمكان معين لفضيلة ذلك بعينه.‏وأما ما يروى في هذا الباب من الأحاديث التي يحتج ا من قال بشرعية شدالرحال إلى قبره صلى االله عليه وسلم فهي أحاديث ضعيفة الأسانيد؛ بلموضوعة؛ كما قد نبه على ضعفها الحافظ؛ كالدارقطني والبيهقي والحافظ ابن حجروغيرهم؛ فلا يجوز أن يعارض ا الأحاديث الصحيحة الدالة على تحريم شد الرحاللغير المساجد الثلاثة.‏-ومن الأحاديث الموضوعة في هذا الباب حديث:‏(١)‏«من حج ولم يزرني فقد جفاني».‏وحديث:‏(٢)‏«من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي».‏--(١)(٢)أخرجه ابن عدي في ‏"الكامل"‏ "١٤/٧"، وابن حبان في ‏"الضعفاء واروحين"‏ "٧٣/٣"، ترجمة النعمانبن شبل.‏ وقال ابن حبان فيه:‏ يأتي عن الثقات بالطامات،‏ وعن الأثبات بالمقلوبات.‏أخرجه الطبراني في ‏"المعجم الكبير"‏ ‏(‏‎١٢‎‏/رقم:‏ ١٣٤٩٧) وفي ‏"المعجم الأوسط"‏ (٢٨٦/٣/-١٨٣٠مجمع البحرين)‏ والدارقطني في ‏"سننه"‏ (٢٧٨/٢) والبيهقي في ‏"السنن الكبرى"‏ (٢٤٦/٥) وفي ‏"شعبالإيمان " (٣/ ٤١٥٤) ٤٨٩/ وابن عدي في ‏"الكامل " (٧٩٠/٢) . من طريق:‏ حفص به.‏والحديث ضعفه الحافظ ابن حجر في ‏"التلخيص الحبير"‏ (٢٦٦/٢) والألباني في ‏"الإرواء"‏ (١١٢٨) وقال:‏‏"منكر".‏


١٤٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وحديث:‏الجنة».‏‏«من زارني وزار أبي إبراهيم في عام ضمنت له على االله(١)-وحديث:‏(٢)- ‏«من زار قبري وجبت له شفاعتي».‏--فهذه الأحاديث وأشباهها لم يثبت منها شيء عن النبي - صلى االله عليه وسلم ‏-؛قال الحافظ ابن حجر في التلخيص بعد ما ذكر أكثر هذه الروايات:‏ طرق هذاالحديث كلها ضعيفة،‏ وقال الحافظ العقيلي:‏ لا يصح في هذا الباب شيء.‏ وجزمشيخ الإسلام:‏ أن هذه الأحاديث موضوعة،‏ ولو كان شيء منها ثابتا لكان الصحابةرضي االله عنهم أسبق الناس إلى العمل به وبيانه للأمة.‏--وقصة الأعرابي التي تروى عن العتبي؛ أن أعرابيا جاء إلى قبر النبي صلى االلهعليه وسلم فقال:‏ السلام عليك يا رسول االله،‏ سمعت االله يقول:‏ ‏{ول َو أ َنهم إ ِذ ْظ َل َموا أ َنف ُسهم جاءُوك ... { الآية إلى آخر القصة.‏هذه القصة لا صحة لها،‏ ولا يصح لها سند عن العتبي،‏ ولا هي مما يحتج به.‏قال ذلك صاحب الصارم المنكي في الرد على السبكي وغيره ، ومثلها ما يروى عنمجيء بلال من الشام،‏ وقصة قوله وفعله عند قبر النبي - صلى االله عليه وسلم هذهالحكايات وما شاها أثبت المحققون من أهل العلم والفضل عدم صحتها،‏ وأثبتواتتريه أصحاب رسول االله - صلى االله عليه وسلم من الإقدام على شيء من هذه-(٣)-(١)أورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " رقم (١١٩) وقال:‏ قال ابن تيمية والنووي:‏ إنهموضوع لا أصل له وأقره الشوكاني ‏(ص ٤٢) .(٢)رواه الدارقطني من طريق موسى بن هلال العبدي عن عبد االله أو عبيد االله العمري،‏ وهذا الحديثضعيف لضعف موسى بن هلال وجهالته واضطرابه.‏ فمرة يرويه عن عبيد االله ومرة عن عبد االله،‏ وسواء هذاأو ذاك فهو منكر الحديث لا يحتج به.‏انظر:‏ سنن الدارقطني،‏ ٢٧٨، / ٢ والصارم المنكي،‏ ص‎١٨‎- ‎٢٣‎‏.والإرواء ٣٣٦/٤(٣)ص.٣٣٨-٣٣٧


١٤٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج الأمور المبتدعة المنهي عنها،‏ ومن الأحاديث والحكايات المكذوبة التي اشتهرت علىألسنة بعض العوام الحديث:‏ ‏«توسلوا بجاهي فإن جاهي عند االله عظيم»‏.(١)-(٢)(٣)-هذا الحديث موضوع لا أصل له في جميع كتب السنة،‏ وجاء في كتاب السننوالمبتدعات التأكيد الجازم بأنه موضوع مفترى لا أصل له قطعا،‏ ومعلوم أن جاهالنبي صلى االله عليه وسلم عظيم عند االله،‏ ولكن التوسل به لم يرد والخيروالبركة والرضوان في الاتباع لا في الابتداع.‏ومن تلك الأحاديث المكذوبة:‏ ‏«إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحابالقبور»‏ ‏«لو حسن أحدكم ظنه بحجر نفعه».‏ وحديث:‏ ‏«إن االلهيوك ِّل ملكا على قبر كل ولي يقضي حوائج الناس»‏ . هذه الأحاديث ونحوها كلهامكذوبة لا وجود لها في كتب السنة المعتمدة،‏ ولا يصدقها عاقل عالم كتاب االلهوسنة رسوله - صلى االله عليه وسلم(٤)(٥).-. وحديث:‏ومن الأكاذيب ما يحكى عن أهل القبور أن فلانا استغاث بالقبر الفلاني في شدةفخلص منها،‏ وفلانا دعاه أو دعا به في حاجة فقضيت حاجته،‏ وفلانا نزل بهفاسترجى صاحب ذلك القبر فكشف ضره.‏ وعند كثير من السدنة والمقابرة من ذلكما يطول ذكره من الكذب على الأحياء والأموات،‏ ومع هذا فإن الكثير من الجهلة(١)(٢)(٣)ذكره شيخ الإسلام في القاعدة الجليلة ‏(ص.‏‎١٢٩‎‏)‏ وقال:‏ ‏"هذا الحديث كذب ليس في شيء من كتبالمسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث،‏ ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث".‏ص‎٢٦٥‎هذا الحديث لم يروه أحد من أهل العلم،‏ وليس في شيء من كتب السنة،‏ انظر:‏ ابن تيمية:‏ التوسل‏(ص:‏‎٢٩٧‎‏)‏ الرد على البكري ص ٣٠٢، وانظر:‏ اقتضاء الصراط المستقيم٦٨٨ /٢(٤)قال العجلوني في كشف الخفاءالأوثان.‏ مفتاح دار السعادة ٢١٤/٢٢٨١/٢(٥)قال صاحب السنن والمبتدعات:: لا أصل له . قال ابن القيم:‏ وهو من وضع المشركين عبادهو من كلام الشياطين وليس من كلام النبوة.‏ ص‎٢٦٥‎


١٤٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ينخدعون بمثل هذه الحكايات الباطلة ويصدقوا فيقصدون صاحب ذلك القبرويفعلون عنده مثل ما سمعوا،‏ فيقعون بذلك في الشرك العظيم والعياذ باالله.‏-


١٤٧ مدخلابنالحاج-١٣-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفتحقيق نفيس في المسألة للشيخ الألباني رحمه االله-أفضل المساجد وأعظمها حرمة أربعة:‏أ المسجد الحرام لقوله عليه الصلاة والسلام:‏ ‏(صلاة في المسجد الحرام أفضلمما سواه من المساجد بمائة ألف صلاة).‏هو من حديث أبي الدرداء مرفوعاكما في ‏(الترغيب)‏ وتمامه:‏أخرجه ذا اللفظ ابن خزيمة في ‏(صحيحه)‏‏(وصلاة في مسجد المدينة أفضل من ألف صلاة فيما سواه وصلاة في مسجدبيت المقدس أفضل مما سواه من المساجد بخمسائة صلاة)‏ورواه الطبراني في ‏(الكبير)‏ بنحوه قال الهيثمي:‏‏(ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام وهو حديث حسن).‏ وقال المنذري:‏‏(ورواه البزار وقال:‏ إسناده حسن.‏ كذا قال)‏وفيه إشارة إلى أنه ليس كما قال البزار وقد نقل قوله هذا الحافظ أيضا في‏(الفتح)‏ وأقره حيث لم يتعقبه بشيء فاالله أعلموللحديث شواهد:‏منها عن عبد االله بن الزبير مرفوعا بلفظ:‏


١٤٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلاالمسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا).‏أخرجه الطحاوي وأحمد من طريق حماد بن زيد قال:‏ ثنا حبيب المعلم عن عطاءعنه.‏وهذا سند صحيح على شرط الستة وصححه ابن حبان فرواه هو وابن خزيمةفي ‏(صحيحيهما)‏ كما في ‏(الترغيب)‏ قال:‏ ‏(ورواه البزار وإسناده صحيح أيضا)‏ورواه الطبراني أيضا كما في ‏(امع)‏ وقال:‏‏(ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح).‏وقد رواه الطيالسي عن الربيع بن صبيح قال:‏ سمعت عطاء بن أبي رباح بهنحوه.‏ قال ابن عبد البر:‏‏(اختلف على ابن الزبير في رفعه ووقفه ومن رفعه أحفظ وأثبت ومثله لا يقالبالرأي)‏ولعطاء فيه إسناد آخر فرواه عن جابر بن عبد االله مرفوعا بلفظ:‏‏(وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه)‏والباقي مثله سواء.أخرجه ابن ماجه والطحاوي وأحمد من طريق عبيد االله بن عمرو الرقي عن عبدالكريم بن مالك عنه به.‏وهذا سند صحيح أيضا كالذي قبله وقال المنذري:‏‏(رواه أحمد وابن ماجه بإسنادين صحيحين)‏


١٤٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج كذا قال وهو موهم أن له طريقين عن جابر وليس كذلك فلو قال:‏ بإسنادصحيح.‏ كما عليه العمل لكان أصح في التعبير وأبعد عن الإيهام وقال الحافظ:‏‏(ورجال إسناده ثقات لكنه من رواية عطاء في ذلك عنه قال ابن عبد البر:‏ جائز أنيكون عند عطاء في ذلك عنهما وعلى ذلك يحمله أهل العلم بالحديث ويؤيده أنعطاء إمام واسع الرواية معروف بالرواية عن جابر وابن الزبير).‏ولعطاء فيه إسناد ثالث رواه ابن عمر أيضا وسيأتي في الكلام على المسجدالنبوي.‏وأما ما رواه الطبراني في ‏(الأوسط)‏بلفظ:‏من حديث عائشة رضي االله عنها مرفوعا‏(صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في غيره)‏ففي إسناده سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف كما قال الهيثمي.‏قال الحافظ:‏‏(واستدل ذا الحديث على تفضيل مكة على المدينة لأن الأمكنة تشرف بفضلالعبادة فيها على غيرها مما تكون العبادة فيه مرجوحة وهو قول الجمهور وحكي عنمالك وبه قال ابن وهب ومطرف وابن حبيب من أصحابه لكن المشهور عن مالكوأكثر أصحابه تفضيل المدينة واستدلوا بقوله صلى االله عليه وسلم:‏ ‏(ما بين قبريومنبري روضة من رياض الجنة)‏ ‏(ويأتي تخريجه)‏ مع قوله:‏ ‏(موضع سوط في الجنة خيرمن الدنيا وما فيها).‏ قال ابن عبد البر:‏ هذا استدلال بالخبر في غير ما ورد فيه ولايقاوم النص الوارد في فضل مكة.‏ ثم ساق حديث أبي سلمة عن عبد االله بن عدي بنالحمراء قال:‏ رأيت رسول االله صلى االله عليه وسلم واقفا على الحزورة فقال:‏ ‏(وااللهإنك لخير أرض االله وأحب أرض االله إلى االله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت).‏وهو حديث صحيح أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وابنحبان وغيرهم.‏ قال ابن عبد البر:‏ هذا نص في محل الخلاف فلا ينبغي العدول عنه


١٥٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج واالله أعلم.‏ وقد رجع عن هذا القول كثير من المصنفين من المالكية.‏ قال:‏ واستدل بهعلى تضعيف الصلاة مطلقا في المسجدين وقد تقدم النقل عن الطحاوي وغيره أنذلك مختص بالفرائض لقوله صلى االله عليه وسلم:‏ ‏(أفضل صلاة المرء في يته إلاالمكتوبة).‏ ويمكن أن يقال:‏ لا مانع من إبقاء الحديث على عمومه فتكون صلاة النافلةفي بيت المدينة أو مكة تضاعف على صلاا في البيت بغيرهما وكذا في المسجدينوإن كانت في البيوت أفضل مطلقا)‏‏(وقوله:‏ ‏(خير ما ركبت إليه الرواحل مسجد إبراهيم عليه السلام ومسجدي)‏أخرجه الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة:‏ ثنا أبو الزبير عن جابر مرفوعاوابن لهيعة سيئ الحفظ،وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه.‏ ومع ذلك قال الهيثمي:‏‏(رواه أحمد والطبراني في ‏(الأوسط)‏ وإسناده حسن)‏أخرى فقد أعاده هو نفسه بعد صفحة بلفظ:‏ولعل ذلك يئه من طريق‏(ومسجد محمد صلى االله عليه وسلم).‏ والباقي مثله.‏ ثم قال:‏‏(رواه البزار وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وقد وثقه غير واحد وضعفه جماعةوبقية رجاله رجال ‏(الصحيح)‏وأورده السيوطي في ‏(الجامع)‏ بلفظ‏(مسجدي هذا والبيت العتيق).‏ وقال:‏‏(رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان في ‏(صحيحه)‏ ورمز له بالصحة)‏(١)(١)ثم وجدته في ‏(المسند)‏ (٣/ ٣٥٠) ذا اللفظ من طريق الليث بن سعد عن أبي الزبير به.‏وهذا سند صحيح على شرط مسلم والليث لا يروي عن أبي الزبير إلا ما سمعه من جابر كما تقرر في محلهورواه الحافظ في ‏(الرحمة الطيبية)‏ وصححه فانظر (٢/ ٢٥٤) من اموعة المنيرية)‏.


١٥١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وله شاهد من حديث عائشة بلفظ:‏‏(أنا خاتم الأنبياء ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء أحق المساجد أن يزار وتشدإليه الرواحل:‏ المسجد الحرام ومسجدي صلاة في مسجدي أفضل من الف صلاةفيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام).‏ قال في ‏(امع):‏‏(رواه البزار وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف)‏‏(وهو أول مسجد بني على وجه الأرض وقد قال أبو ذر:‏أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال:‏‏(قلت:‏ يا رسول االله‏(المسجد الحرام قلت:‏ ثم أي؟ قال:‏ ألمسجد الأقصى)‏الحديث تمامه:‏قلت:‏ كم كان بينهما؟ قال:‏‏(أربعون سنة وأينما أدركت الصلاة فصله فإنه مسجد)‏أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي والطيالسي وأحمد منطرق عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عنه،وقد تابعه عن إبراهيم:‏ أبو عوانةواسمه الوضاح بن عبد االله اليشكري .أخرجه أحمدوالحديث دليل صريح على أن مسجد مكة هو أول بيت وضع للعبادة قال ابنالعربي في ‏(أحكام القرآن):‏‏(وهذا رد على من يقول:‏ كان في الأرض بيت قبله يحجه الملائكة).‏ وقالالحافظ ابن كثير في ‏(البداية):‏


١٥٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(ولم يجئ في خبر صحيح عن معصوم أن البيت كان بيتا قبل الخليل عليه السلامومن تمسك في هذا بقوله تعالى:‏ ‏{مكان البيت}‏ ‏[الحج:‏ فليس بناهض ولاظاهر لأن المراد مكانه المقدر في علم االله المقرر في قدرته المعظم عند الأنبياء موضعهمن لدن آدم إلى زمان إبراهيم وقد ذكرنا أن آدم نصب عليه قبة وأن الملائكة قالواله:‏ قد طفنا قبلك ذا البيت وإن السفينة طافت به أربعين يوما أو نحو ذلك ولكنكل هذه الأخبار عن بني إسرائيل وقد قررنا أا لا تصدق ولا تكذب فلا يحتج افأما إن ردها الحق فهي مردودة وقد قال تعالى:‏ ‏{إن أول بيت وضع للناس للذيببكة.‏ . .} ‏[آل عمران:‏ ٩٦] الآية)‏[٢٦وقد روي في حديث أن أول من بناه هو آدم عليه السلام ولكنه ضعيف كمايأتي.‏وقد استشكل من الحديث قوله:‏ ‏(إن بين المسجدين المسجد الحرام والأقصىأربعين سنة)‏ لأن باني الأقصى هو سليمان عليه السلام كما يدل عليه حديث عبداالله بن عمرو الآتي قريبا إن شاء االله وبينه وبين إبراهيم عليه السلام أكثر من ألفأن قصةكما قال الحافظ عام على ما قاله أهل التاريخ ثم إن في نص القرآن داود في قتل جالوت كانت بعد موسى بمدة.‏--وقد أجيب عن ذلك بأجوبة لعل أقرا قول الخطابي:‏‏(يشبه أن يكون المسجد الأقصى أول ما وضع بناءه بعض أولياء االله قبل داودوسليمان ثم داود وسليمان زادا فيه ووسعاه فأضيف إليها بناؤه)‏وانظر تمام الكلام والأجوبة عن الإشكال في ‏(الفتح)‏ و ‏(المرقاة)‏ وقد جزمالحافظ ابن كثير في ‏(البداية)‏ ‏(أن إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيمهو أول من بنى المسجد الأقصى وأن سليمان عليه السلام جدده بعد ذلك)‏--وإذا صح هذا فهو قريب مما أفاده الحديث من المدة بين المسجدين.‏ واالله أعلم


١٥٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(وهذا الحديث يبين المراد من قوله تعالى:‏ ‏{إن أول بيت وضع للناس للذي ببكةمباركا وهدى للعالمين}‏ أي:‏ أول بيت وضع للعبادة).‏قال الحافظ في شرح الحديث السابق:‏‏(وهذا الحديث يفسر المراد بقوله تعالى:‏ ‏{إن أول بيت.‏ . .} الآية ويدل علىأن المراد بالبيت:‏ بيت العبادة لا مطلق البيوت وقد ورد ذلك صريحا عن علي أخرجهإسحاق بن راهويه وابن أبي حاتم وغيرهما بإسناد صحيح عنه قال:‏كانت البيوت قبله ولكنه كان أول بيت وضع لعبادة االلهقلت:‏ ورواه بنحوه الحاكم وقال:‏‏(صحيح على شرط مسلم)‏ ووافقه الذهبيوقال الحافظ ابن كثير في ‏(التفسير):‏----‏(وزعم السدي أنه أول بيت وضع على وجه الأرض مطلقا والصحيح قول عليرضي االله عنه.‏ فأما الحديث الذي رواه البيهقي في بناء الكعبة في كتابه ‏(دلائل النبوة)‏من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد االله بن عمرو بنالعاص مرفوعا:‏ ‏(بعث االله جبريل إلى آدم وحواء فأمرهما ببناء الكعبة فبناه آدم ثم أمربالطواف به وقيل له:‏ أنت أول الناس وهذا أول بيت وضع للناس)‏ فإنه كما ترىمن مفردات ابن لهيعة وهو ضعيف والأشبه واالله أعلم أن يكو هذا موقوفاعلى عبد االله بن عمرو ويكون من الزاملتين اللتين أصاما يوم اليرموك من كلام أهلالكتاب).‏‏(ومما اختص به دون سائر المساجد جواز الصلاة النافلة فيه في كل وقت حتىأوقات الكراهة لقوله عليه الصلاة والسلام:‏ ‏(يا بني عبد مناف إن كان إليكم منالأمر شيء فلا أعرفن ما منعتم أحدا يصلي عند هذا البيت أي ساعة شاء من ليل أوار).‏


١٥٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج الحديث من رواية جبير بن مطعم مرفوعاأخرجه الدارقطني في ‏(سننه)‏ وأحمد من طريق ابن جريج قال:‏ أخبرني أبو الزبيرأنه سمع عبد االله بن بابيه يخبر عنه.‏وهذا سند صحيح متصل بالسماع وهو على شرط مسلم.‏ وقد أخرجه ابنحبان في ‏(صحيحه كما في ‏(التلخيص)‏ وأخرجه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم عنابن عيينة عن أبي الزبير به نحوه وصححه الترمذي والحاكم وسيأتي ذكره إن شاء االلهتعالى مع شواهده في محله .‏(ب):‏ ثم المسجد النبوي لقوله:‏ ‏(صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاةفيما سواه إلا المسجد الحرام ‏[فإنه أفضل])‏الحديث ورد عن جمع من الصحابة رضي االله عنهم:‏(١) منهم أبو هريرة وله عنه طرق كثيرة:‏-عن أبي عبد االله الأغرعنه - واسمه سلمان -١أخرجه البخاري (٣/(٥١ ومسلم /٤) (١٢٤ والنسائي /١) /٢ ١١٣ و(٣٤ والترمذي /٢) (١٤٧ وصححه والدارمي /١) (٣٣٠ وابن ماجه /١) (٤٢٨(٢٠١ والطحاوي /٢) (٧٣ وأحمد /٢) ٤٦٨ ٣٨٦ ٢٥٦٤٧٣ووكذا مالك (١/و ٤٨٥) من طرق عنه.‏ ورواه الخطيب في ‏(تاريخه)‏ (١٤/ ١٤٥).و و-٢ عن سعيد بن المسيب عنهأخرجه مسلم والدارمي وابن ماجه والطحاوي وأحمد (٢/عنه.‏ وكذلك أخرجه الخطيب (٩/٢٣٩) عن الزهري(٢٢٢-٣ عن عبد االله بن إبراهيم بن قارظ عنه


١٥٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج رواه مسلم والنسائي والطحاوي وأحمد (٢/مسلم والنسائي:‏‏(فإني آخر الأنبياء وإن مسجدي آخر المساجد)‏٢٥١و ٤٧٣) من طرق عنه وزاد-٤ عن محمد بن هلال عن أبيه عنهأخرجه الطحاوي وأحمد (٢/ ٤٩٩) من طريقين عنهالمتابعات محمد بن هلال وأبوه وثقهما ابن حبانوهذا سند حسن في- ٥عن ابن إسحاق قال:‏ ثني خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب الأنصاري عنحفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبي هريرة مرفوعارواه أحمد (٢/(٣٩٧وهذا إسناد حسن أو صحيح رجاله رجال الستة غير ابن إسحاق وهو ثقة وقدصرح بالتحديث-٦ عن سفيان عن صالح مولى التوأمة عنهأخرجه أحمد (٢/٤٦٦ و (٤٨٤وسنده حسن أيضا في المتابعات- ٧عن حسان بن غالب قال:‏ ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبةعن نافع عن أبي هريرة مرفوعاأخرجه الطحاوي.‏ ورجاله ثقات غير حسان هذا فهو ضعيف والمعروف منحديث نافع عن ابن عمر كما يأتي قريبا-٨ عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عنه


١٥٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج أخرجه الترمذي (٢/- ٣٢٦طبع بولاق)‏ بسند حسن(٢) ومنهم عبد االله بن عمر رضي االله عنهما وله عنه طريقان:‏٥٢- ١وأحمد /٢) ١٦عن عبيد االله بن عمر عن نافع عنه أخرجه مسلم والدارمي وابن ماجه١٦٢) من طرق عنهو و(٣٤- ١٠١ (١٠٢ والخطيب /٤)وقد فاتت هذه الطريق عن نافع على الإمام النسائي فقد أخرجه (٢/وكذا مسلم والطحاوي وأحمد (٢/ ٥٤) من طريق موسى بن عبد االله الجهنيعن نافع به.‏ ثم قال النسائي:‏- ٥٣‏(لا أعلم أحدا روى هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر غير موسى الجهنيوخالفه ابن جريج وغيره)‏ثم ساقه من طريقه عن نافع عن إبراهيم بن عبد االله بن معبد عن ميمونة مرفوعابه.‏ وسيأتي بعد هذاونحن نقول:‏ إن لنافع فيه إسنادين وكل منهما صحيح:‏الأول:‏ عن ابن عمر كما رواه موسى الجهني وتابعه عبيد االله بن عمر الثقةالثبت كما في الرواية الأولى وتابعه أيضا أخوه عبد االله بن عمر عند الطيالسي ‏(ص٢٥١ رقم (١٨٢٦ وأحمد /٢) (٦٨والثاني:‏ رواية ابن جريج عنه.‏ وتأتي-٢ عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عمر به.‏ والزيادة لهأخرجه أحمد (٢/(١٥٥ و ٢٩وهذا سند صحيح على شرط مسلم.‏ ولعطاء فيه إسنادان آخران:‏أحدهما:‏ عن جابر والآخر:‏ عن ابن الزبير.‏ وفيه يدل هذه الزيادة قوله:‏


١٥٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا)‏يعني:‏ مسجد المدينة.‏ وقد سبق تخريجه‏(تنبيه):‏ قال الحافظ في ‏(الفتح)‏ (٣/:(٥٢‏(وللنسائي من رواية موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر كلفظ أبي هريرة وفيآخره:‏ إلا المسجد الحرام فإنه أفضل منه بمائة صلاة)‏قلت:‏ وهذه الزيادة ليست في النسائي بل ليست في شيء من الطرق المتقدمةولعلها في ‏(سنن النسائي الكبرى).‏ واالله أعلم(٣) ومنهم ميمونة زوج النبي صلى االله عليه وسلم:‏رواه ابن جريج قال:‏ سمعت نافعا يقول ثنا إبراهيم بن عبد االله بن معبد أن ابنعباس حدث عنها بهأخرجه النسائي (٢/وتابعه الليث بن سعد:‏ ثني نافع بهأخرجه مسلم (٤/(٣٤ والطحاوي وأحمد /٦) (٣٣٤- ١٢٥ (١٢٦ والطحاوي وأحمدوفي حديثه قصة عند مسلم عن ابن عباس أنه قال:‏‏(أن امرأة اشتكت شكوى فقالت:‏ إن شفاني االله لأخرجن فلأصلين في بيتالمقدس فبرأت ثم تجهزت تريد الخروج فجاءت ميمونة زوج النبي صلى االله عليهوسلم تسلم عليها فأخبرا ذلك فقالت:‏ اجلسي فكلي ما صنعت وصلي في مسجدالرسول صلى االله عليه وسلم فإني سمعت رسول االله صلى االله عليه وسلم يقول.‏ . .فذكرت الحديث(٤) ومنهم أبو سعيد الخدري:‏


١٥٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج رواه جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن سهم بن منجاب عن قزعة عنه قال:‏ ودعرسول االله صلى االله عليه وسلم رجلا فقال له:‏ أين تريد؟ قال:‏ أريد بيت المقدسفقال له النبي صلى االله عليه وسلم.‏ . . فذكرهأخرجه أحمد (٣/ ٧٧) والسياق له والطحاوي (٢/ ٧٢)وهذا إسناد صحيح على شرط مسلموقد أورده الهيثمي في ‏(امع)‏ (٤/ ٦) بلفظ:‏‏(مائة)‏ بدل:‏ ‏(ألف)‏ وقال:‏‏(رواه أبو يعلى والبزار بنحوه إلا أنه قال:‏ أفضل من ألف صلاة.‏ ورجال أبييعلى رجال الصحيح)‏(٥) ومنهم سعد بن أبي وقاصرواه عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن أبي عبد االله القراظ عنهأخرجه أحمد (١/ ١٨٤)وهذا سند حسن لولا أني لم أعرف أبا عبد االله القراظ وفي الكنى من ‏(الميزان):‏‏(أبو عبد االله القزاز عن سالم بن عبد االله وعنه الدراوردي:‏ مجهول)‏فقد يكون هو هذا(١). وفي ‏(امع)‏ /٤) :(٥‏(رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف)‏قلت:‏ ولم ينفرد به فقد رواه الطحاوي (٢/ ٧٢) من طريق حسان بن غالبقال:‏ ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة:‏ ثني أبو عبد االله به(١)ثم تبين لي أنه ليس به بل هو دينار الخزاعي المدني وهو من رجال مسلم ثقة يرسل كما في ‏(التقريب)‏


١٥٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج لكن حسان هذا ضعيف كما سبق.‏وله عنده طريق أخرى أخرجه عن شعبة عن أبي عبد العزيز الزبيدي عن عمروبن الحكم عن سعد مرفوعاورجاله ثقات كلهم غير أبي عبد العزيز الزبيدي فلم أعرفهثم رجعت إلى قسم الكنى من كتاب ‏(كشف الأستار عن رجال معاني الآثار)‏وإذا فيه:‏-‏(أبو عبد العزيز الربذيعبيدة بضم أولهبفتح الراء والموحدة ثم معجمةهو موسى بن-- ضعيف)‏-فتبين أن ما في الأصل:‏ الزبيدي.‏ تصحيف والصواب:‏ الربذيوكذلك وقع فيه:‏ عمرو بن الحكم والصواب:‏ عمر.‏ بضم المهملة وبدون الواوولموسى بن عبيدة إسناد أخر وهو:‏(٦) ومنهم عائشة رضي االله عنها وله طريقان:‏-١ عن موسى بن عبيدة عن داود بن مدرك عن عروة عنهاوموسى ضعيف كما سبقوشيخه داود بن مدرك مجهول كما في ‏(التقريب)‏- عن ابن جريج:‏ أخبرني عطاء أن أبا سلمة أخبره عن أبي هريرة وعائشة٢مرفوعاوهذا سند صحيح على شرط الستةأخرجه أحمد (٢/ ٢٧٨)


١٦٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (٧) ومنهم جبير بن معطم:‏رواه حصين بن عبد الرحمن عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن جبير بنمطعم مرفوعاورجاله ثقات إلا أنه منقطع بين محمد بن طلحة وجبير بن مطعمأخرجه الطيالسي ‏(ص١٢٨ رقم (٩٥٠ وأحمد /٤) (٨٠وقد ورد موصولا فقال الهيثمي (٤/ ٥):-‏(رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في ‏(الكبير)‏ وإسناد الثلاثة كذا -مرسل وله في الطبراني إسناد رجاله رجال الصحيح وهو متصل)‏ هذا وقد روي أنالصلاة في مسجده عليه الصلاة والسلام بخمسين ألف صلاة.‏ ولا يصح كما سيأتيبيانه في خاتمة الكلام في مسجد قباء‏(فائدة):‏ قد علم أن مسجده عليه الصلاة والسلام قد زيد فيه عما كان عليه فيعهده صلى االله عليه وسلم فقد كان طوله كعرضه مائة ذراع في مائة وقيل:‏ سبعينفي ستين.‏ ثم زاد فيه عثمان فصار طوله مائة وستين ذراعا وعرضه مائة وخمسين ثمزاد فيه الوليد بن عبد الملك فجعل طوله مائتي ذراع وعرضه في مقدمه مائتين وفيمؤخره مائة وثمانين.‏ ثم زاد فيه المهدي مائة ذراع من جهة الشام فقط دون الجهاتالثلاث ولم يزد بعده أحد شيئا كما في ‏(شد الأثواب في سد الأبواب)‏ للسيوطي١٧٥ ‏(ص - ١٦٧) من ‏(الحاوي للفتاوي)‏ له ‏(ج ٢).إذا عرفت ذلك وعرفت ما في الصلاة في مسجده صلى االله عليه وسلم منالفضل الوارد في الأحاديث السابقة فهل يشمل ذلك تلك الزيادات الكثيرة التي هيضعف المسجد النبوي تقريبا؟أما النووي فأجاب بالنفي حيث قال في ‏(شرح مسلم):‏


١٦١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(واعلم أن هذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده صلى االله عليه وسلم الذي كانفي زمانه دون ما زيد فيه بعده فينبغي أن يحرص المصلي على ذلك ويتفطن لما ذكرته)‏وزاد في ‏(اموع بعد أن ذكر هذا المعنى فقال:‏ (٨/ ٢٧٧):‏(لكن إن صلى في جماعة فالتقدم إلى الصف الأول ثم ما يليه أفضل فليتفطنلهذا)‏ وخالفه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه االله وذكر أن حكم الزيادة في مسجدهعليه الصلاة والسلام حكم المزيد في كلام قوي متين كعادته رحمه االله فقال:‏‏(وقد جاءت الآثار بأن حكم الزيادة في مسجده حكم المزيد تضعف فيه الصلاةبألف صلاة كما أن المسجد الحرام حكم الزيادة فيه حكم المزيد فيجوز الطواف فيهوالطواف لا يكون إلا في المسجد لا خارجا منه.‏ ولهذا اتفق الصحابة على أميصلون في الصف الأول من الزيادة التي زادها عمر ثم عثمان وعلى ذلك عملالمسلمين كلهم فلولا أن حكمه حكم مسجده لكانت تلك صلاة في غير مسجدهوالصحابة وسائر المسلمين بعدهم لا يحافظون على العدول عن مسجده إلى غيرمسجده ويأمرون بذلك.‏ قال أبو زيد ‏(عمر بن شبة النميري في كتاب ‏(أخبارالمدينة):‏ ثني محمد بن يحيى:‏ ثني من أثق به أن عمر زاد في المسجد من القبلة إلىموضع المقصورة التي هي به اليوم.‏ قال:‏ فأما الذي لا يشك فيه أهل بلدنا أن عثمانهو الذي وضع القبلة في موضعها اليوم ثم لم تغير بعد ذلك.‏ قال أبو زيد:‏ ثنا محمدبن يحيى عن محمد عن عثمان ‏(كذا ولعله:‏ محمد بن عثمان)‏ عن مصعب بن ثابت عنخباب أن النبي صلى االله عليه وسلم قال وهو في مصلاه يوما -: لو زدنا فيمسجدنا.‏ وأشار بيده نحو القبلة.‏ ثنا محمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل عن ابن أبيذئب قال:‏ قال عمر:‏ لو مد مسجد النبي صلى االله عليه وسلم إلى ذي الحليفة لكانمنه.‏ ثنا محمد بن يحيى عن سعد بن سعيد عن أخيه عن أبيه عن أبي هريرة قال:‏ قالرسول االله صلى االله عليه وسلم:‏ ‏(لو بني هذا المسجد إلى صنعاء لكان مسجدي).‏فكان أبو هريرة يقول:‏ واالله لو مد هذا المسجد إلى داري ما عدوت أن أصلي فيه.‏ثنا محمد:‏ ثنا عبد العزيز بن عمران عن فليح بن سليمان عن ابن عمرة قال:‏ زاد عمر-


