12.02.2015 Views

UÉN OóY

UÉN OóY

UÉN OóY

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

عدد خاص‏ 18<br />

مارس‏ 2012<br />

‏''موقفنا ''<br />

● يبدو أن مفهوم:‏ ‏''السياسة''‏ في أول عهد نشأته،‏ كان<br />

مفهوما مترضرضا وزاخرا بالمعاني ومكتظا بالدلالات.‏<br />

فهو يرمي إلى معنى،‏ ويشير إلى آخر،‏ ويستتبع ثالشا...‏<br />

ونستصدر أحد معانيه التراثية من عنوان<br />

كتاب(:كتاب سياسة الصبيان وتدبيرهم)‏ لابن الجزار<br />

القيرواني ‏(‏‎895‎ ‎980‎م،‏ على الأرجه)،‏ وهو كتاب طبي<br />

رفيع المحتوى وأنيق المستوى،‏ وفي غاية الإيجاز،‏<br />

خصصه صاحبه لطب الأطفال.‏<br />

في العهود الأخيرة شذبت كل الروافد والأفنان<br />

الدلالية التي تسقي هذا المفهوم،‏ أو تتفرع عنه،‏<br />

فصدمه الهجر حتى أطيه بسلطانه،‏ وأصبه يشكو من<br />

الضوى و الهزال والاحتباس‏ والانكماش.‏ ولم يعد<br />

ينهض‏ بأعباء معرفية عديدة.‏ وقصر معناه في<br />

‏):القيام على الشيء بما يصلهه.(‏ وهو المعنى الذي ملأ‏<br />

الدنيا وشغل الناس...وأنا مضطر للانعطاف عاءدا إلى<br />

عنوان موضوعي،‏ فالمتابعة الفقه معرفية لمفهوم:''‏<br />

السياسة''‏ ليست من اهتمامي في الراهن من الوقت.‏<br />

إن السلوك الشاءع بين معظم سيّاسيينا هو أنهم<br />

متعففون عن الكتابة؛ إذ ‏،نادرا ما يهرر الواحد منهم<br />

قلمه من لجامه،‏ و يفكه من عقاله وبغمسه في<br />

محبرته.‏ وإن فعلوا ذلك،‏ فتهت دوافع اضطرارية<br />

طارءة وموءقتة،‏ لا تخلو من حساب وتقدير.‏<br />

إلا أن الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله يمشل<br />

إحدى الهالات الشاذة البارزة.‏ ولقد استطاع أن يجمع<br />

في كتاباته بين وعيه كسياسي محنك خَبِر المواطن<br />

والبواطن،‏ وصهرته التجارب.‏ وبين موضوعيته<br />

الشفيفة في غير تضاد أو تنافر.‏ وهذا ما جعل كتاباته<br />

تتبوأ‏ مكانها في مصاف عيون المقالات السياسية في<br />

الوطن العربي.‏ وتحشد لنفسها جموعا من القراء من<br />

مختلف التيارات والهساسيات.‏<br />

يستنبت المرحوم الأستاذ عبد الهميد مهري،‏ وهو<br />

صاحب ثقافة سياسية واسعة،‏ يستنبت هدوءه وسجوّ‏<br />

طبعه اللذين يعرف بهما في سطور كتاباته بعيدا عن<br />

كل ملاينة واستكانة.‏ ويهفز قارءه الإيجابي كي<br />

يكون متفاعلا معه،‏ ومطلّقا لسُ‏ هب الانفعال الغاشمة.‏<br />

كما أنه يهسن توظيف أدواته؛ حيش يمنه لسلطان<br />

الفكر صدارة التقدم عن سطوة الكلمة،‏ وينتصر<br />

للأسلوب العلمي الذي يتهيز معه للوضوه والدقة.‏ وأما<br />

اللغة عنده،‏ فهي بهق،‏ كاءن حي يمور بالهيوية<br />

وحرارة الإفضاء.‏ وتوءدي وظيفتها بلا تكلف لا يستلذه<br />

طبع،‏ أو ترادف يرصف الألفاظ أصنافا،‏ ويميّع الأفكار<br />

خسفا وكسفا.‏ ففي كل كلمة من كلماته ومضة صدق،‏<br />

