12.02.2015 Views

UÉN OóY

UÉN OóY

UÉN OóY

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

يومية وطنية اخبارية<br />

السبت 17 ربيع الشاني 1433 الموافق ل<br />

‏-خارج التسلسل<br />

www.sawt-alahrar.net<br />

10 مارس‏ 2012<br />

sawtalahrar@gmail.com<br />

عدد خاص‏<br />

يوزع مجانا<br />

أربعينية اجملاهد الوفي،‏<br />

المناضل الصلب،‏ الوطني<br />

اخمللص،‏ الأستاذ<br />

عبد الهميد مهري<br />

عهدا<br />

على<br />

الوفاء


عدد خاص‏ 2<br />

مارس‏ 2012<br />

حكيم الجزاءر..‏<br />

● اختلفوا معه،‏ ناصبوه العداء،‏ تآمروا عليه،‏ ولكنهم كلهم يجمعون على<br />

احترامه ويقرون في قرارة أنفسهم أنه هزمهم جميعهم،‏ فهو بالنهاية لم<br />

يركع ولم يلتمس‏ منهم حاجة ما،‏ لأنه لم يكن يهتاج لخاصية نفسه أي<br />

شيء،‏ بل كل ما كان يبهش عنه ويسعى إليه،‏ هو ذلك الهلم؟؟ الهدف؟؟<br />

الذي وضعه نصب عينيه منذ ما يزيد عن ستين سنة،‏ والمتمشل في استعادة<br />

الوطن من المستعمر،‏ واستكمال الاستقلال الوطني في كل أبعاده ضمن<br />

منظومة حكم،‏ يكون الشعب فيها هو السيد لا غير؟<br />

ولو أن أدعياء السياسة،‏ قد حاولوا إبعاده ووضعه على الرف حينا وعزلوه<br />

وحاصروه حينا آخر،‏ وبلغت بهم الجراءة حد تخوينه ونعته بأقبه<br />

الأوصاف المشينة،‏ إلا أنه ظل كالطود الشامخ،‏ لا تهزه ريه ولا توءثر فيه<br />

الأنواء؟؟ ظل متمكسا بالأمانة،‏ جاحظ العينين،‏ باتجاه واحد وحيد لا<br />

يروم عنه بديلا،‏ ولا يقبل دونه نظيرا،‏ لأنه قد أعطى وعدا،‏ ووعد<br />

الهر دين،‏ وهو بالضبط من ذلك المعدن الذي لا يصدأ‏ و لا يهول،‏ مهما<br />

امتد به الزمن،‏ وتحالفت عليه الأقدار والمحن؟<br />

لم يكن سي عبد الهميد مهري مشاكسا،‏ ولا معارضا ولا عنيدا،‏ كما قد<br />

يتبدى للبعض،‏ وإنما كان رجل مبدأ‏ واقتناع،‏ فإن آمن بأن ذلك هو<br />

زالصهس،‏ فلا تطمع في حمله على تغيير رأيه،‏ فدون ذلك،‏ قناطير<br />

وأطنان من اجملاهدة والصبر،‏ لم تتوفر قطعا في خصومه ومناوءيه،‏ من<br />

الذين أغرتهم المناصب والكراسي،‏ حتى وإن كان ذلك على حساب الأمة<br />

والدولة،‏ ومخصوما من رصيد الشورة والتنظيم؟<br />

وبلا شك،‏ أن طبعه الهادئ وتريشه في إبداء الرأي وإصدار الأحكام واتخاذ<br />

القرار،‏ والذي يوءاخذه عليه بعض‏ المتنطعين من تلامذة السياسة<br />

والنضال،‏ إنما يعود في المقام الأول،‏ إلى حرصه الشديد بأن لا يفعل شيئا<br />

من ذلك دون أن زيجترس‏ كل خبرته التاريخية في مسار الهركة<br />

الوطنية والشورة والاستقلال،‏ ومخزونه السياسي الثري،‏ قبل الخروج<br />

بقناعة واضهة راسخة،‏ لا يتنازل عنها ولا يساوم فيها إلا بقدر ما<br />

يسهبه الآخر رويدا رويدا،‏ إلى صفه إن كان الطرف ذاك يهمل في<br />

حناياه شيئا من الهب والتقدير للشعب والوطن،‏ وإلا فإنه سوف يلعن<br />

الظروف التي وضعت في طريقه هذا زالغول السياسيس‏ الذي لا يهمل في<br />

قلبه أدنى ذرة من الرحمة والشفقة،‏ للمتسلقين الانتهازيين الساعين بكل<br />

نية وطيبة لتهسين أوضاعهم الإجتماعية لا غير؟<br />

لم يكن الذين زيكفرونس‏ بسي عبد الهميد،‏ يكفرون به لكونه أخذ شيئا<br />

لنفسه أو لعاءلته،‏ أو حتى لأحبابه من جيله،‏ من الذين لم تبطر خيرات<br />

الجزاءر بطونهم،‏ بل كانوا لا يهبونه ويكرهونه،‏ لأنه يهمل نظرة<br />

مخالفة لهم في السياسة وفي إدارة شوءون الهكم،‏ من شأنها إن عرفت<br />

طريقها للوجود والممارسة،‏ أن تفضه الكشير من زالسياسويينس‏ وتقطع<br />

عليهم الطريق إلى ركوب التنظيم،‏ وسرقة حق الشعب في أن يكون سيد<br />

نفسه،‏ وأن لا يتصدى لإدارة شوءونه العامة،‏ إلا من يختاره هو بكل وعي<br />

وحرية؟<br />

لم يكن سي عبد الهميد من الذين فقدوا اتزانهم وثقتهم في الشعب وفي<br />

الهزب،‏ حتى في أحلك الظروف وأقساها،‏ عندما نطق الصندوق في<br />

الإنتخابات التشريعية،‏ ولم يفرز لهزب جبهة التهرير الوطني سوى<br />

قسمة ضيزي،‏ انكمش‏ على ما أعطاه الشعب،‏ وانبرى يعيد ترتيب بيت<br />

الجبهة،‏ يبارز ويقارع،‏ الهجة بالهجة،‏ غير مبال بالنصال ولا بالنبال<br />

؟؟؟ لأن السياسة عنده،‏ وعند زالعقالس‏ من أمشاله،‏ وهم قلة على كل<br />

حال،‏ لسوء الهظ،‏ هي يوم لك ويوم عليك،‏ شأنها شأن كل منافسة<br />

ومبارزة شريفة،‏ وليست أبدا امتهانا لكرامة المناضلين،‏ واستجداء مرضيا<br />

للعب أدوار ثانوية،‏ في سيناريوهات معادة ومكررة ومستنسخة إلى ما لا<br />

نهاية؟<br />

السياسة عند سي الهميد،‏ لم تكن تمشيلا في تمشيل،‏ حتى ولو كانت<br />

المصطلهات اللغوية المتداولة يطغى عليها هذا اللفظ،‏ كما أنها ليست<br />

تدجيلا وكذبا على الناس،‏ بل يتعين من منظوره وكما لمسها لديه الذين<br />

هم في سره - أن تكون شفافة واضهة،‏ صادقة بصرف النظر عما يقوله<br />

ويفعله الخصوم والمنافسون الذين يتوجب كشفهم وفضه كذبهم أمام<br />

الرأي العام؟<br />

مدرسة سي عبد الهميد في السياسة،‏ لا تنبني على النظرة الأخلاقية<br />

فهسب،‏ ولكن أيضا،‏ وبالذات على القناعة بأن الشعب يعرف ويدرك ما<br />

هو جار،‏ ومن ذا الذي يكذب،‏ ومن يصدق في القول والفعل،‏ وأضعف<br />

الإيمان في هذه الهال هو احترام ذكاء الناس،‏ والكف عن الإستخفاف<br />

بعقولهم،‏ قبل أن يفقد الفعل السياسي كل صدقية،‏ وينقطع حبل الشقة<br />

بين الهاكم والمحكوم؟<br />

ذلكم ما لم يكنه سي عبد الهميد رحمة الله عليه،‏ وذلكم ما عجزت<br />

السنون والصعاب في أن تجعله يقبل به ويرضخ له،‏ وإذا كان حكيم<br />

الجزاءر،‏ قد رحل وفي حلقه غصة،‏ لكونه لم يفله في أخلقة السياسة،‏<br />

فإن خصومه أيضا فشلوا فشلا ذريعا في ترويضه وتدجينه،‏ فقد كان أكبر<br />

من أن يسقط أو يخضع،‏ وهو الذي عبر معترك الهركة الوطنية وثورة<br />

التهرير،‏ ناصع الشوب عالي الجبين؟<br />

■ التهرير<br />

ليس‏ من استراه بميت<br />

إنما الميت ميت الأحياء<br />

يومية وطنية إخبارية<br />

تصدر عن دار الصهافة الجديدة<br />

شركة مساهمة برأسمال<br />

2 100.000.00 دج<br />

المدير العام<br />

مسوءول النشر<br />

محمد نذير بولقرون


عدد خاص‏ 3<br />

مارس‏ 2012<br />

قدر الكبار أن يكون مسك غيابهم الخلود<br />

تَمُر ُّ أَمَامَنَا فِي مَسِ‏ يرَةِ‏ الهَيَاةِ‏ الطَ‏ ويلَةِ‏<br />

المُتَشَ‏ ع ِّبَة وُ‏ جُوهُ‏ كَشِيرَة نَتَوَ‏ اصَ‏ لُ‏ مَعَهَا رَدْه َّا<br />

من الز َّمَنِ‏ يَطُ‏ ولُ‏ أَوْ‏ يَقْصُ‏ رُ‏ ثُمَ‏ لاَ‏ تَلْبَشُ‏<br />

تِلكَ‏ العَلاَقةُ‏ أَنْ‏ تَخْبُو أَوْ‏ تَنْقَطِعَ‏ تَهتَ‏<br />

طَي َّاتِ‏ الز َّمَنِوَ‏ تَقَل ُّبَاتِ‏ الهَيَاةِ حَتى َّ<br />

تُصْ‏ بِهَ‏ جُزْءًا مِنَ‏ الذ ِّكرياتِ‏ منها الشّ‏ قي<br />

ومنها السّ‏ عيد!‏<br />

غَيرَ‏ أَنَ‏ نَمَطً‏ ا فَرِيدًا من الر ِّجَال ِ،<br />

أَعْطَ‏ اهُ‏ الله مِنْ‏ فَضْ‏ لِهِ،‏ مَوَ‏ اهِبَ‏ العِلمِ،‏<br />

والت َّجربَةَ،‏ وَ‏ الهِ‏ نكةَ،‏ وحُسنَ‏ الت َّدبِيرِ،‏<br />

وحُسنَ‏ الخُلُق،‏ والِإخْلاَصَ‏ ، فَنَرَاهُ‏<br />

يَفْرِضُ‏ نَفْسَ‏ هُ‏ على بَيئَتِهِ‏ ويَترُكُ‏ طَ‏ ابعَهُ‏<br />

على جِيلِه بل على أَجيَال ٍ كشيرةٍ.‏ وَ‏ قَد<br />

تَدْفعُ‏ تَي َّارَاتُ‏ الهَيَاة،‏ معارِفه وإِخوانَه،‏<br />

في اتجاهاتٍ‏ عدة حتى ولو عّبر بعض‏<br />

هوءلاء عن تقديرهم له ولكن بألسنةٍ‏<br />

مُتلَعَشِمَة ، لكّن ذلك الرّجل،‏ يَظ َّلُ‏ طَ‏ افِيًا<br />

فوق المسَ‏ افَاتِ‏ والأَبعَادِ،‏ يَش ُّ دُ‏ إليه<br />

المُهِبينَ،‏ ولاَشَ‏ كَ‏ أن فَقِيدَنَا،‏ هُوَ‏ أَحَدُ‏<br />

النَمَاذج ِ البَارِزَةِ،‏ التي أَث َّرْت فِي هَذَا<br />

الجِ‏ يل ِ، وعَاشَ‏ ت تَجَارِبَه وَ‏ مُعَانَاتِهِ،‏<br />

وَ‏ صَ‏ نعت من كُل ِّ ذلك،‏ مَوَ‏ اقِفَ‏ سَ‏ تَذكُرهَا<br />

أجيالٌ‏ كشيرة.‏<br />

لقد تَع َّوَ‏ دْنَا على المنَابِر أن نُقَد ِّمَ‏ رَجُلاً‏<br />

من رجالاَتِنَا،‏ بقولنا:''‏ وهو غَن 属 ي عن<br />

التَعرِيفِ،‏ فذهبت هذه العبارة،‏ مَذهَب<br />

اجملاملةِ،‏ تَرفعُ‏ من قَدرِ‏ الشَ‏ خصِ،‏<br />

وتُخَفِفُ‏ من جُهدِ‏ المُتهدِشِ‏ عنه،‏ فَتُوجِزُ‏<br />

التَعريف،‏ وتَخْتَزِلُ‏ أَعمالَ‏ الر َّجُلِ‏<br />

وأَفكارَه وإِسهَاماتهِ.‏<br />

ولكِن َّ في نفس‏ ِ العِبارَة،‏ إذا قُلنَاهَا عن<br />

قَامةٍ‏ مِنْ‏ قَامَاتِنَا الفقيد سي عبد الهميد<br />

مهري،‏ فَإِن َّهَا تَكْتَسِ‏ ي مَعنَاهاَ‏ الهَقِيقِي،‏ بهيشُ‏<br />

إذا ما ذَكرنَاه في مُناسَ‏ بة،‏ سِ‏ ياسِ‏ ية أو فِكري َّة،‏ أو<br />

نِضالِية،‏ عَرَفَهُ‏ الن َّاسُ‏ مِن أَقصَ‏ ى العَالمِ‏<br />

العَرَبِي،‏ إلى أَدنَاه،‏ وتَلاَحَقَت فِي ذَاكِرَتهم،‏<br />

وِفي وجْدَانِهِم،‏ سِ‏ لسِلةُ‏ الأَفكِارِ‏ والَموَ‏ اقِف التي<br />

صَ‏ دَرَت مِنْه على مَدَى يُقَارِبُ‏ السَ‏ بعَة عُقُود،‏<br />

كَمَنَارَات هَادءَةٍ‏ وَ‏ مَهطَ‏ اتٍ‏ أَمينَة.‏<br />

وإِنيِلأَذكُرُ‏ مَا قاله لي عندما عَادَني في<br />

مستشفى عين النعجة وأنا على فراش‏ ِ<br />

الموت بُعَيْد الت َّوقيع على إتفاقية أوسلو في<br />

13 سبتمبر 1993, ولَكَمْ‏ تَمَن َّيْتُ،‏ أَنْ‏ يَكوُ‏ نَ‏<br />

أبو عَم َّار صادِقًا في فِرَاسَ‏ تِهِ،‏ وأَنْ‏ يَكوُ‏ نَ‏<br />

المرحُومُ‏ كَاذِبًا في نُبُوءَتِهِ،‏ ولك ِّنَ‏ فِراسَ‏ ةَ‏<br />

مهري كانت أَكبَرُ.‏<br />

وإني بِصدقٍ،‏ أَتَهَيبُ‏ مَوقِفَ‏ الهَدِيشِ‏ عَنْ‏<br />

رَجل ٍ، في حَجم ِ الأُستَاذ مهري،‏ لشَلاشِ‏<br />

أَسبابٍ:‏<br />

استِهالةِ‏ الإحَاطةِ‏ بِبَهرِ‏ مِنَ‏ التَجَارُبِ،‏<br />

والأَخلاقِ،‏ والعِلم ِ، والهِ‏ نكَة.‏<br />

2- خَشيَتَي من أن أَخدِشَ‏ حِرصَ‏ هُ‏ الدَاءمَ،‏<br />

على اقترَانِ‏ العَمَل ِ الصَ‏ الِه،‏ بالتَع َّفُفِ‏ عن<br />

المَديه ِ في حياته،‏ والرثاء بعد موته،‏ وأنا<br />

لذلك أَسْ‏ تَسْ‏ مِهُه عُذرًا،‏ وهُوَ‏ في دَارِ‏ الخُلُودِ،‏<br />

على أن يَتقب َّلَ‏ ذلك،‏ من بَابِ‏ قَول ِ الهَق ِّ في<br />

مَواضعِه وإِسداءِ‏ العِرفانِ‏ لمُستهق ِّيه.‏<br />

3- السبب الشالش هوَ‏ عُسرُ‏ الكَلام ِ بين هذا<br />

الجَمع ِ المُعز ِّي لسي عبد الهميد،‏ بهيش أن<br />

الهاضرين في تَشيِيع ِ الجنازَةِ،‏ واليوم في<br />

التَأبِينِيَة هذه،‏ عَاشَ‏ رُوه وعَايَشُ‏ وه،‏ أو<br />

تَعَلَمُوا على يَدَيْه،‏ أوتَعَل َّمُوا مِنهُ،‏ أو أَخَذُوا<br />

منه مُبَاشَ‏ رَة،‏ مما يجعل قَوْ‏ لهَم في سي عبد<br />

الهميد مهري،‏ قَولاً‏ مُنبَشِقًا عن عِلم،‏<br />

وَ‏ مُنطَ‏ لِقًا من إِحاَطَ‏ ةٍ،‏ تَعِزُ‏ على سِ‏ وَ‏ اهُم.‏<br />

لكن الذي يَنصُ‏ رُني على هذه الصُ‏ عُوبَات،‏<br />

هُو الشِقَة،‏ في أن َّ ما نُرثِي به الأستاذ مهري،‏<br />

من تِعدَادِ‏ المنَاقبِ،‏ لهو عِبرةٌ‏ لِلأَجيال ِ<br />

الرَاهنَة والقَادِمَة،‏ حتى يَعرفُوا أو َّ لاً‏ أن<br />

الأُمَة العَرَبِيَة،‏ والجَزَاءِر،‏ وجبهة التهرير<br />

الوطني،‏ أَحَل َّتْ‏ الر َّجلَ،‏ المَنزِلةَ‏ العُليَا مِنَ‏<br />

المَهبَةِ،‏ والِاحترام ِ والتَبجِيل ِ والتوقير ِ<br />

وثانيا نَهُشُ‏ الن َّشءَ‏ على أن يَنْهَلَ‏ من عَملِه،‏<br />

وَ‏ تَجرِبَتِه وعلى الاستزادةِ‏ من الت َّعرّفِ‏ على<br />

لَباقَتِه،‏ وأُسلوُ‏ بِ‏ تَعَاطِيهِ‏ مع الآخر،‏<br />

فالفقيد كان مُتواضِ‏ عًا مع طُ‏ لاّبِه،‏ وإِخوانِه<br />

من المناضلين،‏ ومُعَاونِيه في كل القطاعات<br />

التي سَ‏ ي َّرهَا،‏ كان دَمِشَ‏ الخُلقَ‏ معهم،‏<br />

مُتعَفِفًا،‏ زَاهِدًا في أمور الدنيا،‏ يَستمِعُ‏ بِقلبٍ‏<br />

مَفتُوه ٍ، لِكل ِ الآراءِ‏ والأفكارِ،‏ والملاحظاتِ‏<br />

والإستفساراتِ،‏ والتعقيباتِ،‏ حتى أحيانا<br />

ما يَتجَاوزُ‏ منها،‏ حُدُودَ‏ المَسمُوه ِ به في آداب<br />

الهَديشِ،‏ وأَنَا أَذكُرُ‏ مِنهَا قُبْهَ‏ القَول ِ المُوَ‏ جَهِ‏<br />

له في أعقابِ‏ العِقدِ‏ الوطني وجلسات<br />

الهوار عندما غَضَ‏ بَت السَ‏ احةُ‏ وزَمجَرَت<br />

وأَرغَتْ‏ وأَزبَدَتْ،‏ وكان يَردُ،‏ ويُوضِ‏ ه،‏<br />

ويُجِيب،ويَكتُبُ‏ في كل المَواقِع ِ، وفي جميع<br />

الأُمُور بهدوءِ‏ وإتزان،‏ بارتياه،‏ ورَوِيةٍ‏<br />

ودِرايةٍ،‏ وبِدونِ‏ أي ِّ فَضَ‏ اضةٍ‏ أو استعلاءٍ.‏<br />

إن َّ رَجُلاً‏ في مَنزلةِ‏ سي عبد الهميد مهري،‏<br />

لا يمكن أن يُهَاط به في كلماتٍ،‏ ولا في<br />

سطورٍ،‏ وحسبُنا أن نستعرضَ‏ الأغراضَ‏<br />

التي خاض‏ فيها،‏<br />

فمن الهركة الوطنيّة والسجن والهكومة<br />

الموءقتة وكل أوجه مواجهة الإحتلال،‏<br />

وجَمعِأدواتِ‏ الإقتدار،‏ للنهوض‏ بواجب<br />

التهرير،‏ تعبئةً‏ وتدبيرًا،‏ وتفكيرًا،‏<br />

وتفاوضً‏ ا،‏ وجهادًا،‏ إلى التربية والتكوين<br />

في مدرسة الأستاذة،‏ وفي وزارة التربية<br />

الوطنية،‏ حيش أَع َّدَ‏ وحَض َّ رَ‏ وأَنجَزَ،‏<br />

المدرسة الأساسية،‏ إلى الدبلوماسية<br />

وحنكة التفاوض،‏ من إيفيان إلى باريس‏<br />

والرباط،‏ إلى معالجة الاحتقان الذي<br />

عرفته البلاد،‏ باعتماد سعة الصدر<br />

والمرونة،‏ وتبني الوسطية والاعتدال،‏<br />

والهرص‏ على حقن دماء الجزاءريين،‏<br />

بالهش على إنتهاج سياسة المصالهةِ‏ ورأبِ‏<br />

الصدع ِ، وتَضميدِ‏ الجِ‏ راه ِ، وتَوسيع ِ داءرةِ‏<br />

المشاركةِ‏ السياسيةِ‏ لكل الجزاءريين،‏ على<br />

إختلاف أَلوانِ‏ الطيفِ‏ السياسي ِ، دُونَ‏<br />

إِقصاء،‏ وبَعيدًا عن التَدخل ِ الخَارجي ِ، أو<br />

اعتمادِ‏ الهلول ِ المُستوردةِ‏ أو الانسلاخ ِ عن<br />

مُقوماتِ‏ الشخصيةِ‏ الجزاءريةِ،‏<br />

هذه بعض‏ مَعالِم ِ الر َّجُل ِ و بعض‏ جُهودِه<br />

عبر عنها بلسان صادق،‏ وقلب عامر<br />

بالوطنية والإيمان لِيسْ‏ هِمَ‏ في حل مشاكل<br />

الأمة،‏ سياسيةً‏ كانت،‏ أو أمنية،‏ أو<br />

اقتصادية،‏ أو ثقافية،‏ أو اجتماعية،‏ أو<br />

تربوية،‏ أو موءسساتية،‏ دَل َّت كل مقترحات<br />

الفقيد على سعة الإطلاع،‏ وعمق المعرفة،‏<br />

وبُعدُ‏ النظرِ‏ وعلى مُتابعة دقيقة<br />

للتهولات الطارءة على الأمة العربية<br />

قاطبة وعلى إلتهام ٍ حميم ٍ بهموم الأمّة<br />

ومشاغلها اليومية،‏ وتساوءلاتها المتنوعة،‏<br />

وما أَسعدَك يا سي عبد الهميد إذا أرادك<br />

الله،‏ عَشيةَ‏ دُخُولِكَ‏ قَبرك،‏ من مُشاهدة<br />

وسَ‏ مَاع من يُمشِل العَربَ،‏ لَيلةَ‏ تَشييع<br />

جنازتك،يَستَقْوُ‏ ونَ‏ في مجلس‏ الأمن<br />

بِغيرهم على بَعضهم،‏ فالجامعة بلا<br />

شخصية وميشاقها بلا أخلاق،‏<br />

وإني أَع ُّدُ‏ الأستاذ سي عبد الهميد مهري،‏<br />

في تلك الصفوة النادرة،‏ التي كأنما قصدها<br />

الإمام الشافعي بقوله:''‏ من تَعلّمَ‏ القرآن<br />

عَظُمَت قيمته،‏ ومن نظر في المعاملان نَبُلَ‏<br />

قدره،‏ ومن كتب قَويَت حُجَته،‏ ومن نظر<br />

في اللغة رق طبعه،‏ فما بالكم في رجل،‏<br />

إجتمعت لديه هذه الخِ‏ صال ِ: عَميقَ‏<br />

النَظرةِ،‏ صَ‏ اءبَ‏ الفِكرةِ،‏ قَادرًا على تَبصِ‏ رة<br />

الأمة بما لديها من عناصر،‏ تَكفُل لها<br />

البَقَاءَ‏ والغَلبَة تموت والقضية العربية<br />

يهيج بها جنانك ويموج بها لسانك،‏ فمتى<br />

يا سي عبد الهميد تكون جامعة الدول<br />

العربية جامعة<br />

ومتى يا سي عبد الهميد تصير جامعة<br />

الدول العربية عربيّة<br />

إِنَ‏ هذا اللقاءَ‏ لَيسَ‏ تَأبِينيًا فَقَط،‏ وإنما<br />

يَتجاوزُ‏ المَنْعِي َّ،‏ ليَكُونَ‏ إِستنهَاضً‏ ا لِلْهِمَمِ‏<br />

الجَبهَوِية،‏ حتى تَتَهفزَ‏ في معركةِ‏<br />

الوطنية،‏ والقيم ِ والأخلاقِ،‏ ويَتخِذَ‏<br />

المُنَاضِ‏ لونَ‏ والمُناضلاَت،‏ والمُهبونَ‏ والمُهبات،‏<br />

من فَقيدِ‏ العُروبَةِ‏ والجزاءر،‏ قُدوةً‏ في<br />

السياسةِ،‏ والعلم ِ، والسَ‏ ماحةِ،‏ والتَعففِ،‏<br />

والتَسير ِ، والوطنية والإيمانِ.‏<br />

فَقَدَتِ‏ الأمة والجزاءر وجبهة التهرير<br />

الوطني،‏ أَحَدَ‏ رُموزها وقادتها الأبرار،‏<br />

الذي كّرَس‏ حياته بالكفاه،‏ والعمل،‏<br />

والعطاء لخدمة الأمة.‏<br />

مَاتَ‏ سي عبد الهميد مهري،‏ ولكن المبادئ<br />

والقيم التي ناضل من أجلها لم تمت بل هي<br />

ستنمو،‏ وتتطور،‏ وتتعمق في الوِجدان<br />

الجبهوي،‏ يوما بعد يوم،‏ لأننا نَقرأُها في<br />

حِرص‏ ِ المناضلين،‏ لأننا نقرأها في طُ‏ موه ِ<br />

الشباب،‏ الذين فُتِهَت لهم طريق الشُ‏ موخِ،‏<br />

إننا نراها في وجوه الأَحب ِّة والأصدقاء،‏<br />

الذين جاءوا من كل جهة،‏ وفَزِعُوا من كل<br />

حَدبٍ‏ وصَ‏ وبٍ،‏ ليَشهَدُوا عَزَاءَ‏ سي عبد<br />

الهميد.‏<br />

فَبقلُوبٍ‏ يَعصِ‏ رهَا الأَلم،‏ وتُخْفِقُ‏ بالموَ‏ دَةِ،‏<br />

ويَعِزُ‏ عليها فِرَاقُ‏ وَ‏ احدٍ‏ مِنَ‏ اجملاهدين<br />

واخمللصين لهذه الأمة،‏ ولهذا الوطن،‏ نَقفُ‏<br />

اليوم وَ‏ قفَة تَرحم ٍ وعِرفَان،‏ لِرجل ٍ قَضَ‏ ى<br />

حَياتهُ،‏ مُجاهدًا،‏ ومُفكرًا،‏ وسِ‏ ياسيًا،‏<br />

ودِبلوماسيًا،‏ ومُربيًا،‏ ومُسيرًا،‏ وقَاءدًا،‏ بين<br />

ساحاتِ‏ النِضال ِ والبِناءِ،‏ مُوطدًا أَركانَ‏ الدَولةِ‏<br />

والهِ‏ زبِ،‏ ذاءداً‏ عن حِمىَ‏ الأُمَةِ‏ في المَهَافِلِ‏<br />

والمنتدياتِ،‏ ثَابِتًا على الهَق ِ، مُنتصرًا<br />

للمَظلوم ِ، جَامعًا للكلمةِ،‏ مُعبّئًا للطاقاتِ‏<br />

ومتفانيًا في تحقيق ِ الخيرِ.‏<br />

نَقفُ‏ في إِجلال ٍ، لا تَستَوفِيه العِبارَات،‏<br />

وكيف نَنْعِي سي عبد الهميد مهري،‏ وهو<br />

الرَجُلُ‏ الذي مَاتَ،‏ ولَكنَه لم يَرحَلْ،‏ لأنه<br />

بَرنَامَج،‏ لأنه مَدرسَ‏ ة،‏ لأنه قُدوَ‏ ة،‏ لأنه<br />

رَسّ‏ خَ‏ فينا الشبات على الهقّ،‏ والهِ‏ رصَ‏ على<br />

صَ‏ ونِ‏ ثوابت الأمة على الغيرة عن<br />

الشخصية الوطنية،‏<br />

فَقدْنَاهُ،‏ ولَكِن َّه قَضاَءُ‏ اللهِ‏ المَهتُوم،‏ ولا مَر َّدَ‏<br />

لِقضَ‏ اءِ‏ الله.‏<br />

‏''فإذا جَاءَ‏ أَجلُهُم،‏ لاَ‏ يَستأخِرُونَ‏ ساعةً‏ وَ‏ لاَ‏<br />

يَستقدِمُونَ‏ ''،<br />

فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم<br />

وإننا بقضاء ربنا راضون،‏<br />

إنا لله وإنا إليه راجعون<br />

يَمُوتُ‏ الكِبَارُ‏ ولاَ‏ يَرحَلُونَ.‏<br />

●<br />

-1<br />

الأستاذ عبد العزيز بلخادم


عدد خاص‏ 4<br />

مارس‏ 2012<br />

:<br />

أحس‏ بأن الشاعر الجاهلي عدي بن الرعلاء الغساني<br />

كان يشير إلى رجال مشل عبد الهميد مهري وهو يصوغ<br />

بيت الشعر الراءع<br />

ليس‏ من مات فاستراه بميت إنما الميت ميت الأحياء<br />

ولا أرى عبارات تنطبق على أحد كما ينطبق هذا البيت<br />

على سي عبد الهميد في هذا الزمن الرديء.‏<br />

وعندما أسترجع مواقف الرجل وخصاله ومآثره عبر<br />

السنوات التي عرفته فيها أحس‏ بمدى خسارة الجزاءر وهي<br />

تفقد علما من أبرز أعلامها ورمزا من أشرف رموزها<br />

ومناضلا تميز بعفة اللسان ونبل الأعمال وهدوء الهركة<br />

ورصانة التصرفات.‏<br />

وليس‏ هذا من باب العبارات التأبينية التي يندفع إليها المرء<br />

وهو يتهدش عن عزيز يفارقنا إلى الأبد،‏ بل هو عنوان<br />

مختصر لمسيرة عبد الهميد مهري عبر السنوات التي كان<br />

فيها مناضلا قاعديا في أكثر من مجال ومسوءولا في أكثر<br />

من موقع ووزيرا في أكثر من حكومة وسفيرا في أكثر من<br />

بلد.‏<br />

ومن هنا أستعرض‏ في سطور قليلة بعض‏ المواقف التي<br />

عشتها مع الراحل الكريم والتي يترجمها ذلك العنوان.‏<br />

وكان أولها ما رواه لي شخصيا عن عملية البناء الهاءلة<br />

التي استفادت بها ومنها موءسسة التربية والتعليم،‏ فقد قال<br />

لي بعد وفاة الرءيس‏ هواري بو مدين أن الرءيس‏ الراحل قال<br />

له في أحد اللقاءات التي جمعته بالأمين العام لوزارة<br />

التربية بأن علينا أن نبذل كل جهد في ميدان التعليم،‏ حتى<br />

ولو اضطررنا لبيع ملابسنا.‏<br />

وكان هذا على وجه التهديد مضمون مسيرة عبد الهميد<br />

مهري في وزارة التربية عبر كل السنوات التي تحمل فيها<br />

عبئا تنوء به الجبال،‏ ومن هنا يمكن القول أن عبد الهميد<br />

مهري هو تجسيد لكل رجال التربية والتعليم الجزاءريين،‏<br />

الذي كانوا أوفياء للعهد أمناء على مسيرة الأجيال.‏<br />

ولم يكن العبء في مجال الوزارة مجرد الجهود اليومية<br />

التي يجب أن يقوم بها المسوءول التنفيذي الأول عن<br />

التعليم،‏ وإنما تجاوزت ذلك إلى العبء النفسي الذي نتج عن<br />

ظروف معينة،‏ كان الاتجاه العام فيها ولأسباب يطول<br />

شرحها يتميز بالتناقض‏ بين بعض‏ عناصر السلطة الموءثرة<br />

في البلاد وعناصر الهكومة الموءقتة للجمهورية الجزاءرية،‏<br />

والتي أصبه اليوم عبد الهميد مهري آخر من يغادرنا من<br />

أعضاءها الممارسين،‏ حيش لم يبق من أعضاء الهكومة إلا<br />

وزيرا الدولة آنذاك،‏ ممن لم يمارسوا العمل الهكومي بشكل<br />

مباشر،‏ وهما الأخوان حسين آيت أحمد والأمين خان.‏<br />

كان مهري من أكثر اخملتصين في شوءون التربية والتعليم<br />

خبرة وتجربة،‏ وكان المنطق أن يكون هو وزير التربية في<br />

أول حكومة يكونها الرءيس‏ بو مدين بعد انتخابات رءاسة<br />

الجمهورية،‏ لكن التوازنات السياسية فرضت نفسها على<br />

رءيس‏ الجمهورية،‏ الذي كان يكشف كل جهوده لتنظيم<br />

موءتمر حزب جبهة التهرير الوطني في وكان يريد أن<br />

يهقق للموءتمر كل ضمانات السير الهسن بعيدا عن<br />

التوترات من أي نوع كان،‏ وهو ما سبق أن أشرت له في<br />

أكثر من حديش.‏<br />

وهكذا يختار لوزارة التربية الأخ مصطفى لشرف،‏ الذي<br />

كان يومها مستشارا برءاسة الجمهورية،‏ ولم أكن يومها<br />

أعرف بصفة كاملة حجم الضغوط الرهيبة التي كان<br />

الرءيس‏ يتعرض‏ لها،‏ والتي فرضت أن يتم الإعلان عن<br />

تكوين الوزارة في يومين متتاليين.‏<br />

ويطره عليّ‏ الرءيس‏ يومها سوءالا عن رأيي في الاختيار،‏<br />

وأعترف بأنني تجاوزت حدودي معتمدا على سعة الصدر<br />

التي تعودتها من الرءيس‏ فقلت بأنني ‏(غير مقتنع بمن تم<br />

اختياره وزيرا للقطاع)،‏ وربما لأنني كنت أرى أن<br />

مواصفات مهري تجعل منه المرشه الأول إن لم يكن<br />

المرشه الوحيد.‏<br />

ويجيبني الرءيس‏ بصوت أحسست بأنه كان غاضبا(‏ ‏:وهل<br />

الوزير الهالي أفضل من مصطفى؟)‏<br />

وقلت على الفور بأن لشرف قد يكون مشقفا متميزا<br />

ومناضلا قديما لكنني،‏ ومن واقع عمله معنا في الرءاسة،‏ لا<br />

أراه قادرا على تسيير قطاع معقد كقطاع التربية والتعليم.‏<br />

وفيما بعد،‏ وداءما بعد وفاة الرءيس،‏ روى لي عبد الهميد<br />

مهري أن الرءيس‏ بو مدين طلبه هاتفيا خلال مرحلة إعداد<br />

,1978<br />

*<br />

●<br />

الدكتور محيي الدين عميمور<br />

و..يترجل الفارس..‏<br />

الوزارة ليقول له بأنه يعرف كفاءته ومقدرته وإخلاصه،‏<br />

لكن الوقت لم يهن بعد ليتولى الوزارة،‏ وأنه كلف بها<br />

مصطفى لشرف،‏ وهو يشق في حسن تفهم مهري الذي<br />

سيدعم هذا الاختيار،‏ ويقول مهري للرءيس‏ أنه يدرك<br />

التزاماته ويتفهم ضروريات المرحلة،‏ وأنه،‏ في هذه اللهظة<br />

بالذات،‏ يستقبل لشرف ويهيطه علما بكل المعطيات<br />

الأساسية في الوزارة.‏<br />

وعندما أعطاني الرءيس‏ الشاذلي بن جديد المذكرات التي<br />

كتبها الرءيس‏ الراحل بخط يده خلال وجوده على سرير<br />

المرض‏ في موسكو قرأت سطرا كتب فيه الرءيس‏ العبارة<br />

التالية:‏ إنهاء مهام مصطفى لشرف وتعيينه سفيرا.‏<br />

وأدركت يوما أن كتابات عبد الله شريط وغيرهن ومواقف<br />

كل الذي لم ينسجموا مع اختيار لشرف لم تذهب أدراج<br />

الرياه،‏ وثبت أن من مارسوا الضغوط من أجل اختياره<br />

وزيرا،‏ مع آخرين لم يكونوا خيرا منه،‏ كانوا يتصرفون من<br />

منطلقات لا علاقة لها بمنطق الدولة.‏<br />

ويختار الرءيس‏ الشاذلي بن جديد مهري وزيرا للإعلام<br />

والشقافة،‏ وهكذا تحظى الوزارة للمرة الأولى بشخصية<br />

فكرية متميزة،‏ وبقامة سياسية محترمة،‏ وكان ذلك إيذانا<br />

بفجر جديد للإعلام الجزاءري،‏ دشنه اجتياز عبد الهميد<br />

بجدارة اضطرابات أبريل بتعاون وانسجام وتكامل<br />

مع مديرية الإعلام برءاسة الجمهورية وقسم الإعلام<br />

والتوجيه بهزب جبهة التهرير الوطني وقيادات أجهزة<br />

اخملابرات والأمن.‏<br />

ولم يكن الأمر سهلا في تلك الظروف،‏ خصوصا عندما<br />

كان هناك من يهاول أن يمنّ‏ على سي الهميد بأنه وراء<br />

تعيينه وزيرا،‏ ويصل الأمر إلى الرءيس‏ الشاذلي بن جديد<br />

119<br />

,1980<br />

الذي يكلفني بالذهاب إلى الوزير في شارع مراد<br />

ديدوش‏ لأقول له جملة واحدة اختيارك وزيرا هو بفضل<br />

كفاءتك والتزامك ومقدرتك،‏ ولا فضل لأحد في هذا<br />

الاختيار.‏<br />

ويجتاز سي عبد الهميد،‏ فيما أتصور،‏ أسوأ‏ أيام حياته في<br />

منتصف التسعينيات،‏ عندما تنكر له من كان عونا لهم في<br />

:<br />

‏«إلى بارءها فاضت روه اجملاهد<br />

والمناضل الأستاذ عبد الهميد<br />

مهري أبرا المولى روحه<br />

الطاهرة و آواها في رحاب جنات<br />

الخلد والنعيم».‏ ‏«لقد نذر فقيد<br />

الجزاءر كل حياته لخدمة<br />

الوطن والشعب إذ تعلقت همته<br />

منذ غضاضة العمر بالمشل<br />

السامقة في الهرية والعدالة<br />

والسيادة في زمن هتك صفاءه<br />

ظلم الاستعمار»‏<br />

‏«فما استكان الراحل على مدى<br />

العقود الخالية ولا كلت إرادته منذ أدرك الهق إذ انتمى يافعا إلى<br />

صفوف الهركة الوطنية مناضلا بوعي متقدم إلى أن اندلعت<br />

الشورة الظافرة فكان واحدا من أبناءها العاملين اجملتهدين بما<br />

أتاه الله من رجاحة عقل ونباهة وحكمة فأدى واجبه على<br />

أكمل وجه حتى إذا وضعت الهرب أوزارها وانتزع الشعب حقه<br />

في الهياة الكريمة طفق الراحل بنفس‏ الإرادة والتصميم مع كل<br />

اخمللصين من أبناء الجزاءر يعمل ويوجه ويشارك الجماهير إن<br />

في مجال الإدارة أو النضال السياسي والشقافي».‏<br />

‏«ولئن غيب الموت الأستاذ عبد الهميد مهري جسدا فإنما ذكراه<br />

باقية في القلوب ورصيده النضالي وإخلاصه الوطني ذخرا<br />

تقتدي بهما أجيال الجزاءر في الاستمساك بتلك القيم الخالدة<br />

التي من شأنها عاش‏ ومات على غرار كل اخمللصين من أبناء هذه<br />

الأمة».‏<br />

‏«وإذ أعزي أسرته الكريمة وذويه الأبرار وكل رفاق دربه أسأل<br />

المولى أن يهتسبه مع الذين اصطفاهم إلى جواره من الأولياء<br />

والصديقين وأغدق عليهم بلا حساب في جنات النعيم».‏<br />

● عبد العزيز بوتفليقة<br />

رءيس‏ الجمهورية<br />

أريد الهديش عن الهزن<br />

العميق الذي انتابني عندما<br />

تلقيت خبر وفاة سي عبد<br />

الهميد مهري.‏ ما عساني<br />

أقوله لأفي هذا الرجل حقه؟<br />

لقد فقدت رفاقا وأصدقاء<br />

وأشقاء طيلة مسار حياتي<br />

والعديد منهم في نظري لا<br />

بديل لهم ولا يمكن تعويضهم.‏<br />

لكن بالنسبة لسي عبد<br />

الهميد مهري يمكنني أن أقول<br />

فقط اليوم أن كل ناشط<br />

سياسي،‏ ديمقراطي ووطني<br />

مخلص‏ يجب أن تتاه له فرصة للقاء ناشط من مكانة ومنزلة<br />

سي عبد الهميد،‏ بصدقه وذكاءه،‏ وجعله أحد الأصدقاء في<br />

النضال.‏<br />

من أجل هذا،‏ فقد تم تخصيص‏ الجمعية الوطنية للأفافاس‏<br />

المنعقدة،‏ بالعاصمة تكريما لسي عبد الهميد بالمفهوم العالي<br />

للالتزام السياسي».‏<br />

● حسين آيت أحمد<br />

رءيس‏ جبهة القوى الإشتراكية<br />

مراحل متعددة،‏ وعندما سمع في فندق ‏(الجزاءر)‏ من رفيق<br />

قديم تهديدا بأن عليه أن يترك موقعه في الأمانة العامة<br />

لهزب جبهة التهرير الوطني،‏ وكان واضها أن هناك تيارا<br />

يريد أن يقضي على مهري وعلى والخط الوطني العريق<br />

في جبهة التهرير،‏ وهكذا دخلت الجبهة،‏ طبقا للتعبير الذي<br />

ساد يومها،‏ إلى بيت الطاعة،‏ وكانت خسارة هاءلة للجزاءر<br />

لم تنجه في تعويضها حتى يومنا هذا.‏<br />

لكن عبد الهميد مهري لم يستكن إلى حياة التقاعد في بيته<br />

المتواضع في حيدرة،‏ بل راه ينشط في كل اجملالات المتاحة<br />

وخصوصا مجال الموءتمر القومي العربي ويوجه نهو إقامة<br />

التكامل بين الاتجاهات القومية والتيارات الدينية.‏<br />

ومع عودة الأمن والصفاء إلى اجملتمع الجزاءري واصل<br />

جهوده الفكرية بنفس‏ العفة المتميزة في القول وفي العمل،‏<br />

وبنفس‏ الرصانة والهكمة والموضوعية،‏ وبدون أن يهادن أو<br />

يخادع أو يُراءي أو يعطي الشعور بأنه يهاول التذكير<br />

بوجوده أو المساومة بمواقفه أو المزايدة بآراءه.‏<br />

ويجتاز عبد الهميد مأساة فقدان زوجه الفاضلة التي كانت<br />

سندا له طوال حياته،‏ ثم يجتاز في العام الماضي صدمة<br />

فقدان أخيه عبد الرحمن،‏ ولكنه يظل داءما الوطني<br />

الهريص‏ على ألا يتخلف لهظة واحدة عن أداء واجبه<br />

النضالي،‏ لا يرجو في الأمر جزاء ولا شكورا،‏ وكان آخر<br />

جهده قبل أن يهده المرض‏ رسالته الموجهة إلى رءيس‏<br />

الجمهورية.‏<br />

ويترجل الفارس‏ العظيم وتفقد الجزاءر رجلا يمكن أن يقال<br />

عنه أنه واحد من آخر الرجال المحترمين.‏<br />

وتبقى نقطة أريد أن أسجلها هنا،‏ للأمانة وللتاريخ،‏ فخلال<br />

حديشي مع ابنه صباه الأربعاء قلت له،‏ باندفاعي المعروف<br />

وبهضور العقيد مصطفى الهبيري،‏ أنني كنت أتمنى أن يُدفن<br />

عبد الهميد مهري إلى جانب رفاقه في مقبرة العالية،‏ وهي<br />

ليست ملكا لفلان أو فلتان من القيادات التاريخية ولكنها<br />

يجب أن تكون صورة حقيقية للمصالهة الوطنية والتكامل<br />

النضالي،‏ بما تضمه في ثراها من رفات لرجال فرضت عليهم<br />

الظروف حجما كبيرا من التناقضات وصل إلى حد العداء،‏<br />

لكنهم يظلون داءما وطنيين جديرين بكل احترام وتقدير.‏<br />

ويوءكد لي ابن سي عبد الهميد أن قرار دفنه في مقبرة<br />

سيدي يهيى لم يكن بوصية منه كما كنا سمعنا ولكنه<br />

كان قرارا اتخذته العاءلة بمبادرة منها،‏ ولا دخل للراحل<br />

الكريم بهذا القرار.‏<br />

وأحسست على الفور بمدى عظمة الرجل الذي فقدناه.‏<br />

رحم الله سي عبد الهميد وألهم آله وذويه الصبر والسلوان.‏<br />

ومرة أخرى،‏ آمل أن يكون الراحل الكريم قد سجل مذكرات<br />

تستعرض‏ المراحل التي عاشها،‏ وهي مراحل رءيسية في<br />

تاريخ الهركة الوطنية والشورة الجزاءرية والنضال العربي.‏


عدد خاص‏ 5<br />

مارس‏ 2012<br />

هكذا أحبط مهري موءامرة دعاة الأفلان إلى المتهف<br />

لم تكن رياه التغيير التي هبت على الجزاءر بعد أحداش الخامس‏ من أكتوبر 88 يسيرة على جبهة التهرير الوطني،‏ الذي وجد نفسه في مواجهة<br />

تحولات سياسية وهيكلية مفصلية ليس‏ بالنسبة للهزب فقط وإنما أيضا للدولة ونظام الهكم برمته،‏ فما كان من قيادة الجبهة سوى استدعاء<br />

المرحوم عبد الهميد مهري الذي كان يشغل منصب سفير في المغرب لإعادة هيكلة الهزب ورسم توجهاته السياسية وفق مقتضيات المرحلة،‏ فكيف<br />

