UÉN OóY
UÉN OóY
UÉN OóY
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
مارس 2012<br />
ذكريات وانطباعات<br />
عدد خاص 20<br />
المربي الأستاذ عبد الهميد مهري<br />
■ الأستاذ: إبراهيم حمروش<br />
● يتعرف الإنسان في مسار حياته الذي كتب له أن<br />
يسير فيه إلى أناس كشيرين، يتأثر بعدد منهم ويأخذ<br />
عنهم. ولكن، من تظل ذكراهم مطبوعة على صفهة<br />
الذهن وشغاف القلب يشكلون النزر القليل من بين<br />
هوءلاء. ويعتبر الأستاذ الفقيد عبد الهميد مهري رحمه<br />
الله ، في نظري وتقديري، وبالنسبة لمن تعرفوا إليه عن<br />
قرب، يعتبر واحدا من الرجال الذي لا يمكن للأيام أن<br />
تمهي صورته من الذاكرة أو أن تطويها من أمام الأعين،<br />
حتى وإن طال الزمن. ولا أخفي، أنني أحسست باليتم<br />
الفعلي يوم أن بلغني نعيه، ووجدت هذا الشعور نفسه<br />
يجول في خواطر كشير ممن ربطتهم به صلات وروابط.<br />
يمشل الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله مدرسة<br />
سامية في التربية السلوكية. وأقر أنني ظللت أتعلم من<br />
تصرفاته الموزونة كلما التقيته. واللقاءات معه مريهة<br />
وعذبة، ولا يغزوها الملل لسهر وجاذبية شخصيته<br />
الهادءة في أيام الصهو وأيام الزوابع والعواصف التي<br />
مر بها في حياته. ولو أجرى قلمه لتدوين تنظيرات<br />
تربوية، لكان واحدا من الرواد الطلاءعيين في المدرسة<br />
السلوكية التي ما زلنا نهتاجها في نظامنا التربوي.<br />
سأتحدش في السطور اللاحقة عن جوانب مشرقة من<br />
شهادتي عن أستاذ الأجيال عبد الهميد مهري رحمه<br />
الله ، الذي لازمته في طورين من حياتي. فقد عشت<br />
معه كطالب لسنة دراسية واحدة، وأسعفني الهظ<br />
للاشتغال معه أستاذا مكوّ نا لعدة سنوات.<br />
التقيت الأستاذ عبد الهميد مهري، أول مرة، في أواءل<br />
شهر أكتوبر من عام 1967م. وكان، وقتئذ، يشغل<br />
منصب مدير دار المعلمين ببوزريعة. وما زلت أتذكر<br />
ذلك اللقاء، وكأنه يجري الآن. فلقد قدمت إلى هذه<br />
الموءسسة التعليمية وفي نفسي رغبة ملهة لمواصلة<br />
دراستي بها، والتهضير لنيل الجزء الشاني من شهادة<br />
البكالوريا بعد أن وفقت في تسجيل اسمي ضمن قواءم<br />
الناجهين في الجزء الأول من نفس الشهادة في فرع<br />
الآداب في شهر جوان من السنة عينها.<br />
استطعت مقابلة الأستاذ عبد الهميد مهري بسهولة،<br />
ومن دون حواجز بيروقراطية. وما شد انتباهي، في<br />
الوهلة الأولى التي أبصرته فيها، هو بساطته وتواضعه.<br />
ومع مرور الوقت وطول مدة العشرة، تأكد لي أن<br />
الصفتين المذكورتين متأصلتان وملتهمتان بجوهر<br />
شخصه النفيس. استمع إلى قضيتي بكل اهتمام،<br />
واطلع على ملفي قبل أن يعطيني موافقته. لم يفرض<br />
علي رأيا، وإنما خيّرني بين التسجيل في شعبة العلوم<br />
الدقيقة )الرياضيات( أو شعبة العلوم التجريبية؛ لأن<br />
الموءسسة التي يشرف عليها تخلو من أقسام مخصصة<br />
لشعبة الفلسفة )الآداب( باللغة العربية.<br />
آثرت اختيار شعبة العلوم التجريبية، وأفصهت له عن<br />
مبتغاي، فلم يعارض ولم يرفض. وقبل أن أغادر مكتبه<br />
الذي لم أر فيه شيئا يوحي بالأبهة والبهرجة، استطرد<br />
معي في الهديش؛ ونبهني إلى أن الدراسة في شعبة<br />
العلوم التجريبية التي وقع عليها اختياري شاقة،<br />
وتتطلب من الذي ينتمي إليها الجد والاجتهاد والعمل<br />