ونبضة حياة،‏ وشعاع أمل.‏ وتمتزج لغته وتنصهر مع<br />

أفكاره امتزاجا مدغما وحميميا يطفه بالألفة<br />

والفصه.‏ ولذا يستأنس‏ بكتاباته الخاصة والعامة على<br />

حد سواء.‏ ويمتلك قدرة على استعراض‏ أعمق الأفكار<br />

وأوغلها وأشدها صعوبة ونفورا بأسهل العبارات التي<br />

توءمّن لها الوقود اللازم لفهمها وتمشلها.‏ ولا يعاني معه<br />

قارءه من عسر في الهضم وشقوة في الاستيعاب،‏ بل<br />

يشركه في بناء الموضوع المتطرق إليه في ذهنه من دون<br />

حشو وتكديس،‏ كما تبنى صورة المُربكة Puzzle<br />

بالفطنة والتأني والتنسيق البديع.‏ وتتناغم كل<br />

قطعة مع جاراتها لتوءلف نسقا يشيع بالهقاءق.‏<br />

وبذلك،‏ ينصرف ذهنه إلى إدراكها في يقين يتغلغل<br />

أثرها فيه.‏ وحينما يستجمع جزءياتها،‏ يراها في زي<br />

حُسنها كأنها غوطة أزهار يزدحم فيها البنفسج<br />

والعوسج.‏ ولا يشترط في قارءه أن يكون فارسا في<br />

اللغة،‏ عارفا بشواذها،‏ ولا يهمّله ما لا يطيق.‏ وإنما<br />

يهشه،‏ ومن حيش لا يدري،‏ على التفكير معه،‏ وتقليب<br />

وجهات نظره ومدارستها،‏ واختيار موقف مستبصر<br />

منها،‏ حتى لا يُجر منقادا،‏ مطاوعا،‏ ذليلا،‏ ومشقلا<br />

بالأمالي ومتعبا باللزوميات.‏<br />

لا يقدم الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله على<br />

معالجة أية مشكلة سياسية إلا بعد فهصها بمجهار<br />

عقله النفاذ والمتمرن،‏ وسبر أغوارها مساءلا ظروفها<br />

وملابساتها.‏ ومن ثم يكتب عنها من الداخل غير ناظر<br />

إلى مواط قدميه حيش السهل المباه والمتوفر المستهلك.‏<br />

ويستشرف معها المستقبل بصهوه و مطيره،‏ وبأملسه<br />

ومجعده،‏ وبنقيه وهجينه،‏ ويغوص‏ في أعماق أعماقها<br />

دالا على منعرجاتها المتموجة،‏ ومشيرا إلى أنفاقها<br />

الدامسة.‏ وهو حين يفعل ذلك،‏ فانه لا يستسلم لنزوة<br />

هوى عابر أو إيماءة مصلهة زاءلة.‏ ويشُ‏ د قارءه إليه لما<br />

يوثّق الرباط بين أسباب وإرهاصات نتاءج المشكلات<br />

السياسية التي ينظر فيها،‏ ويغنيها شرحا وتحليلا<br />

واضعا إياها في سياقات سريانها.‏ وقلما يجازف بأحكام<br />

قطعية مطلقة،‏ جازمة ونهاءية كأحكام المحاكم،‏<br />

ولذلك تصادف سطور مقالاته حافلة بكلمات من نمط:‏<br />

زاعتقدس‏ أو بإحدى نظيراتها التي تروج لأراءه<br />

النسبية،‏ من مشيل:سيبدو ليس،‏ ‏''يتهيأ‏ لي''،‏ يتراءى<br />

لي،'،''أظن''،‏ زمن المحتمل''...إلا أن تخميناته وتوقعاته<br />

الافتراضية قلما يغدر بها الزمن وتقلباته.‏ وأما في<br />

مواقع التصدي والدفاع،‏ فهجج مرافعاته الصلبة<br />

صواعق مفهمة،‏ وإثباتاته مواحق تنسف من أصابته<br />

شظاياها نسفا،‏ وتكتسهه كسها.‏<br />

للفقيد الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله قدرة<br />

ماهر على تليين الشاءك وترويض‏ المعقد من القضايا،‏<br />