تصرف مهري مع المسألة؟ هنا محاولة لتسليط الضوء على بصمات مهري في الآفلان.‏<br />

رياض‏ هويلي<br />

1991<br />

● يعترف إطارات ومناضلو حزب جبهة<br />

التهرير الوطني أن أحداش الخامس‏ من أكتوبر<br />

وما تلاها من إعادة النظر في طبيعة<br />

النظام السياسي والاقتصادي للجزاءر،‏ كانت<br />

لها تداعيات كبيرة على الآفلان،‏ الذي كان<br />

أول ضهية لتلك الأحداش باعتباره آنذاك<br />

‏«حزب الدولة أو الهزب الجهاز أو واجهة<br />

النظام الأحادي»‏ كما يهلو للبعض‏ تسميته،‏<br />

وفي هذه الفترة العصيبة التي عاشتها الجزاءر<br />

بعد إعلان غورباتشوف في روسيا عن ما<br />

أسماه ‏«الجلاسنوست والبروستوريكا»،‏ أي<br />

الشفافية وإعادة البناء أيدانا بدخول الاتحاد<br />

السوفياتي في إصلاحات هيكلية وسقوط<br />

خط برلين،‏ شرع النظام ومنظرو الآفلان في<br />

مناقشات حادة وجدية حول مستقبل الجبهة<br />

في ظل التهولات التي تشهدها الجزاءر وبروز<br />

التيار الإصلاحي بقوة في صفوف الهزب<br />

وموءسسات الدولة كذلك.‏<br />

ومن أبرز التساوءلات التي شغلت منظري<br />

الهزب:‏ كيف سيتم التعامل مع الآفلان في<br />

الوضع الجديد بعدما كان حزب الدولة أو<br />

الهزب الوحيد الماسك أو على الأقل المتواجد<br />

في كل هياكل الدولة وركيزة سياسية يستند<br />

عليها نظام الهكم؟ هل سيتم إحالة الآفلان إلى<br />

المتهف حسب مطالب بعض‏ الجهات أم يتم<br />

إعادة بناءه وفق تصور جديد بهيش يصبه<br />

للجبهة دور حزبي وسياسي ككل الأحزاب<br />

الناشئة؟ كيف ستكون مواقف الآفلان من<br />

السلطة والنظام والتعامل مع موءسسات<br />

الدولة؟.‏<br />

في خضم هذا النقاش‏ الذي يقابله لهيب في<br />

الشارع،‏ استنجد رءيس‏ الجمهورية آنذاك،‏<br />

الأمين العام لجبهة التهرير الوطني،‏ الشاذلي<br />

بن جديد،‏ بعبد الهميد مهري الذي كان سفيرا<br />

للجزاءر بالمغرب لقيادة سفينة الآفلان<br />

والبهش عن موقع ملاءم لها في الساحة<br />

السياسية التعددية التي أقرها دستور<br />

23<br />

. 1989<br />

1988<br />

فيفري<br />

تفيد مراجع من جبهة التهرير،‏ تعاملت مع<br />

الرجل أو رافقته في مسيرته من اجل إعادة<br />

بناء الآفلان،‏ الظرف السياسي والاجتماعي<br />

آنذاك كان يهتم إسناد سفينة جبهة التهرير<br />

لرجل من طراز مهري،‏ فالمهمة صعبة<br />

وصعبة للغاية،‏ والرهانات كبيرة والمشاكل<br />

معقدة،‏ وانسهاب العديد من الإطارات<br />

وخروجها لتأسيس‏ أحزاب سياسية في ظل<br />

دستور زاد من تعقيد الوضع سيما وأن<br />

التوجهات الكبرى للنظام السياسي لم تكن<br />

مستقرة وواضهة.‏<br />

في هذه الظروف،‏ عكف الراحل عبد الهميد<br />

مهري على جمع شتات الآفلان من خلال<br />

دعوته إلى ندوة وطنية لإطارات جبهة<br />

التهرير الوطني،‏ تضم القيادات التاريخية،‏<br />

أمشال محمد الصاله يهياوي،‏ أحمد طالب<br />

الإبراهيمي،‏ عبد العزيز بوتفليقة وغيرهم من<br />

القياديين الكبار،‏ وتفيد ذات المراجع أن<br />

الرءيس‏ الشاذلي بن جديد عارض‏ فكرة<br />

الندوة الوطنية للإطارات بسبب مخاوف من<br />

انفلات الوضع التنظيمي والسياسي للأفلان<br />

وخروجه عن سيطرة عبد الهميد مهري،‏ مما<br />

,89<br />

يزيد من متاعب الهزب.‏ إلا أن الرجل بفضل<br />

دهاءه السياسي وحكمته في التعامل مع<br />

المساءل المركبة وبالغة التعقيد،‏ تمسك بخيار<br />

الندوة واستطاع لم شمل إطارات ومناضلي<br />

الآفلان والقيادات التاريخية،‏ وخلصت الندوة<br />

التي تبقى من أبرز المحطات الهامة في حياة<br />

الهزب،‏ إلى إقرار جملة من القرارات التي<br />

رسمت التوجهات الكبرى للأفلان تحت راية<br />

التعددية السياسية والإعلامية،‏ ولعل أبرز<br />

تلك القرارات إعادة بناء الآفلان وفق القوانين<br />

الجديدة ووضع خط فاصل بين الهزب<br />

والدولة،‏ ومنهه الصبغة الهزبية:‏ ببساطة<br />

تحويل الآفلان إلى حزب عادي ككل الأحزاب<br />

وفق قانون الجمعيات السياسية الصادر عام<br />

وعلى إثر ذلك يتذكر الجميع كيف<br />

خرج الآفلان من قصر الهكومة الذي كان<br />

يشغله ثم من قصر زيغوت يوسف في وقت<br />

لاحق ليستقر بمقر عادي بهيدرة.‏<br />

من الناحية الهيكلية،‏ أعقبت الندوة الوطنية<br />

للإطارات،‏ عملية تنظيمية واسعة على<br />

مستوى المحافظات والقسمات،‏ وامتدت<br />

كذلك إلى المنظمات الجماهيرية التي ظلت<br />

قاعدة خلفية للهزب تزوده بالإطارات<br />

والقيادات المتشبعة بمبادئ الهزب والجاهزة<br />

للعب أدوار ريادية.‏ في هذا الشأن يقول<br />

القيادي في حزب جبهة التهرير الوطني،‏<br />

محمد بوخالفة في جلسة خاصة جمعتنا به<br />

وتناولت حديشا عن الراحل وتعامله مع<br />

الآفلان:«‏ استطاع مهري إعطاء جبهة التهرير<br />

نفسا جديدا بعد أحداش أكتوبر‎1988‎ التي<br />

كادت تعصف بالجبهة كلية كما هو الهال<br />

بالنسبة للنظام ككل،‏ وتمكن الرجل من إعادة<br />

تنظيم الصفوف ورسم معالم سياسة حزب<br />

جديد«.‏ أما القيادي والوزير الأسبق عبد<br />

الرشيد بوكرزازة فيقول في نفس‏ الموضوع«‏<br />

اختيار عبد الهميد مهري لقيادة سفينة<br />

الآفلان في تلك المرحلة لم يكن عبشا،‏ بقدر ما<br />

كان اختيارا صاءبا،‏ فجبهة التهرير آنذاك<br />

كانت تواجه تحديات جمة،‏ ومهري استطاع<br />

إخراجها من عنق الزجاجة لتواصل لعب<br />

دورها السياسي كهزب قاءم بذاته،‏ له سلطة<br />

القرار واستقلالية الموقف وبعلاقة واضهة<br />

بين الهزب والدولة».‏<br />

وبالفعل،‏ فقد أثبتت الانتخابات التشريعية<br />

التي جرت في ديسمبر عام نوعية<br />

وطبيعة العمل الذي قام به مهري على رأس‏<br />

الهزب،‏ فرغم احتلال الآفلان للمرتبة الشالشة،‏<br />

إلا إنه ظل رقما صعبا في المعادلة السياسية<br />

التي أنتجتها إصلاحات ما بعد أكتوبر،‏ وطرفا<br />

ضروريا في صناعة المشهد السياسي،‏<br />

وأصبهت مقولة ‏«الآفلان إلى المتهف»‏ بدون<br />

مدلول سياسي أو بالأحرى لا جدوى منها.‏<br />

وللهقيقة التاريخية يمكن للمتتبع لشأن<br />

الآفلان أن يدرك حجم الانجاز العظيم الذي<br />

حققه مهري على رأس‏ الآفلان في حقبة<br />

سياسية واجتماعية واقتصادية أقل ما يقال<br />

عنها أنها خطيرة،‏ خاصة بعد انزلاق الأوضاع<br />

نهو العنف المسله.‏<br />

فيما يتعلق بالتسيير اليومي للهزب،‏ لا يتردد<br />

مقربون من مهري رحمه الله من التأكيد على<br />

المسهة الديمقراطية التي أضفاها الرجل على<br />

تسيير هياكل الهزب وموءسساته،‏ حيش كان<br />

يهرص‏ على إشاعة النقاش‏ في كل المواضيع<br />

ومنهه الوقت الكافي،‏ وكان لا يقدم على<br />

قرار إلا بعد حصوله على إجماع أغلب<br />

أعضاء اللجنة المركزية التي تعتبر أعلى هيئة<br />

بين موءتمرين.‏ وفي هذا المضمار يقول مقربون<br />

منه أن الرجل كان ضد ما اصطله عليها<br />

العقوبات الإدارية في حق المناضلين والتي<br />

كانت تطبق في حق المناضلين في حال الإخلال<br />

بالنظام الداخلي للأفلان أو قانونه الأساسي،‏<br />

فمهري كان يرى أن الفرز يتم بل ولابد أن يتم<br />

على أساس‏ الأفكار،‏ فمن هو مقتنع بأفكار<br />

الهزب ومواقفه سيبقى وينضبط ومن<br />

يتعارض‏ معها فسيرحل ولن تنفع معه<br />

العقوبات الإدارية أو القرارات التنظيمية.‏<br />

وبالطبع،‏ فقد كللت عملية إعادة بناء الآفلان<br />

وإنقاذه من خطر محدق،‏ باسترجاع هيبة<br />

الهزب في الساحة،‏ وتكرست استقلالية قراره<br />

وسيادة موقفه النابع من رحم مناضليه،‏ وقد<br />

أثبتت الأحداش اللاحقة التي شهدتها الجزاءر<br />

صدقية هذه الروءية رغم معارضة البعض‏<br />

لها.‏<br />

هكذا إذن،‏ ساهم مهري في إعادة بناء الآفلان<br />

وحمايته من تكالب خصومه في مرحلة حرجة<br />

من تاريخ الجزاءر المستقلة.‏<br />

,1990


عدد خاص‏ 6<br />

مارس‏ 2012<br />

كنت لنا بمشابة المرشد<br />

والمرجع،‏ نهرع لاستشارتك<br />

والاستئناس‏ برأيك<br />

‏''صوت الأحرار''‏ تزور عاءلة الراحل وتلتقي بابنه سهيل<br />

مهري الأب كان ديمقراطيا<br />

في المنزل..علمنا العفوية والتواضع<br />

● قهرتنا الموت وأفجعتنا المنيّة بتغييب رجل<br />

من أعظم رجالات الجزاءر،‏ عقله وحلمه يزنان<br />

جبال الجزاءر رزانة وحكمة وصوابا ورَشَدَا،‏<br />

يستقرئ الأحداش ويستشرف الآفاق ويبني<br />

النتاءج على المقدمات بفراسة وبصيرة<br />

نادرتين.‏<br />

إن هذا الرجل الذي تفقده الجزاءر ويرحل عنا<br />

اليوم إلى دار الخلود هو أستاذ الأجيال،‏<br />

المناضل الكبير،‏ اجملاهد سي عبد الهميد<br />

مهري،‏ تغمده الله بواسع رحمته و اسكنه<br />

فسيه جنانه.‏<br />

إنّ‏ الرزء عظيم والمصاب جلل والفاجعة<br />

كبيرة لكن لا راد لقضاء الله جلت قدرته<br />

وعلت إرادته وسمت مشيئته.‏<br />

إنّ‏ سي عبد الهميد مهري،‏ قضى معظم<br />

حياته في الجهاد وأفنى عمره في النضال،‏<br />

سواء في إطار الهركة الوطنية أين كان<br />

عضوا في اللجنة المركزية لهركة انتصار<br />

الهريات الديمقراطية أو في جبهة التهرير<br />

الوطني منذ إخلاء سبيله من سجون فرنسا<br />

سنة وتبوأ‏ أعلى المناصب في هيئاتها<br />

وهياكلها،‏ فلقد كان عضوا في اجمللس‏<br />

الوطني للشورة الجزاءرية المنبشق عن موءتمر<br />

الصومام وعضوا في لجنة التنسيق والتنفيذ<br />

الشانية ووزيرا في الهكومة الموءقتة<br />

للجمهورية الجزاءرية،‏ وبعد استرجاع<br />

الاستقلال واصل كفاحه ونضاله في خدمة<br />

الجزاءر في العديد من المواقع والقطاعات،‏ في<br />

التربية الوطنية وفي الهزب و الدولة وفي<br />

الدبلوماسية.‏<br />

لم يهصل لي الشرف أن أتعرف على سي<br />

عبد الهميد مهري إلا بعد أحداش أكتوبر<br />

بعدما استدعاه الرءيس‏ الشاذلي بن<br />

جديد ذكره الله بخير من الرباط،‏ وكلفه<br />

بالأمانة العامة لهزب جبهة التهرير الوطني،‏<br />

ففي هذه الفترة اقتربت منه عن كشب،‏<br />

والهزب العتيد يعيش‏ الأهوال والمحن وكل<br />

السهام والنبال والرماه تنهال عليه،‏<br />

وتصوب في اتجاهه لتنال منه،‏ تروم<br />

التخلص‏ منه والقضاء عليه ، تارة بزعم<br />

كونه تراثا مشتركا لجميع الجزاءريين وطورا<br />

بتهميله كل السلبيات.‏<br />

لقد وقف سي عبد الهميد في وجه المتآمرين<br />

على الجبهة والساعين لإحالتها إلى المتهف<br />

كهرم باسق وطود شامخ وجبل شاهق،‏ لا<br />

يريم ولا يبره ولا يتزحزه،‏ رافضا تجريم<br />

جبهة التهرير الوطني،‏ داعيا إلى تعيين لجنة<br />

من خبراء حياديين لتقييم تجربة الجزاءر في<br />

1989<br />

1962<br />

1955<br />

,1988<br />

بقلم:‏ محمودخذري<br />

ظل تسيير الجبهة لها من إلى<br />

مُبديا استعداده لتهمل مسوءولية ما قد<br />

يسفر عنه تقرير الخبراء.‏<br />

لقد أثرى سي عبد الهميد قاموس‏ الهياة<br />

السياسية وأغناه،‏ فهو الذي أبدع<br />

مصطلهات ‏«الأزمة العميقة المتعددة الأبعاد<br />

والجوانب»‏ و«ضرورة نبذ التبشير بالخطاب<br />

الكارثي»‏ والدعوة إلى الهوار الشامل المعمق<br />

دون إقصاء أو تهميش،‏ نبذ العنف وعدم<br />

استعماله للوصول إلى السلطة أو البقاء<br />

فيها إلى غير ذلك من المفاهيم والمصطلهات<br />

التي كان هو مبدعها وموءلفها،‏ ومنذ ابتعاده<br />

عن قيادة الهزب،‏ أصيبت الساحة السياسية<br />

وخاصة الهزبية منها بالقهط والجدب<br />

والتجريف.‏<br />

إن سي عبد الهميد مهري،‏ رحمه الله،‏ كان<br />

على الدوام أيام اشتداد الأزمة،‏ يدعو إلى<br />

الهوار وتغليب الهكمة،‏ ونبذ العنف<br />

والاحتكام إلى العقل.‏<br />

لقد تقدم بي العمر واشتعل رأسي شيبا،‏<br />

غير أنني ما عرفت في حياتي رجلا راجه<br />

العقل،‏ نافذ البصيرة،‏ ثاقب الروءية،‏ ذا فراسة<br />

حادة مشل سي عبد الهميد مهري،‏ رحمه<br />

الله،‏ كما أنني لم أعرف رجلا شهما نبيلا،‏<br />

دمش الأخلاق،‏ حسن السيرة،‏ حلو المعشر،‏<br />

متساميا في سلوكه،‏ ذا مروءة وهمة عالية،‏<br />

زاهدا قنوعا،‏ مترفعا عن الصغاءر،‏ صابرا<br />

أمام الكباءر،‏ ثابتا أمام العظاءم،‏ كما أنني ما<br />

عرفت رجلا يأسرك بهلو حديشه ويفرض‏<br />

عليك بجم أدبه،‏ وسمو أخلاقه،‏ احترامه<br />

وتقديره مشل سي عبد الهميد مهري.‏<br />

لقد كنت يا سي عبد الهميد توصينا،‏ في<br />

اجتماعات الهزب،‏ وسفينة جبهة التهرير<br />

الوطني تعبش بها الأمواج العاتية،‏ قصد<br />

إغراقها وتستهدفها العواصف وتتوالى<br />

عليها القواصف،‏ بغرض‏ خرقها،‏ في تلك<br />

السنين الخوالي،‏ بضرورة التهلي بالصبر<br />

والتجلد ومقاومة الإحباط ورفض‏ اليأس،‏<br />

والشبات على المواقف،‏ وكنت على الدوام<br />

تشد من أزرنا وترفع من معنوياتنا بقولك<br />

‏«إن دوام الهال من المحال،‏ وأن الأيام ستدور»‏<br />

وقد أمد الله في عمرنا وعشت معنا،‏ وتمر<br />

السنون وتتوالى الأعوام وتدور الأيام كما<br />

كنت تبشرنا وتعود إلى الجبهة عزتها<br />

وسوءددها وخسئ المتربصون بها المتآمرون<br />

عليها.‏<br />

سي عبد الهميد،‏ لقد فارقتنا ورحلت عنا من<br />

دار الفناء إلى دار البقاء،‏ ونهن لا نقوى على<br />

فراقك ولا نطيق وداعك فلقد كنت لنا بمشابة<br />

المرشد والمرجع،‏ نهرع لاستشارتك<br />

والاستئناس‏ برأيك كلما استشكلت علينا<br />

الأمور،‏ وها أنت ترحل عنا ورغم ما بلغناه<br />

من السنين،‏ فإننا نشعر بالهسرة واللوعة<br />

والألم ونهس‏ بأننا في أمس‏ الهاجة لوجودك<br />

بين ظهرانينا.‏<br />

إنّ‏ فقدانك أيها الفقيد الغالي يشكل خسارة<br />

كبرى للأمة كلها،‏ فأنت واحد من أبرز<br />

حكماءها وعقلاءها وأعيانها،‏ فضلا عن أنك<br />

من كبار روادها في النضال والجهاد.‏<br />

فلتترجل أيها الفارس‏ المغوار،‏ ولتنم قرير<br />

العين،‏ مطمئن البال،‏ يا أغلى وأعز الرجال،‏<br />

لقد قضيت عمرك مناضلا،‏ مجاهدا،‏ مكافها<br />

تحمي الهمى وتذود عن حياض‏ الوطن<br />

وتنافه عن قيم الأمة وتدافع عن ثوابتها،‏<br />

فما قعدت مع القاعدين،‏ وما تخلفت مع<br />

المتخلفين،‏ وما قصّرت مع المقصّرين،‏ فلتتبو ‏ٔا<br />

مقعدك إن شاء الله في جنات عدن تجري من<br />

تحتها الأنهار،‏ مع النبيين والصديقين<br />

والشهداء والصالهين وحسن أولئك رفيقا .<br />

أمّا نهن أبناوءك المناضلين الذين تربوا على<br />

يديك في جبهة التهرير الوطني،‏ لا نقول<br />

لك وداعا ولكن سلاما،‏ تأبى النفس‏ أن تراك<br />

عديما.‏<br />

‏«يا أيتها النفس‏ المطمئنة،‏ ارجعي إلى ربك<br />

راضية مرضية،‏ فادخلي في عبادي وادخلي<br />

جنتي»‏ .<br />

صدق الله العظيم<br />

وزير العلاقات مع البرلمان<br />

علمنا العفوية وأن نكون على طبيعتنا ولم يعلمنا الزيف والتنكر لا<br />

لشخصيتنا ولا لهويتنا،‏ التعامل بنزاهة وبكل شفافية،‏ بهذه العبارات،‏<br />

وبعفوية أخرى تعبر عن ذاك الشبل من ذاك الأسد،‏ فضل مهري الابن وهو<br />

يستضيف ‏«صوت الأحرار»‏ في البيت العاءلي،‏ أن يتهدش عن الراحل،‏ فقيد<br />

الوطن،‏ سي عبد الهميد مهري رحمه الله.‏<br />

● أسالت وفاة عبد الهميد مهري،‏ كشيرا من الهبر،‏ هذا<br />

الرجل الذي استطاع أن يكون حاضرا في قلوب من<br />

أحبوه وفي ذاكرة من خاصموه،‏ سمي برجل الإجماع<br />

ورجل الوطنية،‏ تاريخ عريق لم يزد من شخصيته إلا<br />

تواضعا على تواضع،‏ أذهل البعيد قبل القريب والعدو<br />

قبل الصديق،‏ وهو ما جعله يرقى الى مراتب عليا،‏ فتبوأ‏<br />

مكانة في صفهات تاريخ رجال هذا الوطن،‏ ذكرت وما<br />

تزال تذكر خصال هذا الرجل الذي حمل هموم الجزاءر في<br />

قلبه ومات وهو يتنفس‏ هواءها في صدره.‏<br />

إن الهب والتقدير الذي يهمله أبناء هذا الوطن لمشل<br />

هوءلاء الرجال العظام الذين يعبرون عن ذاكرة الأمة<br />

والوطن،‏ يدفع إلى بهش عن مزيد من ملامه هذه<br />

الشخصية،‏ عطش‏ لا يعرف ظمأ‏ ورغبة حارقة،‏ كانت<br />

وراء زيارة إلى بيت الراحل سي عبد الهميد بهيدرة.‏<br />

تسعة أيام بعد رحيل الرجل،‏ وجراه كل من أحبوه ما<br />

فتئت تندمل،‏ كان ولا بد من جرأة كبيرة لزيارة عاءلة<br />

الفقيد والجلوس‏ على ماءدتها المتواضعة،‏ تواضع رسالة<br />

الرجل الخالدة وبابتسامة كلها رضا عن قضاء الله<br />

وقدره،‏ تسارعت الخطى نهو قاعة الاستقبال،‏ وقبل<br />

الخوض‏ في أي كلام وبكل عفوية فضل سهيل،‏ أن<br />

يصب القهوة ويكرم ضيوفه،‏ هي عادة رسخها مهري<br />

الأب في قلب العاءلة التي تنبض‏ بمبادئ الوطنية والتي<br />

نهلت من الراحل كشيرا من القيم وتشبعت بروه الوطن.‏<br />

ربما بكشير من التهفظ الذي يعكس‏ مدى حياء الابن،‏<br />

واحترامه في الوقت ذاته لذاكرة الوالد الذي كان رمزا<br />

يهتذى به بالداخل والخارج،‏ وبإجماع لم يلق أي<br />

معارضة،‏ تكلم سهيل في بضع كلمات عن مهري<br />

الأب،‏ الذي تميز بالعفوية والصراحة،‏ الصدق<br />

والمصداقية،‏ نفسها الصفات التي كان يعرف بها في<br />

الوسط السياسي،‏ كان يعمل على ترسيخها في كنف<br />

العاءلة.‏<br />

نقاشات ديمقراطية مع الأبناء،‏ تفته وروءية واسعة<br />

للأمور،‏ حديش في السياسية وفي كل اجملالات،‏ الرجل لم<br />

عزيز طواهر<br />

يكن عنيدا ولا متعصبا لرأيه،‏ يستشير الجميع في<br />

القضايا الهساسة التي تخص‏ العاءلة ولا يعتد إلا<br />

بالرأي الأصوب،‏ كان يسعى داءما ليضم العاءلة<br />

ويهتوي أبناءه إليه وهذا لا يمنعه بأن يدافع بقوة عن<br />

آراءه وأفكاره التي كان يراها صاءبة.‏ كما أن مهري<br />

الأب كان يعمل بين الهين والآخر على تغيير الجو وهذا<br />

لم يمنعه من محاكاة الأبناء وبكل غيرة عن الوطن.‏<br />

الراحل كان مشغولا بالسياسية وقضايا الوطن والأمة<br />

العربية الإسلامية على حد سواء والقضية الفلسطينية<br />

بالخصوص‏ ، وقته كان شبه مغلقا،‏ وبالنسبة لسهيل،‏<br />

فإن والده لم يكن على شاكلة الآباء الذين يدقون الجرس‏<br />

على الساعة الرابعة مساء عاءدين من مشقة العمل،‏ ربما<br />

كانت هذه نقطة تميز بالنسبة لمهري الأب الذي كان يمتد<br />

يومه ويطول ليله في قضايا شعبه،‏ منغمسا في<br />

السياسية وشوءون الوطن لا يكاد يجد متنفسا إلا في<br />

بعض‏ الأحايين...لكن هذا لم يمنعه من تعويض‏ العاءلة<br />

وإيجاد أوقات تخصص‏ للأبناء...وكان الهوار والكلام<br />

بين الأب وأبناءه ركنا مقدسا لا يمكن تجاوزه ولعله<br />

استطاع أن يشكل ذاك الجسر القوي الذي يعوض‏<br />

ساعات أو أيام الغياب.‏<br />

في العادة يقول الأبناء عن أباءهم أنهم مميزون،‏ إلا أن<br />

سهيل ومن شدة التواضع الذي ورثه عن والده سي<br />

عبد الهميد،‏ قال إن والده كان عاديا كباقي الآباء،‏ ويبقى<br />

أن تلك البساطة ونكران الذات هي من أهم العوامل<br />

التي تصنع عظمة الأشخاص‏ وتجعلهم عالميين لا يهدهم<br />

زمان ولا المكان.‏<br />

كرم الابن وحفاوته ودفء الاستقبال،‏ وترحيبه بضيوفه<br />

ما كانت لتخفي عمق الجره خاصة وأنه لم تمض‏ إلا<br />

تسعة أيام عن رحيل سي عبد الهميد،‏ سهيل يقول إنه<br />

فقد ثاني معلم بعد وفاة والدته،‏ لكن مهري الرمز لم<br />

يكن معلما لسهيل والعاءلة فقط وإنما كان معلما لكل<br />

الجزاءريين...كان تلك البوصلة التي ترشد الضال...رحم<br />

الله الفقيد.‏


7<br />

الهميد مهري<br />

خاص‏<br />

عبد<br />

عدد<br />

مارس‏ 2012<br />

لا،‏ لا بدل نعم،‏ ولا نعم بدل لا..‏<br />

:<br />

:<br />

31<br />

● محظوظ،‏ محسود ذلك الذي يعيش‏ بالقرب منك<br />

يرتشف من كأس‏ معارفك الغزيرة المتعددة حصرا وتنبأ،‏<br />

عله إن كان حذقا فطنا ينهل من بهر كنوزك ووطاب<br />

مكنوناتك وسجايا صبر صبرك على المكروه ودماثة<br />

أخلاقك التي لا يكيلها مكيال ولا يزنها ميزان<br />

فما بال الناس‏ وما حكمهم على من عايش‏ زمنا من<br />

مسيرة أيامك الهُفّل بالإنجازات الفكرية وأنت الهي،‏ الهي،‏<br />

يتلمس‏ خطاه عبر دربك المكتظ بالعطاء الذي لم يتوقف<br />

له نبض‏ وتاريخك الهافل بالمناقب وبالأمجاد،‏ الشاهد<br />

الهصيف على الهقب والمستشرى لها،‏ واستقامة سلوكك<br />

ونظافة يدك مشل استقامة عودك،‏ وطهارة نفسك التي<br />

خلقت لك وحدك فلا يضارعك فيها مضارع ولا<br />

يقارعك فيها مقارع من بني البشر.‏<br />

وما رأيهم في من استفاد وكان له شرف تلقي التعازي<br />

إثر رحيلك وأنت الذي لم ترحل ، وغيرك رحل ولم يذكر<br />

له أثر لأنه لم يترك أثرا،‏ سواك غادر ولم يجد الناس‏ من<br />

يتلقى التعازي ، فمر هكذا وما حوله إلا قليل من النفَر،‏<br />

أما أنت فلم تمرر في مماتك إلا صامتا وفق طريقتك في<br />

حياتك،‏ فأنت المتوفي المستقر بيننا،‏ الأجيال تلو الأجيال،‏<br />

لأن ما تركت من سمعة لا تندثر،‏ لأنك القدوة التي لا<br />

تقدر،‏ والأنموذج الذي وإن سعى الساعون التشبه به<br />

فمآلهم الكشف لما الهقوا بالأمانة من ضرر.‏<br />

قليل عليك أن يضع الناس‏ ما في أيديهم ويأتون من<br />

كل حدب وصوب ومن كل فج عميق فينتفعون<br />

ويتعظون إن أرادوا وهم يتذاكرون صفهات دفترك الخالد<br />

اخمللد،‏ زهيد في حقك وحق أهليتك الإنسانية وتأهيلك<br />

الأخلاقي وحكمتك السياسية وحقلك الشقافي وبيدرك<br />

المعرفي أن يأتي الآتون من أقاصي الأرض‏ ومن أدناها<br />

ليشهدوا بما علمنا وبما لم نعلم من سمو نفسك وعلو<br />

همتك وعظمة شأنك<br />

من احتكاكي بك أعلم أنك المدني الديمقراطي منذ<br />

صغرك،‏ فلا شيفونية عندك في الهكم ولا ثيوقراطية<br />

متطرفة ولا ديكتاتورية تنشأ‏ تحت قعقعة السلاه،‏ فأنت<br />

الذي أشعت ديمقراطية الصندوق في الهكومة الموءقتة<br />

بالرغم من التشدد في معارضتك من باقي زملاءك<br />

الشلاثة الأقوياء الأشداء<br />

أعلم أنك من كان سببا في إجلاء القوات الفرنسية من<br />

بنزرت التونسية،‏ بمشاركة فيالق من جيش‏ التهرير<br />

الجزاءري إبان الشورة التهريرية المباركة.‏<br />

وأعلم أنه حينما كنت تشغل وظيفة أمين عام لوزارة<br />

التربية مع الوزير عبد الكريم بن محمود،‏ ولما خلفه<br />

الأشرف أعلنوا عن شغور إدارة دار المعلمين،‏ حتى إذا ما<br />

أنهوا مهامك كأمين عام تجد إدارة المدرسة قد شغلها<br />

غيرك،‏ فعزف زملاوءك الأساتذة تكريما لك واحتراما عن<br />

المشاركة في الإعلان عن الرغبة لتولي ذلك المنصب<br />

لتجده شاغرا بعد خروجك من الوزارة والعهدة على<br />

الراوي<br />

أعرف أنه في أواخر سنة 1991 وحينما فازت الجبهة<br />

الإسلامية للإنقاذ بجل مقاعد اجمللس‏ الشعبي الوطني،‏<br />

ما لمت الفاءزين،‏ وما بكيت على الأطلال إنما توجهت<br />

بنداء إلى الجزاءريين تحملهم مسوءولية عواقب النتاءج<br />

فلا الأيام تنسى ولا الدنيا تلهى أنه عندما اشتد<br />

الخناق واختلط الهابل بالنابل ووقب ليل الهياة في البلاد<br />

نأيت بالهزب ترفض‏ التطرف بما في ذلك اللفظي منه<br />

والمغالاة فيه،‏ ورفضت صراحة أن يخاطب البعضُ‏<br />

البعض‏ دون البعض‏ وعضيت على النواجد مصرا على<br />

ضرورة المصالهة الوطنية فاتهموك بما لم تكن تنوي لكن<br />

التاريخ أنصفك لبعد بصيرتك وباع حنكتك<br />

وفي الموضوع حينما أرادوا بك سوءاً‏ في ندوة<br />

تلفزيونية مع الصهفي عمار بن جدو دامت ساعة إذ<br />

قلت له الصلاة في روما جاءزة وليست باطلة وذهبت<br />

طويلا في الكلام عن المصالهة الوطنية وأسباب تعثرها<br />

وقتئذ وصار الجزاءريون في المقاهي وفي الأماكن<br />

العمومية يقولون للصهفي بن جدو الذي حاورك ز<br />

واش‏ الداك للشيخس‏ أيها الشيخ فعلا وللتاريخ هي<br />

الهصة التي قال فيها عبد الرحمن بلعياط أحد عناصر<br />

الموءامرة العلمية عليك:‏ من البلادة أن يعطوه الفرصة<br />

ليقصفهم بقوة 4 فيالق مدججة بالسلاه<br />

عندما بلغك أن الرءيس‏ بوضياف رحمه الله تعرض‏<br />

لك وللهزب في معرض‏ كلامه بدار الشعب،‏ قلت لنا:‏ إن<br />

الرجل الذي أعرفه لا تطول إقامته بيننا،‏ ولما جاءك أحد<br />

الأحياء اليوم يتقرب إليك بتناوله للرءيس‏ بوضياف رحمة<br />

الله عليه بالسوء ونشر من نشر بيانات ووزعوها تتهمه<br />

بانتماءه إلى الماسونية قلت للأول:‏ كلنا نأكل الطعام<br />

ونمشي في الأسواق وشهدت ضد الشاني بقولك:‏ إن<br />

بوضياف من المداومين على الصلاة في الخفاء ودون<br />

رياء،‏ ولما توفي كانت تعزيتك أحر وأبلغ تعزية ونعيك<br />

أفصه نعي وتقديمك لخصال نضاله أبرز من الإبراز<br />

ولما احتقن الوضع وملأ‏ الغضب القلوب،‏ وانتزعوا منا<br />

مقرات الهزب وأدوات عمله وممتلكاته المنقولة،‏ وجئناك ز<br />

أمناء المحافظات ز شاكين باكين قلت لنا اجهدوا أنفسكم<br />

من أجل الجزاءر،‏ فإذا عاد إليها أمنها واستقرارها،‏ فإنه<br />

سيعود لهزب جبهة التهرير الوطني عنفوانه وتألقه.‏<br />

وأتذكر جيدا حينما زار الجزاءر أيام محنة العشرية<br />

السوداء وفد من البرلمان الأوروبي في إطار تقصي<br />

الهقاءق يرأسه رءيس‏ لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان<br />

الأوروبي السيد كلود سيصون وزير الخارجية<br />

الفرنسية الأسبق واستدعى الأحزاب الجزاءرية إلى مقر<br />

إقامته بفندق سوفيتال ليستجوبها ويستفسرها عن<br />

الوضع في الجزاءر،‏ وجاءتك برقية من السفارة الفرنسية<br />

تستدعي حزب جبهة التهرير كنت قد رفضت دعوة<br />

الانتقال إليه في مقره،‏ إنما طلبت منه أن يأتي إلى مقر<br />

الهزب وعن طريق وزارة الخارجية الجزاءرية وأصررت<br />

بالرغم من إلهاه جهات نافذة على تلبية الدعوة<br />

والاستجابة للسيد كلود<br />

يعرف الجميع أن الوفد الأوروبي امتشل لرأيك وجاء إلى<br />

مقر الهزب بالطريقة الدبلوماسية المشروعة،‏ وقد كان من<br />

بين المستقبلين من جهة حزب جبهة التهرير الوطني على<br />

ما أتذكر السيد:‏ مولود حمروش‏ والسيد إسماعيل<br />

حمداني أطال الله عمرهما وقد كانا رءيسي حكومتين<br />

سابقتين،‏ وفي منصة الهزب إلى جانبك كل من السيد<br />

أحمد طالب الإبراهيمي أمد الله في عمره والسيد محمد<br />

الشريف مساعدية رحمة الله عليه إذ قدم أحمد طالب<br />

الإبراهيمي مسهة تاريخية عن الدبلوماسية الجزاءرية أما<br />

أنت فقد تكلمت عن نشأة الاتحاد الأوروبي ومصيره<br />

الذي يمر به ومستقبله دون أن يتم التطرق إلى الأزمة<br />

الجزاءرية<br />

ويشهد أحد كبار المسوءولين اذاك وقد كان مرافقا<br />

للوفد حاضرا في المحادثات على أن الأوروبيين كانوا<br />

يسجلون على دفاترهم إعجابهم بالطره الأفلاني<br />

والذي قال وقتها مفتخرا معتزا هنا الجزاءر،‏ ويشهد<br />

الجميع أن السيد كلود لما خرج من مقر الهزب مما قال<br />

أعجب كيف يموت الجزاءريون ولا يموت مناضلو<br />

حزب جبهة التهرير الوطني ؟<br />

في هذا اجملال،‏ أنت الذي لما قلنا لك أطلب حرسا<br />

يوءم ِّنون حياتك ، قلت لنا:‏ ومن ذا الذي يوءمن حياة<br />

الهراس‏ يا سلام ‏!؟<br />

أتذكر وزملاءي وعلى لسانك الطيب الذكر أنه<br />

عندما استدعاك رءيس‏ الجمهورية الشاذلي بن جديد<br />

أطال الله عمره وعرض‏ عليك منصب سفير في<br />

فرنسا قابلته بالرفض،‏ ولما عايرك ومن على شاكلتك<br />

كمعربين تتقنون دق الطبول في المعارضة وتحجمون<br />

عن تولي المناصب ورفع التهدي طلبت أن يمهلك أسبوعا<br />

، ولما عدت إليه قبلت رفع التهدي بشرط أن أبواب<br />

السفارة مفتوحة لكل الجزاءريين فقال لك الرءيس:‏ ماذا<br />

تقصد بشرط المعارضة ‏!‏Åس‏ آيت أحمد<br />

وبوضياف ز،‏ فأعدت له القول لكل الجزاءريين،‏<br />

فوافقك وأعطاك الضوء الأخضر.‏<br />

ولما تسلمت حقيبة السفارة في فرنسا وبعدها في<br />

المغرب،‏ وباشرت أعمالك كتبت رسالة شخصية إلى<br />

بوضياف رحمه الله لتقول له فيما معناه أننا من<br />

رعيل راحل،‏ وترجيته أن يدخل البلد ولو لم يستقر<br />

بها ليتعرف على البلاد ويتعرف عليه أجيال<br />

الشباب.‏<br />

وكنت جد محظوظ والوفد المرافق لي<br />

ونهن نمشل البرلمان الجزاءري في<br />

فعاليات الموءتمر السابع لاتحاد مجالس‏<br />

الدول الأعضاء في منظمة التعاون<br />

الإسلامي ونهن نتلقى التعازي من<br />

وفود اهتزت لنبإ‏ وفاتك،‏ أين وقف<br />

أعضاء الوفود المغاربية صباه يوم<br />

يناير 2012 في قلب قاعة<br />

الموءتمر يتلون الفاتحة أمام العلم<br />

الجزاءري ترحما على روحك<br />

الطاهرة داعين المولى عز وجل أن<br />

يسكنها فسيه جنانه يا<br />

من كنت لا تقول:‏ لا<br />

في موضع نعم ولا<br />

تقول نعم في موضوع<br />

لا،‏ وأعدت تكرارها<br />

حينما قبلت التعامل<br />

مع اجمللس‏ الأعلى<br />

للدولة سنة<br />

ورفضت الاعتراف<br />

به لعدم دستوريته<br />

.<br />

إن كنت قد<br />

جازفت بإعطاء<br />

بعض‏ ما تذكرت<br />

من المعلومات وتحفظت عن<br />

أخرى ذكرني بها بعض‏ الأصدقاء<br />

فإن ذلك لهساسيتها في الوقت<br />

الهالي،‏ فإني متيقن أنها لا تزيد<br />

عن مستوى نقطة صغيرة في<br />

محيط مناقبك وخصالك الهميدة التي لا يمكن<br />

حصرها وإحصاوءها،‏ وما هي سوى غيض‏ من<br />

فيض‏ بهر نضالك وعطاءك،‏ فإنه لي شهود<br />

كثر على ما أدليت به ممن كانوا ملتصقين<br />

بالهزب الأيام الصعاب في حياة البلاد،‏ من<br />

المناضلين وهو يرأسنا الأسد الضرغام،‏ وفي<br />

مقدمتهم معالي الوزير محمود خضري .<br />

1992<br />

أيها الأسد الضرغام.‏<br />

لقد علمتنا أن لا نقول إلا حقا :<br />

وصدقا،‏ وأن لا نشهد زوراً،‏ وما<br />

كتبتُ‏ سوى من تلك النفهات،‏<br />

وإني آثرت أن أبتعد عن<br />

الصياغة العاطفية وأنت تعلم<br />

عاطفتي نهوك وأنا الذي<br />

عفت المسوءولية لما غادرت<br />

أنت الميدان فغادرته على<br />

إثرك،‏ ولكنني أردتها<br />

شهادة لأحداش تاريخية<br />

قد عرفتها وعلمتها<br />

وأنا أعلم في ذلك<br />

عواقب الشهادة.‏<br />

.<br />

.<br />

.<br />

:<br />

:<br />

.<br />

:<br />

:<br />

:<br />

.<br />

...<br />

:<br />

.<br />

.<br />

.<br />

.<br />

.<br />

أ.‏ العياشي دعدوعة


مارس‏ 2012<br />

8 عدد خاص‏<br />

الراحل كان ثوريا،‏ ديمقراطيا،‏ مصالهاتيا،‏ توافقيا،‏ ينشد التغيير السلمي<br />

عبد الهميد مهري..‏<br />

صوت المصالهة في زمن الانفلات الأمني<br />

عندما رحل اجملاهد،‏ المناضل عبد الهميد مهري،‏ مودعا الجزاءر،‏ تعالت الأصوات من هنا وهناك تشيد بخصال رجل لم يكن همه سوى جزاءر مستقرة،‏ آمنة،‏<br />

ديمقراطية،‏ تعددية،‏ حينها أدرك الجميع أن اجملاهد والمشقف عبد الهميد مهري لم يكن يبهش عن سلطة أو مال أو جاه،‏ بل كان همه الأوحد الجزاءر وفقط.‏<br />

1988<br />

,1978<br />

● رجل يجمع بين عديد الصفات،‏ ويلاقي بين<br />

المتناقضات والمتنافرات ويستخرج منها ما يجمع بين<br />

الفاعلين والمتخاصمين،‏ ثوري،‏ وطني،‏ قومي،‏<br />

ديمقراطي،‏ جمهوري،‏ تصالهي،‏ عروبي...هي أهم<br />

الألقاب التي أطلقت على رجل لم يكن كساءر الرجال.‏<br />

لقد كانت للراحل عبد الهميد مهري،‏ مواقف شجاعة<br />

كسرت جدار الصمت حين كانت الكلمة أقوى من<br />

الرصاص،‏ لم يتخل أو يتنازل أو يهيد على مبادءه إلى<br />

آخر يوم من حياته،‏ فماهي نظرة الفقيد إلى الواقع<br />

السياسي والاجتماعي للجزاءر المستقلة وكيف تعامل<br />

مع المحنة التي ألمت بالجزاءر مطلع تسعينيات القرن<br />

الماضي،‏ ثم ماهي روءيته لما يجب أن يكون عليه<br />

مستقبل الجزاءر من خلال التعددية الديمقراطية وعلاقة<br />

نظام الهكم بالأحزاب ودور الأخيرة في تصهيه<br />

المسار...أسئلة كشيرة من شانها تحديد ملامه الرجل<br />

الفكرية والسياسية.‏<br />

محطات لابد منها<br />

في الواقع لا يمكن لأي دارس‏ أو باحش في مسار<br />

الراحل عبد الهميد مهري أن يتهسس‏ مواقف الرجل<br />

ويفهم خطواته،‏ وكيفية تعامله مع مختلف القضايا<br />

الشاءكة التي كشيرا ما خلقت جدلا في الساحة<br />

السياسية الوطنية والإقليمية والدولية،‏ من دون<br />

التوقف ولو للهظة عند مسيرة الرجل،‏ تلك المسيرة<br />

التي انطلقت بشبات منذ انخراطه بصفة كلية في<br />

حركة التهرير الوطنية الجزاءرية،‏ واعتناقه لعقيدة<br />

النضال من اجل استقلال الجزاءر من بوابة حزب<br />

الشعب الجزاءري ثم الهركة من اجل انتصار الهريات<br />

الديمقراطية قبل التهاقه بصفوف جبهة التهرير<br />

الوطني غداة اندلاع الكفاه المسله ضد فرنسا<br />

الاستعمارية.‏ لتمتد خطواته النضالية إلى مرحلة<br />

الاستقلال أو البناء والتشييد فأعطى الكشير للجزاءر<br />

من خلال المواقع التي احتلها والمسوءوليات التي<br />

تقلدها.‏ فمن منصب وزير شوءون شمال إفريقيا ثم<br />

وزير الشوءون الاجتماعية و الشقافية في الهكومة<br />

الموءقتة إلى الوزارة إلى الدبلوماسية إلى قيادة الهزب<br />

العتيد في أحلك الظروف السياسية التي عرفتها<br />

الجزاءر على الإطلاق،‏ إلى التزامه منزله والنضال<br />

بصفة فردية صنع مهري مسيرة ثقلت في ميزان<br />

المواقف وخلدت سجل الساسة والسياسة.‏<br />

عقب رحيل اجملاهد الشوري عبد الهميد مهري،‏ توالت<br />

الشهادات خرجت الأصوات من الهناجر معترفة<br />

بفضل الرجل ومقامه،‏ لقد بكاه مناصروه ورفاقه،‏<br />

واعترف بجميل صنعه خصومه ومعارضوه..والتف<br />

في جنازته الوطنيون والقوميون والإسلاميون<br />

واليساريون والديمقراطيون،‏ التهم حول جشمانه<br />

اجملاهدون ورفقاء السلاه،‏ لكن أيضا شباب لم<br />

تجمعهم بالرجل سوى مقالات وتصريهات اعتادت<br />

الجراءد على نقلها بين الفينة والأخرى في مشهد قل<br />

نظيره في زمن التنافر والتيه السياسي والانهطاط<br />

الأخلاقي والإفلاس‏ الهضاري.‏<br />

يقول الوزير الأسبق الدكتور محي الدين عميمور في<br />

واحدة من الشهادات التي توقفت عند مسيرة الرجل،‏<br />

بعد وفاته،‏ والمتعلقة بجهود الراحل في بناء جزاءر<br />

الاستقلال «.. فقد قال لي)مهري(‏ بعد وفاة الرءيس‏<br />

هواري بومدين أن الرءيس‏ الراحل قال له في أحد<br />

اللقاءات التي جمعته بالأمين العام لوزارة التربية بأن<br />

علينا أن نبذل كل جهد في ميدان التعليم،‏ حتى ولو<br />

اضطررنا لبيع ملابسنا.وكان هذا على وجه التهديد<br />

مضمون مسيرة عبد الهميد مهري في وزارة التربية<br />

عبر كل السنوات التي تحمل فيها عبئا تنوء به الجبال،‏<br />

ومن هنا يمكن القول أن عبد الهميد مهري هو تجسيد<br />

لكل رجال التربية والتعليم الجزاءريين،‏ الذين كانوا<br />

أوفياء للعهد أمناء على مسيرة الأجيال.ولم يكن<br />

العبء في مجال الوزارة مجرد الجهود اليومية التي<br />

يجب أن يقوم بها المسوءول التنفيذي الأول عن<br />

التعليم،‏ وإنما تجاوزت ذلك إلى العبء النفسي الذي<br />

نتج عن ظروف معينة،‏ كان الاتجاه العام فيها<br />

ولأسباب يطول شرحها يتميز بالتناقض‏ بين بعض‏<br />

عناصر السلطة الموءثرة في البلاد وعناصر الهكومة<br />

الموءقتة للجمهورية الجزاءرية،‏ كان مهري من أكثر<br />

اخملتصين في شوءون التربية والتعليم خبرة وتجربة،‏<br />

وكان المنطق أن يكون هو وزير التربية في أول<br />

حكومة يكونها الرءيس‏ بومدين بعد انتخابات رءاسة<br />

الجمهورية،‏ لكن التوازنات السياسية فرضت نفسها<br />

على رءيس‏ الجمهورية،‏ الذي كان يكشف كل جهوده<br />

لتنظيم موءتمر حزب جبهة التهرير الوطني في<br />

وكان يريد أن يهقق للموءتمر كل ضمانات<br />

السير الهسن بعيدا عن التوترات من أي نوع كان،‏<br />

وهكذا يختار لوزارة التربية مصطفى لشرف،‏ الذي<br />

كان يومها مستشارا برءاسة الجمهورية،‏ ولم أكن<br />

يومها أعرف بصفة كاملة حجم الضغوط الرهيبة<br />

التي كان الرءيس‏ يتعرض‏ لها،‏ والتي فرضت أن<br />

يتم الإعلان عن تكوين الوزارة في يومين<br />

متتاليين.ويطره عليّ‏ الرءيس‏ يومها سوءالا عن<br />

رأيي في الاختيار،‏ وأعترف بأنني تجاوزت حدودي<br />

معتمدا على سعة الصدر التي تعودتها من الرءيس‏<br />

فقلت بأنني ‏«غير مقتنع بمن تم اختياره وزيرا<br />

للقطاع»،‏ وربما لأنني كنت أرى أن مواصفات<br />

مهري تجعل منه المرشه الأول إن لم يكن المرشه<br />

الوحيد.ويجيبني الرءيس‏ بصوت أحسست بأنه<br />

كان غاضبا:‏ ‏«وهل الوزير الهالي أفضل من<br />

مصطفى».‏ ويضيف عميمور في شهادته المطولة،‏<br />

أن مهري يعتبر واحدّا من الرجال الذين عملوا بجد<br />

وإخلاص‏ وكان لهم الفضل في تعريب التعليم<br />

وجزأرته.‏<br />

ولان صمود الرجل وثباته على مواقفه وتمسكه<br />

بمبادئ ثورة نوفمبر العظيمة،‏ رغم التناقضات<br />

والصراعات التي خلفتها عملية الانقلاب على<br />

الشرعية المتمشلة آنذاك في الهكومة الموءقتة التي كان<br />

مهري واحدا من أعضاءها،‏ جعلت السلطة السياسية<br />

تقرر تعيينه في منصب سفيرا للجزاءر في باريس،‏<br />

وحسب شهادة وزير الخارجية الأسبق احمد طالب<br />

الإبراهيمي،‏ بعد وفاة الراحل مهري،‏ فان التعيين جاء<br />

لسبب واحد ووحيد وهو استنجاد السلطة السياسية<br />

التي كان يقودها الرءيس‏ الشاذلي بن جديد بالتاريخي،‏<br />

اجملاهد المعرب عبد الهميد مهري لإعادة كفة التوازن<br />

في العلاقات الجزاءرية الفرنسية بعد التصريهات<br />

المهينة التي اطلقها الرءيس‏ الفرنسي آنذاك جيسكار:‏<br />

يقول الإبراهيمي«‏ أوضه أن هناك واقعة غير معروفة<br />

عن كيفية تعيين مهري سفيرا في باريس‏ بين<br />

و‎1988‎‏,‏ فبعد قول الرءيس‏ الفرنسي الأسبق<br />

فاليري جيسكار ديستان بأن العلاقات الجزاءرية<br />

الفرنسية لم تعرف تطورا وبقيت تراوه مكانها<br />

بسبب الرءيس‏ الراحل هواري بومدين،‏ لأنه كان<br />

‏«أزهريا معربا»-‏ أي أنه تلقى تعليمه في الأزهر-‏<br />

استفزنا التصريه،‏ وجعلنا نقرر تعيين سفيرا معربا<br />

في باريس‏ نكاية في الرءيس‏ الفرنسي.‏ وفاتحت<br />

الرءيس‏ الأسبق الشاذلي بن جديد في الأمر،‏ فقال<br />

هذا الأخير:‏ ما رأيك أن نعين مهري هناك،‏ فأجابه<br />

الوزير)الإبراهيمي(‏ قاءلا:‏ هذا ما كنت أنوي أن أقترحه<br />

عليك،‏ ليكن مهري المعرب سفيرا في باريس».‏<br />

1984<br />

الطريق إلى التعددية أو المواجهة<br />

المفتوحة من أجل الديمقراطية<br />

هكذا إذن كان مهري حيشما حل وارتحل من اجل<br />

الجزاءر،‏ تلك الجزاءر التي كانت حلم الشهداء،‏ ونضال<br />

للشرفاء من اجملاهدين والوطنيين،‏ مشلما يجمع عليه<br />

ممن عايشوا مرحلة البناء والتشييد التي عقبت<br />

الإعلان على الاستقلال الوطني،‏ مرحلة اتسمت<br />

برهاناتها الكبيرة وتحدياتها الخطيرة،‏ وصراعاتها<br />

المعقدة سياسيا وإيديولوجيا،‏ فكان مهري واحدا من<br />

شموعها وشموخها،‏ يعمل بدون كلل او ملل نزولا<br />

عند الواجب الوطني.‏ لكن الرجل لم يعد إلى منزله<br />

مشلما فعل الكشيرون،‏ فكان بهق همزة وصل بين<br />

جيل الشورة وجيل الاستقلال،‏ بين جيل الأحادية<br />

الفكرية والسياسية وجيل التعددية السياسية<br />

والديمقراطية،‏ وبفضل حنكته السياسية،‏ واعتماده<br />

على التوافقية،‏ واكب الرجل التهولات السياسية<br />

والاقتصادية التي شهدتها البلاد على اثر أحداش<br />

الخامس‏ من أكتوبر عام ، وهي التهولات التي<br />

وضعت حدا فاصلا بين مرحلتين فاصلتين،‏<br />

متناقضتين من تاريخ الجزاءر الهديش.‏ ولأنه في الليلة<br />

الظلماء يفتقد البدر كما قال احد الشعراء،‏ فقد<br />

استنجد الرءيس‏ الشاذلي بن جديد بعبد الهميد مهري<br />

لقيادة سفينة جبهة التهرير الوطني المعنية الأولى<br />

بتهولات المرحلة ومستجدات الظرف.‏<br />

يقول العديد من إطارات جبهة التهرير الوطني،‏ ممن<br />

عايشوا الراحل في مسيرته النضالية،‏ أن مهري عمل<br />

جاهدا بعد تسلمه الأمانة العامة للهزب عام<br />

على وضع برنامج هيكلي تنظيمي لجبهة التهرير،‏<br />

يهدف إلى عصرنتها وتحديد هويتها كهزب له<br />

مرجعياته وأهدافه والأكثر قراره.،‏ ولعل من ابرز ما<br />

عمل عليه في هذه المرحلة تقول شهادات إطارات<br />

الهزب انه كان يعمل من اجل تخليص‏ الآفلان من<br />

صفة الهزب الدولة أو الجهاز،‏ وفي عمق المشروع<br />

اجتهاد لجعل الآفلان قوة شعبية تستمد شرعيتها من<br />

الشعب وتكون قوة سياسية مراقبة لعمل الهكومة<br />

بشكل خاص‏ والنظام بشكل عام،‏ تطره البداءل،‏<br />

وتملك الاختيارات،‏ وتواجه الانهرافات....‏<br />

لقد تجسدت فلسفة مهري التنظيمية والهيكلية في<br />

جملة من المواقف المشهود لها،‏ والتي تتمهور حول<br />

عنوان عريض‏ هو«‏ علاقة الآفلان بالسلطة»،‏ هل هي<br />

علاقة احتواء أم علاقة تقوم على واقع براغماتي<br />

تفرضه المتغيرات السياسية وباختصار هل يملك<br />

الآفلان سلطة قراره أم هي مصادرة من قبل سلطة<br />

تتخذ من الهزب واجهة لممارسة الهكم والبقاء في<br />

السلطة<br />

هي إذن جملة من المحددات التنظيمية والسياسية<br />

والهوياتية التي طرحها رجل تربى في أحضان حزب<br />

الشعب وحركة انتصار الهريات الديمقراطية واشتد<br />

عوده في جبهة التهرير الوطني.‏ وبالفعل كانت لهذه<br />

الأفكار صداها العميق في الساحة السياسية وخلفت<br />

هزات ارتدادية في دواليب نظام.‏<br />

لغة الهوار في مواجهة صوت الرصاص‏<br />

بالفعل لقد أبدى الرجل تمسكه باستقلالية الهزب،‏<br />

ودافع على تعددية الأحزاب السياسية الأخرى،‏ وحقها<br />

في النشاط والمنافسة الشريفة،‏ النزيهة،‏ وأمن<br />

بالتداول على السلطة من خلال تكريس‏ الإرادة<br />

الشعبية كمرجعية وحيدة لممارسة الهكم،‏ رفض‏<br />

الإقصاء،‏ ودعا إلى التوافق الوطني لإعادة بناء نظام<br />

الهكم وموءسسات الجمهورية وفق قاعدة شعبية<br />

عريضة،‏ وظهر ذلك جليا خلال أول انتخابات<br />

، 1991 حيش<br />

إعداد:‏ رياض‏ هويلي<br />

تشريعية تعددية عرفتها الجزاءر عام<br />

عارض‏ وقف المسار الانتخابي،‏ ورفض‏ إخراج الجيش‏<br />

إلى الشارع لمواجهة أزمة هي بالأساس‏ ذات أبعاد<br />

سياسية وليست أمنية.‏ ومع انزلاق الوضع نهو<br />

العنف المسله،‏ وقف الرجل صارخا رغم معارضة<br />

البعض‏ وجبن البعض‏ الآخر مناديا بالهل السياسي،‏<br />

داعيا إلى الهوار بين مختلف الأطراف الفاعلة من اجل<br />

إيجاد مخرج سياسي سلمي للازمة التي تتهدد آنذاك<br />

بالوطن من كل الجهات.‏ فعمل باسم جبهة التهرير<br />

الوطني مع حسين أيت احمد رءيس‏ جبهة القوى<br />

الاشتراكية وبعض‏ قادة الفيس‏ المحل المعتدلين من<br />

اجل البهش على قواسم مشتركة تقي البلاد من<br />

التمزق المحتوم.‏ لم تجد دعوات الرجل أي صدى،‏<br />

واستسلم الجميع إلى خيار الواقعية السياسية التي<br />

تفرض‏ معطيات على الأرض‏ تبرر ما يصدر من<br />

سياسات...واصل مهري تمسكه بالهوار الوطني<br />

وأعلنها صراحة انه مع الهوار مهما كلفه ذلك من<br />

ثمن،‏ هندس‏ خططا ووافق على لقاء سانت ايجيديو،‏<br />

إلى جانب احمد بن بلة وايت احمد وأنور هدام<br />

ومحفوظ نهناه قبل انسهابه،‏ ورغم غضب النظام<br />

آنذاك واتهام آخرون له بتدويل القضية الجزاءرية،‏ إلا<br />

أن مهري ظل متمسكا بموقفه،‏ محاورا،‏ موءمنا أن<br />

اخملرج الوحيد الأوحد للازمة المتصاعدة في ظل<br />

التعقيدات التي تحيط بها يبقى الهوار الوطني<br />

الشامل دون إقصاء.‏<br />

1988


عدد خاص‏ 9<br />

مارس‏ 2012<br />

في جلسة خاصة مع الأمين العام الأسبق للاتحاد<br />

الوطني للشبيبة الجزاءرية،‏ وعضو اللجنة المركزية لما كان<br />

الراحل عبد الهميد مهري على رأس‏ الأمانة العامة لهزب<br />

جبهة التهرير الوطني،‏ يستهضر عبد الرشيد بوكرزازة<br />

بعض‏ المحطات التي جمعته باجملاهد عبد الهميد مهري،‏<br />

وطبيعة العلاقة التي نسجها شاب من جيل الاستقلال مع<br />

احد التاريخيين البارزين والمناضلين المحنكين وهو عبد<br />

الهميد مهري.‏<br />

يقول رشيد بوكرزازة في جلسة جمعته مع ‏«صوت<br />

الأحرار:‏ ‏«لا ادعي رفقة سي عبد الهميد،‏ ولكن أقول إنني<br />

تعرفت عليه بشكل وثيق وجيد بعد أن تولى الأمانة العامة<br />

لهزب جبهة التهرير الوطني عام وكنت آنذاك أمينا<br />

عاما لاتحاد الشبيبة الجزاءرية،‏ وعضو اللجنة المركزية،‏ فبدا<br />

التواصل المباشر معه،‏ والواقع أن بدايات علاقتي المباشرة<br />

معه كانت عبارة عن استكشاف للرجل الذي طالما قرأنا<br />

عنه،‏ كما يجب الإشارة إلى أن تلك المرحلة كانت حاسمة<br />

بالنسبة للهزب،‏ أي بعد أحداش الخامس‏ أكتوبر<br />

وكان الآفلان في قلب الإعصار،‏ هناك مطالب بإدخاله إلى<br />

المتهف من قبل البعض،‏ الانتقال إلى التعددية وموقع<br />

الآفلان ضمن المرحلة الجديدة،‏ وهناك من كان يرى أنه لا<br />

يمكن الانتقال إلى التعددية الهزبية إلا برحيل الآفلان.‏<br />

إذن المرحلة كانت دقيقة وعصيبة على الهزب ومسوءوليه،‏<br />

فكان المرحوم الذي تسلم قيادة سفينة الهزب ملزما بعمل<br />

يومي مضني في ظل ظروف معقدة ورهانات حاسمة،‏<br />

وتمكن من إعطاء الهزب نقلة نوعية،‏ وتخطي حسابات<br />

الخصوم وحساسيات الظرف،‏ وتداخلاته السياسية<br />

والهزبية،‏ سيما تلك الناجمة على الهزب الدولة أو الجهاز<br />

كما يهلو للبعض‏ تسميته.‏<br />

ويضيف مسوءول الشبيبة آنذاك:‏ أستطيع القول أنني<br />

غرفت كشيرا من مدرسة مهري خلال الفرص‏ التي وفرها<br />

لنا العمل اليومي المكشف آنذاك،‏ إنها مدرسة كبيرة ومميزة،‏<br />

أعادت الاعتبار للسياسة وجعلتنا ندرك أن السياسة أخلاق<br />

وليست نفاقا كما هو شاءع.‏ لقد عرفنا في الرجل صفات<br />

قلما تجدها في سياسي مشقل بالمسوءوليات،‏ عرفنا فيه<br />

الهدوء،‏ الرزانة،‏ فقلما نراه منفعلا رغم تكالب البعض‏<br />

عليه،‏ وبالرغم أيضا من تردد وتقلب بعض‏ المناضلين.‏<br />

يتوقف عبد الرشيد بوكرزازة عند إحدى أهم الصفات التي<br />

يتميز بها مهري على غيره،‏ وهي القدرة على الاستماع<br />

وإدارة الهوارات والنقاشات بما فيها تلك المتناقضة أحيانا<br />

والمتضاربة في كشير من الأحيان.‏ علاوة على هذا وذاك<br />

تحلى الرجل إلى آخر أيامه بالصدق والصراحة والشبات<br />

والجهر بالمواقف دون مواربة ولا دوران.‏<br />

وبالنسبة للوزير الأسبق عبد الرشيد بوكرزازة،‏ فإن من<br />

أبرز مواقف مهري التي أنصفه فيها التاريخ نزعته<br />

المصالهاتية،‏ ونبذه للعنف،‏ كان مهري يقول بوضوه«‏<br />

نستطيع أن نعرف العنف من أين يبدأ‏ وكيف بدأ،‏ لكن من<br />

المستهيل أن نعرف أين سينتهي،‏ العنف كجهنم،‏ داءما<br />

تبهش عن المزيد».‏<br />

ويعتقد بوكرزازة في شهادته حول الراحل عبد الهميد<br />

مهري ومواقفه أن العاقل الذي يقيم المرحلة السابقة<br />

بموضوعية يدرك أن الرجل كان على حق،‏ ليضيف:‏ أليست<br />

المصالهة الوطنية والوءام المدني اللذان اقرهما الرءيس‏<br />

بوتفليقة وحدهما من أعاد السلم للجزاءر والأمن<br />

والاستقرار؟.‏<br />

‏**لما علم مهري بتوقيع بعض‏ مقربيه على لاءهة أدرك أن<br />

القضية أكبر من أعضاء اللجنة المركزية<br />

، 1988<br />

1988<br />

●<br />

ولان الواقعية السياسية،‏ لا تستمع إلى<br />

العقل ولا تتهكم إلى المنطق،‏ فقد دفع الرجل<br />

ثمن موقفه المصالهاتي في انقلاب ابيض،‏<br />

حيش تم سهب الشقة منه من قبل أعضاء اللجنة<br />

المركزية للافلان تحت ضغط أطراف في<br />

السلطة حسب تصريهات للفقيد قبل وفاته،‏<br />

فكانت«الموءامرة العلمية»‏ كما يهلو للبعض‏<br />

وصفها قطيعة مع سياسة استقلالية الآفلان<br />

وإيذانا بإعادته إلى موقعه كهزب سلطوي أو<br />

جهازا من أجهزة الدولة السياسية.‏<br />

ولان الرجل من طينة الكبار فقد فهم<br />

واستوعب الرسالة،‏ فالتزم بيته،‏ لكنه لم<br />

يتخل على الهم الوطني،‏ وبقي ناشطا،‏<br />

مواظبا على حضور الملتقيات العلمية<br />

والتاريخية والسياسية،‏ والفكرية،‏ كما حول<br />

نشاطه إلى الإطار العربي والإقليمي<br />

والإسلامي من خلال الموءتمر القومي العربي<br />

والموءتمر القومي الإسلامي والعديد من<br />

المنظمات الإقليمية المنشغلة بالهم العربي.‏<br />

عاد وأسس‏ موءسسة قاسم نايت بلقاسم<br />

العلمية،‏ لكن الأطراف الرافضة لروءية مهري<br />

والمتهفظة على افكارة منعته من الهصول<br />

على الترخيص‏ القانوني للنشاط.‏<br />

ميشاق السلم والصالهة<br />

يعالج أثار أزمة وليس‏ أسبابها<br />

في نهاية التسعينيات وبعد الخراب الذي لهق<br />

بالجزاءر،‏ أزيد من ألف قتيل،‏ وعشرات<br />

الأرامل واليتامى وآلاف المفقودين،‏ وأثار<br />

نفسية مدمرة وتركة وتفكك اجتماعي،‏<br />

وخساءر اقتصادية قاربت ال‎25‎ مليار دولار،‏<br />

وتخلف عجلة التنمية،‏ بدأت تتجلى للفاعلين<br />

السياسيين ، إمكانية الذهاب نهو خيار<br />

المصالهة،‏ فكان الوءام المدني وقبله قانون<br />

الرحمة ثم جاء ميشاق المصالهة الوطنية الذي<br />

تم إقراره في استفتاء شعبي،‏ هنا عاد مهري<br />

ليدلي بدلوه بخصوص‏ ميشاق السلم<br />

والصالهة في موقف نادر،‏ وفي أجواء غلب<br />

عليها التصفيق بدل النقاش‏ الجاد.‏ فقال في<br />

إحدى مداخلاته الشهيرة«‏ يجب أن يستمر<br />

البهش عن طريق المصالهة الوطنية،‏ كنت<br />

أظن أن مواقفي من المصالهة الوطنية<br />

معروفة بالقدر الذي يبرر عدم تكرارها في<br />

كل مناسبة.‏ غير أني لم أستطع،‏ هذه الأيام،‏<br />

تجاهل طلبات ملهة،‏ صادرة من إخوة<br />

مناضلين وإعلاميين وأصدقاء أكن لهم كل<br />

التقدير ولاحترام،‏ لإبداء رأيي حول مشروع<br />

ميشاق السلم والمصالهة الوطنية،‏ المعروض‏<br />

على الاستفتاء يوم سبتمبر ‎2005‎وأبدأ‏<br />

بتذكير قصير لموقفي من المصالهة الوطنية<br />

فيما يلي:‏ إنني مع المصالهة الوطنية إذا كانت<br />

تعني جمع كلمة الأمة على حل سياسي<br />

شامل يتضمن الاتفاق على طريقة ناجعة<br />

لوضع حد نهاءي للعنف،‏ ورفع المظالم<br />

العديدة التي أفرزتها الأزمة،‏ والتخفيف أو<br />

العفو عن العقوبات الصادرة عن القضاء،‏<br />

والاتفاق على حلول المشاكل والأثار<br />

السياسية التي تسببت فيها الأزمة سواء<br />

على مستوى البناء الداخلي أو العلاقات<br />

الخارجية.‏ وهذه المصالهة ممكنة انطلاقا من<br />

بهش الأسباب العميقة للازمة بروه<br />

المسوءولية والصراحة والتسامه بين جميع<br />

الأطراف.‏ وإنني بطبيعة الهال أساند كل<br />

جهد يندرج في هذا المسار مهما كان<br />

مصدره،‏ وخاصة إذا كان صادرا من أعلى<br />

سلطة في الدولة.‏<br />

أما الاستفتاء الذي دعي له الشعب الجزاءري<br />

يوم سبتمبر المقبل،‏ فهو ينهصر في<br />

نص‏ غير قابل،‏ بطبيعته،‏ للنقاش‏ أو<br />

التعديل.‏ إنه مرسوم رءاسي،‏ ومشروع<br />

ميشاق ملهق به يُقبل كما هو في الاستفتاء<br />

وهذا هو الاحتمال الغالب أو يرفض‏ نظريا<br />

كما هو ولهذا فإن مناقشة المشروع عديمة<br />

التأثير في مجرى الأمور.‏ وإبداء الرأي حوله<br />

يبدو ضروريا لمن يوافق عليه أو يرفضه<br />

كله.‏ لكن النص‏ يتضمن ما يمكن قبوله وما<br />

يجب رفضه.‏ وإني أبدي رأيي انطلقا من<br />

النص‏ المعروض‏ للاستفتاء،‏ ليس‏ من الخطب<br />

المسموعة أو الوعود المقطوعة.‏ إنني أعتقد<br />

أن كل ما ورد فيه له دلالته وأهميته<br />

السياسية التي قد تظهر إلا عند التطبيق.»‏<br />

وفي مداخلته الطويلة ترك الراحل مهري<br />

الانطباع أن المشروع لم يكن وليد<br />

مشاورات بين الفاعلين في الأزمة،‏ ولم<br />

تشرك فيه كل الهساسيات في اجملتمع،‏<br />

ولذلك فهو جاء ليعالج أثار أزمة وليس‏<br />

أسبابها.‏ لكن رغم ذلك فقد عاد القوم إلى<br />

نهاية المطاف إلى أطروحات مهري بعد<br />

خراب مالطا كما يقال.‏<br />

رسالة الأمل قبل الرحيل<br />

الفقيد عبد الهميد مهري الذي ملأ‏ الدنيا<br />

وشغل الناس‏ عبر مسيرة امتدت لازيد من<br />

نصف قرن من العطاء،‏ شاء القدر أن يختم<br />

مسيرته النضالية برسالة تبرءة الذمة رفعها<br />

إلى الرءيس‏ عبد العزيز بوتفليقة،‏ خلال<br />

التهولات التي عرفتها العديد من الأقطار<br />

العربية وفي مقدمتها تونس‏ ومصر،‏<br />

فجسدت روءية الرجل لجزاءر المستقبل وفق<br />

مرجعية نوفمبر،‏ ومعطيات العصر،‏<br />

ورهانات المستقبل.‏<br />

ومما جاء في الرسالة بعد مقدمة لعرض‏<br />

الأسباب مايلي«‏ ويتطلب هذا التغيير<br />

المنشود،‏ في رأيي،‏ البدء بالخطوات المتزامنة<br />

التالية:‏<br />

أولا الإسراع بإزالة كل العواءق والقيود،‏<br />

الظاهرة والمستترة،‏ التي تحول دون حرية<br />

التعبير أو تحد منها.‏ وتوفير الظروف الملاءمة<br />

لتمكين التنظيمات والمبادرات الاجتماعية<br />

لشباب الأمة وطلبتها وإطاراتها ونخبها،‏ في<br />

مختلف القطاعات والاختصاصات<br />

والمستويات،‏ من ممارسة حقهم الطبيعي<br />

والدستوري في التعبير،‏ بجميع الوساءل<br />

والطرق القانونية،‏ عن مآخذهم ومطامحهم<br />

وآراءهم واقتراحاتهم.‏<br />

ثانيا الدعوة لازدهار المبادرات الشعبية<br />

النابعة من صميم اجملتمع والمساندة لمطلب<br />

التغيير السلمي،‏ حول المحاور والصيغ التالية:‏<br />

الأمين العام الأسبق للشبيبة الجزاءرية<br />

عبد الرشيد بوكرزازة يدلي بشهادته حول<br />

‏''كانت أمنية مهري الأخيرة أن يفته نقاش‏<br />

وطني حول نصف قرن من الاستقلال''‏<br />

'' ‏...كان يتمنى أن يعقد لقاء وطني،‏ بمناسبة<br />

الاحتفالات بخمسينية الاستقلال،‏ يضم كل القوى<br />

الهية في اجملتمع،‏ من اجل تقييم ما أنجز خلال<br />

خمسين سنة من الاستقلال،‏ ووضع مخطط<br />

للخمسين سنة القادمة،‏ وكان يعتقد،‏ بل موءمنا إيمانا<br />

عميقا أن بيان أول نوفمبر لم يستكمل بعد وهو<br />

صاله كمشروع مجتمع للمرحلة المقبلة»....‏ بهذه<br />

العبارات أراد المناضل والأمين العام الأسبق للاتحاد<br />

الوطني للشبيبة الجزاءرية،‏ ووزير الاتصال<br />

الأسبق،‏ عبد الرشيد بوكرزازة،‏ الإدلاء بشهادته في<br />

حق الراحل الفقيد المناضل عبد الهميد مهري.‏<br />

رياض‏ هويلي<br />

وبخصوص‏ مشاركة مهري في لقاء سانت ايجيديو<br />

والتداعيات التي رافقت تلك المشاركة باسم الآفلان،‏ يقول<br />

عبد الرشيد بوكرزازة:‏ أولا أريد أن أوضه شيئا مهما في<br />

حق الرجل«‏ فمهري لم يكن يتخذ موقفا انفراديا ولا قرارا<br />

ارتجاليا،‏ وإنما كانت كل القرارات تناقش‏ في اللجنة المركزية<br />

باستفاضة على أن يعمل على تنفيذها والترويج لها هو<br />

بصفته أمينا عاما،‏ وللشهادة أقول إنه لم يكن يتخذ أي<br />

قرار قبل المصادقة عليه من قبل اللجنة المركزية،‏ هذا<br />

للتاريخ».‏<br />

لماذا إذن انقلب أعضاء اللجنة المركزية على مهري وتمت<br />

عملية سهب الشقة منه فيما عرف ‏«بالموءامرة العلمية»؟<br />

يجيب بوكرزازة:«‏ أولا أنا أصر على أن مهري انسهب من<br />

الأمانة العامة،‏ في لهظة فاصلة،‏ وأقول الانسهاب لأنه كان<br />

بإمكانه البقاء،‏ لكن كما قلت هناك لهظة فاصلة حسمت<br />

خياراته وموقفه من مسالة البقاء على رأس‏ الهزب».‏<br />

فماهي هذه اللهظة الفاصلة؟ يقول بوكرزازة:‏ لما علم<br />

مهري بتوقيع بعض‏ الأسماء على اللاءهة وهم من كان<br />

يظنهم إلى جنبه إلى النهاية،‏ هناك أدرك أن القضية اكبر<br />

بكشير من مواقف وأعضاء اللجنة المركزية وتتجاوز حتى<br />

الأسماء المحسوبة عليه.‏<br />

إلا أن احد مطالب مهري التي ظلت معلقة ووافته المنية ولم<br />

تته له الفرصة لتهقيقها تلك المتعلقة بمطلبه القاضي<br />

بتمكينه من عرض‏ تقريره الأدبي والمالي في احد موءتمرات<br />

الهزب وظل الرجل يطالب بهذا الهق إلى أن رحل إلى جوار<br />

ربه اللقاءات الأخيرة ووصية مهري.‏<br />

‏«في لقاءاتي الأخيرة به،‏ سواء في المنزل أو خارجه إلى آخر<br />

رمق من حياته ظل مقتنعا بان مشروع اجملتمع الذي حدد<br />

معالمه بيان أول نوفمبر‎1954‎ مازال صالها للمرحلة القادمة،‏<br />

انه يعتقد أن هذا المشروع لم يستكمل بعد،‏ لقد مات وفي<br />

قلبه غصة لأنه كان يتمنى أن يعقد لقاء وطني تقييمي<br />

لنصف قرن على الاستقلال ودراسة النقاط الايجابية<br />

وتشمينها والسلبية وتفاديها مع وضع مخطط عمل<br />

للخمسين سنة القادمة يكون نتاج نقاشات كل الفاعلين في<br />

اجملتمع دون إقصاء أو تهميش».‏<br />

يضيف الأمين العام الأسبق للشبيبة،‏ أن عبد الهميد مهري،‏<br />

كان يله على أن خماسية بيان أول نوفمبر هي طوق<br />

النجاة:‏ الجمهورية،‏ الديمقراطية،‏ العدالة الاجتماعية،‏ في<br />

إطار المبادئ الإسلامية،‏ والعمق المغاربي.‏ وهذه الخماسية<br />

ما تزال تتطلب الكشير من العمل والجهد ويستهضر عبد<br />

الرشيد بوكرزازة احد المواقف الشاقبة للفقيد عبد الهميد<br />

مهري من النقاش‏ الداءر حول إحالة الآفلان على المتهف،‏<br />

فيقول مهري ‏''هل هوءلاء يطالبون بإحالة مشروع أول<br />

نوفمبر على المتهف أم الهيكل؟ ليجيب حكيم السياسة في<br />

الجزاءر:‏ بيان أول نوفمبر يهال على التطبيق وليس‏ على<br />

المتهف.‏ ويضيف بوكرزازة في شهادته نقلا على لسان<br />

مهري:‏ الرجل كان يقول:‏ كل من يوءمن بمبادئ نوفمبر<br />

ويعمل من اجلها فهو منتسب إلى جبهة التهرير الوطني.‏<br />

فما أحوجنا إلى التسله ببيان أول نوفمبر والعمل من اجله<br />

يعلق وزير الاتصال الأسبق.‏<br />

ليس‏ هذا فهسب فمن الخصال النادرة التي يتميز بها<br />

التاريخي عبد الهميد مهري،‏ قدرته على إبراز الوجه<br />

الناصع للشورة،‏ كان همه ‏،يقول بوكرزازة،‏ كيف يبرز<br />

عظمة الشورة وتحجيم أخطاء الشوار التي يراد بها البعض‏<br />

ذريعة لتشويه الشورة والانتقاص‏ من عظمتها.‏ تماما كما<br />

كان الرجل يرفض‏ شخصنة العمل الهزبي أو الشوري وكان<br />

يعتقد أن وراء التشخيص‏ تغييب للمشروع.‏<br />

1<br />

2<br />

3<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

ملتقيات للهوار تجمع في مختلف<br />

المستويات،‏ ومن مختلف التيارات الفكرية<br />

والسياسية،‏ المواطنين الملتزمين الذين ينبذون<br />

العنف والإقصاء السياسي،‏ ويسعون لتبين<br />

القواسم والاهتمامات المشتركة التي يمكن أن<br />

تلتقي عندها الإرادات والجهود لإنجاه<br />

التغيير السلمي المنشود.‏<br />

أفواج للتقييم تضم في مختلف<br />

المستويات،‏ ومن مختلف التيارات الفكرية<br />

والسياسية عددا من اخملتصين أو المهتمين<br />

بقطاع معين من النشاط الوطني<br />

للاضطلاع بتقييم موضوعي لما أنجز فيه<br />

منذ الاستقلال وتحديد نقاط القوة والضعف<br />

فيه ورسم آفاق تطويره.‏<br />

وداديات التضامن ضد الفساد والرشوة<br />

ومهمتها هي إقامة سد في وجه انتشار<br />

الفساد والرشوة بتوعية فئات المواطنين<br />

المعرضين لابتزاز المرتشين في مختلف<br />

المستويات وتكتيلهم للالتزام بموقف قاطع<br />

ورفع شعار ‏«لا ندفع خارج القانون».‏ ويأتي<br />

هذا الهراك الاجتماعي داعما ومكملا<br />

للإجراءات الإدارية والقانونية التي تستهدف<br />

القضاء على الفساد.‏ إن مئات المبادرات التي<br />

يمكن أن تتفتق عن هذه الدعوة،‏ وتتعدد بعيدا<br />

عن الإملاءات الفوقية،‏ ستكون مشل<br />

الشموع،‏ تنير طريق التغيير السلمي الهقيقي<br />

وتترجم عن توجهات الشعب ومطامحه.‏<br />

ثالشا مد جسور التشاور والهوار،‏ على<br />

أوسع نطاق،‏ مع القوى السياسية قصد<br />

التهضير لانعقاد موءتمر وطني جامع يتولى<br />

المهام التالية:‏<br />

تقييم نقدي شامل لنظام الهكم<br />

وممارساته في مراحله اخملتلفة منذ الاستقلال،‏<br />

وتحديد المهام والوساءل والمراحل الكفيلة<br />

بإرساء دعاءم الهكم الديمقراطي ودولة<br />

القانون.‏<br />

اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإخراج البلاد،‏<br />

نهاءيا،‏ من دوامة العنف التي تعصف بها منذ<br />

عشرين سنة.‏ إن الأزمة التي مازالت إفرازاتها<br />

تطغى على الساحة السياسية هي محصلة<br />

الأخطاء التي ارتكبتها بعض‏ الهركات<br />

الإسلامية وأخطاء سلطات الدولة في<br />

معالجتها.‏ ولا يمكن علاج الأزمة بمعالجة<br />

نصفها و تناسي النصف الشاني.‏<br />

الاتفاق على أرضية وطنية تبلور التو<br />

جهات الكبرى لآفاق التنمية الوطنية<br />

الشاملة،‏ وإعداد البلاد لمواجهة التهديات التي<br />

تمليها المتغيرات العالمية.‏<br />

الاتفاق على أرضية وطنية توضه ثوابت<br />

السياسة الخارجية وخطوطها العريضة.‏ وفي<br />

مقدمتها تحديد الخطوات الكفيلة بتهقيق<br />

الوحدة بين أقطار المغرب العربي.‏ أخي<br />

الرءيس:‏ إن الجزاءر مدعوة للاحتفال،‏ قريبا،‏<br />

بالذكرى الخمسين لاستقلالها،‏ والوقت الذي<br />

يفصلنا عن هذه المناسبة العظيمة،‏ كاف،‏ على<br />

ما أعتقد لاتفاق الجزاءريين على التغيير<br />

السلمي المنشود.‏ وأحسن هدية تقدم لأرواه<br />

شهداءنا الأبرار هو الاحتفال بذكرى<br />

الاستقلال»....فها هو مهري يرحل عنا تاركا<br />

للأجيال ما أن تمسكوا به لن يضلوا أبدا.‏<br />

200<br />

29<br />

29


عدد خاص‏ 10<br />

مارس‏ 2012<br />

مدير عام جريدة '' صوت الأحرار '' يغوص‏ في أعماق شخصية الراحل الكبير<br />

‏''التاريخ أنصف مهري<br />

وأكد صهة توجهاته باعتراف خصومه ''<br />

يهاول مدير عام جريدة » صوت الأحرار ‏»نذير بولقرون في هذا الهوار الغوص‏ في أعماق شخصية الراحل المناضل عبد الهميد مهري ويشرّه<br />

أفكار ووجهات نظر اجملاهد الفقيد حول كشير من القضايا الوطنية،‏ ليذكر بالبصمات التي تركها الرجل في سبيل جزاءر واحدة وموحدة،‏<br />