١٦٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج في المسجد في شاميه ثم قال:‏ لو زدنا فيه حتى يبلغ الجبانة كان مسجد رسول االلهصلى االله عليه وسلم)‏ قال شيخ الإسلام:‏‏(وهذا الذي جاءت به الآثار هو الذي يدل عليه كلام الأئمة المتقدمين وعملهمفإم قالوا:‏ إن صلاة الفرض خلف الإمام أفضل وهذا الذي قالوه هو الذي جاءتبه السنة وكذلك كان الأمر على عهد عمر وعثمان فإن كليهما زاد من قبليالمسجد فكان مقامه في الصلوات الخمس في الزيادة وكذلك مقام الصف الأول الذيهو أفضل ما يقام فيه بالسنة والإجماع وإذا كان كذلك فيمتنع أن تكون الصلاة فيغير مسجده أفضل منها في مسجده وأن يكون الخلفاء والصفوف الأول كانوايصلون في غير مسجده وما بلغني عن أحد من المسلمين خلاف هذا لكن رأيتبعض المتأخرين ‏(كأنه يريد النووي)‏ قد ذكر أن الزيادة ليست من مسجده وماعلمت لمن ذكر ذلك سلفا من العلماء قال:‏ وهذه الأمور نبهنا عليها ههنا فإنه يحتاجإلى معرفتها وأكثر الناس لا يعرفون الأمر كيف كان ولا حكم االله ورسوله في كثيرمن ذلك)‏هذا آخر كلام شيخ الإسلام رحمه االله فيما نقله الحافظ ابن عبد الهادي عنه فيكتابه ‏(الصارم المنكي)‏ ‏(ص.(١٤٠ - ١٣٩وحديث أبي هريرة المرفوع الذي رواه عمر بن شبة إسناده ضعيف فإن سعد بنسعيد المقبري لين الحديث وأخوه عبد االله متروك كما في ‏(التقريب).‏ وقد أوردهالسيوطي في ‏(الجامع)‏ وقال :‏(رواه الزبير بن بكار في ‏(أخبار المدينة)‏ عن أبي هريرة ولم يرمز له في نسختنابشيء ولا تعرض الشارح لذلك وإنما قال:‏ ظاهر كلام المصنف أنه لم يره مخرجالأحد من المشاهير وهو عجب فقد خرجه الديلمي باللفظ المذكور وكذا الطيالسي)‏قلت:‏ إن كان يعني أنه في ‏(مسند الطيالسي)‏ من حديث أبي هريرة فقد راجعتهولم أجده في مسنده.‏ واالله أعلم


١٦٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(وقال:‏ ‏(أنا خاتم الأنبياء ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء)‏الحديث هو من رواية عائشة وله تتمة وقد سبق ذكره بكامله في الكلام علىالمسجد الحرام ونقلنا هناك أن فيه موسى بن عبيدة وأنه ضعيف لكن حديثه هذا قدجاء من غير طريقه بإسناد صحيح بلفظ:‏‏(فإني آخر الأنبياء وإن مسجدي آخر المساجد)‏رواه مسلم والنسائي.‏ وقد سبقكما أن التتمة التي أشرنا إليها لها شواهد كثيرة سبق ذكرها هناك فدل هذا كلهعلى أن موسى بن عبيدة قد حفظ هذا الذي رواه ولعله من أجل ما ذكرنا أوردهالمنذري في ‏(الترغيب)‏ (٢/ ١٣٦) فقال:‏‏(وروى البزار عن عائشة)‏فذكر الحديث.‏ ولم يضعفه كما هي عادته‏(ومن فضائله قوله:‏ ‏(من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهوبمترلة ااهد في سبيل االله ومن جاء لغير ذلك فهو بمترلة الرجل ينظر إلى متاع غيره)‏- ١٠٠ (١٠١ والحاكم /١) (٩١ وأحمد /٢) ٤١٨وأخرجه ابن ماجه (١/٥٢٦) عن أبي صخر حميد بن صخر الخراط أن سعيدا المقبري أخبره أنه سمع أباهريرة يقول:‏ إنه سمع رسول االله صلى االله عليه وسلم يقول.‏ . . فذكره.‏ قال الحكم:‏‏(صحيح على شرط الشيخين).‏ ووافقه الذهبيوإنما هو على شرط مسلم وحده فإن حميد بن صخريرو له البخاري في ‏(صحيحه)‏ بل روى له في ‏(الأدب‏(الزوائد):‏--ويقال:‏ ابن زياد لمالمفرد)‏ ولذلك قال في


١٦٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(إسناده صحيح على شرط مسلم.‏ وقول الحافظ ثم فيه على شرط الشيخينغلط فإن البخاري لم يحتج بحميد بن صخر ولا أخرج له في ‏(صحيحه)‏ وإنما أخرجله في ‏(الأدب المفرد)‏ وإنما احتج به مسلم)‏قلت:‏ وكذلك غلط الشوكاني حيث قال (٢/ ١٣٢):‏(وحميد بن صخر هو حميد الطويل الإمام الكبير)‏فإن حميدا الطويل غير هذا وهو حميد بن أبي حميد أبو عبيدة الطويل وهو أعلىطبقة من هذا والحديث أورده المنذري في ‏(الترغيب)‏ (١/٦٢) وقال:‏‏(رواه ابن ماجه والبيهقي وليس في إسناده من ترك ولا أجمع على ضعفه)‏قوله:‏ ‏(مسجدي هذا).‏ قال الشوكاني:‏‏(فيه تصريح بأن الأجر المترتب على الدخول إنما يحصل لمن كان في مسجدهصلى االله عليه وسلم ولا يصح إلحاق غيره به من المساجد التي هي دونه في الفضيلةلأنه قياس مع الفارق.‏ قوله:‏ ومن دخل لغير ذلك.‏ . . إلخ.‏ ظاهره أن كل ما ليسفيه تعليم ولا تعلم من أنواع الخير لا يجوز فعله في المسجد ولا بد من تقييده بما عداالصلاة والذكر والاعتكاف ونحوها مما ورد فعله في المسجد أو الإرشاد إلى فعله فيالمسجد)‏‏(وقوله:‏ ‏(ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)‏الحديث ورد عن جمع من الصحابة ولذلك قال السيوطي في نقله المناوي:‏‏(هذا حديث متواتر)‏ونحن نسوق هنا أحاديث من وقفنا على أسانيدهم:‏الأول:‏ عبد االله بن زيد المازني


١٦٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج أخرجه البخاري (٣/(٥٤ ومسلم /٤) (١٢٣ ومالك /١) (٢٠٢ والنسائي/١) (١١٣ وأحمد /٤) ٣٩- ٤٠تميم عنه ثم رواه أحمد (٤/بلفظ:‏و ٤٠) من طرق عن عبد االله بن أبي بكر عن عباد ابن٤١) من طريق فليح عن عبد االله بن أبي بكر بهيعني:‏ بيوته - ‏(ما بين البيوت -إلى منبري.‏ . .) والباقي مثله وزاد:‏‏(والمنبر على ترعة من ترعة الجنة)‏--وفليح وهو ابن سليمان وإن كان قد احتج به الشيخان فإن في حفظهضعفا وقد تفرد ذا اللفظ ولم يوافقه عليه أحد كما سترىالثاني:‏ أبو هريرة:‏(٤٣٨٣٧٦(٤٠١ وأحمد /٢)/١١٧٩/٤٥٤وعند البخاري (٣/ و ومن طريق عبيد االله بن عمر قال:‏ ثني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عنهمرفوعا به وفيه الزيادة بلفظ:‏‏(ومنبري على حوضي)‏رواه مالك (١/ ٢٠٢) عن خبيب به إلا أنه قال:‏ عن أبي هريرة أو عن أبيسعيد الخدري.‏ هكذا على الشك٤٦٥وكذلك رواه أحمد (٢/به.‏ قال ابن عبد البر:‏و٥٣٣) عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك‏(هكذا رواه رواة ‏(الموطأ)‏ على الشك إلا معن بن عيسى وروح بن عبادة فإماقالا فيه:‏ عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعا على الجمع لا على الشك.‏ ورواه عبدالرحمن بن مهدي عن مالك فقال:‏ عن أبي هريرة وحده ولم يذكر أبا سعيد)‏


١٦٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج قلت:‏ رواية عبد الرحمن هذه عن أبي هريرة وحده أخرجها البخاري (١٣/٢٦٣) عن عمرو بن علي:‏ ثنا عبد الرحمن به(١).وخالفه أحمد فقال:‏ عن عبد الرحمن عن أبي هريرة أو أبي سعيد كما سبقوبالجملة فالرواية عن مالك عن خبيب مضطربة والصواب عن خبيب عنحفص عن أبي هريرة كما رواه عبيد االله بن عمر٤٠١) ومحمدوتابعه جماعة منهم أخوه عبد االله بن عمر العمري عند أحمد (٢/بن إسحاق عنده أيضا (٢/ و ٥٢٨) وشعبة عند الطبراني في ‏(الصغير)‏ ‏(ص٣٩٧(٢٣٠على أنه يبدو أن للحديث أصلا من رواية أبي سعيد الخدري وهو الآتيوله طرق أخرى عن أبي هريرة:‏منها عن حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه مرفوعاوهذا سند صحيح على شرط مسلموأخرجه أحمد (٢/(٥٣٤ و ٤١٢ومنها عن عبد االله عن أبي الزناد وعن الأعرج عنهورجاله موثقونأخرجه أحمد أيضا (٢/ ٤٠١)ومنها عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عنه(١)وكذلك رواه أحمد مرة عن ابن مهدي (٢/ ٢٣٦)


١٦٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج أخرجه الترمذي (٢/٣٢٦طبع بولاق)‏ وسكت عليهوسنده حسن رجاله ثقات غير كثير بن زيد وهو صدوق فيه لين كما قال أبوزرعة وفي ‏(التقريب):‏‏(صدوق يخطيء)‏ومنها الآتي:‏الثالث:‏ علي بن أبي طالب رضي االله عنهعند الترمذي (٢/ ٣٢٦) من طريق سلمة بن وردان عن أبي سعيد بن المعلىعن علي بن أبي طالب وأبي هريرة معا.‏ وقال:‏‏(حديث حسن)‏وهو كما قالالرابع:‏ جابر بن عبد االلهأخرجه أحمد (٣/ ٣٨٩): ثنا سريج:‏ ثنا هشيم:‏ أنا علي بن زيد عن محمد بنالمنكدر عنه مرفوعا وهذا سند حسن رجاله رجال الشيخين غير علي بن زيد وهوابن جدعان وهو حسن الحديث في المتابعاتوأخرجه الخطيب (٣/وقال:‏٣٦٠) من طريق محمد بن هشام المروزي:‏ ثنا هشيم به‏(ولم يروه عن هشيم غيره فيما قيل)‏قلت:‏ ويرده رواية أحمد هذه فإا من طريق سريج عنهوالحديث قال في ‏(امع)‏ (٤/:(٩ - ٨


١٦٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وفيه علي بن زيد وفيه كلام وقد وثق)‏قلت:‏ وله عند الخطيب طريقان آخران:‏الأول:‏ أخرجه (١١/ ٢٢٨) عن عمر بن إبراهيم بن القاسم بن بشار أبيحفص البغدادي:‏ ثنا أبو عبد االله محمد بن حفص بن عمر إملاء:‏ ثنا محمد ابن كثيرالكوفي:‏ ثنا سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر بهوهذا سند ضعيفوعمر هذا ترجمه الخطيب ولم يحك فيه جرحا ولا تعديلاومحمد بن حفص بن عمر أبو عبد االله الظاهر أنه الذي في الميزان:‏‏(محمد بن حفص الطالقاني نزيل مصر أبو عبد االله قال الدارقطني:‏ ضعيف)‏وبقية رجال الإسناد ثقاتوالطريق الآخر:‏ رواه (١١/ ٣٩٠) عن محمد بن يونس الكديمي:‏ ثنا عبد االله بنيونس بن عبيد:‏ ثني أبي عن محمد بن المنكدر عن جابروالكديمي هذا أحد المتروكين كما قال الذهبيثم استدركت فقلت:‏ هذا ليس طريقا ثالثا وإنما هو متابع لعلي بن زيد عن محمدبن المنكدر وهو الطريق الأولالخامس:‏ سعد بن أبي وقاصأخرجه الخطيب (١١/ ٢٩٠) عن إسحاق بن محمد الفروي قال:‏ ثنا عبيدة بننائل عن عائشة بنت سعد عن أبيهاوهذا إسناد حسن رجاله كلهم موثقون.‏ وقال الهيثمي (٤/:(٩


١٦٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(رواه البزار والطبراني في ‏(الكبير)‏ ورجاله ثقات).‏ وقال الحافظ في ‏(الفتح)‏ (٤/:(٧٩‏(رجاله ثقات)‏السادس:‏ عبد االله بن عمرأخرجه الخطيب أيضا (١٢/ ١٦٠) عن أبي الفضل العباس بن محمد بن أحمد بنتميم الأنماطي:‏ ثنا موسى بن إسحاق القاضي الأنصاري:‏ ثنا أحمد ابن يحيى بن المنذربن عبد الرحمن:‏ ثنا مالك بن أنس عن نافع عنه وهذا إسناد مجهول عندي لم أعرفمنه غير مالك بن أنس ونافع لكن قال الهيثمي:‏‏(رواه الطبراني في ‏(الكبير)‏ و ‏(الأوسط)‏ ورجاله ثقات)‏وقد روي عن ابن عمر عن أبي سعيد وهو:‏السابع:‏ أبو سعيد الخدريأخرجه الخطيب (٤/ ٤٠٣) من طريق أحمد بن محمد بن جهور:‏ ثنا عفان:‏ ثناعبد الواحد بن زياد:‏ ثنا إسحاق بن شرقي مولى ابن عمر قال:‏ ثني أبو بكر بن عبدالرحمن عن ابن عمر قال:‏ ثني أبو سعيد الخدري مرفوعا بهأورده في ترجمة ابن جهور هذا ولم يذكر فيه جرحا ولا توثيقاوإسحاق بن شرقي لم أجد له ترجمة.‏ لكن قال الهيثمي:‏‏(رواه الطبراني في ‏(الأوسط)‏ وهو حديث حسن إن شاء االله تعالى)‏قلت:‏ وقد أخرجه أحمد (٣/ ٤): ثنا روح:‏ ثنا مالك بن أنس عن خبيب ابنعبد الرحمن أن حفص بن عاصم أخبره عن أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعا به


١٧٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (١).وهذا إسناد رجاله رجال الشيخين لكن اختلف فيه على مالك كما سبق بيانهوأن الصواب فيه عن أبي هريرة وحدهواعلم أنه وقع في رواية ابن عساكر لحديث البخاري عن أبي هريرة بلفظ:‏‏(قبري)‏ بدل:‏ ‏(بيتي).‏ قال الحافظ:‏‏(وهو خطأ)‏وكذلك وقع في بعض الروايات المتقدمة عند الخطيب وغيره بلفظ:‏‏(قبري)‏(٢)-ولا نشك أنه رواية بالمعنى كما ذهب إلى ذلك القرطبي وغيره.‏ وقد بينوجه ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه االله حيث قال في ‏(القاعدة الجليلة)‏ ‏(ص:(٥٨‏(وهو صلى االله عليه وسلم حين قال هذا القول لم يكن قد قبر بعد صلوات االلهوسلامه عليه ولهذا لم يحتج به أحد من الصحابة حينما تنازعوا في موضع دفنه ولوكان هذا عندهم لكان نصا في محل التراع ولكن دفن في حجرة عائشة في الموضعالذي مات فيه بأبي هو وأمي - صلوات االله وسلامه عليه)‏(١)(٢)ثم وجدت الحديث في ‏(المسند)‏ (٣/ ٦٤) من الطريق الأولى قال:‏ ثنا عبد الواحد بن زياد:‏ ثنا إسحا بنشرقي مولى عبد االله بن عمر عن عبد االله بن عمر قال:‏ ثني أبو سعيد الخدري مرفوعا بلفظ:‏ ‏(ما بين قبريومنبري)‏ ثم وجدت الحديث في ‏(المسند)‏ (٣/ ٦٤) من الطريق الأولى قال:‏ ثنا عبد الواحد بن زياد:‏ ثنا إسحابن شرقي مولى عبد االله بن عمر عن عبد االله بن عمر قال:‏ ثني أبو سعيد الخدري مرفوعا بلفظ:‏ ‏(ما بين قبريومنبري)‏قال القرطبي:‏ ‏(الرواية الصحيحة:‏ ‏(بيتي)‏ ويروى ‏(قبري)‏ وكأنه بالمعنى لأنه دفن في بيت سكناه)‏ ذكره في‏(الفتح)‏ /٣) (٥٤


١٧١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ثم اعلم أن ‏(المراد بتسمية ذلك الموضع روضة أن تلك البقعة تنقل إلى الجنةفتكون روضة من رياضها أو أنه على ااز لكون العبادة فيه تؤول إلى دخول العابدروضة الجنة.‏ وهذا فيه نظر إذ لا اختصاص لذلك بتلك البقعة والخبر مسوق لمزيدشرف تلك البقعة على غيرها.‏ وقيل:‏ فيه تشبيه محذوف الأداة أي:‏ هو كروضة لأنمن يقعد فيها من الملائكة ومؤمني الإنس والجن يكثرون الذكر وسائر أنواع العبادة).‏كذا في ‏(الفتح)‏ (١١/(٤٠٢ - ٤٠١وهل المراد بالبيت جميع البيوت التي كانت لأزواجه عليهن السلام أو المراد بيتواحد منها وهو بيت عائشة الذي صار قبره فيه؟ الظاهر الثاني ويدل عليه أنه الذيفهمه السلف الذين رووا الحديث بلفظ:‏ ‏(قبري)‏ بدل ‏(بيتي)‏ كما سلف إشارة إلى أنالمراد بالبيت البيت الذي فيه قبره وإلى هذا مال الحافظ في ‏(الفتح)‏ حيث قال بعد أنحكم بخطأ رواية ابن عساكر المتقدمة:‏‏(نعم وقع في حديث سعد بن أبي وقاص عند البزار بسند رجاله ثقات وعندالطبراني من حديث ابن عمر بلفظ:‏ القبر فعلى هذا المراد بالبيت في قوله:‏ بيتي.‏ أحدبيوته لا كلها وهو بيت عائشة الذي صار قبره فيه وقد ورد الحديث بلفظ:‏ ما بينالمنبر وبيت عائشة روضة من رياض الجنة.‏ أخرجه الطبراني في ‏(الأوسط)‏قلت:‏ وهو من حديث أبي سعيد الخدري وقد حسنه الهيثمي كما سبق.‏ وااللهتعالى أعلم‏(وهو المسجد الذي أسس على التقوى كمسجد قباء قال أبو سعيد الخدري:‏‏(قلت يا رسول االله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ فأخذ كفا من حصىفضرب به الأرض قال:‏‏(هو هذا مسجد المدينة ‏[وفي ذاك خير كثير])‏الحديث له عنه طرق:‏


١٧٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -١عن يحيى بن سعيد عن حميد الخراط قال:‏ سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمنقال:‏ مر بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري فقلت له:‏ كيف سمعت أباك يقول فيالمسجد الذي أسس على التقوى؟ قال:‏ قال أبي:‏ دخلت على رسول االله صلى االلهعليه وسلم في بيت بعض نسائه فقلت.‏ . . الحديث٨أخرجه أحمد (٣/ ٢٤) ومسلم (٤/ ١٢٦) عنه(١١٣ والترمذي /٢) ١٨٥/طبع بولاق)‏ وأحمد (٣/وأخرجه النسائي (١/٨٩) عن ليث بن سعد عن عمران بن أبي أنس عن ابن أبي سعيد الخدري أنه قال:‏تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم فقال رجل:‏ هومسجد قباء وقال الآخر:‏ هو مسجد رسول االله صلى االله عليه وسلم فقال رسول االلهصلى االله عليه وسلم:‏ ‏(هو مسجدي هذا).‏ وقال الترمذي:‏‏(حديث حسن صحيح)‏-٢ورواه الحاكم (٢/ ٣٣٤) من طريق أسامة بن زيد عن عبد الرحمن بن أبيسعيد عن أبيه أنه قال:‏ المسجد الذي أسس على التقوى مسجد رسول االله صلى االلهعليه وسلم هكذا رواه أسامة موقوفا وهو ضعيف في حفظهعن أنيس بن أبي يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري نحو حديث الليثوفيه الزيادة بين القوسين٢٣(٤٨٧ وأحمد /٣)(١٤٥ والحاكم /١)-١٤٤أخرجه الترمذي (٢/٩١) وقال الترمذي:‏و‏(حديث حسن صحيح)‏ وقال الحاكم:‏‏(صحيح على شرط مسلم).‏ ووافقه الذهبي


١٧٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وليس كما قالا وإنما صحيح فقط ليس على شرط مسلم فإنه لم يخرج لأنيسبن أبي يحيى ولا لأبيه شيئا وهما ثقتانوقد تابعه أخوه محمد بن أبي يحيى عن أبيهأخرجه الحاكم (٢/ ٣٣٤) وصححه وقال الذهبي:‏‏(إسناده جيد)‏وللحديث شاهد من رواية سهل بن سعد قال:‏ اختلف رجلان على عهدرسول االله صلى االله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما:‏هو مسجد الرسول وقال الآخر:‏ هو مسجد قباء.‏ فأتيا النبي صلى االله عليه وسلمفسألاه فقال:‏ ‏(هو مسجدي هذا)‏أخرجه أحمد (٥/ ٣٣١): ثنا وكيع:‏ ثنا ربيعة بن عثمان التيمي عن عمران بنأبي أنس عنه وهذا سند صحيح على شرط مسلمورواه ابن حبان في ‏(صحيحه)‏ كما في ‏(الترغيب)‏ (٢/وقد تابعه عبد االله بن عامر الأسلمي عن عمران به(١٣٧أخرجه أحمد (٥/ ٣٣٥)وعبد االله هذا ضعيف كما في ‏(امع)‏ (٤/ ١٠) و ‏(التقريب).‏ وقد اضطربفيه فمرة يجعله من مسند سهل بن سعد كما في هذه الرواية ومرة يجعله من مسند أبيبن كعب.‏(١١٦ والحاكم /٢)٣٣٤) عن أبي نعيم الفضل بنكما رواه أحمد (٥/دكين:‏ ثنا عبد االله بن عامر الأسلمي عن عمران بن أبي أنس عن سهل بن سعد عنأبي بن كعب مختصرا


١٧٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ومن الغريب قول الحاكم فيه:‏‏(هذا صحيح الإسناد)‏وأغرب منه موافقة الذهبي له على التصحيح مع أنه ترجم لعبد االله بن عامربالضعف الذي لا توثيق معهقال النووي في ‏(شرح مسلم):‏‏(هذا نص بأنه المسجد الذي أسس على التقوى المذكور في القرآن ورد لما يقولهبعض المفسرين أنه مسجد قباء وأما أخذه صلى االله عليه وسلم الحصباء وضربه فيالأرض فالمراد به المبالغة في الإيضاح لبيان أنه مسجد المدينة)‏ قلت:‏ ظاهر الآية التيأشار إليها النووي رحمه االله وهو قوله تعالى في سورة التوبة:‏ ‏{لمسجد أسس علىالتقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا واالله يحبالمطهرين}‏ ‏[التوبة / ١٠٨] يفيد أن المراد مسجد قباء لأن في الآية ضميرين يرجعانإلى مضمر واحد بغير نزاع وضمير الظرف الذي يقتضي الرجال المتطهرين هومسجد قباء فهو الذي أسس على التقوى والدليل على هذا سبب نزول الآية.‏ وهوما أخرجه أحمد (٣/ ٤٢٢) من طريق أبي أويس:‏ ثنا شرحبيل عن عويم بن ساعدةالأنصاري أنه حدثه:‏أن النبي صلى االله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال:‏‏(إن االله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فماهذا الطهور الذي تطهرون به؟)‏قالوا:‏ واالله يا رسول االله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود فكانوايغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلواوهذا إسناد حسن.‏ ورواه ابن خزيمة في ‏(صحيحه)‏ كما في تفسير ابن كثير)‏(٣٨٩ /٢)


١٧٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وله شاهد بإسناد حسن أيضا كما في ‏(نصب الراية)‏ (١/ ٢١٩) من حديث أبيأيوب الأنصاري وجابر بن عبد االله وأنس بن مالكأخرجه ابن ماجه (١/(١٤٦ والحاكم /٢) - ٣٣٤ (٣٣٥ وقال:‏‏(صحيح الإسناد)‏ ووافقه الذهبي وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس ومحمد بنعبد االله بن سلام وغيرهم.‏ وقد سبق إن شاء االله تعالى ذكر أحاديثهم في أول الكتابوقد زعم الحافظ في ‏(الفتح)‏ (٧/ ١٩٥) أن حديث أبي هريرة المشار إليه إسنادهصحيح عند أبي داود.‏ وذلك غير صحيح فإنه عنده (١/ ٨) كغيره من طريق يونسبن الحارث وهو ضعيف كما قال الحافظ نفسه في ‏(التقريب)‏ وكذلك قال ابن كثيروكذلك وهم ابن العربي في ‏(تفسيره)‏ (١/ ٤١٥) حيث قال:‏‏(هذا حديث لم يصح)‏فإنه صحيح بمجموع طرقه وإن كان هو أشار إلى حديث أبي هريرة فكان عليهأن يجمع إليه شواهده التي ذكرنا بعضها وأشرنا إلى الأخرى فحينئذ لا يجوز أن يقولما قالإذا علمت ما تقدم أن ظاهر الآية وسبب الترول يفيد أنه مسجد قباء وأنالحديث بخلاف ذلك يفيد أنه المسجد النبوي فلا بد من التوفيق بينهما فقال ابنكثير:‏‏(ولا منافاة بين الآية وبين هذا لأنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوىمن أول يوم فمسجد رسول االله صلى االله عليه وسلم بطريق الأولى والأحرى)‏وكأنه من كلام شيخه ابن تيمية رحمه االله فقد قال في ‏(تفسير سورة الإخلاص)‏‏(ص ‏(قد ثبت عنه صلى االله عليه وسلم في ‏(الصحيحين)‏ أنه كان يأتي قباءكل سبت راكبا وماشيا وذلك لأن االله أنزل عليه:‏ ‏{لمسجد أسس على التقوى من:(١٧٢


١٧٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج أول يوم أحق أن تقوم فيه}‏ وكان مسجده هو الأحق ذا الوصف.‏ وقد ثبت في‏(الصحيح)‏ أنه سئل عن المسجد المؤسس على التقوى فقال:‏ ‏(هو مسجدي هذا)‏يريد أنه أكمل في هذا الوصف من مسجد قباء ومسجد قباء أيضا أسس على التقوىوبسببه ‏(كذا)‏ الآية ولهذا قال:‏ ‏{فيه رجال يحبون أن يتطهروا واالله يحب المطهرين}‏وكان أهل قباء مع الوضوء والغسل يستنجون بالماء وتعلموا ذلك من جيرام اليهودولم تكن العرب تفعل ذلك فأراد النبي صلى االله عليه وسلم أن لا يظن ظان ذاكالذي أسس على التقوى دون مسجده فذكر مسجده أحق بأن يكون هو المؤسسعلى التقوى فقوله:‏ ‏{لمسجد أسس على التقوى}‏ ‏[التوبة / ١٠٨] يتناول مسجدهومسجد قباء ويتناول كل مسجد أسس على التقوى بخلاف مساجد الضرار)‏وقد ذهب إلى هذا الجمع الحافظ ابن حجر ونقل نحوه عن الداودي والسهيليوغيرهما وهو الحق الذي يجب المصير إليه لأن خلافه يلزم منه إما رد ما أفاده القرآنمن أجل الحديث أو العكس وكل من الأمرين خطأ بل ضلال وقد قال رسول االلهصلى االله عليه وسلم:‏ ‏(إلا إني أوتيت القرآن ومثله معه)‏وسيأتي ما يدل على أنه مسجد قباء زيادة عما تقدم:‏‏(ج):‏ ثم المسجد الأقصى قال تعالى:‏ ‏{سبحان الذي أسرى بعبده.‏ . .} الآيةوقال عليه الصلاة والسلام:‏‏(ائتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة فيما سواه قيل:‏ أرأيت من لم يطقأن يتحمل إليه أو يأتيه؟ قال:‏ فليهد إليه زيتا يسرج فيه فإن من أهدى له كمن صلىفيه)‏الحديث من رواية ميمونة بنت سعد رضي االله عنها مولاة النبي صلى االله عليهوسلم قالت:‏ يا نبي االله أفتنا في بيت المقدس.‏ فقال:‏ ‏(أرض المنشر والمحشر ائتوه.‏ . .)إلخ


١٧٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (٤٦٣ وابن ماجه /١) - ٤٢٩٤٣٠) من طريق عيسى ابنأخرجه أحمد (٦/يونس قال:‏ ثنا ثور عن زياد بن أبي سودة عن أخيه عثمان بن أبي سودة عنهاوهذا سند حسن أو صحيح رجاله ثقات رجال البخاري غير زياد بن أبي سودةوأخيه عثمان وهما ثقتان كما في ‏(التقريب)‏ وقد وثقهما ابن حبان وغيره وروى عنكل منهما جماعة من الثقاتوقد أورده الهيثمي (٤/‏(ورجاله ثقات)‏٦- ٧) من طريق أبي يعلى وقال:‏وأما الذهبي فخالف حيث قال في ترجمة عثمان بن أبي سودة:‏--‏(وثقة مروان الطاهري كذا ولعل الصواب:‏ الطاطريفي النفس شيء من الاحتجاج به)‏وابن حبان.‏ قلت:‏:--وقال في ترجمة أخيه زياد وقد ساق له هذا الحديث ‏(هذا حديث منكرجدا.‏ قال عبد الحق:‏ ليس هذا الحديث بقوي وقال ابن القطان:‏ زياد وعثمان ممنيجب التوقف عن روايتهما)‏كذا قالوا ولم يذكروا حجتهم فيما إليه ذهبوا ولم أجد لهم في ذلك سلفا منالمتقدمين من أهل الجرح والتعديل وقد علمت مما أوردنا أما ثقتان عند ابن حبانوغيره من المتقدمين والمتأخرين كالحافظ ابن حجر وشيخه الهيثمي وغيرهما ممن يأتيولم يظهر لي وجه الحكم بالنكارة التي جزم ا عند ابن حبان وغيره من المتقدمينوالمتأخرين كالحافظ ابن حجر وشيخه الذهبي ولذلك كله فإني أذهب بعد أناستخرت االله تعالى إلى أن الحديث قوي ثابت وأن من جرحه لا حجة معه--نعم قد رواه بعضهم فأعله فأخرجه أبو داود (١/ ٧٥) ومن طريقه البيهقي (٢/٤٤١) عن سعيد بن عبد العزيز عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صلىاالله عليه وسلم أا قالت.‏ . . الحديث مختصرا وليس فيه أن الصلاة فيه كألف-


١٧٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -وسيأتي لفظه في ‏(آداب المساجد)‏ فأسقط سعيد بن عبد العزيز من الإسناد عثمانبن أبي سودة فصار بذلك منقطعا لكن سعيد بن عبد العزيز وإن كان ثقة إماما فقدكان اختلط في آخر عمره فهو غير حجة إذا خالف كما في هذه الرواية فإن ثوراوهو ابن يزيد الحمصي ثقة ثبت كما في ‏(التقريب)‏ وفي ‏(الخلاصة):‏--‏(أحد الأثبات)‏ وقد وصله بذكر عثمان فيه وهي زيادة منه مقبولة حتى ولوكان مخالفه نده ومثيله كيف وقد علمت حاله كيف وقد خالفه أيضا معاوية بنصالح فرواه موصولا كرواية ثور بن يزيد كما ذكر الحافظ في ‏(الإصابة)‏ ولذلك قالالتركماني في ‏(الجوهر النقي):‏‏(قلت:‏ الحديث ليس بقوي كذا قال عبد الحق في ‏(أحكامه)‏ وكأن الحامل لهعلى ذلك الاختلاف في إسناده فإن أبا داود أخرجه كما ذكره البيهقي وأخرجه ابنماجه من حديث ثور بن يزيد عن زياد بن أبي سودة عن أخيه عثمان بن أبي سودةعن ميمونة).‏ ولهذا قال صاحب ‏(الكمال):‏‏(روى زياد عن ميمونة وعن أخيه عنها وهو الصحيح).‏ ولذلك قال في‏(الزوائد):‏‏(روى أبو داود بعضه وإسناد طريق ابن ماجه صحيح ورجاله ثقات وهو أصحمن طريق أبي داود فإن بين زياد بن أبي سودة وميمونة عثمان بن أبي سودة كماصرح به ابن ماجة في طريقه كما ذكره صلاح الدين في ‏(المراسيل)‏ وقد ترك في أبيداود)‏وبعد كتابة ما تقدم رجعت إلى ‏(اموع)‏ للنووي وإذا به ذهب أيضا إلى تقويةالحديث حيث قال:‏ (٨/ ٢٧٨) ما مختصره:‏‏(رواه أحمد في ‏(مسنده)‏ ذا اللفظ ورواه به أيضا ابن ماجه بإسناد لا بأس بهورواه أبو داود مختصرا بإسناد حسن)‏ كذا قال وإسناد أبي داود فيه الانقطاع كماسبق فكيف يكون حسنا؟ ثم قال النووي:‏


١٧٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(أجمع العلماء على استحباب زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه وعلى فضلهقال تعالى:‏ ‏{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصىالذي باركنا حوله}‏‏[الإسراء / ([١ثم ذكر حديث شد الرحال ويأتي وهذا الحديث والذي بعده‏(وقال:‏ ‏(إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل االله عز وجل خلالاثلاثة:‏ سأل االله عز وجل حكما يصادف حكمه فأوتيه.‏ وسأل االله عز وجل ملكا لاينبغي لأحد من بعده فأوتيه.‏ وسأل االله عز وجله حين فرغ من بناء المسجد أن لايأتيه أحد لا ينهزه إلا للصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه ‏[فنحن نرجوأن يكون االله عز وجل قد أعطاه إياه])‏- ١١٢الحديث أخرجه النسائي (١/ ١١٣) عن أبي إدريس الخولاني والسياقله وابن ماجه (١/ ٤٣٠) عن أبي زرعة الشيباني يحيى بن أبي عمرو وأحمد (٢/١٧٦) عن ربيعة بن يزيد والحاكم (١/ ٣٠) عنه وعن الشيباني معا والزيادة لهماثلاثتهم عن عبد االله بن فيروز الديلمي عن عبد االله بن عمرو بن العاص مرفوعابه.‏ وقال الحاكم:‏--‏(صحيح على شرطهما ولا أعلم له علة)‏ ووافقه الذهبيقلت:‏ أما أن الحديث صحيح فهو كما قالا لا شك فيه وأما أنه على شرطهماففيه نظر لأن ابن الديلمي ليس من رجالهما وهو ثقة من كبار التابعين كما قالالحافظ في ‏(التقريب)‏ قال:‏‏(ومنهم من ذكره في الصحابة)‏-والحديث أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان في ‏(صحيحهما)‏ كما في١٣٨) وقد صححه النووي في ‏(اموع)‏ (٨/والحافظ في ‏(الفتح)‏ (٦/ ٣١٦)(٢٧٨١٣٧‏(الترغيب)‏ (٢/