والخوض‏ في أحشاءها،‏ وإعادة عجنها وتشكيلها سافرة<br />

من دون أن تفقد ذرة واحدة من مادتها بعد أن يتخيّر<br />

لها الهيكل الذي يناسبها،‏ وينتخب الشكل الذي يراه<br />

يروق القارئ ويجتذبه،‏ ثم يبشها في ما يكتب لتشق<br />

طريقها إلى عقل متلقيها متهركة في وثوق وهمة،‏ ومَنْ‏<br />

مِن القراء لم يُعد قراءة أي مقال من مقالاته مرة ثانية<br />

وثالشة...؟.‏ واذكر انه لما كان يدبج افتتاحية جريدة<br />

‏''اجملاهد الأسبوعي''‏ في بداية تسعينيات القرن<br />

المنصرم،‏ لم تكن بضاعتها باءرة،‏ وتعاني من كساد.‏<br />

يعتبر الأستاذ عبد الهميد مهري سقى الله قبره <br />

منوالا وأسوة في الابتكار ومجاراة التجديد والتهديش.‏<br />

وهو لا يتردد في إسقاط أقنعة ومسوه التقليدية<br />

الملتزمة عن المفاهيم المتداولة في الهقل السياسي حتى<br />

لا تبقى كركم الأطلال المنهدة،‏ أو كالأحافير<br />

المستهاثية الغارقة في وهمها الماضوي ‏.وهو مبتدع<br />

مفاهيم ‏:سشقافة النسيانس،‏ وسالسلطة الفعليةس،‏<br />

و''التدويل الانتقاءي''...‏ والمصمم على توظيف مفهوم:‏<br />

‏''العنف''‏ الذي يزاحمه مفهوم آخر رُوّ‏ ج له ترويجا لم<br />

ير في انعكاساته ما يهمد عليه.‏ ومن ينظر<br />

ويستقصي يستيقن أن تعاقب الأيام أثبتت صواب<br />

مذهبه فيما يخص‏ هذا المفهوم الأخير.‏<br />

يصادف في كتابات الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه<br />

الله السياسية هامش‏ للمزحة والطرفة المليئة<br />

بالعبر والعضات والدروس،‏ وفسهة للنكتة اللطيفة<br />

التي تصيب سهامها العقل فتوقظه،‏ وتعرّج على<br />

القلب فتهزه.‏ وهي مرآة عاكسة لخفة روحه<br />

وأريهيته.‏ ومن أمشلة ذلك،‏ أنه كتب في إحدى<br />

مقالاته يقول)‏ ‏:إن الشعب لا يفهم عندما يكون<br />

المسجد يهترق أن يقف على الباب من يقول للناس:‏<br />

لا يدخل المسجد إلا من كان على وضوء،‏ وخاصة إذا<br />

كان في الناس‏ من يعتقد أنه هو أيضا على غير وضوء<br />

: (...<br />

...).<br />

و سجل في مقالة أخرى،‏ قاءلا وثقة<br />

الموءسسات المالية يصدق عليها المشل الشعبي:‏ إذا<br />

نصهك التاجر فنصف النصيهة له.(‏ وفي<br />

الاقتباسين كليهما مقاربة للشقافة الاجتماعية<br />

الشاءعة،‏ واستشمار للموروش الشعبي المتداول اللذين<br />

يسهل بهما بلوغ سنام المقاصد لبناء موقف واع وجلي.‏<br />

قد يكون اعتبار الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه<br />

الله راءدا من رواد المقالة السياسية بالنسبة لأبناء<br />

جيلي اكتشافا حديشا،‏ إلا أن واقع الأمر ينب بما يناقض‏<br />

ذلك.‏ وتتضمن ذخاءر رصيده كتابات طوت عقودا<br />

كاملة من عمرها كالمقالات التي نشرها في جريدة:‏<br />

زالمنارس‏ التي كانت تصدر في عهد الاستعمار.‏ ومنها<br />

مقالة تحمل عنوان)‏ ‏:يجب أن تخرج القضية<br />