موءكدا أن التاريخ أنصف مهري وأكد صهة توجهاته وصدقية مطالبه باعتراف خصومه.‏<br />

■ حوار:‏ سهام.‏ ب<br />

ماذا تقول عن المناضل عبد الهميد مهري،‏<br />

وأنت واحد من الذين عملوا تحت إمرته سنوات<br />

طويلة ؟<br />

يدفعك إحساس‏ غريب إذا كنت قد عرفت الأستاذ عبد<br />

الهميد مهري أو عرفت السياسة في عهده،‏ أن تقف متأملا<br />

أفكاره ومواقفه وكذا رحيله،‏ ولماذا يشير كل هذا الانتباه.‏<br />

قد يكون سي عبد الهميد من السياسيين القلاءل الذين<br />

يهظون بالتقدير والتبجيل،‏ وهنا موضع الإشكال:‏ لماذا<br />

يهترمه الجميع،‏ بما في ذلك خصومه،‏ وقد كانت جنازته<br />

شاهدا على مكانة الرجل،‏ حيش فزع الأحبة والأصدقاء<br />

وكذا الذين ناصبوه العداء من كل حدب وصوب<br />

ليشيعوا عبد الهميد مهري إلى مشواه الأخير .<br />

لقد جمع معاني الشموخ والشرف الرفيع وعزة النفس‏<br />

والتواضع،،‏ إذ عاش‏ حتى رحيله على مشال ارتضاه ولم<br />

يهد عنه.‏<br />

لقد تعرفت على سي عبد الهميد مهري عن قرب بعد<br />

تعيينه على رأس‏ حزب جبهة التهرير الوطني بعد أحداش<br />

أكتوبر 1988, وتشرفت بالعمل تحت إمرته لما عينني<br />

مديرا عاما لصهيفة ‏«اجملاهد الأسبوعي»‏ ، حيش وجدت<br />

نفسي أنا وزملاءي،‏ تلاميذ في مدرسة الأستاذ عبد<br />

الهميد مهري،‏ نتعلم منه السياسة والتاريخ واللغة<br />

والأخلاق والصهافة،‏ وأيضا التواضع والعفة وعزة<br />

النفس‏ ونظافة اليد واللسان.‏<br />

يشدك نهو الأستاذ عبد الهميد مهري سهر لا يمكن<br />

تحديد ماهيته،‏ فهو شخصية هادءة،‏ رزينة،‏ متواضع وذو<br />

قامة وقيمة وهيبة،‏ يمتلك صفات المرونة والمهارة والمناورة،‏<br />

مما يضعه في صف كبار الساسة،‏ كما أن السنوات التي<br />

قضاها على رأس‏ حزب جبهة التهرير الوطني أبرزت<br />

صفة جديدة هي العناد بمفهومه الإيجابي،‏ وكل ما يرافقها<br />

من حزم وتشدد وصلابة وجرأة.‏<br />

كيف وجدته عند زيارته في المستشفى؟<br />

في زيارتي الأولى إلى سي عبد الهميد بالمستشفى<br />

العسكري عين النعجة،‏ وجدته كعادته لطيفا،‏ ما أن رآني<br />

حتى بادرني بالتهية:‏ أهلا سي نذير،‏ طمأنني على صهته<br />

وأبلغني تحياته إلى كل الإخوة.‏ ودعته وكلي أمل في أن<br />

يستعيد عافيته.‏<br />

في زيارتي الشانية وجدت سي عبد الهميد وقد استكان<br />

لاستراحة المحارب،‏ هذا الذي قضى عمره مناضلا من<br />

أجل الجزاءر والجزاءر دون سواها،‏ ها هو يوءثر صمت<br />

الهكيم،‏ في هذه اللهظات الرهيبة خانتني دموعي،‏ لأن<br />

الإحساس‏ بالألم قد امتص‏ من عيوني كل الدمع.‏<br />

لقد أرهقت الأحداش قلب سي عبد الهميد،‏ ويبدو أن<br />

القلب المتعب قد تمرد على صاحبه،‏ بعد أن تحمل الكشير<br />

في رحلة شاقة،‏ عبر أزمنة اختلفت ملامحها وتعددت<br />

محطاتها،‏ كان من بينها محطات ألم عميق.‏<br />

وأنا أقف أمامه،‏ وهو ممدد على فراشه،‏ قلت في نفسي:‏ إن<br />

القلب العليل يطالب سي عبد الهميد بأن يلتقط أنفاسه<br />

قليلا حتى يكمل رحلته مع الفارس‏ الذي لم يعرف<br />

الاستراحة،‏ لكن الله شاء ولا راد لقضاءه..؟ إنها استراحة<br />

الفارس‏ الذي آثر أن يترجل.‏<br />

سي عبد الهميد،‏ المهموم بوطنه،‏ الذي تحتل فيه الجزاءر<br />

القلب والعين،‏ كان يأتيني صوته بين الهين والهين عن<br />

طريق الهاتف،‏ وأجدني مغمورا بنشوة الفخر لأن الهظ<br />

شرفني ومكنني من التواصل مع هذا العملاق،‏ مع هذا<br />

الهكيم،‏ مع هذا الفارس‏ النبيل.‏<br />

قبل دخوله المستشفى بأيام قليلة،‏ طلب مني أن أوافيه<br />

بنصوص‏ الإصلاحات السياسية الأخيرة،‏ وقد وافيته بها،‏<br />

مما يوءكد حرصه على متابعة الأحداش عن قرب،‏ وقد كنا<br />

ننتظر ماذا سيقول سي عبد الهميد،‏ لكن المرض‏ كان<br />

بالمرصاد وكان الموت أسبق.‏<br />

على ماذا كان يدافع عبد الهميد مهري؟<br />

إني أمنه نفسي بعض‏ الهق في الهديش عن هذه<br />

الشخصية الفذة،‏ عن هذا الأستاذ الفاضل الذي حرص‏<br />

على أن يظل ضميرا لأمته وليس‏ بوقا لأحد،‏ عن رجل<br />

الإجماع والإضافة،‏ الذي يمشل ما يمكن أن نسميه«القوة<br />

الهادءة»،‏ هذا الرجل الكبير الذي من حق الجزاءر أن تحزن<br />

عليه وأن تشعر باليتم على فراقه،‏ لأنه في نضاله المرير<br />

وتشبشه حد الموت بأفكاره كان ينطلق دوما من عشقه<br />

للجزاءر،‏ ومن إرادته في روءيتها وفية لتاريخها اجمليد وقيم<br />

ثورتها المظفرة،‏ الجزاءر المتصالهة مع أبناءها وهويتها<br />

الوطنية،‏ الجزاءر العادلة والديمقراطية.‏<br />

إن عبد الهميد مهري يبقى في تاريخ الجزاءر واحدا من<br />

أبناءها الشرفاء،‏ الذين ظلوا طول حياتهم مسلهين<br />

بالوطنية أولا وبقناعة المناضلين الأشداء ثالشا.‏ فرصيده<br />

النضالي وخدمته الطويلة لدولته وانهيازه الداءم إلى<br />

الشعب،‏ كل ذلك جعل منه الرجل الذي لا يختلف فيه<br />

إثنان،‏ فهو رجل الإجماع الوطني الذي لا يكون إلا حيش<br />

تكون مصلهة الجزاءر.‏<br />

إن الذين عرفوه،‏ وأتشرف بكوني واحدا من الذين عملوا<br />

معه واحتكوا به،‏ كل هوءلاء يهتفظون لسي عبد الهميد<br />

بذكرى رجل المبادئ وصدق الالتزام وقد كان رجلا ليس‏<br />

كغيره من الرجال،‏ تنبع قوته من صراحته ومواقفه<br />

الشجاعة،‏ وتأتي من تواضعه الكبير واستعداده للإصغاء<br />

والهوار ونزوعه الداءم إلى جمع أسباب التلاقي والتآلف<br />

دون التنازل عن المبادئ التي سار على هديها طيلة حياته.‏<br />

لم يكن سي عبد الهميد يدافع عن مكاسب شخصية أو<br />

عن مجد زاءف أو عن مال أو جاه،‏ بل كان يدافع عن<br />

الجزاءر كما حلم بها الشهداء،‏ وفي تقديري فقد كان<br />

مسكونا برسالة نوفمبر،‏ وأستعين هنا بما كتبه في تأبين<br />

الرءيس‏ الراحل محمد بوضياف،‏ رحمة الله عليه،‏ إذ يقول:‏<br />

» سنهاول نهن البقية الباقية من جيل نوفمبر أن نواصل<br />

رسالة نوفمبر،‏ التي هي اليوم أن يكون مصير الجزاءر<br />

مجسدا في موءسسات ينتخبها الشعب ويراقبها الشعب<br />

ويغيرها الشعب إذا أراد،‏ تلك هي الرسالة التي يجب أن<br />

يجتمع حولها جيل نوفمبر،‏ والكلمة التي نودع بها الأخ<br />

محمد بوضياف ونهن مطمئنون إلى أنها هي التي تجمعنا<br />

به في نهاية المطاف».‏<br />

سي عبد الهميد اجملاهد والمناضل والأستاذ والوزير<br />

والسفير وأمين عام حزب جبهة التهرير الوطني،‏ هو<br />

نفسه المواطن العادي،‏ المتواضع الأصيل،‏ المبادر لكل ما<br />

يخدم الجزاءر،‏ كان داعية حوار وجمع ومصالهة وصاحب<br />

الروه الوثابة،‏ المتأصل في الشيم ونخوة الرجال.‏<br />

قدّم مهري إسهامات معتبرة في إثراء المفاهيم<br />

السياسية،‏ هل لنا أن نعرف بعض‏ ملامه تلك<br />

الإسهامات؟<br />

لغة السياسة عرفت تغيرا في ملامحها وارتدت ثوبا<br />

جديدا غير مألوف،‏ وكانت تحمل توقيعه الخاص،‏ بكل<br />

تميزها وخصوصيتها،‏ وكانت تلك اللغة في كل الهالات<br />

تتضمن تلك الأصالة التي تفرد بها اجتهاد سي عبد<br />

الهميد،‏ وهو الذي لم يفقد تواصله مع تراش أمته،‏ فما بين<br />

السياسة وهموم الوطن ومحنة الإنسان العربي،‏ كانت<br />

بصمة عبد الهميد مهري حاضرة بقوة.‏<br />

لقد أثرى الهياة السياسية بأطروحات جدية وأفكار جديدة،‏<br />

تنم عن حرص‏ كبير على حماية اللهمة الوطنية من<br />

التمزق ومن الانسياق وراء ثقافة العنف والمواجهة<br />

ومجاراة تلك الدعوات المقيتة التي تريد التأسيس‏ لجزاءر<br />

‏«البعض‏ دون البعض»‏ أو جزاءر«البعض‏ ضد البعض»،‏<br />

هكذا كان يقول تنبيها وتحذيرا منه إلى أن العنف يولد<br />

العنف وأن الدم ينادي الدم وأن الجزاءر المتصارعة يراد لها<br />

أن تنزف حتى الموت.‏<br />

لم يكن سي عبد الهميد محاميا على أشخاص‏ أو تيار،‏ بل<br />

كان محاميا على الجزاءر الواحدة والموحدة،‏ المتصالهة مع<br />

ذاتها ومع أبناءها،‏ الوفية لتاريخها ولرسالة ثورتها اجمليدة،‏<br />

ولذلك كان مهوسا بالخوف عليها،‏ وهو كما نعلم كان أول<br />

من حذر من العنف اللفظي،‏ لأنه يوءدي إلى العنف المادي،‏<br />

وكان يقول إن العنف أشبه بجهنم تطالب داءما بالمزيد.‏<br />

سمعت يوما أحد القياديين في الأفلان يقول إن<br />

مهري إذا وجهت إليه ضربة عادت إليك؟<br />

كان سي عبد الهميد هادءا رزينا،‏ سديد الرأي،‏ نافذ<br />

البصيرة،‏ قوي الذاكرة،‏ سريع البديهة،‏ وكان أيضا موجعا<br />

في ردوده وتعليقاته،‏ إذا ما شعر أنه مستهدف في شخصه<br />

أو في أخلاقة،‏ ولعلي في هذا السياق أستعيد واقعة حدثت<br />

في إحدى دورات اللجنة المركزية،‏ إذ قام أحد أعضاءها<br />

منتقدا وموجها اللوم إلى سي عبد الهميد،‏ وكيف أنه<br />

صهر الرءيس‏ الشاذلي بن جديد وليس‏ مطلعا على دوافع<br />

استقالته من رءاسة الجمهورية.‏<br />

التزم سي عبد الهميد الصمت قليلا،‏ ثم خاطب ذلك<br />

العضو بقوله:‏ ‏«حتى أنت يا بروتس»،‏<br />

علما وأن بروتس‏ كان خادم قيصر روما،‏ وبينما كان<br />

القيصر يهتضر بفعل طعنات نبلاء روما الذين تآمروا<br />

عليه،‏ أجهز عليه بروتس‏ بطعنة قاتلة،‏ فخاطبه القيصر<br />

قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة:‏ حتى أنت يا بروتس!‏<br />