المتواصل. وكمن يريد شهني وتعبئتي وتحسيسي<br />
بأهداف وطنية عالية وغالية، أردف يقول: إن عملية<br />
التعريب التي باشرتها الدولة منذ استرجاع الاستقلال<br />
تبقى عديمة القيمة؛ إذا لم يسمه للغة العربية باقتهام<br />
اجملالات العلمية والتقنية، وتكون هي اللغة التي يباشر<br />
بها تدريسها. ولهذا، فأنت وزملاوءك لستم مجرد طلبة<br />
عاديين، وإنما ينبغي عليكم أن تعتبروا أنفسكم أصهاب<br />
قضية شريفة سيكون نجاحكم في نهاية السنة مورد<br />
من الموارد التي يخدمها، ويشبت جدارها. وبعد انصرافي،<br />
وجدتني مشغولا ذهنيا بآخر كلماته، وطاف بي سوءال<br />
موءداه: كيف يتهول طالب مغمور مشلي يهمل في قلبه<br />
هما وحيدا لا يهيد عن تحقيقه قيد شبر إلى صاحب<br />
قضية وطنية بالغة الأهمية بين عشية وضهاها. وبعد<br />
تفكير متوازن رافقني أياما، اهتديت إلى أن الرجل الذي<br />
قابلته يهمل على كتفيه ويضمر في قلبه رسالة<br />
حضارية جسيمة.<br />
لم تزدني أيام السنة الدراسية التي قضيتها في دار<br />
المعلمين ببوزريعة، واللقاءات التي جمعتني مع الأستاذ<br />
عبد الهميد مهري رحمه الله سوى تيقنا وتأكدا من<br />
صواب حكمي الانطباعي الأول الذي أصدرته عليه.<br />
ولما عدت إلى رحاب المعهد أستاذا مكوّ نا، وجدته ساءرا<br />
في طريق إنجاز نفس الأهداف التي رسمها لنفسه في<br />
الهقل التربوي. ولم أعرف أنه ادخر جهدا من أجل محاولة<br />
إعادة اللغة العربية في الجزاءر كلغة سيدة بعد أن<br />
زاحمتها لغة المستعمر لعقود طويلة، وضايقتها في عقر<br />
دارها مضايقة الدخيل الغريب للأصيل شريف النسب.<br />
ورغم سمو درجة حماسه حول هذه القضية، إلا أنه لم<br />
يعرف عليه القبول بالهلول العاطفية التي تشبه<br />
السراب، أو الجري خلف الارتجال والعفوية.<br />
في تلك السنة الدراسية، كنت مندهشا ومعجبا من<br />
رحابة صدر وسعة صبر الأستاذ عبد الهميد مهري <br />
يمتاز الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله بنبذه للانفعال مهما كان الموقف عصيبا، وسرعة البديهة، وامتلاكه<br />
لملكة الذوق اللغوي الرفيع في انتقاء تعابيره وتركيزها، وبسعة خياله، وموضوعية أحكامه، وحبه للتنكيت صناعة<br />
ورواية. ويمكن استجلاء كل هذه الخصال من خلال الهادثة الموالية التي أرويها مختصرة: حاضر ذات مرة أمام<br />
جمهور واسع من مختلف الفئات عن مشكلة التعريب في الجزاءر، والإجراءات التي ينبغي التسله بها لإحلال اللغة<br />
العربية مكانتها الطبيعية والتاريخية في المنظومة التربوية. ولما فسه مجال المناقشة، تدخل أحد الشبان من<br />
الهاضرين متكلما في حسرة ومرارة واستغراب عن بعض الجزاءريين الذين لا يستهون من اعتبار تعريب التعليم<br />
من بين أخطاءنا الفادحة. وعلق الأستاذ عبد الهميد رحمه الله بقوله: لمَ يصدر منك هذا العجب، يا بني. فأنا<br />
أعرف أناسا لا يعتبرون أن التعريب خطأ شنبع لوحده، وإنما يرون، أيضا، أن اندلاع الشورة التهريرية وانفصال<br />
الجزاءر عن فرنسا هو أعظم الأخطاء التي ارتكبناها عبر تاريخنا!!.<br />
رحمه الله ، وحرصه الشخصي على متابعة الطلبة<br />
متابعة مستمرة، وعن قرب. وبذلك أعطى أحسن مشال<br />
للمرافقة التربوية التي تضمن التواصل بين المسوءول<br />
وطلبته. وكان يهسن الإصغاء والتفهم لكل المشكلات<br />