الجزاءري إلى الميدان العالمي ) يقول في مقاطع منها:‏<br />

‏)يتساءل الناس:‏ لماذا لم ترفع قضية الجزاءر إلى<br />

هيئة الأمم المتهدة؟،‏ ولهذا التساوءل معناه.‏ فالقضية<br />

الجزاءرية يجب أن تخرج إلى الميدان العالمي،‏ ولكن هذا<br />

لا يتأتى إلا باجتماع كلمة الأحزاب وانتظام الكفاه<br />

في الداخل أولا.‏ نعم،‏ جميع الجزاءريين يتساءلون<br />

اليوم،‏ في كل مكان،‏ وفي جميع الأوساط:‏ لماذا لا تحذو<br />

القضية الجزاءرية حذو القضيتين التونسية<br />

والمراكشية.‏ وهذا التساوءل يعبر عن التجاوب العميق<br />

بين الشعوب المغربية،‏ وعن مقدار تأثير الأحوال<br />

السياسية في كل قطر مغربي بما يجري في القطرين<br />

الآخرين...‏<br />

يجب أن تعلم هذه الأحزاب أن الشعب يطالبها بشيء<br />

آخر غير هذه زالهدنةس‏ السمجة التي تناقش‏ فيها<br />

الأخطاء،‏ ولا يُنهج فيها نهج قويم...‏ إن الشعب<br />

يطالب بالعمل على الخروج بالقضية الجزاءرية من<br />

هذه العزلة التي يريد أعداوءها حصرها فيه.‏ وهذا<br />

ممكن جدا إذا قدرت الأحزاب واجبها وضهت<br />

بالاعتبارات الهزبية الضيقة)‏ .( جريدة ‏''المنار''‏ <br />

السنة الشانية العدد العاشر الصادر في ‎1952-10-24‎م <br />

الصفهة الأولى).‏<br />

لما أقدمت فرنسا على اقتراف جريمة فضيعة بهق<br />

المناضل العمالي التونسي المعروف فرحات حشاد،‏ إذ<br />

اغتالته حمقا وجبنا وكيدا،‏ كتب الأستاذ عبد الهميد<br />

مهري رحمه الله يقول في حقه(‏ ‏:لم يمنعني الهزن<br />

العميق لاغتيال المرحوم السيد فرحات حشاد من<br />

التفكير في شخصية هذا الفقيد الشهيد،‏ وأعماله<br />

العظيمة لفاءدة بلاده.‏ بل،‏ لعلني كنت أجد في<br />

إحياء ذكراه في فكري واستعراض‏ أعماله بعض‏ ما<br />

يسليني عن مصاب تونس‏ العزيزة ومصاب المغرب<br />

العربي في هذا الرجل العظيم.‏ وقد حدا بي التفكير<br />

إلى التساوءل عمن يستطيع أن يخلف فرحات حشاد،‏<br />

ذلك المناضل البسيط،‏ المتواضع الذي لا يلفت أنظار<br />

الناس‏ إليه بمنظره،‏ وإنما يلفت أنظارهم بأعماله<br />

التي تطير أنباوءها إلى مختلف أطراف البلاد<br />

التونسية،‏ وتتجاوز أحيانا حدود البلاد التونسية إلى<br />

أطراف العالم.‏<br />

هذا المناضل البسيط،‏ المتواضع لا يمكن أن يخلفه أحدا<br />

بعينه؛ لان شخصيته الفذة وأفكاره النيرة وأعماله<br />

العظيمة طبعت جيلا كاملا من الشغالين التونسيين،‏<br />

وتركت خطة واضهة المعالم لرفاقه المقربين<br />

ومساعديه الأوفياء.‏ فهذه النخبة اخملتارة من<br />

مساعديه،‏ وهذا الجيل الذي طبعه فرحات حشاد<br />

بطابعه الخاص‏ هو الذي يخلف فرحات حشاد،‏<br />

ويضطلع بإتمام رسالته في البلاد التونسية.‏<br />

كانت شخصية فرحات حشاد شخصية قوية،‏ ولكنها<br />

لا تفرض‏ نفسها على الناس‏ فرضا عنيفا.‏ بل،‏ كان<br />