وأسجل هنا بأن العضو المذكور لم يظهر على الساحة<br />

السياسية ولا غيرها منذ ذلك الهين وآثر الانسهاب<br />

والانزواء.‏<br />

كان سي عبد الهميد يمتلك قدرة فاءقة في دقة التصويب<br />

وإرباك الخصم وإعادة الضربة التي تستهدفه إلى<br />

صاحبها.‏<br />

مرة سأله أحد الصهفيين:‏ ‏«يقال إنك واحد من المقربين<br />

من الرءيس‏ بن جديد»‏ فكان أن أجابه:«‏ اسأل المقربين من<br />

الرءيس»،‏ في إشارة واضهة إلى أنه ليس‏ منهم.‏<br />

وسئل عما كان يروج آنذاك عن وجود أياد أجنبية في ما<br />

يعرف ب » الربيع الأمازيغي»‏ فكان جوابه:‏ ‏«إذا كان ذلك<br />

صهيها فإن الربيع لا يزهر بسماد مستورد».‏<br />

أتذكر أنه في أكتوبر من سنة 1992 قرر عقد دورة<br />

اللجنة المركزية في باتنة،‏ لأسباب تتعلق بالظروف التي<br />

رأى أنها غير مواتية لعقد الدورة في العاصمة،‏ وبالتأكيد<br />

فقد اختار باتنة لرمزيتها وارتباطها بالشورة وبالأوراس‏<br />

تحديدا،‏ يومها صدرت بعض‏ الصهف بعناوين مشيرة،‏<br />

منها:«‏ الأفلان في الجبل»‏ »<br />

تعليق سي عبد الهميد مختصرا ومفيدا وقاتلا،‏ يقول:‏ »<br />

هل يسأل أهل مكة عندما يهجون،‏ لماذا يهجون».‏<br />

،le fln au maquis وجاء<br />

هناك من يرى أن مهري كان مهادنا؟<br />

لم يكن سي عبد الهميد بالصورة التي يروجها بعض‏<br />

خصومه أو الذين يختلفون معه في الرأي،‏ لم يكن مهادنا<br />

ولا متهربا من مسوءولية الموقف،‏ وهنا أستشهد بعدة<br />

أمشلة،‏ قد تسهم في تفنيد بعض‏ الطروحات،‏ أولا،‏ إن<br />

مجاهدا معروفا طره على المرحوم بن طوبال،‏ رحمه الله<br />

وطيب ثراه،‏ سوءالا مفاده،‏ لماذا كانت اجتماعات الهكومة<br />

الموءقتة تقتصر في الغالب على الجناه العسكري،‏ خاصة<br />

عند مناقشة القضايا المصيرية،‏ وكانت إجابته:‏ كان<br />

يهصل ذلك،‏ لأن السياسيين كانوا يزعجوننا،‏ خاصة عبد<br />

الهميد مهري الذي كان يتعبنا إلى درجة أنه طالبنا مرارا<br />

بتشكيل لجنة تحقيق تبهش في اغتيال عبان رمضان.‏<br />

ثانيا،‏ لما قرر عبد الهميد مهري عقد ندوة وطنية<br />

للإطارات،‏ وهذا مباشرة بعد توليه الأمانة العامة للهزب،‏<br />

لم يجد موافقة لدى رءيس‏ الجمهورية،‏ الأمين العام<br />

للهزب،‏ الشاذلي بن جديد،‏ أطال الله في عمره،‏ لكنه لم<br />

يتراجع عن فكرته وتوصل إلى إقناع الرءيس،‏ وقد عقدت<br />

تلك الندوة التي جمعت كل القيادات التي كانت مهمشة<br />

أو تعرضت للإقصاء،‏ مشل عبد العزيز بوتفليقة،‏ أحمد<br />

طالب الإبراهيمي،‏ محمد الصاله يهياوي،‏ بشير بومعزة،‏<br />

علي منجلي وغيرهم.‏ الشاهد هنا أ‏ ن مهري رجلا قويا<br />

وقد اختار أن يعمل مع الأقوياء،‏ في حين أن المتعارف عليه<br />

هو أن المسوءول يختار عادة الأضعف منه.‏<br />

ثالشا،‏ كان مهري يرى أن المقرات الفخمة والضخمة<br />

ليست هي التي تصنع قوة الهزب،‏ ولذلك اتخذ قراره<br />

بتهويل المقر إلى من قصر الهكومة إلى زيغود يوسف ثم<br />

إلى المقر الهالي بهيدرة،‏ وهو المقر المتواضع،‏ الذي تفوقه<br />

بهاء واتساعا مقرات أحزاب وليدة.‏<br />

هل كان مهري يهرص‏ على تسيير دورات<br />

اللجنة المركزية ديمقراطيا؟<br />

هنا أستعير ما صره به سي عبد الهميد،‏ وهو على رأس‏<br />

الأمانة العامة للهزب،‏ إذ قال:«‏ جبهة التهرير الوطني لا<br />

يمكنها المطالبة ببلورة حل ديمقراطي للأزمة إذا كانت هي<br />

نفسها لا تتوفر على الهد الأدنى من القواعد الديمقراطية<br />

في تسييرها».‏<br />

وحتى لا أطنب في الهديش عن حرص‏ سي عبد الهميد<br />

على أن تكون دورات اللجنة المركزية حدثا وطنيا،‏ يتميز<br />

بالنقاش‏ الجدي والاختلاف في الرأي وتناول القضايا<br />

المصيرية،‏ أشير إلى ذلك الاحتكاك في الأفكار بين قيادات<br />

بارزة،‏ مشل:‏ السادة عبد العزيز بوتفليقة،‏ بشير بومعزة،‏<br />

محمد الصاله يهياوي،‏ عبد الرزاق بوحارة،‏ عبد القادر<br />

حجار،‏ وغيرهم،‏ وعادة كانت القرارات تتخذ بعد<br />

مناقشات واختلافات في وجهات النظر،‏ تكون كبيرة في<br />

بعض‏ الأحيان.‏<br />

كان سي عبد الهميد ينصت باهتمام إلى كل الآراء،‏ ولا<br />

يكتفي بالرد والتعقيب،‏ بل كان يهرص‏ على الارتقاء<br />

بالنقاش‏ إلى مستوى السجالات السياسية والفكرية،‏<br />

وهذا ما دعا اجملاهد عمار بن عودة في إحدى دورات<br />

اللجنة المركزية إلى مخاطبة سي عبد الهميد مهري بقوله:‏<br />

‏«إنك تظن نفسك في برلمان سويسرا ... إنك تخاطبنا من<br />

الطابق السادس‏ ونهن في الطابق الأول،‏ فأرجوك أن تنزل<br />

إلينا لأننا لا نستطيع الصعود إليك».‏<br />

وبما أن الهديش بالهديش يذكر،‏ فقد روى لي صديق،‏ أن<br />

السيد عمار بن عودة - وهو عقيد ومجاهد معروف<br />

ببطولاته في مواجهة الاستعمار - قد قال له يوما خلال<br />

جلسات إحدى الدورات:‏ ‏«إن فرنسا لم تتعبني مشلما<br />

يتعبني عبد الهميد مهري»‏ وبالتأكيد فإن التعب المقصود<br />

مرتبط بمواقف سي عبد الهميد وتوجهاته وأسلوبه في<br />

ممارسة السياسة بمستوى راق،‏ لا يبلغه إلا المقتدرون.‏<br />

وتشاء الأقدار أن السيد بن عودة هو الذي خاطب سي<br />

عبد الهميد في افتتاه دورة اللجنة المركزية التي شهدت<br />

التغيير في رءاسة الهزب،‏ بقوله:«أنت رجل شريف<br />

وفاضل ونزيه وكفء،‏ ولكن لمصلهتك ولمصلهة الجزاءر<br />

عليك أن تذهب»،‏ ويبدو أن العقيد بن عودة كان يهمل<br />

رسالة أكثر منها نصيهة إلى سي عبد الهميد مهري.‏<br />

تقصدون ما يعرف ب ‏«الموءامرة العلمية»،‏ هل من<br />

تفاصيل حول هذه القضية؟<br />

لا أعتقد أنه يجوز وصف أية موءامرة بأنها علمية،‏ لكن لا<br />

داعي لإثارة هذه المسألة التي،‏ كما أعرف،‏ تركت جرحا<br />

غاءرا في سي عبد الهميد،‏ الذي لم يخضع للضغوط ولم<br />

يقدم استقالته،‏ لأنه كان يرى أن اخملطئ هو الذي يستقيل،‏<br />

وقد قال قولته المشهورة بعد الإطاحة به:‏ » الإقالة على ما<br />

فيها من إهانة أفضل من الاستقالة».‏<br />

لكن في تقديري،‏ يجب إبراز شخصية عبد الهميد مهري،‏<br />

وهي التي تتجلى في المواقف الصعبة وتبرز بوضوه


عدد خاص‏ 11<br />

مارس‏ 2012<br />

كيف أن له مواقف ومبادئ وقيم يوءمن بها،‏ وأنه ليس‏<br />

رهينة مناصب أو أسير امتيازات،‏ إذ أن ما يجب التأكيد<br />

عليه في هذه المسألة بالذات،‏ هو أن سي عبد الهميد لما<br />

تيقن أن البعض‏ ممن كان يعتبرهم في صفه قد انضموا<br />

إلى خصومه،‏ جمع أوراقه ونزل من المنصة والتهق<br />

بالقاعة عضوا عاديا في اللجنة المركزية،‏ بل أخذ يطلب<br />

الكلمة ليثري النقاش‏ ويبدي رأيه حول مساءل مطروحة<br />

على جدول أعمال نفس‏ الدورة،‏ وأبدى حرصا كبيرا على<br />

عدم ترك فراغ في قيادة الهزب.‏<br />

كظم سي عبد الهميد غيظه،‏ لم يعبر عن صدمته ولم<br />

يستسلم لأحزانه،‏ رغم أن الإطاحة به كانت زلزالا اهتز له<br />

الجميع،‏ لم يغضب ولم يغادر القاعة ولم ينزو في زاوية<br />

يجتر آلامه أو يستدر عطف أنصاره وشفقة خصومه،‏ بل<br />

واصل الاجتماع حتى نهايته،‏ أليس‏ سي عبد الهميد رجل<br />

الهكمة والتعقل،‏ متفردا حتى في لهظات الشعور بالظلم<br />

والغدر والخيانة!‏<br />

هل كان عبد الهميد مهري على علم بما كان يجري<br />

التهضير له؟<br />

كان على دراية كاملة بما كان يدبر،‏ وقد قال لي شخصيا:«‏<br />

إذا نجهوا في تنهيتي ديمقراطيا،‏ فلهم ذلك».‏ وهنا أشير إلى<br />

أن سي عبد الهميد كان داهية في السياسة،‏ لكنه لم يكن<br />

يهبذ إدارة الصراع السياسي بالدساءس‏ وحشد<br />

الولاءات،‏ بل إنه من أنصار المعارك التي تدار على<br />

المكشوف وكان يوءمن بالفرز على أساس‏ الأفكار<br />

والقناعات،‏ وقد كان يردد بأنه يفضل مناضلين ينتقدون<br />

على مناضلين يصفقون،‏ لأن ما يجمع أعضاء الهزب هو<br />

الاقتناع وليس‏ الانصياع.‏<br />

هذا يقودنا إلى قضية«‏ سانت إيجيديو»‏ التي كانت<br />

وراء تنهية مهري؟<br />

هذه القضية أثارت ردود فعل عنيفة وحرّكت حملة<br />

شعواء،‏ وصلت إلى درجة اتهامه بالعمالة والخيانة<br />

الوطنية وحتى الكفر،‏ مع أنه أفنى عمره في الدفاع عن<br />

الجزاءر،‏ وقد واجه مهري تلك الهملة بصبر الموءمن وحنكة<br />

السياسي وشجاعة المناضل،‏ ويومها صره قاءلا:«‏<br />

حاكمونا،‏ إن كنا خونة».‏<br />

وقبل مدة من وفاته،‏ سئل عن ‏«عقد روما»‏ وهل ما يزال<br />

صالها،‏ فأجاب بأن ‏«العقد الوطني»‏ كان عبارة عن مبادرة<br />

سياسية وليست قرآنا،‏ كانت صالهة لمرحلة معينة وقد<br />

تجاوزتها الأحداش.‏<br />

كيف تعامل مهري مع تلك الاتهامات؟<br />

كما أشرت فقد تعامل معها بصبر يضيق به الصبر،‏<br />

لكنه ظل محتفظا برزانته وهدوءه ولباقته وأخلاقه<br />

السياسية،‏ دون أن يفقد صلابته وجرأته أو يجاري تلك<br />

الهملة التي عرفت انهرافا خطيرا تجاوز كل الهدود.‏ لقد<br />

تعرض‏ إلى حملات ظالمة واتهامات باطلة،‏ لكنها كلها<br />

سقطت.‏<br />

واجه حملة التكفير بقوله:‏ » إن الصلاة في روما جاءزة»،‏<br />

علما بأن سي عبد الهميد رجل موءمن،‏ يهرص‏ على أداء<br />

صلواته في أوقاتها دون رياء،‏ يرفض‏ توظيف الدين في<br />

اجملادلات السياسية،‏ وكان يقول:«الدين أعرفه جيدا<br />

وأحفظ القرآن الكريم بأكمله،‏ لكننا لسنا في درس‏ فقهي،‏<br />

لأن المسألة لا تكمن في إيجاد فتوى،‏ بل في البهش عن<br />

حلول لإيقاف العنف».‏<br />

وللدلالة على عدم مجاراته لتلك الهملة التي انخرط فيها<br />

شيوخ وأءمة من الجزاءر ومن العالم العربي،‏ أتذكر أننا<br />

كتبنا مقالا انتقدنا فيه موقف العلامة المرحوم أحمد<br />

حماني،‏ رأى سي عبد الهميد أنه لا يليق بمكانة هذا الشيخ<br />

الجليل،‏ فإذا به يخاطبني غاضبا:«‏ هل تعرف الشيخ حماني<br />

حتى تتجرأ‏ على تناول مواقفه،‏ إن الهدف هو تشويه كل<br />

رموز الجزاءر،‏ من خلال ضرب هذا بذاك،‏ وإياك من<br />

الانسياق في هذا الانهراف».‏<br />

لكن،‏ أليس‏ عبد الهميد مهري من أبناء النظام،‏ مع أنه<br />

كان يدعو إلى تغيير هذا النظام؟<br />

حتى وإن كان السوءال يهمل بعض‏ الصواب،‏ لكن لا<br />

ينبغي تجاهل حقيقة بارزة،‏ وهي أن عبد الهميد مهري<br />

كان داءما يهلق أو يغرد خارج الهكم وبعيدا عن السرب.‏<br />

قد يبدو أن مهري انتقل من كرسي السلطة إلى<br />

المعارضة،‏ لكن الهقيقة أنه كان داءما على هامش‏ السلطة،‏<br />

وذلك الموقع مكنه ليس‏ فقط من القراءة الجيدة للأحداش<br />

بل أيضا من ممارسة النقد الذاتي.‏<br />

وبالهقيقة فإن سي عبد الهميد لم يكن يريد أن يهسب<br />

على النظام ولا على المعارضة،‏ فالرجل وإن كان ناقدا<br />

للنظام فإنه لم يصطف أبدا مع المعارضة إلا تكتيكيا<br />

وظرفيا،‏ لأنه كان يراها أسوأ‏ من النظام ذاته،‏ ولذا نراه<br />

مقتصدا في توجيه النقد للسلطة ولا يكاد يبني موقفا إلا<br />

عند الضرورة وفي المنعطفات الخطيرة والهاسمة،‏ بل إنه<br />

كان يوءكد دوما على ضرورة إشراف ومرافقة السلطات<br />

على تنفيذ ما يتفق عليه من حلول.‏<br />

مهري صريه في سياسته،‏ وكذا في صداقته وخصومته،‏<br />

ولذلك فهو لا يبني مواقفه على علاقاته الشخصية،‏ بل<br />

يتجاوزها إلى ما هو أعمق،‏ يكفي أن أشير هنا إلى أن<br />

السيد عبد العزيز بوتفليقة لما تقرر ترشيهه لرءاسة<br />

الدولة سنة 1994 قام بزيارة إلى سي عبد الهميد مهري<br />

لطلب مشورته ودعمه،‏ فأجابه بكل صراحة:‏ ‏«إذا غيرت<br />

السياسة الساءدة ستجدني معك وإذا واصلتها سأكون<br />

ضدك»،‏ علما بأن بينهما علاقة صداقة وطيدة.‏<br />

أيضا لا بأس‏ من التذكير،‏ أنه كان داءما يوءكد بأن »<br />

مواقفنا لا تبنى على ما نعرف من الأشخاص‏ بل على ما<br />

يطبقون من سياسات».‏<br />

عبد الهميد مهري كان يبدو في معارضته للسلطة<br />

غير واقعي،‏ فهل كان الهلم هو الذي يهفز فيه تلك<br />

الإرادة في المواجهة؟<br />

عبد الهميد مهري شخصية عنيدة،‏ لكن خلافه مع<br />

السلطة القاءمة،‏ خلال سنوات الأزمة،‏ لم يكن شخصيا<br />

أو مصلهيا،‏ بل كان خلافا على مواقف مبدءية،‏ تتصل<br />

بروءيته للخروج من الأزمة التي كانت تتخبط فيها الجزاءر.‏<br />

أولا:‏ عبد الهميد مهري ليس‏ رجل انقلابات أو موءامرات،‏<br />

كما أنه لم يكن يدعو إلى المستهيل،‏ بل إن التاريخ قد<br />

أنصفه وأكد صهة توجهاته وصدقية مطالبه،‏ وهذا<br />

باعتراف خصومه.‏<br />

ثانيا:‏ أرى أنه لم يكن طوباويا في تناوله لطبيعة الأزمة<br />

وكيفية تجاوزها،‏ بل كانت مواقفه تتميز بالواقعية،‏ وكان<br />

بالتأكيد مسلها بالهلم،‏ ولكن مزودا بالإيمان العميق بأن ما<br />

يتبناه من أفكار وما يدافع عنه من مواقف،‏ إنما هو من أجل<br />

الجزاءر وحدها دون سواها.‏<br />

لقد عاش‏ حياته متمسكا بمعتقداته التي ناضل من أجلها<br />

وتعرض‏ للمتاعب حرصا عليها،‏ في وقت يصدق فيه<br />

الهديش الشريف ‏«القابض‏ على دينه كالقابض‏ على<br />

الجمر»،‏ لقد واظب بمشابرة عجيبة وإصرار عنيد على أداء<br />

رسالته حتى آخر لهظة في حياته،‏ لم يتراجع عن موقفه<br />

ولم يخسر نفسه ولم يفقد ضميره.‏<br />

إذن،‏ يمكن القول إن سي عبد الهميد كان يدافع عن<br />

المواطن كإنسان ومساعدته على اكتشاف أحلامه<br />

المشروعة وحقه في الهياة والكرامة والهرية.‏<br />

هل لكم أن تحدثونا عن أهم صفات المناضل مهري؟<br />

سي عبد الهميد شغوف بالذكاء،‏ حتى في تواضعه وفي<br />

كبرياءه،‏ هو ذاك الرجل الذي يشهذ ذكاءه بالمزيد من<br />

الفهم والمعرفة،‏ وهو المتألق ذكاء وفطنة،‏ والعاشق لسجال<br />

الفكر والسياسة،‏ وهو في كل ذلك قد يبدو معتدا برأيه<br />

إلى حد العناد.‏<br />

لقد اختط سي عبد الهميد لنفسه مسارا حفزه على أن<br />

يكون في موقع الريادة الفكرية والسياسية والإعلامية،‏<br />

وفي هذا السياق أشير إلى أن سي عبد الهميد سياسي<br />

بارز ومشقف ملتزم وكاتب مميز،‏ وقد يجهل البعض‏ أن<br />

عبد الهميد مهري رجل إعلام بامتياز،‏ إذا كتب تكسرت<br />

كل الأقلام،‏ وأدعو المهتمين والدارسين إلى البهش في<br />

عبد الهميد مهري الصهفي،‏ لقد كانت الكلمة سلاحه<br />

الأمضى،‏ وكان القلم في يده الأداة التي ترشه حبر<br />

الهقيقة،‏ مجسدة فكره وروءاه،‏ فهو لم يكن مجرد كاتب<br />

سياسي بل كانت كتاباته تنم عن امتلاكه ثقافة غنية<br />

تتغذى داءما بالانكباب على القراءة والاطلاع وبالتوق<br />

الذي تميز به إلى الاستزادة في المعرفة،‏ مما جعل كتاباته<br />

غنية بالمعطيات والأفكار،‏ ومنطلقة داءما من الالتزام<br />

بمعايير الهرص‏ على المصلهة الوطنية،‏ يجمع في تحليلاته<br />

السياسية بين الإعلامي والسياسي والشقافي،‏ بأسلوب<br />

متماسك ومبدع،‏ يتبلور فيه الوضوه والعمق والسهل<br />

الممتنع،‏ على قاعدة الترابط العميق بين المحلي-‏ الوطني،‏<br />

العربي والدولي.‏<br />

على أن كل هذه الشيم والملكات،‏ ما كانت لتجتمع في<br />

رجل واحد لو لم تتوفر فيه صفة حميدة أخرى نابعة أصلا<br />

من تواضع الشخص،‏ ألا وهي قدرة سي عبد الهميد<br />

مهري على الاستماع وحسن إصغاءه إلى كل الأطراف،‏<br />

بما في ذلك الذين يختلف معهم في الرأي،‏ وأكاد أقول مع<br />

هوءلاء بوجه خاص.‏<br />

لقد عرف عنه أنه لا يكل ولا يمل من الاستماع والصبر<br />

على المتهدش ، متى كان حديشه في المشكلة وغير خارج<br />

الموضوع،‏ وكما هو معلوم فإن كشيرا من المسوءولين ومن<br />

الذين يعرفون الرجل،‏ كانوا ينتظرون كلمة سي عبد<br />

الهميد وتدخله في النقاش،‏ ليأخذوا حوصلة نهاءية وفكرة<br />

واضهة كاملة عن النقاش.‏<br />

هل رأيت يوما عبد الهميد مهري حزينا أو مهتزا أو<br />

قلقا؟<br />

يتميز سي عبد الهميد بقوة الشخصية،‏ وكان القلق<br />

ملازما له،‏ لكن دون اهتزاز أو انفعال أو تهور،‏ وقد يبدو<br />

في الكشير من الأحيان أنه بارد العواطف وبخيل المشاعر،‏<br />

لكنه كان يتألم للأرواه التي كان يهصدها العنف<br />

الأعمى،‏ والموءكد أنه كان يختزن أحزانه ولا يبوه بها إلا<br />

إلى نفسه.‏ وقد تجلى ذلك بعد عودته من روما وما<br />

صاحبها من اتهامات،‏ وخلال تنهيته من الأمانة العامة<br />

للهزب،‏ أيضا خلال وفاة زوجته الكريمة،‏ لكن ما ينبغي<br />

تسجيله في هذا السياق هو أن حزنه كان كبيرا يوم أن<br />

خسر حزب جبهة التهرير الوطني تشريعيات 1991,<br />

وكان يقول ما أقسى على الإنسان أن يموت من يهبه على<br />

يديه.‏<br />

كيف كان موقف عبد الهميد مهري من المسألة اللغوية<br />

في الجزاءر؟<br />

كان يتهدش داءما عما يسميه » سياسة للغات»‏ تحسم<br />

نهاءيا هذه المسألة،‏ التي يراها سي عبد الهميد مهري نتاج<br />

أزمة لدى نخبة معينة منغلقة على نفسها،‏ ولم تجد<br />

الوسيلة التي تمكنها من التهاور والتواصل مع اجملتمع،‏ إذ<br />

عوض‏ أن تعبر تلك النخبة عن الأحاسيس‏ العميقة<br />

للمجتمع،‏ فإنها تقوم بتسييج كامل وقتها في ترجمة<br />

هواجسها وكوابيسها وقراءاتها الخاصة بها للواقع الشقافي<br />

للأمة،‏ وفضلا عن ذلك فهذه النخبة توءكد أنها هي من<br />

يعبر عن أزمة الهوية الشقافية للمجتمع،‏ وإذا دققنا النظر<br />

في طبيعة هذه الأزمة سرعان ما نرى أنها لا تتعدى دواءر<br />

معينة تلجأ‏ إلى هذه الهيلة لإخفاء مخاوفها وانعدام قدرتها<br />

على اختراق اجملتمع،‏ هذا الواقع يسري في نظر مهري<br />

على النخبة المشقفة باللغة الفرنسية ، مشلما يسري على<br />

النخبة ذات الشقافة العربية.‏<br />

فالنخبة الأولى تسعى إلى إدماج نفسها في التقدم<br />

والانفتاه العالمي،‏ ولكنها تغفل القيام باختراق الواقع<br />

الشقافي لأمتها،‏ لأنها عاجزة عن ذلك،‏ وفي ذات الوقت هي<br />

كذلك عاجزة عن إيجاد وساءل التعبير التي تمكنها من<br />

التواصل مع الأمة.‏<br />

أما النخبة الشانية ذات الشقافة العربية فهي بطبعها<br />

ملتصقة بالتقاليد،‏ كما يرى سي عبد الهميد،‏ وهي ربما<br />

الأكثر قربا من اجملتمع،‏ لكنها لا تزال مقطوعة الصلة مع<br />

كل التيارات العالمية على الصعيد الشقافي،‏ وكلاهما<br />

تخبطان خبطة عشواء،‏ وأحسن وسيلة تتدارك بها هذه<br />

الوضعية هي أن يتم استخلاص‏ نخبة جديدة من امتزاج<br />

وانصهار هاتين النخبتين لكي يمكن تلمس‏ اجملتمع في<br />

كنهه وأعماقه،‏ وحينذاك فقط يمكن تجاوز المسألة اللغوية<br />

في الجزاءر.‏<br />

ويختصر عبد الهميد مهري كل ذلك في قوله:«‏ من<br />

الممكن التفته على الشقافات الأخرى،‏ لكن من غير<br />

الممكن الهجرة إليها».‏<br />

هل لنا أن نعرف روءية المناضل الراحل بكشير من<br />

التفصيل على موضوع المغرب العربي؟<br />

في كل لقاءاتنا مع سي عبد الهميد مهري كان يتهسر<br />

داءما على عدم تحقيق هدف سام من أهداف ثورة التهرير،‏<br />

ألا وهو بناء المغرب العربي،‏ حيش كان يردد بأن بناء<br />

الصره المغاربي هو حلم الأجيال،‏ ليس‏ فقط أجيالنا،‏ بل<br />

حتى الأجيال المقبلة،‏ وكما هو معلوم،‏ فإن عبد الهميد<br />

مهري هو الذي مشل جبهة التهرير الوطني في موءتمر<br />

طنجة،‏ الذي كان أول محاولة لبلورة بعض‏ الأفكار حول<br />

وحدة المغرب العربي.‏<br />

ويرى مهري أن بناء المغرب العربي يمر حتما بمعالجة<br />

الإحساس‏ بالنقص‏ في الديمقراطية،‏ في كل الأقطار<br />

المغاربية،‏ فبناء الصره المغاربي يتطلب الاستجابة لهاجة<br />

ملهة عند الشعوب هي قدر أكبر من الديمقراطية،‏<br />

والعاءق-‏ كما يقول-‏ هو أن هناك الكشير من الأطروحات<br />

تقدم الديمقراطية كنقيض‏ للاستقرار،‏ في حين أنه يمكن<br />

التوفيق بين سد حاجة الشعوب من الديمقراطية<br />

والمشاركة الفعلية في تسيير شوءونها والاستقرار<br />

المطلوب في المنطقة.‏<br />

ماذا لو عاد الزمن بالراحل،‏ هل تراه كان يمارس‏ الندم؟<br />

في تقديري،‏ أنه لو عاد الزمن بالمرحوم،‏ لاختار الطريق<br />

نفسه،‏ كيف لا وثمة إجماع على أنه كان نموذجا متميزا،‏ لا<br />

يفصل بين السياسة والأخلاق،‏ ولا يفصل بين القيم<br />

العليا والممارسة العملية في كل ميادين النضال،‏ لقد أعاد<br />

سي عبد الهميد إلى الممارسة السياسية صدقيتها<br />

وسموّ‏ ها الأخلاقي،‏ لكي يصبه المناضل ورجل السياسة<br />

قدوة لكل من حوله ومشلا في التضهية بكل شيء من<br />

أجل الوطن.‏<br />

فعلى ماذا يندم سي عبد الهميد مهري،‏ هل دعوته في<br />

بدايات الأزمة إلى تحقيق المصالهة الوطنية تتطلب الندم،‏<br />

هل يمارس‏ الندم لأنه كان يفكر وكان يستشرف المستقبل<br />

بروءية واعية،‏ هل كان عليه أن يندم لأنه لم يكبر يوما<br />

على الشعب ولم يستسلم لإغراءات السلطة والجاه.‏<br />

لقد كانت جنازة المرحوم شهادة حية على أن الذين<br />

مارسوا الندم هم الذين حاربوه،‏ وكذلك جاوءوا لتوديعه<br />

لعلهم يتخلصون من عقدة الذنب التي تلازمهم.‏<br />

رحل عبد الهميد مهري،‏ فما هي رسالته الأخيرة؟<br />

الأستاذ عبد الهميد مهري ليس‏ تاريخا مضى،‏ إنه الهاضر<br />

والمستقبل،‏ إنه رمز كبير للشجاعة والهرية والأمل،‏ وإنه<br />

المشال الهي في خدمة الهياة والمصالهة والسلام.‏<br />

يغيب أستاذنا سي عبد الهميد مهري،‏ الذي أعتبره الأب<br />

الروحي لي وللكشيرين غيري،‏ ليترك فراغا موحشا،‏ ولولا<br />

قدرته على التهمل والصبر والتفاوءل لما عاش‏ هذا العمر<br />

المديد.‏<br />

إذا كان هناك من فرق بين الموت والوفاة،‏ فإن سي عبد<br />

الهميد لم يمت،‏ لأنه بالفعل قد أدى واجبه نهو وطنه وإن<br />

أفكاره مغروسة في الأذهان والعقول وستبقى تذكره<br />

الأجيال بالخير ودماثة الخلق والصدق والوطنية الصرفة.‏<br />

وأتذكر أنه كان يقول لي :« ازرع النبتة الطيبة فإنها<br />

ستشمر يوما»،‏ وفي تقديري فإن ما زرعه مهري من أفكار<br />

أخذ يوءتي ثماره،‏ فالمصالهة الوطنية ثمرة والإصلاحات<br />

السياسية خطوة مفصلية على طريق بناء جزاءر جديدة.‏<br />

ماذا كنت تتمنى أن تقول إلى عبد الهميد مهري؟<br />

كنت أتمنى أن أراه قبل أن يستريه قلبه،‏ وأضع في صمت<br />

الهزن قبلة حب وتقدير ووفاء على رأس‏ راحل كبير،‏<br />

يسمى عبد الهميد مهري؟؟ فوداعا سيدي،‏ ييا من ذهبت<br />

وثوبك ناصع البياض‏ ويدك نظيفة من أوساخ الدنيا<br />

وأدران السياسة.‏<br />

لقد أخذ سي عبد الهميد معه إلى دار الخلود أسطورة<br />

للكبار وقصة حياة جديرة بالاقتداء،‏ لكن الأكيد أن<br />

الأسطورة لا يمكن أن تتكرر..‏ فسلاما عليك يا من آثرت<br />

الرحيل دون وداع،‏ لأنك حي بيننا،‏ عشت ولك شروط<br />

على الهياة وهي التي استهقت حبك بجدارة.‏


● كانت آخر مرة تحدثت فيها إلى الراحل<br />

الكبير سي عبد الهميد مهري رحمه الله<br />

منذ حوالي شهر على ما أذكر،‏ وكانت<br />

كلماته غير كلماته التي اعتدت أن أسمع.‏<br />

فقد كانت نبرة كلامه هذه المرة غير تلك<br />

النبرة التي اعتدت أن أسمع من سي عبد<br />

الهميد قبل ذلك.‏<br />

كنت أعتقد قبل مهاتفته أن سي عبد<br />

الهميد مازال بعد في باريس‏ للعلاج،‏ لكنه<br />

راه يقول لي بصوت متهدج خاثر على<br />

غير عادته أنه عاد ذلك اليوم فقط من<br />

العلاج.‏ لم أسترسل معه في الكلام كما<br />

كنت أفعل من قبل حيش كان حديشنا يمتد<br />

عبر الهاتف لدقاءق بعد أن شعرت بأن قلب<br />

هذا الصديق الكبير متعب.‏<br />

كان منذ عرفته نبيلا وطيبا وشهما وودودا،‏<br />

يبدو لمن لا يعرفه بأن الرجل سهل المراس،‏<br />

ولكن من عاصروه يعرفون بأن سي عبد<br />

الهميد صارم لا يساوم في المبادئ ولا يتاجر.‏<br />

فمازلت أذكر إلى اليوم جدله الهاد مع الرءيس‏<br />

بومدين رحمه الله في الندوة الوطنية<br />

للتعريب عام 1975 حول التعريب في الجزاءر<br />

التي جرت فعالياتها ذلك العام في قصر الأمم،‏<br />

فقد كان الرجل على اختلاف واضه<br />

بخصوص‏ هذه النقطة بالذات مع المرحوم<br />

بومدين.‏<br />

عرفته منذ أقل من أربعين عاما عندما كان<br />

أمينا عاما لوزارة التربية الوطنية،‏ وعرفته بعد<br />

ذلك عن قرب بعد أن أصبه وزيرا للإعلام<br />

في نهاية سبعينيات القرن الماضي.‏ فقد كان<br />

يجتمع بين الهين والآخر مع مسوءولي الإعلام<br />

للقطاع العمومي في تلك الفترة،‏ وكنت وقتها<br />

سكرتيرا عاما للتهرير قبل أن أرتقي في آخر<br />

أيام سي عبد الهميد على رأس‏ وزارة الإعلام<br />

والشقافة رءيسا للتهرير بالقناة الأولى للإذاعة.‏<br />

في مطلع الشمانينيات تولى سي عبد<br />

الهميد رءاسة لجنة الإعلام والشقافة بهزب<br />

جبهة التهرير الوطني،‏ وكان يساعده على<br />

رأس‏ قسم الإعلام والشقافة الصديق<br />

الراحل بشير خلدون.‏ وللتاريخ فلابد أن<br />

أذكر هنا موقفا نبيلا لسي عبد الهميد وما<br />

أكثر المواقف النبيلة التي عرف بها الرجل.‏<br />

فعندما ألغى الرءيس‏ الشاذلي بن جديد في<br />

مطلع الشمانينات الإجراءات التي كانت ما<br />

تزال تطال الرءيس‏ الأسبق أحمد بن بلة<br />

شفاه الله وأطال عمره منذ ال<br />

راه الرءيس‏ بن بلة يدلي بسلسلة<br />

من التصريهات لبعض‏ القنوات<br />

التلفزيونية وبعض‏ وساءل الإعلام<br />

الأجنبية والتي أقلقت المسوءولين في تلك<br />

الفترة،‏ واعتبرت بأنها إساءة لتلك اللفتة<br />

التي قام بها الرءيس‏ الشاذلي تجاه الرءيس‏<br />

بن بلة.‏ وتقرر الرد عبر وساءل الإعلام<br />

العمومية بما فيها الهزبية على الرءيس‏ بن<br />

بلة بتعاليق على تلك التصريهات،‏ ولم<br />

يكن الإعلام المستقل وقتها قد ظهر بعد.‏<br />

وهكذا تم عقد جلسة بالإذاعة الوطنية<br />

حضرها المرحومان مهري وخلدون<br />

والأستاذ عبد القادر نور مدير القناة<br />

الأولى للإذاعة وقتها والصهفي خليفة بن<br />

قارة وكاتب هذا المقال لدراسة الموقف من<br />

19 جوان<br />

,1965<br />

تصريهات الرءيس‏ بن بلة.‏ وتقرر في<br />

النهاية كتابة سلسلة من التعليقات<br />

الإذاعية للرد على الرءيس‏ بن بلة.‏ وبما<br />

أنني كنت رءيس‏ تحرير القناة الأولى<br />

للإذاعة فقد كلفني الأخويان مهري<br />

وخلدون أن أبدأ‏ شخصيا بكتابة تلك<br />

التعليقات.‏ وبعد أسبوع على ما أذكر<br />

اجتمعنا من جديد وقرأت ثلاثة تعليقات<br />

كتبتها للرد على تلك التصريهات.‏<br />

وأعجب المرحومان مهري وخلدون بتلك<br />

التعليقات وتقرر أن نشرع في بشها على<br />

أمواج الإذاعة.‏<br />

وفجأة وجدت المرحوم مهري يتوقف عن<br />

الكلام ثم يخاطبنا جميعا بقوله:‏<br />

‏«اسمعوا..‏ علينا ألا نخطئ في حق الرجل<br />

مرة أخرى،‏ بن بلة كان وسيبقى رمزا<br />

كبيرا من رموز الجزاءر،‏ حتى وإن أخطأ‏ بمشل<br />

هذه التصريهات،‏ فعلينا نهن ألا نخطئ في<br />

حقه»،‏ وطلب منا التريش وعدم بش تلك<br />

التعليقات إلى حين.‏<br />

وفعلا فلم تمض‏ سوى أيام حتى أشعرنا سي<br />

عبد الهميد بأنه تقرر عدم بش أي تعليق للرد<br />

على تصريهات الرءيس‏ بن بلة.‏<br />

ويبدو أن سي عبد الهميد كان وراء إقناع<br />

المسوءولين ومن بينهم الرءيس‏ الشاذلي بن<br />

جديد بتوقيف بش تلك التعاليق وعدم<br />

الانسياق وراء تصريهات الرءيس‏ بن بلة.‏<br />

وقتها ازددت إدراكا بقيمة الرجل وعمق<br />

تفكيره ونظرته الوطنية الصاءبة وإنصافه<br />

لعظماء وزعماء الجزاءر ومن بينهم الرءيس‏<br />

أحمد بن بلة.‏<br />

ولعل من بين المزايا العديدة التي ينفرد بها<br />

سي عبد الهميد عن مختلف المسوءولين<br />

الذين عرفتهم خلال تجربتي المتواضعة<br />

إعلاميا وسياسيا وبرلمانيا على امتداد أكثر<br />

من أربعين عاما أن سي عبد الهميد ظل<br />

يجمع عددا من الخصال لا تتوفر في غيره<br />

من هوءلاء المسوءولين إطلاقا.‏<br />

فمن بين ما يتميز به سي عبد الهميد<br />

تواضعه الكبير وحلمه الكبير،‏ فعندما<br />

تهاتفه في أي وقت وفي أية مناسبة فإن<br />

الرجل يرد عليك شخصيا ولو بعد فترة إن<br />

كان في ندوة أو لقاء فكري أو سياسي أو<br />

خارج الوطن.‏ وحتى إن دعوته لهضور<br />

وليمة عاءلية أو لمحاضرة فإن الرجل يلبي<br />

الدعوة دون تردد أو تلك ءو.‏<br />

ظن بعضهم أن إزاحته عن قيادة حزب<br />

جبهة التهرير هو النهاية السياسية للرجل،‏<br />

لكن سي عبد الهميد ظل على الدوام<br />

يصنع الهدش السياسي حتى جملرد<br />

حضوره أي لقاء وحتى دون أن يتكلم،‏ أما<br />

إذا تكلم فإنه يغطي عن الجميع لأن كل<br />

عبارة من عباراته تعبر عن أفكار ورساءل<br />

قوية للخصوم ولغير الخصوم.‏<br />

عندما يتدخل في أي نقاش‏ تشعر بهدوء<br />

الرجل وعمق ثقافته وبعد نظره وتحليلاته<br />

الصاءبة دون أن يتجنى على شخص‏ أو<br />

موءسسة أو حزب.‏ لا يجامل ولا يتفلسف<br />

عندما يتعلق الأمر بقضايا الوطن و بمبادءه<br />

التي لم يتزحزه عنها قيد أنملة.‏<br />

تخرج كلمات سي عبد الهميد هادءة<br />

ولكنها تنفذ في رأس‏ الخصم كالرصاصة<br />

القاتلة،‏ فهو في السياسة فارس‏ جزاءري<br />

وعربي متميز،إذ يذبه خصمه دون أن<br />

يستعمل الموس.‏ كلماته دواء وشفاء لمن<br />

يهبون الرجل ويهترمون رأيه.‏<br />

كان سي عبد الهميد وطنيا جزاءريا حتى<br />

النخاع وكان عروبيا قوميا إلى أقصى<br />

الهدود،‏ وكان إنسانيا عالي الهمة ومشقفا من<br />

طراز رفيع.‏<br />

في أعقاب انتخابات 26 ديسمبر التشريعية<br />

الملغاة جرى الهديش خاصة في<br />

الأوساط الصهفية عن تحالف محتمل في<br />

الدور الشاني بين حزب جبهة التهرير<br />

الوطني وحزب المرحوم محفوظ نهناه.‏<br />

كنت من بين الذين ترشهوا في تلك<br />

الانتخابات واجتازوا الدور الأول<br />

لعام 9911<br />

بالترجيه.‏ ونظرا للزمالة التي جمعتني في<br />

نهاية الستينيات بالمرحوم نهناه،‏ فقد<br />

التقيت به في مقر حزبه،‏ وكانت تلك هي<br />

المرة الأولى والأخيرة التي أدخل فيها مقر<br />

ذلك الهزب.‏ ولمدة تقرب من الساعة<br />

استعدت مع المرحوم نهناه ذكريات أعوام<br />

قضيناها معا بالإذاعة.‏ ثم تحدثت معه عن<br />

احتمال التهالف بين حزبينا في بعض‏<br />

الولايات ومن بينها ولاية الأغواط التي<br />

كنت مرشها فيها مشلما تناقلته الصهافة.‏<br />

وقبل أن أفترق مع المرحوم نهناه أشعرته<br />

بأنني سأطلع سي عبد الهميد بالموضوع.‏<br />

لم يبد المرحوم نهناه رأيا صريها بالرغم<br />

من أنه طمأنني بأنه سيطره الفكرة مجددا<br />

مع سي عبد الهميد.‏ وعندما خرجت من<br />

مكتب الشيخ نهناه اتصلت بالمرحوم<br />

مهري وأخبرته بما دار بيني وبين المرحوم<br />

نهناه.‏<br />

ابتسم المرحوم مهري ابتسامة عريضة<br />

تدل على عدة معان وأرسل لي رسالة<br />

مشفرة فهمت منها شيئين اثنين:‏ أن الدور<br />

الشاني لن يقع وهذا عندما أشار لي بأن<br />

المكتب السياسي لهزب جبهة التهرير<br />

الوطني سيبت في الأمر إن جرى الدور<br />

الشاني،‏ وأما الرسالة الشانية فقد فهمت<br />

منها بوضوه أن فريقا كبيرا من جماعة<br />

نهناه يضغطون عليه للتهالف مع الفيس‏<br />

وليس‏ مع جبهة التهرير الوطني كما كان<br />

يسوق ذلك للإعلام من أجل الاستهلاك<br />

الهزبي.‏<br />

والواقع أن تلك الملاحظة من طرف المرحوم<br />

سي عبد الهميد عادت لذاكرتي هذه الأيام من<br />

جديد خصوصا بعد انسهاب حمس‏ من<br />

التهالف الرءاسي وحديش البعض‏ عن تحالف<br />

محتمل للتيار الإسلامي في التشريعيات<br />

القادمة.‏<br />

في آخر لقاء ببيته رحمه الله قبل ثلاثة أعوام<br />

تحدثنا عن موضوع كتابة التاريخ والمذكرات،‏<br />

ولم أجد ممانعة من الرجل،‏ ولكنه كان متهيبا<br />

من ردود الفعل التي كشيرا ما يطرحها هذا<br />

النوع من الكتابات مادام شهود الذاكرة<br />

وصناع الهدش والتاريخ على قيد الهياة.‏<br />

لم يكن سي عبد الهميد متزمتا ولا<br />

منغلقا،‏ كان ذا فكر استشرافي بعيد المدى،‏<br />

كان يعيش‏ عصره وما بعد عصره.‏<br />

عندما طلبت منه قبل ثلاثة أعوام خلت<br />

كتابة تقديم لكتابي ‏«الرجل الذي رفض‏<br />

الوزارة»‏ لم يتردد لهظة واحدة.‏ سلمته<br />

مشروع نص‏ الكتاب،‏ وعندما انتهى من<br />

قراءته وكتب تقديمه اتصل بي رحمه الله<br />

عبر الهاتف لاستلام النص.‏ جلسنا لفترة<br />

طويلة استعدنا فيها كشيرا من القضايا<br />

الوطنية والدولية ثم سلمني التقديم على<br />

شريط وحدة تخزين .flash bisque<br />

ولما حاولت فتهه في جهاز الكمبيوتر لم<br />

أتمكن من ذلك،‏ فاتصلت بسي عبد الهميد<br />

ليهدد لي موعدا جديدا لتسلم النص،‏<br />

فوافق على أن يكون اللقاء في اليوم<br />

الموالي.‏<br />

وبعد أقل من عشرة دقاءق فوجئت<br />

بالمرحوم يتصل بي من جديد ويطلب مني<br />

موافاته بموقعي على الإيمايل حتى يرسل<br />

النص‏ عبره.‏<br />

وهذا ما كان بالفعل،‏ فقد كان الرجل<br />

يتعامل مع التكنولوجيات بفكر رجل<br />

العصر،‏ إذ كان جهازه المحمول الصغير<br />

يرافقه في كل رحلة له داخل الوطن<br />

وخارجه.‏<br />

ما أصعب أن نفقد رجلا مميزا من طراز<br />

سي عبد الهميد،‏ وما أصعب أن نشعر<br />

بفراغ رهيب على ذاكرة حية افتقدتها<br />

الجزاءر وهي تتأهب لإحياء خمسين عاما<br />

على استعادة الاستقلال الوطني الذي<br />

كان سي عبد الهميد أحد أبرز صناعه.‏<br />

نعم غاب سي عبد الهميد الذي كان<br />

يصنع الهدش جملرد حضوره في أي لقاء،‏<br />

فإذا به يصنع هذا الهدش حتى بوفاته.‏<br />

عبادو يوءبن المرحوم عبد الهميد مهري<br />

‏''مناضل تجسدت فيه قيم التواضع<br />

والشبات على المبادئ والتعلق بالهرية''‏<br />

بسم الله الرحمن الرحيم<br />

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين<br />

الله أكبر..الله أكبر..‏ الله أكبر<br />

‏(تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير،‏ الذي خلق<br />

الموت والهياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور)‏<br />

ها نهن في لهظة فارقة نودع فيها أخا مناضلا ومجاهدا كان بهق عَلَمًا<br />

في مسيرة وطنية مليئة بالتضهيات الجسيمة وبالمكاسب التاريخية<br />

المشهودة،‏ ذلكم هو اجملاهد ‏''سي عبد الهميد مهري '' الذي نودعه اليوم<br />

وفي نفس‏ كل واحد منا حسرة على هذا الفراق الموءلم.‏<br />

لقد واكب الفقيد كل المراحل التي قطعتها البلاد منذ أربعينيات القرن<br />

الماضي فأثر وتأثر بأحداثها إذ كانت رحاب الهركة الوطنية هي بداية<br />

تألق هذه الشخصية الوطنية المستنيرة،‏ ويشهد كل الرفاق الذين<br />

قاسموه المسيرة تميزه بنفاذ البصيرة وقدرته على تحليل الأحداش<br />

وتوقع صيرورتها،‏ وبقدر ما كان للفقيد حضوره وتفاعله مع السياقات<br />

التي آلت إليها الهركة الوطنية،‏ بقدر ما كان حرصه على الالتهاق<br />

مبكرا بشورة التهرير وكانت المهمة في هذا الإطار هي تحسيس‏ جماهير<br />

المشرق العربي بأهداف الشورة وكسب تأييدها السياسي والمادي ووقوفها<br />

إلى جانب أشقاءهم في الجزاءر في معركتهم المصيرية من أجل استرجاع<br />

سيادتهم الوطنية وحقهم في تقرير مصيرهم.‏<br />

وقد كان لذلك النشاط النضالي الذي باشره سي عبد الهميد وغيره<br />

من المناضلين أثره الهاسم في دفع البلدان العربية والإسلامية شعوبا<br />

وحكاما للوقوف إلى جانب الشورة الجزاءرية.‏<br />

ومع تطور مسار الأحداش على المستوى الوطني من خلال اشتداد<br />

المواجهة بين كتاءب جيش‏ التهرير الوطني وقوات الاحتلال الفرنسي<br />

وتصاعد الممارسات الوحشية في حق الشعب الجزاءري الذي صمم على<br />

احتضان ثورته وتقبل التضهيات رغم جسامها،‏ يومها أدركت الكشير<br />

من دول المعمورة عدالة ما تنشده الشورة ومشروعية مطالب الشعب<br />

الجزاءري،‏ فتوالت الاعترافات بهذه الشورة معبرة عن إرادة الشعب<br />

الجزاءري وواكب ذلك إنشاء الهكومة الموءقتة سنة 1958 حيش كلف<br />

الفقيد بوزارة شوءون شمال إفريقيا فيما بين 58 ثم وزيرا للشوءون<br />

59 /<br />

61 /<br />

الرجل الذي كان يصنع<br />

محمد بوعزارة<br />

الهدش<br />

الاجتماعية والشقافية في الهكومة الشانية 59<br />

وإثر استرجاع السيادة الوطنية تقلد الفقيد العديد من المناصب<br />

السامية كوزير للشقافة والإعلام وسفير في العديد من البلدان ثم أمينا<br />

عاما لهزب جبهة التهرير الوطني.‏<br />

وعلى الرغم من انسهابه من مواقع المسوءولية ظل الفقيد حاضرا في كل<br />

النشاطات الفكرية والشقافية التي عرفتها الساحتان الوطنية<br />

والعربية وكانت له إسهاماته المعبرة عن سعة الفكر وعمق الإدراك<br />

لأبعاد الأحداش وصواب التهليل ودقة الاستخلاص.‏<br />

تزول الرجال وتبقى خلالهم راسخة في أذهان الأجيال وأنها لميزة حبا<br />

بها الله الأستاذ عبد الهميد مهري.‏<br />

هذا الرمز الوطني الكبير الذي فقدته الجزاءر اليوم بعدما عرفته<br />

قبل الشورة وأثناءها وبعدها مناضلا استهكمت في نفسه الأبية قيم<br />

التواضع والشبات على المبادئ والتعلق بالهرية والعدالة وتبني الهوار<br />

كوسيلة لمعالجة القضايا المصيرية وقد كان هذا عنوانه يوم أن واجهت<br />

البلاد أحلك الظروف خلال العشرية الأخيرة من القرن الماضي<br />

وأثبتت الوقاءع صواب اختياره.‏<br />

ثم أن الخسارة تتعاظم حينما نذكر بأن الفقيد كان أرشيفا حيا من<br />

المعطيات والهقاءق التاريخية والسياسية المرتبطة بالمسيرة الوطنية<br />

على مدى أزيد من 60 سنة.‏<br />

فما أفده هذه الخسارة وقد كانت آمال الأجيال الهاضرة منها<br />

والصاعدة أن تعرف قراءة الأستاذ عبد الهميد مهري لكل تلك<br />

الأحداش وتفسيره لأسبابها واستخلاصه لنتاءجها،‏ لكن مشيئة الله<br />

تعالى تأبى غير ذلك فتجمعنا هذه الوقفة الموءلمة في فراق أبدي لا<br />

نملك إزاءه إلا تلاوة قوله تعالى:''‏ يا أيتها النفس‏ المطمئنة ارجعي إلى<br />

ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي''.‏<br />

الله أكبر...‏ إنا لله وإنا إليه راجعون<br />

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته<br />

مارس‏ 2012<br />

عدد خاص‏ 12


عدد خاص‏ 13<br />

مارس‏ 2012<br />

●<br />

عبد الهميد مهري مخاطبا الفلسطنيين في موءتمر القد س‏<br />

‏''لكم في الشورة الجزاءرية دروس‏ وعبر''‏<br />

أصهاب المعالي والسعادة،‏<br />

سيداتي سادتي،‏<br />

أود أن أتوجه،‏ أولا،‏ بالشكر والامتنان لتركيا<br />

الشقيقة رءيسا وحكومة وشعبا على<br />

احتضان هذا اللقاء الذي جمع العديد من<br />

ذوي الإرادات الهسنة العاملة على استتباب<br />

الأمن والسلام وإرساء دعاءم التعايش‏ بين<br />

الأفراد والجماعات والشعوب في هذه<br />

المنطقة الهساسة من العالم.‏<br />

إن مسعانا هذا ينطلق،‏ اليوم،‏ من مدينة<br />

القدس‏ التي جمعت،‏ في ماضيها،‏ الكشير من<br />

عوامل السلم وأسباب التعايش‏ والاستقرار<br />

ما يصله أن يكون موءشرا صادقا على<br />

الطريق الموءدي للمقاصد النبيلة التي تجمعنا<br />

اليوم،‏ والتي قد تجمعنا غدا لمواصلة المسيرة<br />

في طريق صعب وطويل بطبيعته وقد يزداد<br />

طولا وصعوبة بسبب الخيبات والهلول<br />

الفاشلة.‏<br />

لكن القدس‏ أصبهت،اليوم،‏ مشقلة بجملة<br />

من المشاكل والعقد لا تهي للسلم ولا تمهد<br />

للتعايش‏ والاستقرار.وأول هذه المشاكل إن<br />

قضية القدس‏ لا يمكن فصلها عن القضية<br />

الفلسطينية،‏ والقضية الفلسطينية تجتاز<br />

اليوم منعرجا خطيرا لا يقربها من الهل.‏<br />

فانعدام الإرادة الصادقة لدى الدول الكبرى<br />

في حل حقيقي لهذه القضية،‏ والانعكاسات<br />

السلبية على وحدة الصف الفلسطيني<br />

للمأزق الكبير الذي يواجههم،‏ وتأثيرات<br />

المشاكل والتطورات التي تزخر بها المنطقة<br />

كلها يهتم علينا أن لا ننساق في تفاوءل لا<br />

يستند إلى أسس‏ من الواقع والهقيقة.‏<br />

لقد اعتاد الجزاءريون من جيل الشورة،‏<br />

لتفاعلهم القوي مع كفاه الشعب<br />

الفلسطيني،‏ أن لا يقدروا الفروق<br />

والخصوصيات الظرفية التي تحدد لكل من<br />

المسارين الجزاءري والفلسطيني<br />

إستراتيجيته وطراءق عمله،‏<br />

ورسخ هذه النظرة لديهم أن كلتا الشورتين<br />

ارتكبتا تقريبا نفس‏ الأخطاء في معالجة<br />

قضاياها الداخلية.‏ ومن ثَم فإنهم يهجمون<br />

داءما عن إلقاء ما يشبه دروس‏ الوعظ على<br />

إخوانهم الفلسطينيين،‏ ويكتفون بدعوتهم<br />

الأخوية للهفاظ على وحدة الصف<br />

الفلسطيني.‏<br />

لكنني،‏ أود أن أعرض‏ باختصار بعض‏<br />

تجارب الشورة الجزاءرية التي أصبهت في<br />

حكم التاريخ لعلها تكون مصدر درس‏<br />

وتفهم واستفادة.‏<br />

التجربة الأولى:‏ اعتمدت الشورة الجزاءرية<br />

منذ انطلاقتها إستراتيجية متكاملة<br />

للمقاومة تستخدم كل الوساءل لتهقيق<br />

أهدافها:‏ الكفاه المسله،‏ العمل السياسي<br />

الجماهيري،‏ العمل الإعلامي،‏ العمل<br />

الدبلوماسي ولاسيما لدى المنظمات<br />

الدولية،‏ العمل المشترك مع شراءه الشعب<br />

الفرنسي المناهضة للاستعمار،‏ الاتصالات<br />

والتفاوض‏ مع العدو.‏ فالمفاوضات،‏ في هذه<br />

النظرة،‏ وسيلة من وساءل الكفاه،‏ لكنها لا<br />

تغني عن بقية الوساءل.‏ المقاومة المسلهة<br />

في حاجة إلى خطة مدروسة للتفاوض،‏<br />

والمفاوضات في حاجة إلى استمرار المقاومة<br />

بجميع صورها.‏<br />

التجربة الشانية:‏ دفعت أعمال البطش‏<br />

والتنكيل التي قامت بها سلطات الاستعمار<br />

الفرنسي ضد المدنيين الجزاءريين تشكيلات<br />

المقاومة لرد فعل مماثل ضد المدنيين<br />

الفرنسيين في السنوات الأولى.‏ لكن القيادة<br />

أدركت أن العدو يجرنا بهذه الطريقة إلى<br />

الظهور بالمظهر الذي ييسر له تطويقنا<br />

وتشويهنا لدى الرأي العام الفرنسي<br />

والدولي.‏ ولهذا بدأنا بترشيد تدريجي<br />

لأعمال المقاومة وحصرها في الأهداف<br />

العسكرية والإستراتيجية.‏ والتزمنا،‏ من<br />

طرف واحد،‏ بمراعاة القوانين والأعراف<br />

المتصلة بالهرب،‏ بل ذهبنا إلى التصديق<br />

الرسمي على معاهدات جنيف الخاصة بهذا<br />

الموضوع،‏ بعد خوض‏ معركة دبلوماسية<br />

معقدة كانت تريد أن تمنعنا من ذلك.‏<br />

التجربة الشالشة:‏ عرضت علينا الهكومة<br />

الفرنسية منذ السنة الشانية للشورة عدة<br />

مشاريع لما تسميه الهل السلمي للقضية<br />

الجزاءرية.‏ وكانت هذه المشاريع كلها ملغمة<br />

نرفضها دون تردد.‏ ثم انتبهنا إلى أن رفضنا<br />

هذا يستخدم كتبرير لمواصلة الهرب<br />

والاحتلال لدى الرأي العام الفرنسي<br />

والدولي.‏ فقررنا الرد،‏ في كل مرة،‏ على هذه<br />

المشاريع بمشاريع مضادة تترك الكرة لدى<br />

الطرف الآخر.‏ و من هذه العروض‏ المشهورة<br />

ما سُمي بشلاثية السيد قي مولي،‏ الذي كان<br />

رءيسا للهكومة الفرنسية إذ ذاك،‏ وهي تقوم<br />

على ثلاثة عناصر:‏ إيقاف القتال،‏ انتخاب<br />

الجزاءريين لمن يمشلهم،‏ التفاوض‏ مع الممشلين<br />

الجزاءريين المنتخبين.‏ و كان ردنا كالتالي:‏<br />

نقبل العناصر الشلاثة المقترحة لكن بترتيب<br />

مغاير:‏ البدء بالمفاوضات،‏ فإذا وصلنا إلى<br />

اتفاق سياسي أوقفنا القتال ثم ننظم في<br />

النهاية الانتخابات على أساس‏ الاتفاق<br />

السياسي.‏ وقد استمر الجدل حول هذه<br />

الشلاثية حوالي سنتين إلى أن جاء الجنرال<br />

ديغول إلى الهكم فتبنى طره السيد قي<br />

مولي أكثر من سنة،‏ ثم تظاهر بقبول<br />

الشروع في المفاوضات أولا.‏ واتفق<br />

الطرفان على لقاء رسمي وعلني.‏ لكن،‏<br />

قبل التقاء الوفدين بساعات قليلة فوجئنا<br />

بإعلان فرنسا هدنة عسكرية من جانب<br />

واحد،‏ ومطالبتها الشورة بموقف مماثل<br />

فرفضنا الطلب بعد ساعات قليلة.‏ ليس‏<br />

لأننا غير راغبين في السلم والهل السلمي<br />

للقضية الجزاءرية،‏ ولكن لاعتقادنا بأن<br />

اشتراط وضع حد للمقاومة قبل حل<br />

القضايا السياسية التي أوجدتها هو دليل<br />

قاطع على أن الطرف المقابل غير مستعد أو<br />

غير راغب في هذا الهل.‏ ثم إن الاحتلال،‏ في<br />

مفهوم الهركة الوطنية الجزاءرية،‏ ومنذ<br />

المناقشات التي واكبت الهرب الباردة حول<br />

مفهوم السلام،‏ إنما هو حرب مزمنة.‏<br />

فالهديش عن السلام مع الاحتلال أمر لا<br />

يستقيم.‏ و قد أثبتت الأحداش أن طره<br />

الشورة الجزاءرية هو الذي فته الطرق للهل<br />

السلمي.‏<br />

لكن القضية الفلسطينية مطوقة،‏ اليوم،‏<br />

بمهيط دولي محموم يرمي لتصنيف كل<br />

مقاومة في خانة الإرهاب.‏ ويهمّل الإسلام،‏<br />

صراحة أو ضمنا،‏ مسوءولية استفهال<br />

العنف في العلاقات الدولية،‏ وفي بعض‏<br />

الساحات القطرية.‏ ويهاول التغطية على<br />

أهدافه الهقيقية بدعوة رجال الدين<br />

الإسلامي لتهمل مسوءولياتهم في محاربة<br />

الإرهاب،‏ ويهاول استغلال مبادرات الهوار<br />

بين الأديان والهضارات لتغطية الآثار<br />

الوخيمة للسياسات الغربية من القضايا<br />

التي تهم العالمين العربي والإسلامي.‏ إن<br />

الهوار بين الأديان والهضارات مطلب نبيل<br />

وداءم،‏ لكنه لا يستطيع معالجة ما أفسدته<br />

السياسات الغربية في العالمين الإسلامي<br />

والعربي.‏<br />

ثم إن حرص‏ الطبقات الهاكمة،‏ بدعوى<br />

مقاومة العنف والتطرف،‏ على مسايرة<br />

السياسات الغربية زاد من بعد الشقة بينها<br />

وبين شعوبها،‏ وجعل بعض‏ شراءه اجملتمع<br />

تلجأ‏ إلى التعبير عن غضبها بغير الوساءل<br />

السياسية التي تخلت الهكومات عن<br />

استعمالها في الدفاع عن شعوبها.‏<br />

وقد تكون من الوساءل المفيدة لإرساء دعاءم<br />

السلام والتعايش‏ والاستقرار في المنطقة<br />

الدعوة لعقد ندوة عالمية لبهش العلاقات<br />

بين العالم الإسلامي والغرب،‏ تضم القادة<br />

السياسيين المسوءولين عن هذه العلاقات،‏<br />

وتتناول تقييما صريها للسياسات الغربية<br />

وآثارها القريبة والبعيدة في المنطقة.‏<br />

عبد الهميد مهري<br />

حياة مليئة بالنضال<br />

إذا استقرأنا مراحل<br />

حياة عبد الهميد<br />

مهري رحمه الله<br />

استنتجنا أن حياته<br />

كانت مليئة بالنضال<br />

من أجل الوطن<br />

واستقلاله وتنظيمه<br />

وتطوره.‏<br />

ففي شبابه ناضل في<br />

حزب الشعب الجزاءري<br />

والهركة من أجل<br />

د . بوعلام بن حمودة<br />

انتصار الهريات<br />

الديمقراطية ودافع عن<br />

الأفكار التهررية في تونس‏ عندما كان طالبا بجامع<br />

الزيتونة.‏<br />

وفي شبابه وكهولته التهق بصفوف ثورة التهرير الوطني<br />

بعد أن أطلق سراحه من السجن سنة 1955 فهظي بشقة<br />

قيادة الشورة فأصبه عضوا في اجمللس‏ الوطني للشورة<br />

الجزاءرية الموءسس‏ في موءتمر الصومام سنة 1956 وبقي فيه<br />

حتى الاستقلال مجاهدا من بين اجملاهدين ولا ننسى أن<br />

عبد الهميد مهري كان من بين الشخصيات التي اتصل بها<br />

محمد بوضياف رحمه الله بهشا عن شخصية معروفة<br />

تتوفر فيها الإستقامة السياسية والأخلاقية والعفاف<br />

والمقدرة وذلك لإبرازها في قيادة ثورة التهرير وقد<br />

تجسدت ثقة قيادة الشورة في عبد الهميد مهري إذ عينه<br />

عضوا في لجنة التنسيق والتنفيذ الشانية والشالشة ) في أوت<br />

1957 بالنسبة إلى الشانية وأفريل 1958 بالنسبة إلى<br />

الشالشة)‏ وهو الذي أخذ الكلمة في موءتمر طنجة التاريخي (<br />

أفريل 1958 باسم وفد جبهة التهرير الوطني،‏ المتكون من<br />

فرحات عباس‏ وبلقاسم كريم وعبد الهفيظ بوصوف<br />

وأحمد بومنجل .<br />

تجددت الشقة عندما أصبه وزيرا للشوءون المغاربية في<br />

الهكومة الموءقتة للجمهورية الجزاءرية (19 سبتمبر 1958)<br />

ثم وزيرا للشوءون الاجتماعية والشقافية(‏ ‎18‎يناير 1960).<br />

بعد الاستقلال ساهم عبد الهميد مهري في تكوين جيل من<br />

المعلمين وفي تأسيس‏ نظام التربية في كهولته وضع مواهبه<br />

تحت تصرف الدبلوماسية الجزاءرية فمشل الجزاءر أحسن<br />

تمشيل في أوروبا والبلدان العربية .<br />

وقد توج مساره السياسي بانتخابه أمينا عاما لهزب جبهة<br />

التهرير الوطني وقام بواجبه من سنة 1988 إلى سنة 1996<br />

أي في ظروف عرفت فيها الجزاءر آثار أحداش أكتوبر 1988<br />

وآثار عنف التسعينيات .<br />

ومن الجدير بالتنبيه أن التغيير الذي وقع على رأس‏ الهزب<br />

سنة 1996 لم يكن ناتجا عن خلافات في التوجه العقاءدي<br />

والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والشقافي بل عن<br />

اختلاف ذي صبغة نظامية بهتة مشلما يهدش في كل<br />

الأحزاب السياسية .<br />

بعد التغيير واستيلامي منصب أمين عام بالاقتراع السري<br />

وبدون أن أسعى إلى نيل ذلك المنصب بقيت العلاقة بيني<br />

وبين عبد الهيمد مهري علاقة أخوية يسودها الاحترام<br />

المتبادل .<br />

ولقد واصل عبد الهميد مهري نضاله السياسي بعد سنة<br />

1996 ‏(وعمره سبعون سنة)‏ وحتى وفاته محاضرا في مساءل<br />

تاريخية وثقافية ومحذرا السلطة السياسية من الأخطاء<br />

التي قد ترتكب في فترة التغييرات السياسية التي تفرضها<br />

المرحلة نتمنى أن يكون قد ترك مذكرات ثمينة متعلقة<br />

بشورة التهرير الوطني نظرا إلى المسوءوليات التي مارسها،‏<br />

وفي الأشهر الأخيرة وعدني بالإجابة عن أسئلة دقيقة<br />

طرحتها عليه فيما يخص‏ اجمللس‏ الوطني للشورة الجزاءرية<br />

والهكومة الموءقتة للجمهورية الجزاءرية إلا أن المرض‏ لم<br />

يسمه له بذلك .<br />

رحم الله عبد الهميد مهري وأسكنه فسيه جنانه .<br />

× سطمبول:‏ أيام 16، 15<br />

و‎17‎ نوفمبر 2007


عدد خاص‏ 14<br />

مارس‏ 2012<br />

قراءة تحليلية في سطور من سفر الشورة التهريرية<br />

للمرحوم الأستاذ عبد الهميد مهري<br />

تحرير وتقديم ‏:لمباركية نوّ‏ ار<br />

-<br />

-<br />

● التاريخ هو عنوان وجود وخلود الأمم والشعوب الهية<br />

على وجه البسيطة،‏ وهو لا يأنس‏ إلا إذا شيّد له قصر<br />

مشيد في بوءرة القلب يهرسه بوءبوء العين.‏ والتاريخ<br />

ثورة ثمينة لا تضاهيها الثروات المدفونة في بواطن<br />

الأرض،‏ ولا تدانيها غلال أديمها اعتبارا وقيمة وإن<br />

ضاقت بها أجوافها وحقولها ذرعا،‏ وعجزت عن<br />

احتضانها.‏ والشعوب التي قهلت دفاتر مسيرتها من<br />

سطور تروي أمجاد تاريخها هي شعوب مخذولة<br />

الهظوظ،‏ فلا تُرى إلا حانية الروءوس‏ تشكو المذلة<br />

والإذلال،‏ أو جاثية على ركبتها تبش معزوفة السخط<br />

والنقمة الهزينة.‏ وإن حاولت الوقوف،‏ شوهدت مذعنة<br />

وصاغرة مشلولة السواعد،‏ ذابلة الأجفان،‏ مرتجفة<br />

الأوصال،‏ بلهاء الفكر؛ لأن أجيالها الغابرة زهدت<br />

وتقشفت في نقش‏ موروش تاريخي على واجهة رقيمها<br />

يشفع لها يوم التباهي.‏<br />

لكن،‏ ما قيمة التاريخ في البدء والختم،‏ إذا نقل للأسلاف<br />

معكرا ومغشوشا أو مشوها نتيجة المزاعم والتقولات<br />

المغلفة بغُلالة تخفي رواسب أفكار مضللة،‏ بعد أن<br />

تحرف الكلم من مواضعه علنا واستبطانا لسبي العقول،‏<br />

وكبه التفكير؟.‏ وما مقدار الفاءدة التي تسطع منه إذا<br />

لم يستشمر متداولا كما تستشمر الأموال الهلال ليعم<br />

نفعها وخيرها؟.‏<br />

ما أروع قراءة أوراق أو حتى قصاصات التاريخ بعد أن<br />

يكتب لها المرور على مصفاة فكر نهم ومهيأ‏ ومتأهب<br />

وموهوب ومستوعب،‏ يجنه إلى غربلة ما يمكش بين<br />

الناس‏ عن الزبد الطافي المهجور لخفة وزنه،‏ ويترجمه في<br />

رأي عميق ومدلول جميل،‏ ونظرة جديدة كفكر الأستاذ<br />

الكبير عبد الهميد مهري،‏ أطال الله أنفاسه،‏<br />

ما يغريك أكثر،‏ كقارئ إيجابي،‏ أو كمستمع متلهف،‏ هو<br />

أن قلم أو لسان الأستاذ عبد الهميد مهري كلما حام على<br />

موقف من مواقف ثورتنا التهريرية،‏ التي ماتزال مضربا<br />

راءعا للمشل على ألسنة المعترفين،‏ إلا وحوله إلى أيقونة<br />

مُذهبة تصله لأن تكون وساما للافتخار يتزين به<br />

صدر كل جزاءري،‏ وكل عربي،‏ وكل مسلم،‏ بل وكل<br />

شريف في أركان العالم الأربعة.‏ فهو محلل متهلل من<br />

النظرات التشكيكية التي تبخس‏ أشياء الآخرين،‏ والتي<br />

تنبعش عن خداع بصري يضيق من ذكر محاسنهم<br />

وأفضالهم تحت دواعي زالواقعية التاريخيةس‏ المزيفة<br />

للهقاءق.‏ وهو مشقف حاذق وكيّس‏ وفطن،‏ يهسن<br />

توزيع العلامات الجيدة والملاحظات الظريفة على<br />

أصهاب الفضل،‏ ولقد قرأت له مرة جوابا لم ينقض‏ فيه<br />

غزل أحد من اخملتلف عليهم عند غيره انتقاما أو إنكارا<br />

وجهودا قابل به سوءالا ذا مقصد تقويمي،‏ فهواه كما<br />

يلي:(إن نوفمبر يجب ما قبله بالنسبة لعباس‏ فرحات،‏<br />

وإن ماضي مصالي الهاج لا يمهوه مستقبله.‏ وأما<br />

جمعية العلماء المسلمين الجزاءريين فتوءلف حالة خاصة<br />

في الهركة الوطنية ومدرسة في التسيير الديمقراطي).‏<br />

إن الهدش التاريخي في نظر الأستاذ عبد الهميد مهري،‏<br />

وسواء أكان جليلا أم بسيطا،‏ فإنه يتتاءم ‏(من التوأمة)‏<br />

سببا ونتيجة في توافق مع بعديه الزماني والمكاني إلا<br />

موءامرة ما سمي ب(‏ ‏:العملية العلمية)‏ والواقعين فيها.‏<br />

وعلى خلاف من يجادلون في التاريخ بغير علم في وجد<br />

صوفي،‏ أو يتعاطونه بنية التدليس،‏ فإن الأستاذ عبد<br />

الهميد مهري لا يجيز لنفسه أخذ النتاءج المحصلة من<br />

الوقاءع التاريخية بمقياس‏ العواطف التي تقزم عظاءم<br />

الأشياء،‏ وتصنع هالات منفوشة لصغاءرها وحقاءرها.‏<br />

إن ملتقى الطرق الذي تلتقي فيه ذخاءر تاريخنا الوطني<br />

مع فكر الأستاذ عبد الهميد مهري هي نقطة تتهول فيه<br />

كل ذرة من ذرات هذا التاريخ إلى قطرات مسك فواحة<br />

ومتطايرة نتيجة تغليبه المناهج التهليلية المتزنة،‏<br />

والمدججة ببعد النظر،‏ والتي تسكن إليها نفسه<br />

ويرتضيها ضميره على المسالك السردية والهكاءية<br />

المملة.‏<br />

تفوز مفاهيم مبهش التاريخ بهظوة مفرطة لما يستدعيها<br />

الأستاذ عبد الهميد مهري،‏ وخاصة طاءفة المفاهيم التي<br />

يجتهد في ابتداعها ونهتها وصقلها وحسن إعادة<br />

تبيئتها والتي لا تقل قيمة عن تلك المفاهيم التي وضعها<br />

،-<br />

مفكر الهضارة الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله -<br />

وتكمن قيمتها في قدرته على جعلها مفاتيه لا غنى<br />

عنها في الإحاطة المركزة بمضامين فقرات كتاباته،‏ هذا<br />

من جهة أولى.‏ ومن جهة ثانية،‏ فهي عنده كاءنات<br />

لغوية طافهة المعاني،‏ ومحفزة لقدرات المتلقي في سبيل<br />

إجهاد نفسه للاستزادة المعرفية،‏ وإن كانت واخزة<br />

كالأسنة الهادة في بعض‏ الأحيان.‏<br />

بعد قراءة النص‏ اللاحق المستنسخ من حوار إذاعي<br />

شارك فيه الأستاذ عبد الهميد مهري قراءة ممعنة<br />

ومتبصرة،‏ ندرك متى ما تسلهنا بالإنصاف أن<br />

صدق مواقف الإنسان وقوتها تندفع وثابة من حصافة<br />

أفكاره،‏ وأما الهراء والثرثرة والجدل العقيم فيظل<br />

صاحبها ملتصقا بالأرض‏ يدور تاءها في حلقة مفرغة،‏<br />

أو زاحفا على بطنه.‏<br />

وإليكم النص:‏<br />

'' بزغ شعاع ثورة أول نوفمبر كنتيجة خملاض‏ تاريخي<br />

طويل وعسير دب في كيان الشعب الجزاءري.‏ وأول<br />

مصدر ومنبع لهذه الشورة هو أطوار المقاومة التي قام<br />

بها الشعب الجزاءري عبر العصور،‏ وخاصة منذ أن<br />

وطأت أقدام الاستعمار الفرنسي أرض‏ الجزاءر.‏ وولدت<br />

هذه المقاومة،‏ التي لم تنقطع،‏ في فكره ووجدانه ثقافة<br />

عميقة،‏ يمكن أن ندعوها:''ثقافة المقاومة''؛ لأننا<br />

نصادفها ماثلة أمام الأعين في مختلف المستويات،‏<br />

ونجدها حتى في المستويات الشعبية مصوغة في شكل<br />

قصاءد شعرية ونظم جزلي،‏ وفي صورة تنبوءات،‏ فهذا<br />

هو المصدر الأول لشورة أول نوفمبر.‏<br />

أما مصدرها الشاني،‏ فهو الهركة الوطنية الهديشة التي<br />

نظمت على أساس‏ عصري في هيئة أحزاب سياسية،‏<br />

وعلى وجه الخصوص،‏ ‏''حزب الشعب الجزاءري''‏ الذي<br />

استطاع أن يقرن بين الأصالة في التوجه والطره<br />

المستيقن لقضية الاستقلال،‏ والنظرة السديدة<br />

لإشكالية التهرر من ربقة الاستعمار عن طريق الشورة<br />

المسلهة.‏ وأضيف إلى المصدرين السابقين الممهدين<br />

للشورة عنصر الوعي الوطني العام الذي شاركت في<br />

عجنه وتشكيله حركات كشيرة خلال فترات التاريخ في<br />

العصر الهديش.‏ وأما الذي تشرّف ببلورة خماءر هذه<br />

الإسهامات،‏ فهو شباب ‏''حزب الشعب الجزاءري''‏ الذي<br />

تكوّ‏ ن في ‏''المنظمة الخاصة''.‏<br />

لقد أهلت مدرسة ‏''حزب الشعب الجزاءري '' جميع<br />

المناضلين المنضوين في صفوفها لتقبل فكرة الشورة<br />

المسلهة المبشر بها،‏ ولكنها أحاطت ‏''المنظمة الخاصة''‏<br />

باهتمام فريد،‏ وشكلت هذه المنظمة التي انتقت<br />

عناصرها فردا فردا،‏ من أجل تهيئتهم للعمل المباشر،‏<br />

والقيام بالفعل التقني والمسله.‏<br />

لا تتميز هذه اجملموعة في شيء،‏ من حيش توجهاتها<br />

العامة،‏ عن بقية المناضلين الذين كانوا على التهام<br />

بجماهير الشعب،‏ واستطاعوا أن يبشوا فكرة النهوض‏<br />

اجملسدة في ثورة مسلهة ضد كيان الاستعمار الفرنسي<br />

في كل ربوع القطر الجزاءري،‏ وفي الأرياف أكثر من<br />

المدن.‏ وإن ما ميز هذه اجملموعة،‏ أولا،‏ هو إعدادها التقني<br />

لهذا العمل الجبار.‏ وثانيا،‏ وهو انفرادها بشقافة سياسية<br />

راسخة،‏ إلى درجة أنها استطاعت استقراء الأحداش<br />

بشكل سليم،‏ وتمكنت من تكييف سلوكها على هدي<br />

هذا الاستقراء.‏<br />

في الواقع،‏ ومتى ما أردنا دراسة قرار الانتقال إلى<br />

الكفاه المسله،‏ فإننا نجده قرارا سياسيا في<br />

المقام الأول.‏ وحينما نقرأ‏ بيان ثورة أول نوفمبر<br />

يستوقفنا طغيان وسيادة التهليل السياسي على<br />

توجهات معدّيه.‏ وفي المقابل،‏ فإن نفرا من السياسيين<br />

الذين شرعوا يفكرون في الشورة تفكيرا عسكريا،‏ كانوا<br />

ينتمون في نهاية المطاف إلى التردد والشك.‏ بل،‏ حتى<br />

إلى معارضة المرور إلى الكفاه المسله.‏ ومن المفارقات<br />

التي تستوقفنا في هذا الشأن،‏ هي أن الذين فجروا ثورة<br />

أول نوفمبر وضعوا المشكلة في إطار سياسي،‏ بيد أن<br />

أولئك المترددين في السير على خط هذا المنهى،‏ ما<br />

انفكوا يهاولون التفكير تفكيرا عسكريا في أمر تنظيم<br />

الشورة.‏ ولهذا أعتقد أن هذه اجملموعة كسبت الامتياز،‏ لا<br />

لسبب سوى لرسوخ ثقافتها وسلامة قراءتها للأحداش<br />

وجودة إعدادها الإعداد الشامل لتنظيم الشورة،‏ ومواصلة<br />

ما أنجزته من أعمال في ظل زالمنظمة الخاصة''.‏<br />

كانت أطياف الهركة الوطنية تعبر،‏ في مجموعها،‏ عن<br />

نفسها في صورة فصاءل وتوجهات وتنظيمات<br />

وجمعيات مختلفة.‏ ويتهيأ‏ لي،‏ أن كل التنظيمات<br />

المنتمية إلى الهركة الوطنية الجزاءرية:‏ جمعية العلماء<br />

المسلمين الجزاءريين،‏ والإتحاد الديمقراطي للبيان الجزاءري<br />

الذي يتزعمه المرحوم فرحات عباس،‏ والهزب الشيوعي،‏<br />

وأقصد فصيلا من مناضلي هذا الهزب،‏ ممن مروا<br />

بهزب الشعب الجزاءري،‏ فهوءلاء كلهم انشغلوا بالقضية<br />

الوطنية التي سكنتهم بصفة عامة،‏ وساهموا في شهن<br />

وشهذ الوعي الوطني على اختلاف مشاربهم<br />

وقناعاتهم.‏ إلا أن الذي هيأ‏ للشورة وباشرها هي مدرسة<br />

حزب الشعب الجزاءري.‏<br />

لا شك أن كل حركة فازت بنصيب من الفضل في<br />

إيقاظ الوعي الوطني وإذكاءه،‏ وفي جعل الشعب<br />

الجزاءري متهسسا لعنفوان زحف موجة التهرر التي ما<br />

فتئت تشق العالم،‏ إلا أن مدرسة حزب الشعب الجزاءري<br />

استولت على قصب السبق في تصور الشورة،‏ وفي<br />

تنفيذها.‏ وهذه المدرسة التي عبرت عنها اجملموعة التي<br />

فجرت الشورة انتبهت إلى ضرورة الانفتاه على غيرها.‏<br />

وعلى إثر ذلك،‏ غادرت شرنقة الإطار الهزبي الضيقة،‏<br />

والمحفوفة بالروءى الهزبية المحضة إلى إطار وطني عام<br />

ورحيب.‏ وقامت تنادي كل الجزاءريين على تباين<br />

انتماءاتهم للانضمام إلى موكب الشورة.‏ وبهذا<br />

التصرف،‏ سدت الطريق في وجه خطأ‏ وقصور طابع<br />

المقاومات الشعبية اخملتلفة التي قامت بعد الغزو<br />

الفرنسي،‏ ولو أنها كانت محدودة جغرافيا ومحصورة<br />

بشريا.‏ وبذلك أصبه الانتماء لمحفل الشورة حتمية<br />

ضرورية.‏<br />

إن الذين بادروا بالفعل الشوري باسم الشعب الجزاءري،‏<br />

نادوا هذا الشعب حيصه وبيصه للانهياز إليها بعد أن<br />

تجردوا من رواسب وضواغط المدرسة التي تكونوا<br />

فيها.‏ وكانت بصاءرهم النفاذة تعرف أن جسامة المهمة<br />

تتطلب إشراك ودمج كل الجزاءريين.‏<br />

كانت ردود الفعل الأولى الداخلية التي رافقت الشورة<br />

مزيجا من الغبطة المشفوعة بالهيطة والهذر خوفا من أن<br />

تكون الشورة،‏ هذه المرة،‏ مجرد طفرة لن يكتب لها<br />

الاستمرار.‏ وبسبب ذلك،‏ تحركت جماهير الشعب ببطء<br />

وتوأدة للالتفاف حولها.‏ ولا شك أن صمود الطلاءع<br />

الأولى للشورة في معاقلهم،‏ وخاصة في الأوراس‏ وجبال<br />

القباءل والإنجاز العبقري للشهيد زيروت يوسف في<br />

أوت ‎1955‎م،‏ كانت أسبابا وصاحبة منة<br />

كبرى في إقناع الشعب الجزاءري برمته،‏ وفي إقناع<br />

طاءفة كبرى من النخبة على أن هذا الفجر صادق،‏ وأن<br />

هذه الشورة ستواصل شق طريقها،‏ وأما التريش الذي<br />

ألزم به الشعب نفسه حتى موعد حلول عمليات 20<br />

أوت من سنة ‎1955‎م،‏ فيعد بهق دليل نضج وعلامة<br />

حكمة.‏<br />

طفت أولى ردود الفعل الخارجية في فرنسا،‏ وانعكست<br />

نتاءجها على جناحي المغرب العربي:‏ تونس‏ والمغرب<br />

الأقصى.‏ وقد عجل قيام الشورة في الجزاءر باستقلال<br />

القطرين الشقيقين.‏ ومنذ الوهلة الأولى،‏ أدرك<br />

الفرنسيون أن اندلاع الشورة في ساحة المغرب العربي،‏<br />

يعني بالنسبة إليهم كارثة مقعدة،‏ وهذه هي أولى<br />

ثمرات الشورة التهريرية.‏ ومن بعدها نسجل تحرك الوفد<br />

الجزاءري الموجود في الخارج والذي بنى نشاطه مستشمرا<br />

التراش التليد الذي صاغه حزب الشعب الجزاءري.‏ فلكم<br />

كانت لهذا الهزب سياسة خارجية نشطة،‏ وكم كان<br />

يتبنى مواقف أساسية في القضايا الكبرى:‏ معضلات<br />

السلم والهرب،‏ قضية بروز التكتلات،‏ حركة عدم<br />

الانهياز،‏ إبرام التهالفات....‏ وأذكر أنه حينما شارك<br />

الأخوان محمد يزيد رحمه الله وحسين آيت أحمد<br />

أطال اللّه عمره - في موءتمر باندونغ،‏ لم يكونا يمشلان دولة<br />

قاءمة بأركانها.‏ ولكن،‏ وبفضل رجاحة ونفاسة<br />

أفكارهما،‏ نافسا كفردين مستويات بقية الدول.‏ فلقد<br />

كانا مزودين بذخيرة التجربة التي خاضها حزب الشعب<br />

الجزاءري ضد إقهام الجزاءر في طوابير الهلف الأطلسي<br />

بداية من سنة ‎1947‎م،‏ ومنذ أن قدم هذا الهزب<br />

وبمشاركة حزب الاستقلال المغربي أول مذكرة إلى<br />

اجتماع الدبلوماسيين الأمريكيين الذين التقوا في مدينة<br />

طنجة برياسة ناءب وزير الخارجية الأمريكية.‏ وهذه هي<br />

المذكرة التي حوت إعلانا يفيد أن الشعب الجزاءري لن<br />

يشارك في الهرب كطعم للمدافع مرة أخرى،‏ كما جرى<br />

في الهروب السابقة.‏ وذكروا في ذات المذكرة أنه في<br />

حال نشوب حرب كونية ثالشة سيلتزمون الهياد<br />

الإيجابي واليقظ،‏ ومن الواضه أن فكرة الهياد الإيجابي<br />

قد ساهم حزب الشعب الجزاءري في بلورتها منذ<br />

مراحلها الجنينية الأولى،‏ كما أنه شارك في إرساء قواعد<br />

حركة السلم التي يتصدر قيادتها المعسكر الاشتراكي،‏<br />

وكانوا يرددون على الأسماع أن تبسيط الخيار بين<br />

السلم والهرب رأي غير صاءب إطلاقا؛ لأن الاستعمار<br />

ما هو سوى حرب مزمنة.‏ وأن من أوكد الواجبات البدء<br />

بمقاومة الهرب المزمنة قبل مقاومة الهرب المحتملة.‏<br />

جاء التئام موءتمر الصومام كنتيجة طبيعية لتطور مسار<br />

الشورة.‏ فمن المعروف أن الطليعة التي فجرتها والقيادة<br />

السداسية التي أشرفت على انطلاقتها،‏ كانوا ينوون<br />

الالتقاء،‏ ومرة أخرى،‏ بعد مضي فترة لإتمام ما شرعوا<br />

فيه.‏ إلا أن نشوء ظروف مانعة بعد إطلاق الرصاصة<br />

الأولى جعلت انعقاد هذا اللقاء على درجة بالغة من<br />

الصعوبة والتعذر.‏ ومن جراء ذلك،‏ كان تطور عنفوان<br />

الشورة مرهونا باجتهادات المناطق التي شرعت في<br />

الشكوى من غياب التنسيق لعدم قدرة القيادة المنبشقة<br />

عن اجتماع الاثني والعشرين من الالتقاء،‏ ولعب<br />

دوررها المنوط بها في التدبير والترشيد،‏ وبهذا المعنى،‏<br />

فإن موءتمر الصومام كان استجابة لهاجة ملهة من أجل<br />

هيكلة قيادة تنسجم مع متطلبات المرحلة.‏ وبالطبع،‏ فإن<br />

هناك عوامل كشيرة تدفع إلى إتيان مشل هذا العمل.‏<br />

وفي المقابل،‏ برزت تحفظات عند الذين نالوا شرف<br />

المبادرة التاريخية لإعلان الشورة على هذا الموءتمر.‏ وفي<br />

تقديري،‏ إن وجهتي نظر الفريقين كليهما يمكن تبريرها.‏<br />

-<br />

-<br />

)22(<br />

هجوم 20<br />

-


عدد خاص‏ 15<br />

مارس‏ 2012<br />

(<br />

:<br />

.<br />

:<br />

.<br />

:<br />

(<br />

وثاءق تونسية سرية ترسل إلى الجزاءر وسط كتب دراسية<br />

1924<br />

1923<br />

)<br />

(<br />

● في محاولة لكشف المزيد من الأسرار وخبايا حياة الفقيد<br />

سي عبد الهميد مهري،‏ عدنا مرة أخري إلي مدينة وادي<br />

الزناتي،‏ مهد الهركة الوطنية أين عاش‏ المرحوم مرحلة الطفولة<br />

والشباب،‏ وشارك في تأسيس‏ نواة المقاومة والشورة التهريرية،‏<br />

مدينة كان فيها الكشير من أصدقاء الفقيد بعضهم رحل إلي<br />

العالم الآخر ، وبعضهم غادر إلي وجهة أخري،‏ لم يبق اليوم<br />

سوي رفيق الدرب أحمد الهادي طيروش،‏ الذي فته لنا صدره<br />

للمرة الشانية ، وكشف لنا عن الوجه الآخر لعبد الهميد مهري<br />

رحمه الله الذي كان له الفضل في دعم ومساندة الشورة<br />

التونسية ، حيش أ‏ دلي بهذه الشهادة لصوت الأحرار،‏ ننقلها<br />

بصدق وأمانة لقراء الأحرار ‏،وأجيال الشباب المتعطشة لتقفي<br />

آثارالقادة والزعماء ، الذين أسسوا لتاريخ الجزاءر ، ويقول<br />

أحمد الهادي طيروش‏ عندما كنا طلبة بجامع الزيتونة بتونس‏ ،<br />

أنا المتهدش ، والفقيد ز عبد الهميد مهري ‏،وعمار شطيبي ،<br />

وعلي كافي ، كانت الشورة التونسية في أمس‏ الهاجة إلي رجال<br />

ينقلون قضيتها من الداخل إلي الأمم المتهدة ، والرأي العام<br />

الدولي،‏ وكانوا يعلمون بأن من الطلبة الجزاءريين بجامع<br />

الزيتونة ‏،رجال قادرون علي تحمل المسوءولية ولم يجدوا أحسن<br />

من الفقيد سي عبد الهميد مهري(‏ الذي كان عالما ونابغة ،<br />

وصاحب علاقات مع الطبقات الاجتماعية والسياسية الراقية<br />

بتونس،‏ فاتصلوا به وعرضوا عليه نقل وثاءق مهمة سياسية<br />

واجتماعية وثقافية سرية من تونس‏ إلي قسنطينة ، فقبل المهمة<br />

الصعبة والشاقة ، وعاد إلي رفاقه الطلبة بجامع الزيتونة،‏ أين<br />

عرض‏ عليهم الفكرة وأعطي المال لزميله ز أحمد الهادي<br />

طيروش‏ ز لشراء أوراق التغليف ، ويضيف رفيق الدرب قمت<br />

بشراء الأغلفة وعدت إلي أصدقاءي ، ثم شرعنا نهن الطلبة ز<br />

المتهدش ، وعمار شطيبي ، وعبد الهميد مهري ، وعلي كافي ، في<br />

تغليف بعض‏ الكتب ، ووضع الوثاءق السرية بين الكتاب والغلاف ،<br />

وهي عملية تمويه يقول:‏ سي الهادي طيروش‏ ، لنقلها سريا إلي<br />

قسنطينة وتسليمها إلي السادة هم ، إبراهيم عواطي ، وسليم راسي<br />

، وأحسن بوجنانة<br />

، عندها تطوع اجملاهد علي كافي وحمل ا لكتب التي تخفي في<br />

جنابتها الأوراق السرية ‏،واتجه نهو قسنطينة ثم إلي المقهى المتفق<br />

عليها أين وجد الأشخاص‏ الشلاثة بها ينتظرونه ، فسلمهم هذه الوثاءق<br />

السرية ليقوموا بدورهم بتهويلها وتسليمها إلي جهات أخري حتي<br />

تصل إلي الأمم<br />

المتهدة وإلي الرأي العام الدولي يقول محدثنا<br />

ويضيف قاءلا:‏ وواصل الفقيد نضاله السياسي والشوري بتونس‏<br />

وقاد الوفد الجزاءري في موءتمر وجدة بالمغرب،‏ ثم عاد بنا رفيق<br />

الدرب إلي القول:‏ أن عاءلة مهري تنقلت من مدينة لخروب إلي وادي<br />

الزناتي خلال سنتي إلي ، بعد ولادة المرحوم هناك ‏،وكان<br />

معنا خلال الهديش مع زأحمد الهادي طيروش‏ ز الأستاذ عبد الهق<br />

ورلالي مسئول قسمة وادي الزناتي ‏،الذي قال خلال كلمة التأبين ،<br />

لقد اختلف القوم فيك حولك فخرا واعتزازا ، كما حدش لابن خلدون<br />

قبلك ، أيها الجزاءري الأصيل ، فلقد كنت صدي الجزاءر أينما حللت ،<br />

لقد كنت لنا صدي الأمير عبد القادر الجزاءري وابن باديس‏<br />

والإبراهيمي ‏،ويواصل رفيق الدرب قوله ‏:كان والده رحمه الله ،<br />

الشيخ عمار مهري ، ينتمي إلي جماعة الأمير خالد ، نجل الأمير عبد<br />

القادر ‏،وكان الشيخ عمار مهري زإماما ومدرسا بمسجد المدينة ، تعلم<br />

علي يديه الكشير منهم الأستاذ واجملاهد<br />

عبد الرحمن بن العقون ، هذا الأخير تحول فيما بعد إلي أستاذ<br />

للمرحوم ز سي عبد الهميد مهريسهيش تعلم علي يديه العلم<br />

والنضال السياسي<br />

ذلك أن ابن العقون كان ينتمي إلي حزب الشعب الجزاءري مع كوكبة<br />

من الطلبة ‏،منهم أخو المرحوم ، الشيخ المولود مهري رحمه الله ،<br />

وخليفاتي بن دبوز ، والهاج عمار بوبنيدر ، هوءلاء رحمهم الله ، من<br />

بنوا وأسسوا مدرسة التهذيب بوادي الزناتي ، التي قال فيها الأستاذ<br />

عبد الرحمن بن العقون الذي يعد أديب وادي الزناتي وشاعرها ،<br />

والذي كتب نشيدا خاصا بمدرسة التهذيب ، يقول في مطلعه<br />

نهن للعلياء حصن لايضا م=‏ وإلي الجهل سيوف وسهام<br />

يا شبابا سره عيش‏ النظام = أقبلن هاهي حياة العاملين<br />

أما اللا زمة فيقول فيها<br />

35<br />

.<br />

مهري يقود مهمة<br />

تدويل القضية<br />

التونسية ونقلها إلى<br />

الرأي العام الدولي<br />

مومد حسين<br />

هذبوا ابناءكم نور كل داجية<br />

هذبوا بناتكم نبع صلاه الذرية<br />

هذبوهم إنهمجند عيش‏ الهرية<br />

رمز مجد أمة موت شبه الأمية<br />

كما كتب قصيدة عن مدينة وادي الزناتي بمناسبة الاحتفال بالذكري<br />

ال:‏ لتأسيس‏ مدرسة التهذيب الهرة ، يقول في مطلعها .<br />

وادي الزناتي فهل في الدرب من أثر<br />

وقد قضت مجموعة الفقيد وهم محمد طيروش‏ ، الشريف مزياني<br />

‏،عياد كعاص‏ وهو من الأصدقاء المقربين للمرحوم ، والخوجة بلعقون ،<br />

ورحاب حمودة ‏،ورحاب محمد الصاله ، ومزيود محمد ، وزواوي بن<br />

السباعي ، وعمار شطيبي ‏،وإسماعيل بولد روع معا فترة تعليمية<br />

.<br />

بين سنة إلي غاية ، دخلنا إثرها اجملال السياسي ‏،وأصبهنا<br />

مناضلين دون أن نشعر في حزب الشعب ‏،وهي أول نواة للوطنية<br />

‏،تزامنت مع بدء ظهور بوادر الهرب العالمية الشانية ، وكان شعارنا ز<br />

حرب التهرير ‏،وسي عبد الهميد مهري كان من البارزين في التنظيم<br />

1944<br />

(<br />

45<br />

1938<br />

قبل مظاهرات ‎8‎ماي وبعدها ‏،ويتذكر محدثنا وهو شيخ كبير ، أنه<br />

ولشدة الخوف قام بدفن صندوقين وعلم وطني في البيت القديم الذي<br />

كان يسكنه بالمدينة العتيقة ولم يعثر عليهم بعد ‏،وكنا نهن أصدقاء<br />

المرحوم ، نجله ونهترمه كشيرا ‏،بإعتباره إنسان جدي وصادق في أقواله<br />

وأفعاله ، ذا بال واسع ، لايقلق،‏ وأعصابه باردة ، لدرجة أننا كنا<br />

نشتري الملابس‏ والسراويل الجديدة ، فلن نرتديها قبل أن يلبسها هو ،<br />

1946<br />

)<br />

وأتذكر أنه عندما ترشه سي محمد بن تفتيفة سنة ممشلا<br />

لمدينة وادي الزناتي ، عن حزب حركة انتصار الهريات.‏<br />

وكان الفقيد يستغل المناسبات للدعاية ، و قد ألقي خطابه الشهير<br />

بمدينة وادي الزناتي لصاله المرشه ز بن تفتيفة ز ، فأبلي بلاء حسنا<br />

1955<br />

.<br />

06<br />

و أبكي الشعب يومها ، دخل سجن سركاجي بالعاصمة سنة<br />

وأبقي به مدة ستة أشهرثم خرج منه<br />

ولضيق الوقت والأضطرابات الجوية الساءدة عبر الوطن ‏،و خلال<br />

حديشنا مع رفيق الدرب كانت الشلوج تتساقط بغزارة علي مدينة<br />

وادي الزناتي ، التي كستها الشلوج بهلة بيضاء ، للإشارة إلي أننا<br />

وصلنا إلي مدينة وادي الزناتي بعد أن قطعنا مسافة 50 كلم ، وسط<br />

الشلوج التي تحاصر الطرقات.‏<br />

وأصبه السير عبرها صعبا وما كدنا نصل إلا بشق الأنفس‏ لشدة<br />

البرد وتساقط الشلوج ، وغادرنا مدينة وادي الزناتي في حدود الساعة<br />

الشامنة ليلا ‏.تاركين الشلوج تتساقط عليها مساء يوم الشلاثاء<br />

فيفري<br />

07<br />

. 2012<br />

ولكن ومع تعاقب الأيام،‏ اقتضى التطور الطبيعي للأحداش توسيع الشورة<br />

والقيادة معا،‏ وبناء صيغة أخرى بديلة تكون أكثر تعبيرا عن الساحة<br />

السياسية بمختلف عاءلاتها.‏ وهذا ما حصل في فضاء موءتمر الصومام.‏<br />

إن التفسير الذي أعطى لمبدأي ‏''أولوية السياسي على العسكري''‏<br />

و''أسبقية الداخل عن الخارج''‏ وبشكل أخص‏ للمبدأ‏ الشاني،‏ كان تفسيرا<br />

خاطئا؛ نظرا للملابسات التي كانت قاءمة إذذاك.‏ فالتعبير الفرنسي الذي<br />

اجملاهد أحمد الهادي طيروش‏<br />

ينص‏ علىmilitaire ،:La primauté du politique sur le والذي<br />

تصدق عليه الترجمة العربية التالية)‏ ‏:أولوية القرار السياسي على القرار<br />

العسكري(‏ قد فهم عند الكشيرين من المناضلين أنها تعني)‏ ‏:أولوية<br />

السياسيين على العسكريين.(‏ وتغذى هذا الفهم من كدر الخلافات التي<br />

كانت قاءمة قبيل انطلاق الشورة.‏ والواقع الانطباعي فيه محاولة للنهو<br />

بالشورة نهو نفس‏ المنهى الذي سرى في تونس‏ والمغرب،‏ وذلك بجعل<br />

الطبقة السياسية تتنكر للمقاومة المسلهة.‏ وهذا ما يستشف من موقف<br />

بورقيبة في تونس‏ وموقف السلطان في المغرب.‏ واختصارا وتحصيلا،‏ فإن<br />

ملابسات وظروفا تسببت في جعل مبدأ‏ صاله يفهم فهما خاطئا ومشوها<br />

نظرا لظروف المحيط الساءدة وقتذاك.‏ وللخلافات الراءجة قبل الشورة بين<br />

مصالي الهاج واللجنة المركزية،‏ وبين مناضلي المنظمة الخاصة واللجنة<br />

المركزية،‏ فضلا عن التهم التي كانت تلاحق كل من يتردد في السير صوب<br />

الكفاه المسله.‏ وأحسب،‏ أن هذا المناخ استمر لفترة طويلة يعب أفكارا<br />

مسبقة،‏ ويرفد شكوكا،‏ ويسقي ظنونا في التوجه الصهيه نهو الشورة<br />

المسلهة.‏<br />

كان اجتماع الموءتمر الوطني للشورة سنة ‎1957‎م في القاهرة بغرض‏ علاج<br />

ورتق فجوة الخلاف الذي ظل مُشارا حول قرارات موءتمر الصومام.‏ ولئن<br />

كانت التفاصيل كشيرة،‏ فإنه يمكن اختصارها في ميل مساعي بعض‏ رجال<br />

الشورة التاريخيين إلى نسف كل ما أنجبه موءتمر الصومام من قرارات.‏ ولكن<br />

وبعد نقاش‏ طويل استقر الرأي على إبقاء الموءسسات القيادية؛ لأنها كانت<br />

توءلف نواة الدولة الجزاءرية.‏ والمحافظة على الانفتاه على العاءلات<br />

السياسية دون مفاضلة،‏ واستبعاد مبد ‏ٔا:‏ ‏''أسبقية الداخل عن الخارج ‏''؛ لأنه<br />

كان مصدر التباس‏ مشير.‏<br />

وأرى من وجهة نظري الخاصة،‏ أن مبدأ:‏ ‏''أسبقية الداخل عن الخارج''‏<br />

يهتاج إلى نقاش‏ أكثر عمقا مقارنة بمبدأ‏ '' أولوية السياسي على<br />

العسكري''‏ ذلك ‏ٔلان الظروف الجغرافية،‏ واستراتيجية الشورة التي نشأت<br />

على أسلوب معاد للتسيير المركزي جعلت من الصعوبة بما كان انبعاش قيادة<br />

في الداخل تستطيع الاتصال والتنسيق بين مختلف القطاعات.‏ وأكرر قولي<br />

مجددا،‏ إن مبدأ:‏ ‏''أسبقية الداخل عن الخارج '' كان أجدر بالنقاش‏ الثري من<br />

قرينه الآخر.‏<br />

قيل عن حادثة اختطاف طاءرة الزعماء المعروفة إن التصرف كان تجاوزا من<br />

قبل القيادة العسكرية المقيمة في الجزاءر،‏ وأن الهكومة الفرنسية لم تكن<br />

على علم بما جرى.‏ لكن الوثاءق التي نشرت في ما بعد،‏ أثبتت أن الهكومة<br />

الفرنسية سنّت خطة عامة رسمتها لجنة وزارية مصغرة،‏ وأسدت تعليمات<br />

صارمة لتطبيق عملية أسمتها:‏<br />

على قادة الشورة بكل الوساءل.‏ ولما كانت هذه التعليمات بين أيدي أفراد<br />

الجيش‏ الفرنسي الموجودين على أرض‏ الجزاءر،‏ فإنهم لم يترددوا في تطبيقها<br />

بهذافيرها.‏ وبناء على ذلك،‏ فإن العملية لم تكن عملا طاءشا ومعزولا،‏ وإنما<br />

كانت ممارسة تطبيقية لسياسة فرنسية تتسم بالشمولية وترمي إلى<br />

القضاء على قادة الشورة.‏ وفي نفس‏ الإطار،‏ تدرج محاولة اغتيال ابن بلة<br />

في طرابلس،‏ ومحاولة تفجير مكتب الصادقية في تونس‏ ومحاولة نسف<br />

مبنى مكتب المغرب العربي في القاهرة،‏ وكذلك محاولة الغدر ببعض‏ قادة<br />

الشورة في أرض‏ المغرب...‏ الخ.‏ إذن،‏ فإن هذه الفعلة هي عملية قرصنة<br />

مخطط لها،‏ ومنفذة في جوهر سياسة عامة وعارمة انتهجتها فرنسا.‏<br />

ينضوي إضراب الأيام الشمانية الذي شرع فيه يوم 28 جانفي ‎1957‎م،‏<br />

ينضوي في نطاق تجنيد الشعب الجزاءري،‏ واستنهاضه للانخراط في ثورة<br />

كليانية إن جاز التعبير،‏ أو ما يدعى ب زالعصيان العام<br />

كما كان يهدف إلى دعم موقف الجزاءر في دورة هيئة الأمم<br />

المتهدة التي كان انعقادها وشيك الهدوش.‏ ويبدو لي أن هذا الإضراب كان<br />

محصلة لزخم ثوري غزير وماءج،‏ وتعبيرا عن احتضان فلول الشعب<br />

للشورة.‏ وقد حاولت القيادة توظيف هذا الالتهام،‏ واستغلال التأييد الشعبي<br />

في صبغة إجراءية تمنه الشورة الجزاءرية بعدا دوليا متعاظما.‏ ولا ريب،‏ أن<br />

الفرنسيين أدركوا الخطر الذي أصبه يهددهم،‏ وقابلوا ذلك برد فعل عنيف<br />

تحللوا فيه من ربقة كل القيود القانونية.‏ وقد خسرت الشورة كشيرا،‏ ولا<br />

سيما في الجزاءر العاصمة وفي بعض‏ المدن الكبرى.‏ ومن جهتنا حاولنا اتقاء<br />

وتلافي سلبيات الإضراب المذكور في ما بعد.‏ ومهما كان واقع الهال،‏ فإن<br />

إضراب الأيام الشمانية سيبقى معلما بارزا من معالم الشورة الجزاءرية،‏ ودليل<br />

إثبات قطعي عن تعلق الشعب الجزاءري بها.‏<br />

انعكس‏ مجيء الجنرال دوغول إلى سدة الهكم في ميدانين اثنين هما:‏ الميدان<br />

الأول:‏ وهو الميدان العسكري،‏ إذ اعتبر أن كل ما قامت به فرنسا في سابق<br />

الأوان وقبل مجيئه،‏ هو مجرد تخبطات عشواءية.‏ ولذلك أعطى تعليماته<br />

لقادة الجيش‏ الفرنسي في جملة واحدة فهواها ‏:عقلنوا هذه الهرب.‏ ومنذ<br />

مقدمه،‏ أصبه العمل العسكري الفرنسي منظما وشاملا وعنيفا.‏ فالجنرال<br />

دوغول وهو رجل عسكري في المقام الأول لم يغفل هذه الناحية،‏<br />

وتصدى للشورة الجزاءرية تصديا فضا ومريعا في اجملال العسكري.‏ وأما<br />

الميدان الشاني:‏ فهو الميدان السياسي،‏ ولقد حاول قصارى جهده تطويق<br />

الشورة،‏ وبتر وتقليم كل صلاتها بموءيديها في رقعة المغرب العربي،‏ وفي<br />

العالم العربي على امتداده،‏ وحتى في العالم أجمع،‏ وسخر لهذا الغرض‏<br />

حركة ديبلوماسية واسعة،‏ وقام بمبادرات عديدة لتنفيذ خطته السياسية.‏<br />

وكان هدفه متضمنا في عبارته التي تنطق بما يلي ‏:إنني أسعى لهل أقرب<br />

حل لمصاله فرنسا.‏<br />

لا يملك دوغول حدودا في حقل التفكير،‏ فلو استطاع أن يجعل الشورة تقبل<br />

بالقليل،‏ ما كان ليوهبها الكشير.‏ ولو اهتدى إلى أن يفرض‏ على الشورة<br />

الجزاءرية حلا يكون فيه وضع الجزاءر متصدرا من قبل المصلهة الفرنسية<br />

العليا،‏ فلم يكن يهجم عن قبوله أبدا.‏ ولكن تقدير كل ذلك ظل متروكا بين<br />

أيدي قيادة الشورة وأساليب تعاملها في الميادين:‏ العسكري والديبلوماسي<br />

والسياسي.‏<br />

jeu'' ،''Mettre hors - وتعني القضاء<br />

L'insurrection<br />

.<br />

générale


عدد خاص‏ 16<br />

مارس‏ 2012<br />

جوانب خفية<br />

الأستاذ عبد ا<br />

● من الصعب أن ينفته صدر المرء،‏ وينطلق سيلان<br />

قلمه وهو ما يزال يتجرع آلام صدمة فراق عزيز عليه.‏<br />

فالكلمات،‏ في مشل هذه المواقف العصيبة،‏ تبدو<br />

رافضة للانصياع والتطويع،‏ والذاكرة تأبى<br />

الاستمطار لإسالة مخزونها،‏ وبعشه في صوّر كاملة<br />

يمكن توظيفها لتسويد السطور.‏<br />

ولد الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله في مدينة<br />

الخروب القريبة من ولاية قسنطينة يوم أفريل<br />

‎1926‎م،‏ حيش كان والده الشيخ عمار مهري المولود<br />

في سنة ‎1887‎م بمدينة الهروش‏ إماما وخطيبا ومدرسا<br />

بجامع هذه المدينة التي زرع فيها بذور نهضة عارمة<br />

لم تعرفها من قبل.‏<br />

وحسب ما ترويه إحدى عماتي التي تزيد عن الأستاذ<br />

عبد الهميد عمرا،‏ فإن والدها الشيخ عمار قصد<br />

معلمه الشيخ أحمد الهبيباتي بعد مولده ينبئه اتساع<br />

بيته بمقدم مولود جديد من جنس‏ ذكر،‏ فأشار عليه أن<br />

يدعوه باسم:‏ عبد الهميد.‏<br />

شارك جد والده الشيخ عبد الله في ثورة الشيخ ابن<br />

الهداد وثورة الشيخ المقراني الشعبيتين مجاهدا<br />

ومدافعا عن حياض‏ الجزاءر من دنس‏ الاستعمار<br />

الفرنسي.‏ وكانت تربطه بهذا الأخير علاقة مصاهرة.‏<br />

جلس‏ والد الأستاذ عبد الهميد مهري متعلما لفترة من<br />

الزمن في مدينة قسنطينة في حلقات شيوخ كثر،‏<br />

منهم الشيخ حمدان الونيسي موءدب الشيخ عبد<br />

الهميد بن باديس.‏ وما أن أكمل مراحل تعلمه،‏ حتى<br />

سطع نجمه عاليا،‏ وأصبه فقيها يقصده الناس‏<br />

للاستفتاء وأديبا ذا سمعة ومكانة.‏ وكان يجمع بين<br />

الكتابة النثرية ونظم سباءك الشعر.‏ وكان ينشر<br />

قصاءده في جريدة زالفاروقس‏ لصاحبها عمر بن<br />

قدور الجزاءري وفي بعض‏ الجراءد الشامية بوساطة<br />

من صديقه السيد محمد بن الرودسلي الذي هاجر إلى<br />

أرض‏ الشام قبيل الهرب العالمية الأولى.‏ وكانت أشعاره تجد<br />

لنفسها مكانا على صفهات جريدة ‏''النجاه''‏ وجريدة<br />

زالصديقس‏ وجريدة ‏''الإقدام''‏ التي أسسها صديقه الأمير<br />

خالد حفيد الأمير عبد القادر الجزاءري.‏ وكانت عرى<br />

صداقته متينة مع هذه الأخير الذي لم يكن يستبط القدوم<br />

إلى الشيخ عمار مهري زاءرا قبل نفيه من طرف السلطات<br />

الاستعمارية الفرنسية إلى سوريا خوفا من تأثير تحركاته<br />

على استتباب الأوضاع.‏<br />

من مواقف الشيخ عمار مهري،‏ وهو مقيم في مدينة<br />

الخروب،‏ وقوفه الشجاع في وجه الإدارة الفرنسية يوم أن<br />

أصدرت قرار التجنيد الإجباري المسلط على الشباب<br />

الجزاءريين.‏ فأسرع بتهرير عريضة رفض‏ واحتجاج شدد<br />

فيها اللهجة التي أعابت القرار الظالم،‏ وأمضاها أعيان<br />

وأحرار مدينة الخروب وضواحيها،‏ ورفعوها في وجه الوالي<br />

العام بالجزاءر العاصمة.‏ وكذلك،‏ فعل الشيخ المعروف عبد<br />

الهليم بن سماية ووجهاء مدينة الجزاءر.‏<br />

في عام ‎1926‎م،‏ انتقل الشيخ عمار إلى مدينة وادي الزناتي<br />

بولاية قالمة ليتولى الإمامة والخطابة والتدريس‏ بمسجدها.‏<br />

ولم يكن سن ابنه عبد الهميد،‏ آنذاك،‏ يتعدى ثلاثة أشهر.‏<br />

وسرعان ما أرسى في مستقره الجديد حركة علمية واسعة<br />

تجاوب معها سكان المدينة.‏ وبفضل جده واجتهاده،‏ أصبهت<br />

مدينة وادي الزناتي محط أنظار طلبة العلم الذين كانوا<br />

يتقاطرون عليها من نواحي عديدة.‏ وكانت دروس‏ الشيخ<br />

عمار موزعة على مختلف العلوم ومقتبسة من المناهج<br />

الدراسية المعتمدة في جامع الزيتونة.‏ ومن تلاميذه،‏ في هذه<br />

الفترة الزمنية،‏ الشيخ محمد الراشدي والشيخ عبد الرحمن<br />

بن العقون ونجله الشيخ المولود مهري.‏<br />

لم تمض‏ سوى سنة واحدة،‏ حتى خامرت ذهن الشيخ عمار<br />

مهري فكرة توسيع مسجد مدينة وادي زناتي لما وقف على<br />

ضيقه أمام تزايد أعداد المصلين.‏ وكتبت جريدة النجاه في<br />

03<br />

أحد أعدادها المنشورة سنة ‎1927‎م تنب قراءها بما هو عاقد<br />

العزم على تحقيقه قاءلة(‏ ‏:تم في وادي الزناتي تأسيس‏ جمعية<br />

خيرية هدفها توسيع صهن الجامع الأعظم.‏ وقد ألقى الإمام<br />

19<br />

لا أريد لهديشي عن الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله الذي سار راضيا إلى ضيافة الرحمن ج<br />

مجال عاءلي محصور؛ ذلك لأن رجلا من أمشال فقيدنا لم يعش‏ لنفسه وعاءلته،‏ فهسب.‏ وإنما أمضى ك<br />

الظلم الذي سيلهق به بعد مماته لو ننظ<br />

الأستاذ:‏ عبد القادر بن الم<br />

حين أنهيت دراستي كطالب متعاقد مع المدرسة العليا للأساتذة،‏ قصدت ا<br />

التعليم الشانوي لمادة الرياضيات من وزارة التربية الوطنية.‏ قضيت اللي<br />

لوزارة التربية الوطنية.‏ وفي الصباه توجهت برفقته إلى الوزارة،‏ ولما وص‏<br />

مقابلة،‏ قاءلا لي:‏ من هناك يمكنك الهصول علي تعيينك.‏ توجهت وحيد<br />

من المتعاقدين الأجانب الذين جاوءوا لنفس‏ الغرض‏ الذي جئت من أجله.‏ و<br />

لأتمكن من سهب تعييني ‏.لم يوص‏ عمي عبد الهميد أحدا للنظر في أمري،وأنا واق<br />

وأنظر على أي وجه يصه.‏ وبعد تفكير،‏ وعيت الرسالة التي أراد أن يبلغها لي،‏ وف<br />

المنصب الذي يهتله عمي كمسوءول سام في وز<br />

مهري عمار خطابا في المصلهين نصههم بالمساعدة؛ لأنها<br />

تعود على عامة المسلمين.)‏<br />

كتب،‏ وقتها،‏ لأحد الصهفيين التونسيين المراسلين لجريدة<br />

تونسية أن يعرّج على مدينة وادي الزناتي،‏ فابتهج لمَا رأى بها<br />

من نهضة واعدة في اجملالين التربوي والتعليمي،‏ وكتب مقالة<br />

لإشاعة تلك الصورة التي أعجب بها منهها عنوان(‏ ‏:يوجد<br />

في النهر ما لا يوجد في البهر.)‏<br />

كُتب للشيخ عمار مهري أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى في يوم<br />

أفريل من سنة ‎1933‎م عن عمر ناهز ستا وأربعين<br />

سنة مخلفا الصغير عبد الهميد في السابعة من عمره.‏ فتولى<br />

كفالته أخوه الشيخ المولود مهري الذي شغل منصب والده<br />

المتوفي،‏ وخلفه في الإمامة والخطابة والتدريس.‏ واستطاع أن<br />

يهافظ على أنفاس‏ الاستفاقة النهضوية التي دأبت حرارتها<br />

في أوصال مدينة وادي الزناتي،‏ وانتقل شعاعها إلى<br />

الضواحي اجملاورة لها.‏ وفي سنة ‎1938‎م،‏ أقدم الشيخ المولود<br />

على إنشاء مدرسة التهذيب الهرة بمعية رفيقه في المسيرة<br />

الإصلاحية الشيخ عبد الرحمن بن العقون وبمساعدة جماعة<br />

من أكابر المدينة المتنورين.‏<br />

ترعرع الفتى عبد الهميد مهري في هذا الجو الهركي المتماوج<br />

(46)<br />

الذي لا يعرف السكون.‏ والتهق،‏ كبقية أبناء جيله،‏ بالكتّاب<br />

القرآني حيش أتم حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ الطاهر<br />

بومدين الذي كان يهفّظ الصبيان آي الذكر الهكيم في بيت<br />

أجره عن السيد عيسى بن مهيدي.‏ ولما أكمل الفتى عبد<br />

الهميد ختم آيات المصهف الشريف،‏ لم يكن عمره يتجاوز<br />

ثلاش عشرة سنة.‏ واستكمالا لدورته التعليمية،‏ التهق<br />

بمدرسة التهذيب الهرة بعد إنشاءها،‏ وتتلمذ في رحابها على<br />

أيدي كل من الشيخ العربي عجالي الصاءغي والشيخ إبراهيم<br />

الزراري والشيخ عبد الرحمن بن العقون.‏ ثم تصدى بنفسه<br />

تلقين الصبيان القرآن الكريم قبل انضمامه إلى هيئة التدريس‏<br />

في مدرسة التهذيب.‏<br />

انشغل الأستاذ عبد الهميد مهري بأدبيات الهركة الوطنية<br />

التي كان الترويج لها يجري في سرية وحذر،‏ وانضم إليها في<br />

سن السادسة عشر.‏ وراه يبشر لأهدافها ويستجلب لها<br />

الموءيدين والأنصار،‏ ويشق لها الروافد التي تغذيها وتعضدها.‏<br />

ورغم تع<br />

أيضا،‏ م<br />

على الف<br />

الضياء.‏<br />

التهق ال<br />

الشهيد<br />

الدراسة<br />

مواظبة<br />

الهركة ال<br />

الطلبة ا<br />

في تنظي<br />

المولود<br />

استمر ال<br />

والنضال<br />

جمعية ال<br />

الاستعما<br />

بسبب ن<br />

للاستقرا<br />

تحد وعنا<br />

المنار.‏<br />

لما أحكم<br />

انطلق،‏ و<br />

معلم.‏ و<br />

ومن اكت<br />

الإيطالية<br />

الجانب،‏<br />

الإبهار<br />

الموضو<br />

في بداية<br />

واقتيد ‏ٕا<br />

سراحه.‏<br />

تمكن من<br />

بونوا<br />

طويل ع<br />

ît<br />

“<br />

صورة الشيخ المولود مهري<br />

1908 1994<br />

أخ ومربي الأستاذ عبد الهميد مهري<br />

صورة نادرة للأستاذ عبد اله<br />

مطربشا<br />

وهو في عشرينيات عم


عدد خاص‏ 17<br />

مارس‏ 2012<br />

ة من حياة<br />

د الهميد مهري<br />

ة؛ لأنها<br />

لجريدة<br />

لمَا رأى بها<br />

كتب مقالة<br />

) ‏:يوجد<br />

ى في يوم<br />

ين<br />

ره.‏ فتولى<br />

ب والده<br />

‏تطاع أن<br />

حرارتها<br />

لى<br />

يخ المولود<br />

سيرة<br />

ة جماعة<br />

(46)<br />

‏يافة الرحمن جلّ‏ وعلا في نهاية شهر جانفي المنصرم،‏ لا أريد أن يكون حديشا مخصوصا ومركوزا في<br />

ب.‏ وإنما أمضى كل دقاءق حياته يتنسم من نساءم وطنه وأمته حتى كلت رءتاه.‏ ولن أرى ظلما أشنع من<br />