١٨٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وللحديث شاهد لكن فيه زيادة منكرة جدا على ضعف شديد في إسناده وأناأسوق لفظه للتحذير منه فطالما سمعناه من بعض الخطباء على رؤوس المنابر ولا حولولا قوله إلا باالله.‏أخرجه الطبراني في ‏(الكبير)‏ عن رافع بن عمير مرفوعا:‏‏(قال االله لداود:‏ ابن لي بيتا في الأرض.‏ فبنى داود بيتا لنفسه قبل أن يبني البيتالذي أمر به فأوحى االله إليه:‏ يا داود نصبت بيتك قبل بيتي؟ قال:‏ أي رب هكذاقلت فيما قضيت:‏ ‏(من ملك استأثر)‏ ثم أخذ في بناء المسجد فلما تم السور سقطثلثاه فشكا ذلك إلى االله عز وجل فأوحى االله تعالى إليه:‏ ‏(إنه لا يصلح أن تبني ليبيتا)‏ قال:‏ أي رب ولم؟ قال:‏ لما جرت على يديك من الدماء قال:‏ أي رب أولميكن ذلك في هواك ومحبتك؟ قال:‏ بلى ولكنهم عبادي وأنا أرحمهم.‏ فشق ذلك عليهفأوحى االله تعالى إليه:‏ لا تحزن فإني سأقضي بناءه على يد ابنك سليمان فلما ماتداود أخذ سليمان في بنائه فلما تم قرب القرابين وذبح الذبائح وجمع بني إسرائيلفأوحى االله تعالى إليه:‏ قد أرى سرورك ببنيان بيتي فسلني أعطك قال:‏ أسألك ثلاثخصال:‏ حكما يصادف حكمك وملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ومن أتى هذاالبيت لا يريد إلا الصلاة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.‏ قال رسول االله صلى االلهعليه وسلم:‏ ‏(أما اثنتان فقد أعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة).‏ ا.‏ همن ‏(امع)‏ (٤/- ٧ (٨ و ‏(المنتخب)‏ /٥) (٣٦٩ وقال الهيثمي:‏‏(وفيه محمد بن أيوب بن سويد وهو متهم بالوضع)‏ثم رأيت الذهبي حكم على الحديث بالوضع فأصاب حيث قال في ترجمة ابنأيوب هذا:‏‏(ضعفه الدارقطني وقال ابن حبان:‏ لا تحل الرواية عنه قال أبو زرعة:‏ رأيته قدأدخل في كتب أبيه أشياء موضوعة.‏ قلت:‏ من ذلك حديث:‏


١٨١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج لما بنى داود المسجد فسقط فقيل له:‏ إنه لا تصلح أن تتولى بناءه قال:‏ ولم يارب؟ قال:‏ لما جرى على يديك من الدماء.‏ قال:‏ أو لم يكن في هواك؟ قال:‏ بلىولكنهم عبادي أرحمهم.‏ . . الحديث بطوله)‏قلت:‏ وقد رواه أيوب بن سويد والد محمد هذا عن أبي زرعة الشيباني بإسنادهالمتقدم عن ابن عمر مرفوعا بدون هذه الزيادة المنكرة الموضوعةأخرجه ابن ماجه عن عبيد االله بن الجهم الأنماطي عنه فهذا من الدليلهذه الزيادة أدخلها محمد بن أيوب قبحه االله على أبيهعلى أن--وفي الباب عن أبي ذر رضي االله عنه قال:‏ تذاكرنا ونحن عند رسول االله صلىاالله عليه وسلم:‏ أيهما أفضل:‏ مسجد رسول االله صلى االله عليه وسلم أو مسجد بيتالمقدس؟ فقال:‏ رسول االله صلى االله عليه وسلم:‏‏(صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى وليوشكن أنيكون ‏(في الأصل:‏ أن لا يكون)‏ للرجل مثل شطن ‏(هو الحبل)‏ فرسه من الأرضحيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا أو قال:‏ خير من الدنيا وما فيها)‏أخرجه الحاكم (٤/ ٥٠٩) من طريق الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن أبيالخليل عن عبد االله بن الصامت عنه.‏ وقال:‏‏(صحيح الإسناد).‏ ووافقه الذهبيوهو كما قالاوقد أخرجه الطبراني أيضا في ‏(الأوسط)‏ ورجاله رجال الصحيح كما في‏(امع)‏ /٤) .(٧ وقال المنذري /٢) :(١٣٨‏(رواه البيهقي بإسناد لا بأس به وفي متنه غرابة)‏


١٨٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وقد رواه ابن عساكر من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن عبد االله بنالصامت به.‏ فأسقط بين قتادة وابن الصامت أبا الخليل والأصح إثباته واسمه صالح بنأبي مريم وهو ثقة من رجال الستة قلت:‏ ولعل وجه الغرابة أنه ثبت في حديثميمونة المتقدم أن الصلاة في المسجد الأقصى بألف صلاة وفي حديث أبي الدرداءالذي سبق ذكره في تخريج أول أحاديث المسجد أن الصلاة فيه بخمسمائة صلاةوفي حديث أبي ذر هذا أن صلاة في مسجده عليه الصلاة والسلام أفضل من أربعصلوات في المسجد الأقصى وهذا لا يتفق في معناه في الحديثين المشار إليهما فإنه يفيدأن فضل الصلاة فيه أربعة أضعاف الصلاة في الأقصى وينتج منه أن الصلاة فيالمسجد الأقصى على الربع من الصلاة في المسجد النبوي أي:‏ بمائتين وخمسين صلاة.‏وهذه النتيجة لا تتفق مع ما ثبت في الأحاديث الكثيرة المتقدمة أن الصلاة في الأقصىبألف أو بخمسمائة.‏--فيقال:‏ إن االله سبحانه وتعالى جعل فضيلة الصلاة في الأقصى مائتين وخمسينصلاة أولا ثم أوصلها إلى الخمسمائة ثم إلى الألف فضلا منه تعالى على عباده ورحمة.‏واالله تعالى أعلم بحقيقة الحال‏(ومن فضل هذه المساجد الثلاثة أنه لا يجوز قصد السفر على مسجد أو موضعمن المواضع الفاضلة والصلاة فيها إلا إليها لقوله عليه الصلاة والسلام:‏ ‏(لا تشد ‏(وفيرواية:‏ لا تشدوا)‏ الرحال إلا ‏(وفي لفظ:‏ إنما يسافر)‏ إلى ثلاثة مساجد:‏ مسجدي هذاومسجد الحرام ومسجد الأقصى)‏الحديث ورد عن جمع من الصحابة:‏ الأول:‏ أبو هريرةوله عنه ثلاثة طرق:‏-١ عن الزهري عن سعيد بن المسيب عنه


١٨٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج أخرجه البخاري (٣/(٤٩ ومسلم /٤) (١٢٦ وأبو داود /١) (٣١٨ والنسائي/١) (١١٤ وابن ماجه /١) (٤٣٠ وأحمد /٢) (٢٧٨ ٢٣٨ ٢٣٤ والخطيب(٩/ ٢٢٢) من طرق عنه- ٢و وعن ابن وهب:‏ ثني عبد الحميد بن جعفر أن عمران بن أبي أنس حدثه أنسلمان الأغر حدثه عنه.‏ واللفظ الثاني لهأخرجه مسلم وحده-٣ عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنهأخرجه الدارمي (١/(٣٣٠ وأحمد /٢)٥٠١) قالا:‏ ثنا يزيد بن هارون عنهوهذا سند حسن رجاله رجال الستة غير أن محمد بن عمرو أخرج له البخاريمقرونا ومسلم متابعةالثاني:‏ أبو سعيد الخدري:‏وله عنه أربعة طرق:‏١ عن قزعة عنه -- ٦٢ ٦٣ (١٩٥ ومسلم /٤)(٤٣٠ وأحمد /٣) ٧(٧٨ ٧٧ ٤٥ والخطيب /١١) - ١٩٤أيضا /٢) (٤٥٢١٠٢) والرواية الثانيةأخرجه البخاري (٤/ وو وله والترمذي (٢/ ١٤٨) وصححه وابن ماجه (١/١٩٥) من طرق عنه وأخرجه البيهقيو و٣٤-٢ عن مجالد:‏ ثني أبو الوداك عنهأخرجه أحمد (٣/ ٥٣)وسنده حسن


١٨٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -٣عن عبد الملك بن عمير قال:‏ سألت عكرمة مولى زياد قال:‏ سمعت أباسعيد الخدري قال.‏ . . . فذكرهأخرجه أحمد (٣/ ٧١)-٤ورجاله ثقات رجال الستة غير عكرمة مولى زيادة فلم أعرفه ولم يورده الحافظفي ‏(التعجيل)‏ مع أنه على شرطهعن ليث عن شهر قال:‏ لقينا أبا سعيد ونحن نريد الطور فقال:‏ سمعترسول االله صلى االله عليه وسلم يقول:‏ ‏(لا تشد المطي إلا.‏ . .) الحديث-أخرجه أحمد (٣/ ٩٣)-وإسناده حسن رجاله رجال الستة إلا أن مسلما روى لليث وهو ابن أبيسليم مقرونا بغيره والبخاري روى له تعليقا وشهر لم يرو له في ‏(صحيحه)‏ وإنماروى له في ‏(الأدب المفرد)‏ وهو صدوق كثير الإرسال والأوهام كما في ‏(التقريب)‏قلت:‏ وقد صرح في هذه الرواية بلقياه لأبي سعيد ثم إا موافقة لسائر الرواياتالمتقدمة فأمنا بذلك من وهمه وإرساله---نعم رواه عبد الحميد عن شهر قال:‏ سمعت أبا سعيد الخدري وذكرت عندهصلاة في الطور فقال:‏ قال رسول االله صلى االله عليه وسلم:‏ ‏(لا ينبغي للمطي أنتشد رحاله إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام.‏ . . الحديثأخرجه أحمد (٣/ ٦٤) وعمر بن شبة في كتاب ‏(أخبار المدينة)‏ كما في ‏(الصارمالمنكي)‏ (٢٤١)-فصرح عبد الحميد وهو ابن رام عن شهر بذكر المستثنى منه الذي لميذكر في جميع روايات الحديث ما تقدم منها وما يأتي وهو قوله:‏ ‏(إلى مسجد يبتغىفيه الصلاة)‏ هو قد خالف بذلك الليث وكلاهما متكلم فيه لكن عبد الحميد أحسنحالا منه لا سيما في روايته عن شهر.‏


١٨٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وفي ‏(التقريب)‏ ‏:(هو صدوق)‏--فإذا كان قد حفظ هذه الزيادة عن شهر فيكون شهر قد روى الحديث بالمعنىالذي فهمه هو من الحديث وهو ذا المعنى غير متفق عليه.‏ وإما أن يكون أتي منسوء حفظه فأتى ا عفوا لا قصدا وهو الأرجح عندي لأن من يتتبع أحاديثه يجدفيها كثيرا من مثل هذه الزيادات التي لم يروها الحفاظ الثقات.‏ وأيا ما كان فهذهالزيادة لا يجوز الاحتجاج ا لمخالفتها لروايات الثقات ولتفرد شهر ا وستعلم فيمايأتي إن شاء االله تعالى مترلة هذه الزيادة في تعيين وترجيح أحد المعنيين منالحديث والمعركة التي جرت بين العلماء حولها فليكن هذا منك على ذكر.‏الثالث:‏ عبد االله بن عمرو بن العاصأخرجه ابن ماجه (١/ ٤٣٠) من طريق يزيد ‏(وفي الأصل:‏ يزيد وهو خطأمطبعي)‏ ابن مريم عن قزعة عن أبي سعيد وعبد االله بن عمرو بن العاص معا مرفوعاوإسناده صحيح رجاله رجال البخاري غير محمد بن شعيب وهووهو ثقةابن شابورالرابع:‏ أبو بصرة الغفاريوله عنه ثلاث طرق:‏- عن عبد الملك بن عمير عن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام١المخزومي:‏أن أبا بصرة لقي أبا هريرة وهو جاء فقال:‏ من أين أقبلت؟ قال:‏ أقبلت منالطور صليت فيه قال:‏ أما إني لو أدركتك لم تذهب إني سمعت رسول االله صلى االلهعليه وسلم يقول:‏ ‏(لا تشد الرحال.‏ . .) الحديث


١٨٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (٧(٢٥٠٦ وأحمد /٦)١٣٤٨-٢وهذا سند صحيحأخرجه الطيالسي ‏(رقم ورجاله رجال الشيخين غير عمر بن الحارث هذا وهو ثقة كما في ‏(التقريب).‏ وفي‏(امع)‏ /٤) :(٣‏(رواه أحمد والبزار بنحوه والطبراني في ‏(الكبير)‏ و ‏(الأوسط)‏ ورجال أحمدثقات أثباتعن ابن إسحاق قال:‏ ثني يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد االله اليزنيعن أبي بصرة الغفاري قال:‏ لقيت أبا هريرة.‏ . . الحديثأخرجه أحمد (٦/ ٣٩٧)وإسناده حسن-٣عن يزيد بن عبد االله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عنأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال:‏ خرجت إلى الطور ‏(قلت:‏فذكر حديثا طويلا ثم قال:)‏ فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال:‏ من أينأقبلت؟ فقلت:‏ من الطور فقال:‏ لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت سمعترسول االله صلى االله عليه وسلم يقول:‏ ‏(لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد.‏ . .)الحديث مثله٣٦٢(٢١٠ والترمذي /٢)أخرجه مالك (١/٧) عنه.‏ وقال الترمذي:‏- ١٣١ (١٣٢ والنسائي /١)- (٣٦٣ وأحمد /٦)‏(حديث حسن صحيح)‏قلت:‏ وهو على شرط الشيخين إلا أن بعض الرواة منه وهم في موضعين:‏الأول:‏ في متن الحديث حيث قال:‏ ‏(لا تعمل المطي)‏ والصواب:‏ لا تشد الرحال)‏


١٨٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج والآخر:‏ أنه جعله من مسند بصرة بن أبي بصرة والصواب أنه مسند والده أبيبصرة كما في الطريقين الأولين ولذلك قال الحافظ في ‏(التقريب)‏ والخزرجي في‏(الخلاصة)‏ في ترجمة بصرة هذا:‏‏(صحابي ابن صحابي والمحفوظ أن الحديث لوالده أبي بصرة)‏الخامس:‏ عبد االله بن عمرأخرجه أبو زيد عمر بن شبة النميري في كتاب ‏(أخبار المدينة)‏ قال:‏ ثنا ابن أبيالوزير:‏ ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طلق عن قزعة قال:‏ أتيت ابن عمر فقلت:‏إني أريد الطور فقال:‏ إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد.‏ . . الحديث فدع عنكالطور فلا تأتهرواه أحمد بن حنبل في ‏(مسنده)‏ كذا في ‏(الصارم المنكي)‏ ‏(ص(٢٤١قلت:‏ وليس هو في ‏(المسند)‏ وأظن أن هذه الجملة:‏ ‏(رواه أحمد في مسنده)‏وقعت هنا سهوا من بعض النساخ أو الطابع ومحلها عقب الحديث الذي أورده في‏(الصارم)‏ بعد هذا الحديث وهو حديث عبد الحميد بن رام:‏ ثنا شهر بن حوشبقال:‏ سمعت أبا سعيد.‏ . . الحديث.‏ وقد مضى قريبا فقد عزاه لعمر بن شبة أبي زيد:‏ثنا هشام بن عبد الملك:‏ ثنا عبد الحميد به.‏ ثم لم يعزه للمسند وهو فيه كما سبقويبعد أن يخفى ذلك على الحافظ ابن عبد الهادي ولذلك ذهبت إلى أن الأمر انقلبعلى البعض.‏ واالله أعلمثم إن هذا الحديث موقوف وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخينغير ابن أبي الوزير وهو محمد بن عمر بن مطرف أبو المطرف ابن أبي الوزير البصريوهو ثقة كما في ‏(التقريب)‏وقد جاء مرفوعا أخرجه الطبراني في ‏(الكبير)‏ و ‏(الأوسط)‏ بلفظ:‏‏(لا تشد الرحال).‏ قالالهيثمي /٤) :(٤


١٨٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(ورجاله ثقات)‏ثم وقفت على إسناده مرفوعا فقال الأزرقي في ‏(أخبار مكة)‏ ‏(ص:(٣٠٤حدثني جدي قال:‏ حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طلق بن حبيب عنقزعة قال:‏ أردت الخروج إلى الطور فسألت ابن عمر فقال ابن عمر:‏ أما علمت أنالنبي صلى االله عليه وسلم قال:‏ ‏(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد:‏ المسجد الحرامومسجد النبي صلى االله عليه وسلم والمسجد الأقصى ودع عنك الطور فلا تأته)‏قلت:‏ وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الصحيحوجد الأزرقي اسمه أحمد بن محمد بن الوليد الغساني وهو ثقة من رجالالبخاريالسادس:‏ علي بن أبي طالبأخرجه الطبراني في ‏(الصغير)‏ ‏(ص ٩٨) وكذا في ‏(الأوسط)‏ من طريق إبراهيمبن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي عن أبيه إسماعيل عن جدهيحيى عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي عن علي مرفوعا بهوهذا سند ضعيف مسلسل بالضعفاء:‏ إبراهيم وإسماعيل ويحيى.‏ واقتصرفي تضعيفه على إبراهيم هذا وهو قصورالهيثميالسابع:‏ أبو الجعد الضمريأخرجه الطبراني في ‏(الكبير)‏ و ‏(الأوسط)‏ ورجاله رجال ‏(الصحيح)‏ ورواه البزارأيضا.‏ كذا في ‏(امع)‏قلت:‏ إذا ثبت هذا ففيه استدراك على قول البخاري في ترجمته أبي الجعدالضمري:‏


١٨٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(لا أعرف له إلا هذا الحديث)‏يعني الحديث الذي سيأتي في ‏(الجمعة)‏ في الترهيب عن ترك صلاة الجمعة.‏ ومنالغريب أن الحافظ في ‏(الإصابة)‏ أقر البخاري على قوله هذا مع أن الخزرجي قال فيترجمة المذكور من ‏(الخلاصة):‏‏(له أربعة أحاديث)‏الثامن:‏ عمر بن الخطابرواه البزار ورجاله رجال ‏(الصحيح)‏ إلا أن البزار قال:‏‏(أخطأ فيه حبان بن هلال)‏ابن سعد وفي ‏(التقريب):‏قلت:‏ حبان بن هلال كان ثقة ثبتا حجة كما قال‏(ثقة ثبت)‏فتخطئته صعب.‏ واالله أعلموبالجملة فالحديث متواتر أو كاد وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالةالثالثة من ‏(مجموعة الرسائل الكبرى)‏ (٣/ ٥٣):‏(وهو حديث مستفيض أجمع أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول والتصديق)‏قوله:‏ ‏(لا تشد الرحال)‏ قال الحافظ:‏‏(بضم أوله بلفظ النفي والمراد النهي عن السفر إلى غيرها.‏ قال الطيبي:‏ هو أبلغمن صريح النهي كأنه قال:‏ لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصهابما اختصت به والرحال جمع رحل:‏ وهو للبعير كالسرج للفرس.‏ وكنى بشد الرحالعن السفر لأنه لازمه وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر وإلا فلا فرق


١٩٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج بين ركوب الرواحل والخيل والبغال والحمير والمشي في المعنى المذكور ويدل عليهقوله في اللفظ الثاني:‏ ‏(إنما يسافر)‏قوله:‏ ‏(إلا إلى ثلاثة مساجد)‏ قال الحافظ:‏‏(الاستثناء مفرغ والتقدير:‏ لا تشد الرحال إلى موضع ولازمه منع السفر إلى كلموضع غيرها لأن المستثنى منه في المفرغ مقدر بأعم العام لكن يمكن أن يكون المرادبالعموم هنا الموضع المخصوص وهو المسجد كما سيأتي)‏قلت:‏ وهذا ضعيف والصواب الأول كما سنذكره.‏ ثم قال:‏‏(وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها لكوا مساجدالأنبياء ولأن الأول قبلة الناس وإليه حجهم والثاني كان قبلة الأمم السالفة والثالثأسس على التقوىواختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتاوإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك ا والصلاة فيها فقال الشيخ أبو محمد الجويني:‏‏(يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر الحديث)‏وأشار القاضي حسين إلى اختياره وبه قال عياض وطائفة.‏ ويدل عليه ما رواهأصحاب السنن من إنكار أبي بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور وقالله:‏ ‏(لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت)‏ واستدل ذا الحديث فدل على أنه يرىحمل الحديث على عمومه ووافقه أبو هريرةوالصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية:‏ أنه لا يحرم وأجابوا عنالحديث بأجوبة منها:‏أن المراد:‏ أن الفضيلة التامة إنما هي شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف غيرهافإنه جائز وقد وقع في رواية لأحمد سيأتي ذكرها بلفظ:‏ ‏(لا ينبغي للمطي أن تعمل)‏


١٩١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وهو لفظ ظاهر في غير التحريم ومنها:‏ أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاةفي مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة فإنه لا يجب الوفاء به.‏ قاله ابن بطالومنها:‏ أن المراد حكم الساجد فقط وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد منالمساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أوصاحب أو طلب علم أو تجارة أو نزهة فلا يدخل في النهي ويؤيده ما روى أحمد منطريق شهر بن حوشب قال:‏ سمعت أبا سعيد وذكرت عنده الصلاة في الطور فقال:‏قال رسول االله صلى االله عليه وسلم:‏ ‏(لا ينبغي للمصلي أن يشد رحاله إلى مسجدتبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي).‏ وشهر حسنالحديث وإن كان فيه بعض الضعف)‏وأقول:‏ لقد ألان الحافظ رحمه االله القول هنا في شهر وحسن حديثه ذا اللفظمع أنه حكم عليه بأنه كثير الأوهام كما سبق نقله عنه فيما تقدم فمن كان كذلككيف يحسن حديثه؟ لا سيما إذا تفرد به دون كل من روى الحديث فقد ورد منطرق ثلاثة أخرى عن أبي سعيد وليس فيها هذه الزيادة التي احتج ا الحافظ وهي:‏‏(إلى مسجد)‏يضاف إلى ذلك أنه ورد الحديث عن سبعة من الصحابة غير أبي سعيد من طرقكثيرة عن رواة ثقات ولم يقل أحد منهم ما قال شهر فهل بعد هذا دليل وبرهانعلى خطأ شهر في هذه الزيادة؟على أنه قد اختلف فيها على شهر فذكرها بعضهم عنه دون بعض كما سبقبيان ذلك عند الكلام على الحديث من الطريق الرابع عن أبي سعيد.‏ من أجل ذلكذهبنا هناك إلى أنه لا يجوز الاحتجاج ذه الروايةوقد بدا لي حجة أخرى تؤيد خطأ شهر فأقول:‏ومما يدلك على ضعف هذه الزيادة بل بطلاا:‏ أن في حديث شهر نفسه أن أباسعيد أنكر عليه الذهاب إلى الطور واحتج عليه ذا الحديث فلو كان فيه هذه


١٩٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ---الزيادة التي تخص معناه بالمساجد دون سائر المواضع الفاضلة لما جاز لأبي سعيدوهو العربي الصميم أن يحتج به لأن شهرا لم يقصد الذهاب إلا إلى الطور وليسهو مسجدا وإنما هو جبل مقدس كلم االله تعالى عليه موسى عليه السلام فلا يشملهالحديث لو كانت فيه الزيادة فإنكاره الذهاب إليه أكبر دليل على بطلان نسبتها إلىحديثه ودليل أيضا على أن الحديث على عمومه وأنه يشمل الأماكن الفاضلة لأنهالذي فهمه أبو سعيد وكذا فهم منه عبد االله بن عمر وأبو بصرة الغفاري ووافقه أبوهريرة فكلهم أنكروا الذهاب إلى الطور محتجين بالحديث كما تقدم في تخريجأحاديثهم.‏ فهؤلاء أربعة من الصحابة لا مخالف لهم منهم قد فهموا ذلك وهمأعلم بما سمعوه منه صلى االله عليه وسلم وأدرى بما يقول-ثم إن النظر يحكم بصحة عموم الحديث لأنه إذا كان منع من السفر إلى مسجدغير المساجد الثلاثة مع العلم بأن العبادة في كل المساجد أفضل منها في غير المساجدوغير البيوت وقد قال عليه الصلاة والسلام:‏‏(أحب البقاع إلى االله المساجد)‏ كما مر وكان منع أيضا من السفر إلى الطورالذي سماه االله تعالى بالوادي المقدس فالمنع من السفر إلى غيرها أولى لا سيما إذا كانالمكان المقصود قبور أنبياء وصالحين فإنه حرم بناء المساجد عليها كما مضى فكيفيسمح بالذهاب إليها ولم يسمح بالسفر إلى المساجد المبنية على تقوى االله؟ وهذابحمد االله بين لا يخفى--وأما الجوابان الآخران اللذان حكاهما الحافظ فهما ضعيفان أيضا وإليك البيان:‏أما الجواب الأول فالحديث وإن كان بلفظالحافظ نفسه عن الطيبي.‏ ويؤيد ذلك أمران:‏النفي فهو بمعنى النهي كما حكاهالأول:‏ أنه جاء صريحا بالنهي في الرواية الثانية:‏ ‏(لا تشدوا)‏والآخر:‏ أنه الذي فهمه الصحابة فنهوا عن الذهاب إلى الطور كما سبق


١٩٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وهناك أمر ثالث يقوي ذلك:‏ وهو أن الحديث من رواية أبي سعيد في‏(الصحيحين)‏ وغيرهما قطعة من حديث ورد فيه النهي عن أربعة أمور:‏‏(أ)‏ شد الرحال‏(ب)‏ سفر المرأة بغير محرم‏(ج)‏ صوم يومي الفطر والأضحى‏(د)‏ الصلاة بعد الصبح والعصروالنهي في هذا للتحريم فحمل النهي عن شد الرحال خاصة للتتريه خلافالظاهر المتبادر وفيه جمع بين الحقيقة وااز وهذا لا يجوز إلا لصارف ولا صارف هناورواية أحمد التي احتج ا الحافظ بلفظ:‏ ‏(لا ينبغي للمطي أن تعمل)‏ غير صحيحةكما سبق بيانه مرارا فلا حجة فيها.‏على أن هذه الرواية لو صحت فهي لا تفيد الجواز ارد عن الكراهة بل هينص في الكراهة وحينئذ فقول النووي في شرح الحديث من رواية أبي سعيد:‏‏(الصحيح عند أصحابنا أنه لا يحرم ولا يكره)‏غير صحيح.‏ وقد قال النووي أيضا في شرح الحديث من رواية أبي هريرة مانصه:‏‏(معناه عند جمهور العلماء:‏ لا فضيلة في شد الرحال إلى مسجد غيرها)‏وهذا تسليم منه أن السفر إلى غير المساجد الثلاثة لا فضيلة فيه فليس هو بعملصالح ولا قربة ولا طاعة ومن المعلوم المشاهد أن من يقصد السفر إلى غيرها يبتغيبذلك التقرب إلى االله تعالى وهذا محرم اتفاقا لأنه تعبد االله تعالى بما لم يجعله عبادةولذلك ذكر العلماء أنه ‏(لو نذر أن يصلي في مسجد أو مشهد أو يعتكف فيه أويسافر إليه غير هذه الثلاثة لم يجب عليه ذلك باتفاق الأئمة بخلاف لو نذر أن يأتي


١٩٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج المسجد الحرام لحج أو عمرة وجب ذلك باتفاق العلماء ولو نذر أن يأتي مسجدالنبي صلى االله عليه وسلم أو المسجد الأقصى لصلاة أو اعتكاف وجب عليه الوفاءذا النذر عند مالك والشافعي وأحمد ولم يجب عند أبي حنيفة لأنه لا يجب عندهبالنذر إلا ما كان من جنسه واجب بالشرع وأما الجمهور فيوجبون الوفاء بكلطاعة لما رواه البخاري وغيره عن عائشة رضي االله عنه مرفوعا:‏‏(من نذر أن يطيع االله فليطعه ومن نذر أن يعصي االله فلا يعصه)‏والسفر إلى المسجدين هو طاعة فلهذا وجب الوفاء بهوأما السفر إلى بقعة غير المساجد الثلاثة فلم يوجب أحد من العلماء السفر إليهاإذا نذره حتى نص العلماء على أنه لا يسافر إلى مسجد قباء لأنه ليس من الثلاثة معأنه يستحب زيارته لمن كان بالمدينة لأن ذلك ليس بشد رحل كما سيأتي قالوا:‏ولأن السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يفعلها أحد من الصحابةوالتابعين ولا أمر ا رسول االله صلى االله عليه وسلم ولا استحب ذلك أحد من أئمةالمسلمين فمن اعتقد ذلك عبادة وفعلها فهو مخالف للسنة ولإجماع الأئمة.‏ وهذا مما(١)ذكره أبو عبد االله بن بطة في ‏(إبانته الصغرى)‏ من البدع المخالفة للسنة والإجماع)‏بقي علينا الجواب عن الجواب الثاني الذي أورده الحافظ فنقول:‏إنه تخصيص للحديث بدون أي مخصص والحديث أعم من ذلك وكل أحديستطيع أن يدعي تخصيص أي عموم من كتاب أو سنة ولكن ذلك لا يقبل منه إلامقرونا بالدليل والبرهان فأين الدليل هنا على هذه الدعوى؟ولذلك قال المحقق الصنعاني في ‏(سبل السلام)‏ (٢/ ٢٥١):(١)نقلته من ‏(الفتاوى)‏ لشيخ الإسلام (١/ ١١٩(١٢٠ -


١٩٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(وذهب الجمهور إلى أن ذلك غير محرم واستدلوا بما لا ينهض وتأولوا أحاديثالباب بتأويل بعيدة ولا ينبغي إلا بعد أن ينهض على خلاف ما أولوه الدليل)‏زاد أبو الطيب صديق حسن خان في ‏(فتح العلام)‏ (١/:(٣١٠‏(ولا دليل والأحاديث الواردة في الحث على الزيارة النبوية وفضيلتها ليس فيهاالأمر بشد الرحال إليها مع أا كلها ضعاف أو موضوعات لا يصلح شيء منهاللاستدلال ولم يتفطن أكثر الناس للفرق بين مسالة الزيارة وبين مسألة السفر لهافصرفوا حديث الباب عن منطوقه الواضح بلا دليل يدعو إليه)‏قلت:‏ وزيارة قبر النبي صلى االله عليه وسلم لا حاجة إلى الاستدلال عليهابالأحاديث الضعيفة المشار إليها ففي الباب ما يغني عنها ولو لم يكن في الباب إلاالأحاديث العامة في زيارة القبور كفى في إثبات زيارة قبره عليه الصلاة والسلاموذلك من باب أولى كما لا يخفى ولعله يأتي توضيح ذلك وبيانه في المحل المناسب لهوالخلاصة:‏ أن ما ذهب إليه أبو محمد الجويني ومن وافقه من تحريم السفر إلى غيرالمساجد الثلاثة من المواضع الفاضلة هو الحق الذي يجب المصير إليه بخلاف السفرللتجارة وطلب العلم ونحو ذلك فإن السفر لطلب تلك الحاجة حيث كانت وكذلكالسفر لزيارة الأخ في االله فإنه هو المقصود حيث كان كما قال شيخ الإسلام في‏(الفتاوى)‏ /٢) .(١٨٦وقد جرى له رحمه االله فتن عظيمة بسبب إفتائه بتحريم شد الرحال لزيارة قبورالأنبياء والصالحين حتى قبر نبينا محمد صلى االله عليه وسلم وكتبه طافحة بالاستدلاللما ذهب إليه وقد رد عليه الإمام السبكي وكان من معاصريه وألف في ذلككتابه المسمى:‏ ‏(شفاء السقام في زيارة خير الأنام)‏ أورد فيه الأحاديث الواردة فيزيارة قبره عليه الصلاة والسلام وأقوال العلماء في مشروعيتها وقد وقعت له فيههفوة عظيمة حيث عزا إلى شيخ الإسلام القول بإنكار مطلق الزيارة النبوية أعنيبدون شد رحل مع أنه من القائلين ا والذاكرين لفضلها وآداا وقد ذكر ذلكفيما غير كتاب من كتبه ولذلك فقد قام بالرد على السبكي العلامة الحافظ أبو عبد----


١٩٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج االله محمد بن عبد الهادي في مؤلف له كبير أسماه:‏ ‏(الصارم المنكي في الرد علىالسبكي)‏ وهو كتاب قيم فيه فوائد كثيرة فقهية وحديثية وتاريخية وقد بين فيه بتوسعوتفصيل حال الأحاديث المشار إليها وما فيها من ضعف ووضع وبرأ ابن تيمية ممانسب إليه من الإنكار بما نقله عنه من النصوص الكثيرة فمن شاء فليرجع إليه.‏ومن الغريب أن تروج تلك النسبة الخاطئة إلى ابن تيمية على كثير من العلماءوالمشايخ الذين جاؤا بعده وكان آخرهم إن شاء االله تعالى الشيخ يوسفالنبهاني فقد سود صحائف كثيرة بالطعن في ابن تيمية بجهل وضلال فقام أحدالعلماء الأفاضل فرد عليه في كتاب ضخم اسمه:‏ ‏(غاية الأماني في الرد على النبهاني)‏أبان فيه عن جهل النبهاني وضلالته وانتصر فيه لابن تيمية بحق وعدل فمن شاءالوقوف على الحقيقة فليرجع إليه وليجعل كل اعتماده عليه.‏--هذا ولا بأس من أن أنقل إليك ما ذكره ولي االله الدهلوي في مسألة شد الرحللأنه لا يخلو من فائدة جديدة قال رحمه االله في ‏(الحجة البالغة)‏ (١/:(١٩٢/‏(كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع معظمة بزعمهم يزوروا ويتبركون اوفيه من التحريف والفساد ما لا يخفى فسد صلى االله عليه وسلم الفساد لئلا يلحقغير الشعائر بالشعائر ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير االله والحق عندي أن القبر ومحلعبادة ولي من الأولياء والطور كل ذلك سواء في النهي).‏‏(د):‏ ثم مسجد قباء وهو المراد من قوله تعالى:‏ ‏{لمسجد أسس على التقوى منأول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا واالله يحب المطهرين}‏ ‏[التوبة١٠٨] فإنه لما نزلت ‏(أتاهم عليه الصلاة والسلام في مسجد قباء فقال:‏ إن االلهتبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الطهورالذي تطهرون به؟ قالوا:‏ واالله يا رسول االله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران مناليهود وكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا ‏[قال:‏ وهو ذاكفعلكيم به])‏


١٩٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج الحديث من رواية عويم بن ساعدة ورواه بنحوه أبو أيوب الأنصاري وجابروأنس وما بين المربعين من حديثهم وإسناد الحديثين حسن وقد سبق تخريجهما فيالكلام على المسجد النبوي وأنه أسس على التقوى أيضا كما جاء عنه عليه الصلاةوالسلام وذكرنا هناك وجه الجمع بين حديثه صلى االله عليه وسلم في ذلك وبين هذهالآية الكريمة فلا داعي للإعادة.‏ وهي مع الحديث المذكور عقبها نص صريح في أنالمسجد المذكور فيها هو مسجد قباء فالقول بأنه مسجد المدينة خطأ(١٩٥ومما يدل على أنه المسجد الذي أسس على التقوى ما في البخاري (٧/في حديث هجرة النبي صلى االله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة:‏ ‏(فلبث رسول االلهصلى االله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذيأسس على التقوى وصلى فيه رسول االله صلى االله عليه وسلم)‏ قال الحافظ:‏‏(أي مسجد قباء وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب عن عروةقال:‏ الذين بني فيهم المسجد الذي أسس على التقوى هم بنوا عمرو بن عوف.‏وكذا في حديث ابن عباس عند ابن عائذ ولفظه:‏ ‏(ومكث في بني عمرو بن عوفثلاث ليال واتخذ مكانه مسجدا فكان يصلي فيه ثم بناه بنو عمرو بن عوف فهوالذي أسس على التقوى).‏ فهذه الأخبار تدل على أنه كان معروفا عندهم بأنهالمسجد الذي أسس على التقوى)‏ثم قال الحافظ:‏-‏(وروى يونس بن بكير في زيادات المغازي عن المعسودي عن الحكم بن عتيبةقال:‏ ‏(لما قدم النبي صلى االله عليه وسلم فترل بقباء قال عمار بن ياسر:‏ ما لرسول االلهبد من أن يجعل له مكانا يستظل به إذا استيقظ ويصلي فيه فجمع حجارة فبنىمسجد قباء فهو أول مسجد بني يعني بالمدينة -) وهو في التحقيق أول مسجدصلى النبي صلى االله عليه وسلم فيه بأصحابه جماعة ظاهرا وأول مسجد بني لجماعةالمسلمين عامة وإن كان قد تقدم بناء غير من المساجد لكن لخصوص الذي بناهاكما تقدم في حديث عائشة في بناء أبي بكر مسجده)‏