الناس‏ أنفسهم يهبون قوتها وينجذبون إليها<br />

مختارين،‏ ويهرعون إليها يلتمسون العون في الملمات.‏<br />

وكانت هذه الشخصية القوية تتدثر بدثار من الخلق<br />

المتين والبساطة في المظهر والهديش والإتزان في<br />

الأعمال والأقوال وضبط النفس‏ في الشدة واليسر.‏<br />

وكان هذا الجانب اللين الناعم هو كل ما يظهر من<br />

شخصية فرحات حشاد القوية لمن يعرفونه من<br />

بعيد،‏ أو يجتمعون إليه مرة أو مرتين.‏ وكان فرحات<br />

حشاد واسع الأفق،‏ متين الشقافة السياسية<br />

والاجتماعية.‏ وكان مع هذا واقعيا لا يجمه به اتساع<br />

أفقه عن الرأي الصاءب والخطة الهكيمة في كليات<br />

الأمور وجزءياتها.‏ وكان يرى أن واجب الطبقة العاملة<br />

في بلاد محتلة هو أنه في طليعة الكفاه التهريري قبل<br />

كل شيء.‏<br />

وكان يرى أنه من الغلط الفاحش‏ أن ينزوي العمال في<br />

نقاباتهم،‏ ويعكفوا على خُويصة أنفسهم يطالبون<br />

بترفيع الأجور وتحسين ظروف العمل في بلاد مهددة<br />

كلها بالابتلاع من طرف الأجنبي،‏ وهذا الذي ينقمه<br />

عليه المستعمرون،‏ ويصفونه بالعمل السياسي.‏ وقد<br />

أدرك فرحات حشاد بتفكيره الواقعي الرزين أن<br />

الإتحاد العملي بين الأقطار المغربية ضروري لنجاه<br />

قضاياها،‏ فكان لهذا شديد الإيمان بالوحدة المغربية.‏<br />

وكان يصنع الخطط لتنظيم العمل التونسي<br />

والجزاءري والمراكشي في جامعة نقابية واحدة،‏ وكان<br />

يقول)‏ ‏:ما معنى إضراب عمال الفسطاط في تونس‏ إذا<br />

كانت الشركات المستغلة توجه كل قواتها لإنهاك<br />

عمال الفسطاط في مراكش‏ لتعوض‏ خساءرها<br />

وكان شديد الاهتمام بكفاه العمال الجزاءريين<br />

والمراكشيين،‏ كشير الاتصال بهم،‏ وله بينهم أصدقاء<br />

عديدون.‏ ولم تكن هذه الجامعة النقابية المغربية<br />

غاية عند حشاد،‏ بل كان يراها خطوة أولى تفته<br />

الطريق لتكوين جبهة سياسية بين الأحزاب والهيئات<br />

المغربية.‏ ولم يغب عن فرحات حشاد،‏ وهو الرجل<br />

الواقعي،‏ أهمية كسب الأنصار في الخارج،‏ فكان يعمل<br />

جاهدا في هذا المضمار،‏ يراسل ويسافر ويهضر<br />

الموءتمرات،‏ ويكتب في اجمللات العالمية،‏ ويدعو<br />

الشخصيات العالمية لهضور الموءتمرات والاجتماعات<br />

التي يشرف على تنظيمها وإدارتها،‏ و يعرضها على<br />

العالم صورة حية ناطقة جملهود الطبقة العاملة<br />

التونسية،‏ وقدرتها على التنظيم في الكفاه.‏ وقد<br />

حقق فرحات حشاد الكشير من أفكاره في صبر و أناة<br />

وعمل متواصل،‏ وجعل الكشير من قادة الرأي في<br />

المغرب العربي يوءمنون بأفكاره التي لم يته له أن<br />

يشهدها حقيقة قاءمة.‏<br />

تمكن فرحات حشاد من تنظيم الطبقة العمالية<br />

التونسية من تكتيلها حول الهركة التهريرية<br />

التونسية ونفخ فيها روه الكفاه والصبر.‏ فكانت<br />