بعد مماته لو ننظر إليه من زاوية حسيرة.‏<br />

عبد القادر بن المولود مهري×‏<br />

رة نادرة للأستاذ عبد الهميد مهري<br />

مطربشا<br />

وهو في عشرينيات عمره<br />

المتماوج<br />

بالكتّاب<br />

الطاهر<br />

في بيت<br />

عبد<br />

تجاوز<br />

تهق<br />

ها على<br />

يخ إبراهيم<br />

ى بنفسه<br />

ة التدريس‏<br />

وطنية<br />

م إليها في<br />

ب لها<br />

وتعضدها.‏<br />

ورغم تعدد التزاماته التي امتصت كل أوقاته،‏ إلا أنه اشتغل،‏<br />

أيضا،‏ مرشدا في الكشافة الإسلامية الجزاءرية.‏ وهو من أطلق<br />

على الفوج الذي تأسس‏ في مدينة وادي الزناتي اسم:‏ فوج<br />

الضياء.‏<br />

التهق الشاب عبد الهميد مهري،‏ في أواخر سنة ‎1947‎م،‏ برفقة<br />

الشهيد عمار اشطايبي بجامع الزيتونة في تونس.‏ ولم تبعده<br />

الدراسة في هذه الهاضرة العلمية الراقية بكل ما تتطلبه من<br />

مواظبة وعمل دوءوب من مواصلة نضاله في إطار صفوف<br />

الهركة الوطنية،‏ ونشرأفكارها،‏ وحشد الموءازرين لها من بين<br />

الطلبة الجزاءريين الزيتونيين.‏ وشارك في الشامن ماي ‎1948‎م<br />

في تنظيم المظاهرات التي كان يقودها ويتقدمها أخوه الشيخ<br />

المولود في وادي الزناتي.‏<br />

استمر الطالب الزيتوني عبد الهميد مهري يجمع بين الدراسة<br />

والنضال من دون كلل في تونس،‏ وشرفه زملاوءه برياسة<br />

جمعية الطلبة المسلمين الجزاءريين.‏ ولكن،‏ السلطات<br />

الاستعمارية الفرنسية أسرعت إلى نفيه في سنة ‎1952‎م<br />

بسبب نشاطاته السياسية الوطنية التي أزعجتها.‏ وعاد<br />

للاستقرار في الجزاءر العاصمة مواصلا نشاطه السياسي في<br />

تحد وعناد.‏ وكان في هذه الفترة ينشر مقالات في جريدة<br />

المنار.‏<br />

لما أحكم الأستاذ عبد الهميد مهري بنواصي اللغة العربية،‏<br />

انطلق،‏ وفي عصامية فريدة،‏ في تعلم اللغات الأجنبية من دون<br />

معلم.‏ وتمكن من السيطرة على اللغة الفرنسية حديشا وكتابة<br />

ومن اكتساب اللغة الأنجليزية واستيعاب بدايات اللغة<br />

الإيطالية.‏ وكان والدي الشيخ المولود معجب بمذهبه في هذا<br />

الجانب،‏ وكان يوصني ألا أتطلع إلى تعلم أية لغة أجنبية قبل<br />

الإبهار في اللغة العربية.‏ وكنا كلما تناقشنا في هذا<br />

الموضوع،‏ إلا وقال لي:(‏ خذ العبرة من عمك عبد الهميد.)‏<br />

في بداية شهر نوفمبر من سنة ‎1954‎م،‏ ألقي عليه القبض‏<br />

واقتيد إلى السجن الذي قضى فيه ثلاثة أشهر،‏ ثم أطلق<br />

سراحه.‏ وبأمر من نظام الشورة،‏ التهق بالبعشة الخارجية بعد أن<br />

تمكن من التسلل خارج الهدود بفضل مساعدة عاءلة الأستاذ<br />

بونوا المدرس‏ في كلية العلوم،‏ والذي لم يمض‏ وقت<br />

طويل عن حلولها بأرض‏ الجزاءر.‏ واستطاعت أن توفر له هذه<br />

-<br />

Benoît<br />

صورة الشيخ عمار مهري<br />

‎1933‎م<br />

والد الأستاذ عبد الهميد مهري<br />

“<br />

1887<br />

العليا للأساتذة،‏ قصدت الجزاءر العاصمة أطلب تعييني في وظيفة أستاذ في<br />

بية الوطنية.‏ قضيت الليل ضيفا في سكناه ببوزريعة،‏ وكان وقتها أمينا عاما<br />

رفقته إلى الوزارة،‏ ولما وصلنا إلى مكتبه وقف بجوار النافذة،‏ وأشار إلى بناية<br />

ي تعيينك.‏ توجهت وحيدا إلى مديرية الموظفين،‏ ووجدت أمامي صفا ممدودا<br />

ض‏ الذي جئت من أجله.‏ وتحملت في ذلك اليوم مشقة الانتظار التي دامت ثلاش ساعات<br />

دا للنظر في أمري،وأنا واقف في صف المنتظرين رحت أقلب موقفه حيالي على أوجهه،‏<br />

لتي أراد أن يبلغها لي،‏ وفهواها أن أتعلم الاعتماد على النفس،‏ وأن أسقط من حساباتي<br />

ه عمي كمسوءول سام في وزارة التربية الوطنية.‏<br />

العاءلة ظروف التخفي والتمويه مما مكنته من مغادرة<br />

الجزاءر،‏ والالتهاق بالبعشة الخارجية للشورة ببطاقة<br />

تعريف مزورة.‏<br />

خلال الشورة تقلد العديد من المسوءوليات المعروفة إلى<br />

أن من الله على البلاد بالهرية والاستقلال.‏ ومع اندفاع<br />

غماءم أزمة السنة الأولى للاستقلال،‏ انسهب مقننعا<br />

من فوضى التجاذبات التي كانت تطبع الساحة،‏<br />

وارتضى لنفسه العودة إلى مهنته الأولى التي شغلها<br />

في شبابه كمرب للأجيال،‏ وعمل أستاذا مساعدا في<br />

مادة اللغة العربية في ثانوية زعمارة رشيدس‏ غير<br />

منقطع عن التواصل مع كل الناس.‏<br />

أما عن حياة الأستاذ عبد الهميد العاءلية،‏ فقد كان<br />

رحمه الله - محبوبا وموقرا من طرف جميعنا بفضل<br />

شخصيته التي تبعش عطرا فواحا.‏ وكان يعامل أقرباءه<br />

معاملة رقيقة ملوءها التواضع الجم الذي لا يصطنعه<br />

ولا يتكلفه.‏ وكان صغار العاءلة هم أكثر من يتعلق به،‏<br />

ويتعلق بهم؛ لأنه يهسن مداعبتهم وإرضاء طلباتهم،‏<br />

ولا يمل من التفافهم المضجر حوله.‏ وكانت جلساته<br />

الأسرية تجمع بين المتعة والفاءدة لخفة روحه وحضور<br />

بداهته وتلاحق نكته،‏ ولسعة معلوماته في كل اجملالات<br />

المعرفية.‏ وكان،‏ بهق،‏ يشكل مكتبة عامرة ومتنقلة.‏<br />

وهو مرب من الطراز الرفيع؛ لأنه كان يهسن زمن<br />

ومضمون النصيهة لما يسديها لأي واحد منا.‏<br />

لم تفقده لطافته في المعاملة التهلي بالاستقامة في<br />

آراءه وأحكامه،‏ والتقيد بالصرامة حتى مع نفسه ومع<br />

الآخرين من أفراد العاءلة.‏ وأما تقديسه لمبادءه<br />

الأخلاقية السامية التي عاش‏ بها وأخلص‏ لها فقد<br />

يجعله يرفض‏ التنازل عنها مهما كانت الذراءع.‏ ولا<br />

يرضى استعمال حسبه الشخصي أو توظيف رصيد<br />

ماضيه التاريخي لنيل مآرب أو لتهصيل امتيازات.‏<br />

وفضلا عن ذلك،‏ فقد ظل الأستاذ عبد الهميد مهري موقرا<br />

لمشايخه ومقدرا لهم.‏ ولا يتردد في السوءال عنهم أو زيارتهم<br />

للاطمئنان عليهم،‏ وخاصة في المناسبات.‏ وظل وفيا ومخلصا<br />

لأصدقاءه الذين تفرقوا بين الأجيال.‏<br />

ما زلت أتذكر،‏ أنني حين أنهيت دراستي الجامعية كطالب<br />

متعاقد مع المدرسة العليا للأساتذة،‏ قصدت الجزاءر العاصمة<br />

أطلب تعييني في وظيفة أستاذ في التعليم الشانوي لمادة<br />

الرياضيات من وزارة التربية الوطنية.‏ قضيت الليل ضيفا في<br />

سكناه ببوزريعة،‏ وكان وقتها أمينا عاما لوزارة التربية الوطنية.‏<br />

وفي الصباه توجهت برفقته إلى الوزارة،‏ ولما وصلنا إلى مكتبه<br />

وقف بجوار النافذة،‏ وأشار إلى بناية مقابلة،‏ قاءلا لي:‏ من هناك<br />

يمكنك الهصول علي تعيينك.‏ توجهت وحيدا إلى مديرية<br />

الموظفين،‏ ووجدت أمامي صفا ممدودا من المتعاقدين الأجانب<br />

الذين جاوءوا لنفس‏ الغرض‏ الذي جئت من أجله.‏ وتحملت في ذلك<br />

اليوم مشقة الانتظار التي دامت ثلاش ساعات لأتمكن من سهب<br />

تعييني الذي لم يلب رغبتي التي كنت أتمناها.‏<br />

لم يوص‏ عمي عبد الهميد أحدا للنظر في أمري،‏ ولم يرسلني<br />

إلى أي أحد لمساعدتي.‏ وأنا واقف في صف المنتظرين رحت<br />

أقلب موقفه حيالي على أوجهه،‏ وأنظر على أي وجه يصه.‏<br />

وبعد تفكير،‏ وعيت الرسالة التي أراد أن يبلغها لي،‏ وفهواها<br />

أن أتعلم الاعتماد على النفس،‏ وأن أسقط من حساباتي<br />

المنصب الذي يهتله عمي كمسوءول سام في وزارة التربية<br />

الوطنية.‏ ومن ساعتها اجتهدت في أن أكون جديا في مهنتي،‏<br />

وأيقنت أن كفاءتي هي سبيلي الوحيد للتدرج والارتقاء.‏ وهذا<br />

ما كان في مسار حياتي،‏ والهمد لله.‏<br />

على هذا المنوال كانت الدروس‏ التي يقدمها لنا الأستاذ عبد<br />

الهميد مهري رحمه الله ،‏ فهي دروس‏ بسيطة،‏ ولكنها زاخرة<br />

عن آخرها بالمواعظ والعبر.‏<br />

رحم الله الأستاذ عبد الهميد رحمة واسعة.‏ وعزاوءنا في رحيله أنه<br />

ترك حبه منقوشا في قلوب الجزاءريين على تباين أعمارهم.‏ ولا<br />

اعتقد أن هناك عزاء يعادل هذا العزاء الذي لا يتبدد ولا ينقطع.‏<br />

‏×مفتش‏ التربية الوطنية<br />

في مادة الرياضيات،‏ سابقا


عدد خاص‏ 18<br />

مارس‏ 2012<br />

‏''موقفنا ''<br />

● يبدو أن مفهوم:‏ ‏''السياسة''‏ في أول عهد نشأته،‏ كان<br />

مفهوما مترضرضا وزاخرا بالمعاني ومكتظا بالدلالات.‏<br />

فهو يرمي إلى معنى،‏ ويشير إلى آخر،‏ ويستتبع ثالشا...‏<br />

ونستصدر أحد معانيه التراثية من عنوان<br />

كتاب(:كتاب سياسة الصبيان وتدبيرهم)‏ لابن الجزار<br />

القيرواني ‏(‏‎895‎ ‎980‎م،‏ على الأرجه)،‏ وهو كتاب طبي<br />

رفيع المحتوى وأنيق المستوى،‏ وفي غاية الإيجاز،‏<br />

خصصه صاحبه لطب الأطفال.‏<br />

في العهود الأخيرة شذبت كل الروافد والأفنان<br />

الدلالية التي تسقي هذا المفهوم،‏ أو تتفرع عنه،‏<br />

فصدمه الهجر حتى أطيه بسلطانه،‏ وأصبه يشكو من<br />

الضوى و الهزال والاحتباس‏ والانكماش.‏ ولم يعد<br />

ينهض‏ بأعباء معرفية عديدة.‏ وقصر معناه في<br />

‏):القيام على الشيء بما يصلهه.(‏ وهو المعنى الذي ملأ‏<br />

الدنيا وشغل الناس...وأنا مضطر للانعطاف عاءدا إلى<br />

عنوان موضوعي،‏ فالمتابعة الفقه معرفية لمفهوم:''‏<br />

السياسة''‏ ليست من اهتمامي في الراهن من الوقت.‏<br />

إن السلوك الشاءع بين معظم سيّاسيينا هو أنهم<br />

متعففون عن الكتابة؛ إذ ‏،نادرا ما يهرر الواحد منهم<br />

قلمه من لجامه،‏ و يفكه من عقاله وبغمسه في<br />

محبرته.‏ وإن فعلوا ذلك،‏ فتهت دوافع اضطرارية<br />

طارءة وموءقتة،‏ لا تخلو من حساب وتقدير.‏<br />

إلا أن الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله يمشل<br />

إحدى الهالات الشاذة البارزة.‏ ولقد استطاع أن يجمع<br />

في كتاباته بين وعيه كسياسي محنك خَبِر المواطن<br />

والبواطن،‏ وصهرته التجارب.‏ وبين موضوعيته<br />

الشفيفة في غير تضاد أو تنافر.‏ وهذا ما جعل كتاباته<br />

تتبوأ‏ مكانها في مصاف عيون المقالات السياسية في<br />

الوطن العربي.‏ وتحشد لنفسها جموعا من القراء من<br />

مختلف التيارات والهساسيات.‏<br />

يستنبت المرحوم الأستاذ عبد الهميد مهري،‏ وهو<br />

صاحب ثقافة سياسية واسعة،‏ يستنبت هدوءه وسجوّ‏<br />

طبعه اللذين يعرف بهما في سطور كتاباته بعيدا عن<br />

كل ملاينة واستكانة.‏ ويهفز قارءه الإيجابي كي<br />

يكون متفاعلا معه،‏ ومطلّقا لسُ‏ هب الانفعال الغاشمة.‏<br />

كما أنه يهسن توظيف أدواته؛ حيش يمنه لسلطان<br />

الفكر صدارة التقدم عن سطوة الكلمة،‏ وينتصر<br />

للأسلوب العلمي الذي يتهيز معه للوضوه والدقة.‏ وأما<br />

اللغة عنده،‏ فهي بهق،‏ كاءن حي يمور بالهيوية<br />

وحرارة الإفضاء.‏ وتوءدي وظيفتها بلا تكلف لا يستلذه<br />

طبع،‏ أو ترادف يرصف الألفاظ أصنافا،‏ ويميّع الأفكار<br />

خسفا وكسفا.‏ ففي كل كلمة من كلماته ومضة صدق،‏<br />

ونبضة حياة،‏ وشعاع أمل.‏ وتمتزج لغته وتنصهر مع<br />

أفكاره امتزاجا مدغما وحميميا يطفه بالألفة<br />

والفصه.‏ ولذا يستأنس‏ بكتاباته الخاصة والعامة على<br />

حد سواء.‏ ويمتلك قدرة على استعراض‏ أعمق الأفكار<br />

وأوغلها وأشدها صعوبة ونفورا بأسهل العبارات التي<br />

توءمّن لها الوقود اللازم لفهمها وتمشلها.‏ ولا يعاني معه<br />

قارءه من عسر في الهضم وشقوة في الاستيعاب،‏ بل<br />

يشركه في بناء الموضوع المتطرق إليه في ذهنه من دون<br />

حشو وتكديس،‏ كما تبنى صورة المُربكة Puzzle<br />

بالفطنة والتأني والتنسيق البديع.‏ وتتناغم كل<br />

قطعة مع جاراتها لتوءلف نسقا يشيع بالهقاءق.‏<br />

وبذلك،‏ ينصرف ذهنه إلى إدراكها في يقين يتغلغل<br />

أثرها فيه.‏ وحينما يستجمع جزءياتها،‏ يراها في زي<br />

حُسنها كأنها غوطة أزهار يزدحم فيها البنفسج<br />

والعوسج.‏ ولا يشترط في قارءه أن يكون فارسا في<br />

اللغة،‏ عارفا بشواذها،‏ ولا يهمّله ما لا يطيق.‏ وإنما<br />

يهشه،‏ ومن حيش لا يدري،‏ على التفكير معه،‏ وتقليب<br />

وجهات نظره ومدارستها،‏ واختيار موقف مستبصر<br />

منها،‏ حتى لا يُجر منقادا،‏ مطاوعا،‏ ذليلا،‏ ومشقلا<br />

بالأمالي ومتعبا باللزوميات.‏<br />

لا يقدم الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله على<br />

معالجة أية مشكلة سياسية إلا بعد فهصها بمجهار<br />

عقله النفاذ والمتمرن،‏ وسبر أغوارها مساءلا ظروفها<br />

وملابساتها.‏ ومن ثم يكتب عنها من الداخل غير ناظر<br />

إلى مواط قدميه حيش السهل المباه والمتوفر المستهلك.‏<br />

ويستشرف معها المستقبل بصهوه و مطيره،‏ وبأملسه<br />

ومجعده،‏ وبنقيه وهجينه،‏ ويغوص‏ في أعماق أعماقها<br />

دالا على منعرجاتها المتموجة،‏ ومشيرا إلى أنفاقها<br />

الدامسة.‏ وهو حين يفعل ذلك،‏ فانه لا يستسلم لنزوة<br />

هوى عابر أو إيماءة مصلهة زاءلة.‏ ويشُ‏ د قارءه إليه لما<br />

يوثّق الرباط بين أسباب وإرهاصات نتاءج المشكلات<br />

السياسية التي ينظر فيها،‏ ويغنيها شرحا وتحليلا<br />

واضعا إياها في سياقات سريانها.‏ وقلما يجازف بأحكام<br />

قطعية مطلقة،‏ جازمة ونهاءية كأحكام المحاكم،‏<br />

ولذلك تصادف سطور مقالاته حافلة بكلمات من نمط:‏<br />

زاعتقدس‏ أو بإحدى نظيراتها التي تروج لأراءه<br />

النسبية،‏ من مشيل:سيبدو ليس،‏ ‏''يتهيأ‏ لي''،‏ يتراءى<br />

لي،'،''أظن''،‏ زمن المحتمل''...إلا أن تخميناته وتوقعاته<br />

الافتراضية قلما يغدر بها الزمن وتقلباته.‏ وأما في<br />

مواقع التصدي والدفاع،‏ فهجج مرافعاته الصلبة<br />

صواعق مفهمة،‏ وإثباتاته مواحق تنسف من أصابته<br />

شظاياها نسفا،‏ وتكتسهه كسها.‏<br />

للفقيد الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله قدرة<br />

ماهر على تليين الشاءك وترويض‏ المعقد من القضايا،‏<br />

والخوض‏ في أحشاءها،‏ وإعادة عجنها وتشكيلها سافرة<br />

من دون أن تفقد ذرة واحدة من مادتها بعد أن يتخيّر<br />

لها الهيكل الذي يناسبها،‏ وينتخب الشكل الذي يراه<br />

يروق القارئ ويجتذبه،‏ ثم يبشها في ما يكتب لتشق<br />

طريقها إلى عقل متلقيها متهركة في وثوق وهمة،‏ ومَنْ‏<br />

مِن القراء لم يُعد قراءة أي مقال من مقالاته مرة ثانية<br />

وثالشة...؟.‏ واذكر انه لما كان يدبج افتتاحية جريدة<br />

‏''اجملاهد الأسبوعي''‏ في بداية تسعينيات القرن<br />

المنصرم،‏ لم تكن بضاعتها باءرة،‏ وتعاني من كساد.‏<br />

يعتبر الأستاذ عبد الهميد مهري سقى الله قبره <br />

منوالا وأسوة في الابتكار ومجاراة التجديد والتهديش.‏<br />

وهو لا يتردد في إسقاط أقنعة ومسوه التقليدية<br />

الملتزمة عن المفاهيم المتداولة في الهقل السياسي حتى<br />

لا تبقى كركم الأطلال المنهدة،‏ أو كالأحافير<br />

المستهاثية الغارقة في وهمها الماضوي ‏.وهو مبتدع<br />

مفاهيم ‏:سشقافة النسيانس،‏ وسالسلطة الفعليةس،‏<br />

و''التدويل الانتقاءي''...‏ والمصمم على توظيف مفهوم:‏<br />

‏''العنف''‏ الذي يزاحمه مفهوم آخر رُوّ‏ ج له ترويجا لم<br />

ير في انعكاساته ما يهمد عليه.‏ ومن ينظر<br />

ويستقصي يستيقن أن تعاقب الأيام أثبتت صواب<br />

مذهبه فيما يخص‏ هذا المفهوم الأخير.‏<br />

يصادف في كتابات الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه<br />

الله السياسية هامش‏ للمزحة والطرفة المليئة<br />

بالعبر والعضات والدروس،‏ وفسهة للنكتة اللطيفة<br />

التي تصيب سهامها العقل فتوقظه،‏ وتعرّج على<br />

القلب فتهزه.‏ وهي مرآة عاكسة لخفة روحه<br />

وأريهيته.‏ ومن أمشلة ذلك،‏ أنه كتب في إحدى<br />

مقالاته يقول)‏ ‏:إن الشعب لا يفهم عندما يكون<br />

المسجد يهترق أن يقف على الباب من يقول للناس:‏<br />

لا يدخل المسجد إلا من كان على وضوء،‏ وخاصة إذا<br />

كان في الناس‏ من يعتقد أنه هو أيضا على غير وضوء<br />

: (...<br />

...).<br />

و سجل في مقالة أخرى،‏ قاءلا وثقة<br />

الموءسسات المالية يصدق عليها المشل الشعبي:‏ إذا<br />

نصهك التاجر فنصف النصيهة له.(‏ وفي<br />

الاقتباسين كليهما مقاربة للشقافة الاجتماعية<br />

الشاءعة،‏ واستشمار للموروش الشعبي المتداول اللذين<br />

يسهل بهما بلوغ سنام المقاصد لبناء موقف واع وجلي.‏<br />

قد يكون اعتبار الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه<br />

الله راءدا من رواد المقالة السياسية بالنسبة لأبناء<br />

جيلي اكتشافا حديشا،‏ إلا أن واقع الأمر ينب بما يناقض‏<br />

ذلك.‏ وتتضمن ذخاءر رصيده كتابات طوت عقودا<br />

كاملة من عمرها كالمقالات التي نشرها في جريدة:‏<br />

زالمنارس‏ التي كانت تصدر في عهد الاستعمار.‏ ومنها<br />

مقالة تحمل عنوان)‏ ‏:يجب أن تخرج القضية<br />

الجزاءري إلى الميدان العالمي ) يقول في مقاطع منها:‏<br />

‏)يتساءل الناس:‏ لماذا لم ترفع قضية الجزاءر إلى<br />

هيئة الأمم المتهدة؟،‏ ولهذا التساوءل معناه.‏ فالقضية<br />

الجزاءرية يجب أن تخرج إلى الميدان العالمي،‏ ولكن هذا<br />

لا يتأتى إلا باجتماع كلمة الأحزاب وانتظام الكفاه<br />

في الداخل أولا.‏ نعم،‏ جميع الجزاءريين يتساءلون<br />

اليوم،‏ في كل مكان،‏ وفي جميع الأوساط:‏ لماذا لا تحذو<br />

القضية الجزاءرية حذو القضيتين التونسية<br />

والمراكشية.‏ وهذا التساوءل يعبر عن التجاوب العميق<br />

بين الشعوب المغربية،‏ وعن مقدار تأثير الأحوال<br />

السياسية في كل قطر مغربي بما يجري في القطرين<br />

الآخرين...‏<br />

يجب أن تعلم هذه الأحزاب أن الشعب يطالبها بشيء<br />

آخر غير هذه زالهدنةس‏ السمجة التي تناقش‏ فيها<br />

الأخطاء،‏ ولا يُنهج فيها نهج قويم...‏ إن الشعب<br />

يطالب بالعمل على الخروج بالقضية الجزاءرية من<br />

هذه العزلة التي يريد أعداوءها حصرها فيه.‏ وهذا<br />

ممكن جدا إذا قدرت الأحزاب واجبها وضهت<br />

بالاعتبارات الهزبية الضيقة)‏ .( جريدة ‏''المنار''‏ <br />

السنة الشانية العدد العاشر الصادر في ‎1952-10-24‎م <br />

الصفهة الأولى).‏<br />

لما أقدمت فرنسا على اقتراف جريمة فضيعة بهق<br />

المناضل العمالي التونسي المعروف فرحات حشاد،‏ إذ<br />

اغتالته حمقا وجبنا وكيدا،‏ كتب الأستاذ عبد الهميد<br />

مهري رحمه الله يقول في حقه(‏ ‏:لم يمنعني الهزن<br />

العميق لاغتيال المرحوم السيد فرحات حشاد من<br />

التفكير في شخصية هذا الفقيد الشهيد،‏ وأعماله<br />

العظيمة لفاءدة بلاده.‏ بل،‏ لعلني كنت أجد في<br />

إحياء ذكراه في فكري واستعراض‏ أعماله بعض‏ ما<br />

يسليني عن مصاب تونس‏ العزيزة ومصاب المغرب<br />

العربي في هذا الرجل العظيم.‏ وقد حدا بي التفكير<br />

إلى التساوءل عمن يستطيع أن يخلف فرحات حشاد،‏<br />

ذلك المناضل البسيط،‏ المتواضع الذي لا يلفت أنظار<br />

الناس‏ إليه بمنظره،‏ وإنما يلفت أنظارهم بأعماله<br />

التي تطير أنباوءها إلى مختلف أطراف البلاد<br />

التونسية،‏ وتتجاوز أحيانا حدود البلاد التونسية إلى<br />

أطراف العالم.‏<br />

هذا المناضل البسيط،‏ المتواضع لا يمكن أن يخلفه أحدا<br />

بعينه؛ لان شخصيته الفذة وأفكاره النيرة وأعماله<br />

العظيمة طبعت جيلا كاملا من الشغالين التونسيين،‏<br />

وتركت خطة واضهة المعالم لرفاقه المقربين<br />

ومساعديه الأوفياء.‏ فهذه النخبة اخملتارة من<br />

مساعديه،‏ وهذا الجيل الذي طبعه فرحات حشاد<br />

بطابعه الخاص‏ هو الذي يخلف فرحات حشاد،‏<br />

ويضطلع بإتمام رسالته في البلاد التونسية.‏<br />

كانت شخصية فرحات حشاد شخصية قوية،‏ ولكنها<br />

لا تفرض‏ نفسها على الناس‏ فرضا عنيفا.‏ بل،‏ كان<br />

الناس‏ أنفسهم يهبون قوتها وينجذبون إليها<br />

مختارين،‏ ويهرعون إليها يلتمسون العون في الملمات.‏<br />

وكانت هذه الشخصية القوية تتدثر بدثار من الخلق<br />

المتين والبساطة في المظهر والهديش والإتزان في<br />

الأعمال والأقوال وضبط النفس‏ في الشدة واليسر.‏<br />

وكان هذا الجانب اللين الناعم هو كل ما يظهر من<br />

شخصية فرحات حشاد القوية لمن يعرفونه من<br />

بعيد،‏ أو يجتمعون إليه مرة أو مرتين.‏ وكان فرحات<br />

حشاد واسع الأفق،‏ متين الشقافة السياسية<br />

والاجتماعية.‏ وكان مع هذا واقعيا لا يجمه به اتساع<br />

أفقه عن الرأي الصاءب والخطة الهكيمة في كليات<br />

الأمور وجزءياتها.‏ وكان يرى أن واجب الطبقة العاملة<br />

في بلاد محتلة هو أنه في طليعة الكفاه التهريري قبل<br />

كل شيء.‏<br />

وكان يرى أنه من الغلط الفاحش‏ أن ينزوي العمال في<br />

نقاباتهم،‏ ويعكفوا على خُويصة أنفسهم يطالبون<br />

بترفيع الأجور وتحسين ظروف العمل في بلاد مهددة<br />

كلها بالابتلاع من طرف الأجنبي،‏ وهذا الذي ينقمه<br />

عليه المستعمرون،‏ ويصفونه بالعمل السياسي.‏ وقد<br />

أدرك فرحات حشاد بتفكيره الواقعي الرزين أن<br />

الإتحاد العملي بين الأقطار المغربية ضروري لنجاه<br />

قضاياها،‏ فكان لهذا شديد الإيمان بالوحدة المغربية.‏<br />

وكان يصنع الخطط لتنظيم العمل التونسي<br />

والجزاءري والمراكشي في جامعة نقابية واحدة،‏ وكان<br />

يقول)‏ ‏:ما معنى إضراب عمال الفسطاط في تونس‏ إذا<br />

كانت الشركات المستغلة توجه كل قواتها لإنهاك<br />

عمال الفسطاط في مراكش‏ لتعوض‏ خساءرها<br />

وكان شديد الاهتمام بكفاه العمال الجزاءريين<br />

والمراكشيين،‏ كشير الاتصال بهم،‏ وله بينهم أصدقاء<br />

عديدون.‏ ولم تكن هذه الجامعة النقابية المغربية<br />

غاية عند حشاد،‏ بل كان يراها خطوة أولى تفته<br />

الطريق لتكوين جبهة سياسية بين الأحزاب والهيئات<br />

المغربية.‏ ولم يغب عن فرحات حشاد،‏ وهو الرجل<br />

الواقعي،‏ أهمية كسب الأنصار في الخارج،‏ فكان يعمل<br />

جاهدا في هذا المضمار،‏ يراسل ويسافر ويهضر<br />

الموءتمرات،‏ ويكتب في اجمللات العالمية،‏ ويدعو<br />

الشخصيات العالمية لهضور الموءتمرات والاجتماعات<br />

التي يشرف على تنظيمها وإدارتها،‏ و يعرضها على<br />

العالم صورة حية ناطقة جملهود الطبقة العاملة<br />

التونسية،‏ وقدرتها على التنظيم في الكفاه.‏ وقد<br />

حقق فرحات حشاد الكشير من أفكاره في صبر و أناة<br />

وعمل متواصل،‏ وجعل الكشير من قادة الرأي في<br />

المغرب العربي يوءمنون بأفكاره التي لم يته له أن<br />

يشهدها حقيقة قاءمة.‏<br />

تمكن فرحات حشاد من تنظيم الطبقة العمالية<br />

التونسية من تكتيلها حول الهركة التهريرية<br />

التونسية ونفخ فيها روه الكفاه والصبر.‏ فكانت<br />

داءما في المقدمة تكافه في سبيل تحسين حالتها المادية<br />

والمعنوية،‏ وتكافه من أجل تحرير بلادها.‏ وكانت<br />

تضهي راضية بمصالهها الخاصة في سبيل التهرير<br />

القومي العام.‏ وتمكن رحمه الله من تغذية بذور<br />

الوحدة المغربية في صفوف العمال من جزاءريين<br />

وتونسيين ومراكشيين،‏ وجعلهم يتطلعون إلى اليوم<br />

الذي تبرز فيه جامعة النقابات المغربية إلى الوجود.‏<br />

وقد ظل فرحات حشاد يبشر بأفكاره هذه في<br />

الأوساط النقابية العالمية،‏ ويكسب لها الأنصار،‏ فأعان<br />

بذلك على إخراج القضايا المغربية إلى النطاق العالمي.‏<br />

إن التأثير العميق الذي كان لاغتيال فرحات حشاد<br />

في المغرب العربي والعالم لدليل على أن فرحات حشاد<br />

نجه في مهمته،‏ وأدى رسالته خير الأداء.‏ رحم الله<br />

فرحات حشاد،‏ فقد سقط شهيد الكفاه ضد الاستعمار<br />

والرأسمالية الجشعة،‏ وعوضنا عنه خير العوض)‏ .(<br />

جريدة المنار السنة الشانية العدد 13 الصادر في<br />

‎19521212‎م الصفهتان الأولى والرابعة.(‏<br />

اغتذى الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله من<br />

رحيق جبهة التهرير الوطني الصافي في شهامة<br />

وصرامة،‏ وأشرقت أنوار أدبياتها في أفق أفكاره،‏<br />

وجرت كالجدول الرقراق يسقي الأرض‏ الموات على<br />

جانبيه،‏ وتفيض‏ معانقة طموحاتها مع مطلع كل<br />

شمس.‏ وعندما يكتب الأستاذ عبد الهميد مهري <br />

رحمه الله عن جبهة التهرير الوطني فإنه يجمع<br />

بين رواسب الذاكرة الهبلى وحصيلة حصاد الممارسة<br />

اليومية.‏ وكانت آخر مقالة كتبها في صفهة:‏<br />

من جريدة ‏''اجملاهد الأسبوعي''‏ مقالة حف بها حزب<br />

جبهة التهرير الوطني قبل أن تفجوءه أحداش الموءامرة<br />

اخملذولة وعنوانها ‏''من أجل نقاش‏ فكري واسع''.‏<br />

وتنطق كلمات سطورها بما يلي)‏ ‏:إن الموءتمر السابع<br />

لجبهة التهرير الوطني حدش هام في تاريخ الهزب<br />

ومسيرته النضالية،‏ و هو أيضا حدش هام في الهياة<br />

السياسية.‏ لقد واجهت جبهة التهرير الوطني<br />

عواصف التغيير التي هبت على اجملتمع الجزاءري.‏<br />

وهي لم تستكمل بعد كل الأسباب التي تمكنها من إدارة<br />

هذا التغيير،‏ والإسهام في صنعه بما يخدم الشعب<br />

والمصلهة الوطنية العليا.‏ ولكنها صمدت في هذه<br />

المعركة الكبرى،‏ وهي مستهدفة من عدة أطراف لا<br />

تريد الخير لهذا البلد أو لا تعرف الخير لهذا البلد.‏<br />

وإن الطريق،‏ طريق التغيير الصهيه،‏ مازالت طويلة،‏<br />

والمعركة مازلت مستمرة والمهمة الأولى للموءتمر السابع<br />

هي تمكين جبهة التهرير الوطني من الاستمرار في<br />

الإسهام الواعي في معركة التغيير.‏<br />

إن التغيير الذي يتطلبه اجملتمع يتقاطع في أكثر من<br />

نقطة مع خط جبهة التهرير ماضيا وحاضرا<br />

ومستقبلا.‏ فالمسوءولية،‏ إذن،‏ ثقيلة بالنسبة لمناضلي<br />

الهزب وأنصاره في إعداد الموءتمر السابع أحسن إعداد<br />

وتوفير ظروف النجاه لإعماله في جميع مراحلها.‏<br />

وأول شروط النجاه هو أن يكون الموءتمر مناسبة فريدة<br />

لنقاش‏ فكري وسياسي شامل بين المناضلين في ما<br />

بينهم،‏ و بينهم وبين اجملتمع الذي يتصدون لخدمته<br />

... ممشلا بأنصار الهزب وموءيديه.‏<br />

إن النقاش‏ الهر العميق مهمة شاقة،‏ ولكنه ضرورة<br />

ملهة في هذه الظروف القاسية والعقيمة التي تلف<br />

الهياة الوطنية بمختلف ميادينها)‏ ‏.(أسبوعية اجملاهد<br />

الأسبوعي العدد ‎1846‎ الصادر في ‎1995-12-22‎م.)‏<br />

تجمع كتابات الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله <br />

في تألق بين المتعة والسهر والافتتان والرصانة<br />

والجاذبية والإغراء؛ لأنه يودع أفكاره في تماس‏<br />

مباشر مع التجارب المعيشة من غير انهلال في المشالية<br />

المسرفة أو احتماء بالتشفيرات الملبكة،‏ ويسبه في أدق<br />

تفاصيلها غير ساهٍ‏ أو لاهٍ‏ عن الأهداف التي من أجلها<br />

كتب.‏ وأما عندما يكتب عن الماضي فإنه لا يرحل إليه<br />

وإنما ينقل زبدة وحصاد ذلك الماضي إلى حاضر<br />

يومه،‏ ويقرأ‏ سطور سجله مبتغيا جني الفواءد<br />

المرصعة وإشاعتها بين الأجيال ليمدها بعصارة<br />

خلاصة التجارب الجاهزة،‏ فيوفر عنها الجهد<br />

والوقت والعناء.‏ وهذا ما يستشف،‏ على سبيل المشال،‏<br />

من تقديمه لكتاب:''مهندسو الشورة<br />

Les<br />

''architectes de la révolution الذي ألفه اجملاهد<br />

الأستاذ المفكر عبد الهميد مهري<br />

راءدا من رواد<br />

المقالة السياسية<br />

لمباركية نوار باتنة<br />

عيسى كشيدة،‏ إذ يقول رحمه الله في فقرة<br />

مترجمة منه ما يلي):‏ بطلب مله من الأخ عيسى<br />

لكتابة تقديم لهذه الشهادة،‏ أقر بفرط تأثري لهذا<br />

النوع من الصداقة والوفاء المطروقة في أيام النضال.‏<br />

ولكن،‏ ومع قبولي وجدتني مواجها للأسئلة التي<br />

يطرحها النساء والرجال من أبناء جيلي عندما<br />

يقادون صوب الاقتراب من التاريخ.‏ ومن هذه<br />

الأسئلة،‏ فان التي تحل بالذهن هي:(‏ ماذا يمكن أن<br />

تمشل شهادات،‏ وتفاصيل حياة شخصية أمام تدفق<br />

التاريخ الشبيه بالسيل الغزير؟،‏ ويوجه أخص‏<br />

بالنسبة للمستقبل؟.)...‏<br />

إن الموقف في هذه الوقفة العجلى ليس‏ موقف<br />

استقراء شامل ومفصل لخصاءص‏ المقالة السياسية<br />

التي لمع وبرع فيها الأستاذ الكبير عبد الهميد مهري <br />

رحمة الله عليه .‏ وحسبي،‏ أنني قضيت شطرا<br />

ضئيلا من الواجب حياله كصاحب قلم قدير فقدت<br />

ساحتنا الشقافية في رحيله عنا أحد كبار منشطيها<br />

المغاوير والمتهفين.‏<br />

).


عدد خاص‏ 19<br />

مارس‏ 2012<br />

الأستاذ معن بشور ل ‏''صوت الأحرار''‏<br />

مهري كان نصيراً‏ للتهول الديمقراطي دون مساومة<br />

■ مهري لا يرى مستقبلاً‏ للجزاءر إلاّ‏ من خلال دور متميّز لها في قضايا الأمة<br />

قدم الأستاذ معن بشور في شهادة عن الراحل الكبير المناضل عبد الهميد مهري ذكريات ومواقف تجسد عظمة هذا اجملاهد<br />

والسياسي المحنك،‏ موءكدا أن مهري كان رجل مواقف بكل ما في الكلمة من معنى،‏ سواء داخل الجزاءر أو على مستوى الأمة،‏ وأن<br />

مواقفه كلها تميزت بالشجاعة والجرأة والرصانة والشبات على المبادئ،‏ فكان نصيراً‏ للتهول الديمقراطي في بلده دون مساومة،‏<br />

وقال الأستاذ بشور الذي ربطته بالفقيد صداقة ونضال مشترك منذ مطلع التسعينيات حول قضايا الأمة العربية أن الراحل<br />

كانت له روءى ناضجة تجاه ما تشهده المنطقة من تحولات،‏ كان مهري ينتظرها منذ زمن طويل،‏ نظراً‏ لإيمانه العميق بهق الشعوب<br />

في رسم مصيرها،‏ مضيفا أن مهري كان واقعياً‏ إلى أبعد الهدود،‏ لا يرى مستقبلاً‏ لوطنه الجزاءر إلاّ‏ من خلال دور متميّز له في قضايا<br />

الأمة،‏ لذلك كان مهري ذا نظرة ثاقبة،‏ يهاكم السياسات والمواقف والإجراءات بمقياس‏ وحدوي واضه.‏<br />

أجرت الهوار:‏ ليلى سالم شريف<br />

أعمالها،‏ ويطوّر إداءها،‏ حريصاً‏ أن تكون أطاراً‏ لدعم<br />

القدس‏ وأهلها،‏ وصون مقدساتها كما تكون إطاراً‏ لجمع<br />

شمل كل تيارات الأمة حول هدف جليل.‏<br />

● رافقتم الفقيد عبد الهميد مهري<br />

منذ سنوات في النضال القومي العربي<br />

والدفاع عن قضايا الأمة،‏ وكيف كان<br />

مهري الشاءر والمهموم بقضايا الأمة<br />

العربية؟.‏<br />

●● جمعتني بالراحل الكبير الأستاذ عبد الهميد مهري<br />

في البداية دورات الموءتمر القومي العربي في بداية<br />

التسعينات من القرن الماضي،‏ بعد أن كان اسمه يتردد<br />

على مسامعي عبر العديد من معارفه الذين واكبوا<br />

نضاله في صفوف الشورة الجزاءرية،‏ والذين عرفوا دوره<br />

ومكانته في مصر والمشرق العربي يوم عمل ممشلاً‏<br />

لجبهة التهرير الوطني الجزاءري في العديد من الدول<br />

العربية فاستهق إعجاب وتقدير كل من عرفه أو عمل<br />

معه.‏<br />

أما في الموءتمر القومي العربي وفي دوراته المتتالية التي<br />

حضر معظمها،‏ والتي انتخب فيها مرتان أميناً‏ عاماً‏<br />

2000 -<br />

فقد حرص‏ على قيادة<br />

للموءتمر ما بين<br />

الموءتمر في مراحل عصيبة من حياة الأمة واضعاً‏ خبرته<br />

الشمينة وتجربته الغنية في خدمة كل القضايا القومية،‏<br />

وفي مقدمتها قضية فلسطين وقضية العراق وقضايا<br />

الهريات والديمقراطية والتعددية السياسية.‏<br />

ولقد كان للراحل الكبير الفضل الأكبر في توفير<br />

ظروف انعقاد الموءتمر العاشر 2000، والسادس‏ عشر<br />

2005، في الجزاءر بسبب ما كان يتمتع به من مكانة<br />

داخل بلده،‏ وكان حريصاً‏ أن يهضر أعمال الموءتمر حشد<br />

كبير من الشخصيات الجزاءرية من مختلف ألوان<br />

الطيف السياسي الجزاءري،‏ وفي مقدمهم الرءيس‏ عبد<br />

العزيز بوتفليقة الذي ألقى كلمة في افتتاه الموءتمرين.‏<br />

وكان الراحل الكبير أحد موءسسي الموءتمر القومي<br />

الإسلامي كمهاولة لبناء كتلة تاريخية تتصدى<br />

للتهديات الكبرى التي تواجهها الأمة،‏ وللتلاقي حول<br />

المشروع النهضوي العربي الذي أطلقه مركز دراسات<br />

الوحدة العربية،‏ وقد كان مهري أحد أعضاء مجلس‏<br />

أمناءه.‏<br />

وفي الملتقيات العربية الدولية التي انعقدت حول<br />

عناوين القضية الفلسطينية ‏)القدس،‏ حق العودة،‏<br />

الجولان،‏ دعم المقاومة،‏ نصرة الأسرى في سجون<br />

الاحتلال(،‏ كان الراحل الكبير في طليعة من لبى<br />

دعوات المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن<br />

‏)وكان مهري أحد أعضاء هيئته التوجيهية(‏ إلى هذه<br />

الملتقيات،‏ ليطلق خلالها روءاه ومواقفه.‏<br />

1996<br />

● ما هو أهم موقف ما زلتم تذكرونه<br />

للفقيد؟<br />

كان عبد الهميد مهري رجل مواقف بكل ما في<br />

الكلمة من معنى،‏ سواء داخل الجزاءر أو على مستوى<br />

الأمة،‏ لذلك من الصعب الهديش عن موقف أكثر أهمية<br />

من الموقف الآخر.‏<br />

ولقد تميّزت مواقفه كلها بالشجاعة والجرأة والرصانة<br />

والشبات على المبادئ،‏ فكان نصيراً‏ للتهول الديمقراطي<br />

في بلده دون مساومة،‏ وكان نصير ثابتاً‏ للهق<br />

الفلسطيني الكامل دون تنازل،‏ وكان مدافعاً‏ عن<br />

الشعب العراقي ضد الهصار والاحتلال غير راضخ<br />

لأي ضغوط،‏ وكان نصيراً‏ للبنان في رفضه للهرب<br />

الأهلية،‏ وكان راءداً‏ في الدعوة إلى وحدة المغرب العربي<br />

ووحدة الأمة العربية.‏<br />

● ماذا تستذكرون عن آخر لقاء جمعكم<br />

بالراحل؟<br />

آخر لقاء جمعنا بالراحل الكبير كان في أواخر<br />

أيار/ماي حين حضر إلى بيروت للمشاركة في<br />

الدورة الشانية والعشرين للموءتمر القومي العربي،‏ حيش<br />

كانت له مساهمة مميّزة في مشروع متكامل لتقييم تجربة<br />

الموءتمر بعد ‎22‎عاماً‏ على تأسيسه،‏ كما كانت له روءى ناضجة<br />

تجاه ما تشهده المنطقة من تحولات،‏ كان مهري ينتظرها منذ<br />

زمن طويل،‏ نظراً‏ لإيمانه العميق بهق الشعوب في رسم<br />

مصيرها،‏ غير أنه كان يهذّر من محاولات اختراقها<br />

والالتفاف عليها وتجويفها على يد أعداء الأمة.‏<br />

وفي هذا الصدد أذكر له كلمة شهيرة:‏ ما دخل<br />

المستعمرون بلداً‏ إلاّ‏ وأفسده ودمره،‏ وذلك في رفض‏<br />

صريه لكل أشكال التدخل الأجنبي دون أن يدعو داءماً‏<br />

إلى إغلاق كل الشغرات التي يمكن النفاذ منها.‏<br />

وفي تلك الرحلة في بيروت شارك مهري في الاجتماع<br />

التهضيري لملتقى مناهضة التمييز العنصري<br />

الصهيوني الذي انطلقت الدعوة إليه من قصر<br />

الصنوبر في الجزاءر،‏ حيش انعقد الملتقى العربي الدولي<br />

لنصرة الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال،‏ بمبادرة<br />

من المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن وجبهة<br />

التهرير الوطني الجزاءرية،‏ وكان مهري أيضاً‏ أحد أبرز<br />

المشاركين فيه.‏<br />

في ذاك الاجتماع الذي شارك فيه أكثر من 80 شخصية<br />

عربية ودولية كان لأبي سهيل مداخلات هامة حاول<br />

من خلالها نقل تجربة الشورة الجزاءرية إلى الشورة<br />

الفلسطينية،‏ لاسيّما في مجال انتزاع مقعد لفلسطين<br />

في الأمم المتهدة.‏<br />

,2011<br />

●●<br />

● ماذا تتذكرون عن الراحل السياسي<br />

الوطني صاحب القيم والمبادئ أم المدافع<br />

الشرس‏ عن القومية العربية؟<br />

كان عبد الهميد مهري في دفاعه عن هوية أمته<br />

العربية والإسلامية صاحب قيم ومبادئ،‏ تماماً‏ كما قاده<br />

دفاعه عن القيم والمبادئ إلى أن يكون أحد أبرز المدافعين<br />

عن العروبة والإسلام داخل الجزاءر وعلى مستوى الأمة.‏<br />

ولم يكن مهري في ذلك كله رومانسياً‏ أو حالماً،‏ أو<br />

مشدوداً‏ إلى التاريخ فهسب،‏ بل كان واقعياً‏ إلى أبعد<br />

الهدود،‏ لا يرى مستقبلاً‏ لوطنه الجزاءر إلاّ‏ من خلال دور<br />

متميّز له في قضايا الأمة،‏ تماماً‏ كما كان يدرك جيداً‏ أن<br />

انتصار ثورة الجزاءر العظيمة كان في أحد جوانبه نتيجة<br />

لوقفة الأمة العربية والإسلامية كلها إلى جانب تلك<br />

الشورة،‏ ولقد سمعت منه مراراً‏ قوله زإن ما يميّز ثورة<br />

الفاتح من نوفمبر 1954, عن غيرها من ثورات<br />

الجزاءريين العظيمة،‏ ما سهّل انتصارها،‏ هو أنها انطلقت<br />

في مناخ عربي مختلف فساهمت مع ثورة عبد الناصر<br />

في مصر وحركة البعش في المشرق في إطلاق المدّ‏<br />

القومي العربي في أواسط الخمسينات والستينات من<br />

القرن الماضي،‏ كما أسهم ذلك المدّ‏ بدعمها وتوفير<br />

أسباب انتصارها.‏<br />

وكان مهري موءمناً‏ أن تنمية أي بلد عربي مرتبط<br />

بالتنمية العربية الشاملة،‏ وأمن أي قطر مرتبط بالأمن<br />

القومي للأمة كلها،‏ بل كان يدرك أن الوحدة الوطنية<br />

داخل أي قطر مرتبطة بالسياج العربي والإسلامي<br />

الذي يهيط بذلك القطر.‏<br />

● يعتبر عبد الهميد مهري من<br />

الشخصيات العربية التي أمضت جزءاً‏<br />

من عمرها في الدفاع عن القضية<br />

الفلسطينية،‏ ما تعليقكم؟<br />

●● كان عبد الهميد مهري من أبرز المناضلين من أجل<br />

الهرية ليس‏ في الجزاءر وحدها،‏ بل في كل أصقاع الدنيا،‏<br />

فكيف إذا كان الأمر متعلقاً‏ بفلسطين بكل ما ترمز إليه<br />

من دلالات ومعانٍ.‏<br />

لقد كان للراحل الكبير مساهمات بالغة الأهمية عبر<br />

مقالات ورساءل ومحاضرات حول القضية<br />

الفلسطينية وتطوراتها،‏ لاسيّما بعد دخولها مرحلة<br />

التسويات السياسية،‏ فقد كان يدّرك أن لكل نضال أو<br />

ثورة جانبها السياسي والدبلوماسي،‏ ولكنه كان يدعو<br />

إلى إخضاع هذا الجانب لمتطلبات الشورة وأهدافها لا<br />

العكس،‏ واضعاً‏ تجربة الشورة الجزاءرية في هذا المضمار<br />

أمام القادة الفلسطينيين الذين كانت تربطه بهم<br />

علاقات وثيقة منذ أن احتضنت الجزاءر بعد الاستقلال<br />

أول مكتب لهركة فته قبيل انطلاقتها في<br />

أما في موءسسة القدس‏ الدولية التي أسسناها معاً‏ في<br />

مطلع عام 2002 في بيروت،‏ فقد كان عضواً‏ في مجلس‏<br />

أمناءها،‏ وأول رءيس‏ لفرعها في الجزاءر،‏ وكان يواكب<br />

● لازمت النظرة الوحدوية كل مراحل<br />

تطور هذه الشخصية البارزة،‏ كان من<br />

الذين يهلمون بوحدة عربية<br />

ومغاربية،‏ ما رأيكم؟.‏<br />

●● كان عبد الهميد مهري موءمناً‏ أن مستقبل أمته مرهون<br />

بوحدتها،‏ سواء كانت الوحدة على المستوى الإقليمي كما<br />

هو حال بلدان المغرب العربي،‏ أو على المستوى العربي<br />

الشامل كما هو حال الأقطار العربية،‏ وسواء كانت هذه<br />

الوحدة تنسيقاً‏ أم تعاوناً،‏ كونفدرالية أم فدرالية.‏<br />

لقد كان الراحل الكبير يوءمن بقوة أن هذا العصر هو عصر<br />

التكتلات الكبرى،‏ وأن لا مكان فيه للكيانات الصغرى<br />

التي لا تستطيع بدون سوق إقليمية مشتركة،‏ ودفاع<br />

إقليمي مشترك،‏ أو مشاريع اقتصادية وثقافية مشتركة أن<br />

تصون أمنها،‏ وتحمي أوطانها وتحقق الكفاية لأبناءها.‏<br />

لذلك كان مهري ذا نظرة ثاقبة،‏ يهاكم السياسات والمواقف<br />

والإجراءات بمقياس‏ وحدوي واضه،‏ كما كان يدعو إلى<br />

سياسات ومواقف وإجراءات تعكس‏ هذه النظرة الوحدوية.‏<br />

من هنا كان ل ‏ٔلاستاذ عبد الهميد مهري دور بارز في العديد<br />

من الهيئات والموءسسات ذات الطابع العربي العام،‏ كما<br />

كان يسعى مع إخوان له لإطلاق منتدى المغرب العربي<br />

ليشكّل خطوة باتجاه الاتحاد المغاربي الذي لم يناضل<br />

مهري من أجله فهسب،‏ بل عاش‏ حياته متمسكاً‏ به كروه<br />

ونهج،‏ رافضاً‏ كل الصراعات الجانبية.‏<br />

● ماذا كان يقول عبد الهميد مهري<br />

عن مستقبل الأمة العربية؟<br />

كان مهري،‏ ككل ثاءر موءمن،‏ متفاءلاً‏ بأن مستقبل<br />

الأمة العربية مستقبل مشرق،‏ رغم كل الظواهر المحبطة<br />

والمحيطة والعقبات التي تعترض‏ مسيرة الأمة نهو تحررها<br />

وتقدمها ووحدتها.‏<br />

غير أنه لم يكن يعني أبداً‏ القفز فوق جهود فكرية<br />

وسياسية ونضالية عديدة لا بد منها للإنطلاق بمستقبل<br />

الأمة إلى الأمام،‏ فهو كان يوءمن بأن الأمة تمتلك كل<br />

الشروط الموضوعية للانتصار على كل ما يعيق تحررها<br />

وتقدمها،‏ لكن على الأمة وقواها الهيّة أن توفر الظروف<br />

الذاتية المواءمة للظروف الموضوعية وفي مقدمها المشروع<br />

النهضوي والكتلة التاريخية والإرادة والوعي والنضال.‏<br />

●●<br />

● ماذا تقولون للأجيال الشابة التي لم<br />

تعرف مهري،‏ عن هذا الرجل العظيم؟<br />

●● لم أجد الأستاذ عبد الهميد مهري مرة سعيداً‏ كسعادته<br />

بعد أن يكون قد التقى للتوّ‏ بشباب الجزاءر في ندوات كانت<br />

تنعقد معه في جامعات الجزاءر من أقصى الشرق إلى<br />

أقصى الغرب،‏ أو التقى الشباب القومي العربي الذين<br />

انعقد أكثر من مخيم من مخيماتهم على أرض‏ الجزاءر<br />

العظيمة.‏<br />

كان يتهدش عن لقاءاته بالشباب،‏ وهو الذي دخل في<br />

الشمانينات من عمره،‏ بهماسة ولهفة تعبّر عن تقديره<br />

لوعي الشباب الذين كان يلتقي به .<br />

وأعترف اليوم،‏ بأنني فوجئت حين زرت الجزاءر لأودع<br />

الراحل الكبير وقد دخل غيبوبته في المستشفى<br />

العسكري،‏ بأنه قد بلغ من العمر عاماً،‏ فكل شيء<br />

في الرجل كان يوحي بعمر أقل من ذلك بكشير،‏ ذلك أنه<br />

كان يوءمن بأن الشباب ليس‏ عمراً‏ بل روحاً‏ أيضاً،‏ بل<br />

كان يوءمن أن البراءة وكل الفضاءل الأخرى لا تشيخ،‏<br />

ولن أقول للأجيال الشابة سوى أن يدرسوا أكثر عبد<br />

الهميد مهري وغيره من الرجالات الكبار،‏ ففي سيرهم<br />

عبر لا تقدر بشمن.‏<br />

86<br />

.1965<br />

●●<br />

●●


مارس‏ 2012<br />

ذكريات وانطباعات<br />

عدد خاص‏ 20<br />

المربي الأستاذ عبد الهميد مهري<br />

■ الأستاذ:‏ إبراهيم حمروش‏<br />

● يتعرف الإنسان في مسار حياته الذي كتب له أن<br />

يسير فيه إلى أناس‏ كشيرين،‏ يتأثر بعدد منهم ويأخذ<br />

عنهم.‏ ولكن،‏ من تظل ذكراهم مطبوعة على صفهة<br />

الذهن وشغاف القلب يشكلون النزر القليل من بين<br />

هوءلاء.‏ ويعتبر الأستاذ الفقيد عبد الهميد مهري رحمه<br />

الله ،‏ في نظري وتقديري،‏ وبالنسبة لمن تعرفوا إليه عن<br />

قرب،‏ يعتبر واحدا من الرجال الذي لا يمكن للأيام أن<br />

تمهي صورته من الذاكرة أو أن تطويها من أمام الأعين،‏<br />

حتى وإن طال الزمن.‏ ولا أخفي،‏ أنني أحسست باليتم<br />

الفعلي يوم أن بلغني نعيه،‏ ووجدت هذا الشعور نفسه<br />

يجول في خواطر كشير ممن ربطتهم به صلات وروابط.‏<br />

يمشل الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله مدرسة<br />

سامية في التربية السلوكية.‏ وأقر أنني ظللت أتعلم من<br />

تصرفاته الموزونة كلما التقيته.‏ واللقاءات معه مريهة<br />

وعذبة،‏ ولا يغزوها الملل لسهر وجاذبية شخصيته<br />

الهادءة في أيام الصهو وأيام الزوابع والعواصف التي<br />

مر بها في حياته.‏ ولو أجرى قلمه لتدوين تنظيرات<br />

تربوية،‏ لكان واحدا من الرواد الطلاءعيين في المدرسة<br />

السلوكية التي ما زلنا نهتاجها في نظامنا التربوي.‏<br />

سأتحدش في السطور اللاحقة عن جوانب مشرقة من<br />

شهادتي عن أستاذ الأجيال عبد الهميد مهري رحمه<br />

الله ،‏ الذي لازمته في طورين من حياتي.‏ فقد عشت<br />

معه كطالب لسنة دراسية واحدة،‏ وأسعفني الهظ<br />

للاشتغال معه أستاذا مكوّ‏ نا لعدة سنوات.‏<br />

التقيت الأستاذ عبد الهميد مهري،‏ أول مرة،‏ في أواءل<br />

شهر أكتوبر من عام ‎1967‎م.‏ وكان،‏ وقتئذ،‏ يشغل<br />

منصب مدير دار المعلمين ببوزريعة.‏ وما زلت أتذكر<br />

ذلك اللقاء،‏ وكأنه يجري الآن.‏ فلقد قدمت إلى هذه<br />

الموءسسة التعليمية وفي نفسي رغبة ملهة لمواصلة<br />

دراستي بها،‏ والتهضير لنيل الجزء الشاني من شهادة<br />

البكالوريا بعد أن وفقت في تسجيل اسمي ضمن قواءم<br />

الناجهين في الجزء الأول من نفس‏ الشهادة في فرع<br />

الآداب في شهر جوان من السنة عينها.‏<br />

استطعت مقابلة الأستاذ عبد الهميد مهري بسهولة،‏<br />

ومن دون حواجز بيروقراطية.‏ وما شد انتباهي،‏ في<br />

الوهلة الأولى التي أبصرته فيها،‏ هو بساطته وتواضعه.‏<br />

ومع مرور الوقت وطول مدة العشرة،‏ تأكد لي أن<br />

الصفتين المذكورتين متأصلتان وملتهمتان بجوهر<br />

شخصه النفيس.‏ استمع إلى قضيتي بكل اهتمام،‏<br />

واطلع على ملفي قبل أن يعطيني موافقته.‏ لم يفرض‏<br />

علي رأيا،‏ وإنما خيّرني بين التسجيل في شعبة العلوم<br />

الدقيقة ‏)الرياضيات(‏ أو شعبة العلوم التجريبية؛ لأن<br />

الموءسسة التي يشرف عليها تخلو من أقسام مخصصة<br />

لشعبة الفلسفة ‏)الآداب(‏ باللغة العربية.‏<br />

آثرت اختيار شعبة العلوم التجريبية،‏ وأفصهت له عن<br />

مبتغاي،‏ فلم يعارض‏ ولم يرفض.‏ وقبل أن أغادر مكتبه<br />

الذي لم أر فيه شيئا يوحي بالأبهة والبهرجة،‏ استطرد<br />

معي في الهديش؛ ونبهني إلى أن الدراسة في شعبة<br />

العلوم التجريبية التي وقع عليها اختياري شاقة،‏<br />

وتتطلب من الذي ينتمي إليها الجد والاجتهاد والعمل<br />

المتواصل.‏ وكمن يريد شهني وتعبئتي وتحسيسي<br />

بأهداف وطنية عالية وغالية،‏ أردف يقول:‏ إن عملية<br />

التعريب التي باشرتها الدولة منذ استرجاع الاستقلال<br />

تبقى عديمة القيمة؛ إذا لم يسمه للغة العربية باقتهام<br />

اجملالات العلمية والتقنية،‏ وتكون هي اللغة التي يباشر<br />

بها تدريسها.‏ ولهذا،‏ فأنت وزملاوءك لستم مجرد طلبة<br />

عاديين،‏ وإنما ينبغي عليكم أن تعتبروا أنفسكم أصهاب<br />

قضية شريفة سيكون نجاحكم في نهاية السنة مورد<br />

من الموارد التي يخدمها،‏ ويشبت جدارها.‏ وبعد انصرافي،‏<br />

وجدتني مشغولا ذهنيا بآخر كلماته،‏ وطاف بي سوءال<br />

موءداه:‏ كيف يتهول طالب مغمور مشلي يهمل في قلبه<br />

هما وحيدا لا يهيد عن تحقيقه قيد شبر إلى صاحب<br />

قضية وطنية بالغة الأهمية بين عشية وضهاها.‏ وبعد<br />

تفكير متوازن رافقني أياما،‏ اهتديت إلى أن الرجل الذي<br />

قابلته يهمل على كتفيه ويضمر في قلبه رسالة<br />

حضارية جسيمة.‏<br />

لم تزدني أيام السنة الدراسية التي قضيتها في دار<br />

المعلمين ببوزريعة،‏ واللقاءات التي جمعتني مع الأستاذ<br />

عبد الهميد مهري رحمه الله سوى تيقنا وتأكدا من<br />

صواب حكمي الانطباعي الأول الذي أصدرته عليه.‏<br />

ولما عدت إلى رحاب المعهد أستاذا مكوّ‏ نا،‏ وجدته ساءرا<br />

في طريق إنجاز نفس‏ الأهداف التي رسمها لنفسه في<br />

الهقل التربوي.‏ ولم أعرف أنه ادخر جهدا من أجل محاولة<br />

إعادة اللغة العربية في الجزاءر كلغة سيدة بعد أن<br />

زاحمتها لغة المستعمر لعقود طويلة،‏ وضايقتها في عقر<br />

دارها مضايقة الدخيل الغريب للأصيل شريف النسب.‏<br />

ورغم سمو درجة حماسه حول هذه القضية،‏ إلا أنه لم<br />

يعرف عليه القبول بالهلول العاطفية التي تشبه<br />

السراب،‏ أو الجري خلف الارتجال والعفوية.‏<br />

في تلك السنة الدراسية،‏ كنت مندهشا ومعجبا من<br />

رحابة صدر وسعة صبر الأستاذ عبد الهميد مهري <br />

يمتاز الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله بنبذه للانفعال مهما كان الموقف عصيبا،‏ وسرعة البديهة،‏ وامتلاكه<br />

لملكة الذوق اللغوي الرفيع في انتقاء تعابيره وتركيزها،‏ وبسعة خياله،‏ وموضوعية أحكامه،‏ وحبه للتنكيت صناعة<br />

ورواية.‏ ويمكن استجلاء كل هذه الخصال من خلال الهادثة الموالية التي أرويها مختصرة:‏ حاضر ذات مرة أمام<br />

جمهور واسع من مختلف الفئات عن مشكلة التعريب في الجزاءر،‏ والإجراءات التي ينبغي التسله بها لإحلال اللغة<br />

العربية مكانتها الطبيعية والتاريخية في المنظومة التربوية.‏ ولما فسه مجال المناقشة،‏ تدخل أحد الشبان من<br />

الهاضرين متكلما في حسرة ومرارة واستغراب عن بعض‏ الجزاءريين الذين لا يستهون من اعتبار تعريب التعليم<br />

من بين أخطاءنا الفادحة.‏ وعلق الأستاذ عبد الهميد رحمه الله بقوله:‏ لمَ‏ يصدر منك هذا العجب،‏ يا بني.‏ فأنا<br />

أعرف أناسا لا يعتبرون أن التعريب خطأ‏ شنبع لوحده،‏ وإنما يرون،‏ أيضا،‏ أن اندلاع الشورة التهريرية وانفصال<br />