التي نطرحها. ولربما كانت معايناته أشد لطلبة الأقسام<br />
المعربة رغبة منه لإنجاه التجربة التي يرعاها، وهي ما<br />
تزال تمر بطورها الجنيني الأول، وتحقيق الهلم الذي<br />
يسكن حتى وجدانه، والمتمشل في تمكين اللغة العربية<br />
لأن تصبه لغة لتدريس الرياضيات والعلوم التجريبية<br />
في مختلف الأقسام. وكانت متابعاته اليومية التي لا<br />
تنقطع تتعدى متابعة التهصيل العلمي لتضم<br />
النشاطات الشقافية والرياضية.<br />
كانت أغمار حصاد السنة الدراسية 1968-1967 عالية<br />
المردود بالنسبة للشعبتين المعربتين الرياضاتية والعلمية<br />
التجريبية في شهادة الباكالوريا. وتحققت نسبة نجاه<br />
باهرة فاقت خمسا وتسعين في المئة )٪59(. وتجدر<br />
الإشارة إلى أن هذه أول دفعة تجتاز اختبارات امتهان<br />
شهادة الباكالوريا في تاريخ الجزاءر المستقلة باللغة<br />
العربية. وعلمت، في ذلك الوقت، أن نقاشا ساخنا<br />
وواسعا جرى في مستوى وزارة التربية الوطنية تناول<br />
موضوع طبيعة اختبارات هذه الشهادة. وتم تداول<br />
رأيين، رأي أول يرى بضرورة توحيد كل الاختبارات<br />
بين الشعب المعربة والشعب المفرنسة. ورأي ثان يقتره<br />
أن تطره اختبارات خاصة لكل هذه الشعب بهسب<br />
لغة التدريس. وأبلغت، في ما بعد، أن الأستاذ عبد<br />
الهميد مهري رحمه الله لعب دورا بارزا في حسم<br />
النقاش وإقناع الطرفين بضرورة توحيد مواضيع<br />
الاختبارات، وحجته في ذلك والتي صعب دحضها أو<br />
دفعها أن الطلبة يدرسون نفس المقررات بغض النظر<br />
عن اللغة التي يتعلمون بها. وحسنا فعل، وقتها؛ لأنه<br />
أغلق باب الذراءع مسبقا أمام أولئك الذين لم يرتاحوا<br />
لنسبة النجاه التي حققتها الفروع المعربة.<br />
اجتمع الأستاذ عبد الهميد رحمه الله بعد إعلان<br />
نتاءج شهادة الباكالوريا بالناجهين من الشعب العلمية<br />
المعربة، وزف لهم تهانيه، وعرض عليهم فكرة محاولة<br />
سعيه نيابة عنهم عند الجهات الوصية من أجل<br />
إرسالهم في بعشة دراسية إلى سوريا لاستكمال<br />
دراستهم في جامعة دمشق في الفروع العلمية. اهتزت<br />
قلوب كشير منا لهذا العرض الذي لم نكن ننتظره،<br />
وهللنا له بالموافقة المطلقة من دون مشاورة أحد.<br />
وكللت مساعيه بالنجاه، وامتدت بي رحلة طلب العلم<br />
مع زملاءي إلى أرض الشام.<br />
“.1973-1972<br />
عادت أول دفعة من الطلبة المرسلين من<br />
سورية مع مطلع الموسم الدراسي<br />
ووجدنا أن التغيير قد زحف واكتسه أمورا كشيرة في<br />
قطاع التربية. وصادفنا أن الأستاذ عبد الهميد مهري <br />
رحمه الله فرض عليه الجمع بين تسيير إدارة دار<br />
المعلمين ببوزريعة والأمانة العامة بوزارة التربية<br />
الوطنية. وفهمت، هذه المرة، بسرعة الأسباب التي<br />
جعلته يرضي بهمل هذا الشقل الكبير. وأما دار<br />
المعلمين ببوزريعة، فقد تغير اسمها، وأصبهت تسمى<br />
بالمعهد التكنولوجي للتربية الذي ترعى مهمة تكوين<br />
أساتذة التعليم المتوسط في كل التخصصات.<br />
كان من الوفاء الجميل أن نتصل بمجرد وصولنا إلى<br />
الجزاءر بأستاذنا عبد الهميد مهري رحمه الله طالبين<br />
منه تزويدنا بنصاءهه الشمينة وتوجيهاته الوجيهة.<br />
والتقينا به في أواءل أكتوبر بمكتبه في وزارة التربية<br />
الوطنية. وكان اللقاء مفعما بالفره والغبطة من<br />
الجانبين. وبعد ترحيبه بنا، واستفساره عن الشهادة<br />