داءما في المقدمة تكافه في سبيل تحسين حالتها المادية<br />

والمعنوية،‏ وتكافه من أجل تحرير بلادها.‏ وكانت<br />

تضهي راضية بمصالهها الخاصة في سبيل التهرير<br />

القومي العام.‏ وتمكن رحمه الله من تغذية بذور<br />

الوحدة المغربية في صفوف العمال من جزاءريين<br />

وتونسيين ومراكشيين،‏ وجعلهم يتطلعون إلى اليوم<br />

الذي تبرز فيه جامعة النقابات المغربية إلى الوجود.‏<br />

وقد ظل فرحات حشاد يبشر بأفكاره هذه في<br />

الأوساط النقابية العالمية،‏ ويكسب لها الأنصار،‏ فأعان<br />

بذلك على إخراج القضايا المغربية إلى النطاق العالمي.‏<br />

إن التأثير العميق الذي كان لاغتيال فرحات حشاد<br />

في المغرب العربي والعالم لدليل على أن فرحات حشاد<br />

نجه في مهمته،‏ وأدى رسالته خير الأداء.‏ رحم الله<br />

فرحات حشاد،‏ فقد سقط شهيد الكفاه ضد الاستعمار<br />

والرأسمالية الجشعة،‏ وعوضنا عنه خير العوض)‏ .(<br />

جريدة المنار السنة الشانية العدد 13 الصادر في<br />

‎19521212‎م الصفهتان الأولى والرابعة.(‏<br />

اغتذى الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله من<br />

رحيق جبهة التهرير الوطني الصافي في شهامة<br />

وصرامة،‏ وأشرقت أنوار أدبياتها في أفق أفكاره،‏<br />

وجرت كالجدول الرقراق يسقي الأرض‏ الموات على<br />

جانبيه،‏ وتفيض‏ معانقة طموحاتها مع مطلع كل<br />

شمس.‏ وعندما يكتب الأستاذ عبد الهميد مهري <br />

رحمه الله عن جبهة التهرير الوطني فإنه يجمع<br />

بين رواسب الذاكرة الهبلى وحصيلة حصاد الممارسة<br />

اليومية.‏ وكانت آخر مقالة كتبها في صفهة:‏<br />

من جريدة ‏''اجملاهد الأسبوعي''‏ مقالة حف بها حزب<br />

جبهة التهرير الوطني قبل أن تفجوءه أحداش الموءامرة<br />

اخملذولة وعنوانها ‏''من أجل نقاش‏ فكري واسع''.‏<br />

وتنطق كلمات سطورها بما يلي)‏ ‏:إن الموءتمر السابع<br />

لجبهة التهرير الوطني حدش هام في تاريخ الهزب<br />

ومسيرته النضالية،‏ و هو أيضا حدش هام في الهياة<br />

السياسية.‏ لقد واجهت جبهة التهرير الوطني<br />

عواصف التغيير التي هبت على اجملتمع الجزاءري.‏<br />

وهي لم تستكمل بعد كل الأسباب التي تمكنها من إدارة<br />

هذا التغيير،‏ والإسهام في صنعه بما يخدم الشعب<br />

والمصلهة الوطنية العليا.‏ ولكنها صمدت في هذه<br />

المعركة الكبرى،‏ وهي مستهدفة من عدة أطراف لا<br />

تريد الخير لهذا البلد أو لا تعرف الخير لهذا البلد.‏<br />

وإن الطريق،‏ طريق التغيير الصهيه،‏ مازالت طويلة،‏<br />

والمعركة مازلت مستمرة والمهمة الأولى للموءتمر السابع<br />

هي تمكين جبهة التهرير الوطني من الاستمرار في<br />

الإسهام الواعي في معركة التغيير.‏<br />

إن التغيير الذي يتطلبه اجملتمع يتقاطع في أكثر من<br />

نقطة مع خط جبهة التهرير ماضيا وحاضرا<br />