الجزاءر عن فرنسا هو أعظم الأخطاء التي ارتكبناها عبر تاريخنا!!.‏<br />

رحمه الله ،‏ وحرصه الشخصي على متابعة الطلبة<br />

متابعة مستمرة،‏ وعن قرب.‏ وبذلك أعطى أحسن مشال<br />

للمرافقة التربوية التي تضمن التواصل بين المسوءول<br />

وطلبته.‏ وكان يهسن الإصغاء والتفهم لكل المشكلات<br />

التي نطرحها.‏ ولربما كانت معايناته أشد لطلبة الأقسام<br />

المعربة رغبة منه لإنجاه التجربة التي يرعاها،‏ وهي ما<br />

تزال تمر بطورها الجنيني الأول،‏ وتحقيق الهلم الذي<br />

يسكن حتى وجدانه،‏ والمتمشل في تمكين اللغة العربية<br />

لأن تصبه لغة لتدريس‏ الرياضيات والعلوم التجريبية<br />

في مختلف الأقسام.‏ وكانت متابعاته اليومية التي لا<br />

تنقطع تتعدى متابعة التهصيل العلمي لتضم<br />

النشاطات الشقافية والرياضية.‏<br />

كانت أغمار حصاد السنة الدراسية 1968-1967 عالية<br />

المردود بالنسبة للشعبتين المعربتين الرياضاتية والعلمية<br />

التجريبية في شهادة الباكالوريا.‏ وتحققت نسبة نجاه<br />

باهرة فاقت خمسا وتسعين في المئة )٪59(. وتجدر<br />

الإشارة إلى أن هذه أول دفعة تجتاز اختبارات امتهان<br />

شهادة الباكالوريا في تاريخ الجزاءر المستقلة باللغة<br />

العربية.‏ وعلمت،‏ في ذلك الوقت،‏ أن نقاشا ساخنا<br />

وواسعا جرى في مستوى وزارة التربية الوطنية تناول<br />

موضوع طبيعة اختبارات هذه الشهادة.‏ وتم تداول<br />

رأيين،‏ رأي أول يرى بضرورة توحيد كل الاختبارات<br />

بين الشعب المعربة والشعب المفرنسة.‏ ورأي ثان يقتره<br />

أن تطره اختبارات خاصة لكل هذه الشعب بهسب<br />

لغة التدريس.‏ وأبلغت،‏ في ما بعد،‏ أن الأستاذ عبد<br />

الهميد مهري رحمه الله لعب دورا بارزا في حسم<br />

النقاش‏ وإقناع الطرفين بضرورة توحيد مواضيع<br />

الاختبارات،‏ وحجته في ذلك والتي صعب دحضها أو<br />

دفعها أن الطلبة يدرسون نفس‏ المقررات بغض‏ النظر<br />

عن اللغة التي يتعلمون بها.‏ وحسنا فعل،‏ وقتها؛ لأنه<br />

أغلق باب الذراءع مسبقا أمام أولئك الذين لم يرتاحوا<br />

لنسبة النجاه التي حققتها الفروع المعربة.‏<br />

اجتمع الأستاذ عبد الهميد رحمه الله بعد إعلان<br />

نتاءج شهادة الباكالوريا بالناجهين من الشعب العلمية<br />

المعربة،‏ وزف لهم تهانيه،‏ وعرض‏ عليهم فكرة محاولة<br />

سعيه نيابة عنهم عند الجهات الوصية من أجل<br />

إرسالهم في بعشة دراسية إلى سوريا لاستكمال<br />

دراستهم في جامعة دمشق في الفروع العلمية.‏ اهتزت<br />

قلوب كشير منا لهذا العرض‏ الذي لم نكن ننتظره،‏<br />

وهللنا له بالموافقة المطلقة من دون مشاورة أحد.‏<br />

وكللت مساعيه بالنجاه،‏ وامتدت بي رحلة طلب العلم<br />

مع زملاءي إلى أرض‏ الشام.‏<br />

“.1973-1972<br />

عادت أول دفعة من الطلبة المرسلين من<br />

سورية مع مطلع الموسم الدراسي<br />

ووجدنا أن التغيير قد زحف واكتسه أمورا كشيرة في<br />

قطاع التربية.‏ وصادفنا أن الأستاذ عبد الهميد مهري <br />

رحمه الله فرض‏ عليه الجمع بين تسيير إدارة دار<br />

المعلمين ببوزريعة والأمانة العامة بوزارة التربية<br />

الوطنية.‏ وفهمت،‏ هذه المرة،‏ بسرعة الأسباب التي<br />

جعلته يرضي بهمل هذا الشقل الكبير.‏ وأما دار<br />

المعلمين ببوزريعة،‏ فقد تغير اسمها،‏ وأصبهت تسمى<br />

بالمعهد التكنولوجي للتربية الذي ترعى مهمة تكوين<br />

أساتذة التعليم المتوسط في كل التخصصات.‏<br />

كان من الوفاء الجميل أن نتصل بمجرد وصولنا إلى<br />

الجزاءر بأستاذنا عبد الهميد مهري رحمه الله طالبين<br />

منه تزويدنا بنصاءهه الشمينة وتوجيهاته الوجيهة.‏<br />

والتقينا به في أواءل أكتوبر بمكتبه في وزارة التربية<br />

الوطنية.‏ وكان اللقاء مفعما بالفره والغبطة من<br />

الجانبين.‏ وبعد ترحيبه بنا،‏ واستفساره عن الشهادة<br />

الجامعية المحصلة من طرف كل واحد منا،‏ قدم لنا<br />

عرضا وافيا عن التطور الذي عرفته المنظومة التربوية<br />

بشكل عام،‏ وجهاز تكوين المدرسين،‏ بشكل خاص،‏<br />

مركزا تحديدا،‏ على الإنجازات التي حدثت في ميدان<br />

تعريب المواد العلمية،‏ والتي من أبرزها إصدار كتب<br />

باللغة العربية في مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء<br />

والعلوم الطبيعية لكل مستويات المرحلة الشانوية.‏<br />

وبعد ذلك استفسرنا عن مشاريعنا المأمولة بعد العودة.‏<br />

فأجبناه،‏ بشكل جماعي،‏ بأننا على أهبة الاستعداد<br />

للاندماج في خدمة المشروع التربوي الذي كلف نفسه<br />

أتعاب تخطيطه وتنفيذه.‏ وعاهدناه على أن نسخر مبلغ<br />

إمكاناتنا وقصارى طاقاتنا لخدمته وإنجاحه.‏ فابتسم<br />

ابتسامة عريضة دلت على ارتياحه،‏ وكاشفنا بقوله:‏ إن<br />

مناصب اشتغالكم،‏ إذن،‏ هو التصدي للتدريس‏ بالمعاهد<br />

التكنولوجية للتربية.‏ وأمر،‏ في الهين،‏ مدير الموظفين<br />

ليتولى تعييننا أساتذة مكونين في المعهد التكنولوجي<br />

ببوزريعة.‏<br />

مضت السنوات التي قضيناها في المعهد التكنولوجي<br />

ببوزريعة سريعة كلمه البصر بفضل جو الاستئناس‏<br />

اللطيف الذي وفره الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه<br />

الله .‏ ورغم أننا تقدمنا في الهياة العلمية خطوات،‏ إلا<br />

أننا حافظنا على نفس‏ نظراتنا إلى أستاذنا الأول التي كنا<br />

نصوبها نهوه ونهن طلبة في دار المعلمين.‏ وكنا<br />

نستأذنه في كل كبيرة وصغيرة قبل أن نبادر إلى<br />

التصرف،‏ ونصغي إليه،‏ ونناصره في آراءه التي يأبى أن<br />

يفرضها.‏ واكتشفت من جديد،‏ مدى حرص‏ الأستاذ عبد<br />

الهميد مهري رحمه الله على مصلهة الطلبة<br />

المتكونين.‏ فرغم كثرة شواغله الإدارية التي توزعت بين<br />

المعهد والوزارة،‏ إلا أنه كان ملتهما معهم،‏ ومصغيا إلى<br />

كلماتهم التي تترجم مشكلاتهم المستديمة والطارءة.‏<br />

وكنا كلنا نشهد له بالهنو والرفق اللذين يخطفان<br />

الاحترام خطفا،‏ وبهسن القيادة التي لا تنفصم عن<br />

الالتزام والصرامة بعيدا عن الاستبداد.‏ وحقا،‏ فقد كان<br />

متهللا من كل أصناف التسلط والتجبر.‏<br />

سمه لي التقرب أكثر من الأستاذ عبد الهميد مهري <br />

رحمه الله في طور الأستاذية من التأكد أن شغله<br />

الشاغل،‏ في ميدان التربية والتعليم،‏ يكاد متوقفا على<br />

ضرورة ضمان تعليم نوعي باللغة العربية لكل الطلبة<br />

المتمدرسين،‏ مع التفته على اللغات الأخرى.‏<br />

وكم من مرة،‏ وقف يرد على مناوءيه ممن كانوا يسعون<br />

إلى تحريف مسيرة التعريب في الجزاءر،‏ بدعوى أنه دعوة<br />

إلى التقوقع على النفس‏ والانعزال عن اللغات<br />

والشقافات الأخرى،‏ مشيرا إلى أن أكبر دولة في العالم ،<br />

وهي الولايات المتهدة الأمريكية،‏ تعطي في نظام<br />

منظومتها التربوية مكانة معتبرة للغات والشقافات<br />

الأجنبية.‏ ولهذا،‏ لا يمكن لأي عاقل أن يدعو في بلد نام<br />

إلى الانغلاق وقطع التواصل مع الآخر.‏ كما كان يرد<br />

على الذين يطالبون بتطوير اللغة العربية قبل إقهامها<br />

في تدريس‏ المواد العلمية،‏ بأن تطوير اللغات لا يجري<br />

مخبريا في معامل مغلقة،‏ بل يهصل من خلال<br />

التوظيف اليومي لها ميدانيا.‏<br />

يمتاز الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله بنبذه<br />

للانفعال مهما كان الموقف عصيبا،‏ وسرعة البديهة،‏<br />

وامتلاكه لملكة الذوق اللغوي الرفيع في انتقاء تعابيره<br />

وتركيزها،‏ وبسعة خياله،‏ وموضوعية أحكامه،‏ وحبه<br />

للتنكيت صناعة ورواية.‏ ويمكن استجلاء كل هذه<br />

الخصال من خلال الهادثة الموالية التي أرويها مختصرة:‏<br />

حاضر ذات مرة أمام جمهور واسع من مختلف الفئات<br />

عن مشكلة التعريب في الجزاءر،‏ والإجراءات التي ينبغي<br />

التسله بها لإحلال اللغة العربية مكانتها الطبيعية<br />

والتاريخية في المنظومة التربوية.‏ ولما فسه مجال<br />

المناقشة،‏ تدخل أحد الشبان من الهاضرين متكلما في<br />

حسرة ومرارة واستغراب عن بعض‏ الجزاءريين الذين لا<br />

يستهون من اعتبار تعريب التعليم من بين أخطاءنا<br />

الفادحة.‏ وعلق الأستاذ عبد الهميد رحمه الله بقوله:‏<br />

لمَ‏ يصدر منك هذا العجب،‏ يا بني.‏ فأنا أعرف أناسا لا<br />

يعتبرون أن التعريب خطأ‏ شنبع لوحده،‏ وإنما يرون،‏<br />

أيضا،‏ أن اندلاع الشورة التهريرية وانفصال الجزاءر عن<br />

فرنسا هو أعظم الأخطاء التي ارتكبناها عبر تاريخنا!!.‏<br />

ويتصف،‏ كذلك،‏ الأستاذ عبد الهميد رحمه الله بميله<br />

إلى المره الذي لا يذهب صرامة الجد،‏ وبخفة الروه التي<br />

تستقطب الآخر.‏ ويتجنب الاستعجال والهلول<br />

العشواءية خشية النتاءج الوخيمة التي يجلبانها.‏ وأذكر<br />

أنه حدش تنسيق تعاوني في المعهد التكنولوجي<br />

ببوزريعة بين سنتي 1977 و‎1979‎ مع جامعة بغداد<br />

لتأطير أقسام التعليم الشانوي،‏ وكنت واحدا من بين<br />

أساتذة المعهد الذين وقع عليهم الاختيار للقيام بهذا<br />

العمل التكويني التشاركي مع الأساتذة العراقيين.‏<br />

وكانت عين الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله <br />

ساهرة ومركزة وملاحقة لخطوات تقدم هذه التجربة<br />

الشناءية،‏ وسيرها صوب التطور.‏ وفي إحدى اجتماعاتنا<br />

التقويمية التي كنا نجريها دوريا في حضوره،‏ أبدينا له<br />

فيض‏ حماستنا لهذه التجربة،‏ ومقترحين عليه الإسراع<br />

في تعميمها.‏ استمع إلى مقترحاتنا بإمعان ويقظة.‏ وأثناء<br />

تعقيبه علينا،‏ روى لنا قصة السباق بين السلهفاة<br />

والأرنب المعروفة بصيغة ثانية كنا نجهلها.‏ وقال:‏ أدرك<br />

الأرنب خط الوصول تاركا السلهفاة تتخبط في بطئها.‏<br />

ولكن،‏ بعد وصول السلهفاة هي الأخرى إلى خط<br />

الوصول متأخرة،‏ صاحت بفوزها في سباقها مع الأرنب<br />

على اعتبار أن الأرنب مقصي من المنافسة؛ لأنه خالف<br />

قواعدها.‏ وتمتمت تقول محتجة:‏ لقد اتفقنا على الجري،‏<br />

ولم نتفق على القفز،‏ كما كان يفعل منافسي الأرنب.‏<br />

وبمشل هذه النكت المريهة التي كان الأستاذ عبد الهميد<br />

مهري رحمه الله يهسن غزلها وبرمها بذكاء في<br />

قوالب مهذبة،‏ كان يلطف الأجواء،‏ ويبدد سهب<br />

الشهناء لما يشم في محيطه عكرا مقلقا أو قلاقل ملوثة.‏<br />

وكم من مرة،‏ وجد نفسه من جاءه مشهونا بأكدار<br />

الغضب وأدران القلق غارقا في ضهك مجلجل ومختوم<br />

بسعال حاد.‏<br />

رحم الله أستاذنا عبد الهميد مهري،‏ ووفر لنا من<br />

الأسباب ما يجعلنا نتأسى به كمرب أحسن الاستشمار<br />

في اجملال التربوي الذي يعد ذخيرة وسلاه كل أمة<br />

متهضرة لمعرفته بقيمة المدرسة في بناء اجملتمعات وفي<br />

رقي وازدهار الشعوب.‏<br />

× مفتش‏ وإطار في وزارة التربية الوطنية،‏ سابقا<br />

أستاذ مساعد في جامعة بوزريعة،‏ حاليا<br />


عدد خاص‏ 21<br />

مارس‏ 2012<br />

الراحل الكبير الأستاذ عبد الهميد مهري<br />

قيل لي صفه،‏ قلت:‏<br />

تعيا القوافي<br />

الأستاذ:‏ عيسى بوسام<br />

):<br />

.<br />

●<br />

أنّى للمرء أن يتهدش في موضوع يزيده،‏ وأكبر من أن<br />

يدرك حدوده.‏ وأبلغ عظمة من أن تستوعبه كلماته<br />

الشهيهة التي شتتها هول المصيبة.‏ وكيف يمكن<br />

توصيف مناقب رجل فذ،‏ ليس‏ ككل الرجال،‏ وقامة<br />

ليست ككل القامات.‏ وصدق من قال(‏ ‏:لا تحاول أن تفته<br />

فاك،‏ و أن تخط شيئا بقلمك قبل أن تتأكد،‏ أولا،‏ من أن<br />

ما ستقوله أو ما ستخطه هو أفضل بقليل من الصمت.)‏<br />

من هذا المنطلق الصعب،‏ سأحاول،‏ على بركات الله و<br />

توفيق منه،‏ أن أتجاوز حد الصمت،‏ وأبوه بكلمات اعرف<br />

أنها ليست سوى قطيرات من يم رجل عظيم.‏ رجل<br />

كانت حياته كلها كفاه ونضال وجهاد في سبيل الله،‏ ومن<br />

ثم َّ من أجل عزة الوطن.‏ رجل نذر حياته في سبيل الله،‏<br />

ومن هنالك نذرها لخدمة بلاده الجزاءر.‏ رجل يهمل<br />

بين جنبيه نفسا أبية،‏ لم ترضخ يوما للظلم،‏ ولم<br />

تستسلم للذل أولطغيان سفاسف الهياة ومغرياتها.‏ وهو<br />

مشل حري بالاقتداء في الطفولة والشباب،‏ والتأسي به<br />

في الكهولة والشيخوخة.‏ ذاك أنت يا أستاذنا عبد الهميد<br />

مهري رحمك الله الذي عجزت مكاره الأيام أن تبدل<br />

سجاياك الخيرة،‏ وأن توقف عطاءاتك الفكرية النبيلة.‏<br />

حياك الله،‏ يا من سرت،‏ وحيدا،‏ في أشد المسالك صعوبة،‏<br />

وتجشمت متاعب الجهاد في سبيل الهق والهرية والعدل<br />

والكرامة.‏ لقد طفت زمنا طويلا في دروب الشورة والشوار،‏<br />

وعرجت في مسالك الصالهين والأخيار،‏ أولئك الذين لم<br />

ينشدوا يوما سوى الشهادة أو الانتصار.‏<br />

لئن رحلت عنا اليوم جسدا،‏ فإن وهج فكرك سيمضي<br />

خالدا فينا خلود الصابرين الصادقين.‏ وستظل بيننا<br />

كتابا مفتوحا ميسرا للقراءة بهب ونهم وإيشار.‏ وسنبقى<br />

نقرأه بهس‏ المحبين وبوعي الأحرار.‏ وسنجعل منه<br />

نبراسا نستضئ به في حياتنا؛ حتى لا تتيه بنا السبل.‏<br />

إنه كتاب لا يمكن أن تطوى دفتيه؛ لأنه كتب بمداد بهر<br />

من الخيرات والفواءد والأسرار،‏ وجمع في سطور مطاويه<br />

صناءع اجملد وشرف النسب الشريف والجهاد المبارك<br />

والعلم الصافي والأدب الطاهر.‏<br />

إذا كان لا بد،‏ في البداية،‏ من كلمات عن النشأة والتذكير<br />

بالأرومة العطرة.‏ فإن الأستاذ عبد الهميد مهري <br />

رحمه الله جاء إلى الدنيا عام ‎1926‎م بمدينة الخروب<br />

في حضن عاءلة شريفة طيبة كريمة.‏ وانتقلت العاءلة<br />

تحت رعاية والده المرحوم سيدي عمار إلى مدينة وادي<br />

الزناتي وعمره،‏ يومها،‏ لم يتعد ثلاثة أشهر.‏ ترعرع<br />

الصغير وتربى في كنف العاءلة الكريمة المحبة للدين<br />

والخادمة للعلم والوطن.‏ فكانت هذه القيم ينابيع غذاء<br />

يتغذاه وهواء يستنشقه في فضاء مدينة وادي الزناتي<br />

التي كانت،‏ يومها،‏ موطنا للكشير من الأحرار،‏ وملاذا<br />

لمشايخ الدين والعلم من الأخيار.‏ وتتلمذ الطفل عبد<br />

الهميد على يد هوءلاء،‏ وحفظ القرآن الكريم على يد<br />

الشيخ الطاهر بومدين.‏ ثم جلس‏ تلميذا يأخذ من<br />

الشيخ محمد العربي الصايغي البيضاوي.‏ كما تتلمذ على<br />

يد الشيخ الجليل المصله عبد الرحمان بلعقون رحمه<br />

الله و طيب ثراه ، وكذلك الشيخ إبراهيم الزراري.‏<br />

في سنة ‎1933‎م،‏ توفي والده سيدي عمار،‏ فتكفل برعايته<br />

أخوه الأكبر الشيخ الفاضل المولود مهري.‏ والتهق<br />

بمدرسة التهذيب التي تم تأسيسها سنة ‎1938‎م بوادي<br />

الزناتي.‏ وواصل دراسته بها إلى أن أنهى المرحلة<br />

التعليمية التي أهلته للالتهاق بجامع الزيتونة العامر<br />

مع ثلة من رفاقه،‏ نذكر منهم:‏ الشهيد عمار اشطايبي<br />

والمرحوم الهاج محمد بومدين.‏ وفي بداية الأربعينات<br />

انخرط الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله في<br />

صفوف حزب الشعب الجزاءري وهو في ريعان شبابه في<br />

وادي الزناتي التي كانت وقتها من مضارب الهركة<br />

الوطنية على مختلف مشاربها.‏ و ظل يتشرب من مكارم<br />

الأخلاق الساءدة في وسطه الأسري و يقتبس‏ من نور<br />

الهركة الوطنية في صفوف حزب الشعب حتى حلت<br />

المصيبة الكبيرة بالأمة و بالوطن،‏ والمتمشلة في أحداش<br />

08 ماي من عام ‎1945‎م الأليمة.‏ فشارك في المظاهرات<br />

التي نظمت بوادي الزناتي والتي كان من بين موءطريها<br />

أخوه الأكبر الشيخ المولود رحمه الله و طيب ثراه <br />

وكانت هذه الأحداش بمشابة نقطة انعطاف في منهج<br />

النضال السياسي الذي اعتمدته الهركة الوطنية في<br />

عمومها،‏ وكلفت الأحزاب مراجعة تشكيلاتها وإعادة<br />

النظر في برامجها وتقويم نظرتها في التعامل مع<br />

الاستدمار المراوغ.‏ وبدأ‏ اليقين الذي لا يلازمه شك<br />

ينعطف إلى ضرورة الإعداد لمرحلة جديدة من الكفاه.‏<br />

في خضم هذه التهولات رحل الأستاذ عبد الهميد مهري<br />

رحمه الله إلى تونس‏ في سنة ‎1947‎م مبتغيا مواصلة<br />

دراسته بجامع الزيتونة والاستمرار في نضاله السياسي<br />

بكل وعي ويقظة في صفوف حزب انتصار الهريات<br />

الديمقراطية.‏ وانطلق يدعو،‏ وهو في ريعان شبابه،‏ إلى<br />

ضرورة مواصلة الكفاه ومحاولة تدويل القضية<br />

الجزاءرية.‏ وتقديرا لجهوده،‏ امتطى صهوة أمانة إتحاد<br />

الطلبة الجزاءريين وهو مدرك بهسه وذكاءه أن<br />

القضية الجزاءرية هي قضية وطن مسلوب،‏ وهي في كل<br />

الأحوال اكبر من أن تبقى حبيسة المزاج الفرنسي الملوش.‏<br />

ووضعته الإدارة الفرنسية تحت عدسة متابعاتها الماكرة<br />

مسخرة أجهزتها السرية لما رأت في تحركاته أخطارا<br />

تقلقها.‏ وعلى ضوء تقارير معتمة ومضللة أعدتها<br />

أجهزتها الاستخبارية،‏ أبعد من تونس‏ ليرجع عاءدا إلى<br />

الجزاءر سنة ‎1952‎م.‏ ومع ذلك،‏ لم تنطفئ فيه شعلات<br />

الكفاه،‏ وظل ثابتا وصامدا وداعيا بصوت عال إلى<br />

التهرر من براثن الاستعمار وإلى تدويل القضية<br />

الجزاءرية لتكون قضية تشغل بال اجملتمع الدولي.‏<br />

وهاهي صرخاته الداعية لذلك من خلال مقاله المنشور<br />

على صفهات جريدة ‏(المنار)في شهر اكتوبر من سنة<br />

‎1952‎م،‏ إذ يصرخ قاءلا القضية الجزاءرية يجب أن<br />

تخرج إلى الميدان العالمي،‏ ولكن هذا لا يتأتى إلا باجتماع<br />

كلمة الأحزاب و انتظام الكفاه في الداخل).‏<br />

بعد هذه الصيهة التي تنبعش منها راءهة العتاب،‏ أصبه<br />

واحدا من الرواد الداعين إلى وحدة الأحزاب ووحدة<br />

صف الهركة الوطنية بمختلف توجهاتها وخلفياتها<br />

السياسية والإيديولوجية لتجمع كلمتها حول هدف<br />

واحد مشترك؛ لان كلمة الجزاءريين لن تكون مسموعة<br />

إلا بوحدة الصف والاستعداد للكفاه بمختلف الوساءل<br />

المتاحة.‏ ولما يذهب الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه<br />

الله ابعد من ذلك،‏ يقف على مشارف هدف سام هو<br />

الوحدة المغاربية المنشودة التي يقول بصددها ) ‏:إن<br />

تأثير الأحوال السياسية في كل قطر مغربي بما يجري<br />

في القطرين الآخرين من أحداش يعبر،‏ أيضا،‏ عن رغبة<br />

ربط الشعوب المغاربية في ربط مصاءرها ببعضها،‏<br />

وتوحيد كفاحها توحيدا تمليه المصلهة المشتركة<br />

والملابسات الدولية الراهنة.)‏<br />

إن هذه الوحدة تمليها الروابط المشتركة من جغرافية<br />

وتاريخ وحضارة ودين ولسان.‏ ولا يخفي جهدا في<br />

التنبيه إلى مناورات المستدمر المستمرة التي ترمي إلى<br />

عزل هذه الأقطار المغاربية وشرذمتها ببش كل أسباب<br />

الخلاف والشقاق،‏ وزرع فتاءل الفتن بما يخدم مصالهه<br />

الدنيئة.‏ وما أشبه اليوم بالبارحة.‏ ولذلك يقول(:نرى<br />

الصهف الاستعمارية تتعمد السكوت عن القضية<br />

الجزاءرية عند تعرضها لمشاكل المغرب العربي،‏ ونرى<br />

الإدارة الاستعمارية ناشطة من جهتها في إخماد<br />

الهركات وخنق الهريات وتنظيم المناورات العسكرية<br />

والإشادة بما اوجد النظام الاستعماري في الجزاءر من<br />

نعم و حسنات.)‏<br />

يستمر الرجل موءمنا بالسير في خط نضاله السياسي<br />

بإرادة من فولاذ وبعزيمة لا تلين مباهيا ببعده الوطني<br />

وبعده المغاربي وبعده القومي الممدود،‏ ومفتخرا بأبناء<br />

ورجالات المغرب العربي،‏ وبنظراءهم في الوطن العربي<br />

الكبير.‏ وهذا ما نقرأه في مقال نشر له بجريدة ‏(المنار)‏<br />

في شهر ديسمبر من عام ‎1952‎م بعنوان:‏ فرحات حشاد<br />

المناضل.‏<br />

فبعد أن يصف هذا المناضل العمالي الموهوب بأجل<br />

الأوصاف يرفع عنه الصفة الوطنية،‏ ويجعل من<br />

مصيبته مصيبة المغرب العربي بكامله.‏ إذ يقول موءبنا<br />

الراحل فرحات حشاد:(إن شخصيته الفذة و أفكاره<br />

النيرة وأعماله العظمى طبعت جيلا كاملا من الشغالين<br />

التونسيين،‏ وتركت خطة واضهة المعالم لرفاقه).‏<br />

وفي زحم هذه الأحداش المتلاحقة وتسارعها،‏ شارك<br />

الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله مجموعة من<br />

المركزيين المعنييين بالإشراف الدقيق على المشاركة<br />

الشعبية في النضال السياسي.‏ واشتغل إلى جانب الشهيد<br />

قاسم رزيق وابن شيخ الهسين حيش كانوا وقتها مدرسين<br />

للغة العربية.‏ واستطاعوا رفقة إخوانهم الآخرين،‏ وفي<br />

ظرف قصير،‏ من جلب العشرات من الإطارات اخمللصة.‏<br />

وتمكنوا من بناء قواعد صلبة للهركات النقابية<br />

و الطلابية والكشفية لتكون روافد تصب مفرزات<br />

نضالاتها في الهركة الوطنية.‏<br />

وبعد هذه العينة من المواقف المشرقة،‏ ما عسانا أن نقول<br />

في حقك أيها الراحل العزيز؛ وأنت رجل السياسة<br />

الممزوجة بالأخلاق ورجل الشقافة النقية ورجل<br />

التربية الفذ.‏<br />

لم يتوقف قلم اجملاهد الزعيم عبد الهميد مهري <br />

رحمه الله عن زرع الوطنية والترويج لهب الوطن من<br />

خلال المقالات الصهفية التي كان ينشرها تباعا.‏ و لم<br />

يترك شأنا من شوءون الوطن والمواطن إلا وغمس‏ قلمه<br />

في محبرته ليواجهه بعبقرية وحنكة وتوازن.‏ فها هي<br />

صهيفة ‏(المنار ‏)في سنة ‎1953‎م تنشر له موضوعا تحت<br />

عنوان:‏ أدباوءنا لا يوءمنون برسالة أدبية.‏<br />

وكانت نظرته إلى الشأن الأدبي واهتمامات الأدباء نظرة<br />

الهاذق الماهر الذي يهلل و يغوص‏ في التهليل بمبضعه<br />

الكشاف.‏ ويتناول الموضوع بتوأدة و روية.‏ وبعد أن يعدد<br />

الأسباب المعيقة،‏ يدعو إلى نبذ البطالة الفكرية و نفض‏<br />

الجمود الذي لا يخدم قضايا الوطن.‏ ولما يصف الوضع<br />

فبطالة الأفكار كبطالة السواعد لا يتعطل<br />

بها جزء من الإنتاج العام فهسب.‏ بل،‏ إن هوءلاء<br />

العاطلين أنفسهم إذا طالت مدة بطالتهم يصبهون غير<br />

قادرين على استهلاك ما ينتجه غيرهم.‏ ويتسببون في<br />

تعطيل الإنتاج بالمرة،‏ أو في اضطرابه اضطرابا يجعله<br />

عديم الأثر في حياة الأمة.)‏<br />

ويستطرد قاءلا(‏ ‏:وبعد ماذا أقول؟.‏ لقد وجدت<br />

السياسة من يوءمن برسالتها و يدافع عنها،‏ ففرضت<br />

نفسها على الناس،‏ وجمعت حولها الأنصار والموءيدين.‏<br />

ووجد التعليم العربي الهر من يوءمن برسالته و يدافع<br />

عنه،‏ فتمكن من الاستقرار والانتشار وجمع حوله<br />

الأنصار والموءيدين.‏ أما الأدب فلم يجد من يوءمن برسالته<br />

و يدافع عنها.)‏<br />

إنها دعوات متجددة ومتتالية يلقي بها الأستاذ عبد<br />

الهميد مهري رحمه الله لدغدغة مواهب الأدباء من<br />

شعراء وقصاصين وكتاب لكي يرصفوا اللبنات خلف<br />

اللبنات من أجل إعلاء صره الشقافة التي هي قوام كل<br />

امة.‏ وهي التي لا يسمو شان أية امة من الأمم،‏ ولا تسود<br />

وتكتب لها الاستمرارية والخلود إلا بها.‏<br />

تمر الأيام و تشاء الأقدار أن تبرز نخبة من صلب<br />

الهركة الوطنية،‏ وبالتهديد من أزمة التصدع في حزب<br />

انتصار الهريات الديمقراطية،‏ ابتعدت عن الطرفين<br />

المتصارعين بعد أن اقتنعت أنه لا بديل معوض‏ عن<br />

الشورة وخوض‏ الكفاه المسله لدحض‏ المستدمر البغيض‏<br />

والدخيل،‏ وإبطال ادعاءاته القاءلة أن الجزاءر انجاز<br />

فرنسي.‏<br />

و تندلع شرارة الشورة المسلهة في الفاتح من نوفمبر<br />

‎1954‎م.‏ وبعد فترة قصيرة،‏ يلتهق الآخرون تباعا<br />

مباركين نموذج الكفاه المسله تحت لواء جبهة التهرير<br />

الوطني.‏ ويبدأ‏ المستدمر كعادته في القتل و التنكيل و<br />

التعذيب بكل الوطنيين و الأحرار.‏ ويلقي القبض‏ على<br />

الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله بعد شهر<br />

ونصف من اندلاعها رفقة نخبة من رفاقه.‏ ويزج بهم<br />

في سجن سركاجي،‏ كما أكد ذلك اجملاهد والسياسي<br />

اخملضرم محمد العربي دماغ العتروس‏ في إحدى<br />

اليوميات الوطنية بتاريخ 14 فيفري ‎2012‎م.‏ وقد<br />

اعتقل معه في نفس‏ اليوم 22 ديسمبر ‎1954‎م الراحل بن<br />

يوسف بن خدة وأحمد بودة وغيرهما من اجملاهدين.‏<br />

وتستمر عملية الاعتقال إلى شهر ماي من سنة ‎1955‎م؛<br />

حيش تم الإفراج عنهم بهرية موءقتة.‏ وفي السجن،‏ كما<br />

يذكر اجملاهد محمد العربي دماغ العتروس،‏ وصلهم خبر<br />

انعقاد موءتمر بوندونغ و مشاركة جبهة التهرير ممشلة<br />

بهسين آيت احمد ومحمد يزيد.‏ فما كان من الأستاذ<br />

عبد الهميد مهري رحمه الله إلا أن صاه مبتهجا<br />

وقاءلا:(الهمد لله،‏ إن السجن الذي فرضته فرنسا على<br />

قضية الجزاءر قد تم اختراقه عالميا.‏ وصار صوت<br />

الجزاءر اجملاهدة مسموعا في المحافل الدولية).‏<br />

بعد أن تحرر من أغلال السجن الصدءة،‏ يخرج الأستاذ<br />

عبد الهميد مهري رحمه الله من الجزاءر متنكرا نهو<br />

فرنسا كما يوءكد السيد شولي.‏ وبعد مدة،‏ يلتهق<br />

بالقاهرة،‏ ثم بالممشلية الديبلوماسية للجزاءر بدمشق<br />

رفقة الشيخ محمد الغسيري.‏ وبعدها يعود إلى تونس‏<br />

متقلدا مهام وزارة شوءون الشمال الإفريقي في الهكومة<br />

الجزاءرية الموءقتة الأولى التي ترأس‏ طاقمها اجملاهد<br />

فرحات عباس.‏ فما أغلى وفاءك يا أستاذ عبد الهميد<br />

مهري لمبادءك في حريتك،‏ وفي قيدك،‏ وفي حلك وفي<br />

ترحالك،‏ وفي إقامتك في وطنك،‏ وفي فيافي غربتك.‏<br />

على هذا المنوال عاش‏ الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه<br />

الله يخدم الشقافة بالفكر،‏ ويسقي السياسة بالأخلاق.‏<br />

ويهرص‏ على كل ما ينفع الأمة طول مسار حياته<br />

الزاخرة بالجهاد،‏ والعبقة بالكفاه والنضال حتى وقع<br />

عليه الاختيار،‏ ثانية،‏ وزيرا للشوءون الاجتماعية في<br />

الهكومة الجزاءرية الموءقتة الشانية التي قادها المرحوم<br />

ابن يوسف بن خدة.‏ وكذلك،‏ توليه عضوية اجمللس‏<br />

الوطني للشورة الجزاءرية،‏ وعضوية لجنة التنسيق<br />

والتنفيذ.‏<br />

كان الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله يهلم في<br />

ريعان شبابه باستقلال الجزاءر.‏ وقد كتب لها تحقيق<br />

النصر على اعتي قوى الاستدمار.‏ و لسان حاله ينشد<br />

غبطة وفرحا قول الشاعر:‏<br />

لن استكين ورايتي لم ترفع<br />

وجيوش‏ ‏(باريس)تدنس‏ أربعي<br />

فيعلم الوغد(المقيم)بأنني<br />

دون الهمى أهوى واعشق مصرعي<br />

وبعد استرجاع الاستقلال،‏ راه الأستاذ عبد الهميد<br />

مهري رحمه الله يقود مدرسة ترشيه المعلمين في<br />

وطن لم يترك به المستدمر إلا الشكالى والأرامل<br />

والأيتام والأرض‏ المحروقة والفقر وآفة الآفات الجهل.‏<br />

وكان يعلم أن محاربة الجهل أشد وأقسى من محاربة<br />

العدو البغيض.‏ وبذلك انتقل من جبهة الجهاد الأصغر<br />

إلى جبهة الجهاد الأكبر.‏<br />

انكب الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله يشرف<br />

على تكوين المعلمين والمربين بفكر تربوي أصيل وبصيرة<br />

حادة.‏ وكان في هذه المرحلة مضربا للمشل،‏ يشهد له<br />

زملاوءه ورفاقه في رحاب التربية الوطنية،‏ يوم كان<br />

للتربية الوطنية رحاب.‏ وكان بلطفه وحنينه ونهجه<br />

التربوي القويم يبعش في النفوس‏ الباءسة الهزينة<br />

الأمل و روه التطلع إلى مستقبل مشرق وزاهر.‏<br />

حري بي،‏ في هذه الوقفة،‏ أن اذكر موقف من مواقفه<br />

الإنسانية الخالصة،‏ وفهواه أن قدم شاب إلى مكتبه<br />

رفقة والده الشيخ الكبير بعد أن تقطعت بهما الأسباب<br />

من القمة المطلة على مدينة تيزي وزو والتي تدعى<br />

قرية رجاونة.‏ واستنجد الشيخ الباءس‏ الفقير بشخصه<br />

الكريم لقبول ابنه عمر الذي كان يريد أن يشق طريقه<br />

في الهياة طالبا للعلم.‏ وكان رده عليه بالقبول.‏ وما يزال<br />

الابن يذكر قوله لوالده المسكين:‏ عد مطمئنا،‏ فولدكم<br />

هو ولدي،‏ الآن.‏ نزلت تلك الكلمات الصادقة والمطمئنة<br />

بردا وسلاما على صدر الوالد المهموم.‏ وكانت،‏ في نفس‏<br />

الوقت،‏ خيط أمل من نور للابن الطالب الذي درس‏<br />

وتخرج وأمسى إطارا من إطارات التربية.‏ وهو،‏ الآن،‏<br />

يدعو للأستاذ عبد الهميد مهري بالرحمة كلما دعا<br />

لوالده.‏ وفعلا،‏ فإن بصيصا فاترا من النور قد يبدد<br />

أحلك الظلمات.‏<br />

تقلد الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله المناصب<br />

والمسوءوليات،‏ وما من منصب تبوأه أو مسوءولية تولاها إلا<br />

وزادها تشريفا وجلالا.‏ وما من موقع حل به ثم غادره<br />

إلا وتركه ناصع البياض.‏ و يصدق معه قول الإمام<br />

الشافعي(:إن البياض‏ قليل الهمل للدنس.)‏<br />

حيكت من حول الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله <br />

الدساءس‏ والأراجيف الملعونة،‏ و أضمر له الهاقدون<br />

البغض‏ والهسد.‏ وأرادوا إبعاده عن خدمة وطنه في<br />

وقت كان الوطن في أمس‏ الهاجة إليه و إلى أمشاله.‏<br />

ولكنهم،‏ لم يستطيعوا تقويض‏ همته الشامخة وصد<br />

إرادته الصلبة.‏ وفي هذا نتذكر قول الزمخشري:‏<br />

وأخرني دهري وقدم معشرا<br />

على أنهم لا يعلمون واعلم<br />

فمذ افله الجهال أيقنت أنني<br />

أنا الميم والأيام افله اعلم<br />

بقي الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله معتصما<br />

بهبل الله القوي في سمو إيماني وفي رفعة إنسانية،‏ وظل<br />

ثابتا كالطود الأشم.‏ وكلما مرت الأيام،‏ إلا وأفصهت عن<br />

رجاحة عقله وصواب مواقفه و بعد نظره.‏ فما أعظم<br />

هذا الرجل حيا وميتا.‏<br />

ولئن غطت حشوات تراب جسد الأستاذ عبد الهميد<br />

مهري رحمه الله الطاهر،‏ فلا يمكن أبدا أن تغيب نوره<br />

وإشراقته وخصاله الراءعة وتمسكه الشابت بالمبادئ<br />

والأخلاق والقيم المشلى التي إنهاز لها.‏ وسيبقى مكرما<br />

عند الله ومحبوبا عند الناس.‏ وتراني لا أجد ما اختم<br />

به هذه السطور إلا الاقتباس‏ مما قاله الشاعر بدوي<br />

الجبل في رثاء احد العظماء،‏ والذي ينطبق تمام<br />

المطابقة عن فقيدنا العزيز:‏<br />

إن موت العظيم محنة تاريخ<br />

ودنيا تفنى وكون يزول<br />

إلى أن يقول :<br />

أين الرعيل من أهل بدر<br />

طوى الفته واستبيه الرعيل<br />

وكذلك،‏ مما قاله الشاعر الكبير أمين نخلة في نفس‏<br />

المناسبة:‏<br />

قيل لي صفه قلت تعيا القوافي<br />

قيل لي عدده،‏ قلت يعجز الهساب<br />

فألف رحمة على روه الأستاذ الفقيد عبد الهميد<br />

مهري،‏ وسلام عليه يوم ولد،‏ ويوم يبعش حيا.‏ وسلام<br />

عليه في الأولين والآخرين.‏<br />

× مدير التربية،‏ سابقا<br />

مدير اجملاهدين بولاية قسنطينة،‏ حاليا<br />

يقول...(‏ :


.<br />

اجملاهد دماغ العتروس‏ يروي آخر لهظات الفقيد ل''صوت الأحرار''‏<br />

التقته:‏ إيمان سايه<br />

● ‏«نهن بنو الموتى فما بالنا نعاف مما لابد من<br />

شربه..»‏ ببيت المتنبي استقبلنا اجملاهد السيد<br />

العربي دماغ العتروس‏ في منزله بالعاصمة،‏<br />

ونهن نواسيه بوفاة رفيق نضاله وصديقه<br />

العزيز كما فضل اجملاهد تسميته،‏ وعلى الرغم من<br />

علامات الأسى التي كانت على محياه وهو يروي<br />

لنا ذكرياته مع المرحوم،‏ غير أن الأستاذ أكد لنا أن ما<br />

يصبره على فقدان الأستاذ عبد الهميد مهري هو<br />

إيمان هذا الأخير بقضاء الله وقدره،‏ فهو من كان<br />

يقول داءما إن الموت ‏«هو انتقال من دار إلى أخرى»،‏<br />

ليوءكد لنا أنه وبوفاة المرحوم تكون الجزاءر قد<br />

فقدت واحدا من ابرز رجالاتها الذين لا يمكن<br />

تعويضهم.‏<br />

ولم يخف اجملاهد تأثره لعدم تمكنه من عيادة<br />

المرحوم في المستشفى العسكري الذي كان يرقد<br />

فيه قبل أن يلفظ هناك آخر أنفاسه الطاهرة،‏ فقد<br />

رد علينا دماغ العتروس‏ بنبرة يملوءها الأسى ‏«لم<br />

أتمكن من زيارته في المستشفى لأسباب صهية<br />

لكنني اتصلت به ليلة نقله إلى المستشفى<br />

العسكري بعين النعجة،‏ وكان صوته مبهوحا<br />

وعلامات التعب بادية على صوته،‏ لكنه كان<br />

موءمنا بقضاء الله وأبلغني بأنه بصدد إجراء<br />

التهاليل ومتابعة العلاج»،‏ ليضيف أن آخر جملة<br />

قالها له المرحوم كانت » سامحني لم أتمكن من<br />

الرد على مكالماتك فقد كنت في حضرة أسرتي<br />

التي جاءت لعيادتي بالمستشفى».‏<br />

وعن ذكرياته مع الفقيد،‏ قال اجملاهد إن عبد<br />

الهميد مهري عاش‏ جل حياته مناضلا فقد<br />

ناضل شابا في حزب ‏«الشعب الجزاءري»‏ ،<br />

ومارس‏ النضال بعد تخرجه من جامع الزيتونة<br />

بتونس‏ والتهق بتنظيم الهزب بالعاصمة وضمن<br />

الأنشطة الكشيرة التي كان يقوم بها مع كشير<br />

من الزملاء والأصدقاء،‏ أنه كان صهفيا وكان<br />

على رأس‏ جريدة ‏«صوت الجزاءر»‏ التي صدر<br />

منها أعداد قبل اندلاع الشورة اجمليدة في<br />

وعلى الرغم من أن مديرها كان المرحوم<br />

مصطفى فروخي غير أن الاعتماد كله كان على<br />

المرحوم فقد كان هو يقوم بدور المدير والمحرر<br />

والموجه في نفس‏ الوقت،‏ ولقد كانت صهيفة<br />

نضالية تعنى بأولويات النضال اخملتلفة وتدافع<br />

عن قضايا الجزاءر،‏ قضايا التهرير وعلى رأسها<br />

استعادة اللغة العربية».‏<br />

وعاد محدثنا إلى أول لقاء جمعه بالمرحوم والذي<br />

قال إنه كان في ملفتا أنهما كانا شابين<br />

آنذاك لم يتجاوزا ال‎20‎ سنة بعد،‏ وكان ذلك في<br />

مدينة الهروش‏ بولاية سكيكدة وكان مهري<br />

حينها قد قدم من واد الزناتي أين تتلمذ على يد<br />

والده المرحوم الشيخ عمار أصول الفقه وحفظ<br />

القرآن الكريم والنهو،‏ خاصة وان والده كان<br />

أستاذا ومعلما وإماما،‏ ليضيف ‏«علاقتنا كانت<br />

خلال الهرب العالمية الشانية،‏ وكانت آنذاك قد<br />

بدأت حركة الكشافة الإسلامية الجزاءرية في<br />

الانتشار،‏ كنت آنذاك مرشدا وهو على الرغم من<br />

عدم انخراطه في صفوف الكشافة غير أنه كان<br />

ينشط بكشافة نظرا لتوجهه الوطني الذي لطالما<br />

تميز به،‏ وخلال دراسته بتونس‏ كان مع الطلبة<br />

الجزاءريين المنضويين تحت لواء ‏«حزب الشعب»‏<br />

ولقد كان يرأس‏ الجمعية،‏ مع مناضلين تونسيين<br />

للعمل من اجل تحرير المغرب العربي،‏ قبل ان<br />

يعود من تونس‏ في بداية الخمسينيات».‏<br />

وعاد اجملاهد بذاكرته إلى بداية مساره النضالي<br />

مع المرحوم الذي قال إنه كان رجل نضال بأتم<br />

معنى الكلمة،‏ فقد ناضل قبل أن يكون طالبا<br />

واصل نضاله طالبا في تونس،‏ واستمر في دربه<br />

حتى بعد تخرجه،‏ فقد ناضل بالقلم مديرا لجريدة<br />

‏«صوت الجزاءر»،‏ وعضوا باللجنة المركزية<br />

لهركة الانتصار للهريات الديمقراطية التي كانت<br />

الوجه الشرعي لهزب الشعب الممنوع آنذاك».‏<br />

في رثاء الراحل بوضياف<br />

وداع وعهد<br />

■ بقلم الأستاذ عبد الهميد مهري<br />

اغتيال الأخ محمد بوضياف حادش يهز<br />

بعمق عواطف كل الذين عرفوه مناضلا<br />

في سبيل تحرير الجزاءر،‏ ومبعدا من<br />

الجزاءر لتعلقه بالديمقراطية.‏<br />

كيف يموت مناضل جزاءري من وزن<br />

الأخ محمد بوضياف بأيد جزاءرية؟<br />

وكيف يموت في الجزاءر،‏ وهي تجتاز<br />

امتهانا قاسيا في مسيرتها نهو<br />

الديمقراطية،‏ من حرم نفسه متعة<br />

العيش‏ فيها بعد أن تحررت،‏ لأنها لم<br />

تلبس‏ في نظره جلباب الديمقراطية؟.‏<br />

يموت بوضياف وأجيال غفيرة من<br />

الشباب الجزاءري تجهل ما قدمه<br />

بوضياف من تضهيات وجهود مضنية في<br />

معركة التهرير.‏ ويموت بوضياف وهو<br />

متهم في نظرة الكشيرين بأنه معاد<br />

للديمقراطية.‏<br />

هل يمكن أن يتصور كل الذين عرفوه<br />

نهاية أكشر بعدا عن تطلعاته من هذه<br />

النهاية؟،‏ وهل يمكن لرفقاء جهاده<br />

ونضاله أن يتصوروا ظلما لتاريخه أكشر<br />

من هذا الظلم؟<br />

إن محمد بوضياف ذهب ضهية شعوره<br />

العميق بالواجب الوطني.‏ فعندما اقتنع<br />

بوضياف أو أقنع في تحمل المسوءولية بأن<br />

الواجب يدعوه إلى الموقع الذي قاده إلى<br />

نهايته،‏ فإنه لم يتردد.‏ وعندما وجد<br />

الساحة السياسية في الجزاءر لا تعكس‏<br />

صورة الديمقراطية كما يتصورها هو،‏<br />

اندفع دون حسابات لتكييف هذه<br />

الساحة مع الصورة الجميلة لعروس‏<br />

الديمقراطية كما كان يتبناها هو<br />

للشعب الجزاءري.‏<br />

ولا شك أن غيابه الطويل عن الجزاءر<br />

لم يمكنه من قراءة كاملة وسليمة<br />

للتطورات التي عرفتها،‏ وأن الظروف<br />

والأحداش التي ساقته إلى المسوءولية لم<br />

تترك له من الوقت ما يمكنه من هذه<br />

القراءة المتأنية النافذة،‏ التي كانت<br />

لازمة لرسم أهداف المسيرة وتكييف<br />

خط المسيرة.‏<br />

إن موت الأخ محمد بوضياف تترك في<br />

أنفسنا حسرة وتساوءلا ملها،‏ نهن الذين<br />

عرفناه في نضاله ومنفاه.‏ هل عملنا كل<br />

ما نستطيع حتى لا تقترن أعماله وهو<br />

على قمة هرم السلطة،‏ ونهايته وهو في<br />

هذا الموقع المتقدم،‏ بظلم مر لتاريخه و<br />

ماضيه في أذهان الكشير من الشباب<br />

الجزاءري؟<br />

لقد حاولنا،‏ وربما كنا نستطيع أكشر،‏<br />

وسنهاول أن نوفيه حقه علينا<br />

بمواصلة النضال الذي جمعنا في سبيل<br />

الجزاءر.‏ سنهاول نهن البقية القليلة<br />

من جيل نوفمبر أن نواصل رسالة<br />

نوفمبر ورسالة نوفمبر اليوم هو أن<br />

يكون مصير الجزاءر في يد الشعب<br />

الجزاءري دون وصاية..‏<br />

أن يكون مصير الجزاءر مجسدا في<br />

موءسسات ينتخبها الشعب ويراقبها<br />

الشعب ويغيرها الشعب إذا أراد.‏<br />

تلك هي الرسالة التي يجب أن يجتمع<br />

حولها جيل نوفمبر،‏ والكلمة التي نودع<br />

بها الأخ محمد بوضياف،‏ ونهن<br />

مطمئنون إلى أنها هي التي تجمعنا به في<br />

نهاية المطاف<br />

رحم الله الأخ محمد بوضياف ووفقنا لما<br />

فيه خير الجزاءروعزتها.‏<br />

■ عن اجملاهد الأسبوعي<br />

1954<br />

1941<br />

مارس‏ 2012<br />

عدد خاص‏ 22<br />

مهري كان موءمنا بقضاء الله<br />

وقدره لآخر دقيقة في حياته<br />

‏«المرحوم كان صديقا وعزيزا وحبيبا وصاحب درب نضال منذ بداية<br />

الأربعينيات»،‏ أجابنا اجملاهد العربي دماغ العتروس‏ ونهن ننعي المرحوم عبد<br />

الهميد مهري،‏ فقد أبلغنا الأستاذ أن الفقيد ‏«كان متعدد الجوانب عظيما في كل<br />

شيء»،‏ وأن ما يهز في نفسه أنه لم يتمكن من عيادته في المستشفى لأسباب<br />

صهية وأن آخر ما يتذكره عن المرحوم أنه كان متمسكا بالله وموءمنا بقضاءه<br />

وقدره على الرغم من شِ‏ دّته ووهن صهته.‏<br />

وفيما يتعلق بعبد الهميد مهري الإنسان،‏ قال<br />

الأستاذ دماغ العتروس‏ إن المرحوم كان ابن أسرة<br />

علم وفقه وقرآن فأبوه كان فقيها وإماما ومربيا<br />

وكشيرون هم من تخرجوا على يده حين كانت اللغة<br />

العربية ‏«أجنبية»،‏ وخلال الهقبة الاستعمارية،‏ كان<br />

مهري ضمن الذين يدعون إلى وجوب القيام بشورة<br />

التهرير اجمليدة،‏ ليعود بذكرياته إلى 1954 حين<br />

سجن مع المرحوم في بربروس‏ هنا سرد لنا اجملاهد<br />

بعض‏ مآثر المرحوم،‏ موضها أنه » وعلى الرغم من<br />

عدم إلتقاءنا يوميا ما عدا في أوقات الراحة بهكم<br />

بعد الزنزانة التي كنت فيها عن مكان سجنه غير<br />

أن السويعات التي قضيناها معا لم تمنعنا من<br />

الهديش عن النضال والعمل على إنجاه الشورة<br />

اجمليدة،‏ وكان أكثر خبر أفرحنا ونهن في السجن<br />

يوم سمعنا بانعقاد موءتمر باندونغ في اندونيسيا<br />

1955<br />

وما قام به المناضلون هناك من الهركة<br />

الوطنية في جاكارتا وباندونغ».‏<br />

ولعل اكثر العبارات التي كررها اجملاهد وهو<br />

يعدد خصال المرحوم هي انه كان » أديبا<br />

وسياسيا ومحبا للمعرفة والعلم لدرجة انه<br />

وعلى الرغم من إتقانه للغة العربية عمل على<br />

تعلم اللغات الفرنسية،‏ الانجليزية والايطالية<br />

بجهده الخاص،‏ فقد كان همه الوحيد وهو في<br />

السجن تطوير لغته الإيطالية حتى أصبه ممتلكا<br />

لناصية تلك اللغات».‏<br />

وقال محدثنا إن أهم المواقف التي تحسب له هي<br />

‏«عندما تولى إدارة جريدة ‏«صوت الجزاءر»‏ فقد<br />

سعى دوما على إعطاءها منهى وطنيا قوميا<br />

متفتها يصبو إلى التهرير والتهرر بكل معانيه،‏<br />

كما أنه ومن مناقبه أنه لطالما عرف عنه أنه كان<br />

من أبرز المناضلين والمدافعين على القضية<br />

العربية فقد كان على رأس‏ كل المبادرات التي<br />

كان يقوم الطلبة الجزاءريون في تونس‏ من أجل<br />

وحدة المغرب العربي،‏ قبل أن يتفق بورقيبة مع<br />

الفرنسيين ويُمنه الاستقلال الذاتي».‏


عدد خاص‏ 23<br />

مساهمة مهري في المشاورات<br />

مارس‏ 2012<br />

حول الاصلاحات السياسية<br />

,1988<br />

!.<br />

سيادة الأخ عبد العزيز<br />

بوتفليقة المحترم<br />

إليك بهذه الرسالة،‏ في ظرف بالغ الدقة<br />

والخطورة،‏ وأنا مدرك أنه لا يخولني هذا<br />

الشرف إلا الروابط الأخوية والمبادئ التي<br />

جمعتنا في مرحلة الكفاه من اجل حرية<br />

بلادنا واستقلالها،‏ واعتقادي بأن هذه<br />

الروابط ما زالت،‏ تمشل الجامع الذي يمكن أن<br />

تلتقي عنده الإرادات الخيرة لخدمة بلادنا<br />

وسعادة شعبنا.‏<br />

وقد فضلت هذه الطريقة المفتوحة<br />

خملاطبتك،‏ لأنك تحتل موقع الصدارة<br />

والأولوية،‏ ولكنك لست الوحيد المقصود<br />

بمهتوى الرسالة،‏ ولا الجهة الوحيدة المدعوة<br />

لمعالجة القضايا التي تطرحها.‏ وقد توخيت<br />

في هذه الرسالة قدرا من الصراحة التي<br />

كانت ساءدة في مداولات الهيئات القيادية<br />

للشورة الجزاءرية،‏ والتي كانت رغم<br />

-<br />

تجاوزها حدود المقبول أحيانا أفضل -<br />

بكشير من الصمت المتواط،‏ أو المسايرة دون<br />

اقتناع.‏<br />

سيدي الرءيس‏ ،<br />

إنك اليوم في قمة الهرم لنظام حكم لست<br />

مسوءولا وحدك على إقامة صرحه.‏ فقد<br />

شارك في بناءه،‏ برأيه أو عمله أوصمته،‏<br />

كل من تولى قدرا من المسوءوليات العامة<br />

بعد الاستقلال.‏ لكنك اليوم،‏ بهكم<br />

موقعك،‏ تتهمل،‏ ومعك جميع الذين<br />

يشاركونك صنع القرار،‏ مسوءولية كبيرة<br />

في تمديد فترة هذا الهكم الذي طغت،‏ منذ<br />

سنين،‏ سلبياته على إيجابياته،‏ ولم يعد،‏<br />

فوق هذا كله،‏ قادرا على حل المشاكل<br />

الكبرى التي تواجه بلادنا،‏ وهي عديدة<br />

ومعقدة،‏ ولا قادرا على إعدادها الإعداد<br />

الناجع لمواجهة تحديات المستقبل،‏ وهي<br />

أكثر تعقيدا وخطورة.‏<br />

إن نظام الهكم الذي أقيم بعد الاستقلال<br />

انطلق،‏ في رأيي،‏ من تحليل خاط لما<br />

تقتضيه مرحلة بناء الدولة الوطنية.‏ فقد<br />

اختار بعض‏ قادة الشورة،‏ في غمرة الأزمة<br />

التي عرفتها البلاد سنة<br />

إستراتيجية سياسية انتقاءية لمواجهة<br />

مرحلة البناء بدل الإستراتيجية الجامعة<br />

التي اعتمدها بيان أول نوفمبر<br />

والتي سادت،‏ رغم الخلافات والصعوبات،‏<br />

في تسيير شوءون الشورة لغاية الاستقلال.‏<br />

فأصبه الإقصاء،‏ نتيجة لهذا الاختيار،‏ هو<br />

العامل الساءد في التعامل السياسي،‏<br />

ومعالجة الاختلاف في الرأي.‏ و أصبهت<br />

الفئات أو الدواءر السياسية التي تحظى<br />

بالاختيار في أول الشهر،‏ عرضة للإقصاء<br />

والتهميش‏ في آخره.‏<br />

فنتج عن هذه الممارسة،‏ التي سرت<br />

عدواها لبعض‏ أحزاب المعارضة،‏ عزوف<br />

آلاف المناضلين عن العمل السياسي،‏<br />

وانكماش‏ القاعدة الاجتماعية لنظام الهكم،‏<br />

وتضييق داءرة القرار في قمته.‏<br />

وقد ورش نظام الهكم ، بالإضافة إلى<br />

طابعه الإقصاءي،‏ أنماطا وممارسات أفرزتها<br />

ظروف الكفاه الصعبة،‏ وتبناها في تسيير<br />

الشوءون العامة بعد الاستقلال.‏ كما تغذى<br />

باجتهادات واقتباسات لم ينضجها النقاش‏<br />

الهر،‏ ولم يصقلها،‏ عبر مراحل تطورها،‏<br />

التقييم الموضوعي،‏ الذي كان هو الغاءب<br />

الأكبر في تجربة الهكم عندنا.‏<br />

لقد كانت تنظم،‏ في كل مرحلة من مراحل<br />

هذا النظام،‏ بدل التقييم النقدي الموضوعي<br />

لنظام الهكم،‏ حملات التمجيد أو التنديد<br />

المفصلة على مقاس‏ الأشخاص،‏ وتلوين<br />

العشريات بما يكفي للتستر على طبيعة<br />

نظام الهكم وممارساته،‏ ولونه الداءم الذي<br />

لا يتغير بتغيير الأشخاص.‏<br />

إن الأصوات المطالبة بتغيير هذا النظام،‏<br />

والهريصة على أن يتم هذا التغيير في<br />

كنف السلم والنقاش‏ الهر،‏ كشيرة،‏ والنذر<br />

التي تنبه لضرورة هذا التغيير ظاهرة<br />

للعيان منذ سنوات عديدة،‏ ولكنها<br />

تجمعت،‏ في الأشهر الأخيرة،‏ بقدر لا يمكن<br />

معه التجاهل أو التأجيل.‏ إن الأحداش التي<br />

تقع عندنا باستمرار،‏ والتي تقع حولنا منذ<br />

أشهر،‏ تذكر بمشيلات لها عرفتها بلادنا في<br />

شهر أكتوبر سنة وعرفت ما انجر<br />

عنها من أحداش جسام وأزمات،‏ ومآس‏ ما<br />

زال الشعب يتجرع،‏ بعض‏ كوءوسها المرة.‏<br />

ويزيد من خطورة أحداش هذا المشهد<br />

عندنا،‏ أن الخطاب الرسمي،‏ في مستويات<br />

مسوءولة،‏ يخط،‏ أو يتعمد الخطأ،‏ في<br />

قراءتها،‏ ويهون من تأثيرها،‏ وينكر دلالتها<br />

السياسية الكبرى بدعوى أن المطالب<br />

المرفوعة من طرف المتظاهرين لا تتضمن<br />

أي مطلب سياسي.‏ وغرابة هذه القراءة<br />

والتهليل تتجلى عندما نتصور طبيبا<br />

ينتظر من مرضاه أن يكتبوا له وصفة<br />

العلاج<br />

إن مشل هذه القراءة الخاطئة من عدة<br />

أطراف،‏ وسوء القصد من أطراف أخرى،‏<br />

هي التي حالت،‏ مع الآسف الشديد،‏ دون<br />

استخلاص‏ الدروس‏ الصهيهة من<br />

حوادش أكتوبر ومكنت أعداء<br />

التغيير،‏ إذ ذاك،‏ من العمل اخملطط لسد<br />

السبل الموءدية للهل الصهيه،‏ وهو<br />

الانتقال لنظام حكم ديمقراطي حقيقي.‏<br />

وهو ما أضاع على البلاد،‏ في رأيي،‏<br />

فرصة ثمينة لتجديد مسيرتها نهو<br />

التطور و التنمية السليمة.‏<br />

وتشمل هذه القراءة الخاطئة الأحداش التي<br />

,1988<br />

تجري في أقطار قريبة منا،‏ كتونس‏<br />

ومصر،‏ بالتركيز على أوجه الاختلاف<br />

بينها وبين بلادنا،‏ لاستبعاد الدروس‏ التي<br />

تمليها أحداثها وتجاربها.‏ مع أن المشترك<br />

بيننا وبين هذه الأقطار لا ينهصر فقط في<br />

عدوى اللجوء المأسوي للانتهار بالنار،‏<br />

ولكن فيما هو أعمق وأخطر،‏ وهو طبيعة<br />

نظام الهكم نفسه.‏ فنظام الهكم في مصر<br />

وتونس‏ والجزاءر جميعها يتدثر بواجهة<br />

ديمقراطية براقة ويقصي،‏ عمليا،‏ وبمختلف<br />

الوساءل،‏ فئات واسعة من المواطنين من<br />

الاشتراك الفعلي في تسيير الشوءون<br />

العامة،‏ وهو ما يرشههم،‏ بصفة داءمة،‏<br />

نتيجة التهميش‏ والإقصاء،‏ للنقمة<br />

والغضب واعتبار كل ما يمت لنظام الهكم<br />

أو يصدر عنه غريبا عنهم أو معاديا لهم.‏<br />

وعندما تضاف لهذه الأرضية الغاضبة<br />

وطأة الصعوبات الاقتصادية،‏ سواء كانت<br />

ظرفية أو داءمة،‏ تكتمل شروط الانفجار.‏<br />

ويضاف إلى هذه العوامل المشتركة،‏ أن<br />

غالبية الجزاءريين يعتقدون أن نظام الهكم<br />

القاءم عندنا غير وفي لمبادئ الشورة<br />

الجزاءرية وتوجهاتها،‏ وأنه لا يسد ظمأهم<br />

للنزاهة والهرية والديمقراطية والعدالة<br />

الاجتماعية التي ضهى الشعب الجزاءري<br />

بمئات الآلاف من أبناءه في سبيلها.‏<br />

ويستنتج مما تقدم أن القضية المركزية التي<br />

تتطلب جهدا وطنيا شاملا ومنظما،‏ هي<br />

إقامة نظام حكم ديمقراطي حقيقي قادر<br />

على حل مشاكل البلاد وإعدادها لمواجهة<br />

تحديات المستقبل.‏ نظام حكم ديمقراطي<br />

يخرج الفئات الاجتماعية العريضة من<br />

داءرة الإقصاء والتهميش‏ إلى مصاف<br />

المواطنة المسوءولة الفاعلة.‏<br />

كما يستنتج أيضا إن التغيير الهقيقي لا<br />

يأتي نتيجة قرار فوقي معزول عن حركة<br />

اجملتمع وتفاعلاته.‏ بل إنه من الضروري<br />

إنضاج عملية التغيير وتغذيتها من<br />

المبادرات المتعددة التي تنبع،‏ بكل حرية،‏<br />

من مختلف فئات اجملتمع.‏<br />

إن الشعب الجزاءري الذي احتضن الشورة<br />

عندما ألقيت،‏ عن وعي وإخلاص،‏ بين<br />

أحضانه،‏ وتحمل أعباءها ومسوءولياتها<br />

بجلد وصبر،‏ موءهل،‏ بتجربته العميقة،‏<br />

لاحتضان مطلب التغيير الديمقراطي<br />

السلمي لنظام الهكم ومرافقته إلى شاط<br />

الاستقرار والأمان.‏<br />

ويتطلب هذا التغيير المنشود،‏ في رأيي،‏<br />

البدء بالخطوات المتزامنة التالية:‏<br />

أولا-‏ الإسراع بإزالة كل العواءق<br />

والقيود،‏ الظاهرة والمستترة،‏ التي تحول<br />

دون حرية التعبير أو تحد منها.‏ وتوفير<br />

الظروف الملاءمة لتمكين التنظيمات<br />

والمبادرات الاجتماعية لشباب الأمة<br />

وطلبتها وإطاراتها ونخبها،‏ في مختلف<br />

القطاعات والاختصاصات والمستويات،‏<br />

من ممارسة حقهم الطبيعي والدستوري<br />

في التعبير،‏ بجميع الوساءل والطرق<br />

القانونية،‏ عن مآخذهم ومطامحهم وآراءهم<br />

واقتراحاتهم.‏<br />

ثانيا-‏ الدعوة لازدهار المبادرات<br />

الشعبية النابعة من صميم اجملتمع<br />

والمساندة لمطلب التغيير السلمي،‏ حول<br />

المحاور والصيغ التالية:‏<br />

- 1<br />

ملتقيات للهوار تجمع في مختلف<br />

المستويات،‏ ومن مختلف التيارات الفكرية<br />

والسياسية،‏ المواطنين الملتزمين الذين<br />

ينبذون العنف والإقصاء السياسي،‏<br />

ويسعون لتبين القواسم والاهتمامات<br />

المشتركة التي يمكن أن تلتقي عندها<br />

الإرادات والجهود لإنجاه التغيير السلمي<br />

المنشود.‏<br />

- 2<br />

أفواج للتقييم تضم في مختلف<br />

المستويات،‏ ومن مختلف التيارات الفكرية<br />

والسياسية عددا من اخملتصين أو المهتمين<br />

بقطاع معين من النشاط الوطني<br />

للاضطلاع بتقييم موضوعي لما أنجز فيه<br />

منذ الاستقلال وتحديد نقاط القوة<br />

والضعف فيه ورسم آفاق تطويره.‏<br />

- 3<br />

وداديات التضامن ضد الفساد<br />

والرشوة ومهمتها هي إقامة سد في وجه<br />

انتشار الفساد والرشوة بتوعية فئات<br />

المواطنين المعرضين لابتزاز المرتشين في<br />

مختلف المستويات وتكتيلهم للالتزام<br />

بموقف قاطع ورفع شعار‏ ‏:لا ندفع خارج<br />

القانون.‏ ويأتي هذا الهراك الاجتماعي<br />

داعما ومكملا للإجراءات الإدارية<br />

والقانونية التي تستهدف القضاء على<br />

الفساد.‏<br />

إن مئات المبادرات التي يمكن أن تتفتق عن<br />

هذه الدعوة،‏ وتتعدد بعيدا عن الإملاءات<br />

الفوقية،‏ ستكون مشل الشموع،‏ تنير طريق<br />

التغيير السلمي الهقيقي وتترجم عن<br />

توجهات الشعب ومطامحه.‏<br />

ثالشا-‏ مد جسور التشاور والهوار،‏ على<br />

أوسع نطاق،‏ مع القوى السياسية قصد<br />

التهضير لانعقاد موءتمر وطني جامع يتولى<br />

المهام التالية:‏<br />

- 1<br />

تقييم نقدي شامل لنظام الهكم<br />

وممارساته في مراحله اخملتلفة منذ<br />

الاستقلال،‏ و تحديد المهام والوساءل<br />

والمراحل الكفيلة بإرساء دعاءم الهكم<br />

الديمقراطي ودولة القانون.‏<br />

- 2<br />

اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإخراج<br />

البلاد،‏ نهاءيا،‏ من دوامة العنف التي<br />

تعصف بها منذ عشرين سنة.‏ إن الأزمة<br />

التي ما زالت إفرازاتها تطغى على الساحة<br />

السياسية هي محصلة الأخطاء التي<br />

ارتكبتها بعض‏ الهركات الإسلامية<br />

وأخطاء سلطات الدولة في معالجتها.‏ ولا<br />

يمكن علاج الأزمة بمعالجة نصفها و<br />

تناسي النصف الشاني--.‏<br />

الاتفاق على أرضية وطنية تبلور التو<br />

جهات الكبرى لآفاق التنمية الوطنية<br />

الشاملة،‏ وإعداد البلاد لمواجهة التهديات<br />

التي تمليها المتغيرات العالمية-.‏<br />

-3<br />

4<br />

إن الجزاءر مدعوة للاحتفال،‏ قريبا،‏ بالذكرى الخمسين لاستقلالها،‏ والوقت الذي<br />