الجامعية المحصلة من طرف كل واحد منا، قدم لنا<br />
عرضا وافيا عن التطور الذي عرفته المنظومة التربوية<br />
بشكل عام، وجهاز تكوين المدرسين، بشكل خاص،<br />
مركزا تحديدا، على الإنجازات التي حدثت في ميدان<br />
تعريب المواد العلمية، والتي من أبرزها إصدار كتب<br />
باللغة العربية في مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء<br />
والعلوم الطبيعية لكل مستويات المرحلة الشانوية.<br />
وبعد ذلك استفسرنا عن مشاريعنا المأمولة بعد العودة.<br />
فأجبناه، بشكل جماعي، بأننا على أهبة الاستعداد<br />
للاندماج في خدمة المشروع التربوي الذي كلف نفسه<br />
أتعاب تخطيطه وتنفيذه. وعاهدناه على أن نسخر مبلغ<br />
إمكاناتنا وقصارى طاقاتنا لخدمته وإنجاحه. فابتسم<br />
ابتسامة عريضة دلت على ارتياحه، وكاشفنا بقوله: إن<br />
مناصب اشتغالكم، إذن، هو التصدي للتدريس بالمعاهد<br />
التكنولوجية للتربية. وأمر، في الهين، مدير الموظفين<br />
ليتولى تعييننا أساتذة مكونين في المعهد التكنولوجي<br />
ببوزريعة.<br />
مضت السنوات التي قضيناها في المعهد التكنولوجي<br />
ببوزريعة سريعة كلمه البصر بفضل جو الاستئناس<br />
اللطيف الذي وفره الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه<br />
الله . ورغم أننا تقدمنا في الهياة العلمية خطوات، إلا<br />
أننا حافظنا على نفس نظراتنا إلى أستاذنا الأول التي كنا<br />
نصوبها نهوه ونهن طلبة في دار المعلمين. وكنا<br />
نستأذنه في كل كبيرة وصغيرة قبل أن نبادر إلى<br />
التصرف، ونصغي إليه، ونناصره في آراءه التي يأبى أن<br />
يفرضها. واكتشفت من جديد، مدى حرص الأستاذ عبد<br />
الهميد مهري رحمه الله على مصلهة الطلبة<br />
المتكونين. فرغم كثرة شواغله الإدارية التي توزعت بين<br />
المعهد والوزارة، إلا أنه كان ملتهما معهم، ومصغيا إلى<br />
كلماتهم التي تترجم مشكلاتهم المستديمة والطارءة.<br />
وكنا كلنا نشهد له بالهنو والرفق اللذين يخطفان<br />
الاحترام خطفا، وبهسن القيادة التي لا تنفصم عن<br />
الالتزام والصرامة بعيدا عن الاستبداد. وحقا، فقد كان<br />
متهللا من كل أصناف التسلط والتجبر.<br />
سمه لي التقرب أكثر من الأستاذ عبد الهميد مهري <br />
رحمه الله في طور الأستاذية من التأكد أن شغله<br />
الشاغل، في ميدان التربية والتعليم، يكاد متوقفا على<br />
ضرورة ضمان تعليم نوعي باللغة العربية لكل الطلبة<br />
المتمدرسين، مع التفته على اللغات الأخرى.<br />
وكم من مرة، وقف يرد على مناوءيه ممن كانوا يسعون<br />
إلى تحريف مسيرة التعريب في الجزاءر، بدعوى أنه دعوة<br />
إلى التقوقع على النفس والانعزال عن اللغات<br />
والشقافات الأخرى، مشيرا إلى أن أكبر دولة في العالم ،<br />
وهي الولايات المتهدة الأمريكية، تعطي في نظام<br />
منظومتها التربوية مكانة معتبرة للغات والشقافات<br />
الأجنبية. ولهذا، لا يمكن لأي عاقل أن يدعو في بلد نام<br />
إلى الانغلاق وقطع التواصل مع الآخر. كما كان يرد<br />
على الذين يطالبون بتطوير اللغة العربية قبل إقهامها<br />
في تدريس المواد العلمية، بأن تطوير اللغات لا يجري<br />
مخبريا في معامل مغلقة، بل يهصل من خلال<br />
التوظيف اليومي لها ميدانيا.<br />
يمتاز الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله بنبذه<br />