١٩٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وقد جاء حديث في قصة بنائه صلى االله عليه وسلم لمسجد قباء فيه غرابة رواهالطبراني في ‏(الكبير)‏ عن الشموس بنت النعمان قالت:‏ ‏(نظرت إلى رسول االله صلىاالله عليه وسلم حين قدم ونزل وأسس هذا المسجد مسجد قباء فرأيته يأخذ الحجر أوالصخرة حتى يهصره ‏(يميله)‏ الحجر وأنظر إلى بياض التراب على بطنه أو سرته فيأتيالرجل من أصحابه ويقول:‏ بأبي وأمي يا رسول االله أعطني أكفك فيقول:‏ لا خذمثله.‏ حتى أسسه ويقول:‏ إن جبريل عليه السلام هو يؤم الكعبة قال:‏ فكان يقال:‏ إنهأقوم مسجد قبلة).‏ قال الهيثمي (٤/ ١١): ‏(ورجاله ثقات)‏وما أعتقد أنه يصح فإنه من طريق عاصم بن سويد عن عبيد بن وديعة عنهارواه ابن أبي عاصم والزبير بن بكار من طريقين عن عاصم مختصرا ومطولاوكذلك أخرجه الحسن بن سفيان وابن منده من طريق سلمة بن عاصم ابنسويد.‏ لكن خالف في شيخ عاصم فقال:‏ عن أبيه عن الشموس به مطولا.‏ وقد ساقلفظه الحافظ في ‏(الإصابة)‏ (٤/ ٣٤٣) فإن عاصما هذا هو ابن سويد بن يزيد بنجارية الأنصاري إمام مسجد قباء قال ابن معين:‏‏(لا أعرفه).‏ وقال ابن عدي:‏‏(قليل الرواية جدا).‏ قال الذهبي:‏‏(وساق له حديثا منكرا وقال أبو حاتم:‏ روى حديثين منكرين).‏ وفي‏(التقريب):‏‏(مقبول)‏وأما والده سويد على الرواية الأخيرة فلم أجد له ترجمة وكذلك عبيد ابنوديعة أو عتبة كما وقع في ‏(الإصابة)‏ في موضعين:‏ عبيد وفي آخر:‏ عتبة فإني لمأعرفه.‏ واالله أعلم


١٩٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -‏(وللصلاة فيه أجر عظيم فقد قال صلى االله عليه وسلم:‏ ‏(من خرج حتى يأتيهذا المسجد يعني مسجد قباء ‏(وفي لفظ:‏ من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء)‏فيصلي فيه كان كعدل عمرة ‏(وفي اللفظ الآخر:‏ كان له كأجر عمرة)‏الحديث من رواية محمد بن سليمان الكرماني قال:‏ سمعت أبا أمامة بن سهل بنحنيف يقول:‏ قال أبي:‏ قال رسول االله صلى االله عليه وسلم.‏ . . فذكرهأخرجه النسائي (١/طريق مجمع بن يعقوب الأنصاري عنه وأخرجه ابن ماجه (١/ ٤٣١) من طريقحاتم بن إسماعيل وعيسى بن يونس قالا:‏ ثنا محمد بن سليمان الكرماني به باللفظالآخر- ١١٣ (١١٤ والحاكم /٢) (١٢ وأحمد /٣) (٤٨٧ منوأخرجه أحمد أيضا عن حاتم.‏ ثم قال الحاكم:‏‏(صحيح الإسناد).‏ ووافقه الذهبيوهو كما قالا فإن رجاله عند ابن ماجه وأحمد ثقات رجال الشيخين غير محمدبن سليمان الكرماني وهو وإن لم ينقلوا توثيقه إلا عن ابن حبان فقد روى عنه جمعمن الثقات كما ترى ثم إن الظاهر أنه لم يتفرد به فقد قال المنذري (٢/ ١٣٩):‏(ورواه البيهقي وقال:‏ رواه يوسف بن طهمان عن أبي أمامة بن سهل عن أبيهعن النبي صلى االله عليه وسلم بمعناه وزاد:‏ ‏(ومن خرج على طهر لا يريد إلامسجدي هذا.‏ يريد مسجد المدينة ليصلي فيه كانت بمترلة حجة).‏ قال المنذري:‏‏(انفرد ذه الزيارة يوسف بن طهمان وهو واه واالله أعلم)‏قلت:‏ وكذلك قال الذهبي في يوسف بن طهمان أنه واه ثم ساق حديثه هذا منطريق زيد بن الحباب عن موسى بن عبيدة:‏ ثني يوسف بن طهمان مولى لآل معاويةعن أبي أمامة به مرفوعا بلفظ:‏ من توضأ في مترله ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه أربعركعات كان كعدل عمرة.‏ ويروى نحوه بإسناد صالح)‏


٢٠٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج يشير إلى رواية محمد بن سليمان الكرماني وقد أورده الهيثمي في ‏(امع)‏ (٤/١١) باللفظ الأخير إلا أنه قال:‏ ‏(كعدل رقبة)‏ بدل:‏ ‏(عمرة).‏ ثم قال الهيثمي:‏‏(رواه الطبراني في ‏(الكبير)‏ وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف)‏قلت:‏ والظاهر أنه ممن رواه من طريق ابن طهمان كما ذكره الذهبي لكن لميذكر هو ولا الهيثمي تلك الزيادة التي أوردها المنذري عن البيهقي فلعلها رواية عنابن طهمان.‏ واالله أعلمثم إن للحديث شاهدا من حديث أسيد بن ظهير الأنصاري مرفوعا بلفظ:‏‏(صلاة في مسجد قباء كعمرة)‏(٤٨٧-١٤٥أخرجه الترمذي (٢/ ١٤٦) وابن ماجه والحاكم (١/ منطريق عبد الحميد بن جعفر قال:‏ ثنا أبو الأبرد مولى بني خطمة عنه.‏ وقال الترمذي:‏‏(حديث حسن غريب ولا نعرف لأسيد بن ظهير شيئا يصح غير هذا الحديث)‏وقال الحاكم:‏‏(صحيح الإسناد إلا أن أبا الأبرد مجهول).‏ وكذا قال الذهبي.‏ وقال في ‏(الميزان):‏‏(ما روى عنه سوى عبد الحميد بن جعفر).‏ وفي ‏(التقريب)‏ أنه:‏‏(مقبول)‏وقد اختلف في اسمه فقيل:‏ زياد وقيل:‏ موسى بن سليم.‏ واالله أعلموله شاهد آخر من حديث كعب بن عجرة.‏ قال الهيثمي:‏‏(الكبير)‏ وفيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو ضعيف)‏‏(رواه الطبراني فيثم أخرج الحاكم (٢/ ١٢) من طريق هاشم بن هاشم قال:‏ سمعت عامر ابنسعد وعائشة بنت سعد يقولان:‏ سمعنا سعدا يقول:‏


٢٠١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج لأن أصلي في مسجد قباء أحب إلي من أصلي في مسجد بيت المقدس.‏ وقال:‏١٣٩). وهو‏(صحيح على شرط الشيخين).‏ ووافقه الذهبي وأقره المنذري (٢/كما قالواوأورده الحافظ في ‏(الفتح)‏ (٣/ ٥٣) بزيادة:‏ ‏(ركعتين)‏ بعد قباء وفي آخره:‏‏(مرتين لو يعلمون ما في قباء لضربوا إليه أكباد الإبل).‏ وقال:‏‏(رواه عمر بن شبة في ‏(أخبار المدينة)‏ بإسناد صحيح)‏قلت:‏ وهو حديث موقوف ولو كان مرفوعا لأفاد تفضيل مسجد قباء علىبيت المقدس وقد قال الحافظ إنه:‏‏(لم يثبت في الصلاة فيه تضعيف بخلاف المساجد الثلاثة)‏قلت:‏ من أجل ذلك جعلناه رابع المساجد الأربعة.‏ وقال شيخ الإسلام في‏(مجموعة الرسائل الكبرى)‏ (٢/ ٥٤):‏(والمسجد الحرام أفضل المساجد ويليه مسجد النبي صلى االله عليه وسلم ويليهالمسجد الأقصى)‏ قال:‏ ‏(والذي عليه جمهور العلماء أن الصلاة في المسجد الحرامأفضل منها في مسجد النبي صلى االله عليه وسلم)‏‏(ولذلك ‏(كان صلى االله عليه وسلم يأتي قباء ‏[كل سبت]‏ راكبا وماشيا‏[فيصلي فيه ركعتين])‏الحديث من رواية عبد االله بن عمر رضي االله عنه وله عنه ثلاثة طرق:‏١ عن نافع عنه -


٢٠٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج أخرجه البخاري (٣/٣١٩) والطيالسي ‏(ص رقمو ١٥٥) من طرق عنه.‏ والزيادة الثانية للشيخين(٥٣ ومسلم /٤) (١٢٧ ومالك /١)(١٨٣٩ ٢٥٢ وأحمد /٢) ٥٧ ٤/١)و ١٠١١٨١) وأبو داودو و و٦٥٥٨-٢ عن عبد االله بن دينار عنه٧٢٦٥٥٨(١١٣ وأحمد /٢)عند الشيخين والنسائي (١/١٠٨) من طرق أيضا عنه.‏ والزيادة الأولى للشيخين أيضاو و و و٣٠وأخرجه الحاكم (١/ ٤٨٧) من هذا الوجه بلفظ:‏‏(كان يكثر الاختلاف إلى قباء ماشيا وراكبا).‏ وقال:‏‏(صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ذا اللفظ)‏- ٣رواه ابن إسحاق:‏ ثني أبي إسحاق بن يسار عن عبد االله بن قيس بن مخرمةقال:‏ أقبلت من مسجد بني عمرو بن عوف بقباء على بغلة لي قد صليت فيه فلقيتعبد االله بن عمر ماشيا فلما رأيته نزلت عن بغلتي ثم قلت:‏ اركب أي عم.‏ قال:‏ أيابن أخي لو أردت أن أركب الدواب لوجدا ولكني رأيت رسول االله صلى االله عليهوسلم يمشي إلى هذا المسجد حتى يصلي فيه فأنا أحب أن أمشي إليه كما رأيتهيمشي.‏ قال:‏ فأبى أن يركب ومضى على وجهه)‏أخرجه أحمد (٢/ ١١٩)وإسناده حسنوروى ابن حبان في ‏(صحيحه)‏ كما في ‏(الترغيب)‏ (٢/ ١٣٩) عن ابن عمرأيضا أنه شهد جنازة بالأوساط في دار سعد بن عبادة فأقبل ماشيا إلى بني عمرو بنعوف بفناء الحارث بن الخزرج فقيل له:‏ أين تؤم يا أبا عبد الرحمن؟ قال:‏ أؤم هذا


٢٠٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -المسجد في بني عمرو بن عوف فإني سمعت رسول االله صلى االله عليه وسلم يقول:‏من صلى فيه كان كعدل عمرة).‏ قال الحافظ:‏-‏(وفي هذا الحديث على اختلاف طرقه دلالة على جواز تخصيص بعضالأيام ببعض الأعمال الصالحة والمداومة على ذلك وفيه أن النهي عن شد الرحال لغيرالمساجد الثلاثة ليس على التحريم لكون النبي صلى االله عليه وسلم كان يأتي مسجدقباء راكبا وتعقب بأن مجيئه صلى االله عليه وسلم إلى قباء إنما كان لمواصلة الأنصاروتفقد حالهم وحال من تأخر منهم عن حضور الجمعة معه وهذا هو السر فيتخصيص ذلك بالسبت)‏قلت:‏ فعلى هذا فذهابه عليه الصلاة والسلام يوم السبت لم يكن مقصودابالذات بل مراعاة لمصلحة التفقد المذكور وعليه فالأيام كلها سواء في الفضيلة فيزيارة قباء لعدم وجود قصد التخصيص فما ذكره القاري في ‏(المرقاة)‏ (١/عن الطيبي أن:‏‏(الزيارة يوم السبت سنة)‏(٤٤٨(١)ليس كما ينبغي وكذلك الاستدلال بالحديث على جواز التخصيص المذكورليس بجيد أيضا إلا أن يكون المراد به التخصيص مراعاة للمصلحة لا ترجيحا ليوم(١)وأذكر أنني قرأت عن بعض العلماء أنه ذهب إلى أن المراد من قوله في الحديث:‏ ‏(كل سبت)‏ أي كلأسبوع وأنه ليس المراد يوم السبت نفسه وقد احتج لذلك من اللغة بما لا أستحضره ولا أذكر الآن في أيكتاب قرأت ذلك فمن وجده فليكتب فإذا صح ذلك فلا دلالة حينئذ في الحديث على التخصيص قط.‏ ثموقفت على من ذكر ذلك وهو الإمام أبو شامة الشافعي في كتابه ‏(الباعث على إنكار البدع والحوادث)‏ وقدذكر فيه ما يوافق ما ذهبنا إله من عدم جواز التخصيص وإليك كلامه في ذلك كله قال رحمه االله ‏(ص ٣٤):‏(ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصها ا الشرع بل يكون جميع أنواع البر مرسلة في جميع الأزمانليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضله الشرع وخصه بنوع من العبادة فإن كان ذلك اختص بتلكالفضيلة تلك العبادة دون غيرها كصوم يوم عرفة وعاشوراء والصلاة في جوف الليل والعمرة في رمضان


٢٠٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج على آخر بدون نص من النبي صلى االله عليه وسلم مثال ذلك تخصيص يوم للتدريسأو إلقاء محاضرة ليجتمع الناس لسماع ذلك فهذا لا مانع منه لأن اليوم ليس مقصودابالذات ولذلك ينتقل منه إلى غيره مرارا ملاحقة للمصلحة وهذا بخلاف تخصيصبعض الأيام ببعض العبادات بزعم أا فيها أفضل منها في غيرها كتخصيص ليلةالعيدين بالقيام والعبادة وتخصيص يومهما بالزيارة أعني زيارة القبور وتخصيصشهر ربيع الأول بقراءة قصة مولد الرسول عليه الصلاة والسلام فكل هذا وأمثالهبدع ومنكرات يجب نبذها والنهي عنها ولذلك لما استدل النووي في ‏(شرح مسلم)‏بالحديث على جواز التخصيص قال:‏--‏(وكره ابن مسلمة المالكي ذلك ولعله لم تبلغه هذه الأحاديث)‏قلت:‏ هذا بعيد والأقرب أا بلغته ولكنه لم يفهم منها ما ذهب إليه النوويوغيره وقد بينا ما هو الحق عندنا في المسألة.‏ واالله أعلمومن الأزمان ما جعله الشرع مفضلا فيه جميع أعمال البر كعشر ذي الحجة وليلة القدر التي هي خير منألف شهر أي العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر فمثل ذلك يكون أي عمل منأعمال البر حضل فيها كان له الفضل على نظيره في زمن آخر.‏ فالحاصل أن المكلف ليس له منصبالتخصيص بل ذلك إلى الشارع وهذه كانت صفة عبادة النبي صلى االله عليه وسلم)‏ثم ساق حديث ‏(الصحيحين)‏ عن عائشة أا قالت:‏ كان رسول االله صلى االله عليه وسلم يصوم حتى نقول:‏لا يفطر ويفطر حتى نقول:‏ لا يصوم.‏ وحديث علقمة قال:‏ قلت لعائشة رضي االله عنها:‏ هل كان رسول االلهصلى االله عليه وسلم يخص من الأيام شيئا؟ قالت:‏ لا كان عمله ديمة.‏ ثم قال:‏‏(قال محمد بن سلمة:‏ ولا يؤتى شيء من المساجد يعتقد فيه الفضل بعد المساجد الثلاثة إلا مسجد قباء قال:‏وكره أن يعد له يوما بعينه فيؤتى فيه خوفا من البدعة وأن يطول بالناس زمان فيجعل ذلك عيدا يعتمد أوفريضة تؤخذ ولا بأس أن يؤتى كل حين ما لم تجئ فيه بدعة.‏ قلت:‏ وقد صح أن النبي صلى االله عليه وسلمكان يأتي قباء كل سبت.‏ ولكن معنى هذا انه كان يزوره في كل أسبوع وعبر بالسبت عن الأسبوع كما يعبرعنه بالجمعة ونظيره ما في ‏(الصحيحين)‏ من حديث أنس بن مالك رضي االله عنه في استسقاء النبي صلى االلهعليه وسلم يوم الجعة قال فيه:‏ فلا واالله ما رأينا الشمس سبتا.‏ واالله أعلم)‏


٢٠٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(فائدة):‏ قال شيخ الإسلام في ‏(الفتاوى)‏ (٢/ ١٨٦):‏(ذكر بعض المتأخرين من العلماء أنه لا بأس بالسفر إلى المشاهد واحتجوا بأنالنبي صلى االله عليه وسلم كان يأتي قباء كل سبت راكبا وماشيا ولا حجة لهم فيهلأن قباء ليس مشهدا بل مسجد وهي منهي عن السفر إليها باتفاق الأئمة لأن ذلكليس بسفر مشروع بل لو سافر إلى قباء من دويرة أهله لم يجز ولكن لو سافر إلىالمسجد النبوي ثم ذهب منه إلى قباء فهذا يستحب كما يستحب زيارة قبور أهلالبقيع وشهداء أحد)‏قلت:‏ ولهذا قلنا:‏‏(ولكن لا يجوز أن يشد الرحل إليه للحديث السابق)‏وهو قوله عليه الصلاة والسلام:‏ ‏(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.‏ . .الحديث)‏ وليس هذا منهاتلك هي المساجد الأربعة التي جاء النص بتفضيلها على غيرها من المساجد فأماهذه فإا سواء في الفضل وإن كان الأقدم منها أفضل لكوا أبعد عن أن تكونبنيت للإضرار والفخر والمباهاة كما سبقت الإشارة إلى ذلك.‏ وأما ما نقله ابنعابدين في ‏(الحاشية)‏ (١/ ١٤) عن كتاب ‏(أخبار الدول)‏ بالسند إلى سفيان الثوريأن:‏‏(الصلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة).‏فهو مع كونه موقوفا على سفيان الثوري فإنه لا يصح عنه وهو منكر وقد رواهابن عساكر في ‏(تاريخه)‏ من طريق أحمد بن أنس بن مالك:‏ أنبأنا حبيب المؤذن:‏ أنبأناأبو زياد الشعباني أو أبو أمية الشعباني قال:‏ كنا بمكة فإذا رجل في ظل الكعبة وإذاهو سفيان الثوري فقال رجل:‏ يا أبا عبد االله ما تقول في الصلاة في هذه البلدة؟ قال:‏بمائة ألف صلاة.‏ قال:‏ ففي مسجد رسول االله صلى االله عليه وسلم؟ قال:‏ بخمسين


٢٠٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ألف صلاة.‏ قال:‏ ففي بيت المقدس؟ قال:‏ بأربعين ألف صلاة.‏ قال:‏ ففي مسجددمشق؟ قال:‏ بثلاثين ألف صلاةثم رواه ابن عساكر من طريق أخرى عن أحمد بن أنس فقال فيه:‏‏(عن أبي زياد وأبي أمية بغير شك)‏وأيا ما كان فهذا سند ضعيف مجهول:‏ أبو زياد الشعباني الظاهر أنه خيار بنسلمة أبو زياد الشامي قال الحافظ في ‏(التقريب):‏‏(مقبول من الثالثة)‏--وأما قرينه أبو أمية الشعباني فهو يحمد بضم التحتانية وسكون المهملة وكسرالميم وقيل:‏ بفتح أوله والميم وقيل:‏ اسمه عبد االله قال الحافظ:‏‏(مقبول من الثانية)‏وأما أحمد بن أنس بن مالك وحبيب المؤذن فلم أجد من ترجمهما غير هذاالأخير فأورده ابن عساكر فترجمه بقوله:‏‏(كان يؤذن في مسجد سوق الأحد)‏ولم يزد على ذلك ثم إن سفيان الثوري رحمه االله هوهريرة المتقدم رقم (٦) بلفظ:‏ممن روى حديث أبي‏(صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد.‏ .(.فيبعد أن يصح عنه من قوله ما يخالف ما رواه هو نفسه عن النبي صلى االله عليهوسلم فيغلب على الظن أن هذه الرواية مدسوسة عليه لمخالفتها للأحاديث الصحيحةنعم روي عن أنس مرفوعا بلفظ:‏


٢٠٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -‏(صلاة الرجل في بيته بصلاة وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاةوصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة وصلاته في المسجد الأقصىبخمسين ألف صلاة وصلاته في مسجدي بخمسين ألف صلاة وصلاته في المسجدالحرام بمائة ألف صلاة)‏٤٣١أخرجه ابن ماجه (١/ ٤٣٢) من طريق أبي الخطاب الدمشقي:‏ ثنازريق أبو عبد االله الألهاني عنه.‏ قال في ‏(الزوائد):‏‏(إسناده ضعيف لأن أبا الخطاب الدمشقي لا يعرف حاله وزريق فيه مقالحكي عن أبي زرعة أنه قال:‏ لا بأس به وذكره ابن حبان في ‏(الثقات)‏ وفي ‏(الضعفاء)‏وقال:‏ ينفرد بالأشياء لا يشبه حديث الأثبات لا يجوز الاحتجاج به إلا عند الوفاق)‏وقال الحافظ في ‏(التقريب)‏ إنه:‏‏(صدوق له أوهام)‏قلت:‏ وهذا الحديث من أوهامه إن كان أبو الخطاب قد حفظه منه وإلا فأبوالخطاب لا يعرف كما سبق وقال الحافظ:‏‏(إنه مجهول).‏ وقال الذهبي في ‏(الميزان):‏‏(ليس بالمشهور)‏ ثم ساق له هذا الحديث ثم قال:‏‏(هذا منكر جدا)‏ونعم ما قالوقد أخرج الحديث ابن عساكر أيضا في ترجمة مسجد دمشق من طرق عن أبيالخطاب به


٢٠٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ومن هذا القبيل ما أخرجه ابن عساكر أيضا من طريق هشام بن عمار:‏ أنبأناالحسن بن يحيى الخشني:‏ ‏(أن النبي صلى االله عليه وسلم ليلة أسري به صلى في موضعمسجد دمشق).‏ وقال:‏‏(هذا منقطع)‏قلت:‏ بل هو معضل فإن بين النبي صلى االله عليه وسلم وبين الخشني هذا مفاوزوقد قال فيه الحافظ في ‏(التقريب):‏‏(صدوق كثير الغلط من الثانية مات بعد التسعين.‏ يعني:‏ والمائة)‏الذهبي في ‏(الميزان)‏ منكرات منها ما رواه بسنده عن أنس مرفوعا:‏وقد ساق له‏(ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين يوما حتى يرد االله إليه روحه)‏ ثم قال:‏‏(مررت بموسى ليلة أسري بي وهو قائم يصلي بين عالية وعويلية)‏رواه ابن حبان وساق إسناده إليه وقال:‏‏(وهذا باطل موضوع)‏وأخرجه ابن الجوزي في ‏(الموضوعات)‏وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه االله عن ‏(رجلين اختلفا في الصلاة فيجامع بني أمية:‏ هل هي بتسعين صلاة كما زعموا أم لا؟ وقد ذكروا أن فيه ثلاثمائةنبي مدفون فهل ذلك صحيح أم لا؟ وقد ذكروا أن النائم بالشام كالقائم بالليلبالعراق وذكروا أن الصائم المتطوع في العراق كالمفطر بالشام وذكروا أن االله خلقالبركة إحدى وسبعين جزءا منها جزء واحد بالعراق وسبعون بالشام فهل ذلكصحيح أم لا؟)‏فأجاب:‏


٢٠٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏(الحمد الله لم يرد في جامع دمشق حديث عن النبي صلى االله عليه وسلمبتضعيف الصلاة فيه ولكن هو من أكثر المساجد ذكرا الله تعالى ولم يثبت أن فيه عددالأنبياء المذكورين وأما القائم بالشام أو غيره فالأعمال بالنيات فإن المقيم فيه بنيةصالحة فإنه يثاب على ذلك وكل مكان يكون فيه العبد أطوع الله فمقامه أفضل وقدجاء في فضل الشام وأهله أحاديث صحيحة ودل القرآن على أن البركة في أربعةمواضع ولا ريب أن ظهور الإسلام وأعوانه فيه بالقلب واليد واللسان أقوى منه فيغيره وفيه من ظهور الإيمان وقمع الكفر والنفاق ما لا يوجد في غيره.‏ وأما ما ذكرمن حديث الفطر والصيام وأن البركة إحدى وسبعون جزءا بالشام والعراق على ماذكر فهذا لم نسمعه عن أحد من أهل العلم.‏ واالله أعلم).‏ ‏(الفتاوى)‏ (١/ ٣١١)قلت:‏ ولو ثبت أن فيه الأنبياء المذكورين فهو غير مستلزم لفضيلة قصد الصلاةفيه كما يتوهم بعض الناس بل هو منهي عنه أشد النهي لأنه من اتخاذ القبور مساجدوقد ينا عن ذلك كما سبق ولذلك قال شيخ الإسلام أيضا رحمه االله في ‏(الفتاوى)‏:(٣١٠ /٤)‏(وما يفعله بعض الناس من تحري الصلاة والدعاء عند ما يقال:‏ إنه قبر نبي أوقبر أحد من الصحابة والقرابة أو ما يقرب من ذلك أو إلصاق بدنه أو شيء من بدنهبالقبر أو بما يجاور القبر من عود وغيره كمن يتحرى الصلاة والدعاء في قبلي شرقيجامع دمشق عند الموضع الذي يقال:‏ إنه قبر هود والذي عليه العلماء أنه قبرمعاوية بن أبي سفيان أو عند المثال الخشب الذي يقال:‏ تحته رأس يحيى بن زكرياونحو ذلك فهو مخطئ مبتدع مخالف للسنة فإن الصلاة والدعاء ذه الأمكنة ليس لهمزية عند أحد من سلف الأمة وأئمتها ولا كانوا يفعلون ذلك بل كانوا ينهون عنمثل ذلك كما اهم النبي صلى االله عليه وسلم عن أسباب ذلك ودواعيه وإن لميقصدوا دعاء القبر والدعاء به فكيف إذا قصدوا ذلك؟)‏ ثم قال:‏--‏(وأما الدعاء لأجل كون المكان فيه قبر نبي أو ولي فلم يقل أحد من سلف الأمةوأئمتها إن الدعاء فيه أفضل من غيره ولكن هذا مما ابتدعه بعض أهل القبلة مضاهاةللنصارى وغيرهم من المشركين فأصله من دين المشركين لا من دين عباد االله


٢١٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج المخلصين كاتخاذ القبور مساجد فإن هذا لم يستحبه أحد من سلف الأمة وأئمتهاولكن ابتدعه بعض أهل القبلة مضاهاة لمن لعنهم رسول االله صلى االله عليه وسلم مناليهود والنصارى)‏ .


٢١١ مدخلابنالحاج-١٤-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم قال ابن الحاج:‏--‏[وق َد ق َال َ ال ْإ ِمام ال ْجليل ُ أ َبو حامد ال ْغزالي رحمه الل َّه تعال َى في كتاب ِآداب ِ السف َر ِ من كتاب ِ ال ْإ ِحياءِ‏ ل َه ما هذ َا نصه‏:‏ ال ْقسم الث َّان ِي:‏ وهو أ َن ْ يسافرلأ َجل ِ ال ْعبادة إما لج ِهاد‏،‏ أ َو حج إل َى أ َن ْ ق َال َ:‏ ويدخل ُ في جمل َته ز ِيارة ُ ق ُبور ِال ْأ َنب ِياءِ‏ وق ُبور ِ الصحابة‏،‏ والتاب ِعين وسائر ِ ال ْعل َماءِ،‏ وال ْأ َولياءِ،‏ وك ُل ُّ من يتبركب ِمشاهدته في حياته يتبرك ب ِز ِيارته بعد وف َاته ويجوز شد الرحال ِ لهذ َا ال ْغرض ِ،‏ ول َايمنع من هذ َا ق َول ُه - صل َّى الل َّه عل َيه وسل َّم ‏«ل َا تشد الرحال ُ إل َّا لث َل َاث مساج ِدال ْمسج ِد ال ْحرام ِ ومسج ِدي،‏ وال ْمسج ِد ال ْأ َق ْصى»‏.[-:الرد لا يجوز شد الرحال لزيارة القبور حيث قد ى الشارع صلوات االلهعليه وسلامه عن ذلك.‏قال شيخ الإسلام قال:‏ ورخص بعض المتأخرين في السفر لزيارة القبور كماذكر أبو حامد في ‏"الإحياء"‏ وأبو الحسن بن عبدوس وأبو محمد المقدسي.‏ وقد روىحديثا ً رواه الطبراني من حديث ابن عمر قال:‏ قال رسول االله صلى االله عليه وسلم:‏‏"من جاءني زائرا ً لا تترعه إلا زيارتي كان حقا ً علي أن أكون له شفيعا ً يوم القيامة"‏لكنه من حديث عبد االله بن عبد االله بن عمر العمري وهو مضعف ولهذا لم يحتجذا الحديث أحد من السلف والأئمة.‏(١)وبمثله لا يجوز إثبات حكم شرعي باتفاق علماء المسلمين واالله أعلم.‏(١)مجموع الفتاوى ٢٧/٢٧


٢١٢ مدخلابنالحاج-١٥-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف-قال ابن الحاج الجزء الأولى ص‎٢٥٧‎‏:‏‏[وأ َما عظيم جناب ِ ال ْأ َنب ِياءِ،‏ والرسل ِ - صل َوات الل َّه وسل َامه عل َيه ِم أجمعينف َيأ ْتي إل َيه ِم الزائر ويتعين عل َيه ق َصدهم من ال ْأ َماكن ِ ال ْبعيدة.[الرد .(١):اتفق العلماء على أن من زار قبر النبي صلى االله عليه وسلم أو قبر غيره منالأنبياء والصالحين الصحابة وأهل البيت وغيرهم على ألا يتمسح به،‏ ولا يقبله،‏ بلليس في الدين ما شرع تقبيله إلا الحجر الأسود.‏ وقد ثبت في الصحيحين:‏ أن عمربن الخط ّاب رضي االله عنه قال:‏ ‏"واالله،‏ إنى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع،‏ ولولاأنى رأيت الرسول يق َبلك ما ق َبلتك "ولهذا لا يسن باتفاق الأئمة أن يقبل الرجل أو يستلم ركنى البيت اللذين يليانالحجر ولا جدران البيت،‏ ولا مقام إبراهيم،‏ ولا صخرة بيت المقدس،‏ ولا قبر أحدمن الأنبياء والصالحين،‏ حتى تنازع الفقهاء في وضع اليد على منبر النبي صلى االله عليهوسلم لما كان موجودا ً،‏ فكرهه مالك رحمه االله وغيره؛ لأنه بدعة،‏ وذكر أن مالكا لمارأى عطاء فعل ذلك لم يأخذ عنه العلم،‏ ورخص فيه أحمد وغيره؛ لأن ابن عمرفعله.‏ وأما التمسح بقبر النبي صلى االله عليه وسلم وتقبيله فكلهم كره ذلك وىعنه؛ وذلك أم علموا ما قصده النبي صلى االله عليه وسلم من حسم مادة الشرك،‏وتحقيق التوحيد وإخلاص الدين الله رب العالمين.‏(١)أخرجه البخاري (٣//٤٧١‎١٦٠٥‎‏)؛ أن عمر بن الخطاب رضي االله عنه قال للركن ... فذكره،‏ وزادفي آخره:‏ ‏[فاستلمه،‏ ثم قال:‏ ما لنا وللرمل؛ إنما ك ُنا راءينا به المشركين،‏ وقد أهلكهم االله.‏ ثم قال:‏ شيءٌ‏صنعه النبي - صل َّى االلهُ‏ عل َيه وسل َّم-فلا نحب أن نتركه].‏


٢١٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج .(٣)وهذا مما يظهر منه الفرق بين سؤال النبي صلى االله عليه وسلم والرجل الصالحفي حياته،‏ وبين سؤاله بعد موته وفي مغيبه؛ وذلك أنه في حياته لا يعبده أحد إذا كانفي حضوره،‏ فإن الأنبياء صلوات االله وسلامه عليهم والصالحين لا يتركون أحدا ًيتبرك م بحضورهم،‏ بل ينهوم عن ذلك،‏ ويعاقبوم عليه،‏ ولهذا قال المسيح عليهالسلام:‏ ‏{ما ق ُل ْت ل َهم إ ِلا َّ ما أ َمرتن ِي ب ِه أ َن اعبدوا ْ االلهَ‏ ربي وربك ُم وك ُنت عل َيه ِمشه ِيدا ما دمت فيه ِم ف َل َما توف َّيتن ِي ك ُنت أ َنت الرقيب عل َيه ِم وأ َنت عل َى ك ُل ِّ شيءٍ‏شه ِيد‏}‏ ‏[المائدة:‏ ١١٧] .وقال النبي صلى االله عليه وسلم لمن قال:‏ ‏"ما شاء االله وشئت":‏ " أجعلتنى اللهندا ً؟ ! ما شاء االله وحده "، وقال:‏ " لا تقولوا:‏ ما شاء االله وشاء محمد،‏ ولكن قولوا:‏(١)ما شاء االله ثم شاء محمد ".ولما قالت الجويرية:‏ ‏"وفينا رسول االله يعلم ما في غ َد‏.‏ قال:‏ " دعى هذا،‏ وقولى(٢)ما كنت تقولين ".وقال:‏ " لا تطرونى كما أطرت النصارى ابن مريم،‏ فإنما أنا عبد،‏ فقولوا:‏ عبداالله ورسوله "(١)رواه أحمد (١/ ،٢١٤ (٣٤٧ ،٢٨٣ ،٢٢٤ ، وابن ماجه (٢١١٧) ، والنسائي ‏(في الكبرى)‏ ،والطحاوي ١) (٩٠ / ، وأبو نعيم ٤) /العراقي:‏ رواه النسائي في الكبرى وابن ماجه بإسناد حسن،‏ اه.‏ ‏(إتحاف٩٩) ، ورواه أيضا البخاري في الأدب (٧٨٣) ، قال الحافظ/ ٧(٢)٥٧٤) وقد جاء الحديث عنطرق عن الأجلح عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس إلا أن ابن عساكر قال:‏ " الأعمش " بدل " الأجلح "،والأجلح هذا هو ابن عبد االله أبو حجية الكتري،‏ وهو صدوق شيعي كما في التقريب،‏ وبقية رجاله ثقات،‏رجال الشيخين،‏ فالإسناد حسن وله شواهد تصححه.‏رواه البخاري (٤٠٠١و‎٥١٤٧‎‏)‏ .أخرجه البخاري (٣٤٤٥) (٦٨٣٠) ومسلم (١٦٩١) .(٣)