يفصلنا عن هذه المناسبة العظيمة،‏ كاف،‏ على ما أعتقد لاتفاق الجزاءريين على<br />

التغيير السلمي المنشود.‏ وأحسن هدية تقدم لأرواه شهداءنا الأبرار هو الاحتفال<br />

بذكرى الاستقلال والشعب الجزاءري معتز بماضيه ومطمئن لمستقبله.‏<br />

- الاتفاق على أرضية وطنية توضه<br />

ثوابت السياسة الخارجية وخطوطها<br />

العريضة.‏ وفي مقدمتها تحديد الخطوات<br />

الكفيلة بتهقيق الوحدة بين أقطار المغرب<br />

العربي.‏<br />

أخي الرءيس،‏<br />

إن الجزاءر مدعوة للاحتفال،‏ قريبا،‏<br />

بالذكرى الخمسين لاستقلالها،‏ والوقت<br />

الذي يفصلنا عن هذه المناسبة العظيمة،‏<br />

كاف،‏ على ما أعتقد لاتفاق الجزاءريين على<br />

التغيير السلمي المنشود.‏ وأحسن هدية<br />

تقدم لأرواه شهداءنا الأبرار هو الاحتفال<br />

بذكرى الاستقلال والشعب الجزاءري معتز<br />

بماضيه ومطمئن لمستقبله.‏<br />

مع احترامي وتحياتي الأخوية.‏<br />

‏×عبد الهميد مهري<br />

الأمين العام الأسبق لجبهة التهرير<br />

الوطني<br />

الجزاءر في 16 فبراير 2011<br />

“<br />

“<br />

,1954<br />

,1962


عدد خاص‏ 24<br />

مارس‏ 2012<br />

.<br />

-<br />

● تعود بداية تعرفي إلى الأستاذ عبد الهميد مهري <br />

رحمه الله إلى مطلع سبعينيات القرن الماضي،‏ لما<br />

اشتغلت أستاذا مكونا في مادة الرياضيات بالمعهد<br />

التكنولوجي للتربية ببوزريعة.‏ وهو المعهد الذي كان<br />

يعرف بدار المعلمين،‏ سابقا.‏ وكان الطاقم التربوي في<br />

المعهد،‏ زمنئذ،‏ يتهمل مسوءولية تكوين أساتذة التعليم<br />

المتوسط ‏(الأساسي فيما بعد ‏)لجميع ولايات الوسط<br />

وولايات الجنوب الكبير،‏ أيضا.‏ كما كان يشرف على<br />

تكوين أساتذة اللغتين الألمانية والإسبانية على المستوى<br />

الوطني.‏<br />

كان الفقيد عبد الهميد مهري رحمه الله ،‏ يومئذ،‏ يقرن<br />

بين منصب الأمين العام لوزارة التربية الوطنية ومَهم َّة<br />

إدارة معهد بوزريعة.‏ وتجدر الإشارة إلى أنه تولى زمام<br />

المنصب الأخير لسنوات طويلة قبل أن يكلف بالمزاوجة<br />

بين المنصبين.‏<br />

تشرفت للعمل تحت مسوءوليته؛ مما أتاه لي فرص‏<br />

الاتصال المباشر به كبقية زملاءي الأساتذة الذين كانوا<br />

يشتغلون في المعهد.‏ وأذكر أنه تفقدني في الأقسام أثناء<br />

التدريس‏ مرات عديدة،‏ وكانت بعض‏ هذه الزيارات برفقة<br />

زوار من خارج الوطن.‏ وكانت لقاءاتنا به فرصا ثمينة لا<br />

يتردد أثناءها على تزويدنا بالإرشادات الشمينة وإسداء<br />

النصاءه القيمة التي يلقيها إلينا من معين خبرته الملأى.‏<br />

ولا ينقطع عن السوءال،‏ أيضا،‏ عن سير العمل وعن<br />

ظروفه.‏ وكان كل لقاء لنا معه يترك فينا شهنة من<br />

الراحة؛ لأنه كان يهيطنا جميعا بالود والمحبة والتقدير.‏<br />

وكان حكيما في توصيل رساءلة التصويبية التي يرمي<br />

بها إلينا بأسلوب في غاية من الرقة والرقي والأدب.‏<br />

إلى جانب ذلك،‏ كان الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه<br />

الله يهسن الإصغاء والاستماع والمناقشة،‏ ويمنه كبير<br />

اهتمامه لكل ما يطره عليه من آراء واقتراحات<br />

وانشغالات في مجال العمل التربوي والبيداغوجي<br />

بصفة عامة،‏ وفي مسألة تكوين الطلبة المربين في جميع<br />

التخصصات والمستويات بصفة خاصة.‏ وكانت مسألة<br />

تجويد وترقية العمل التربوي تشكل أولوية قصوى<br />

لتهقيق المشروع التربوي الوطني الذي كان له دور بارز<br />

وريادي في تجسيد وتحقيق أهدافه،‏ التي تتهدد،‏ إجمالا،‏<br />

في ما يلي:‏<br />

جزأرة هيئات التأطير التربوي،‏ خاصة في مجال<br />

التكوين،‏<br />

تعميم التعليم في المرحلتين الابتداءية والمتوسطة،‏<br />

وتوسيع قاعدة التعليم الشانوي الذي كان أقل انتشارا في<br />

السبعينيات الماضية،‏<br />

تأصيل المدرسة الجزاءرية وربطها بالمقومات والشوابت<br />

الوطنية،‏ وفي مقدمتها إحلال اللغة العربية مكانتها في<br />

التعليم وتحقيق التعريب الشامل.‏<br />

وكان الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله يرى أن<br />

السبيل الأمشل لبلوغ هذه الأهداف هو الاعتماد على<br />

السواعد والإمكانيات الوطنية التي ينبغي استغلالها<br />

وترقيتها وحسن استشمارها لإعداد كفاءات وطنية موءهلة،‏<br />

لا سيما في التخصصات العلمية وفي مجالات الإشراف<br />

التربوي والتوجيه والإدارة والتسيير والرقابة.‏<br />

نظرا لسمو هذه الأهداف ونبلها،‏ عمل الأستاذ عبد الهميد<br />

مهري رحمه الله مع رفاقه على إنشاء موءسسات<br />

متخصصة في مجال التكوين،‏ كالمركز الوطني لتكوين<br />

إطارات التربية الذي يتكفل بإعداد هيئات التفتيش‏<br />

التربوي والإداري،‏ وإدارة الموءسسات التعليمية،‏ وتسيير<br />

الموءسسات التعليمية التكوينية والتوجيه التربوي.‏<br />

واهتم،‏ كذلك،‏ برفع طاقة موءسسات الدعم كالمعهد<br />

التربوي الوطني والمركز الوطني لتعميم التعميم ومركز<br />

التزود بالوساءل التعليمية والبيداغوجية وصيانتها.‏ ولم<br />

يغفل توسيع شبكة المعاهد التكنولوجية للتربية وزرعها<br />

في معظم الولايات.‏ وكان مقررا،‏ حسب الخِ‏ طة المسطرة،‏<br />

أن يتوسع التكوين ويشمل إطارات إدارات التعليم على<br />

المستويين المركزي والمحلي.‏<br />

وكان طموه التكفل بمختلف الانشغالات وتلبية الهاجات<br />

المتزايدة للمربين والأساتذة يزحف نهو إنشاء المدرسة<br />

العليا لتكوين أساتذة التعليم الشانوي في بوزريعة في<br />

إطار اتفاقية أبرمت مع الجمهورية العراقية التي أمدّت<br />

الجزاءر بنخبة من الأساتذة الجامعيين الأكفاء.‏ وكانت هذه<br />

الاتفاقية تقضي بإعارتهم لبضع سنوات في انتظار<br />

تعويضهم بنخبة من بين أساتذة المعاهد ومن أساتذة<br />

-<br />

التعليم الشانوي المتميزين.‏ وكانت الإتفاقية توصي بإيفاد<br />

بعشات منهم إلى جامعة بغداد للتكوين والهصول على<br />

شهادات عليا في مختلف التخصصات.‏<br />

بعد انطلاق هذا المشروع التعاوني،‏ كلفني الأستاذ عبد<br />

الهميد مهري رحمه الله بالاتصال بمن أعرف من<br />

أساتذة التعليم الشانوي،‏ خاصة في تخصصات<br />

الرياضيات،الفيزياء وعلوم الطبيعة والهياة<br />

قصد تحفيزهم للالتهاق بالمعهد،‏ ودراسة مدى تمكن<br />

بعضهم من التفرغ لتهضير شهادات جامعية عليا.‏<br />

وكان القصد من وراء كل ذلك هو بعش طليعة نواة من<br />

الموءطرين الجزاءريين في المدرسة العليا التي أنشئت حديشا<br />

الأستاذ عبد الهميد<br />

مهري كما عرفته<br />

وفي الموءسسات التكوينية التي تتبع وزارة التربية<br />

الوطنية.‏<br />

انطلقت عملية التكوين بالمدرسة سنة ‎1977‎م،‏ واندمج<br />

الأساتذة في المشروع بعد أن أكملوا تكوينهم المقرر<br />

حسب تخصصاتهم العلمية والأمل يهذوهم لتعويض‏<br />

المكونين العراقيين تدريجيا.‏ إلا أن جهات لم تكن تنظر<br />

بعين الرضي إلى هذا المشروع الفتي والواعد الذي كان<br />

الغرض‏ المرتقب منه هو تأمين حاجات قطاع التربية من<br />

أساتذة التعليم الشانوي الموءهلين علميا وبيداغوجيا في المواد<br />

العلمية التي زينتها حروف لغة الضاد.‏<br />

كانت حجة المعارضين الظاهرة تكمن في انتفاء وجه<br />

الصواب من تولي وزارة التربية الوطنية مهمة التكوين<br />

في مرحلة ما بعد شهادة الباكالوريا الذي هو من<br />

اختصاص‏ وزارة التعليم العالي؟؟.‏ إلا أن الأسباب الخفية<br />

والمتسترة كانت تقتنص‏ النيل من إصلاه التعليم وتعويق<br />

معركة التعريب،‏ والسطو التهريفي على مراجعة بعض‏<br />

القرارات المتعلقة بمنطلقات النظام التربوي وغاياته.‏<br />

أطلقت رصاصات الرحمة الغادرة على المشروع الراءد<br />

الذي كانت الأيام تزيده نموا وتقدما،‏ وتوقف بعد سنتين<br />

من انطلاقه بعد مكر الماكرين.‏ ووزع طلبته على<br />

الجامعات لإكمال دراستهم.‏ في حين أن بعضهم عين<br />

لمباشرة التدريس‏ في الميدان قبل إنهاء تكوينه وتخرجه.‏<br />

وأدمج الأساتذة المتعاونون العراقيون الراغبون في إكمال<br />

عقودهم في الجامعات.‏<br />

وهبت عاصفة تغيير المسوءولين على مستوى وزارة<br />

التربية الوطنية،‏ ومنهم الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه<br />

الله الذي لم يكن في وسعه الاستمرار في شغل<br />

منصبه والقيام بأعمال وإجراءات مضادة لكل ما حصل<br />

في القطاع.‏ أو حتى التشكيك في صواب القرارات<br />

وصدق المقاصد والغايات التي سعى جاهدا إلى تحقيقها.‏<br />

كم حزّ‏ في نفس‏ الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله <br />

نسف هذا المشروع الذي زرع فيه آماله،‏ واستاء من<br />

الطريقة والسرعة اللتين تم بهما إلغاوءه.‏ إلا أنه ظل ملتزما<br />

كرجل مسوءول مع ما يصدر من الهيئات العليا.‏ ورغم أن<br />

هذا التصرف ترك في حلقة مرارة وغصة؛ إلا أنه واجهه<br />

بصبر وجلد كأنه جبل ثابت تعجز الرياه عن هزه أو<br />

خلخلته.‏ لم تفتر عزيمته أو يتزعزع إيمانه في ما قد تأتي<br />

به رياه أيام المستقبل.‏ والشاهد عندي،‏ أن الأستاذ عبد<br />

الهميد مهري رحمه الله كان خلال رحلة توليه<br />

مناصب المسوءولية في قطاع التربية والتكوين يمنه جل<br />

اهتماماته لإعداد العنصر البشري الكفء الذي تناط به<br />

المهام اخملتلفة انطلاقا بالتربية والتعليم والتكوين،‏<br />

ووصولا إلى الإشراف والتوجيه والتخطيط والتقويم<br />

والقيادة.‏ وكان دوما يراهن على قيمة الإنسان المربي<br />

مهما كان الموقع الذي يهتله.وكان في كل خطوة<br />

يخطوها يرسل بصره بعيدا وناظرا حتى خلف الشعاب<br />

والأكمات.‏ وكان واسع الأفق في التهليل والاستشراف،‏<br />

وشديد الهرص‏ والعناية بجميع الجوانب التي من شأنها<br />

الإسهام في بناء نظام تربوي عصري على أسس‏ متينة<br />

تستجيب لمطلب إعداد الأجيال التي سيعهد إليها مهام<br />

البناء الوطني وتحقيق التنمية الشاملة.‏<br />

ومهما حاول أحدنا أن يعدد جلاءل أعمال الأستاذ عبد<br />

الهميد مهري رحمه الله وإنجازاته،‏ فإنه سيظل بعيدا<br />

عن الإحاطة بها،‏ وعاجزا عن جمع شمل نضالاته<br />

وتضهياته وإسهاماته المرموقة في تحرير الوطن ثم في<br />

بناءه.‏<br />

كان الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله مدرسة<br />

عالية الشأن في مسيرة حياته وفي تعاملاته.‏ وكان<br />

صاحب شخصية متميزة حقا،‏ وكان رجلا فاضلا،‏ كريما،‏<br />

نزيها،‏ شهما،‏ أنوفا،‏ عفيف اليد وعف اللسان.‏ وكان<br />

متواضعا ووقورا إلى درجة أنه يفرض‏ احترامه طوعا<br />

ومحبة على الناس.‏<br />

تحضرني،‏ بهذا الصدد،‏ بعض‏ الصور والمشاهد والمواقف<br />

التي ترسخت في ذاكرتي عن الأستاذ عبد الهميد مهري <br />

رحمه الله ومن ذلك أنه كان يقيم في سكن ضيق<br />

وقديم داخل معهد بوزريعة،‏ لا يناسب مقامه ولا يليق<br />

بمكانته،‏ ويكاد لا يسع حاجات أسرته.‏ ورغم أنه موظف<br />

سام في وزارة التربية الوطنية،‏ إلا أنه ارتضى الإقامة فيه<br />

سنوات من أن يستجدي غيره للهصول على مسكن<br />

أرحب مساحة.‏ وأبت نفسه الأبية أن يستعمل سلطته أو<br />

نفوذه للاستيلاء على أحسن مسكن في أحد الأحياء<br />

الراقية.‏ ولم تجعله ينافس‏ أساتذة المعهد في طلبات<br />

الهصول على سكنات،‏ وإنما أخضع طلباتهم لنفس‏<br />

المقاييس‏ والمعايير التي كان العمل يجري بها،‏ وتم فرزها<br />

وترتيبها مستبعدا نفسه من منافستنا في هذا الأمر.‏<br />

ومشل أمامنا هذا التصرف الذي بدر منه العزة والقناعة<br />

في أجل صوّ‏ رها.‏<br />

كنا نرى أستاذنا عبد الهميد مهري رحمه الله يباره<br />

منزله ذاهبا إلى مقر عمله الآخر في الوزارة أو عاءدا منه<br />

يقود سيارته بنفسه من دون حرس‏ أو مرافق خاص.‏<br />

عرفته،‏ وهو الأمين العام لوزارة التربية الوطنية بكل ما<br />

تجلبه مشل هذه المناصب من جاه ورفاه وحسب عند<br />

الآخرين،‏ يستأنس‏ حتى بأبسط العمال في المعهد،‏<br />

ويتهدش إليهم.‏ وكانت زوجته الكريمة رحمها الله <br />

تعمل ضمن الفريق الإداري في المعهد،‏ ولكنها كانت<br />

تعامل كبقية الموظفين حضورا وانصرافا.‏ وأشهد أنها<br />

كانت مواظبة على عملها في إخلاص،‏ متفانية في أداءه.‏<br />

وتقوم بالمهام الموكلة إليها عن طيب خاطر وميل ورغبة.‏<br />

وعلى مر الأيام التي قضيناها معا،‏ لم نلمس‏ منها أو<br />

نلاحظ عليها تصرفات من يفخر بالعيش‏ في ظل<br />

منصب زوجها السامي.‏ وكانت،‏ إلى جانب ذلك،‏ ترعى<br />

بيتها وأسرتها بمفردها مع أن لها الهق في من يساعدها،‏<br />

وعلى كاهل الوزارة،‏ طبقا للتنظيم الذي كان معمولا به.‏<br />

كان الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله آية في<br />

بسط أيدي التواضع والكرم للناس‏ جميعا.‏ وكان لا<br />

يتردد في استقبال زواره الذين يقصدون بيته بوجه<br />

بشوش‏ ومبتسم.‏ وكنت أزوره في بيته بهي زحيدرة<br />

زبمفردي ومع بعض‏ الزملاء مرارا.‏ وكان هو من يفته<br />

الباب بنفسه إن كان موجودا في كل مرة.‏ ويهسن<br />

استقبالنا وتعلو وجهه تباشير الفرحة بلقاءنا،‏ ولا يرتاه إلا<br />

إذا أكرمنا ولو بفناجين قهوة نهتسيها.‏ وكانت أخر مرة<br />

زرناه فيها،‏ منذ بضعة أشهر مرت،‏ لنقدم له العزاء ونزف<br />

له عبارات مواساتنا في فقدان أخيه عبد الرحمن <br />

رحمهما الله .‏ وكان هو من فته لنا الباب كعادته،‏<br />

وأدخلنا غرفة الاستقبال،‏ متساءلا عما إذا كان قد تأخر<br />

علينا قليلا،‏ ومعتذرا بانشغاله بالوضوء استعدادا لأداء<br />

صلاة الظهر.‏ وأجبناه بأننا لم ننتظر إلا قليلا،‏ وبأننا<br />

وصلنا باب سكناه منذ لهظات.‏ ورحب بنا أيما ترحيب،‏<br />

وتحدش إلينا في أمور شتى دون أن ينسى سوءالنا عن<br />

أوضاعنا وعن أحوال كشير من الأساتذة والطلبة الذين<br />

تعرف إليهم.‏ وأحسسنا أنه كان يود الهديش إلينا وقضاء<br />

أطول وقت في موءانسته.‏ وفي ذلك اليوم،‏ لاحظنا أعراض‏<br />

المرض‏ وعلامات التعب بادية عليه،‏ وحتى ملامحه لم<br />

تعد في زهو وانبساط كما عهدناها،‏ وكان يجد صعوبة<br />

في صعود درجات السلم.‏ تألمنا لهاله،‏ وعز علينا أن نكلفه<br />

متاعب الضيافة التي لم يعد يطيقها.‏ وعبشا حاولنا<br />

الاستئذان منه لمغادرة مسكنه،‏ والوعد له بالعودة إلى<br />

زيارته في فرصة يكون فيها مرتاحا ومعافى.‏ إلا أنه أصر<br />

في أدب،‏ كعادته،‏ على مكوثنا حتى شرب القهوة.‏ وكان<br />

هو من ودعنا عند باب مسكنه الخارجي.‏<br />

إن الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله هو من أسمى<br />

عناوين الوفاء وصون العهود،‏ ليس‏ للمبادئ والقيم التي<br />

ناضل من أجلها نضال الصابرين الأشداء،‏ وأفنى حياته<br />

في سبيل تحقيقها،‏ وإنما لمن رافقوه في معترك العمل معه<br />

ولتلامذته أيضا.‏ فقد ظل طول أيام عمره الزكي يذكرهم<br />

بأسماءهم،‏ ويسأل عنهم وعن أوضاعهم.‏ وكنا وهو يسرد<br />

لنا بعض‏ الوقاءع والأحداش حتى البسيط والعارض‏ منها<br />

التي واجهها في حياته مع الطلبة أو الموظفين أو أثناء أيام<br />

الشورة التهريرية،‏ نغرق استغرابا لقوة ذاكرته،‏ وسرعة<br />

بداهته،‏ وحرصه واهتمامه برعاية أمور الشوءون الذي<br />

يتولاها صغيرها وكبيرها من دون تفريط أو تسويف.‏<br />

رحمك الله يا فقيد الجزاءر،‏ وابنها البار،‏ ويا أحد عظماءها<br />

الذين يهق للأجيال أن تقتدي بهم وتستلهم من سيرهم<br />

ومواقفهم وعظيم أعمالهم ما ينير لها الدروب،‏ ويرشدها<br />

إلى مواصلة السير في الطريق التي عبد شطرا منها<br />

الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله بهمة وحماسة<br />

وحرارة وإيمان،‏ وتحقيق الغايات التي أفني الراحل حياته<br />

في سبيل بلوغها مع أمشاله من أبناء وطننا المفدى الجزاءر.‏<br />

× مدير التعليم الشانوي العام بوزارة<br />

التربية الوطنية،‏ سابقا<br />

■ الأستاذ:‏<br />

أحمد وزاني<br />

كان الأستاذ عبد الهميد مهري رحمه الله آية في بسط أيدي التواضع والكرم للناس‏ جميعا.‏<br />

وكان لا يتردد في استقبال زواره الذين يقصدون بيته بوجه بشوش‏ ومبتسم.‏ وكنت أزوره في<br />

بيته بهي ‏''حيدرة '' بمفردي ومع بعض‏ الزملاء مرارا.‏ وكان هو من يفته الباب بنفسه إن كان<br />

موجودا في كل مرة.‏ ويهسن استقبالنا وتعلو وجهه تباشير الفرحة بلقاءنا،‏ ولا يرتاه إلا<br />

إذا أكرمنا ولو بفناجين قهوة نهتسيها.‏ وكانت أخر مرة زرناه فيها،‏ منذ بضعة أشهر مرت،‏<br />

لنقدم له العزاء ونزف له عبارات مواساتنا في فقدان أخيه عبد الرحمن رحمهما الله .‏ وكان<br />

هو من فته لنا الباب كعادته،‏ وأدخلنا غرفة الاستقبال،‏ متساءلا عما إذا كان قد تأخر علينا<br />

قليلا،‏ ومعتذرا بانشغاله بالوضوء استعدادا لأداء صلاة الظهر.‏<br />

“<br />


عدد خاص‏ 25<br />

جوانب من مسار الرجل العظيم<br />

عبد الهميد مهري<br />

مارس‏ 2012<br />

بقلم:‏ شريف سيسبان<br />

● ودع الشعب الجزاءري عن بكرة أبيه منهنيا في خشوع<br />

عبد الهميد مهري ، هذا الرجل الفذ الذي امتاز في<br />

سلوكه ونضاله بالتفاني في حب وطنه وشعبه حتى<br />

النخاع وفي إخلاصه ونزاهته وتواضعه المفرط في<br />

التعامل مع بني جلدته،‏ وفي تفتهه في الهوار وعمق<br />

تبصره بالأحداش والملمات.‏<br />

لقد رحل الرجل فجأة في هدوء وبدون سابق إنذار تاركا<br />

وراءه حزنا عميقا في أوساط أصدقاءه ومعارفه ورواده،‏<br />

وأسفا شديدا لدى عامة شعبه ومواطنيه وأصدقاءه في<br />

الساحة العربية الذين تعاملوا معه في القضايا القومية في<br />

أكثر من موقع وأكثر من مناسبة.‏<br />

لقد كان للرجل مسار مشرق ومتشعب في كفاحه<br />

الوطني منذ نعومه أظفاره،‏ فكان مناضلا صلبا شديد<br />

المراس‏ منذ اشتد عوده ضد الاستعمار الفرنسي الذي<br />

سلط ألوانا من العذاب والبطش‏ في حق شعبه منذ أن<br />

تفته ذهنه ونما وعيه فقرر مقاومته بكل ما لديه من قوة<br />

والتصدي لطغيانه وظلمه والعمل مع رفاق دربه على<br />

تقويض‏ أركانه وإزاحة وجوده من فوق أرض‏ الجزاءر<br />

الطاهرة الى الأبد،‏ وكان التهاقه بالهركة الوطنية في<br />

مقتبل العمر الأمر الذي مكنه في مدة قصيرة بهكم<br />

صلابة عوده وسعة تكوينه وحسن سلوكه وانضباطه<br />

من الرقي في سلم المسوءولية ليصبه قاءدا للطلبة<br />

الجزاءريين من أعضاء حركة انتصار الهرية والديمقراطية<br />

في تونس،‏ وهذا لما تميز به بالاقناع والهيوية وحسن<br />

الأخلاق،‏ ولقد تقاطعت سبيلنا في الخميسنات من القرن<br />

الماضي عندما التهقت أنا بتونس‏ آنذاك في تلك السنة<br />

للامتهان في شهادة الأهلية مع طلبة معهد عبد الهميد<br />

بن باديس‏ في أول فوج يتخرج منه،‏ وتعرفت عليه من<br />

بين العديد من الطلبة الجزاءريين أمشال رزيق الذي كان<br />

صديقا له وكان واحدا من المناضلين الذين التهقوا<br />

بالشورة واستشهد في المعركة وترك في نفس‏ صديقه ألما<br />

وحزنا عليه لأنه كان مقربا منه محبوبا لديه.‏<br />

ونظرا لنشاطه الطافه فقد انزعجت السلطات الفرنسية<br />

في تونس‏ وأبدت تخوفها من وجوده زيادة على<br />

اضطراب الأمن فيها فقامت بإبعاده وإعادته إلى أرض‏<br />

الوطن،‏ فوجد التربة بالنسبة إليه خصبة للمقاومة ووجد<br />

اجملال فسيها لمواصلة نضاله وتعدد مجالاته،‏ وسرعان ما<br />

أصبه عضوا في قيادة حزبه ضمن أعضاء اللجنة<br />

المركزية،‏ وأثناء هذه الفترة كانت الهركة الوطنية في<br />

تونس‏ قد انطلقت ونفس‏ الأمر في المغرب،‏ وحاول<br />

المناضلون الجزاءريون في المنظمة السرية وفي اللجنة<br />

المركزية للهزب تنسيق العمل مع القياديين في تونس‏<br />

والمغرب لتوحيد العمل النضالي في مجمل المغرب<br />

العربي ولكن لم يوفقوا في ذلك،‏ وكانت المنظمة السرية<br />

قد قررت القيام بالعمل المسله بعدما حاولت أيضا توحيد<br />

صف التنظيم السياسي للهزب دون جدوى،‏ وسعت إلى<br />

تعزيز صفوفها بقيادة سياسية فوجدت في عبد الهميد<br />

مهري واحدا من الشخصيات التي يمكن أن تعتمد عليها<br />

ولكن الرجل لم يرد توسيع شقة الانقسام بين المصاليين<br />

والمركزيين خشية على زيادة الانشقاق وفضل العمل<br />

بعيدا عن الأضواء ولكن ظل مستعدا للقيام بدوره<br />

عندما يتطلب الأمر خوض‏ المعركة الهاسمة مع العدو،‏<br />

ولم يطل به الأمر فقد تفجرت ثورة التهرير في الفاتح<br />

من نوفمبر 1954 في كامل التراب الوطني وترددت<br />

أصداوءها في جميع أرجاء المعمورة وخاصة في الساحة<br />

العربية من المحيط إلى الخليج وصعق المعمر الفرنسي من<br />

هول الصدمة وفقد رشده فقام باعتقال من ظن أنهم<br />

وراء الانتفاضة العارمة من قيادة حزب الشعب الجزاءري<br />

ومن بينهم مناضلنا وتكشفت الهقيقة المرة بأن الشوار هم<br />

أعمق وأوسع مما كان يظن وبعدها زج في غياهب السجن<br />

ثم أطلق سراحه بعد سنة أي 1955 فلبى نداء الواجب<br />

على الفور وأبعد إلى الخارج ضمن الوفد الخارجي للشورة<br />

وعين على رأس‏ مكتب جبهة التهرير الوطني في سوريا<br />

في مطلع سنة 1956 مما كان له دور حاسم مرة أخرى في<br />

انطلاق عمله النضالي على أحسن وأعمق مستوى،‏<br />

فسوريا كمصر مهدت للعمل الشوري.‏<br />

وهنا تقاطعت السبيل بيني وبينه فقد كنت قد التهقت<br />

بجامعة دمشق في خريف سنة 1955 بعد أن تحصلت<br />

على البكالوريا من الكويت بالدرجة الأولى من مجموع<br />

طلبة أول بكالوريا كويتية تنظم في الإمارة وكنت أنوي<br />

الالتهاق بالجامعة الأمريكية في بيروت ولكن عاءق<br />

اللغة الانجليزية حال دوني،‏ وطاب لي جو دمشق وطيبة<br />

أهلها فقررت البقاء بها وكنت أول طالب جزاءري وحيد<br />

آنذاك في الجامعة مع خمسة طلاب في دار المعلمين بها<br />

ومن هوءلاء حنفي بن عيسى وبلقاسم النهيمي وخمسة<br />

آخرين بدار المعلمين بهلب ومن بينهم الشاعر أبو القاسم<br />

خمار ثم لهق بنا عشرة بالشانوي في اللاذقية ومنهم منور<br />

الصم وعلي عمار الأعور ومحمد مهري.‏<br />

وقد تمكنا لمواكبة الشورة ودعمها في المنطقة من تنظيم<br />

أنفسنا تحت عنوان لجنة الطلبة الجزاءريين قبل وصول<br />

السيد عبد الهميد مهري فما كان منه عند وصوله إلى<br />

دمشق إلا أن يجد من يرحب به ويهيطه بالاسقبال الهار،‏<br />

وكنا نفكر في دار تلم شمل الطلبة الجزاءريين الذين<br />

سيلتهقون بجامعة دمشق من المدن السورية الأخرى<br />

ومن البلدان العربية اجملاورة لسوريا مشل الكويت<br />

والأردن ولبنان،‏ وفاتحنا الأستاذ عبد الهميد مهري في<br />

الأمر فلم يتردد وبعد معاينة المكان في شارع الصالهية<br />

بأعالي دمشق أكمل لنا المبلغ اللازم وبذلك تمكنا في فترة<br />

وجيزة من لم شمل أكثر من سبعة عشر طالبا في هذه<br />

الدار،‏ وأصبهت مقرا لكل الوافدين على سوريا من<br />

الطلبة العسكريين ومن المسوءولين في قيادة الشورة الذين<br />

يهلون بسوريا وهم عديدون ومن مختلف المسوءوليات<br />

العسكرية والسياسية،‏ ووجدنا رءيس‏ المكتب مجندين<br />

منذ وصوله تحت تصرفه في خدمة الشورة مما ساعده في<br />

الانطلاق في مهمته الشاقة التي تحتاج الى صبر وخبرة،‏<br />

ولقد وجد في سوريا الجو السياسي والاجتماعي المناسب<br />

لتفته موهبته وانطلاق نشاطه،‏ فسوريا كان البلد<br />

العربي في المنطقة الذي كان يتمتع باستقلال كامل<br />

وكان يعتبر نفسه القلب العربي النابض‏ بالهيوية والذي<br />

فته قلبه وأبوابه وكل إمكانياته في وجه الجزاءر وثورتها<br />

دون تردد وربما للخوف من احتمال تكرار كارثة الاندلس‏<br />

في الجزاءر وزاد في هذا الصدد وجود جالية جزاءرية<br />

كبيرة تزيد على عشرات الالاف من أحفاد الأمير عبد<br />

القادر وأعوانه وأحفاد المقراني الذين فروا من بطش‏<br />

الاستعمار إبان ثورة المقراني والشيخ الهداد وأحفاد<br />

الرافضين للتجنيد الإجباري من شتى المدن والقرى<br />

الجزاءرية والفارين بأولادهم خصوصا من تلمسان<br />

وبعض‏ مدن الغرب الجزاءري،‏ وقد التفت كلها حوله<br />

وأبدت كامل استعدادها للتجنيد من أجل وطنها.‏<br />

وأمام كل هذا الاستعداد والهماس‏ اللذين رافقا فته<br />

مكتب الجبهة على يد هذا المناضل البشوش‏ والمتدفق<br />

حيوية استطاع في فترة وجيزة أن يهول سوريا قطبا<br />

هاما وقلعة حصينة تدعم الشورة في الجزاءر في كل<br />

المنطقة كما كان الأمر في مصر وهو الذي كان كفيلا<br />

بالاشراف على كل من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين<br />

والعراق،‏ وقد أبلى البلاء الهسن ونجه في مهمته التي<br />

كلف بها فأصبهت سوريا مركزا هاما للتمويل والتسليه<br />

والتدريب وغدت سوريا مخزنا للسلاه الذي يرد إليها<br />

من العراق ودول الخليج والأردن ولبنان،‏ وكذا المال الذي<br />

كان يتدفق عليها من هذه البلدان الشقيقة،‏ وكانت<br />

اللاذقية مرفأ‏ هاما للتموين بالسلاه عبر البهر نهو<br />

الجزاءر ومدنها في الغرب والشرق وكذا تزويدها بالأموال<br />

اللازمة لسير الشورة،‏ مشل الاسكندرية في مصر.‏<br />

ومعلوم أن مخزون السلاه الذي تبقى في المنطقة بعد<br />

الاستقلال قد قدم هدية الى القيادة الفلسطينية في حينها<br />

وفي فترة قصيرة تحولت سوريا الى خلية تعج بالهركة<br />

مما دفع بالقيادة الجزاءرية الى تعزيز المكتب بشخصية<br />

وطنية هامة تمشلت في الشيخ محمد الفسير طيب الله ثراه<br />

مما عزز من نشاطه وتوسيعه آفاق وقدرة المكتب في<br />

التجنيد والتنظيم وفته نشاطاته في الاعلام كصوت<br />

الجزاءر من قلب دمشق كل مساء وكذلك مد الجراءد<br />

بالمعلومات اللازمة لتغطية كفاه الجزاءر وتأكد نجاه<br />

الرجل المناضل عبد الهميد مهري في مهمته في سوريا<br />

والمنطقة مما أهله للمشاركة في موءتمر الصومام ونال<br />

مكانته في القيادة ضمن أعضاء اللجنة المركزية<br />

وعضوية لجنة التنسيق والتنفيذ وبالتالي في صنع<br />

القرارات الهامة التي تحدد مسيرة الشورة ومصير الجزاءر<br />

اجملاهدة في جميع الجوانب العسكرية والسياسية<br />

والدبلوماسية مع رفاقه في القيادة الجماعية المتبعة في<br />

حينها.‏<br />

وللعلم فإن وجوده بدمشق على رأس‏ المكتب أتاه للشورة<br />

إرسال العديد من الشباب الجزاءريين للالتهاق<br />

بمعسكرات التدريب في مختلف التخصصات العسكرية<br />

كالطيران والمدفعية والبهرية،‏ مشل عبد الرزاق بوحارة<br />

وعلاق محمد وعبد الهميد الابراهيمي والعربي لهسن<br />

وكمال عبد الرحيم وحسين بن المعلم،‏ ورحال يهيى<br />

وبوزغوب والتي أطرت جيش‏ التهرير أثناء الهرب<br />

وتولت القيادة بعد الاستقلال فأغلب جنرالات الجيش‏<br />

الوطني الشعبي كانت من هوءلاء الشباب الذين تخرجوا<br />

من سوريا والعراق.‏<br />

وبذلك توسعت آفاق الشورة في الداخل والخارج في جميع<br />

الميادين وتطلبت مرحلة جديدة في عملها مما جعل القيادة<br />

اتقدم على إعلان إقامة الهكومة الجزاءرية الموءقتة للشورة<br />

الجزاءرية في 19 سبتمبر 1958 وبذلك أعيد بعش الدولة<br />

الجزاءرية ذات السيادة الى الوجود بعد أن غيبت لمدة تزيد<br />

عن القرن والربع القرن،‏ ورفرف العلم الجزاءري عاليا في<br />

سماء سفارات الجزاءر في العديد من دول العالم.‏<br />

وقد كان السيد عبد الهميد مهري عضوا في الهكومة<br />

كوزير لشمال افريقيا وفي الشانية كوزير للشقافة<br />

والشوءون الاجتماعية التي تحول مقرها من القاهرة الى<br />

تونس.‏<br />

وهنا سنرى الرجل المناضل العنيد يتكشف لنا عن<br />

خصال جديدة ومواهب فذة في العمل السياسي الواسع<br />

والشقافي والتربوي.‏<br />

بالإعلان عن قيام الهكومة الموءقتة للجمهورية الجزاءرية<br />

تكون الشورة قد أقدمت على إعادة بعش رموز الدولة<br />

الجزاءرية الهديشة ودعاءم سيادتها بعد أن أقدمت السلطات<br />

الاستعمارية على حجبها وتغييبها عن الوجود لهقبة<br />

طويلة من الزمن بضمها رسميا إلى التراب الفرنسي<br />

ككيان استيطاني يستوعب البطالين والمشردين من<br />

مختلف أصقاع أوروبا،‏ وكادت أن تتكرر مأساة ضياع<br />

الأندلس‏ في الجزاءر لولا روه التهدي والمقاومة الشرسة<br />

التي أظهرها شعبها والتي ظلت متواصلة منذ أن دنست<br />

أقدام الجيوش‏ الاستعمارية هذه الأرض‏ العربية<br />

الاسلامية الطيبة،‏ وقام أبناوءها بالتضهيات تلو<br />

التضهيات وقدموا ملايين من الشهداء،‏ لإحباط هذا<br />

اخملطط الإجرامي الظالم وقد استشعرت الشعوب<br />

العربية والإسلامية خطورة هذا العدوان الجهنمي الذي<br />

يتربص‏ بأشقاءها في الجزاءر،‏ فهموا على بكرة أبيهم<br />

لمساعدة أشقاءهم وبني جلدتهم بكل ما يملكون وتنادوا<br />

إلى المقاومة بجميع الوساءل على امتداد الساحة العربية<br />

خصوصا أن مجاهدي الجزاءر لم يكونوا في حاجة إلى<br />

الرجال بمقدار ما كانوا يبهشون عن الدعم بالأموال<br />

والسلاه والمساندة الدبلوماسية والسياسية والإعلامية<br />

وقد أدركت قيادة الشورة أن تباشير النجاه قد لاحت في<br />

الأفق ولا راد للزحف الجارف،‏


فأخذت تعد العدة لآفاق المستقبل الواعد،‏ ومن هنا جاء تعيين السيد عبد<br />

الهميد مهري على رأس‏ وزارة الشقافة والشوءون الاجتماعية،‏ واستذكارا<br />

لمسوءوليته في الإشراف على تكوين المدارس‏ الهرة التابعة للهزب في<br />

ريعان شبابه في صفوف الهزب<br />

وإذا كان تدفق اللاجئين على الهدود الشرقية والغربية بالآلاف فرارا من<br />

وحشية التدمير للقرى في أرياف الجزاءر وجبالها يمشل في تلك المرحلة<br />

الأولوية الملهة،‏ فإن جانب التكوين والتعليم لم يكن أقل أهمية وإلهاحا<br />

وقد جندت الوزارة لهذا الجانب كل الإمكانيات المتوفرة خصوصا تجاه<br />

الطلبة الذين التهقوا بمعاهد وجامعات العالم وبلغ عددهم في تلك الفترة<br />

أكثر من ألفي طالب وكذا الأطفال الذين خرجوا مع أهلهم من اللاجئين<br />

والذين كانو يقدرون بعشرات الأطفال بنين وبنات متشردين على<br />

مناطق عديدة من الهدود التونسية والمغربية وحتى في الأقطار العربية<br />

الأخرى،‏ بعد أن تم إبعادهم من المناطق الملتهبة في شتى الجهات<br />

وإذا علمنا أن الأمية في الجزاءر إبان الهقبة الاستعمارية قد بلغت شأوا<br />

خطيرا أفقد الجزاءريين كل مقومات الكيان الانساني وأوشك أن يهول<br />

وجودهم إلى بهاءم في عصر النور والمعرفة<br />

فقد بلغ حجم الأمية في أوساط الرجال في نهاية وجود الاحتلال تسعين<br />

بالمئة وفي أوساط النساء خمسة وتسعين بالماءة ويعني هذا أن الجهل في<br />

أوساط هوءلاء البشر وصل حدا لا يختلفون فيه عن الهيوانات ماداموا لا<br />

يعرفون حتى خط أحرف إسمهم ولقبهم وكان هذا أمرا مقصودا ومتعمدا<br />

في سياسة الاستعمار ليفرغ الجزاءر من سكانها معنويا بعد أن فشل في<br />

تصفيتهم جسديا سعيا لاستخدامهم كهيوانات بشرية<br />

وتسخيرهم لصاله المعمرين النازحين من بقاع<br />

أوروبا ليصبهوا أسيادا في هذه الأرض‏<br />

الطيبة المعطاءة<br />

الأمر الذي حتم على القيادة السياسية<br />

في الهكومة الموءقتة أن توجه عناية<br />

فاءقة للجانب التربوي والاهتمام<br />

البالغ للتكوين والإعداد العلمي<br />

والتقني والشقافي للأجيال<br />

الصاعدة لاستلام الرسالة<br />

الشقيلة فنهن على أبواب الجهاد<br />

الأكبر بعد أن لاه في الأفق<br />

نهاية الجهاد الأصغر وتحتم<br />

علينا التفكير في المرحلة<br />

الأصعب،‏ مرحلة البناء والتشييد<br />

والإعمار خصوصا أن الإرش<br />

الكارثي الذي تركه لنا الاحتلال<br />

اجملرم على ما هو عليه وبالصورة التي<br />

شاهدنا في أوساط شعبنا من حيش<br />

استفهال الأمية والفقر والمرض‏ في جميع<br />

المستويات والأوساط وقامت وزارة الشقافة بقيادة<br />

السيد عبد الهميد مهري وبمساعدة الرجل القدير عبد السلام<br />

بلعيد الأب الروحي للتنظيم الطلابي الجزاءري ‏)الاتحاد العام للطلبة<br />

المسلمين الجزاءريين(،‏ والذي كان مكلفا آنذاك بتوفير المنه وتقديمها<br />

للمترشهين وتوجيههم إلى البلدان المانهة حسب الاختصاصات الملهة<br />

والتي تحتاج إليها الجزاءر في المستقبل خصوصا في أوروبا وأمريكا،‏<br />

والبلدان الإشتراكية<br />

ودعت الاتحاد إلى عقد الموءتمر العام الذي يجمع كل الطلاب الجزاءريين في<br />

الداخل والخارج لأول فترة في بئر الباي بتونس‏ في جويلية سنة 1960<br />

حيش حضره طلابنا من جميع أنهاء العالم من روسيا إلى الولايات<br />

المتهدة ومن جميع بلدان أوروبا الشرقية والغربية ومن البلدان العربية<br />

من الغرب إلى العراق مرورا بسوريا ومصر وتونس‏ ومن داخل الوطن<br />

دام سبعة أيام بلياليها وناقش‏ اجملتمعون قضايا البلاد ومتطلبات الشورة<br />

من حيش التجنيد والتأطير والتكوين وحملات الإعلام،‏ والعمل<br />

السياسي والدبلوماسي والعسكري،‏ وتشاء الظروف أن أكون من بين<br />

وفد طلبة سوريا إلى هذا الاجتماع الهام الى جانب محمد مهري<br />

والهاشمي قدوري وأبو القاسم خمار كما حضره من مصر عيسى<br />

بوضياف رحمه الله ومحمد بلعيد ومحمد طالب،‏ ومن العراق فته الله<br />

يوسف رحمه الله وبولقيصبات.‏<br />

وتم تكوين الهيئة القيادية للطلبة وعلى رأسها مسعود آيت شعلال<br />

ويعين فيها من طلبة المشرق عيسى بوضياف وشريف سيسبان وتكون<br />

هذه الفرصة للتواصل الشالش بيني وبين السيد عبد الهميد الذي طلب<br />

مني الالتهاق بتونس‏ في أقرب فرصة للهاجة إلي خصوصا أنني أنهيت<br />

مهمتي الدراسية في دمشق ولم يطل الأمر حتى تلقيت برقية للالتهاق<br />

بالوزارة،‏ وكنت واحدا من اربعة عشر خريجا من المشرق العربي<br />

ولم يطل بنا المقام وبإلهاه منا لمباشرة مهمتنا كلفنا بالالتهاق بطول<br />

الهدود التونسية الجزاءرية للقيام بإحصاء أطفال اللاجئين في سن<br />

الدراسة وإعداد برنامج تربوي لهم وتم توزيعنا كل اثنين في منطقة في<br />

عين الدراهم في الهدود الشمالية لنرسل إلى قفصة في الجنوب.‏<br />

وبسرعة أكملنا المهمة من حيش الاحصاء ووضع البرنامج والاحتياجات<br />

من المعلمين والأدوات،‏ وعند تقديم التقرير الذي كان يضم أكثر من<br />

عشرين ألف طفل أمرني بالإشراف على المهمة وإدارة العملية برمتها<br />

بمعية بلقاسم النعيم الرجل الهاديء الرصين وفي اقل من سنة قمنا بما<br />

يجب وكعضو في قيادة اتحاد الطلبة فقد اقترحت أن يقوم طلبتنا في<br />

الخارج خلال الصيف بالتطوع لمدة شهر على الهدود ولمعايشة اللاجئين<br />

وابناءهم وهذا ما حصل بالفعل وجاء العديد من طلابنا في اوروبا<br />

وأمريكا كل حسب اختصاصه لمساعدة الأطفال والتعرف على حالتهم<br />

المعيشية وقد استهسن السيد عبد الهميد تلك المبادرة وكان قد بدأ‏ بفته<br />

ذلك المشروع في الهدود الغربية بالاعتماد على خريجين من المشرق<br />

أمشال منور الصم وعبد الرحمان الأزهر،‏ وحنفي بن عيسى ويجب<br />

الاشارة إلى انشاء دور للطفولة في تونس‏ العاصمة يتلقون العون<br />

والتأطير من مختلف الدول وإن كان عددهم قليلا بالمقارنة بأطفال الهدود،‏<br />

وفي هذه الاثناء قام تحت إشراف الوزارة )2(<br />

وتتسارع الأحداش في الآونة الأخيرة بعد الدخول في المفاوضات<br />

والهصول على الاتفاق وإعلان ايقاف القتال وإجراء الاستفتاء إعلان<br />

النصر والاستقلال الناجز ويعقد موءتمر طرابلس‏ لكل قيادة الشورة لوضع<br />

البرنامج،‏ وتتأزم الأمور خلال هذه المرحلة الهاسمة وتبرز إلى السطه<br />

الخلافات والطموحات ويجد المناضل والمعلم والمربي الهكيم نفسه<br />

مضطرا لتلافي تفاقم الأمور إلى رأب الصدع والبهش عن أسلوب<br />

للهوار من أجل إصلاه ذات البين بين الفرقاء ولما لم يوفق اضطر إلى<br />

تأجيل الأمر.‏<br />

وظل بعيدا وفضل القيام بما كان يراه الأنجع في المرحلة المتأزمة،‏ والعودة<br />

إلى ميدانه المفضل وهو التربية وإعداد النشء،‏ فالتهق بمدرسة المعلمين<br />

ببوزريعة لما كان يراه من أهمية لإعداد المعلمين اللازمين لتربية وتعليم<br />

اطفال الجزاءر مع مجموعة من الأساتذة الذين جاوءوا من الخارج ومن<br />

الداخل،‏ وعندما تبين له أن الأفق السياسي خصوصا مع الرءيس‏ بومدين<br />

أصبه واضها ومنسجما مع توجهاته ومبادءه وافق على العودة إلى<br />

تحمل المسوءولية في الميدان الذي يعتبره استراتيجيا لمصير الجزاءر وهو<br />

التربية الوطنية،‏ وقبل بالأمانة العامة في الوزارة التي مكنته من القيام<br />

بالإصلاه الذي أنتج المدرسة الأساسية ضمن التعليم الإجباري في حده<br />

الأدنى لتسع سنوات حتى يتمكن الطفل تخطي احتمالات العودة إلى<br />

الأمية،‏ عكس‏ ما يجري حاليا بإقرار الشهادة الابتداءية التي لا طاءل منها<br />

سوى تقنين وتبرير التسريه المبكر لأجيال من البنات<br />

والبنين وبتكلفة كبيرة من الأموال والجهد في سن<br />

البراعم.‏<br />

كما كرس‏ تعليم اللغة الوطنية كلغة<br />

أساسية دون منافسة أو مضايقة من<br />

اللغة الأجنبية مستويات التعلم<br />

الأولى حتى يكون الأطفال<br />

متمكنين منها وعدم التسرع في<br />

محاولة فرض‏ الازدواج اللغوي<br />

الذي يشتت ذهن الطفل<br />

ويجعله غير متمكن من<br />

اللغتين ويقوده الى التذبذب<br />

الذهني وربما الى انفصام<br />

الشخصية،‏ وعلى الرقي الى<br />

الإبداع والابتكار ويقال أن<br />

أسباب عدم الرقي الهضاري في<br />

بعض‏ البلدان هو اعتمادهم في<br />

تعاملاتهم التاريخية على الازدواج<br />

بسبب الاحتلال وغالبا ما يقود اجملتمعات<br />

التي تتعايش‏ فيها عدة لغات الى فقدان الوحدة<br />

الوطنية والدخول أحيانا كشيرة في صدامات<br />

وصراعات شديدة كما هو الهال في بلجيكا وسويسرا،‏ وكندا<br />

وغيرها من البلدان<br />

ويلاحظ في المدة الأخيرة وخصوصا بعد إدخال اللغة الشانية الأجنبية في<br />

وقت مبكر أن اطفالنا أصبهوا ضعفاء في اللغة الوطنية لمنافسة اللغة<br />

الأجنبية لها إلى جانب عدم إجادتهم للغة الأجنبية وهذا ما يوءكده علماء<br />

اللسانيات بصفة علمية أكيدة<br />

وهكذا وفق الرجل الهكيم والمعلم المتبصر بكل هدوء ورزانة وبعد نظر<br />

في خلق مدرسة ذات تربية وطنية تتمتع بشخصية بارزة المعالم<br />

متوازنة،‏ متفتهة على المعارف مناسبة لمستقبل الجيل ماديا ثقافيا،‏ فكريا<br />

وروحيا.‏<br />

وكان في علمه هذا متماشيا مع روه بيان أول نوفمبر الذي ينص‏ على<br />

اعتماد المبادئ العربية الاسلامية كأساس‏ للشورة الجزاءرية في إعادة بعش<br />

الدولة الجزاءرية التي خرجت الى الوجود بإعلان الهكومة الموءقتة في<br />

بالقاهرة،‏ ومنسجما مع الشعار المشهور الذي رفعه الشوار<br />

والقاءل بأن الشورة مستمدة من الشعب في وبالشعب يتم إنجازها<br />

ولفاءدة جموع الشعب ثمارها،‏ والتي أصبهت مرفوعة فوق واجهات<br />

كل البلديات لمدة طويلة بعد الاستقلال معبرة بصدق عن روه الشورة<br />

عند انطلاقها وعمق أبعادها بالنسبة للمناضلين الأواءل امشال رجلنا<br />

الراحل عبد الهميد مهري الرجل العظيم<br />

كما كان في مشروعه النضالي والتربوي والتعليمي يرمي إلى إفشال<br />

مشروع قسنطينة الذي خطط له الجنرال ديغول لهرق مسيرة الشورة<br />

التهريرية وإيقاف زحفها لقلع جذور الارتباط الشقافي والاقتصادي<br />

والسياسي الذي عمل الوجود الاستعماري الفرنسي على تكريسه في<br />

الجزاءر كهقيقة داءمة وإلى الأبد<br />

مفندا كل تقولاته ومزاعمه،‏ موءكدا عمق الهوية العربية الاسلامية في<br />

أعماق وجدان الشعب الجزاءري ومدى القبول بالنفس‏ والنفيس‏ للهفاظ<br />

على شخصيته الوطنية،‏ مما جعل الشورة الجزاءرية قوة ومشالا يهتذي بها<br />

جميع أحرار العالم وأصبهت كعبة تحررت على يدها القارة الافريقية في<br />

أغلبها وكانت فيما بعد ملاذا لكل المناضلين في أصقاع الارض‏ وهذا ما<br />

كان ديغول يخشاه من امتداد لهيب الشورة الجزاءرية ليشعل النار في كل<br />

مستعمراتها ومناطق نفوذ امبراطوريتها المتهاوية ولولا الصراعات التي<br />

فرقتها المطامه الشخصية بين بعض‏ المسوءولين وزادت فيها المطامع من<br />

ذوي النفوس‏ اللاهشة وراء الربه الوضيع خصوصا في حقبة العشرية<br />

الهمراء،‏ التي قادت الشعب الجزاءري الى هاوية سهيقة عرف فيها ألوانا<br />

من الرعب والألم لكانت البلاد تنعم بالراحة والاستقرار والمكانة المرموقة<br />

في الساحة العربية والدولية بفضل بعض‏ الرجال العظام أمشال هواري<br />

بومدين وعبد الهميد مهري وآخرين من الزعماء الذين أنجبتهم الجزاءر<br />

والذين كتبوا أسماءهم واسم الجزاءر بأحرف من نور فلهم اجملد والخلود<br />

ولأرواحهم الطاهرة المقام المتميز في العليين،‏ إنا لله وإنا اليه راجعون<br />

خريف 1958<br />

‏×عضو اللجنة المركزية لجبهة التهرير الوطني سابقا<br />

وصية مهري..‏ لا تنسوا هدية<br />

الشهداء في ذكرى الاستقلال<br />

نجيب بلهيمر<br />

● ‏«أخي الرءيس..‏ إن الجزاءر مدعوة للاحتفال،‏ قريبا،‏ بالذكرى<br />

الخمسين لاستقلالها،‏ والوقت الذي يفصلنا عن هذه المناسبة العظيمة،‏<br />

كاف،‏ على ما أعتقد لاتفاق الجزاءريين على التغيير السلمي المنشود.‏<br />

وأحسن هدية تقدم لأرواه شهداءنا الأبرار هو الاحتفال بذكرى<br />

الاستقلال والشعب الجزاءري معتز بماضيه ومطمئن لمستقبله».‏<br />

بهذه الفقرة ذيل المناضل الراحل عبد الهميد مهري رسالة مطولة بعش<br />

بها إلى الرءيس‏ بوتفليقة في السادس‏ عشر من شهر فيفري من العام<br />

الماضي،‏ وكعادته لم يكتف مهري بالتنبيه إلى اخملاطر التي تحيق بالبلاد<br />

في هذه المرحلة الصعبة،‏ بل اجتهد في صياغة اقتراحات يمكن أن تكون<br />

معالم على طريق تجسيد الهدف الذي سماه هدية الشهداء الأبرار،‏ وقد<br />

قدم مقترحاته في تواضع شديد،‏ وبموضوعية منقطعة النظير،‏ جعلته<br />

يبتعد مرة أخرى عن اجملاملة وعن التشخيص،‏ وهما آفتان قل من سلم<br />

منهما من المشتغلين بالسياسة في هذه البلاد.‏<br />

كلما اشتدت الأزمات في الجزاءر وجدنا مهري في الصف الأول،‏ فهو مكافه<br />

عنيد عندما يتعلق الأمر بوحدة البلاد ومستقبلها،‏ وإذا كانت سنوات ما<br />

بعد الاستقلال قد أدخلته اجملال الرسمي من خلال المسوءوليات التي<br />

تقلدها،‏ فإن بداية عهد التعددية أعادته إلى ساحات العمل السياسي<br />

الميداني،‏ فقد تولى قيادة جبهة التهرير الوطني في ظرف عصيب،‏ ونزل<br />

إلى الميدان من أجل إعادة بناء حزب قابل للهياة في نظام ديمقراطي<br />

تعددي حقيقي،‏ ولم تكن تلك المهمة سهلة،‏ وقد أفادته تلك التجربة<br />

كشيرا،‏ وبعدها بأكثر من عشر سنوات خرج بخلاصة مفادها أن الذين<br />

أقروا التعددية في الجزاءر لم يكونوا أبدا مقتنعين ببناء ديمقراطية<br />

حقيقية،‏ وأن محاولات التهكم في الأحزاب عن بعد بقيت قاعدة في<br />

العمل السياسي في الجزاءر.‏<br />

هذه الخلاصة هي التجلي الذي برز على السطه،‏ غير أن التهليل الذي<br />

يقدمه مهري أعمق من هذا بكشير،‏ فقبل عام كان يخاطب الرءيس‏<br />

بوتفليقة في الرسالة آنفة الذكر بالقول ‏«سيدي الرءيس..‏ إنك اليوم في<br />

قمة الهرم لنظام حكم لست مسوءولا وحدك على إقامة صرحه.‏ فقد<br />

شارك في بناءه،‏ برأيه أو عمله أوصمته،‏ كل من تولى قدرا من المسوءوليات<br />

العامة بعد الاستقلال»،‏ وبعدها ببضعة أشهر كان يصهه مسار النقاش‏<br />

السياسي بالدعوة إلى الابتعاد عن التشخيص،‏ وبالقول ‏«إنني أتحدش عن<br />

أزمة حلها ليس‏ بيدي»،‏ حتى أنه رفض‏ أن تعتبر رسالته تلك مبادرة<br />

سياسية لأنها برأيه فكرة ضمن أفكار أخرى يمكن أن تساهم في رسم<br />

معالم الطريق الصهيه والآمن الذي يجب أن تسلكه الجزاءر،‏ وعندما<br />

قدم مقترحاته العملية قال ‏«إن مئات المبادرات التي يمكن أن تتفتق عن<br />

هذه الدعوة،‏ وتتعدد بعيدا عن الإملاءات الفوقية،‏ ستكون مشل الشموع،‏<br />

تنير طريق التغيير السلمي الهقيقي وتترجم عن توجهات الشعب<br />

ومطامحه».‏<br />

لقد تعرض‏ الرجل خلال سنوات الأزمة إلى إساءات بالغة،‏ وتم تخوينه<br />

لأنه كان يدافع عن الهل السلمي والسياسي للأزمة،‏ غير أن ذلك لم<br />

يدفعه إلى الانهدار إلى مستوى خصومه،‏ فقد ظل عدوه الوحيد هو هذا<br />

النظام الذي يكاد يصبه عصيا على الإصلاه،‏ والنظام في التهليل<br />

السياسي العميق لمشقف متميز مشل عبد الهميد مهري هو جملة الممارسات<br />

التي تراكمت عبر عقود،‏ وأفرزت لأسباب موضوعية توازنات ومصاله<br />

أصبهت تعيد إنتاج النظام عندما تبرز ضرورة التغيير،‏ ولأن مهري كان<br />

شاهدا على بناء الدولة الجزاءرية الهديشة،‏ فإنه كان يملك،‏ فضلا عن<br />

الأدوات المعرفية،‏ الخبرة والدراية اللازمة للإحاطة بالواقع الجزاءري،‏<br />

وهذه الميزات يصعب أن تجتمع في شخصية سياسية واحدة.‏<br />

التشخيص‏ الدقيق لوضع البلاد لم يكن يفضي بمهري إلى تبني نظرة<br />

متشاءمة،‏ ولم يدفعه أبدا إلى طرق أبواب الخارج طلبا للتدخل من أجل<br />

إحداش التغيير الذي ينشده،‏ بل على العكس‏ من ذلك تماما لم يتوقف<br />

عن تقديم المقترحات،‏ وعن العمل من أجل المساهمة في صياغة الهلول،‏<br />

وكانت آخر مرة عندما التقى لجنة المشاورات حول الإصلاحات السياسية،‏<br />

وقد اعتبرت تلبيته الدعوة وتقديمه مقترحاته مفاجأة خاصة وأن<br />

رسالته إلى الرءيس‏ لم تلق أي رد،‏ وقد سئل يومها:‏ ‏«هل تعكس‏<br />

مشاركتك في المشاورات تفاوءلك بالإصلاحات؟»‏ فرد على الفور:‏ » ما دمت<br />

أمارس‏ السياسة سأبقى متفاءلا،‏ فالذي يفقد الأمل لا يمكنه أن يمارس‏<br />

السياسة»،‏ أما مصدر تفاوءله فكانت ثقته في قدرة أبناء بلده الذين قال<br />

عنهم ‏«إن الشعب الجزاءري الذي احتضن الشورة عندما ألقيت،‏ عن وعي<br />

وإخلاص،‏ بين أحضانه،‏ وتحمل أعباءها ومسوءولياتها بجلد وصبر،‏ موءهل،‏<br />

بتجربته العميقة،‏ لاحتضان مطلب التغيير الديمقراطي السلمي لنظام<br />

الهكم ومرافقته إلى شاطئ الاستقرار والأمان»،‏ وكان حسن الظن<br />

بالشعب هو الذي دفع مهري دوما إلى المطالبة برفع الوصاية عن هذا<br />

الشعب واحترام إرادته.‏<br />

لم يدون مهري مذكراته التي طالبه بها المهتمون بالشأن العام،‏ رغم<br />

أنه وعد بأن يفعل،‏ فالعمل السياسي على الأرض‏ شغله عن الكتابة<br />

رغم أنه بارع فيها،‏ غير أنه في مقابل ذلك قدم روءية سياسية على<br />

قدر كبير من الموضوعية يمكن أن تكون إضافة متميزة لأي مشروع<br />

سياسي يهدف إلى بناء دولة الهق والقانون،‏ دولة الهريات<br />

والديمقراطية،‏ التي أفنى حياته مناضلا من أجل إقامتها،‏ ولعل<br />

رسالته الأخيرة إلى الرءيس‏ بوتفليقة هي أفضل ما يلخص‏ روءيته<br />

السياسية العميقة ويرسم صورة الجزاءر التي كافه من أجلها،‏ غير أن<br />

الذين يبهشون عن تصفية الهسابات الشخصية،‏ لن يجدوا ضالتهم في<br />

ميراش مهري الذي ألبس‏ السياسة ثوبا قشيبا من الشقافة الرفيعة<br />

والأخلاق السامية التي سنفتقدها حتما،‏ وفي مقابل هذا حمل المناضل<br />

واجملاهد الراحل الجزاءريين أمانة ثقيلة هي في أعناق أولي الأمر قبل<br />

غيرهم،‏ الشهداء يستهقون هدية في ذكرى الاستقلال فهل ستكونون<br />

على قدر الهدش العظيم؟.‏<br />

مارس‏ 2012<br />

عدد خاص‏ 26


عدد خاص‏ 27<br />

مارس‏ 2012<br />

عبد الهميد مهري<br />

وزير الإعلام والشقافة<br />

1980-1979<br />

لم يعين عبد الهميد مهري،‏ وزيرا للإعلام والشقافة إلا في ,1979 بعد وفاة هواري بومدين،‏ ليغادر<br />

الهكومة،‏ بعد عام ونصف فقط من التجرية،‏ الرجل يملك تفسيرا لهذه الهالة،‏ فقد كان هناك ‏«نص»‏<br />

غير مكتوب،‏ في عهد الرءيس‏ هواري بومدين،‏ يقضي بإبعاد أعضاء الهكومة الموءقتة،‏ من المناصب<br />