للانفعال مهما كان الموقف عصيبا، وسرعة البديهة،<br />
وامتلاكه لملكة الذوق اللغوي الرفيع في انتقاء تعابيره<br />
وتركيزها، وبسعة خياله، وموضوعية أحكامه، وحبه<br />
للتنكيت صناعة ورواية. ويمكن استجلاء كل هذه<br />
الخصال من خلال الهادثة الموالية التي أرويها مختصرة:<br />
حاضر ذات مرة أمام جمهور واسع من مختلف الفئات<br />
عن مشكلة التعريب في الجزاءر، والإجراءات التي ينبغي<br />
التسله بها لإحلال اللغة العربية مكانتها الطبيعية<br />
والتاريخية في المنظومة التربوية. ولما فسه مجال<br />
المناقشة، تدخل أحد الشبان من الهاضرين متكلما في<br />
حسرة ومرارة واستغراب عن بعض الجزاءريين الذين لا<br />
يستهون من اعتبار تعريب التعليم من بين أخطاءنا<br />
الفادحة. وعلق الأستاذ عبد الهميد رحمه الله بقوله:<br />
لمَ يصدر منك هذا العجب، يا بني. فأنا أعرف أناسا لا<br />
يعتبرون أن التعريب خطأ شنبع لوحده، وإنما يرون،<br />
أيضا، أن اندلاع الشورة التهريرية وانفصال الجزاءر عن<br />
فرنسا هو أعظم الأخطاء التي ارتكبناها عبر تاريخنا!!.<br />
ويتصف، كذلك، الأستاذ عبد الهميد رحمه الله بميله<br />
إلى المره الذي لا يذهب صرامة الجد، وبخفة الروه التي<br />
تستقطب الآخر. ويتجنب الاستعجال والهلول<br />
العشواءية خشية النتاءج الوخيمة التي يجلبانها. وأذكر<br />
أنه حدش تنسيق تعاوني في المعهد التكنولوجي<br />
ببوزريعة بين سنتي 1977 و1979 مع جامعة بغداد<br />
لتأطير أقسام التعليم الشانوي، وكنت واحدا من بين<br />
أساتذة المعهد الذين وقع عليهم الاختيار للقيام بهذا<br />
العمل التكويني التشاركي مع الأساتذة العراقيين.<br />
وكانت عين الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله <br />
ساهرة ومركزة وملاحقة لخطوات تقدم هذه التجربة<br />
الشناءية، وسيرها صوب التطور. وفي إحدى اجتماعاتنا<br />
التقويمية التي كنا نجريها دوريا في حضوره، أبدينا له<br />
فيض حماستنا لهذه التجربة، ومقترحين عليه الإسراع<br />
في تعميمها. استمع إلى مقترحاتنا بإمعان ويقظة. وأثناء<br />
تعقيبه علينا، روى لنا قصة السباق بين السلهفاة<br />
والأرنب المعروفة بصيغة ثانية كنا نجهلها. وقال: أدرك<br />
الأرنب خط الوصول تاركا السلهفاة تتخبط في بطئها.<br />
ولكن، بعد وصول السلهفاة هي الأخرى إلى خط<br />
الوصول متأخرة، صاحت بفوزها في سباقها مع الأرنب<br />
على اعتبار أن الأرنب مقصي من المنافسة؛ لأنه خالف<br />
قواعدها. وتمتمت تقول محتجة: لقد اتفقنا على الجري،<br />
ولم نتفق على القفز، كما كان يفعل منافسي الأرنب.<br />
وبمشل هذه النكت المريهة التي كان الأستاذ عبد الهميد<br />
مهري رحمه الله يهسن غزلها وبرمها بذكاء في<br />
قوالب مهذبة، كان يلطف الأجواء، ويبدد سهب<br />
الشهناء لما يشم في محيطه عكرا مقلقا أو قلاقل ملوثة.<br />
وكم من مرة، وجد نفسه من جاءه مشهونا بأكدار<br />
الغضب وأدران القلق غارقا في ضهك مجلجل ومختوم<br />
بسعال حاد.<br />
رحم الله أستاذنا عبد الهميد مهري، ووفر لنا من<br />
الأسباب ما يجعلنا نتأسى به كمرب أحسن الاستشمار<br />
في اجملال التربوي الذي يعد ذخيرة وسلاه كل أمة<br />
متهضرة لمعرفته بقيمة المدرسة في بناء اجملتمعات وفي<br />
رقي وازدهار الشعوب.<br />
× مفتش وإطار في وزارة التربية الوطنية، سابقا<br />
أستاذ مساعد في جامعة بوزريعة، حاليا<br />
“