٢١٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (١)"ولما صفوا خلفه قياما،‏ قال:‏ " لا تعظمونى كما تعظم الأعاجم بعضهم بعضا، قال أنس:‏ ‏"لم يكن شخص أحب إليهم من رسول االله صلى االله عليه وسلم،‏وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له؛ لما يعلمون من كراهته لذلك.‏ولما سجد له معاذ اه،‏ وقال:‏ " إنه لا يصلح السجود إلا الله،‏ ولو كنت آمرا ًأحدا ً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها،‏ من عظم حقه عليها ".(٢)ولما أتى علي بالزنادقة الذين غلوا فيه واعتقدوا فيه الإلهية أمر بتحريقهم بالنار.‏فهذا شأن أنبياء االله تعالى وأوليائه،‏ وإنما يقر على الغلو فيه وتعظيمه بغير حقمن يريد علوا ً في الأرض وفسادا ً،‏ كفرعون ونحوه،‏ ومشائخ الضلالة الذين غرضهمالعلو في الأرض والفساد،‏ والفتنة بالأنبياء والصالحين،‏ واتخاذهم أربابا ً،‏ والإشراك مإنما يحصل في مغيبهم وممام،‏ كما أشرك النصارى واليهود بالمسيح وعزير.‏فهذا مما يبين الفرق بين السؤال للنبي والصالح في حياته وبحضوره،‏ وبين سؤالهفي مماته ومغيبه،‏ ولهذا لم يكن أحد من سلف الأمة في عصر الصحابة ولا التابعين ولاتابعى التابعين يتحرون الصلاة والدعاء عند قبور الأنبياء والصالحين ويسألوم،‏ ولا(٣)يستغيثون م،‏ لا في مغيبهم،‏ ولا عند قبورهم،‏ وكذلك العكوف.‏(١)(٢)أخرجه مسلم (٤١٣)أخرجه أحمد (٣٨١/٤) وابن ماجه (١٨٥٣) وغيرهما،‏ وهو حديث صحيح؛ انظر ‏"الصحيحة"‏. (١٢٠٣)(٣)مجموع الفتاوى ٨١/٢٧


٢١٥ مدخلابنالحاج-١٦-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم قال ابن الحاج:‏‏[ف َإ ِذ َا جاءَ‏ إل َيه ِم ف َل ْيتصف ب ِالذ ُّل ِّ،‏ والانكسار ِ،‏ وال ْمسك َنة‏،‏ وال ْف َق ْر ِ،‏ وال ْف َاق َة‏،‏وال ْحاجة‏،‏ والاضطرار ِ،‏ وال ْخضوع ِ ويحضر ق َل ْبه وخاطره إل َيه ِم ].:الرد كل ما ذكره هو من مظاهر العبودية التي لا تصلح إلا الله عز وجلف َمن أشرك بين االله تعالى وبين غيره في شيء فليس بمسلم.‏،-١-٢فمنها:‏ المحبة،‏ فمن أشرك بين االله تعالى وبين غيره في المحبة التي لا تصلح إلاالله،‏ فهو مشرككما قال تعالى:‏ ‏{ومن الناس ِ من يتخذ ُ من دون الل َّه أ َندادا ً يحبونهم ك َحب الل َّه... { إلى قوله تعالى:‏ ‏{وما هم ب ِخار ِج ِين من النار ِ}.‏ومنها:‏ التوكل،‏ فلا يتوكل على غير االله فيما لا يقدر عليه إلا االله،‏ قال االلهتعالى:‏ ‏{وعل َى الل َّه ف َتوك َّل ُوا إ ِن ْ ك ُنتم مؤمن ِين‏}.‏ ‏{وعل َى الل َّه ف َل ْيتوك َّل ِ ال ْمؤمنون َ}.‏والتوكل على غير االله فيما يقدر عليه شرك أصغر.‏ومنها:‏ الخوف،‏ فلا يخاف خوف السر إلا من االله.‏ ومعنى خوف السر،‏ هوأن يخاف العبد من غير االله تعالى أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره،‏فهذا شرك أكبر،‏ لأنه اعتقاد للنفع والضر في غير االله.‏ قال االله تعالى:‏ ‏{ف َإ ِيايف َارهبون‏}.‏ وقال تعالى:‏ ‏{ف َلا تخشوا الناس واخشون‏}.‏ وقال تعالي:‏ ‏{وإ ِن ْيمسسك الل َّه ب ِضر ف َلا ك َاشف ل َه إ ِلا َّ هو وإ ِن ْ ير ِدك ب ِخير ٍ ف َلا راد لف َضله يصيب ب ِهمن يشاءُ‏ من عباده وهو ال ْغف ُور الرحيم‏}.‏


٢١٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -٣-٤-٥-٦-٧ومنها:‏ الرجاء فيما لا يقدر عليه إلا االله؛ كمن يدعو الأموات أوغيرهم راجيا حصول مطلوبه من جهتهم فهذا شرك أكبر.‏قال االله تعالى:‏ ‏{إ ِن َّ ال َّذين آمنوا وال َّذين هاجروا وجاهدوا في سب ِيل ِ الل َّه أ ُول َئكيرجون َ رحمت الل َّه‏}.‏ وقال علي رضي االله عنه:‏ ‏"لا يرجون ّ عبد إلا ربه".‏ومنها:‏ الصلاة والركوع والسجود.‏ قال االله تعالى:‏ ‏{ف َصل ِّ لربك وانحر‏}.‏وقال تعالى:‏ ‏{يا أ َيها ال َّذين آمنوا ارك َعوا واسجدوا واعبدوا ربك ُم ... }.ومنها:‏ الدعاء فيما لا يقدر عليه إلا االله،‏ سواء كان طلبا للشفاعة أو غيرهامن المطالب.‏قال االله تعالى:‏ ‏{وال َّذين تدعون َ من دون ِه ما يملك ُون َ من قط ْمير ٍ إ ِن ْ تدعوهم لايسمعوا دعاءَك ُم ول َو سمعوا ما استجابوا ل َك ُم ويوم ال ْقيامة يك ْف ُرون َ ب ِشركك ُم ولاينبئ ُك مث ْل ُ خب ِير ٍ}.‏وقال تعالى:‏ ‏{وق َال َ ربك ُم ادعون ِي أ َستج ِب ل َك ُم إ ِن َّ ال َّذين يستك ْب ِرون َ عنعبادتي سيدخل ُون َ جهنم داخر ِين‏}.‏ وقال تعالى:‏ ‏{ولا تدع من دون الل َّه ما لاينف َعك ولا يضرك ف َإ ِن ْ ف َعل ْت ف َإ ِنك إ ِذا ً من الظ َّالمين‏}.‏ وقال تعالى:‏ ‏{أ َم ِ اتخذ ُوا مندون الل َّه شف َعاءَ‏ ق ُل ْ أ َول َو ك َانوا لا يملك ُون َ شيئا ً ولا يعقل ُون َ ق ُل ْ لل َّه الشف َاعة ُ جميعا ً}.‏ومنها:‏ الذبح،‏ قال االله تعالى:‏ ‏{ق ُل ْ إ ِن َّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتيلل َّه رب ال ْعال َمين لا شر ِيك ل َه وب ِذ َلك أ ُمرت وأ َنا أ َول ُ ال ْمسلمين‏}.‏ والنسك:‏ الذبح.‏ومنها:‏ النذر،‏ قال االله تعالى:‏ ‏{ول ْيوف ُوا نذ ُورهم‏}.‏ وقال تعالى:‏ ‏{يوف ُون َب ِالنذ ْر ِ ويخاف ُون َ يوما ً ك َان َ شره مستطيرا ً}.‏ومنها:‏ الطواف،‏ فلا يطاف إلا ببيت االله.‏ قال االله تعالى:‏ ‏{ول ْيط َّوف ُوا ب ِال ْبيتال ْعتيق ِ}.‏


٢١٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -٨-٩ومنها:‏ التوبة،‏ فلا يتاب إلا الله.‏ قال االله تعالى:‏ ‏{ومن يغفر الذ ُّنوب إ ِلا َّالل َّه‏}.‏ وقال تعالى:‏ ‏{وتوبوا إ ِل َى الل َّه جميعا ً أ َيها ال ْمؤمنون َ ل َعل َّك ُم تف ْلحون َ}.‏ومنها:‏ الاستعاذة فيما لا يقدر عليه إلا االله.‏ قال االله تعالى:‏ ‏{ق ُل ْ أ َعوذ ُ ب ِربال ْف َل َق ِ}.‏ وقال تعالى:‏ ‏{ق ُل ْ أ َعوذ ُ ب ِرب الناس ِ}.‏-١٠ومنها:‏ الاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلا االله.‏ قال االله تعالى:‏ ‏{إ ِذ ْ تستغيث ُون َربك ُم ف َاستجاب ل َك ُم‏}.‏فمن أشرك بين االله تعالى وبين مخلوق فيما يختص بالخالق تعالى من هذهالعبادات أو غيرها ،‏ فهو مشرك.‏ وإنما ذكرنا هذه العبادات خاصة؛ لأن عبادالقبور صرفوها للأموات من دون االله تعالى،‏ أو أشركوا بين االله تعالى وبينهم فيها،‏وإلا فكل نوع من أنواع العبادة،‏ من صرفه لغير االله،‏ أو شرك بين االله تعالى وبينغيره فيه ،‏ فهو مشرك.‏ قال االله تعالى:‏ ‏{واعبدوا الل َّه ولا تشر ِك ُوا ب ِه شيئا ً}.‏


٢١٨ مدخلابنالحاج-١٧-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف،:"ثم قال:‏ ‏[ث ُم يتوسل ُ إل َى الل َّه تعال َى ب ِه ِم في ق َضاءِ‏ مآر ِب ِه ومغفرة ذ ُنوب ِهويستغيث ُ ب ِه ِم ويط ْل ُب حوائجه منهم ويجز ِم ب ِال ْإ ِجابة ب ِبرك َته ِم ويق َوي حسن ظ َنهفي ذ َلك ف َإ ِنهم باب الل َّه ال ْمف ْتوح ِ،‏ وجرت سنته سبحانه وتعال َى في ق َضاءِ‏ال ْحوائج ِ عل َى أ َيديه ِم وب ِسبب ِه ِم [ .الرد هذا هو عين الشرك الأكبر الذي لا يغفره االله سبحانه وتعالى إلا بالتوبةمنه قبل الممات ومن مات عليه فهو مخلد في جهنم.‏من أنواع الشرك الذي وقع فيه الكثير طلب الحوائج من الموتى،‏ والاستغاثة م،‏والتوجه إليهم،‏ وهذا أ َصل ُ شرك العالم،‏ فإن َّ الميت قد انقطع عمل ُه،‏ وهو لا يملكلنفسه نفعا ولا ضرا،‏ فضلا عمن استغاث به،‏ أو سأله أن يشفع له عند االله،‏ وهذامن جهله بالشافع والم َشف ُوع .ولكن يا حسرة على العباد يعملون على قبور المشايخ ومشاهدهم ما كان يعملهالم ُشر ِك ُون على مشاهد أوث َام.‏قال العلامة ابن قيم الجوزية رحمه االله:‏ومن أنواعه-‏ أي الشركإليهم.‏-طلب الحوائج من الموتى،‏ والاستغاثة م،‏ والتوجهوهذا أصل شرك العالم،‏ فإن الميت قد انقطع عمله،‏ وهو لا يملك لنفسه ضراولا نفعا،‏ فضلا عمن استغاث به وسأله قضاء حاجته،‏ أو سأله أن يشفع له إلى االلهفيها،‏ وهذا من جهله بالشافع والمشفوع له عنده،‏ كما تقدم،‏ فإنه لا يقدر أن يشفعله عند االله إلا بإذنه،‏ واالله لم يجعل استغاثته وسؤاله سببا لإذنه،‏ وإنما السبب لإذنهكمال التوحيد،‏ فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن،‏ وهو بمترلة من استعان في حاجة


٢١٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج بما يمنع حصولها،‏ وهذه حالة كل مشرك،‏ والميت محتاج إلى من يدعو له،‏ ويترحمعليه،‏ ويستغفر له،‏ كما أوصانا النبي صلى االله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أننترحم عليهم،‏ ونسأل لهم العافية والمغفرة،‏ فعكس المشركون هذا،‏ وزاروهم زيارةالعبادة،‏ واستقضاء الحوائج،‏ والاستغاثة م،‏ وجعلوا قبورهم أوثانا تعبد،‏ وسمواقصدها حجا،‏ واتخذوا عندها الوقفة وحلق الرأس،‏ فجمعوا بين الشرك بالمعبود الحق،‏وتغيير دينه،‏ ومعاداة أهل التوحيد،‏ ونسبة أهله إلى التنقص للأموات،‏ وهم قد تنقصواالخالق بالشرك،‏ وأولياءه الموحدين له،‏ الذين لم يشركوا به شيئا بذمهم وعيبهمومعادام،‏ وتنقصوا من أشركوا به غاية التنقص،‏ إذ ظنوا أم راضون منهم ذا،‏وأم أمروهم به،‏ وأم يوالوم عليه،‏ وهؤلاء هم أعداء الرسل والتوحيد في كلزمان ومكان،‏ وما أكثر المستجيبين لهم!‏والله خليله إبراهيم عليه السلام حيث يقول ‏{واجنبن ِي وبن ِي أ َن ْ نعبد ال ْأ َصنام -رب إ ِنهن أ َضل َل ْن ك َثيرا من الناس ِ}‏ ‏[إبراهيم:‏. [٣٦ - ٣٥وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من جرد توحيده الله،‏ وعادى المشركينفي االله،‏ وتقرب بمقتهم إلى االله،‏ واتخذ االله وحده وليه وإلهه ومعبوده،‏ فجرد حبه الله،‏وخوفه الله،‏ ورجاءه الله،‏ وذله الله،‏ وتوكله على االله،‏ واستعانته باالله،‏ والتجاءه إلى االله،‏واستغاثته باالله،‏ وأخلص قصده الله،‏ متبعا لأمره،‏ متطلبا لمرضاته،‏ إذا سأل سأل االله،‏وإذا استعان استعان باالله،‏ وإذا عمل عمل الله،‏ فهو الله،‏ وباالله،‏ ومع االله.‏(١)وباب االله المفتوح ليس هو الشرك بالأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين وإنماهو إخلاص العبودية للإله الحق سبحانه في قضاء المآرب ومغفرة الذنوب والاستغاثةوطلب الحوائج وغير ذلك من أنواع العبادة وهذا دينهم الذي دعوا إليه ودلوا أممهمعليه وقد حذروا غاية التحذير من هذا الذي قال ابن الحاج وأخبروا أن فاعله مخلد(١)مدارج السالكين ٣٥٣/١، و انظر " إغاثة اللهفان " ٢) (٢٣٢ / .


٢٢٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج في جهنم لا ينفعه عمل ولا تناله شفاعة وهذا معلوم بي ِّن في شرائعهم وأنه أعظم ما(١)حذ ّروا عنه وأنذروا أممهم.‏(١)السراج ص‎٣٢‎


٢٢١ مدخلابنالحاج-١٨-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم قال ابن الحاج في الد الأول ص‎٢٥٨‎‏:‏‏[ومن عجز عن ال ْوصول ِ إل َيه ِم ف َل ْيرسل ْ ب ِالسل َام ِ عل َيه ِم وذك ْر ِ ما يحتاج إل َيهمن حوائج ِه ومغفرة ذ ُنوب ِه وستر ِ عيوب ِه إل َى غ َير ِ ذ َلك‏،‏ ف َإ ِنهم السادة ُ ال ْكرام‏،‏وال ْكرام ل َا يردون َ من سأ َل َهم ول َا من توسل َ ب ِه ِم‏،‏ ول َا من ق َصدهم ول َا من ل َجأ َإل َيه ِم هذ َا ال ْك َل َام في ز ِيارة ال ْأ َنب ِياءِ،‏ وال ْمرسلين عل َيه ِم الصل َاة ُ والسل َامعموما].‏–--الرد:‏ أن هذا من جنس ما تقدم من الشرك مما يدل على أن قائله لا يعرفحقيقة دين الإسلام الذي بعث االله به رسله فهو يحسن الشرك ويدعو إليه..‏قال الشيخ صنع االله الحنفي-‏ في كتابه الذي ألفه في الرد على من ادعى أنللأولياء تصرفات في الحياة وبعد الممات،‏ على سبيل الكرامة-:‏ هذا وإنه قد ظهرالآن فيما بين المسلمين-‏ جماعات يدعون أن للأولياء تصرفا في حيام وبعدالممات،‏ ويستغاث م في الشدائد والبليات.‏وم تكشف المهمات.‏ فيأتون قبورهم وينادوم في قضاء الحاجات؛ مستدلينعلى أن ذلك منهم كرامات.‏وقالوا:‏ منهم أبدال ونقباء وأوتاد ونجباء،‏ وسبعون وسبعة وأربعون وأربعة،‏والقطب هو الغوث للناس وعليه المدار بلا التباس!!‏وجوزوا لهم الذبائح والنذور،‏ وأثبتوا لهم فيهما الأجور!‏قال:‏ وهذا كلام فيه تفريط وإفراط،‏ بل فيه الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي؛لما فيه من روائح الشرك المحقق،‏ ومضادة الكتاب العزيز المصدق،‏ ومخالف لعقائد


٢٢٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج الأئمة،‏ ما اجتمعت عليه الأمة.‏ وفي التتريل:‏ ‏{ومن يشاقق ِ الرسول َ من بعد ما تبينل َه ال ْهدى ويتب ِع غ َير سب ِيل ِ ال ْمؤمن ِين نول ِّه ما تول َّى ونصله جهنم وساءت مصيرا}‏ .إلى أن قال:‏ الفصل الأول:‏ فيما انتحلوه من الإفك الوخيم،‏ والشرك العظيم.‏إلى أن قال:‏ فأما قولهم:‏ إن للأولياء تصرفا في حيام وبعد الممات،‏ فيرده قولاالله تعالى:‏ ‏{أ َإ ِل َه مع الل َّه‏}‏ ‏{أ َلا َ ل َه ال ْخل ْق والأَمر‏}‏ ‏{ولل ّه غ َيب السماوات والأَرض ِ}‏ونحوه من الآيات الدالة على أنه المنفرد بالخلق والتدبير والتصرف والتقدير،‏ ولا شيءلغيره في شيء ما بوجه من الوجوه.‏ والكل تحت ملكه وقهره:‏ تصرفا وملكا،‏ وإحياءوإماتة،‏ وخلقا.‏ وتمدح الرب سبحانه بانفراده في ملكه بآيات من كتابه كقوله:‏ ‏{هل ْمن خالق ٍ غ َير الل َّه‏}‏ و ‏{وال َّذين تدعون َ من دون ِه ما يملك ُون َ من قط ْمير ٍ}‏ وذكرآيات في هذا المعنى.‏ثم قال:‏ فقوله في الآيات كلها:‏ من دونه.‏ أي : من غيره،‏ فإنه عام يدخل فيهمن اعتقدته من ولي وشيطان تستمده؛ فإن لم يقدر على نصر نفسه كيف يمد غيره؟!‏إلى أن قال:‏ فكيف يتصور لغيره-‏ من ممكن-‏ أن يتصرف؟!‏إن هذا من السفاهة لقول وخيم،‏ وشرك عظيم.‏إلى أن قال:‏ وأما القول بالتصرف بعد الممات:‏ فهو أقبح وأشنع وأبدع منالقول بالتصرف في الحياة،‏ قال جل ذكره ‏{إ ِنك ميت وإ ِنهم ميتون َ}‏ ‏{الل َّه يتوف َّىال ْأ َنف ُس حين موتها وال َّتي ل َم تمت في منامها ف َيمسِك ال َّتي ق َضى عل َيها ال ْموت‏}‏‏{ك ُل ُّ نف ْس ٍ ذ َآئق َة ُ ال ْموت‏}‏ ‏{ك ُل ُّ نف ْس ٍ ب ِما ك َسبت رهينة ٌ}‏ .


٢٢٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (١)وفي الحديث:‏ ‏"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث"‏ الحديث فجميعذلك وما هو نحوه،‏ دال على انقطاع الحس والحركة من الميت،‏ وأن أرواحهمممسكة،‏ وأن أعمالهم منقطعة عن زيادة ونقصان.‏فدل ذلك:‏ أن ليس للميت تصرف في ذاته-‏ فضلا عن غيره-‏ بحركة،‏ وأنروحه محبوسة مرهونة بعملها من خير وشر،‏ فإذا عجز عن حركته لنفسه فكيفيتصرف لغيره؟.‏فاالله سبحانه:‏ يخبر أن الأرواح عنده،‏ وهؤلاء الملحدونمطلقة متصرفة!‏ قل أأنتم أعلم أم االله؟.‏يقولون:‏ إن الأرواحقال:‏ وأما اعتقادهم أن هذه التصرفات لهم من الكرامات:‏ فهو من المغالطة؛ لأنالكرامة شيء من عند االله،‏ يكرم ا أولياءه،‏ لا قصد لهم فيه ولا تحد،‏ ولا قدرة ولاعلم،‏ كما في قصة مريم ابنة عمران،‏ وأسيد بن حضير ، وأبي مسلم الخولاني .قال:‏ وأما قولهم:‏ ويستغاث م في الشدائد.‏ فهذا أقبح مما قبله وأبدع؛ لمضادةقوله تعالى:‏ ‏{أ َمن يج ِيب ال ْمضط َر إ ِذ َا دعاه ويك ْشف السوءَ‏ ويجعل ُك ُم خل َف َاء ال ْأ َرض ِأ َإ ِل َه مع الل َّه‏}‏ ‏{ق ُل ْ من ينجيك ُم من ظ ُل ُمات ال ْبر وال ْبحر ِ تدعونه تضرعا ً وخف ْية ً ل َّئنأ َنج َانا من هذه ل َنك ُونن من الشاكر ِين‏}‏ وذكر آيات في هذا المعنى.‏ثم قال:‏ إنه جل ذكره:‏ قرر أنه الكاشف للضر لا غيره،‏ وأنه المتعين لكشفالشدائد والكرب،‏ وأنه المتفرد بإجابة المضطرين،‏ وأنه المستغاث لذلك كله،‏ وأنهالقادر على دفع الضير وعلى إيصال الخير،‏ فهو المنفرد بذلك.‏ فإذا تعين جل ذكره،‏(٢)خرج غيره من ملك ونبي وولي.‏(١)(٢)أخرجه مسلم رقم ، ١٦٣١ وأبو داود رقم ٢٨٨٠ والترمذي رقم ١٣٧٦الانتصار لحزب االله الموحدين والرد على اادل عن المشركين ص‎٨٢-٧٨‎


٢٢٤ مدخلابنالحاج-١٩-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم قال ابن الحاج:‏]ف َصل ٌ وأ َما في ز ِيارة سيد ال ْأ َولين‏،‏ وال ْآخر ِين صل َوات الل َّه عل َيه وسل َامهف َك ُل ُّ ما ذ ُكر يز ِيد عل َيه أ َضعاف َه أ َعن ِي في الانكسار ِ،‏ والذ ُّل ِّ،‏ وال ْمسك َنة؛ لأ َنهالشافع ال ْمشف َّع ال َّذي ل َا ترد شف َاعته ].الرد:‏ اعلم أن زيارة مسجد الرسول - صلى االله عليه وآله وسلم ليست -واجبة،‏ ولكن إذا أراد المسلم السفر إلى المدينة المنورة من أجل الصلاة في مسجدهصلى االله عليه وآله وسلم فذلك سنة،‏ وإذا دخلت مسجده فابدأ بالصلاة ثم ائتقبر النبي - صلى االله عليه وآله وسلم ‏«السلام عليك أيها النبي - صلى االلهعليه وآله وسلم ورحمة االله وبركاته،‏ صلى االله عليك وعلى آلك وأصحابك»،‏وأكثر من الصلاة والسلام عليه؛ لما ثبت من قوله صلى االله عليه وآله وسلم‏«وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم»‏ ثم سل ِّم على أبي بكر وعمر،‏ وترضعنهما،‏ ولا تتمسح بالقبر،‏ ولا تدع عنده،‏ بل انصرف وادع االله حيث شئت منالمسجد وغيره،‏ وقد ثبت عن النبي - صلى االله عليه وآله وسلم أنه قال:‏ ‏«لا تشدالرحال إلا إلى ثلاثة مساجد:‏ المسجد الحرام،‏ ومسجدي هذا،‏ والمسجد الأقصى»‏رواه البخاري ومسلم.‏-:-----، فقل:‏--فزيارة قبر الرسول - صلى االله عليه وآله وسلم ليست واجبة،‏ بل هي سنةبالنسبة لمن لم يتوقف ذلك منه على سفر كزيارة سائر قبور المسلمين،‏ وذلك للعبرةوالاتعاظ وتذكر الآخرة بزيارا،‏ وقد زار النبي - صلى االله عليه وآله وسلم القبوروحث على زيارا لذلك لا للتبرك ا ولا لسؤال من فيها من الموتى قضاء الحاجاتوتفريج الكربات كما يفعل ذلك كثير من المبتدعة رجال ًا ونساءً.‏-


٢٢٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج أما إذا توقفت زيارة قبر الرسول - صلى االله عليه وآله وسلم أو غيره على -سفر فلا يجوز ذلك من أجلها؛ لما ثبت عن النبي - صلى االله عليه وآله وسلم أنهقال:‏ ‏«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد:‏ مسجدي هذا،‏ والمسجد الحرام،‏والمسجد الأقصى»‏ رواه البخاري ومسلم.‏---روى عبدالرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة أن علي بن الح ُسين رضي االله عنهرأى رجلا ً يأتي فرجة كانت عند قبر النبي - صلى االله عليه وآله وسلم فيدخلفيها فيدعو،‏ فنهاه وقال:‏ ‏«ألا أحدثكم حديثا ً سمعته من أبي عن جدي يعني عليبن أبي طالب رضي االله عنه - عن رسول االله - صلى االله عليه وآله وسلمقال:‏ ‏«لا تتخذوا قبري عيدا ً ولا تجعلوا بيوتكم قبورا ً وسلموا على فإن تسليمكميبلغني أينما كنتم»‏--(١).-وقوله:‏ لا ترد شفاعته صحيح لكنها لا تطلب منه صلى االله عليه وسلم وإلافهو أكرم الخلق على االله ولا ترد شفاعته وإنما الشفاعة ملك الله عز وجل كما قالاالله تعالى:‏ ‏(ق ُل ل ِّل َّه الشف َاعة ُ جميعا ً)‏ فلا يشفع هو إلا لمن أذن االله له أن يشفع فيه قالتعالى:‏ ‏(من ذ َا ال َّذي يشف َع عنده إ ِلا َّ ب ِإ ِذ ْن ِه‏)‏ والرب عز وجل لا يأذن للشفعاء أنيشفعوا إلا لأهل التوحيد قال تعالى:‏ ‏(ول َا يشف َعون َ إ ِل َّا لمن ِ ارتضى)‏ وهو لا يرضىإلا التوحيد.‏ فهو صلى االله عليه وسلم وإن كان الشافع المشفع بل سيد الشفعاء فإنهلا يملك من الشفاعة ولا مثقال ذرة ولذلك قال لابنته فاطمة:‏ ‏"لا أغني عنك من االلهشيئا ً"‏ فمن أراد شفاعته فهو يسأل اله ذلك لا يسأله هو كأن يقول:‏ ‏"اللهم شف ِّع في ّنبيي‏"‏ لأنه يحد له حدا ً يشفع فيهم ليس الأمر صادرا ً من نفسه استقلالا ً بل الرب عزوجل هو الذي يلقي ذلك في قلبه لمن يشاء من عباده ويحركه بالشفاعة فطلبها من(٢)أعظم الموانع لحصولها وهو شرك أكبر.‏(١)(٢)كشف شبهات الصوفية ص‎١٣٠‎السراج ص‎٣٦‎


٢٢٦ مدخلابنالحاج-٢٠-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم قال ابن الحاج:‏-(١)"‏[ول َا يخيب من ق َصده ول َا من نزل َ ب ِساحته ول َا من استعان َ،‏ أ َو استغاث َ ب ِه‏،‏إذ ْ أ َنه - عل َيه الصل َاة ُ والسل َام ق ُط ْب دائرة ال ْك َمال ِ وعروس ال ْممل َك َة‏]‏الرد:‏ من قصد النبي صلى االله عليه وسلم ذه الزيارة الشركية التي وصفابن الحاج فهو الخائب الخاسر حيث صرف خالص حق االله عز وجل من الاستعانةوالاستغاثة وغير ذلك مما سبق صرفه لعبده ومملوكه فأشركه معه في عبوديته فهوصلى االله عليه وسلم يعاديه أشد العداوة ويتبرأ منه فضلا ً عن أن ينفعه أو يشفع فيهلأن هذا هو أصل دينه ودين المرسلين قبله وقد بينه ووضحه وأن شرك باالله لا يغفرإلا بالتوبة منه قبل الممات.‏وشرف النبي صلى االله عليه وسلم وقربه من ربه عز وجل وتكريمه له ورفعهلدرجته فوق جميع الخلق لا يوجب صرف مثقال ذرة من عبودية الرب عز وجل لهوإنما يوجب ذلك المحبة والاتباع.‏قال ابن القيم رحمه االله :الفرق بين زيارة الموحدين للقبور،‏ وزيارة المشركين:‏أما زيارة الموحدين:‏ فمقصودها ثلاثة أشياء:‏أحدها:‏ تذكر الآخرة والاعتبار والاتعاظ.‏ وقد أشار النبى صلى االله تعالى عليهوآله وسلم إلى ذلك بقوله:‏ ‏"زوروا ال ْق ُبور‏،‏ ف َإ ٍنها تذ َكرك ُم الآخرة َ".‏(١)السراج ص‎٣٧‎


٢٢٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج الثانى:‏ الإحسان إلى الميت،‏ وأن لا يطول عهده به،‏ فيهجره،‏ ويتناساه،‏ كما إذاترك زيارة الحى مدة طويلة تناساه،‏ فإذا زار الحى فرح بزيارته وسر بذلك،‏ فالميتأولى.‏ لأنه قد صار فى دار قد هجر أهلها إخوام وأهلهم ومعارفهم،‏ فإذا زارهوأهدى إليه هدية:‏ من دعائه،‏ أو صدقة،‏ أو أهدى قربة،‏ ازداد بذلك سروره وفرحه،‏كما يسر الحى بمن يزوره ويهدى له.‏ ولهذا شرع النبى صلى االله تعالى عليه وآلهوسلم للزائرين أن يدعوا لأهل القبور بالمغفرة والرحمة،‏ وسؤال العافية فقط.‏ ولميشرع أن يدعوهم،‏ ولا يدعوا ً م،‏ ولا يصلى عندهم.‏الثالث:‏ إحسان الزائر إلى نفسه باتباع السنة،‏ والوقوف عند ما شرعه الرسولصلى االله تعالى عليه وآله وسلم،‏ فيحسن إلى نفسه وإلى المزور.‏وأما الزيارة الشركية فأصلها مأخوذ عن عباد الأصنام.‏قالوا:‏ الميت المعظم الذى لروحه قرب ومترلة ومزية عند االله تعالى لا يزال تأتيهالألطاف من االله تعالى وتفيض على روحه الخيرات.‏ فإذا علق الزائر روحه به،‏وأدناها منه فاض من روح المزور على روح الزائر من تلك الألطاف بواسطتها،‏ كماينعكس الشعاع من المرآة الصافية والماء ونحوه على الجسم المقابل له.‏قالوا:‏ فتمام الزيارة أن يتوجه الزائر بروحه وقلبه إلى الميت،‏ ويعكف مته عليه،‏ويوجه قصده كله وإقباله عليه،‏ بحيث لا يبقى فيه التفات إلى غيره.‏ وكلما كان جمعالهمة والقلب عليه أعظم كان أقرب إلى انتفاعه به.‏وقد ذكر هذه الزيارة على هذا الوجه ابن سينا والفارابى وغيرهما.‏ وصرح اعباد الكواكب فى عبادا.‏وقالوا:‏ إذا تعلقت النفس الناطقة بالأرواح العلوية فاض عليها منها النور.‏وذا السر عبدت الكواكب واتخذت لها الهياكل،‏ وصنفت لها الدعوات،‏واتخذت الأصنام اسدة لها.‏ وهذا بعينه هو الذى أوجب لعباد القبور اتخاذها أعيادا ً،‏


٢٢٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وتعليق الستور عليها،‏ وإيقاد السرج عليها،‏ وبناء المساجد عليها.‏ وهو الذى قصدرسول االله صلى االله تعالى عليه وآله وسلم إبطاله ومحوه بالكلية،‏ وسد الذرائع المفضيةإليه.‏ فوقف المشركون فى طريقه وناقضوه فى قصده.‏ وكان صلى االله تعالى عليه وآلهوسلم فى شق،‏ وهؤلاء فى شق.‏وهذا الذى ذكره هؤلاء المشركون فى زيارة القبور هو الشفاعة التى ظنوا أنآلهتهم تنفعهم ا وتشفع لهم عند االله تعالى.‏قالوا:‏ فإن العبد إذا تعلقت روحه بروح الوجيه المقرب عند االله وتوجه متهإليه وعكف بقلبه عليه صار بينه وبينه اتصال،‏ يفيض به عليه منه نصيب مما يحصل لهمن االله.‏ وشبهوا ذلك بمن يخدم ذا جاه وحظوة وقرب من السلطان،‏ فهو شديدالتعلق به.‏ فما يحصل لذلك من السلطان من الإنعام والإفضال ينال ذلك المتعلق بهبحسب تعلقه به.‏فهذا سر عبادة الأصنام،‏ وهو الذى بعث االله رسله،‏ وأنزل كتبه بإبطاله،‏وتكفير أصحابه ولعنهم.‏ وأباح دماءهم وأموالهم وسبى ذراريهم،‏ وأوجب لهم النار.‏والقرآن من أوله إلى آخره مملوء من الرد على أهله،‏ وإبطال مذهبهم.‏(١)(١)إغاثة اللهفان ٢١٩/١


٢٢٩ مدخلابنالحاج-٢١-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم قال ابن الحاج:‏‏[ف َمن توسل َ ب ِه‏،‏ أ َو استغاث َ ب ِه‏،‏ أ َو ط َل َب حوائجه منه ف َل َا يرد ول َا يخيب لماشه ِدت ب ِه ال ْمعاينة ُ،‏ وال ْآث َار ويحتاج إل َى ال ْأ َدب ِ ال ْك ُل ِّي في ز ِيارته عل َيه الصل َاة ُ-والسل َام [.- .الرد:‏ تقدم الكلام على التوسل والاستغاثة وطلب الحوائج من الموتىوالكلام هنا على قوله:‏ لما شهدت به المعاينة والآثار.‏أما المعاينة فيقع ذلك كثيرا ً للقبوريين حيث يتمثل لهم الشيطان بصورة المقبورفيقضي بعض حوائجهم فتنة لما أشركوا باالله ما لم يترل به سلطانا ً.‏نعم،‏ قد يقع لهؤلاء الذين يدعون الأولياء أو القبور أن تحصل لهم حاجام التيطلبوها،‏ لكن هذا لا يدل على صحة ما هم عليه،‏ لأم قد يعطون ما طلبوا من بابالفتنة،‏ ومن باب الاستدراج،‏ أو أنه يصادف ذلك قضاءً‏ وقدرا ً من االله سبحانهوتعالى في إعطائهم هذا الشيء،‏ فيظنون أنه بسبب القبور،‏ وهو في الواقع بقضاء االلهوقدره،‏ فحصول المطلوب لا يدل على صحة الطلب،‏ إنما الاحتجاج يكون بكتاباالله وسنة رسوله صل َّى الل َّه عل َيه وسل َّم‏،‏ لا بالعادات،‏ والتقاليد،‏ والحكايات،‏والمنامات،‏ والخرافات،‏ أو أن فلانا ً قد حصل له كذا،‏ فلان ذهب إلى القبر الفلاني،‏فلانة ذهبت إلى القبر الفلاني فحملت،‏ هذا ليس بدليل أبدا ً،‏ لأن إعطاء الإنسان شيئا ًمما يحتاج إليه،‏ لا يدل على صحة ما ذهب إليه،‏ أو ما فعل من الشرك والعاداتالسيئة.‏يقول شيخ الإسلام:‏ ‏"قد يرون عند القبور أو يسمعون عند القبور من يكلمهم،‏أو يخرج عليهم من القبر ويقول:‏ أنا فلان الذي تطلب،‏ وأنا أقضي حاجتك.‏ يتمثل