ومستقبلا.‏ فالمسوءولية،‏ إذن،‏ ثقيلة بالنسبة لمناضلي<br />

الهزب وأنصاره في إعداد الموءتمر السابع أحسن إعداد<br />

وتوفير ظروف النجاه لإعماله في جميع مراحلها.‏<br />

وأول شروط النجاه هو أن يكون الموءتمر مناسبة فريدة<br />

لنقاش‏ فكري وسياسي شامل بين المناضلين في ما<br />

بينهم،‏ و بينهم وبين اجملتمع الذي يتصدون لخدمته<br />

... ممشلا بأنصار الهزب وموءيديه.‏<br />

إن النقاش‏ الهر العميق مهمة شاقة،‏ ولكنه ضرورة<br />

ملهة في هذه الظروف القاسية والعقيمة التي تلف<br />

الهياة الوطنية بمختلف ميادينها)‏ ‏.(أسبوعية اجملاهد<br />

الأسبوعي العدد ‎1846‎ الصادر في ‎1995-12-22‎م.)‏<br />

تجمع كتابات الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله <br />

في تألق بين المتعة والسهر والافتتان والرصانة<br />

والجاذبية والإغراء؛ لأنه يودع أفكاره في تماس‏<br />

مباشر مع التجارب المعيشة من غير انهلال في المشالية<br />

المسرفة أو احتماء بالتشفيرات الملبكة،‏ ويسبه في أدق<br />

تفاصيلها غير ساهٍ‏ أو لاهٍ‏ عن الأهداف التي من أجلها<br />

كتب.‏ وأما عندما يكتب عن الماضي فإنه لا يرحل إليه<br />

وإنما ينقل زبدة وحصاد ذلك الماضي إلى حاضر<br />

يومه،‏ ويقرأ‏ سطور سجله مبتغيا جني الفواءد<br />

المرصعة وإشاعتها بين الأجيال ليمدها بعصارة<br />

خلاصة التجارب الجاهزة،‏ فيوفر عنها الجهد<br />

والوقت والعناء.‏ وهذا ما يستشف،‏ على سبيل المشال،‏<br />

من تقديمه لكتاب:''مهندسو الشورة<br />

Les<br />

''architectes de la révolution الذي ألفه اجملاهد<br />

الأستاذ المفكر عبد الهميد مهري<br />

راءدا من رواد<br />

المقالة السياسية<br />

لمباركية نوار باتنة<br />

عيسى كشيدة،‏ إذ يقول رحمه الله في فقرة<br />

مترجمة منه ما يلي):‏ بطلب مله من الأخ عيسى<br />

لكتابة تقديم لهذه الشهادة،‏ أقر بفرط تأثري لهذا<br />

النوع من الصداقة والوفاء المطروقة في أيام النضال.‏<br />

ولكن،‏ ومع قبولي وجدتني مواجها للأسئلة التي<br />

يطرحها النساء والرجال من أبناء جيلي عندما<br />

يقادون صوب الاقتراب من التاريخ.‏ ومن هذه<br />

الأسئلة،‏ فان التي تحل بالذهن هي:(‏ ماذا يمكن أن<br />

تمشل شهادات،‏ وتفاصيل حياة شخصية أمام تدفق<br />

التاريخ الشبيه بالسيل الغزير؟،‏ ويوجه أخص‏<br />

بالنسبة للمستقبل؟.)...‏<br />

إن الموقف في هذه الوقفة العجلى ليس‏ موقف<br />

استقراء شامل ومفصل لخصاءص‏ المقالة السياسية<br />

التي لمع وبرع فيها الأستاذ الكبير عبد الهميد مهري <br />

رحمة الله عليه .‏ وحسبي،‏ أنني قضيت شطرا<br />

ضئيلا من الواجب حياله كصاحب قلم قدير فقدت<br />

ساحتنا الشقافية في رحيله عنا أحد كبار منشطيها<br />

المغاوير والمتهفين.‏<br />

).

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!