٢٣٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج لهم الشيطان،‏ ليس هو الميت،‏ وإنما هو الشيطان،‏ يتمثل لهم بصورة الميت،‏ ويخاطبهم،‏وقد يجلب لهم شيئا ً مما يطلبون من بعيد،‏ وهو شيطان يريد أن يضلهم،‏ ويريد أنيهلكهم،‏ وأن يغرر م".‏فحصول المقصود لا يدل على صحة العمل،‏ وكذلك كوم يشاهدونالشخص الذي بصورة الميت،‏ أو يسمعون كلاما ً يكلمهم،‏ كل هذا ليس بحجة،‏ لأنهذه أعمال شيطانية،‏ يتمثل لهم الشيطان في صورة الميت،‏ أو يكلمهم بصوت الميت،‏أو هو شيطان يريد أن يضلهم عن سبيل االله،‏ أو يعطيهم بعض الحوائج،‏ لأن الشيطانيستطيع أن يسير إلى الأمكنة البعيدة،‏ وحمل الأشياء وايء ا،‏ وتحضيرها،‏ والجنيتعاونون على هذا الشيء ويحضرون مطلوب هؤلاء،‏ ويعطوم إياه.‏الحاصل؛ أا كلها أعمال شيطانية،‏ لأا مخالفة لكتاب االله وسنة رسوله صل َّىالل َّه عل َيه وسل َّم‏،‏ وهذه من البلايا،‏ يعني:‏ كوم يحتجون بأن فلانا ً شفي لما ذهب إلىالقبر،‏ فلانة حملت لما ذهبت إلى القبر،‏ فلان أعطي كذا وكذا،‏ وهذا ليس بحجة أبدا ً.‏(١)هذا فتنة وابتلاء وامتحان،‏ وهو من أعمال الشياطين.‏وأما الآثار فما يروجه سدنة القبور من أفعال الشياطين لأوليائهم وما يزيدونهأيضا ً من عندهم ترويجا ً لهذا الضلال العظيم انظر كتاب ‏"الفرقان بين أولياء الرحمنوأولياء الشيطان"‏ لشيخ الإسلام ابن تيمية تتبين لك حقيقة ما يقوله هذا الضال وقديستغيث المشرك بالمقبور وهو بعيد عن قبره فيراه أتى وأغاثه وإنما هو شيطان تمثل(٢)بصورته وليس هذا خاص بالأموات بل حتى الأحياء من المشايخ وغيرهم.‏قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه االله:‏ وتفصيل القول أن مطلوب العبد إنكان من الأمور التي لا يقدر عليها إلا االله تعالى مثل أن يطلب شفاء مريضة منالآدميين والبهائم أو وفاء دينه من غير جهة معينة أو عافية أهله وما به من بلاء الدنيا(١)(٢)إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ٢٥٢/١السراج ص‎٣٨‎


٢٣١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج والآخرة وانتصاره على عدوه وهداية قلبه وغفران ذنبه أو دخوله الجنة أو نجاته منالنار أو أن يتعلم العلم والقرآن أو أن يصلح قلبه ويحسن خلقه ويزكي نفسه وأمثالذلك فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من االله تعالى ولا يجوز أن يقول لمل َكأو نبي ولا شيخ سواء كان حيا ً أو ميتا ً:‏ اغفر ذنبي ولا انصرني على عدوي ولا اشفمريضي ولا عافني أو عاف أهلي أو دابتي وما أشبه ذلك.‏ ومن سأل ذلك مخلوقا ًكائنا ً من كان فهو مشرك بربه من جنس المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياءوالتماثيل التي يصوروا على صورهم ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه قالاالله تعالى:‏ ‏(اتخذ ُوا ْ أ َحبارهم ورهبانهم أ َربابا ً من دون الل ّه وال ْمسِيح ابن مريم وماأ ُمروا ْ إ ِلا َّ ليعبدوا ْ إ ِل َها ً واحدا ً لا َّ إ ِل َه إ ِلا َّ هو سبحانه عما يشر ِك ُون َ).‏ انتهى.‏(١)(١)مجموع الفتاوى(٦٧ :٢٧)


٢٣٢ مدخلابنالحاج-٢٢-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم قال ابن الحاج في الد الأول ص‎٢٥٩‎:‏[ل َا ف َرق بين موته وحياته أ َعن ِي في مشاهدته لأ ُمته ومعر ِف َته ب ِأ َحواله ِم ون ِياته ِموعزائمه ِم وخواطر ِهم‏،‏ وذ َلك عنده جلي ل َا خف َاءَ‏ فيه‏.]‏الرد:‏ أن هذا لا يكون إلا لرب العالمين سبحانه أما النبي صلى االله عليهوسلم وإن كانت تعرض عليه أعمال أمته.‏فأولا ً:‏ هو لا يعلم منها شيء إلا ما أعمله ربه فقد نفى االله عنه علم الغيب.‏ثانيا ً:‏ هو لا يتصرف من تلقاء نفسه حتى يغيث من استغاث به ويجيب مندعاه.‏فعرض أعمال أمته عليه لا يوجب التفات القلب إليه بالعبودية لأنه ليس له منالأمر شيء وهو يعادي أشد العداوة من أشركه مع ربه في عبوديته.‏ فقد قال صلىاالله عليه وسلم لمن قال له:‏ ما شاء االله وشئت:‏ أجعلتني الله ندا ً وقال:‏ إنما أنا عبد.‏(١)فالعبد لا يعبد.‏وأما عرض أعمال أمته عليه فقد ورد فيه حديث ضعيف،‏ وهو:‏ ‏«حياتي خيرل َك ُم‏،‏ ومماتي خير ل َك ُم‏،‏ تعرض عل َي أ َعمال ُك ُم؛ ف َما ك َان َ من حسن ٍ حمدت الل َّهعل َيه‏،‏ وما ك َان َ من سيئ استغف َرت الل َّه ل َك ُم‏»‏ .(١)السراج ص‎٤٠‎


٢٣٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج يستدل الصوفية ذا الحديث على سماع الأموات وعلمهم بحال الأحياء بعدوفام،‏ من أجل ترويج عقائدهم الفاسدة في جواز الطلب والاستمداد من القبورومن يدفن فيها من الصالحين والأولياء،‏ واستدلالهم هذا باطل عقل ًا ونقل ًا.‏،١٩٢٥٢٤/٩أول ًا:‏ تخريج الحديث:‏ أخرجه البزار في مسنده حديث رقموقال:‏ وهذا الحديث آخره لا نعلمه يروى عن عبد االله إلا من هذا الوجه ذاالإسناد.‏ وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده (٢/وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (٢/ ١٩٤) وأخرجه الديلمي في الفردوسبمأثور الخطاب (١/٨٨٤) حديث رقم:‏ (٩٥٣).(١٨٤/٣)ثانيا:‏ حكم علماء الحديث عليه:‏ قال الحافظ العراقي في كتابه ‏(طرح التثريب)‏٢٩٧): ‏«إسناده جيد»،‏ ولكنه فصل في كتابة ‏(المغني عن حمل الأسفار)‏ (٢/١٠٥١) حديث رقم:‏ (٣٨١٠) فقال:‏ أخرجه البزار من حديث عبد االله بن مسعودورجاله رجال الصحيح،‏ إلا أن عبد ايد بن عبد العزيز بن أبي داود وإن أخرج لهمسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقد ضعفه كثيرون،‏ ورواه الحارث ابن أبي أسامة فيمسنده من حديث أنس بنحوه بإسناد ضعيف.‏--/٣/١ومن المعلوم أن هذا التعارض في قولي الحافظ العراقي رحمه االله سببه أنكلامه في طرح التثريب وهو كتاب فقه كلام مجمل،‏ وأن كلامه في كتابهالمعني وهو كتاب تخريج وحكم على الحديث كلام تفصيل وبيان لسببالضعف،‏ فعلم أن في مثل هذه الحالة يقدم قول التفصيل في كتاب خص للحكم علىالحديث.‏وممن حكم على الحديث بالضعف،‏ العجلوني فقال:‏ بأنه مرسل،‏ كما في كتابه‏(كشف الخفاء ٤٤٢) ‏(حديث رقم ١١٧٨)، وكذلك ضعفه ابن القيسراني فيكتابه ‏(معرفة التذكرة ١٢٥٠) ‏(حديث رقم(٧٥.(٢٦٩٤لمزيد من الفائدة انظر كتاب ‏(الكامل في ضعفاء الرجال)‏ لابن عدي (٣/‏(ترجمة رقم ٦٢٢) وكتاب ‏(ميزان الاعتدال)‏ للإمام الذهبي (٢/ ٤٣٨) ‏(ترجمة رقم


٢٣٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ٢٥٠٣) وكتاب ‏(لسان الميزان)‏ للحافظ ابن حجر)‏ (٢/٣٩٥) ‏(ترجمة رقم(١٦٢٠(٤٠٤-/٢)* هذا الحديث ضعفه الألباني في ‏(السلسلة الضعيفة والموضوعة)‏ (٢/وحكم عليه بالشذوذ؛ لتفرد عبد ايد بن عبد العزيز به لاسيما وهو متكلم فيه منقبل حفظه مع أنه من رجال مسلم وقد وث ّقه جماعة وضعفه آخرون،‏ فقال الخليلي:‏‏«ثقة لكنه أخطأ في أحاديث وقال النسائي:‏ ‏«ليس بالقوي يكتب حديثه».‏ وقال ابنعبد البر:‏ ‏«روى عن مالك أحاديث أخطأ فيها».‏ وقال ابن حبان في ‏(اروحين)‏١٥٢): ‏«منكر الحديث جدا يقلب الأخبار ويروي المناكير عن المشاهيرفاستحق الترك».‏قال الألباني:‏ ‏«ولهذا قال فيه الحافظ في ‏(التقريب):‏ ‏«صدوق يخطىء».‏ وإذاعرفت ما تقدم فقول الحافظ الهيثمي في ‏(امع)‏ (٦/ ٢٤): ‏«رواه البزار ورجالهرجال الصحيح».‏ فهو يوهم أنه ليس فيه من هو متكلم فيه!‏ ولعل السيوطي اغترذا حين قال في ‏(الخصائص الكبرى)‏ (٢/ ٢٨١): ‏«سنده صحيح».‏ ولهذا فإنيأقول:‏ ‏«إن الحافظ العراقي شيخ الهيثمي كان أدق في التعبير عن حقيقة إسنادالبزار حين قال عنه في ‏(تخريج الإحياء)‏ (٤/ ١٢٨): ‏«ورجاله رجالإلا أن عبد ايد بن أبي رواد وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقدضعفه بعضهم،‏ ومخالفة عبد ايد للثقات هي علة الحديث»‏ اه كلام الألبانيبتصرف.‏الصحيح ...-* والكذب أسوأ من الاستدلال بالأحاديث الضعيفة،‏ فقد كذب داعيةالتصوف علي الجفري فعزى هذا الحديث إلى مستدرك الحاكم على الصحيحين،‏ليوهم مستمعيه بأن الحديث صحيح،‏ وبكل جرأة قال:‏ ‏«إن الحديث رواه الحاكم فيالمستدرك بإسناد حسن»،‏ والحديث غير موجود في هذا الكتاب ائيا،‏ لا حسنا ولاضعيف ًا ولا موضوعا.‏


٢٣٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج * لو ثبت هذا الحديث لم يكن فيه ما ادعاه الصوفية من جواز التوسل بعموماستغفار رسول االله - صلى االله عليه وآله وسلم لأمته؛ لأن َّ دعاء الرسولاالله عليه وآله وسلم في حياته لأمته وسؤاله االله لهم أبلغ وأقطع من استغفاره بعدموته إن ثبت وهذا السبب الذي كان موجودا في حياته هو عين السبب الذيعلق الحكم بعد مماته؛ فلما لم يشرع هذا العمل،‏ وهو التوسل بالاستغفار العام معالقيام المقتضي له في حياة رسول االله - صلى االله عليه وآله وسلم علم أن َّ إحداثهبدعة.‏- صلى----ويؤيد هذا أن َّ خير القرون ثم الذين يلوم ثم َّ الذين يلوم؛ لم يستعمل أحدمنهم التوسل ذا الطريق الذي اخترعه عشاق البدع،‏ وهجار السنن.‏-* واعلم أن َّ النبي صلى االله عليه وآله وسلم لا يعرض عليه من أعمالناشيءٌ؛ باستثناء السلام والصلاة عليه.‏ قال النبي - صلى االله عليه وآله وسلمالله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أ ُمتي السلام»‏ رواه النسائي وصححهالألباني،‏ وقال صلى االله عليه وآله وسلم -: ‏«صلوا علي فإن َّ صلاتكم تبلغنيحيث ُ كنتم»‏ رواه أبوداود صححه الألباني.‏-: ‏«إن--وقد ورد في الأحاديث الصحيحة ما يبين بأن النبي - صلى االله عليه وآله وسلملا يعلم من أعمال أ ُمته شيئا ً بعد وفاته.‏ فهذا الحديث الضعيف فيه لفظة ‏(تعرضعلي أعمالكم)‏ وهي تخالف الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن عائشة رضياالله عنها قالت:‏ سمعت رسول االله - صلى االله عليه وآله وسلم يقول،‏ وهو بينظهراني أصحابه:‏ ‏«إني على الحوض.‏ أنتظر من ير ِد علي منكم.‏ واالله ليقتطعن دونيرجال.‏ فلأقول َن‏:‏ أي رب!‏ مني ومن أمتي.‏ فيقول:‏ إنك لا تدري ما عملوا بعدك.‏ مازالوا يرجعون على أعقام».‏---فإذا كانت أعمال أمته تعرض عليه كما في الحديث الضعيف الذي يستدلونبه فكيف لا يدري ما أحدثوا بعده؟ فهذا يدل ُّ على عدم علم النبي - صلى االله


٢٣٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -عليه وآله وسلم بما يحدث في أ ُمته من بعده،‏ وهذا يدل ُّ على بطلان الحديث المتقدم لو صح سنده فكيف والسند ضعيف!!.‏(١)(١)كشف شبهات الصوفية ص‎٦٥‎


٢٣٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -ثم قال ابن الحاج في الد الأول ص‎٢٦٠‎‏:‏--‏[وق َد ق َال َ مالك رحمه الل َّه لل ْخليف َة ل َما أ َن ْ سأ َل َه إذ َا دخل َ مسج ِد النب ِي- صل َّى الل َّه عل َيه وسل َّم هل ْ يتوجه إل َى النب ِي - صل َّى الل َّه عل َيه وسل َّمإل َى ال ْقبل َة ف َق َال َ مالك رحمه الل َّه وك َيف تصر ِف وجهك عنه وهو وسيل َتكووسيل َة ُ أ َب ِيك آدم - عل َيه الصل َاة ُ والسل َام-، أ َو-٢٣-[.---الرد:‏ هذا مكذوب على مالك رحمه االله لم يقله.‏الكلام على متن هذه القصة-:إن من يتأمل متن هذه القصة يحكم عليها بالوضع والكذب على الإمام مالكابن أنس رضي االله وعلى أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي وذلك لمايلي:‏- ١قول أبي جعفر المنصور:‏ يا أبا عبد االله أأستقبل القبلة وأدعو ... أم استقبلرسول االله - صلى االله عليه وسلم هذا السؤال يحتمل أسبابا ً ثلاثة:‏أ -إما أن يكون المنصور جاهلا ً فيستفسر.‏ب-‏ أو فاحصا ً لمالك بن أنس ليسبر غور علمه.‏ج-‏ أو عالما ً به فلا حاجة له بالسؤال.‏أما أن يكون أبو جعفر المنصور جاهلا ً فسأل ... فهذا مردود قطعا ً لأن أباجعفر المنصور كان من أعلم علماء عصره يدلنا على ذلك ما يروي الثقات عن أبي


٢٣٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج --جعفر المنصور أنه كان من أملأ أوعية العلم ... فهما ورواية ودراية حتى إن لما حجواجتمع بمالك رضي االله عنه قال له بمعنى:--لعلي وإياك أعلم رجال العصر وإنني قد شغلتني سياسة الناس فوطئموطئا ً تجنب فيه رخص ابن عباس وتشديدات ابن عمر).‏للناس-٢ولذا سمي كتاب مالك في الحديث ‏(الموطأ)‏ فأبو جعفر المنصور الذي كان علىالشواهق من قمم العلم لا يمكن أن يسأل مالكا ً عن سؤال هو إياه على مستوىواحد من العلم به إلا إذا كان يريد أن يسبر غور علم مالك!!!؟ وهذا أيضا ً مردودلأن علم مالك معروف عند أبي جعفر المنصور وهو الذي قال له:‏ ‏(لعلني وإياك أعلمرجال العصر ... ( فكيف يسأله مختبرا ً علمه وهو على كل وقوف تام منه ... لاسيما في هذه المسألة التي يعرفها الصبيان فضلا ً عن العلماء فثبت لدينا أن المنصور ماكان جاهلا ً ... ولا فاحصا ً لعلم مالك ... بل ثبت أنه عالم ومن كان عالما ً فلاحاجة له بالسؤال.‏إن الثابت من مذهب مالك الذي رواه عنه الثقات من أصحابه في أفضلكتبهم أن الذي يدعو االله في مسجد النبي صلى االله عليه وسلم يستقبل القبلةولا يستقبل القبر فهذه قصة مخالفة لمذهب مالك فكيف يجيب مالك جوابا ً لأبيجعفر بخلاف ما هو مشهور من مذهبه ... ‏!!؟--- ٣أما قول مالك رحمه االله:‏ ‏(ولم تصرف وجهك عنه وسيلتك ووسيلة أبيكآدم عليه السلام إلى االله إلى يوم القيامة بل استقبله واستشفع به).‏-أما أن رسول االله - صلى االله عليه وسلم الوسيلة بوم القيامة أي هو الشفيعيؤمئذ فهذا لا خلاف فيه أنه شفيع للخلائق ولكن الخلاف القائم بيننا ليس علىالشفاعة يوم القيامة بل على جواز التوسل إلى االله بذوات المخلوقين في الدنيا ...فأين الارتباط بين الموضوعين ... ؟


٢٣٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج --وأما الاستشفاع به صلى االله عليه وسلم بعد وفاته فمعلوم أنه لا يصحلأن الشفاعة لا تطلب من رسول االله - صلى االله عليه وسلم وذلك من وجوه.‏---أ لأن رسول االله -منه الشفاعة.‏صلى االله عليه وسلملا يسمح بعد وفاته من يطلب-ب-‏ ولو سمعها لا يستطيع أن يشفع الآن لأن االله يقول:‏ من ذا الذي يشفععنده إلا بإذنه)‏ وإذنه لا يصدر الكلام إلا يوم القيامة فيحد له حدا ً ويقول له اشفعؤلاء كما في حديث الشفاعة ولكن المشروع أن يقول المؤمن:‏ اللهم شفع بيرسول االله - صلى االله عليه وسلم أي يجعله في جملة الحد الذي يحده لرسول االلهصلى االله عليه وسلم ليشفع م.‏---ج-‏ هذا معلوم عند مالك رضي االله عنه -المنصور:‏ ‏(بل استقبله واستشفع به).‏الكلام على سند القصةفلا يعقل أن يقول لأبي جعفرإن في سند هذه القصة ‏((محمد بن حميد))‏ وهو كثير المناكير ولم يسمع منمالك شيئا ً بل روايته عنه منقطعة ومحمد بن حميد الرازي هذا ... تكلم فيه غيرواحد من الأئمة ونسبه بعضهم إلى الكذب فقال يعقوب بن شيبة السدوسي محمدبن حميد الرازي كثير المناكير وقال البخاري:‏ حديثه فيه نظر.‏ وقال النسائي ليسبثقة.‏ وقال الجوزجاني:‏ رديء المذهب عير ثقة وقال فضلك الرازي:‏ عندي عنهخمسون ألف حديث لا أحدث عنه بحرف وقال أبو العباس أحمد بن محمد الأزهري:‏سمعت إسحاق بن منصور يقول:‏ أشهد على محمد بن حميد وعبيد بن إسحاق العطاربين يدي االله إما كذابان وتكلم فيه غير هؤلاء من الحفاظ وقال صالح بن محمدالحافظ:‏ كل شيء كان يحدثنا به ابن حميد نتهمه فيه.‏--وإن ما روي عن مالك رحمه االله ينافي قوله هذا المتقدم أي في القصة فقدقال رحمه االله في المبسوط:‏ لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إليه أن يقف على قبر


٢٤٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج --النبي صلى االله عليه وسلم ويدعو له ولأبي بكر وعمر فقيل له:‏ فإن أناسا ً منأهل المدينة ... لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يفعلون في اليوم مرة أو أكثر وربماوقفوا في الجمعة أو في الأيام المرة والمرتين أو أكثر عند القبر فيسلمون ويدعون ساعةفقال:‏ لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا .. ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ماأصلح أولها.‏ ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أم كانوا يفعلون ذلك ويكرهإلا لمن جاء من سفر أو أراده.‏وأما من جهة الانقطاع فيقول ابن تيمية رحمه االله تعالى:‏ قلت:‏وهذه الحكاية منقطعة فإن محمد بن حميد الرازي لم يدرك مالكا ً لا سيما فيزمن أبي جعفر المنصور فإن أبا جعفر توفي بمكة سنة وتوفي مالك سنةوتوفي محمد ين حميد الرازي سنة ولم يخرج من بلده حين رحل في طلب العلمإلا وهو كبير مع أبيه وهو مع ذلك ضعيف عند أكثر أهل الحديث كذبه أبو زرعةوابن وارة.‏ وقال صالح بن محمد الأسدي.‏ ما رأيت أحدا ً أجرأ على االله منه وأحذقبالكذب منه وآخر من روى الموطأ عن مالك هو أبو صعب وتوفي سنة وآخرمن روى عن مالك على الإطلاق هو أبو حذيفة أحمد بن إسماعيل السهمي توفي سنة.٢٥٩١٧٩٢٤٢١٥٨٢٤٨-(١)وفي الإسناد من لا تعرف حاله لا سيما وأن مذهب مالك يناقض هذه الحكايةفالمعروف من مذهب مالك وغيره من الأئمة وسائر السلف:‏ أن الداعي إذا سلم علىالنبي - صلى االله عليه وسلم استقبل القبر ودعا له أما إذا دعا لنفسه فيستقبل القبلةويدعو.‏ اه.‏(١)التوصل إلى حقيقة التوسل ص‎٢٣٣-٢٣٠‎


٢٤١ مدخلابنالحاج-٢٤-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم قال ابن الحاج:‏-‏[رو ِي عن ابن ِ عمر ق َال َ:‏ ق َال َ النب ِي - صل َّى الل َّه عل َيه وسل َّم -: ‏«من زارق َبر ِي وجبت ل َه شف َاعتي»‏ .-وعن أ َنس ِ بن ِ مالك رضي الل َّه عنه ق َال َ ق َال َ رسول ُ الل َّه - صل َّى الل َّهعل َيه وسل َّم -: ‏«من زارن ِي في ال ْمدينة محتسِبا ك َان َ في ج ِوار ِي وك ُنت ل َه شفيعايوم ال ْقيامة‏»‏ وفي حديث آخر ‏«من زارن ِي بعد موتي ف َك َأ َنما زارن ِي في حياتي».]‏الرد:‏ الأحاديث التي تروى في زيارة قبر النبي صلى االله عليه وسلك كلهاموضوعة مكذوبة وإليك بياا :‏(ص-. (٢٦٨حديث" من زار قبرى وجبت له شفاعتى ". رواه الدارقطنى بإسناد ضعيف* منكر.‏- وله عن ابن عمر طريقان:‏الأولى:‏ عن حفص بن أبى داود عن ليث بن أبى سليم عن مجاهد عنه به بالروايةالأولى.أخرجه الدارقطنى (٢٧٩) وكذا البيهقى (٢٤٦/٥) وغيرهما.وقال البيهقى:‏ "تفرد به حفص وهو ضعيف ".قلت:‏ وهذا إسناد ضعيف جدا من أجل ليث وحفص ، وقد ذكرت بعضأقوال الأئمة فيهما ، ومن أخرج حديثهما سوى من ذكرنا فى " سلسلة الأحاديث


٢٤٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -الضعيفة " ‏(رقم ٤٧) ، ونقلت فيه كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على الحديثوحكمه عليه بالوضع من حيث معناه ، فراجعه فإنه مهم.‏والأخرى:‏ عن موسى بن هلال العبدى عن عبيد االله بن عمر عن نافع عنهبالرواية الأخرى.‏أخرجه الدارقطنى (٢٨٠) وعنه ابن النجار فى " تاريخ المدينة " (٣٩٧) وكذاالخلعى فى " الفوائد " ‏(ق ٢/١١١) والعقيلى فى " الضعفاء " (٤١٠) من طريقينعن موسى به.‏ورواه الدولابى فى " الكنى " (٦٤/٢) عن موسى بن هلال إلا أنه قال:‏ حدثناعبد االله بن عمر أبو عبد الرحمن أخو عبيد االله عن نافع به.‏وكذا رواه ابن عدى فى " الكامل " (٢/٣٨٥) ، أخرجاه من طريقين أخريينعنه.‏ وقال ابن عدى بعد أن أشار إلى الرواية الأولى:‏" وعبد االله أصح ، ولموسى غير هذا ، وأرجو أنه لا بأس به ".ورواه البيهقى فى " شعب الإيمان " كما فى " الصارم " (١٢) من طريق ابنعدى ثم قال:‏ " وقيل:‏ عن موسى بن هلال العبدى عن عبيد االله بن عمر ، وسواءقال:‏ عبيد االله أو عبد االله ، فهو منكر عن نافع عن ابن عمر ، لم يأت به غيره ".قال ابن عبد الهادى:‏ " والصحيح أنه عبد االله المكبر كما ذكره ابن عدى ،وغيره ".قلت:‏ ورواية الدولابى صريحة فى ذلك ، قال الحافظ عقبها فى " اللسان ":"فهذا قاطع للتراع من أنه عن المكبر ، لا عن المصغر ، فإن المكبر هو الذى يكنى أباعبد الرحمن ، وقد أخرج الدولابى هذا الحديث فى من يكنى أبا عبد الرحمن ".


٢٤٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج قلت:‏ وأنا أخشى أن يكون هذا الاختلاف من موسى بن هلال نفسه وليسمن الرواة عنه ، لأن الطرق بالروايتين عنه متقابلة ، فمن الصعب والحالة هذه ترجيحوجه على الآخر من وجهى الاختلاف عليه ، فالاضطراب منه نفسه فإنه ليسبالمشهور ، فقد عرفت آنفا قول ابن عدى فيه " أرجو أنه لا بأس به " وخالفهالآخرون ، فقال أبو حاتم والدارقطنى:‏ " مجهول ".وقال العقيلى عقب الحديث:‏ " لا يصح ، ولا يتابع عليه ".وقال ابن القطان:‏ " الحق أنه لم تثبت عدالته ".قلت:‏ واضطرابه فى إسناد هذا الحديث مما يدل عندى على ضعفه.‏ واالله أعلم.‏ثم رأيت ابن عبد الهادى قد مال أخيرا إلى هذا الذى ذكرناه من اضطرابموسى فيه فقال (١٨) مرجحا أن الصواب قوله " عبد االله بن عمر ": " وكانموسى بن هلال حدث به مرة عن عبيد االله فأخطأ ، لأنه ليس من أهل الحديث ،ولا من المشهورين بنقله ، وهو لم يدرك عبيد االله ، ولا لحقه ، فإن بعض الرواة عنهلا يروى عن رجل عن عبيد االله ، وإنما يروى عن رجل عن آخر عن عبيد االله فإنعبيد االله متقدم الوفاة كما ذكرنا ذلك فيما تقدم بخلاف عبد االله ، فإنه عاش دهرابعد أخيه عبد االله.‏ وكأن موسى بن هلال لم يكن يميز بين عبد االله وعبيد االله ولايعرف أما رجلان ، فإنه لم يكن من أهل العلم ولا ممن يعتمد عليه فى ضبط بابمن أبوابه ".وقد جزم الإمام ابن خزيمة بأن قول موسى فى بعض الروايات عنه " عبيد االله بنعمر " مصغرا خطأ منه فقال بعد أن ساق الحديث فى " صحيحه ": " إن ثبت الخبر، فإن فى القلب منه ". ثم ساق إسناده به ثم قال:‏ " أنا أبرأ من عهدة هذا الخبر ، لأنعبيد االله بن عمر أجل وأحفظ من أن يروى مثل هذا المنكر ، فإن كان موسى بنهلال لم يغلط فيمن فوق أحد العمرين فيشبه أن يكون هذا من حديث عبد االله بنعمر ، فأما من حديث عبيد االله بن عمر فإنى لا أشك أنه ليس من حديثه ".


٢٤٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ذكره الحافظ فى " اللسان " وقد وقع فيه بعض الأخطاء صححناها بقدرالإمكان ، ثم قال:‏ " وعبد االله بن عمر العمرى بالتكبير ضعيف الحديث ، وأخوهعبيد االله بن عمر بالتصغير ثقة حافظ جليل ، ومع ما تقدم من عبارة ابن خزيمةوكشفه عن علة هذا الخبر لا يحسن أن يقال:‏ أخرجه ابن خزيمة فى " صحيحه " إلامع البيان ".قلت:‏ ولذلك فقد تأدب الحافظ السخاوى بتوجيه شيخه هذا فقال فى "المقاصد الحسنة " (١١٢٥) : " وهو فى " صحيح ابن خزيمة " وأشار إلى تضعيفه "ومن أجل ذلك كله قال ابن القطان فى هذا الحديث:‏ " لا يصح " وأنكر على عبدالحق سكوته عن تضعيفه ، وقال:‏ أراه تسامح فيه لأنه من الحث والترغيب علىعمل ".وأنا أخالف ابن القطان فى هذا الذى ظنه من التسامح ، وأرى أن عبد الحقيذهب إلى أن الحديث ثابت عنده لأنه قال فى مقدمة كتابه " الأحكام الكبرى ": "وإن لم تكن فيه علة ، كان سكوتى عنه دليلا على صحته "!وأيضا ، فقد أورد الحديث فى كتابه الآخر " مختصر أحكام الشريعة " المعروفةب (" الأحكام الكبرى ") ، وأورد الحديث فيه وقد نص فى مقدمتها قال:‏ " فإنىجمعت فى هذا الكتاب متفرقا من حديث رسول االله صلى االله عليه وسلم ...وتخيرا صحيحة الإسناد ، معروفة عند النقاد ... " .فهذا وذاك يدلان على أن الحديث صحيح عنده ، نقول هذا بيانا للحقيقةودفعا لسوء الظن بعبد الحق أن يسكت عن الحديث الضعيف ، وهو يراه ضعيفا ً ،وإلا فالصواب الذى لا يرتاب فيه من أمعن النظر فيما سبق من البيان أن الحديثضعيف الإسناد لا تقوم به حجة.‏ولا يقويه أنه روى من طريق أخرى فإا شديدة الضعف جدا ، أخرجها البزارفى " مسنده " قال:‏ حدثنا قتيبة حدثنا عبد االله بن إبراهيم:‏ حدثنا عبد الرحمن بن زيدعن أبيه عن ابن عمر به.‏


٢٤٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج قلت:‏ وهذا إسناد هالك ، وفيه علتان:‏" الأولى:‏ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف جدا ، وهو صاحبحديث توسل آدم بالنبى صلى االله عليهما وسلم ، وهو حديث موضوع كما بينته فى" سلسلة الأحاديث الضعيفة " رقم (٢٥) .والأخرى:‏ عبد االله بن إبراهيم وهو الغفارى ، أورده الذهبى فى " الضعفاء "وقال:‏ " متهم ، قال ابن عدى:‏ ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات ".وقال الحافظ فى " التقريب ": " متروك ، ونسبه ابن حبانإلى الوضع ".قلت:‏ وبه أعله الهيثمى فقال فى " امع " (٢/٤) وتبعه الحافظ فى "التلخيص":‏" رواه البزار وفيه عبد االله بن إبراهيم الغفارى وهو ضعيف ".قلت:‏ وفيه قصور لا يخفى.‏وقال الإمام النووى فى " اموع شرح المهذب " (٢٧٢/٨) ." رواه البزار والدارقطنى بإسنادين ضعيفين " .وقد روى من حديث أنس ، رواه ابن النجار فى " تاريخه المدينة " ‏(ص ٣٩٧)عن محمد بن مقاتل:‏ حدثنا جعفر بن هارون ، حدثنا إسماعيل بن المهدى عن أنسمرفوعا به.‏قلت:‏ وهذا إسناد ساقط بمرة ، إسماعيل بن مهدى لم أعرفه ، وأظنه محرفا من "سمعان بن مهدى " ، فإن نسخة " التاريخ " المطبوعة سيئة جدا ، فقد جاء فى "الميزان ": " سمعان بن مهدى ، عن أنس بن مالك ، لا يكاد يعرف ، ألصقت بهنسخة مكذوبة ، رأيتها ، قبح االله من وضعها ".


٢٤٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج قال الحافظ فى " اللسان ": " وهى من رواية محمد بن مقاتل الرازى عن جعفربن هارون الواسطى عن سمعان ، فذكر النسخة ، وهى أكثر من ثلاثمائة حديث ،أكثر متوا موضوعة ... وأورد الجوزجانى من هذه النسخة حديثا ، وقال:‏ منكر ،وفى سنده غير واحد من اهولين ".قلت:‏ ومن الظاهر أن هذا الحديث من هذه النسخة لأنه مروى بسندها.‏وجعفر بن هارون ، قال الذهبى فى ترجمته:‏ " أتى بخير موضوع ".قلت:‏ فلعله هو الذى افتعل هذه النسخة.‏ومحمد بن مقاتل ‏(وكان فى النسخة:‏ محمد بن محمد بن مقاتل)‏ قال الذهبى:‏ "تكلم فيه ، ولم يترك ".وقال الحافظ فى " التقريب ": " ضعيف.‏وجملة القول:‏ إن هذا الحديث ضعيف لا يحتج به ، وبعض طرقه أشد ضعفا من(١)بعض.‏-القيامة)‏ .وأما حديث :‏(من زارني بالمدينة محتسبا؛ كنت له شهيدا أو شفيعا يومضعيف.‏رواه السهمي في ‏"تاريخ جرجان"‏ (٣٩١) : حدثنا أبو بكر الصرامي:‏ حدثناأبو عوانة موسى بن يوسف القطان:‏ حدثنا عباد بن موسى الختلي:‏ حدثنا ابن أبيفديك عن سليمان بن يزيد الكعبي عن أنس بن مالك مرفوعا.‏وهذا إسناد ضعيف؛ سليمان هذا؛ قال أبو حاتم:‏(١)إرواء الغليل(١١٢٨)


٢٤٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ‏"منكر الحديث ليس بالقوي".‏ وقال ابن حبان:‏‏"لا يجوز الاحتجاج به".‏وموسى بن يوسف القطان؛ لم أجد من ترجمه.‏وأبو بكر الصرامي:‏ اسمه محمد بن أحمد بن إسماعيل؛ ترجمه السهمي وقال:‏‏"إنه توفي سنة (٣٥٨) ‏"؛ ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.‏لكن ذكره الحافظ في ‏"التلخيص"‏ (٢/ ٤٦٧) من رواية ابن أبي الدنيا في‏"كتاب القبور"‏ قال:‏ أخبرنا سعيد بن عثمان الجرجاني:‏ أخبرنا ابن أبي فديك به.‏فانحصرت العلة في الكعبي.‏ وبه أعله الحافظ فقال:‏والدارقطني".‏‏"ضعفه ابن حبان،‏(١)وأما حديث" من زارني بعد موتي،‏ فكأنما زارني في حياتي ".-باطل.‏-٢٧٩رواه الدارقطني في " سننه " ‏(ص ٢٨٠) عن هارون أبي قزعة عنرجل من آل حاطب قال:‏ قال رسول االله صلى االله عليه وسلم:‏ فذكره.‏وهكذا رواه المحاملي والساجي كما في " اللسان ".قلت:‏ وهذا سند ضعيف،‏ وله علتان:‏الأولى:‏ الرجل الذي لم يسم،‏ فهو مجهول.‏(١)سلسلة الأحاديث الضعيفة.(٤٥٩٨)


٢٤٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج والثانية:‏ ضعف هارون أبي قزعة،‏ ضعفه يعقوب بن شيبة،‏ وذكره العقيليوالساجي وابن الجارود في " الضعفاء "، وقال البخاري:‏ لا يتابع عليه.‏ثم ساق له هذا الحديث،‏ لكنه لم يذكر فيه حاطبا،‏ فهو مرسل،‏ وقد أشار إلىذلك الأزدي بقوله:‏هارون أبو قزعة يروي عن رجل من آل حاطب المراسيل.‏قلت:‏ فهذه علة ثالثة،‏ وهي الاختلاف والاضطراب على هارون في إسناده ،فبعضهم يوصله،‏ وبعضهم يرسله،‏ وقد اضطرب في متنه أيضا،‏ وبين ذلك كله الحافظبن عبد الهادي في " الصارم المنكي " ‏(ص ١٠٠) ، فليرجع إليه من شاء التفصيل،‏وبالجملة فالحديث واهي الإسناد،‏ وقد روي بإسناد آخر مثله في الضعف أوأشد منحديث ابن عمر،‏ وسبق الكلام عليه مفصلا برقم (٤٧) ، واختلف حافظان جليلانفي أيهما أجود إسنادا،‏ على عجرهما وبجرهما!‏ فقال شيخ الإسلام:‏أجودهما حديث ابن عمر،‏ وقال الذهبي:‏ أجودهما حديث حاطب هذا،‏ وعزاهلابن عساكر كما في " المقاصد " (٤١٣) ، وإذا قابلت إسناد أحدهما بالآخر،‏وتأملت ما فيهما من العلل،‏ تبين لك أن الصواب قول الذهبي،‏ لأن هذا الحديثليس فيه متهم بالكذب بخلاف حديث ابن عمر؛ فإن فيه من ام بالكذب ووضعالحديث،‏ كما بينته هناك،‏ وإذا عرفت هذا،‏ فقول السخاوي في " المقاصد " بعدحديث ابن عمر المشار إليه،‏ ونقله عن ابن خزيمة والبيهقي أما ضعفاه:‏ وكذا قالالذهبي:‏ طرقه كلها لينة،‏ لكن يتقوى بعضها ببعض،‏ لأن ما في رواا متهم بالكذب.‏قلت:‏ فهذا التعليل باطل،‏ لما ذكرنا من وجود المتهم في طريق ابنفالتقوية المشار إليها باطلة أيضا،‏ فتنبه.‏عمر،‏ وعليهوأما متن الحديث فهو كذب ظاهر،‏ كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه االلهتعالى،‏ ونقلنا كلامه في ذلك عند حديث ابن عمر المشار إليه،‏ فلا نعيده.‏


٢٤٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ومما سبق تعلم أن ما جاء في بعض كتب التربية الدينية التي تدرس في سوريةتحت عنوان:‏ زيارة قبر النبي صلى االله عليه وسلم:‏ أن هذا الحديث رواه الدارقطنيوابن السكن والطبراني وغيرهم بروايات مختلفة تبلغ درجة القبول،‏ لم يصدر عن بحثعلمي في إسناده،‏ ولا نظر دقيق في متنه،‏ الذي جعل من زار قبره صلى االله عليهوسلم،‏ بمترلة من زاره في حياته،‏ ونال شرف صحبته،‏ التي من فضائلها ما تحدث عنهصلى االله عليه وسلم بقوله:‏" لا تسبوا أصحابي فوالذي نفس محمد بيده،‏ لوأنفق أحدكم مثل جبل أحدذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه "!.فمن كان بينه وبين هؤلاء الصحابة رضي االله عنهم هذا البون الشاسع فيالفضل والتفاوت،‏ كيف يعقل أن يجعله صلى االله عليه وسلم مثل واحد منهم،‏ بمجرد(١)زيارة قبره صلى االله عليه وسلم،‏ وهي لا تعدوأن تكون من المستحبات؟ !(١)سلسلة الأحاديث الضعيفة(١٠٢١)


٢٥٠ مدخلابنالحاج-٢٥-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم قال في الد الأول ص‎٢٦٤‎‏:‏‏[وق َد ل َا يحتاج الزائر في ط َل َب ِ حوائج ِه ومغفرة ذ ُنوب ِه أ َن ْ يذ ْك ُرها ب ِلسان ِه‏،‏بل ْ يحضر ذ َلك في ق َل ْب ِه وهو حاضر بين يديه - صل َّى الل َّه عل َيه وسل َّم ‏-؛ لأ َنهعل َيه الصل َاة ُ والسل َام أ َعل َم منه ب ِحوائج ِه ومصالحه وأ َرحم ب ِه منه لنف ْسِه‏،‏وأ َشف َق عل َيه من أ َق َار ِب ِه‏.]‏--الرد:‏ تقدم بيان أن طلب الحوائج من الموتى شرك كذلك مغفرة الذنوب.‏ورسول االله صلى االله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعا ً ولا ضرا ً فضلا ً عن غيره وقدنفى االله عنه علم الغيب ودين الإسلام لا يجتمع في قلب إنسان مع هذا الغلو العظيم.‏قال تعالى في سورة الأعراف آمرا نبيه صلى االله عليه وسلم:‏ ‏{ق ُل ْ لا أ َملكلنف ْسِي نف ْعا ً ولا ضرا ً إ ِلا َّ ما شاءَ‏ الل َّه ول َو ك ُنت أ َعل َم ال ْغيب لاستك ْث َرت من ال ْخير ِ ومامسن ِي السوءُ‏ إ ِن ْ أ َنا إ ِلا َّ نذير وبشير لق َوم ٍ يؤمنون َ}‏ .وإذا كان النبي صلى االله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فبديهي أنه لايملك ذلك لغيره وصرح ذا المعنى في آيات أ ُخر قال االله آمرا نبيه صلى االله عليهوسلم:‏ ‏{ق ُل ْ إ ِني لا أ َملك ل َك ُم ضرا ً ولا رشدا ً}‏ .‏{ق ُل ْ ل َو أ َن َّ عندي ما تستعج ِل ُون َ ب ِه ل َق ُضي ال ْأ َمر بين ِي وبينك ُم‏}‏ .‏{ل َيس ل َك من ال ْأ َمر ِ شيءٌ}‏ .وقال صلى االله عليه وسلم حين أنزل عليه ‏{وأ َنذر عشيرتك الأَق ْرب ِين‏}‏ : ‏"يامعشر قريش ‏-أو كلمة نحوها-‏ اشتروا أنفسكم من االله لا أغني عنكم من االله شيئا".‏


٢٥١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من االله شيئا،‏ يا صفية عمة رسول االله لاأغني عنك من االله شيئا،‏ يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنكمن االله شيئا".‏فإذا كان أكمل الخلق صلى االله عليه وسلم كذلك،‏ فغيره أبعد عن ذلك وأبعد،‏فهذه البيانات الواضحة والتصريحات القوية التي تصدر عن أصدق القائلين الهدفالأصيل منها أن يقطع المؤمن الصادق كل أمل وكل رجاء من غير االله ويتجه بدعائهورجائه ورغباته وكل مطالبه إلى االله وحده مباشرة.‏ولذا قال عقب هذه الآية التي تلوناها عليكم من سورة يونس:‏ ‏{وإ ِن ْ يمسسكالل َّه ب ِضر ف َلا ك َاشف ل َه إ ِلا َّ هو وإ ِن ْ ير ِدك ب ِخير ٍ ف َلا راد لف َضله يصيب ب ِه من يشاءُ‏من عباده‏}‏ .وقال في سورة الأنعام مستعملا الأسلوب نفسه:‏ ‏{وإ ِن ْ يمسسك الل َّه ب ِضر ف َلاك َاشف ل َه إ ِلا َّ هو وإ ِن ْ يمسسك ب ِخير ٍ ف َهو عل َى ك ُل ِّ شيءٍ‏ ق َدير‏}‏ .


٢٥٢ مدخلابنالحاج-٢٦-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم ذكر ابن الحاج في الد الأول ص‎٢٦٤‎:أن أبو محمد بن السيد البطليوس كتب في رقعة أرسلها إلى قبر النبي صلى االلهعليه وسلم هذه الأبيات:‏إل َيك أ َفر من زل َلي وذ َنب ِي...وأ َنت إذ َا ل َقيت الل َّه حسب ِيوزورة ُ ق َبر ِك ال ْمحجوج قدما ... مناي وبغيتي ل َو شاءَ‏ ربيالرد:‏ الفرار من الزلل والذنوب إلى االله تعالى فقد قال سبحانه:‏ ‏(ف َفروا إ ِل َىالل َّه إ ِني ل َك ُم منه نذير مب ِين‏).‏ولما قال رجل عند النبي صلى االله عليه وسلم:‏اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد قال النبي صلى االله عليه وسلم:‏(١)‏"عرف الحق لأهله".‏(١)أخرجه الإمام أحمد (٤٣٥/٣) ، والطبراني في ‏"الكبير":‏ (٢٦٣/١) ، والحاكم في ‏"المستدرك":‏(٢٥٥/٤) ، والبيهقي في ‏"الشعب":‏ (١٠٣/٤) كلهم من طريق محمد بن مصعب القرقساني عن سلام بنمسكين والمبارك بن فضالة عن الحسن عن الأسود بن سريع مرفوعا ً.‏قال الحاكم:‏ ‏"صحيح"،‏ وتعقبه الذهبي بقوله:‏ قلت:‏ فيه محمد بن مصعب ضعيف.‏قلت:‏ وفي سنده أيضا ً انقطاع فإن الحسن لم يسمع من الأسود بن سريع كما ذكره ابن منده،‏ وعلي بن المدنيكما نقله عنه ابن حبان في ‏"ثقاته".‏انظر ‏"‏ذيب التهذيب":‏ (٣٣٨/١) ، و ‏"الثقات"لابن حبان (٨/٣) .


٢٥٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج والحسب هو االله سبحانه فهو الكافي لعبده.‏ وقبر النبي صلى االله عليه وسلم ليسيحج إليه فالحج خاص ببيت االله الحرام والحج إلى القبور فعل المشركين.‏والمقصود أن ابن الحاج ذكر هذه الأبيات مستحسنا ً لها مع ما فيها من الغلو(١)العظيم.‏(١)السراج ص‎٤٤‎


٢٥٤ مدخلابنالحاج-٢٧-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم قال ابن الحاج في الد الأول ص‎٢٦٥‎‏:‏‏[ف َأ َما الزائر أ َياما ويرج ِع ف َال ْأ َول َى ل َه أ َن ْ ل َا يخرج من بين ِ يديه ول َا منمشاهدته وج ِوار ِه‏،‏ وال ْمق َام ِ عنده - عل َيه الصل َاة ُ والسل َام -، ف َإ ِنه عروس ال ْممل َك َةوباب ق َضاءِ‏ ال ْحوائج ِ دينا ودنيا وأ ُخرى ف َيذ ْهب إل َى أ َين.["الجواب العكوف عند القبور هو فعل المشركين وقد ذكر االله عز وجل منالخليل عليه السلام أنه قال لقومه:‏ ‏(ما هذه التماثيل ُ ال َّتي أ َنتم ل َها عاكف ُون َ)‏(١)والعكوف إنما يكون في المساجد عبودية الله تعالى.‏قال شيخ الإسلام رحمه االله :ومن المحرمات:‏ العكوف عند القبر وااورة عنده،‏ وسدانته،‏ وتعليق الستورعليه،‏ كأنه بيت االله الكعبة.‏فإنا قد بينا أن نفس بناء المسجد عليه منهي عنه باتفاق الأمة،‏ محرم بدلالةالسنة،‏ فكيف إذا ضم إلى ذلك ااورة في ذلك المسجد،‏ والعكوف فيه كأنه المسجدالحرام؟ بل عند بعضهم أن العكوف فيه أحب إليه من العكوف في المسجد الحرام،‏ إذمن الناس من يتخذ من دون االله أندادا يحبوم كحب االله،‏ والذين آمنوا أشد حبا الله.‏بل حرمة ذلك المسجد المبني على القبر الذي حرمه االله ورسوله،‏ أعظم عند المقابريينمن حرمة بيوت االله التي أذن االله أن ترفع ويذكر فيها اسمه،‏ وقد أسست على تقوىمن االله ورضوان .(١)السراج ص‎٤٤‎


٢٥٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وقد بلغ الشيطان ذه البدع إلى الشرك العظيم في كثير من الناس،‏ حتى إنمنهم من يعتقد أن زيارة المشاهد التي على القبور إما قبر لنبي،‏ أو شيخ،‏ أو بعضأهل البيت أفضل من حج البيت الحرام،‏ ويسمي زيارا:‏ الحج الأكبر،‏ ومن هؤلاءمن يرى أن السفر لزيارة قبر النبي صلى االله عليه وسلم أفضل من حج البيت.‏وبعضهم إذا وصل المدينة رجع وظن أنه حصل له المقصود . وهذا لأم ظنوا أن(١)زيارة القبور لأجل الدعاء عندها والتوسل ا،‏ وسؤال الميت ودعائه.‏--(١)اقتضاء الصراط المستقيم ٢٦٧/٢٢٦٨ ،


٢٥٦ مدخلابنالحاج-٢٨-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفقال ابن الحاج في الد الثاني ص‎٣٠‎‏:‏----‏[وذ َلك أ َن َّ الل َّه تبارك وتعال َى خل َق نور محمد - صل َّى الل َّه عل َيه وسل َّمق َبل َ خل ْق ِ آدم ب ِأ َل ْف َي عام ٍ وجعل َه في عمود أ َمام عرشه يسبح الل َّه ويق َدسه ث ُم خل َقآدم عل َيه الصل َاة ُ والسل َام من نور ِ محمد - صل َّى الل َّه عل َيه وسل َّم وخلقنور النب ِيين - عل َيه ِم السل َام من نور ِ آدم - عل َيه الصل َاة ُ والسل َام - انتهى.]‏-الرد:‏ هذا كذب فلم يتقدم نور النبي صلى االله عليه وسلم خلقه وآدم عليهالسلام خلقه االله عز وجل من التراب وإبليس لم يقل خلقت آدم من نور محمد بلقال ‏(وخل َق ْته من طين ٍ)‏ كذلك الأنبياء عليهم السلام لم يخلقوا من نور آدم وهذا كلهتخريف وإنما خلقوا كسائر الذرية سوى عيسى عليه السلام فإنه خلق من نفخة(١)المل َك.‏فمن قال إن الرسول خلق من نور االله فهو كافر،‏ ومن قال أيضا خلق من نورعرش االله فهو كافر متقول على االله ما لم يقل،‏ متقول على رسول االله ما لم يقله.‏وأما حديث ‏(أول ما خلق االله نور نبيك يا جابر).‏(٢)فنقول:‏ هذا الحديث أورده العجلوني في ‏(كشف الخفاء)‏ وقال:‏ رواه عبدالرزاق بسنده عن جابر بن عبد االله بلفظ قال:‏ قلت:‏ يا رسول االله،‏ بأبي أنت وأمي،‏أخبرني عن أول شئ خلقه االله قبل الأشياء.‏السراج ٤٥برقم ٨٢٧) ( .(١)(٢)


٢٥٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج -قال:‏ يا جابر،‏ إن االله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره،‏ فجعل ذلكالنور يدور بالقدرة حيث شاء االله،‏ ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنةولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا إنسي،‏ فلماأراد االله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء:‏ فخلق من الجزء الأول القلم،‏ومن الثاني اللوح،‏ ومن الثالث العرش،‏ ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء:‏ فخلق منالجزء الأول حملة العرش ومن الثاني الكرسي ومن الثالث باقي الملائكة،‏ ثم قسم الجزءالرابع أربعة أجزاء:‏ فخلق من الأول السماوات،‏ ومن الثاني الأرضين،‏ ومن الثالثالجنة والنار،‏ ثم قسم الرابع أربعة أجزاء:‏ فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين،‏ ومنالثاني نور قلوم وهى المعرفة باالله،‏ ومن الثالث نور إنسهم وهو التوحيد لا إله إلااالله محمد رسول االله الحديث،‏ كذا في ‏(المواهب).‏ اه.‏ المقصود من كلامه.‏والواضح أن العجلوني لم يطلع على الحديث في ‏(مصنف عبد الرزاق)‏ وإنما نقلهمن كتاب ‏(المواهب).وقد بحثت في ‏(مصنف عبد الرزاق)‏ فلم أجد هذا الحديث.‏ويرد هذا الحديث ما رواه مسلم عن رسول االله - صلى االله عليه وآله وسلم -أنه قال:‏ ‏«خلق َت ال ْمل َائك َة ُ من نور ٍ وخلق ال ْجان ُّ من مار ِج ٍ من نار ٍ وخلق آدم مماوصف ل َك ُم‏».‏... » :(٧٤١-قال الألباني في ‏(السلسلة الصحيحة)‏ (١/ وفيه ‏(أي حديث:‏‏«خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من نار السموم وخلق آدم عليه السلام مما قدوصف لكم»‏ إشارة إلى بطلان الحديث المشهور على ألسنة الناس:‏ ‏«أول ما خلق االلهنور نبيك يا جابر».‏ ونحوه من الأحاديث التي تقول بأنه - صلى االله عليه وآله وسلمخلق من نور،‏ فإن هذا الحديث دليل واضح على أن الملائكة فقط هم الذينخلقوا من نور،‏ دون آدم وبنيه».‏


٢٥٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج * ونحيل القارئ إلى الرسالة المسماة ‏(مرشد الحائر لبيان وضع حديث جابر)‏تأليف أحد كبار دعاة الصوفية:‏ عبد االله بن محمد بن الصديق الغماري المتوفى سنة‎١٤١٣‎ه الذي يصفه الصوفية بمحدث الديار المغربية والبلاد الأفريقية،‏ وفيها الردالوافي على القائلين بأن أول ما خلق االله نور النبي محمد - صلى االله عليه وآله وسلم(١).-* ونقتبس منها الآتي ‏(بتصرف):‏-* ‏«فهذا جزء سميته:‏ ‏(مرشد الحائر لبيان وضع حديث جابر)،‏ أردت به تتريهالنبي - صلى االله عليه وآله وسلم عما نسب إليه مما لم يصح عنه ويعد من قبيلالغلو المذموم،‏ ومع ذلك صار عند العامة وكثير من الخاصة معدودا من الفضائلالنبوية التي يكون إنكارها طعنا في الجناب النبوي عندهم،‏ ولا يدركون ما في رأيهموقولهم من الإثم العظيم الثابت في قول النبي صلى االله عليه وآله وسلمكذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»‏ ‏(رواه البخاري ومسلم وليس في حديثالبخاري ‏(متعمدا)).‏-: ‏«من-والذي يصفه بما لم يثبت عنه كاذب عليه واقع في المحذور إلا ّ أن يتوب،‏ ولايكون مدحه عليه الصلاة والسلام شافعا له في الكذب عليه.‏ فإن فضائل النبيصلى االله عليه وآله وسلم إنما تكون بالثابت المعروف حذرا من الكذب المتوعدعليه بالنار.‏--* وقد وردت أحاديث في هذا الموضوع باطلة،‏ وجاءت آراء شاذة عن التحقيقعاطلة،‏ أ ُبينها في هذا الجزء بحول االله.‏--* روى عبد الرزاق فيما قيل عن جابر رضي االله عنه قال:‏يا رسول االله،‏ بأبي أنت وأمي،‏ أخبرني عن أول شئ خلقه االله قبل الأشياء.‏‏«قلت:‏(١)إنما نقلت كلامه حجة على أتباعه الصوفية،‏ وإلا ففي كتبه كثير من الضلال.‏


٢٥٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج /١قال:‏ يا جابر،‏ إن االله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره،‏ فجعل ذلكالنور يدور بالقدرة حيث شاء االله،‏ ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنةولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا إنسي،‏ فلماأراد االله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء:‏ فخلق من الجزء الأول القلم،‏ومن الثاني اللوح،‏ ومن الثالث العرش،‏ ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء:‏ فخلق منالجزء الأول حملة العرش ومن الثاني الكرسي ومن الثالث باقي الملائكة،‏ ثم قسم الجزءالرابع أربعة أجزاء:‏ فخلق من الأول السماوات،‏ ومن الثاني الأرضين،‏ ومن الثالثالجنة والنار،‏ ثم قسم الرابع أربعة أجزاء:‏ فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين،‏ ومنالثاني نور قلوم وهى المعرفة باالله،‏ ومن الثالث نور إنسهم وهو التوحيد لا إله إلااالله محمد رسول االله»‏ الحديث،‏ وله بقية طويلة وقد ذكره بتمامه ابن العربي الحاتميفي كتاب ‏(تلقيح الأذهان ومفتاح معرفة الإنسان)،‏ والديار بكري في كتاب‏(الخميس في تاريخ أنفس نفيس).‏* وعزوه إلى رواية عبد الرزاق خطأ؛ لأنه لا يوجد في مصنفه ولا جامعه ولاتفسيره.‏ بل المذكور في تفسيره خلاف ذلك،‏ فقد ذكر أن أول الأشياء وجودا الماء.‏* وقال الحافظ السيوطي في الحاوي:‏ ‏«ليس له إسناد يعتمد عليه»‏ اه ‏(انظرالحاوي في الفتاوى في تفسير سورة المدثر،‏ وقد ذكر السيوطي في ‏(قوتالمغتذي شرح الترمذي)‏ بعد أن ذكر الحديث:‏ ‏«أول ما خلق االله تعالى القلم»‏ فقال:‏‏«أما حديث أولية العقل فليس له أصل،‏ وأما حديث أولية النور المحمدي فلا يثبت»‏اه.‏٣٢٥* وهو حديث موضوع جزما،‏ وفيه اصطلاحات المتصوفة،‏ وبعض الشناقطةالمعاصرين رك ّب له إسنادا فذكر أن عبد الرزاق رواه من طريق ابن المنكدر عنجابر وهذا كذب يأثم عليه.‏


٢٦٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج * وقد ادعى بعضهم أيضا أن هذا الحديث أي حديث جابر المفتعل صحكشف ًا.‏ فهذا كلام لا معنى له؛ لأن الكشف الذي يخالف حديث رسول االلهاالله عليه وآله وسلم - لا عبرة به.‏- صلى-* أقول ‏(أي الغماري):‏ هذا الحديث مخالف لقوله تعالى:‏ ‏{ق ُل ْ إ ِنما أ َنا بشرمث ْل ُك ُم‏}،‏ ومخالف للحديث الذي رواه البخاري وغيره أن أهل اليمن أتوا رسول االله- صلى االله عليه وآله وسلم فقالوا:‏ يا رسول االله جئناك لنتفق ّه في الدين ولنسألكعن أول هذا الأمر،‏ قال:‏ كان االله ولم يكن شىء غيره،‏ وكان عرشه على الماءوكتب في الذكر كل شىء،‏ ثم خلق السموات والأرض».‏ وبالجملة فالحديث منكرموضوع لا أصل له في شىء من كتب السنة.‏-* ومثله في النكارة ما روي عن علي بن الحسين،‏ عن أبيه رضي االله عنهما -، عن جده أن النبي - صلى االله عليه وآله وسلم قال:‏ ‏«كنت نورا بين يدي ربيقبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام»‏ وهو كذب أيضا.‏--* ومن الكذب السخيف ما يقال إن إحدى أمهات المؤمنين أرادت أن تلفإزارا على جسد النبي صلى االله عليه وآله وسلم فسقط الإزار أي لأنه نور،‏وهذا لا أصل له.‏ وقد كان النبي - صلى االله عليه وآله وسلم يستعمل الإزار ولميسقط عنه.‏---* وكونه -صلى االله عليه وآله وسلمنورا ونحو ذلك،‏ لأنه نور العقول والقلوب.‏نورا أمر معنوي،‏ مثل تسمية القرآن-* ومن الكذب المكشوف قولهم:‏ ‏«لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك»،‏ وكذلكما روي عن علي رضي االله عنه -، عن النبي - صلى االله عليه وآله وسلم قال:‏هبط علي جبريل فقال:‏ إن االله يقرؤك السلام ويقول:‏ ‏«إني حرمت النار على صلبأنزلك،‏ وبطن حملك،‏ وحجر ك َف َل َك»‏ وهو حديث موضوع.‏-


٢٦١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج ---* وروي في بعض كتب المولد النبوي عن أبي هريرة قال:‏ سأل النبي صلىاالله عليه وآله وسلم جبريل عليه السلام فقال:‏ يا جبريل كم عمرت منالسنين؟ فقال:‏ يا رسول االله،‏ لست أعلم غير أن في الحجاب الرابع نجما يطلع في كلسبعين ألف سنة مرة،‏ رأيته اثنتين وسبعين ألف مرة،‏ فقال النبي‏:‏ وعزة ربي أنا ذلكالكوكب».وهذا كذب قبيح،‏ قبح االله من وضعه وافتراه.‏---* وذكر بعض غلاة المتصوفة أن جبريل عليه السلام كان يتلق ّى الوحي منوراء حجاب وك ُشف له الحجاب مرة فوجد النبي صلى االله عليه وآله وسلميوحي إليه،‏ فقال جبريل:‏ ‏«منك وإليك».‏--قلت ‏(أي الغماري):‏ لعن االله من افترى هذا الهراء المخالف للقرآن فإن االله تعالىيقول لنبيه:‏ ‏{وك َذ َلك أ َوحينا إ ِل َيك روحا من أ َمر ِنا ما ك ُنت تدر ِي ما ال ْكتاب ولاالإِيمان ُ}‏ ‏(الشورى:‏‎٥٢‎‏)‏ ويقول:‏ ‏{نزل َ ب ِه الروح الأَمين * عل َى ق َل ْب ِك لتك ُون َ منال ْمنذر ِين‏}‏ ‏(الشعراء:‏‎١٩٣‎.(١٩٤ ---* ما يوجد في كتب المولد النبوي من أحاديث لا خطام لها ولا زمام هي منالغلو الذي ى االله ورسوله عنه،‏ فتحرم قراءة تلك الكتب.‏ والنبي - صلى االله عليهوآله وسلم يقول:‏ ‏«من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين»‏‏(رواه مسلم)‏ يرى بضم الياء:‏ معناه يظ َن‏.‏-* وفضل النبي صلى االله عليه وآله وسلم ثابت في القرءان الكريم،‏والأحاديث الصحيحة،‏ وهو في غنى عما يقال فيه من الكذب والغلو،‏ وقالاالله عليه وآله وسلم -: ‏«ل َا تط ْرون ِي ك َما أ َط ْرت النصارى ابن مريم ف َإ ِنما أ َنا عبدهف َق ُول ُوا عبد الل َّه ورسول ُه‏».‏ ‏(رواه البخاري).‏ ‏(انتهى المقصود من كلام الغماري).‏- صلىوأخيرا.‏ .. سؤال موجه إلى هؤلاء القائلين بأن الرسول َ -وسلم هو أول خلق االله:‏صلى االله عليه وآله-


٢٦٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج --يقال لهم:‏ ألستم تعتقدون أن إبليس خلق قبل ءادم؟ فيقولون:‏ بلى؛ للنص الواردفي القرآن وهو قوله تعالى:‏ ‏{وال ْجآن َّ خل َق ْناه من ق َبل ُ من نار ِ السموم ِ}‏ فيقال لهم:‏وهل سبق إبليس آدم عليه السلام بالخلق يقتضي أفضليته؟ فلا شك أم لايقولون إن ذلك يقتضي أفضلية إبليس.‏ فيقال لهم:‏ لماذا تتشبثون بقولكم ‏«الرسولأول ُ خلق االله»‏ وأي طائل تحت قولكم هذا؟!‏(١)(١)كشف شبهات الصوفية ص‎٢٠٧‎


٢٦٣ مدخلابنالحاج-٢٩-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفقال ابن الحاج في الد الثاني ص‎١٤٨‎الصفات قال:‏بعد أن تكلم عن بعض أحاديث‏[وسب ِيل ُها إذ َا صحت الروايات ب ِها أ َن ْ تتأ َول َ عل َى ما يصح مما ينتفي ب ِهالتشب ِيه عن الل َّه عز وجل َّ ب ِشيءٍ‏ من خل ْقه‏،‏ ك َما يصنع ب ِما جاءَ‏ في ال ْق ُرآن ممايق ْتضي ظ َاهره التشب ِيه‏،‏ وهو ك َثير ك َال ْإ ِتيان في ق َوله عز وجل َّ ‏{هل ْ ينظ ُرون َ إ ِلا أ َن ْيأ ْتيهم الل َّه في ظ ُل َل ٍ من ال ْغمام ِ وال ْملائك َة ُ}‏ ‏[البقرة:‏ ٢١٠] ، وال ْمج ِيءِ‏ في ق َولهعز وجل َّ ‏{وجاءَ‏ ربك وال ْمل َك صفا صفا}‏ ‏[الفجر:‏ ٢٢] انتهى.‏وذ َلك يحتمل ُ وجهين ِ أ َحدهما:‏ أ َن ْ يك ُون َ ال ْمراد ب ِق َوله ‏{هل ْ ينظ ُرون َ إ ِلا أ َن ْيأ ْتيهم الل َّه‏}‏ ‏[البقرة:‏ ٢١٠] أ َي عذ َابه‏،‏ ون ِق ْمته لمن ك َف َر ب ِه‏،‏ وأ َل ْحد في آياته‏،‏وك َذ َلك ال ْمعنى في ق َوله‏،‏ وجاءَ‏ ربك.‏ال ْوجه الث َّان ِي:‏ أ َن ْ يك ُون َ ال ْمراد الظ ُّهور إذ ْ ل َا ف َرق بين الدنيا،‏ وال ْآخرة ب ِالنسبةإل َيه سبحانه وتعال َى،‏ وإ ِنما ال ْحجاب منا،‏ ف َإ ِذ َا ك َشف سبحانه وتعال َى ال ْحجاب عناظ َهر ل َنا سبحانه وتعال َى ].الرد:‏ أحاديث الصورة والضحك والساق التي ذكرها صحيحة وسبيلهاليس كما يقول أن تتأول بل يؤمن ا وتثبت الله عز وجل كما يليق بجلاله بلاتكييف ولا يلزم من إثباا ولا إثبات غيرها من الصفات التشبيه هذا هو مذهب أهلالسنة إذ أن صفات الباري عز وجل ليست كصفات خلقه فلا يلزمها ما يلزمصفات خلقه.‏


٢٦٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (١)كذلك جميع الصفات التي وردت في القرآن والسنة لا تدل على التشبيه فالإتيانوايء ثابت الله عز وجل كما يليق به فتأويل إتيانه وذلك يوم القيامة بإثبات عذابهونقمته باطل بل يأتي بنفسه سبحانه.‏قال الإمام النووي رحمه االله تعالى في شرحه لصحيح مسلم عند حديث الرؤيةاعلم أن لأهل العلم في أحاديث الصفات وآيات الصفات قولين أحدهما وهو مذهبمعظم السلف أو كلهم أنه لا يتكلم في معناه بل يقولون يجب علينا أن نؤمن اونعقتد لها معنى يليق بجلال االله تعالى وعظمته مع اعتقادنا الجازم أن االله تعالى ليسكمثله شيء وأنه متره عن التجسيم والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفاتالمخلوق وهذا القول هو مذهب جماعة من المتكلمين واختاره جماعة من محققيهموهو أسلم.‏وقال في مقدمة اموع شرح المهذب اختلفوا في آيات الصفات وأخبارها هليخاض فيها بالتأويل أم لا فقال قائلون تتأول على ما يليق ا وهذا أشهر المذهبينللمتكلمين وقال آخرون لا تتأول بل يمسك عن الكلام في معناها أو يوكل علمهاإلى االله تعالى ويعتقد مع ذلك تتريه االله تعالى وانتفاء صفات الحادث عنه فيقال مثلانؤمن بأن ‏{الرحمن على ال ْعرش استوى}‏ ولا نعلم حقيقة معنى ذلك والمراد به معأننا نعتقد أن االله تعالى ليس كمثله شيء وأنه متره عن الحلول وسمات الحدوث وهذهطريقة السلف أو جماهيرهم وهي أسلم إذ لا يطالب الإنسان بالخوض في ذلك فإذااعتقد التتريه لا حاجة إلى الخوض في ذلك والمخاطرة فيما لا ضرورة بل لا حاجة(٢)إليه ... الخ(١)(٢)السراج ص‎٤٦‎إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل ص‎٤٦‎


٢٦٥ مدخلابنالحاج-٣٠-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفوقال في الد الثاني ص‎١٤٩‎‏:‏‏[أ َما الضحك ف َهو عبارة ٌ عما يصدر من ال ْمتصف ب ِذ َلك منا من الرضا،‏وال ْإ ِحسان ].:الرد الذي عليه أهل السنة والجماعة إثبات صفة الضحك الله تعالى كمايليق بجلاله،‏ وبذلك جاءت السنة المطهرة.‏(١)ففي ‏"الصحيحين"‏ وغيرهما عن أبي هريرة رضي االله عنه:‏ ‏«أن رجلا أتى النبيصلى االله عليه وسلم،‏ فقال:‏ يا رسول االله!‏ أصابني الجهد.‏ فأرسل إلى نسائه،‏ فلم يجدعندهن شيئا.‏ فقال رسول االله صلى االله عليه وسلم:‏ ‏"ألا رجل يضيفه الليلة يرحمهاالله؟ ". فقام رجل من الأنصار،‏ فقال:‏ أنا يا رسول االله!‏ فذهب إلى أهله،‏ فقاللامرأته:‏ ضيف رسول االله صلى االله عليه وسلم لا تدخريه شيئا.‏ فقالت:‏ واالله ماعندي إلا قوت الصبية.‏ قال:‏ فإذا أراد الصبية العشاء؛ فنوميهم،‏ وتعالي،‏ فأطفئيالسراج،‏ ونطوي بطوننا الليلة.‏ ففعلت،‏ ثم غدا الرجل على رسول االله صلى االله عليهوسلم،‏ فقال:‏ ‏"ضحك االله الليلة ‏(أو:‏ عجب)‏ من فعالكما»‏ .وفي مسلم عن ابن مسعود رضي االله عنه:‏ أن رسول االله صلى االله عليه وسلمقال:‏ ‏«آخر من يدخل الجنة رجل يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة...."‏الحديث.‏ وفي آخره أن االله تعالى يقول له:‏ ‏"يا ابن آدم!‏ أيرضيك أن أعطيك الدنياومثلها معها؟ قال:‏ يا رب!‏ أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ ". فضحك ابنمسعود،‏ فقال:‏ ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا:‏ مم ضحكت؟ قال:‏ هكذا ضحك(١)البخاري في صحيحه:‏ ٦٣١/٨، ورقمه:‏ ٤٨٨٩. ورواه مسلم:‏ ١٦٢٥/٣. ورقمه:‏ ٢٠٥٤ واللفظللبخاري.‏


٢٦٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج رسول االله صلى االله عليه وسلم.‏ فقالوا:‏ مم تضحك يا رسول االله؟ قال:‏ ‏"من ضحكرب العالمين حين قال:‏ أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فيقول:‏ إني لا أستهزئ(١)منك،‏ ولكني على ما أشاء قادر»‏ .(٢)وفي ‏"الصحيحين"‏ أيضا من حديث أبي هريرة رضي االله عنه:‏ أن رسول االلهصلى االله عليه وسلم قال:‏ فذكر الحديث بطوله في رؤية الرب،‏ وذكر الحشروالقضاء بين العباد،‏ وفي آخره ذكر آخر أهل الجنة دخولا الجنة،‏ وفيه أنه ‏«لا يزاليدعو االله»‏ ‏«حتى يضحك االله منه،‏ فإذا ضحك االله منه؛ قال:‏ ادخل الجنة»‏ .(٣)وفي ‏"الصحيحين"‏ أيضا واللفظ لمسلم عن أبي هريرة رضي االله عنه؛ قال:‏ قالرسول االله صلى االله عليه وسلم:‏ ‏«يضحك االله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر،‏كلاهما يدخل الجنة".‏ قالوا:‏ كيف يا رسول االله؟!‏ قال:‏ ‏"يقتل هذا فيلج الجنة،‏ ثميتوب االله على الآخر،‏ فيهديه إلى الإسلام،‏ ثم يجاهد في سبيل االله،‏ فيستشهد»‏ .وعن أبي رزين العقيلي رضي االله عنه؛ قال:‏ قال رسول االله صلى االله عليهوسلم:‏ ‏«ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره".‏ قال:‏ قلت:‏ يا رسول االله!‏ أويضحك الرب؟!‏ قال:‏ ‏"نعم".‏ قلت:‏ لن نعدم من رب يضحك خيرا»‏ .(٤)(١)(٢)رواه مسلم رقم:‏ ١٨٨ في الإيمان،‏ باب أدنى أهل الجنة مترلة فيها.‏رواه البخاري:‏بن مسعود٤٢٠/١٣، ورقمه:‏‎٧٤٣٧‎‏،ورواه مسلم:‏١٧٥/١. ورقمه:‏البخاري ((٢٨٢٦)) ،٣١٣/٢.(٣)(٤)أخرجه ابن ماجه " رقمومسلم.١٥٠٤،١٥٠٥/٣ ((١٨٩٠))،" ١٨١ وأحمد ،"١١/٤" والطيالسي " رقم ١٠٩٢٢٠٧/١٩رقم"، والحاكم في المستدرك "،" ٦٠٥/٤ واللالكائي " رقم ٧٢٢٥٥٤‎١٨٧‎من حديث عبد االله"، والطبراني في الكبير ""، وابن أبي عاصم في السنة "" قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية:‏ " حديث حسن "، وحسنه الألباني فيالصحيحة " رقم " ٢٨١٠


٢٦٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (١)وروى:‏ الإمام أحمد ، ومسلم في ‏"صحيحه"،‏ وعبد االله ابن الإمام أحمد في‏"كتاب السنة"؛ من حديث أبي الزبير:‏ أنه سمع جابر بن عبد االله رضي االله عنهمايسأل عن الورود؛ قال:‏ ‏«نحن يوم القيامة على كذا فوق الناس،‏ فتدعى الأمم بأوثااوما كانت تعبد الأول فالأول،‏ ثم يأتينا ربنا بعد ذلك،‏ فيقول:‏ من تنظرون؟فيقولون:‏ ننظر ربنا.‏ فيقول:‏ أنا ربكم.‏ فيقولون:‏ حتى ننظر إليك.‏ فيتجلى لهميضحك»‏ ... الحديث.‏إلى غير ذلك من الأحاديث في إثبات صفة الضحك الله تعالى،‏ وفيها أبلغ ردعلى الجهمية ومن نحا نحوهم من أهل البدع.‏(١)أخرجه أحمد في " المسند " ٣/ ٣٨٣، وابنه عبد االله في " السنة " (٢٦٩)، ومسلم (١٩١). وأخرجهأحمد من طريق ابن لهيعة ٢٤٥. ٣/


٢٦٨ مدخلابنالحاج-٣١-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفثم قال عن العرش:‏.(١)‏[وإ ِضاف َته إل َى الل َّه تعال َى إنما هو ب ِمعنى التشر ِيف ل َه ك َما يق َال ُ:‏ بيت الل َّه‏،‏وحرمه ل َا أ َنه محل ٌّ ل َه‏،‏ وموضع لاستق ْرار ِه‏،‏ إذ ْ ل َيس في مك َان ف َق َد ك َان َ ق َبل َ أ َن ْيخل َق ال ْمك َان ُ [الرد:‏ هذا من كلام الجهمية والرب سبحانه مستو على عرشه كما يليقبجلاله وعظمته.‏وإذا جاء لفظ ‏"الاستواء"مقيدا ً ب ‏"على"‏ فمعناه في لغة العرب:‏ العلو علىالشيء والاستقرار عليه،‏ كما في قوله تعالى:‏ ‏{وال َّذي خل َق ال ْأ َزواج ك ُل َّها وجعل َ ل َك ُممن ال ْف ُل ْك وال ْأ َنعام ِ ما ترك َبون َ لتستووا عل َى ظ ُهور ِه ث ُم تذ ْك ُروا ن ِعمة َ ربك ُم إ ِذ َااستويتم عل َيه‏}‏ ‏[الزخرف:‏‎١٣‎‏]‏ ، والمعنى لتعلوا على ظهورها،‏ وتستقروا عليها،‏وكما في قوله تعالى عن سفينة نوح عليه السلام:‏ ‏{واستوت عل َى ال ْجودي‏}‏‏[هود:‏‎٤٤‎‏]‏ أي استقرت على جبل الجودي،‏ وكما في قوله تعالى:‏ ‏{ف َإ ِذ َا استويتأ َنت ومن معك عل َى ال ْف ُل ْك‏}‏ ‏[المؤمنون:‏ ٢٨] أي استقررت عليه،‏ ويقال:‏ استوىفلان على سطح المترل إذا صعد عليه وعلاه واستقر عليه.‏أما العرش فهو في اللغة:‏ السرير الذي للملك،‏ كما قال تعالى عن بلقيس:‏‏{ول َها عرش عظيم‏}‏ ‏[النمل:‏[٢٣(١)ينظر تأويل مختلف الحديث ‏"شرح حديث الترول ‏"ص‎١٨٢‎ ، والصحاح مادة ‏"سوي"، ومادة ‏"عرش "،وشرح اعتقاد أهل السنة لللالكائي "٦٦٨" ومختصر الصواعق للحافظ ابن القيم ص‎٣٦٨-٣٦٠‎‏،‏والمصباح المنير للفيومي،‏ مادة ‏"سوي "، وفتح رب البرية ٣٥/٤-٤٥. وينظر ما يأتي في التعليقين الآتيين.‏


٢٦٩المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (٢)، علوا ً(١)فاستواء االله تعالى على عرشه معناه:‏ علوه عليه ، واستقراره عليهواستقرارا ً حقيقيا ً يليق بجلاله.‏(١)روى البخاري في صحيحه في التوحيد باب ‏"وكان عرشه على الماء"‏ تعليقا ً عن التابعي الجليل مجاهد بنجبر أنه قال:‏ ‏"استوى:‏ علا على العرش "، ووصله الفريابي،‏ وصحح إسناده الألباني في مختصر العلوص‎١٠١‎‏.‏ وقال الحافظ أبوعمر الطلمنكي المالكي المولود سنة ‎٣٣٩‎ه:‏ ‏"قال أبوعبيدة معمر بن المثنى:‏استوى:‏ علا.‏ وتقول العرب استويت على ظهر الفرس بمعنى:‏ علوت عليه ‏"ينظر مجموع الفتاوى.٥٢٠/٥(٢)وروى الدارقطني عن الإمام اللغوي أبي العباس ثعلب المتوفى سنة ‎٢٩١‎ه أنه قال في قوله تعالى:‏ ‏{الرحمنعل َى ال ْعرش ِ استوى}‏ : علا.‏ ينظر شرح اعتقاد أهل السنة للالكائي "٦٦٨".وروى اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة "٦٦٢" عن بشر بن عمر وهو من أئمة السلف،‏ توفي سنة‎٢٠٧‎ه أنه قال:‏ ‏"سمعت غير واحد من المفسرين يقولون:‏ ‏{الرحمن عل َى ال ْعرش ِ استوى}‏ : ارتفع ".وإسناده صحيح.‏ وروى البخاري في صحيحه في الموضع السابق تعليقا ً عن التابعي الجليل أبي العالية الرياحيأنه قال:‏ ‏{ث ُم استوى عل َى ال ْعرش ِ}‏ : ارتفع.‏ ووصله ابن أبي حاتم في تفسير سورة يونس وفي تفسير سورةالرعد بإسناد حسن.‏قال الحافظ أبوعمر الطلمنكي المالكي المولود سنة ‎٣٣٩‎ه:‏ ‏"قال عبد االله بن المبارك ومن تابعه من أهلالعلم وهم كثير:‏ إن معنى استوى على العرش:‏ استقر".‏ ينظر مجموع الفتاوى ‏"شرح حديث الترول"٥١٩/٥. وقال الإمام اللغوي أبومحمد بن قتيبة المتوفى سنة ‎٢٧٦‎ه في كتابه ‏"تأويل مختلف الحديث ‏"فيشرح حديث الترول ص‎١٨٢‎‏:‏ ‏"قوله:‏ ‏{الرحمن عل َى ال ْعرش ِ استوى}‏ أي استقر،‏ كما قال:‏ ‏{ف َإ ِذ َا استويتأ َنت ومن معك‏}‏ أي استقررت ".وقال الإمام الحافظ أبوعمر بن عبد البر المالكي الأندلسي المولود سنة ‎٣٦٨‎ه في كتابه ‏"التمهيد ‏"في شرححديث الترول١٣١/٧بعد ذكره للآيات الدالة على استواء االله على عرشه:‏ ‏"أما ادعاؤهم ااز فيالاستواء وقولهم في تأويل ‏"استوى":‏ استولى.‏ فلا معنى له؛ لأنه غير ظاهر في اللغة،‏ ومعنى الاستيلاء في اللغةالمغالبة.‏ واالله لا يغالبه ولا يعلوه أحد.‏ وهو الواحد الصمد،‏ ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته،‏ حتى تتفقالأمة أنه أريد به ااز،‏ إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك،‏ وإنما يوجه كلام االله عزوجل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه،‏ ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم،‏ ولو ساغ ادعاء ااز لكلمدع،‏ ما ثبت شيء من العبارات،‏ وجل االله عز وجل أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباا،‏ مما


٢٧٠ مدخلابنالحاج-٣٢-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفقال ابن الحاج في الد الثاني ص‎١٥٢‎ بعد أن تأول حديث الساق بالشدةواهتزاز العرش بحركة حملته وحديث أحد يحبنا ونحبه أن ذلك يعني أهله وحديثالصورة تأوله بتأويل باطل كذلك تأول صفة القدم وأنه عبارة عن الكافر الذي يلقىفي جهنم أو الشيء التافه الذي لا يبالي به فيدحرج بالقدم وغير ذلك من تأولاتهالفاسدة التي الحق خلافها كما هو مبين في دواوين أهل السنة والله الحمد قال[وق َدحصل َ ب ِما تق َدم ذك ْره من ال ْمث َال ِ في ال ْآي ِ،‏ وال ْأ َحاديث ال َّتي ظ َاهرها ال ْإ ِشك َال ُعل َى من ل َم يعر ِف ال ْعل ْم‏،‏ وال ْمحامل ِ ال َّتي تحمل ُ عل َيها مق ْنع وكف َاية ٌ[الرد:‏ ما وصف االله به نفسه ووصفه به رسوله صلى االله عليه وسلم ليسظاهره الإشكال وإنما حقيقة الإشكال بل والضلال هذه التأويلات الفاسدة المناقضة(١)لمذهب أهل السنة والمغرور من اغتر ذا وأمثاله.‏(١)يصح معناه عند السامعين،‏ والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم،‏ وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقراروالتمكن فيه".‏السراج ص‎٤٩‎


٢٧١المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج قال ابن الحاج في الد الثالث ص‎١٤٦‎‏:‏‏[وق َد حكي عن بعضه ِم أ َنه أ َصابته ضرورة ٌ،‏ وجوع شديد ف َتضرع إل َى الل َّهسبحانه وتعال َى في خل ْوته‏،‏ وط َل َب منه ال ْعط َاءَ‏ ف َسمع هاتف ًا،‏ وهو يق ُول ُ:‏ أ َتر ِيدط َعاما أ َو فضة ً ف َق َال َ،‏ بل ْ فضة ً،‏ وإ ِذ َا ب ِصرة بين يديه فيها أ َربعمائ َة درهم ٍ،‏ وق َدحكي عن بعضه ِم أ َنه ك َان َ إذ َا ط ُلب منه شيءٌ‏ أ َدخل َ يده في جيب ِه‏،‏ وأ َخرج ماط ُلب منه‏،‏ وك َان َ أ َصحابه ينظ ُرون َ إل َى جيب ِه‏،‏ ويق ْط َعون َ ب ِأ َنه ل َا شيءَ‏ فيه‏،‏ ث ُم إنه معذ َلك إذ َا ط ُلب منه شيءٌ‏ في ال ْحال ِ أ َدخل َ يده في جيب ِه ف َأ َخرج منه ما ط ُلب منهف َسئل َ عن ذ َلك ف َأ َخبر أ َن َّ ال ْخضر يأ ْتيه ب ِك ُل ِّ ما يط ْل َب منه.[الرد:‏ -٣٣-مسألة هل الخضر حي أم ميت؟ قد تعرض لها العلامة محمد الأمين الشنقيطي فيتفسيره وأطال فيها النفس جدا ً،‏ وأكثر من الكلام فيها؛ فذكر اختلاف العلماء فيوفاته،‏ ثم سرد أدلة من قال بأنه حي‏،‏ وناقش أدلتهم،‏ ورد عليها،‏ ورجح ‏-رحمهاالله-‏ وفاته بعدة براهين وحجج قوية؛ فقال ‏-رحمه االله-:‏ ‏"اعلم أن العلماء اختلفوافي الخضر:‏ هل هو حي إلى الآن،‏ أو هو غير حي،‏ بل ممن مات فيما مضى منالزمان؟ فذهب كثير من أهل العلم إلى أنه حي‏،‏ وأنه شرب من عين تسمى عينالحياة.‏ وممن نصر القول بحياته:‏ القرطبي،‏ في تفسيره ، والنووي في شرح مسلموغيره،‏ وابن الصلاح ، والنقاش وغيرهم.‏(١)(٢)(١)(٢)انظر الجامع لأحكام القرآن ٢٩/١١.انظر شرح النووي على مسلم ١٣٥/١٥.


٢٧٢المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج قال ابن عطية:‏ وأطنب النقاش في هذا المعنى؛ يعني حياة الخضر وبقاءه إلى يومالقيامة،‏ وذكر في كتابه أشياء كثيرة عن علي بن أبي طالب وغيره،‏ وكلها لا تقومعلى ساق.‏ انتهى بواسطة نقل القرطبي في تفسيره(٢). "(١)ثم ذكر الشيخ الأمين ‏-رحمه االله-‏ أن أقوى ما يستند عليه من قال بحياته،‏ ماذكره ابن عبد البر في التمهيد عن علي رضي االله عنه،‏ قال:‏ ‏"لما توفي النبي صلى االلهعليه وسلم وسجي بثوب،‏ هتف هاتف..إلخ"‏ ، فذكر الحديث في تعزية الصحابةبالنبي صلى االله عليه وسلم،‏ فكانوا يرون أنه الخضر عليه السلام.(٤)(٣)وقد رد الشيخ ‏-رحمه االله-‏ هذا الأثر من وجهين؛ فقال:‏ " الأول:‏ أنه لم يثبتذلك بسند صحيح؛ قال ابن كثير في تفسيره:‏ وحكى النووي وغيره في بقاء الخضرإلى الآن،‏ ثم إلى يوم القيامة قولين،‏ ومال هو وابن الصلاح إلى بقائه،‏ وذكروا فيذلك حكايات عن السلف وغيرهم.‏ وجاء ذكره في بعض الأحاديث،‏ ولا يصحشيء من ذلك.‏ وأشهرها حديث التعزية،‏ وإسناده ضعيف.‏ ؟.(٥)الثاني:‏ أنه على فرض أن حديث التعزية صحيح،‏ لا يلزم من ذلك عقلا ً ولاشرعا ً ولا عرفا ً،‏ أن يكون ذلك المعزي هو الخضر،‏ بل يجوز أن يكون غير الخضر منمؤمني الجن؛ لأن الجن هم الذين قال االله فيهم:‏ ‏{إ ِنه يراك ُم هو وق َب ِيل ُه من حيث ُ لاترونهم‏}.‏ ودعوى أن ذلك المعزي هو الخضر تحكم بلا دليل.‏(١)(٢)(٣)(٤)(٥)انظر الجامع لأحكام القرآن ٢٩/١١.أضواء البيان ١٦٣/٤.التمهيد لابن عبد البر ١٦٢/٢. ولم يسنده،‏ ولم يذكر الخضر.‏انظر أضواء البيان ١٦٣/٤.تفسير ابن كثير ٩٩/٣.


٢٧٣المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وقولهم:‏ كانوا يرون أنه الخضر-‏ ليس حجة يجب الرجوع إليها؛ لاحتمال أنيخطئوا في ظنهم،‏ ولا يدل ذلك على إجماع شرعي معصوم،‏ ولا متمسك لهم في(١)دعواهم أنه الخضر كما ترى"‏-(٢)ثم رجح ‏-رحمه االله-‏ موت الخضر عليه السلام مؤيدا ً ذلك بعدة أدلة؛ فقالرحمه االله-:‏ ‏"الذي يظهر لي رجحانه بالدليل في هذه المسالة أن الخضر ليس بحي‏،‏ بلتوفي،‏ وذلك لعدة أدلة:‏الأول:‏ ظاهر عموم قوله تعالى:‏ ‏{وما جعل ْنا لبشر ٍ من ق َبلك ال ْخل ْد أ َف َإ ِن ْ متف َهم ال ْخالدون َ}‏ ؛ فقوله:‏ ‏{لبشر ٍ}‏ نكرة في سياق النفي،‏ فهي تعم كل البشر،‏ فيلزممن ذلك نفي الخلد عن كل بشر من قبله،‏ والخضر بشر من قبله،‏ فلو كان شرب منعين الحياة وصار خالدا ً إلى يوم القيامة لكان االله قد جعل لذلك البشر الذي هوالخضر من قبله الخلد.‏الثاني:‏ قوله صلى االله عليه وسلم:‏ ‏"اللهم إن لك هذه العصابة من أهل الإسلاملا تعبد في الأرض"‏ . أي:‏ لا تقع عبادة لك في الأرض.‏ فاعلم أن ذلك النفييشمل بعمومه وجود الخضر حيا ً في الأرض؛ لأنه على تقدير وجوده حيا ً في الأرضفإن االله يعبد في الأرض،‏ ولو على فرض هلاك تلك العصابة من أهل الإسلام؛ لأنالخضر ما دام حيا ً فهو يعبد االله في الأرض ...الثالث:‏ إخباره صلى االله عليه وسلم بأنه على رأس مائة سنة من الليلة التي تكلمفيها بالحديث لم يبق على وجه الأرض أحد ممن هو عليها تلك الليلة.‏ فلو كانالخضر حيا ً في الأرض لما تأخر بعد المائة المذكورة"‏.(٣)(١)(٢)(٣)أضواء البيان ١٦٤/٤.أخرجه مسلم في صحيحه ١٣٨٤/٣.أضواء البيان ١٦٤/٤-١٦٦.


٢٧٤المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج .(٢)(١)ثم ساق الشيخ الأمين ‏-رحمه االله-‏ عدة روايات لهذا الحديث؛ منها ما رواه ابنعمر:‏ ‏"أرأيتكم ليلتكم هذه،‏ فإن على رأس مائة سنة منها لايبقى ممن هو على ظهرهاأحد"‏ ، ومنها ما رواه أبو سعيد الخدري:‏ ‏"لا تأتي مائة وعلى الأرض نفسمنفوسة اليوم"‏ثم ذكر ‏-رحمه االله-‏وعدم بقائه،‏ فقال:‏المرجح الرابع والأخير الدال على وفاة الخضر عليهالسلام‏"الرابع:‏ أن الخضر لو كان حيا ً إلى زمن النبي صلى االله عليه وسلم لكان منأتباعه،‏ ولنصره وقاتل معه؛ لأنه مبعوث إلى جميع الثقلين الإنس والجن.‏ والآياتالدالة على عموم رسالته كثيرة جدا ً؛ كقوله تعالى:‏ ‏{ق ُل ْ يا أ َيها الناس إ ِني رسول ُ الل َّهإ ِل َيك ُم جميعا ً}‏ ، وقوله تعالى:‏ ‏{تبارك ال َّذي نزل َ ال ْف ُرق َان َ عل َى عبده ليك ُون َ لل ْعال َميننذيرا ً}‏ ، وقوله تعالى:‏ ‏{وما أ َرسل ْناك إ ِلا َّ ك َاف َّة ً للناس ِ بشيرا ً ونذيرا ً}.‏ويوضح هذا أنه تعالى بين في سورة آل عمران أنه أخذ على جميع النبيين الميثاقالمؤكد أم إن جاءهم نبينا صلى االله عليه وسلم مصدقا ً لما معهم أن يؤمنوا بهوينصروه،‏ وذلك في قوله:‏ ‏{وإ ِذ ْ أ َخذ َ الل َّه ميث َاق النب ِيين ل َما آتيتك ُم من كتاب ٍوحك ْمة ث ُم جاءَك ُم رسول ٌ مصدق لما معك ُم ل َتؤمنن ب ِه ول َتنصرنه ق َال َ أ َأ َق ْررتموأ َخذ ْتم عل َى ذ َلك ُم إ ِصر ِي ق َال ُوا أ َق ْررنا ق َال َ ف َاشهدوا وأ َنا معك ُم من الشاهدين ف َمنتول َّى بعد ذ َلك ف َأ ُول َئك هم ال ْف َاسق ُون َ}.‏ وهذه الآية الكريمة على القول بأن المرادبالرسول فيها نبينا صلى االله عليه وسلم،‏ كما قال ابن عباس وغيره فالأمر واضحعلى أا عامة،‏ فهو صلى االله عليه وسلم يدخل في عمومها دخولا ً أوليا ً.‏ فلو كانالخضر حيا ً في زمنه لجاءه ونصره وقاتل تحت رايته.‏ ومما يوضح أنه لايدركه نبي إلااتبعه ما رواه الإمام أحمد،‏ وابن أبي شيبة،‏ والبزارمن حديث جابر رضي االله عنه أنعمر رضي االله عنه أتى النبي صلى االله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل(١)(٢)أخرجه مسلم ١٩٦٥/٤.أخرجه مسلم ١٩٦٧/٤.


٢٧٥المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج الكتاب،‏ فقرأه عليه،‏ فغضب وقال:‏ " لقد جئتكم ا بيضاء نقية،‏ لا تسألوهم عنشيء فيخبرونكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به،‏ والذي نفسي بيده لو أنموسى كان حيا ً ما وسعه إلا أن يتبعني " قال ابن حجر في الفتح:‏ ‏"ورجالهموثقون،‏ إلا أن في مجالد ضعفا ً(١).(٣)"(٢).(٤)وقد أورد الشيخ الأمين ‏-رحمه االله-‏ كلاما ً للقرطبي في إسقاط ونقض أدلة منقال بوفاة الخضر،‏ ونصر القول بحياته،‏ وذكر وجهة نظره وناقشها مناقشة دقيقةأجاب فيها على إشكالاته،‏ ورد عليه فيها؛ فقال ‏-رحمه االله-:‏ ‏"واعلم أن جماعة منأهل العلم ناقشوا الأدلة التي ذكرنا أا تدل على وفاته فزعموا أنه لا يشمله عموم:‏‏{وما جعل ْنا لبشر ٍ من ق َبلك ال ْخل ْد‏}‏ ، ولا عموم حديث:‏ " أرأيتكم ليلتكم هذه،‏فإنه على رأس مائة سنة لم يبق على ظاهر الأرض أحد ممن هو عليها اليوم ‏"كماتقدم"‏ثم ذكر ‏-رحمه االله-‏ دعوى القرطبي ومناقشته لأدلة من قال بوفاته بنصها:‏ ‏"قالأبو عبد االله القرطبي في تفسيره،‏ ‏-رحمه االله-:‏ ولا حجة لمن استدل به؛ يعني الحديثالمذكور على بطلان قول من يقول:‏ إن الخضر حي لعموم قوله:‏ ‏"ما من نفسمنفوسة.."‏ ؛ لأن العموم وإن كان مؤكد الاستغراق ليس نصا ً فيه،‏ بل هو قابلللتخصيص،‏ فكما لم يتناول عيسى عليه السلام فإنه لم يمت ولم يقتل،‏ بل هو حيبنص القرآن ومعناه،‏ ولا يتناول الدجال مع أنه حي بدليل حديث الجساسةفكذلك لم يتناول الخضر عليه السلام،‏ وليس مشاهدا ً للناس،‏ ولا ممن يخالطهم حتىيخطر ببالهم حالة مخاطبة بعضهم بعضا ً،‏ فمثل هذا العموم لا يتناوله.‏،(٥)(١)(٢)(٣)(٤)(٥)مسند الإمام أحمد ٣٨٧/٣، مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه.‏فتح الباري ٣٤٥/١٣.أضواء البيان ١٦٨/٤-١٦٩.أضواء البيان ١٧١/٤-١٧٢.أخرجه مسلم ٢٢٦١/٤.


٢٧٦المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج وقيل:‏ إن أصحاب الكهف أحياء ويحجون مع عيسى عليه السلام كما تقدم.‏وكذلك فتى موسى في قول ابن عباس كما ذكرنا.‏ ا.؟ منه.(٢)"(١)ثم أجاب ‏-رحمه االله-‏ عن هذه الإشكالات وتتبعها،‏ ووصفها بالسقوط،‏ فقال:‏‏"كلام القرطبي هذا ظاهر السقوط كما لا يخفى على من له إلمام بعلوم الشرع،‏ فإنهاعترف بأن حديث النبي صلى االله عليه وسلم عام في كل نفس منفوسة عموما ًمؤكدا ً؛ لأن زيادة ‏(من)‏ قبل النكرة في سياق النفي تجعلها نصا ً صريحا ً في العموم لاظاهرا ً فيه كما هو مقرر في الأصول ... ولو فرضنا صحة ما قاله القرطبي ‏-رحمه االلهتعالى-‏ من أن ظاهر العموم لانص فيه،‏ وقررنا أنه قابل للتخصيص كما هو الحق فيكل عام،‏ فإن العلماء يجمعون على وجوب استصحاب عموم العام حتى يرد دليلمخصص صالح للتخصيص سندا ً ومتنا ً.‏ فالدعوى اردة عن دليل من كتاب أو سنة لايجوز أن يخصص ا نص من كتاب أو سنة إجماعا ً.‏ وقوله:‏ ‏"إن عيسى لم يتناولهعموم الحديث"‏ فيه أن لفظ الحديث من أصله لم يتناول عيسى؛ لأن النبي صلى االلهعليه وسلم،‏ قال فيه:‏ ‏"لم يبق على ظهر الأرض،‏ ممن هو ا اليوم أحد ‏"فخصصذلك بظهر الأرض،‏ فلم يتناول اللفظ من في السماء،‏ وعيسى قد رفعه االله منالأرض كما صرح بذلك في قوله تعالى:‏ ‏{بل ْ رف َعه الل َّه إ ِل َيه‏}‏ ، وهذا واضح كماترى،‏ ودعوى حياة أصحاب الكهف،‏ وفتى موسى ظاهرة السقوط،‏ ولو فرضناحيام،‏ فإن الحديث يدل على موم عند المائة كما تقدم،‏ ولم يثبت شيء يعارضه.‏وقوله:‏ ‏"إن الخضر ليس مشاهدا ً للناس،‏ ولا ممن يخالطهم حتى يخطر ببالهم حالةمخاطبة بعضهم بعضا ً"،‏ يقال فيه:‏ إن الاعتراض يتوجه عليه من جهتين:‏الأولى:‏ أن دعوى كون الخضر محجوبا ً عن أعين الناس كالجن والملائكة دعوىلا دليل عليها،‏ والأصل خلافها؛ لأن الأصل أن بني آدم يري بعضهم بعضا ً لاتفاقهمفي الصفات النفسية ومشاتهم فيما بينهم.‏(١)(٢)انظر الجامع لأحكام القرآن ٢٩/١١.أضواء البيان ١٧٢/٤.


٢٧٧المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (١)الثانية:‏ أنا لو فرضنا أنه لايراه بنو آدم،‏ فاالله الذي أعلم النبي بالغيب الذي هو:‏‏"هلاك كل نفس منفوسة في تلك المائة"‏ عالم بالخضر،‏ وبأنه نفس منفوسة.‏ ولوسلمنا جدلا ً أنه فرد نادر لا تراه العيون،‏ وأن مثله لم يقصد بالشمول في العموم؛فأصح القولين عند علماء الأصول شمول العام والمطلق للفرد النادر والفرد الغيرمقصود،‏ خلافا ً لمن زعم أن الفرد النادر وغير المقصود لا يشملهما العام ولاالمطلق"‏ثم ذكر ‏-رحمه االله-‏ أقوال الأصوليين تأييدا ً لما ذهب إليه،‏ ثم قال:‏ ‏"وما ذكرهالقرطبي في خروج الدجال من تلك العمومات ‏-بدليل حديث الجساسة-‏ لا دليلفيه؛ لأن الدجال أخرجه دليل صالح للتخصيص،‏ وهو الحديث الذي أشار لهالقرطبي،‏ وهو حديث ثابت في الصحيح من حديث فاطمة بنت قيس،‏ رضي االلهعنها:‏ سمعت النبي صلى االله عليه وسلم يقول:‏ إنه حدثه تميم الداري،‏ وأنه أعجبهحديث تميم المذكور؛ لأنه وافق ما كان يحدث به أصحابه من خبر الدجال.."‏ساق ‏-رحمه االله-‏ الحديث بطوله. ثم(٢).(٣).وقد عقب على ذلك بقوله:‏ ‏"فهذا نص صحيح صريح في أن الدجال حيموجود في تلك الجزيرة البحرية المذكورة في حديث تميم الداري المذكور،‏ وأنه باق،‏وهو حي حتى يخرج في آخر الزمان.‏ وهذا نص صالح للتخصيص يخرج الدجال منعموم حديث موت كل نفس في تلك المائة.‏ والقاعدة المقررة في الأصول أن العموميجب إبقاؤه على عمومه؛ فما أخرجه نص مخصص خرج من العموم وبقي العامحجة في بقية الأفراد التي لم يدل على إخراجها دليل ... وهو الحق ومذهبالجمهور.‏ وغالب ما في الكتاب والسنة من العمومات يخرج منها بعض الأفراد بنصمخصص،‏ ويبقى العام حجة في الباقي"‏(١)(٢)(٣)أضواء البيان ١٧٢/٤-١٧٣.أضواء البيان ١٧٥/٤-١٧٦.أضواء البيان ١٧٦/٤.


٢٧٨المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج .(١)ثم ختم الشيخ ‏-رحمه االله-‏ في هذا المبحث بقوله:‏ ‏"وذا يتبين أن النصوصالدالة على موت كل إنسان على وجه الأرض في ظرف تلك المائة،‏ ونفي الخلد عنكل بشر تتناول بظواهرها الخضر ولم يخرج منها نص صالح للتخصيص كما رأيت.‏والعلم عند االله"‏(١)أضواء البيان ١٧٦/٤.


٢٧٩ مدخلابنالحاج-٣٤-المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يفوقال ابن الحاج في الد الثالث ص‎١٩٤‎ عن رؤية النبي صلى االله عليه وسلم فياليقظة قال:‏مع أننا لا ننكر من يقع له هذا من الأكابر الذين حفظهم االله تعالى في ظواهرهموبواطنهم.‏الرد:‏ وأما دعوى رؤية النبي صلى االله عليه وسلم ‏-بعد موته-‏ فهي دعوىبلا دليل،‏ وهي لم تقع لأحد من الصحابة على حبهم له.‏ يقول الشيخ رشيد رضارحمه االله:‏ ‏"وأما مسألة رؤية النبي صلى االله عليه وسلم في اليقظة أي رؤية روحهالشريفة القدسية متشكلة بصورته الكاملة الجسدية،‏ فقد اختلف العلماء فيهافنفاها قوم وأثبتها آخرون ممن يدعوا أو يصدقون من ادعاها من الصوفية،‏ ومنالثقات من قال بإمكان حصولها في حال بين النوم واليقظة ... "،(١).(٢).(٣)ويعتمد مدعو رؤية النبي صلى االله عليه وسلم يقظة،‏ على حديث:‏ ‏"من رآني فيالمنام فسيراني في اليقظة"‏(١)لم يقل أحد من العلماء الثقات المعتبرين بجواز رؤية النبي صلى االله عليه وسلم يقظة،‏ ولا قال أحد منهمبوقوعها،‏ وإنما هو قول الخرافيين والدجالين من الصوفية ونحوهم.‏ انظر:‏ ابن حجر:‏ فتح الباري‏(‏‎١٢‎‏/م‎٤٠٢-٤٠٠‎‏)‏ .(٢)(٣)مجلة المنار (٧٣٦/٢٦) ، ورؤية النبي صلى االله عليه وسلم في المنام لا بد أن تكون على الصفة التي كانعليها صلى االله عليه وسلم في حياو فليس كل من رأى شخصا ً يكون قد رأى النبي صلى االله عليه وسلمإلا أن يكون رآه على صفة صحيحة كما في كتب وروايات المحدثين.‏انظر:‏ السيوطي:‏ تنوير الحالك (٥٠/٢) ، وابن حجر الهيثمي:‏ الفتاوى الحديثية ‏(ص:‏‎٢١٢‎‏)‏ ، والحديثعند البخاري:‏ الصحيح،‏ ك:‏ التعبير،‏ باب:‏ من رأى النبي صلى االله عليه وسلم في المنام،‏ ح:‏(٣٩٩/١٢) مع الفتح.‏٦٩٩٣


٢٨٠المنھاجلبیانالشركیاتوالضلالات يف مدخلابنالحاج (١)(٢).(٣)الحق أن هذا الحديث تفسيره الرواية الأخرى وفيها:‏ ‏"فكأنما رآني في اليقظة"‏وكلاهما في الصحيح.‏ وأما أخذ الرواية الأولى على ما يذهب إليه الصوفية فهومشكل جدا ً،‏ ‏"ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلىيوم القيامة،‏ وبعكر عليه أن جمعا ً جما ً رأوه في المنام قم لم يذكر واحد منهم رآه فياليقظة وخبر الصادق لا يختلف"،‏ وفي توجيه الرواية أوجه أخرى،‏ كلها تدل علىغير ما يريده الصوفية.‏فالصحيح أن النبي صلى االله عليه وسلم لا يرى في اليقظة ويرى في المنام كمادلت الأحاديث ولكن ليس ذلك دليلا شرعيا يترتب عليه أحكام شرعية كما يدعيالصوفية،‏ وأما ما ادعاه بعضهم من رؤيته صلى االله عليه وسلم يقظة،‏ فهو إن كانممن لا يتعمد الكذب فهي من الرؤية الخيالية لا من الرؤية الحقيقية،‏ وكما يقولالشيخ رشيد:"‏ إا لا تتضمن أخذ شيء عنه ينافي القرآن أو غيره من أصول الشريعةأو فروعها القطعية"‏تم الكتاب والحمد الله رب العالمين(١)انظر:‏ مسلم:‏ الصحيح،‏ ك:‏ الرؤيا،‏ باب:‏ قول النبي صلى االله عليه وسلم:‏ ‏"من رآني في المنام فقد رآني"،‏ح:‏ ٢٢٦١(٢)(٣)(١٧٧٥/٤) ، وانظر:‏ ابن حجر:‏ فتح الباري:‏ ٤٠٠/١٢ وما بعدها.‏ابن حجر:‏ الفتح:‏ نفس الصفحة،‏ و (٤٠٢/١٢) .مجلة المنار (٧٣٧/٢٦) .

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!