السياسية الهامة:‏ ‏''نتيجة لهساسيات قديمة لم يتخلص‏ منها الكشير''.‏<br />

/<br />

.1988<br />

لغاية 1977,<br />

1954<br />

ديسمبر 54<br />

نوفمبر 54,<br />

ناصرجابي<br />

● في مواجهة سياسة الإبعاد وحتى الإقصاء،‏ من<br />

مراكز القرار السياسي،‏ أصر عبد الهميد مهري على<br />

التواجد داخل فضاءات العمل التربوي والشقافي،‏<br />

بمختلف أشكاله ومستوياته،‏ قبل وبعد الاستقلال.‏<br />

عبد الهميد مهري الذي يعد من السياسيين<br />

الجزاءريين،‏ الذين تميزوا بهضور سياسي طويل،‏<br />

استمر،‏ منذ بداية الخمسينيات،‏ بما فيها هذا المرور<br />

السريع،‏ على المنصب الهكومي.‏<br />

ولد عبد الهميد مهري في 1928 بالخروب قرب<br />

قسنطينة،‏ ينتمي إلى عاءلة تعود في أصولها إلى<br />

جهة القل ‏(أولاد عطية)،‏ هاجرت إلى الهروش،‏ بعد<br />

فشل ثورة 1871, قبل أن تستقر لمدة طويلة في واد<br />

زناتي بولاية قالمة،‏ أين عمل الأب إماما في السلك<br />

الرسمي،‏ بعد الانتقال من الخروب،‏ حيش كان يقوم<br />

بنفس‏ المهمة بطريقة غير رسمية.‏<br />

الأب مهري الذي كان قد زاول تعليمه في زاوية<br />

شلاطة وقسنطينة،‏ عند الشيخ حمدان لونيسي،‏<br />

عكس‏ الجد الفلاه الصغير الذي لم يتمكن إلا من<br />

تعليم قرآني تقليدي،‏ في حين كان الجد من الأم تاجرا<br />

ميسورا،‏ من مدينة ميلة،‏ الأب الإمام الذي كان على<br />

اتصال بالكشير من الوجوه السياسية المعروفة في<br />

ذلك الوقت،‏ كعبد الهميد بن باديس‏ والأمير خالد،‏<br />

كما كان يساهم،‏ بكتاباته في جريدتي ‏''الإقدام''‏<br />

و''الصديق''.‏<br />

تزوج الأب مهري،‏ ثلاش مرات،‏ أنجب ولدين من<br />

طليقته الأولى،‏ ابنة عمه التي انفصلت عنه،‏ بعد<br />

رفضه العودة إلى المنزل العاءلي وترك الدراسة في<br />

زاوية شلاطة،‏ أما الزوجة الشانية فقد توفيت،‏ بعد أن<br />

أنجب منها الأب مهري،‏ خمسة أبناء،‏ في حين أنجب<br />

أربعة آخرين،‏ من زوجته الشالشة،‏ أم عبد الهميد ابنة<br />

تاجر ميلة ‏''التي احتضنت الجميع بعد وفاة الوالد -<br />

والطفل عبد الهميد لم يتجاوز الخامسة من العمر بعد<br />

- فقد تحمل مسوءولية العاءلة الأخ الأكبر إلى درجة لا<br />

يكاد يكتشف المرء،‏ من بعيد،‏ أننا لسنا من أم واحدة...‏<br />

فقد تحول الأخ الأكبر مولود،‏ إلى معلم،‏ مع عبد<br />

الرحمن بلعقون،‏ بعد وفاة الوالد،‏ تلقيت دراساتي<br />

القرآنية التقليدية،‏ حتى نهاية الهرب العالمية الشانية،‏<br />

في هذه المدرسة القرآنية في واد زناتي،‏ لا تحول إلى<br />

معلم فيها بعد ذلك...).‏<br />

يغادر الشاب عبد الهميد الجزاءر في سنة 1948,<br />

للالتهاق بجامع الزيتونة بتونس‏ للدراسة ‏:فالعاءلة<br />

حتى ذلك الوقت كانت ترفض‏ إرسال أبناءها للتعلم<br />

في المدارس‏ الفرنسية،‏ مما جعل الابن مهري،‏ ينطلق<br />

في تعلم الفرنسية،‏ وهو كبير في السن وبعد تجاوز<br />

العشرين من عمره.‏ كان الشاب عبد الهميد وقبل<br />

الذهاب إلى تونس،‏ قد انخرط في حزب الشعب،‏<br />

بمدينة واد زناتي،‏ ليصبه مسوءولا عن خلية كان من<br />

بين أعضاءها صاله بوبنيدر،‏ صوت العرب،‏ ابن<br />

المدينة،‏ حزب الشعب الذي كان قد سبقه إليه الأخ<br />

الأكبر،‏ رغم أن واد زناتي كانت قريبة جدا كوسط<br />

اجتماعي وثقافي من جمعية العلماء المسلمين إلا<br />

أن ‏''الجمعية فشلت في تكوين فرع لها في المدينة،‏<br />

جراء قوة حضور حزب الشعب ومنا ضليه،‏ من أبناء<br />

المدينة''.‏<br />

استمر عبد الهميد مهري،‏ في تونس،‏ زيادة على<br />

الدراسة بالزيتونة،‏ في نشاطه السياسي،‏ داخل<br />

الهركة الطلابية وبين أعضاء الجالية الجزاءرية المقيمة<br />

في تونس،‏ خاصة وأن الدراسة الهرة التي كان<br />

يزاولها الشاب عبد الهميد،‏ كانت تسهل مهمته<br />

كطالب - مناضل،‏ في الانقطاع عن الدراسة والعودة<br />

إلى الجزاءر،‏ للقيام،‏ بنشاطاته السياسية،‏ داخل هياكل<br />

الهركة الوطنية وموءسساتها،‏ وهو ما قام به خلال<br />

سنة 1948, عندما عاد للجزاءر،‏ لتهمل مسوءوليات<br />

داءرة الهزب،‏ في سطيف وقسنطينة،‏ الفترة التي<br />

تعرف فيها على عبان رمضان الذي كان ينشط<br />

سياسيا في هذه الجهة،‏ خلال هذه الفترة التاريخية<br />

بالذات.‏<br />

لم يسمه هذا الانقطاع المتكرر عن الدراسة،‏<br />

والاهتمامات السياسية المبكرة،‏ للطالب عبد الهميد<br />

مهري،‏ من الهصول على أي شهادة تعليمية،‏ فاكتفى<br />

بالتسجيل كطالب حر،‏ كل مرة كانت تسمه بها<br />

ظروفه،‏ عودة ثانية لتونس‏ في بداية 1951 لم تدم<br />

طويلا هذه المرة،‏ فقد ألقي القبض‏ على عبد الهميد<br />

مهري،‏ مع مجموعة من المناضلين،‏ ليطرد من تونس،‏<br />

بعد الاعتقالات،‏ التي مست مناضلي الهركة الوطنية<br />

التونسية،‏ والتي طالت بورقيبة نفسه وبعض‏<br />

الجزاءريين الذين كانوا قريبين من الهركة<br />

الوطنية.‏<br />

يلتهق عبد الهميد مهري،‏ في سنة 1952,<br />

بمدينة الجزاءر،‏ بعد أن كلفته قيادة الهزب،‏<br />

بعضوية لجنة الشوءون الشقافية،‏ مع<br />

الشيخ بوزوزو،‏ لتكوين وتسيير<br />

مجلة ‏''المنار''‏ والمساهمة في تحرير<br />

مادتها،‏ لغاية موءتمر أبريل 1953,<br />

التاريخ الذي سيعين فيه مهري،‏ عضو<br />

اللجنة المركزية،‏ على غرار الكشير،‏ من<br />

المتعلمين والوجوه الجديدة التي ظهرت<br />

للسطه،‏ خلال هذه الفترة الصعبة من<br />

عمر الهركة الوطنية الاستقلالية.‏<br />

نفس‏ المنصب الذي سيبقى فيه،‏ بعد موءتمر أوت<br />

الذي استفهلت معه الأزمة،‏ داخل الهركة،‏<br />

لينشطر الهزب إلى عدة تيارات متصارعة.‏<br />

يتعرض‏ مهري بعد الإعلان عن الشورة،‏ للاعتقال من<br />

لغاية ماي 1955 كالكشير من أعضاء<br />

اللجنة المركزية لهزب حركة الانتصار بعد الشكوك<br />

التي راودت السلطات الفرنسية في دور محتمل لهم<br />

في ‏''الأحداش''‏ التي هزت الجزاءر في أول نوفمبر<br />

1954, خاصة بعد اكتشاف الشرطة لعلاقة الرجل<br />

القديمة مع عبان رمضان.‏ سيستفيد مهري كالكشير<br />

من القيادات الوطنية التي اعتقلت مباشرة بعد<br />

من الإفراج الموءقت،‏ ليغادر التراب<br />

الوطني نهو فرنسا ومن هناك إلى القاهرة مباشرة<br />

للالتهاق بالشورة التي عينته ممشلا لها في الشام<br />

والعراق.‏<br />

يعين عبد الهميد مهري في سنة 1956 عضوا إضافيا<br />

في اجمللس‏ الوطني للشورة الجزاءرية،‏ ليستمر بعد ذلك<br />

كعضو كامل الهقوق في نفس‏ اجمللس،‏ ولجنة التنسيق<br />

والتنفيذ،‏ سنة بعد ذلك 1957 سيعين عبد الهميد<br />

مهري مند الإعلان عن الهكومة الموءقتة في 1959<br />

وزيرا مكلفا بالشوءون المغاربية،‏ ثم وزيرا للشوءون<br />

الاجتماعية والشقافية في الهكومة الشانية والشالشة<br />

ليغادر الهكومة الموءقتة مع رءيسها عباس‏ فرحات<br />

وتعيين بن يوسف بن خدة رءيسا للهكومة في<br />

.1961<br />

اكتفى عبد الهميد مهري،‏ بعد سنوات الاستقلال<br />

الأولى وحتى سنة 1970 بالعمل التربوي القاعدي،‏<br />

فقد رفض‏ الرجل بهدوءه المعهود،‏ اتخاذ موقف،‏ مع<br />

أي طرف أثناء أزمة 1962 ‏''التي لم يكن لها مبرر،‏<br />

فهي أزمة مفتعلة وتحالفاتها مصطنعة وغير<br />

طبيعية...‏ لم أفهم مشلا،‏ موقف عباس‏ في ثانوية<br />

عمارة الموءيد لبن بلة''،‏ لهذا فقد عمل الرجل كمدرس‏<br />

موءقت للغة العربية في ثانوية عمارة رشيد<br />

بالعاصمة،‏ بين سنتي 1964, 1963/ ثم مديرا لدار<br />

المعلمين ببوزريعة ومفتشا للطور الابتداءي،‏ لنفس‏<br />

المنطقة لغاية 1970.<br />

اقترن عبد الهميد مهري خلال هذه الفترة (1967)، مع<br />

إحدى المعلمات السوريات العاملات في الجزاءر،‏<br />

لينجب منها ولدا واحدا تخصص‏ في الهندسة<br />

المعمارية فيما بعد،‏ وبنتين تخرجت إحداهما من<br />

مدرسة العلوم التجارية للعمل في سوناطراك،‏<br />

وتتزوج فيما بعد،‏ من أحد أبناء الرءيس‏ الشاذلي بن<br />

جديد.‏<br />

يكلف مهري في سنة 1970, بعد تعيين عبد الكريم<br />

بن محمود وزيرا للتربية،‏ بالأمانة العامة للوزارة<br />

تاريخ مغادرة عبد الكريم بن محمود<br />

لمنصبه الوزاري،‏ سيستقيل مهري من منصبه كأمين<br />

عام للوزارة،‏ مباشرة،‏ بعد تعيين مصطفى لشرف<br />

وزيرا للتربية للعودة لبعض‏ الأشهر لمديرية دار<br />

المعلمين ببوزريعة،‏ قبل تعيينه عضوا بلجنة التربية<br />

لهزب جبهة التهرير التي كان يرأسها في تلك الفترة،‏<br />

ابن جمعية العلماء،‏ محمد<br />

الميلي.‏<br />

يعين عبد الهميد<br />

مهري عضوا<br />

للجنة المركزية،‏<br />

في أول موءتمر<br />

لهزب جبهة<br />

التهرير،‏ بعد<br />

وفاة<br />

الرءيس‏<br />

هواري بومدين 1979 ‏(الموءتمر الرابع)،‏ ويهتل منصب<br />

وزير الإعلام والشقافة في أول حكومة للرءيس‏ الجديد<br />

الشاذلي بن جديد.‏ عودة أخرى للهزب قوية هذه المرة،‏<br />

ستميز مسار مهري،‏ في بداية الشمانينيات،‏ كرءيس‏<br />

للجنة التربية والتكوين مدة طويلة نسبيا<br />

.1984/1981<br />

فترة تميزت بمهاولة أخرى لإعادة الهزب إلى مركز<br />

القرار السياسي،‏ بعد الإبعاد المقصود الذي تعرض‏ له<br />

طول فترة حكم الرءيس‏ بومدين.‏<br />

يعين عبد الهميد مهري،‏ سفيرا للجزاءر في باريس،‏<br />

بعد هذه التجربة الهزبية لمدة أربع سنوات 1984<br />

لكن في جوان من سنة 1988 يغادر هذا<br />

المنصب في باريس‏ لتمشيل الجزاءر في العاصمة<br />

المغربية،‏ بعد التهسن الموءقت الذي طرأ‏ على العلاقات<br />

الجزاءرية - المغربية لتسوء الأوضاع فجأة،‏ في الجزاءر<br />

بعد أحداش أكتوبر 88 ويستدعى مهري من قبل<br />

صهره الجديد الرءيس‏ الشاذلي بن جديد،‏ ليعين على<br />

رأس‏ حزب جبهة التهرير،‏ كمسوءول عن الأمانة<br />

الداءمة بدل المغضوب عنه محمد شريف مساعدية<br />

الذي كان من ضهايا الأحداش الأواءل،‏ ولينتخب عبد<br />

الهميد مهري أمينا عاما للهزب<br />

من قبل لجنته المركزية لغاية جانفي 1996, تاريخ<br />

الإطاحة به وتعيين بوعلام بن حمودة مكانه.‏<br />

حاول مهري أثناء وجوده على رأس‏ هرم الهزب أن<br />

يغير في مواقع ومواقف حزب جبهة التهرير المعروفة،‏<br />

كالابتعاد عن المواقف السياسية الرسمية واتخاذ<br />

مواقف مستقلة حول الكشير من القضايا دون نجاه<br />

كبير خلال هذه الفترة المضطربة سياسيا وأمنيا التي<br />

عرفت تنظيم انتخابات رءاسية واستفهال الأزمة<br />

السياسية والأمنية.‏ بعد مغادرة قيادة الهزب،‏ ابتعد<br />

عبد الهميد مهري عن كل نشاط سياسي<br />

رسمي باستشناء بعض‏ التدخلات<br />

الإعلامية،‏ انتخب عبد الهميد<br />

مهري في سنة 1996 أمينا<br />

عاما للموءتمر القومي<br />

العربي.‏


عدد خاص‏ 28<br />

مارس‏ 2012<br />

...<br />

...<br />

الدكتور أحمد بن نعمان<br />

...<br />

...<br />

● إن معظم البشر يولدون متشابهين من الناحية<br />

البيولوجية،‏ و صفهات بيضاء من الناحية<br />

الإديولوجية،‏ و أرقاما مجردة و أجساما محددة من<br />

الناحية الجغرافية و الديمغرافية...‏ و لكنهم قد<br />

يرحلون أو يرّحلون أعلاما شامخة و أقزاما ناكرةً‏ من<br />

الناحية السياسية و الاجتماعية و الشقافية و<br />

الأخلاقية،‏ و إن ذلك الاختلاف الكبير بين المواليد<br />

المتساوين في البداية و اخملتلفين في النهاية،‏ يعود<br />

أساسا إلى إرادة الأفراد أنفسهم الذين قد ينشأون و<br />

يربون في هذه البيئة و على هذا النهج أو ذاك،‏<br />

فيكونون في مقام أو قامة هذا الهكيم العَلَم،‏ أو ذاك<br />

الزنيم القزم!!‏<br />

و ذلك لأن الأجساد و الأجسام الجغرافية و<br />

الترابية كلها إذا كانت ذات طبيعة مادية و قوانين<br />

فيزياءية حتمية لا إرادية تتهكم فيها الشفرة<br />

الوراثية فإن الصفات و السجايا و الفضاءل أو<br />

الرذاءل الأخلاقية و السياسية و الشقافية بصفة<br />

عامة،‏ هي كلها إرادية يكونها الفرد لذاته و يتكيف<br />

معها بإرادته الواعية مهما تكن الظروف القاسية التي<br />

قد تكيفه حينا،‏ و لكنها لا تقهره أبدا إلا إذا قطع<br />

حبل الأمل و الرجاء من باب السماء،‏ و التصق<br />

بالأرض‏ الصماء كالهشاءش‏ و الدواب البكماء و بهذا<br />

قد يعيش‏ الفرد و يموت مشل الكبار أو يولد و يتمعش‏<br />

و يرحل مع الصغار الذين لا يهس‏ من حولهم<br />

بوجودهم و لا برحيلهم،‏ لأنهم إن حضروا فلا أثر<br />

لهم و إن غابوا فلا ساءل عنهم...‏ !!<br />

و اعتقد جازما أن معظم هذه الصفات و الفضاءل<br />

الإنسانية و الإرادية تنسهب في جزء كبير منها على<br />

فقيد الجزاءر و الأمة بأسرها،‏ الأستاذ عبد الهميد<br />

مهري،‏ أستاذ الأجيال الوطنية الباقي من المرحلة<br />

التهضيرية الصغرى إلى المرحلة التهريرية<br />

الكبرى احتلالاً‏ و نضالاً‏ و مقاومةً‏ و استقلالاً‏ و<br />

معارضةً‏ و ‏''استهلالاً''‏ من منتصف الأربعينيات،‏ إلى<br />

أن فارق هذه الهياة يوم 2012-01-30.<br />

و لا شك أن كلّ‏ من شاهد تلك الجنازة المهيبة في<br />

مقبرة سيدي يهي الصغيرة في مستوى العاصمة،‏<br />

والكبيرة في محتوى القاءمة...‏ و تمعن في وجوه<br />

الهاضرين عرف و أدرك هذه المعاني السابق ذكرها،‏<br />

وميّز ذلك البون الفارق الصارخ بين جناءز الرجال<br />

العظام و مواكب الذكور الأقزام،‏ و تعرف كل من له<br />

حس‏ في البصر و البصيرة على خريطة الفضاءل<br />

والأعمال الكبيرة الممدودة أمامه كالهصيرة،‏ ليتأكد<br />

من معادن الرجال و جلاءل الأعمال و صدق النضال<br />

دون ملل أو كلل أو انهراف على امتداد سنوات طوال<br />

بين الاحتلال و الاستهلال و مغريات عالم المال<br />

والأعمال الذي يفسد الذمم و يضعف الهمم...‏<br />

و لقد جمعت تلك الجنازة المتميزة كل نخب الجزاءر<br />

وبدون استشناء من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار،‏ من<br />

أصهاب الفضيلة و الإيمان إلى رموز النفاق والعصيان،‏<br />

و من رجال المال و الأعمال إلى الوزراء والسفراء و<br />

العلماء و الخبراء و الخفراء من كل الرتب و المستويات<br />

الوطنية و الجهوية،‏ و من ذوي كل الأوسمة و النياشين<br />

الذهبية و الخشبية الدنيوية والأخروية،‏ المرءية منها<br />

و اخملفية.!‏<br />

لقد كانت جنازة نموذجية بهق و غير مسبوقة فيما<br />

نعلم خلال العشريات السابقة،‏ و ربما لن تتكرر في<br />

بضعة عقود لاحقة،‏ لأن الصفات و الخصال النضالية<br />

و السياسية و الدبلوماسية و الإعلامية و الشقافية<br />

والتاريخية للفقيد الوزير و السفير و الأمين العام<br />

والمدير و الخبير،‏ جعلت منه زميلا للعديد من أصهاب<br />

المهن و الوظاءف و المناصب و المكاسب و الاختصاصات في<br />

معظم مجالات الهياة الهزبية و المدنية والعسكرية<br />

الوطنية و القومية و الجهوية المشرقية و المغربية<br />

الشمالية و الجنوبية فكانت جنازة أشبه بالقيامة<br />

الصغرى أو المحشر الدنيوي الذي يعرفه الهجاج في يوم<br />

الوقوف بعرفات،‏ و أيام رمي الجمرات...‏<br />

و من مميزات هذه الجنازة أيضا أنها قد جمعت بين<br />

كل الأضداد في الساحة و الساعة الوطنية،‏ سواء في ما<br />

يتعلق بتناقضاتها العقاءدية فيما بينها هي،‏ أو فيما<br />

يتعلق بتناقضاتها المبدءية و الانتماءية و العقاءدية<br />

فيما بينها و بينه هو،‏ كجبهة أو صخرة صلبة لا تتأثر<br />

بالرياه الموسمية الشرقية و الغربية أو الشمالية<br />

والجنوبية...‏ بهيش رأينا أناسا من المشيعين نعرفهم<br />

بسيمات في وجوههم و أحقاد في قلوبهم و ذمم في<br />

جيوبهم كانوا إلى عهد قريب جدّا يتآمرون عليه و قد<br />

أذوه ماديا و معنويا،‏ و أذاقوه الكشير من سموم ألسنتهم<br />

الهداد قد أصبهوا بين عشية و ضهاها من عداد<br />

أصهابه و رفاقه و ربما أحبابه،‏ و سبهان الله في تقلب<br />

...<br />

طباع عباده من كل أنواع و ألوان ترابه و لقد رأى<br />

الجميع بعض‏ الذين مكروا به و نغصوا عليه حياته<br />

يتهسرون على فراقه و يمدحون خصاله و ينافقون<br />

الرجل الراحل في أهم<br />

و أدق المراحل<br />

أهله و أصهابه،‏ بعد التأكد من وفاته و التهاقه بدار<br />

الهق التي لا تخطئ أحدًا من الكاءنات و الهمد لله،‏<br />

متظاهرين بالبكاء و الهزن عليه و تعزية الوطن<br />

وجهاد الأمة و نضالها و إصلاه أحوالها في غياب أفكاره<br />

وسداد أقواله وآراءه و إخلاص‏ أفعاله.‏<br />

هذا عن الجنازة النموذجية بامتياز،‏ و عن نوعية<br />

وكمية المشيعين و المرافقين،‏ أما عن علاقة كاتب هذه<br />

السطور بالمشيع،‏ فهي علاقة جندي بضابط أو طالب<br />

بأستاذ و مناضل بزعيم أو متعلم بهكيم...‏<br />

لقد تعرفت لأول مرةٍ‏ على هذا الأستاذ مباشرةً‏ فور<br />

عودتي من القاهرة سنة ‎1979‎م بعد استقالتي من<br />

منظمة العمل العربية اثر اتفاقية ‏''كانب ديفيد''‏<br />

اللعينة و التعيسة التي فرقت بين المرء و زوجه و بين<br />

الابن و أمه و قد صادف وقتها في الجزاءر موت الرءيس‏<br />

هواري بومدين،‏ و تولي الفقيد وزارة الإعلام في أول<br />

حكومة للرءيس‏ الشاذلي بن جديد،‏ و عندما عين<br />

الدكتور بوعلام بن حمودة ‏(الذي أصبه عضو المكتب<br />

السياسي في العهد الجديد)وزيرا للداخلية و الجماعات<br />

المحلية في يناير ‎1980‎م و قد كان يشغل منصب رءيس‏<br />

لجنة الشقافة و الإعلام بهزب جبهة التهرير الوطني،‏<br />

خلفه الأستاذ عبد الهميد مهري على رأس‏ هذه اللجنة<br />

فبدأت أشتغل معه مباشرةً‏ وباستمرار بهكم أن<br />

لجنة الشقافة و الإعلام كانت هي المكلفة بمتابعة<br />

تطبيق قرارات اللجنة المركزية لهزب جبهة التهرير<br />

الوطني في مجال التربية و التكوين،‏ وأنا كنت مستشارًا<br />

بالوزارة المذكورة مكلفًا بالإشراف والتنسيق الوطني<br />

لكل ما يتعلق بتطبيق هذه القرارات على مستوى<br />

وزارة الداخلية و الجماعات المحلية.‏ في إطار عملية<br />

التعريب الشاملة و المرحلية في الإدارة المركزية و<br />

التكوين و الهالة المدنية في موءسسات الدولة بالولايات<br />

و الجماعات المحلية،‏ و من ذلك التاريخ الذي يعود إلى<br />

أكثر من 30 سنة لم تنقطع صلتي به إلى أيام قليلة<br />

قبل مرضه...‏ و لقد عرفته عن قرب خلال هذه<br />

العقود الشلاثة بواسطة أربعة من الأصدقاء المشتركين<br />

كان أولهم الأستاذ المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم<br />

الذي يعرف الفقيد منذ سنوات النضال و الدراسة في<br />

الأربعينيات من القرن الماضي بتونس،‏ و كان الاثنان<br />

يتبادلان الكشير من التقدير و الاحترام إلى درجة<br />

الإعجاب!‏ و قد كانت تجمعهما العديد من المبادئ و<br />

الصفات الشقافية و الفضاءل الوطنية و الأخلاقية و<br />

الخصال القيادية الهزبية و الإدارية حتى فرقهما<br />

الموت في اليوم الموعود إلى دار الخلود،‏ و أذكر أنني<br />

عندما أصدرت كتابي عن ‏''مولود الجزاءر''‏ في الذكرى<br />

السنوية لوفاته سنة ‎1993‎م بعنوان ‏''مولود قاسم نايت<br />

بلقاسم:‏ حياة و أثار شهادات و مواقف''‏ بادرت كعادتي<br />

بإهداء نسخة منه للأستاذ عبد الهميد مهري،‏ ففره<br />

كشيرًا و شكرني على تلك المبادرة التي تعبّر كما قال لي<br />

عن الوفاء الخالص‏ و الواجب نهو هذا الصديق<br />

المشترك،‏ و أضاف رحمه الله قوله:‏ ‏''لقد نبت عنا<br />

جميعا يا فلان...‏ بهذه المبادرة الوفية وعوضت<br />

تقصيرنا في حق هذا الرجل الوطني المشقف و المناضل<br />

المشالي ذي العزم الصادق و الموقف الصارم والهازم،‏<br />

خاصة فيما يتعلق بالشوابت الوطنية...،‏ جزاك الله<br />

كلّ‏ خير ٍ عن تدارك هذا التقصير منا في زحمة و<br />

غمرة هذه الأحداش الأليمة الأخيرة التي تعصف<br />

بالجميع و تدفع بالوطن إلى اجملهول.‏<br />

أما الصديق الشاني المشترك الذي قربني أيضا<br />

بالأستاذ عبد الهميد مهري من الناحية التاريخية<br />

والهركة الوطنية و الشورة التهريرية،‏ فهو الرءيس‏<br />

الموءمن بن يوسف بن خدة رحمه الله الذي كان جاره<br />

المباشر في الجغرافيا كما في التاريخ أيضا بطبيعة<br />

الهال،‏ فكنت كلما أزور الأول أعرج على الشاني في بيته<br />

عندما يكون موجودًا،‏ و أذكر أن الرءيس‏ بن خدة<br />

رحمه الله كان يردد داءما قوله:''إنني اقترفت ذنب<br />

التصويت على الاشتراكية في موءتمر طرابلس...‏ وأعلنُ‏<br />

توبتي أمام الله في حق الوطن و الشعب الجزاءري''،‏<br />

فقال له سي عبد الهميد مرةً‏ بأسلوبه الناعم و العميق<br />

و الدبلوماسي في الوقت ذاته ‏(و قد كان يومها أمينًا عامًا<br />

لهزب جبهة التهرير الوطني في منتصف سنة<br />

‎1990‎م)قال له بابتسامته المعهودة:‏<br />

‏''أما أنا فلم أتب''‏ يا سي بن يوسف!‏<br />

أما الصديق الشالش المشترك الذي كان يجمعني به<br />

ثقافيا و وطنيا و قوميا و إسلاميا،‏ فهو الدكتور علي بن<br />

محمد سواءٌ‏ على صعيد اجتماعات أعضاء الموءتمر<br />

القومي العربي الإسلامي،‏ أو موءتمرات و ندوات<br />

النضال الوطني و القومي ضد عمليات التطبيع مع<br />

العدو،‏ والتغريب و المسخ و النسخ و الفسخ و<br />

التذويب لمقومات الشخصية و ثوابت الهوية<br />

الوطنية و القومية ولقد كان أخر لقاءٍ‏ جمعني و<br />

إياه في هذا الخصوص‏ على منصة واحدة هو ندوة<br />

نظمت في الموءتمر الدولي السابع للشيخ محفوظ<br />

نهناه بالجزاءر العاصمة في شهر جوان سنة ‎2010‎م<br />

تحت عنوان ‏''المقاومة خيار الأمة الشورة الجزاءرية<br />

نموذجًا''‏ ‏(وهو موجود في موقعي على اليوتوب).‏<br />

و مما يجدر ذكره أن الدكتور علي بن محمد كان قد<br />

أقنعه بضرورة إصدار كل ما قام به من مداخلات<br />

وألقاه من محاضرات و أجراه من حوارات و مقابلات<br />

إذاعية و تلفزيونية و ما كتبه من مقالات ، و قد<br />

أعطاني في بيته كل الأشرطة الصوتية و المرءية و<br />

الجراءد الوطنية و العربية والأجنبية التي تضم<br />

تلك المادة كلها بقصد تفريغها وأعدادها للطبع في<br />

شكلها و مضمونها اللاءق،‏ و قد فرغت بالفعل و<br />

نظمت و صففت و جهزت للطابعة فيما لا يقل عن<br />

800 صفهة،‏ و بقي الأمر متعلقا ببعض‏ الإضافات<br />

للمواقف المستجدة بعد ذلك و بقي التفكير فقط<br />

في حجم الكتاب،‏ و هل سيصدر في جزء واحدٍ‏ أو في<br />

جزأين كما اقتره بعضهم و قد قام هو بتولي<br />

التصهيه و التنقيه بذاته في جهازه الشخصي<br />

أثناء حله و ترحاله المستمر داخل الوطن و خارجه<br />

وكان من المفروض‏ أن يصدر الكتاب في بداية<br />

الألفية الجديدة،‏ تحت عنوان ‏''للهقيقة و التاريخ''‏<br />

كما اقترحه هو على الناشر،‏ و لكن عوامل ‏(غير<br />

تقنية)‏ حالت دون صدوره في وقته المذكور،‏ و<br />

نتمنى أن يصدر قريبًا إن شاء الله خاصة و أن<br />

بعض‏ الموانع التي حالت وقتها دون صدوره قد زالت<br />

مع الربيع القومي الجديد بعد الشتاء المديد.!‏<br />

و أما الشخص‏ الرابع الذي كان من المعارف<br />

المشتركة بيننا فهو الأستاذ الهادي إبراهيم<br />

المشيرقي اجملاهد ‏''الليبي الجزاءري''‏ الذي وضع<br />

بيته و عاءلته و فندقه و مزرعته و ثروته بل<br />

وحياته كلها في خدمة الشورة الجزاءرية اجمليدة،‏<br />

ثورة الأمة كما عبر عنها بالتفصيل،‏ في كتابه<br />

المعروف بعنوان ‏''قصتي مع ثورة المليون شهيد''‏<br />

وأذكر أنه بعد إتمام دفنه في مقبرة العالية<br />

بالجزاءر العاصمة كما هو معلوم ‏(بناءًا على وصيته<br />

لأهله،‏ رغم امتناع السلطات الليبية حينها)،‏ و كان<br />

ذلك سنة ‎2007‎م ارتأت عاءلته ‏(كرمزٍ‏ و عربون<br />

للصداقة و الكفاه المشترك بين الشعبين الشقيقين<br />

الليبي و الجزاءري ‏)أن تقيم له حفل تأبين في<br />

طرابلس‏ فطلب مني ابنه عادل أن أتصل بالمدعوين<br />

من الجزاءر للمشاركة في هذا الهفل الرمزي<br />

التكريمي المشترك،‏ و هم الأساتذة عبد الهميد<br />

مهري و السعيد عبادو و محمد الصاله الصديق،‏ و<br />

كاتب هذه السطور و كان لاختيار هوءلاء الأربعة<br />

أسباب و حيشيات لدى الداعين والمنظمين،‏ و قد<br />

تقرر حفل التأبين في ما أذكر يوم 17 ديسمبر<br />

‎2007‎م،‏ و صادف أني كنت مدعوا من قبل هذا<br />

التاريخ و مبرمجًا قبله من مركز الجهاد الليبي<br />

لإلقاء محاضرة حول جهاد الجزاءر،‏ فسبقت<br />

الزملاء الشلاثة بأسبوع ٍ كامل ٍ على أن أبقى هناك<br />

ليلتهقوا بي فأخذت معي صورة جواز السفر<br />

‏''الدبلوماسي''‏ للأستاذ عبد الهميد مهري ‏(الذي كان<br />

قد أعيد إليه بعد أن نزع منه لفترة غير قصيرة<br />

كما هو معروف)!!‏ و شاركت في تحضير حفل التأبين<br />

المذكور مع أهل الفقيد هناك،‏ و أرسلنا التذاكر،‏ و<br />

تم الهجز له على الدرجة الأولى في الطاءرة ذهابًا<br />

و إيابًا،‏ في اليوم الذي حدده لي في بيته رحمه الله<br />

إلا أننا فوجئنا بعرقلة و تماطل ملفوف ثم منع ٍ<br />

صريه و مكشوف لإقامة الهفل المذكور في موعده من<br />

طرف السلطات الليبية المعنية،‏ و ذلك انتقامًا من<br />

الفقيد الذي أوصى أن يدفن مع شهداء الجزاءر في<br />

أرضهم الطاهرة التي أحبها و أحبته و لقد ظل<br />

التسويف القاتل هو الهاءل دون هذا التأبين سنةً‏ بعد<br />

سنة إلى أن قضى الله أمرًا كان مفعولا،‏ و بقيت<br />

التذكرة مفتوحة ومتجددة سنويا في جيب الفقيد<br />

لتظل صالهة مع وقف التنفيذ،‏ و ستبقى كذلك إلى<br />

يوم يبعشون!‏<br />

و ما يجدر بي تسجيله هنا من عبارات و مواقف<br />

صريهة و شجاعة له بهذه المناسبة و هو في دار الهق و<br />

ما نتمناه نهن فقط هو اللهاق به صامدين على دربه<br />

غير مبدلين و لا مغيرين...‏ هو حديش خاص‏ جدًّا دار<br />

بيني و بينه و كان ذلك في سنة ‎1995‎م عندما أهديت<br />

له كتابي المشير للجدل ‏''حزب البعش الفرنسي''‏ قال<br />

لي:''لعلك تقصد حزب فرنسا الجزاءرية،‏ بعد فشل<br />

مخطط الجزاءر الفرنسية''،‏ فقلت له هذا بعض‏ ما في<br />

الكتاب و ليس‏ كلّه.‏<br />

و ما يمكن أن نستنتجه من هذه الوقفة التأملية<br />

والتوديعية لهذا الرجل الكبير إلى مشواه الأخير،‏ هو<br />

أن الكبار قد يولدون صغارا،‏ و لكنهم يكافهون بكل<br />

إخلاص‏ ٍ و إيمان طوال حياتهم ليعيشوا و يموتوا كبارًا.‏<br />

و العبرة بالنهاية و ليس‏ بالبداية،‏ و لا يمكن للذي مات<br />

كبيرًا أن يصبه صغيرًا لأن الأجساد إذا كانت تخضع<br />

للتهلل في التربة بفعل العوامل المناخية والطبيعية<br />

كالانجراف و التعرية فإن التاريخ فوق مستوى كل<br />

هذه العوامل الطبيعية وغيرها،‏ مما هو واقع على<br />

الإنسان رغم إرادته البشرية المحدودة،‏ فإن التاريخ<br />

كله مرتبط بروه الإنسان و إرادته،‏ و همته العالية،‏<br />

التي لا تخضع للهزات الأرضية،‏ و لذلك نهن نعرف<br />

تاريخ الزلازل و البراكين،‏ و لكننا لا نعرف زلازل<br />

التاريخ أبدًا،‏ و إذا كانت المواطنة تكتسب بالجنسية<br />

الورقية التي تمنه و قد تمنع فإن الوطنية الهقيقية<br />

لا تكتسب إلا بالتضهية الفعلية،‏ و هي ليست عقارا<br />

يباع في الصيدلية،‏ لفاقدي المناعة العقلية و<br />

الجسمية.!‏


عدد خاص‏ 29<br />

مارس‏ 2012<br />

الفقيد رافقهما وساعدهما في مراحل إعداد مذكرة الليسانس‏<br />

وردة وياسمين..‏ تفاصيل صداقة مع الراحل مهري<br />

بعبارات تخفي مشاعر حزن عميق إثر رحيل الأستاذ عبد الهميد مهري،‏ وبكل تأثر كانت كل من ياسمين ووردة تتهدثان عن فقيد الجزاءر الذي لمستا فيه<br />

صفات الهكمة والوطنية والخير،‏ لا سيما وأن هذا الرجل لم يكتف فقط،‏ حسبهما،‏ بمدّ‏ العون لهما في كل مراحل إعدادهما مذكرة التخرج لنيل شهادة<br />

الليسانس،‏ وإنما كان أيضا مصدرا مشعا ينبض‏ بالهنان والطيبة والهنكة،‏ فنمت بذلك بذور المحبة والصداقة بين الرجل والطالبتين.‏<br />

● كانت البداية بالنسبة إلى وردة برباش،‏ الطالبة التي لم<br />

تفقه بعد معاني الهياة وهي التي قطعت أشواطا كبيرة<br />

لتجد نفسها تحضر لمذكرة نهاية الدراسة ومرتبطة<br />

بموضوع يجب أن تختاره ليرى النور أمام الأساتذة<br />

الموءطرين ويسمه لها بولوج الهياة العملية،‏ شهادة<br />

الليسانس،‏ كانت بمشابة الهلم الذي راودها هي وصديقتها<br />

دبوز حديد ياسمين،‏ لكن الهلم الأكبر وهما اللتان اختارتا<br />

كلية الإعلام والاتصال،‏ كان لقاء سي عبد الهميد مهري،‏<br />

المناضل واجملاهد،‏ الذي ذاع صيته ليتجاوز حدود الوطن<br />

ويعلو صداه على المستويين الإقليمي والدولي.‏<br />

لقاء مهري كان حلما<br />

بالفعل كانت هناك أفكار كشيرة تدور في رأس‏ البنتين<br />

سعيا منهما لاختيار موضوع البهش الذي سيشكل<br />

مذكرة نهاية السنة،‏ وكان في تصورهما أن الخيار القاءم<br />

على اختيار عبد الهميد مهري لإعداد بورتري،‏ شبه<br />

مستهيل،‏ بل إن لقاءه ولو بمجرد الصدفة في حد ذاته كان<br />

حلما صعب المنال على حدّ‏ وصف الطالبتين في حديش<br />

جمعهما مع ‏«صوت الأحرار».‏<br />

وشاءت الأقدار أن رافقت الطالبتان الأستاذ أحمد شوتري<br />

الذي سمه لهما باصطهابه من أجل حضور العزاء الذي<br />

نظم بهسين داي بالعاصمة إثر وفاة الرءيس‏ العراقي<br />

صدام حسين في العام وهناك التقتا مع عبد الهميد<br />

مهري،‏ وبهسب ما ترويانه فإن دهشة اللقاء لم تدفعهما<br />

حتى إلى التجروء والهديش معه،‏ الأمر الذي دفع بهما إلى<br />

التماس‏ العون مجدّدا من الدكتور شوتري التوسط لهما<br />

من أجل لقاء مهري واقتراه فكرة إعداد مذكرة التخرّج عن<br />

مسيرته ونضاله.‏<br />

وتوالت الأيام وتشابهت إلى أن مرّت مدة قاربت الشهر<br />

حينما جاءت البشرى التي لم تكن متوقعة،‏ وكان الرد من<br />

الأستاذ مهري إيجابيا،‏ حينها تقول ياسمين ‏«لم نصدق النب ‏ٔا<br />

خاصة وإن سي مهري قد قبل فعلا العرض‏ دون أي<br />

شروط..»،‏ وأضافت أنه أبلغهما بأنه لا مشكلة لديه ما دام<br />

هذا الطلب قادما من الطلبة ولأهداف بيداغوجية.‏<br />

وبعد أسبوع كان اللقاء الأوّل في منزله الكاءن بهيدرة،‏<br />

واستطردت المتهدّثتان في سردهما تلك الذكريات<br />

الجميلة ‏«لم نكن نعرف العنوان ولكننا لم نأبه بذلك فالمهم<br />

في الهكاية أننا سنلتقي بهذه الشخصية العظيمة التي<br />

طالما كنا نسمع عنها الكشير ونتوق شوقا للقاءها فكيف بنا<br />

تفصلنا بضع أمتار عنها»،‏ وهنا تبادلت وردة وياسمين<br />

النظرات والهزن يداري بريق دموعهما.‏<br />

ومن الاعترافات التي أطلقتها ياسمين أنها ووردة حرصتا<br />

حتى على ارتداء لباس‏ يكون في مستوى مقام عبد الهميد<br />

مهري ‏«لم نكن نعرف ماذا نرتديه من ملابس،‏ كلاسيكي<br />

أو عصري،‏ هل نذهب إلى الهلاقة أم لا؟»،‏ وتواصل الهديش<br />

2006<br />

بعفوية:‏ ‏«وبالفعل لا أنكر أننا تعطلنا بعض‏ الشيء،‏ إلا أننا<br />

استدركنا الأمر عندما استقلينا سيارة الأجرة وكانت<br />

المفاجأة عندما فته لنا سي عبد الهميد الباب ورحب بنا..‏<br />

حينها اعتذرنا عن التأخّر ففاجأنا الأستاذ ببساطته وردّ‏<br />

علينا بابتسامة قاءلا إنه يتفهم الوضع..»،‏ وتقرّ‏ محدّثتنا<br />

‏«في تلك اللهظة انكسرت كل الهواجز والعواءق<br />

وأحسسنا بالراحة والاطمئنان،‏ دعانا للدخول إلى المنزل<br />

وقدم لنا القهوة بنفسه،‏ عندها راودنا إحساس‏ عميق بأننا<br />

فردين من هذه العاءلة ولعل تواضعه واحترامه الكبير لنا<br />

هو ما جعلنا نهس‏ بتلك الراحة..‏ وحقيقة لم نصدق أن من<br />

كان يتهدّش إلينا هو عبد الهميد مهري».‏<br />

» وجدنا فيه الأب،‏ الصديق والإنسان..»‏<br />

وتسترجع الطالبتان لهظات أوّ‏ ل لقاء مع الراحل مهري<br />

‏«كنا ننتظر من يفته الموضوع أولا،‏ لكن الرجل بادر<br />

بالهديش بقوله إنه لا يعلم طبيعة العمل الذي نود القيام به،‏<br />

وتساءل إن كنا نريد معلومات،‏ تصريهات،‏ وثاءق أو<br />

غيرها..»،‏ ومن خلال ما فهمتاه فإن حديش الأستاذ مهري<br />

إليهما بذلك التواضع والبساطة ‏«يوءكد أنه حدد لنا موعد<br />

لقاء دون معرفة لبّ‏ الموضوع،‏ فالمهم أنه إسهام في سبيل<br />

إعانة طالبتين على إعداد مذكرة».‏<br />

وتسرد محدّثتانا وكل منهما حريصة على أن يكون لها<br />

النصيب الأوفر من الهديش عن فقيد الجزاءر ‏«لقد كان لنا<br />

بالمقابل أن شرعنا في شره الموضوع وأكدنا له أن الأمر<br />

يتعلق ببورتري حول شخصيته،‏ فرد علينا دون أي تردد:‏<br />

أنا تحت تصرفكما»،‏ وبعدها توءكد وردة وياسمين أنه طلب<br />

منهما ورقة طريق ‏«فأخبرناه أننا لا نملك أي خطة عمل في<br />

الوقت الراهن خاصة وأننا لم نكن نتوقع موافقته في الهال<br />

وبهذه السرعة،‏ وأخبرناه بما نعرفه عن شخصه فابتسم<br />

وقال:‏ إنكما تعرفان الكشير فهذا هو عبد الهميد مهري»،‏<br />

وبعدها ‏«قدم لنا أفراد العاءلة الذين كانوا متواجدين في<br />

المنزل وكان لنا شرف لقاء ابنته وأحفاده».‏<br />

وبعد الترحاب الذي خصه بهما الراحل مهري توالت<br />

اللقاءات معه في إطار العمل،‏ ومن خلال حديش الطالبتين<br />

فإنه في كل لقاء تكبر صورة ‏«سي عبد الهميد»‏ ونمت<br />

علاقة صداقة ‏«مع هذا الشخص‏ الكريم الذي كنا نلبي<br />

دعواته للغداء وسط عاءلته التي كانت ترحب بنا في كل<br />

مرة وحين ومن دون موعد مسبق».‏ وليس‏ أدلّ‏ من أن<br />

الطالبتان كانتا وفيتين للخدمات التي قدّمها الراحل وكذا<br />

تعاونه المطلق وتواضعه سوى بالتأكيد على أنه ‏«كنا نتابع<br />

لقاءاته حتى في الخارج وإلى آخر لهظة من عمره،‏ وكنا على<br />

اتصال داءم معه حتى آخر أيام قبل أن يلقى ربه».‏<br />

ومن المآثر التي لم تفوّت وردة وياسمين ذكرها قولهما:‏<br />

‏«نذكر أنه كان يتصل بنا حتى وهو في فرنسا عندما كان<br />

يتلقى العلاج ويذكرنا بزيارته عند عودته إلى أرض‏<br />

الوطن وبقي يسأل عن أخبارنا كعادته»،‏ وبعبارة من اليقين<br />

تابعت إحداهما الكلام دون أن تكون لها القدرة على إخفاء<br />

الدموع:‏ ‏«أليس‏ هذا الرجل جديرا بالاحترام..‏ أليس‏ من<br />

حقنا أن نعتبره أبا؟».‏<br />

وبالنسبة إلى وردة وياسمين،‏ فإن الفرق قبل وبعد لقاء<br />

مهري شاسع جدا ‏«لأن التقرب من مشل هذه الشخصية<br />

يجعلك تتعرف عليها أكثر فأكثر وتكتشف عمقها<br />

وأبعادها،‏ لقد سمهت لنا فرصة إعداد مذكرة نهاية التخرج<br />

بالتعرف عن قرب بهذه الشخصية،‏ عرفنا مهري خارج<br />

السياسة والنضال،‏ عرفناه في المنزل..‏ هو الأب والأخ وهو<br />

ذاك الرجل البسيط الذي يهمل قفته وينزل إلى السوق،‏<br />

بالفعل عرفنا مهري الإنسان».‏<br />

‏«كان يسعى داءما ليكون وسيط خير»‏<br />

وفي سياق الهديش عن ملامه هذه الشخصية الوطنية<br />

التي أثرت فيهما كشيرا،‏ تذكرت وردة موقفا بالغ الأهمية<br />

عندما طلب منها ‏«سي عبد الهميد»‏ وهي موظفة بوزارة<br />

التضامن أن تطلع على ملف إحدى الفتيات التي كانت<br />

بهاجة إلى العلاج،‏ وصرّحت أن ‏«الطفلة كانت تدرس‏ مع<br />

حفيدة سي مهري وكان جد متواضع في طلبه ومترددا<br />

مخافة أن يسبب لي مشاكل مهنية ويقول إنه على دراية<br />

أنني في بداية مشواري ولا يريد ان يسبب لي أي<br />

مشاكل..»،‏ وهنا توقّفت للهظة مسترجعة تلك الذكريات<br />

ثم أردفت:‏ ‏«كم كان عظيما».‏<br />

ورغم حداثة توظيفها في الوزارة فإن وردة تقول إنها<br />

شعرت بالفخر وهي تسعى لتقديم خدمة لهذا الرجل<br />

العظيم ‏«لقد سارعت حينها إلى عرض‏ الأمر على أحد<br />

المسوءولين بالوزارة والذي تفاجأ‏ ولم يصدّق أن المعني<br />

بالأمر هو عبد الهميد مهري»،‏ لتضيف:‏ ‏«بعدها لم يتردد<br />

في التكفل بالملف دون أن يتوانى في التساوءل:‏ كيف لي أن<br />

أعرف شخصا مشل مهري..‏ والنتيجة أنه في غضون<br />

أسابيع قليلة حُلت المشكلة واستفادت تلك الطفلة من<br />

علاج حركي وبهمد الله شفيت تماما بعكس‏ بعض‏<br />

التخمينات لبعض‏ الأطباء الذين جزموا بأنها لن تشفى<br />

أبدا».‏<br />

بدورها تتذكر ياسمين كيف كان الراحل يتصل بها<br />

باستمرار ويسأل عن وضعها الصهي عندما علم أنها<br />

مريضة،‏ وتروي كذلك كيف كانت رفقة زميلتها وردة<br />

تخوضان معه في قضايا ذات صلة بالسياسة وعلم<br />

الاجتماع وغيرهما من القضايا دون أي حرج ‏«كان يهكي<br />

عن طفولته ويتهدّش معنا وكأننا أفراد من عاءلته.‏ كان<br />

يشق فينا بدليل أنه منهنا مكانة كبيرة وأصبهنا بدورنا<br />

نتوسط لطلبة آخرين حتى يتمكنوا من لقاءه والاستفادة<br />

من شهاداته ومساره النضالي الهافل بالمواقف المشرّفة<br />

وثبات الرأي».‏<br />

وتعود وردة من جديد إلى مضمون مذكرة التخرّج المذكرة<br />

لتقول:‏ ‏«لقد حاولنا إنجاز عمل أكاديمي يليق بمقام مهري،‏<br />

ووصل بنا الأمر إلى أن ذهبنا إلى مسقط رأسه وإلى المنزل<br />

الذي ولد فيه وتربى فيه.‏ لقد تنقلنا حتى إلى المسجد الذي<br />

كان يدرس‏ فيه وكذا المدرسة التي كان يتردد عليها والتي<br />

تحول فيما بعد إلى مدرس‏ بها،‏ خاصة وأن الرجل كان<br />

يدرس‏ وسنه لم يتجاوز بعد 13 سنة وهو العمر الذي ختم<br />

فيه القرآن حفظا»،‏ ومن التفاصيل التي تنقلها المتهدثة أن<br />

الرجل كان يقدم الدروس‏ المحمدية بهذا المسجد،‏ إضافة<br />

على إتقانه اللغتين العربية والفرنسية،‏ وكذا الإسبانية<br />

والانجليزية ‏«لقد التقينا بصديق له في إحدى المقاهي<br />

المتواجدة أمام المسجد بالخروب بولاية قسنطينة».‏<br />

ومن أكثر المواقف التي زادت من احترام الطالبتين للراحل<br />

عبد الهميد مهري أنه لم يتوسط لدى أية شخصية كانت<br />

قد احتكت به وعرفته حتى تقدم شهادات عنه،‏ وعليه فإنه<br />

ترك لهما حرية اختيار من يتكلمون عنه،‏ وتبقى شهادة<br />

الطالبتين أن ‏«الجميع زكى الرجل،‏ حتى من كانوا مصنفين<br />

ضمن خانة الأعداء أنصفوه ولم يجدوا إلا كلمة حق<br />

تلفظوا بها في شخصه،‏ فلا أحد أنقص‏ من شأن عبد<br />

الهميد مهري رغم الاختلاف السياسي الذي كان يفرّقهم<br />

عن هذه الشخصية».‏<br />

‏«سعادتنا كانت كبيرة<br />

بعد إعجابه بالبورتريه»‏<br />

ووفق قناعة ياسمين ووردة،‏ فإن عبد الهميد مهري يبقى<br />

بكل المقاييس‏ ‏«مدرسة استفادتا منها أكثر من الجامعة،‏ هو<br />

بالفعل مدرسة الهياة التي تخرجنا منها»،‏ ومن خلال<br />

كلامهما فقد تمكنتا في ظرف وجيز من صقل شخصيتهما<br />

بمآثر هذا الإنسان وبطريقة كلامه وسلوكه وتعامله<br />

وبتعبير أدقّ‏ ‏«حضرنا المذكرة طيلة عامين وقد رافقنا<br />

الرجل فيها واستفدنا بكل ما يملك من خبرة ومعرفة وجهد<br />

وكان سعيدا عندما حضر يوم عرض‏ المذكرة في سنة<br />

.«2007<br />

وأكثر ما أدخل السرور فيهما أنه ‏«لم يعترض‏ على أي<br />

ضيف قدمناه له كي يشاركنا تلك الفرحة وبعد أن انتهى<br />

عرض‏ الشريط الذي دام 50 دقيقة،‏ اكتفى مهري بالقول:‏<br />

تمنيت لو ركزتم أكثر على النضال والعمل أكثر مما تحدثتم<br />

عن حياتي الشخصية»،‏ وبالفعل،‏ تضيف وردة،‏ ‏«لقد كان<br />

راضيا عن العمل الذي أنجزناه عنه،‏ كما أن عاءلته التي<br />

حضرت العرض‏ كانت مسرورة كشيرا لما شاهدته».‏<br />

مهري مدرسة ووفاته صدمة كبيرة<br />

وفي الأخير سألت ‏«وصت الأحرار»‏ وردة وياسمين عن<br />

اللهظات التي تلقيتا فيه نبأ‏ وفاة عبد الهميد مهري،‏ فأجابتا<br />

دون تردّد:‏ ‏«لقد كانت الصدمة قوية»،‏ وتعترف وردة التي<br />

تشتغل بوزارة الصهة أنه من وقع الصدمة فإن مسوءول<br />

خلية الإعلام بوزارة الصهة منهها ثلاثة أيام عطلة بعد<br />

أن اكتشف مدى قربها من هذا الرجل،‏ ثم أوردت أنها أبلغت<br />

صديقتها ياسمين بالأمر ومن شدة صدمتها لم ترد<br />

تصديق أن ما سمعته صهيه.‏<br />

وكان لهذين الفتاتين أن حضرتا الجنازة وقدمتا العزاء<br />

لأهله،‏ وكان لابنة الراحل أن استقبلتهما كما في السابق<br />

لكن هذه المرة لتبادل المواساة،‏ وبهذه العبارات ختمت<br />

الطالبتان اللتين تأثرتا كشيرا بهذا الرجل ومسيرته الخالدة<br />

أثناء حياته،‏ وخلصت ياسمين إلى القول:‏ ‏«كان عندما<br />

يسمع بكلمة طالب يفره ويسر كشيرا،‏ إننا نهتفظ<br />

بذكريات جميلة عن هذا الرجل»،‏ وقاطعتها وردة لتسابقها<br />

الهديش عن الراحل عبد الهميد مهري ‏«لن أنساه ما حييت<br />

وسأبقى أدعو له وأمتنّ‏ لكل ما قدّمه لنا من يد العون..‏<br />

رحمك الله يا أستاذي».‏


مارس‏ 2012<br />

عدد خاص‏ 30<br />

عشرة مشاهد وعشرة قلوب<br />

بوك''..‏ ‏''نفوس-‏ رثاءية<br />

:<br />

:<br />

...<br />

المشهد رقم : 6<br />

:<br />

:<br />

المشهد رقم 1<br />

:<br />

● كتب حميد ‏.ي يقول » يوجد صنف من الناس‏ إذا<br />

رحلوا عن الدنيا،‏ تشعر بأنك يتيم حتى لو لم تكن قريبا<br />

منهم في حياتهم.‏ مشل هوءلاء يخلفون في النفوس‏<br />

إحساسا بالاطمئنان جملرد أنهم أحياء،‏ تستمع لآراءهم<br />

وتتعلم من مواقفهم وتقرأ‏ لتهليلاتهم.‏ هكذا كان الكبير<br />

عبد الهميد مهري.‏ قامة عظيمة تفتقدها الجزاءر وكل<br />

شريف في هذا العالم».‏<br />

ليس‏ بعيدا عن ما كتبه حميد صادف أنني قرأت تعليقا<br />

كتبه أحد الزملاء صبيهة إعلان الوفاة وكانت عبارة<br />

اليتم ركيزة ذاك التعليق المشهون ، وبنبرة لا تخلو من<br />

الأسى ذهب صاحبنا يوغل في طرز شهادة اليتم<br />

السياسي والفكري المتزن والمعتدل إثر رحيل اجملاهد عبد<br />

الهميد مهري ؛ هل صهيه أن بعض‏ الرجال يصنعون<br />

بهضورهم مصير أوطان كما قال العقاد..؟ ، أم أن بعض‏<br />

الرجال برحيلهم ينيرون درب جانبا مظلما في الأنفس‏<br />

ونكتشف أن اليتم الهقيقي هو أن نفقد الإحساس‏<br />

بالأوطان والراحل مهري كان إلى أخر دقيقة مدرسة<br />

أصيلة في الوفاء لهذه الأرض‏ ولكل ما هو جميل ونقي<br />

في الجزاءري الإنسان..يوجد صنف من الناس‏ إذا رحلوا<br />

عن الدنيا تفقد الإحساس‏ بالأمان،‏ لكنك تقرر في لهظة<br />

ألم أن الموضوع يستهق العناء والشبات والإخلاص‏ بداية<br />

جيدة في إدراك معنى أن يكون لنا أوطان.‏<br />

المشهد رقم 2<br />

:<br />

كتب رابه ‏.ف يقول » ماذا تساوي الهياة من غير<br />

عظمة الرجال في نبلهم ومنجزهم ومواقفهم؟..وماذا<br />

تساوي الهياة من غير شجاعة إعلان المواقف والتعبير<br />

عنها بهروف من نور وجرأة الفرسان ؟..وما هي الأوطان<br />

من غير راءهة أولئك الآباء والأمهات الذين يشعروننا<br />

بعظيم راءهة التراب التي تنتمي إليها وتمشي فوق<br />

حباتها وتنعم بخيرات عطاياها؟..هذه المعاني وغيرها<br />

عبرت قلبي وخبر رحيل اجملاهد والسياسي الجزاءري<br />

الكبير العقل والقلب والمقام ‏«عبد الهميد مهري»‏ ينتهي<br />

إلى مسامعي في صباه واشنطن هذا البارد جدا<br />

كعادته..بعض‏ الفقدان في الرجال يشعرك بوجع اليتم<br />

‏...باتفاقنا وباختلافنا مع الرجل..فلقد شكل مرجعا<br />

عميقا وصوتا هادءا وحكيما في كل العواصف التي<br />

عبرت الوطن في مرحلة النصف الشاني من القرن<br />

العشرين..لا تدرك النعمة إلا عند فقدانها..يرحمك<br />

الله يا صاحب الروءية التي تختار أن تصدق دوما<br />

وليعمر الله قلوب الله نعموا بظل قلبك بجميل<br />

الصبر على وجع غيابك..».‏<br />

من قال إن الأوطان هي تلك القطعة الأرضية التي<br />

نسكنها ؛ هاهي كلمات ‏«رابه»‏ تأتي من بعيد من<br />

آلاف الأميال دافقة حزينة وكأن به يرثي في الراحل<br />

مهري كل من أحب وكل من ترك..إنه الوقار في<br />

حضرة الغياب والرجل رحل وتركنا نعيد كتابة<br />

عبارات التأبين الجميع انتظر دوره على قاءمة صفهة<br />

بيضاء توشهت بزرقة كاذبة يسمونها اصطلاحا<br />

تعليقات ‏«الفايسبوك»‏ وسميتها أنا في ذلك اليوم دار<br />

العزاء لرجل بقامة وطن ، اسمه عبد الهميد<br />

مهري..حقا إن الأوطان هي تلك المعاني والقيم التي<br />

تسكننا وليست مجرد بضعة أسطر في درس‏<br />

الجغرافيا وأحيانا التاريخ..‏<br />

المشهد رقم:‏<br />

3<br />

:<br />

:<br />

كتب مصطفى ‏.ب ‏«لا جبهة بعدك يا مهري..ترجل<br />

الفارس‏ الهكيم ومضى الرجل الزعيم..‏ اجملاهد الفهل<br />

عبد الهميد مهري..».‏<br />

مصطفى غاضب والغضب موقف ، لكن المفارقة أن<br />

الراحل قدم لجيل الشباب نموذجا فريدا في السياسة ؛ قد<br />

نغضب وقد نعترض‏ وربما ندخل في خصومة سياسية مع<br />

هذا الطرف أو ذاك ، لكن الهوار والهدوء والاعتدال<br />

والاعتماد على النّفس‏ الطويل لتهقيق الغايات الكبرى<br />

‏..هكذا كان الراحل مهري في الجبهة وخارج الجبهة.‏<br />

الغضب موقف والشورة تولد من رحم الأحزان،‏ لكن<br />

ثورة العقول والأفكار والهوار,‏ وليست ثورة الهدم<br />

والإقصاء والنكران..‏<br />

المشهد رقم:‏ 4<br />

كتب عبد الرزاق.‏ ب ‏«رحمة الله على السيد عبد<br />

الهميد مهري...‏ خسرنا شريفا من شرفاء السياسة<br />

والتاريخ..».‏<br />

هل من الضروري أن نشعر باليأس‏ ونهن نعد كبارنا<br />

الذي يودعونا تباعا ، أم أن بعض‏ الخبش قد يتسرب إلى<br />

جوانهنا ويوسوس‏ لنا شيطان الغضب قاءلا<br />

رحلوا ‏..أخيرا جاء الدور علينا لنرتع ونمره « ، لكن<br />

رحيلك يا أيها الرجل الطيب أعطى للغضب طعم<br />

الخسارة والألم وبعض‏ الأمل في أن في هذا الوطن ما<br />

يستهق الهياة..الأوطان التي أنجبت مهيدي ومهري<br />

وغيرهم كثر ؛ وفاءا تستهق كل الفخر والزهو وقطعا<br />

بعد الليل يأتي الفجر..‏<br />

:« لقد<br />

المشهد رقم : 5<br />

كتب فوزي ‏.ب :« كم كنت كبيرا بتواضعك ورزانتك<br />

أيها اجملاهد الهمام عبد الهميد مهري..كم كنت أحبك<br />

وأثق في تاريخك ‏..كم طلبت منك على الملإ‏ أن تكتب<br />

مذكراتك..يا له هذا الألم ‏..ألم الجزاءر لفقدانك ».<br />

الألم..من قال أن الجزاءري قاسي متبلد المشاعر..هاهم<br />

شباب في عمر الربيع ، كل ما خبروه عن الراحل<br />

كلمات وأخبار وتصريهات ومواقف ، لكنهم صدّقوه<br />

، لأنه صدقهم ‏..لا تحزن يا ‏«فوزي»؛ صهيه أن الرجل<br />

لم يكتب مذكراته مشلما ترجيته ، لكنه حفر في وجدان<br />

الوطن اسما وقامة وقيمة وترك الدرس‏ الأهم لكل<br />

الساسة ‏..كونوا فقط مخلصين وصادقين واتركوا<br />

الباقي لهكمة الأقدار،‏ فالعبرة بالخواتيم وفي رحيله<br />

الفاجعة أعاد فينا بعضا من وهج معنى أن نكون من هذا<br />

الوطن.‏<br />

كتب عماري ‏.ب ‏«آن للجزاءر أن تبكي ابنها آن<br />

للشرفاء أن يرثوا زميلهم ‏...آن للشرفاء أن يندبون وطنهم<br />

‏...وداعا يا أستاذي وداعا يا أبي ‏..وداعا يا رجل أحببته<br />

كشيرا وتمنيت أن ألتقيه لأقبل جبهته الطاهرة ‏...نم هنيئا يا<br />

شيخ ويا أستاذ ويا عملاق والله لقد عشت رجلا شهما<br />

وفارقتنا وقد ظلمناك كشيرا...فالله الله سامحنا ‏...وداعا<br />

يا رجل السلام وداعا يا مهري..».‏<br />

منتهى النبل والشهامة أن نكبر فوق أخطاءنا ونعبر<br />

بأنفسنا من عوالم الهقد والدساءس‏ والمكاءد إلى رحب<br />

التعايش‏ مع الأخر ، مهما كانت خلافاتنا ، مهما كانت<br />

حساباتنا ‏..لأنه عندما تأتي لهظة الهقيقة تتنهى<br />

الرياضيات جانبا وتفسه اجملال لشهقات الروه التواقة<br />

للسلام والطمأنينة وعندها قد لا تنفع عبارات ندم أو<br />

دموع أسف وأسى ، ومع كل ذلك تعلمنا مع الراحل<br />

مهري معنى أن تتعالى عن الأحقاد ، حتى يخيل إلينا<br />

نهن جيل الشباب أنه لم يكن لهذا الرجل خصوم ، فلم<br />

نسمع منه في أسوء الأحوال ليس‏ أكثر من عبارات<br />

عتاب أو لوم وكلها تحت عنوان واحد ووحيد ‏..مصلهة<br />

وصلاه هذا الوطن.‏<br />

المشهد رقم 7<br />

كتب وضاه.خ:‏ » انه شيخ السلم وأحد رجال سانت<br />

ايجيديو،‏ رجل سلام رحمك الله يا شيخ وقد سمعت عليك<br />

الكشير وتمنيت أن ألقاك في الجزاءر إن زرتها لكن نتمنى أن<br />

تلقى رجالا خيرا منا عند عزيز مقتدر رحمك الله..».‏<br />

‏«وضاه « لا ينتمي إداريا إلى الجزاءر،‏ لكن رجالا بقدر<br />

الراحل الكبير جعلوا من هذه الأرض‏ عنوانا داءما للعزة<br />

‏..انه شيخ السلم وكأني بالرجل قد اختزل في مسيرته<br />

وحياته دروسا وعظة لكل الجزاءريين والعرب ؛ القضية<br />

بسيطة جدا ، بالهوار والهدوء والنقاش‏ الرزين المتزن<br />

تتأسس‏ الأوطان وبكلماته نتأسى اليوم علنا ننجه في أن<br />

يتخرج من مدرسة شيخ السلم طلبة نجباء يهبون<br />

وطنهم بهدوء وعمق وايجابية.‏<br />

المشهد رقم 8<br />

كتب العيد ‏.ب ‏«كل الأحبة يرتحلون فترحل شيئا<br />

فشيئا من العين ألفة هذا الوطن،‏ نتغرب في الأرض‏<br />

نصبه أغربة في التأبين ننعي زهور البساتينس‏ قرأتُ‏<br />

هذه الكلمات للراحل ‏«أمل دنقل»‏ في أحد المقالات<br />

البارحة وها أنا ذا أجدُني أكتبها اليوم...مُصابنا<br />

جلل...رحمه الله».‏<br />

يرحل البشر وتبقى الأوطان..رجالا من طينة ‏«مهري»‏<br />

هم فقط من يعطون لوجه الأوطان إحساسا دافئا<br />

بالألفة ؛ لأننا معهم وبهم نستطيع أن ننظر في المرأة<br />

ونقول نهن من هنا..من هذه الأرض،‏ أبي من هنا،‏<br />

أجدادي مروا من هنا،‏ لأنها حكمة الله في هذا الكون،‏<br />

كلما رحل عدد أكبر من قامات الوطن زاد وجهه بهاء<br />

ووقارا..سيقولون بعد سنوات طوال هذه الأرض‏<br />

أنجبت فلان وفلانا وفلان،‏ أم النكرة والمفسدين<br />

فمصيرهم النسيان.‏<br />

المشهد رقم 9<br />

كتب عمر.ه ‏:«العظيم يظل عظيما حتى بعد وفاته..و<br />

تنطفئ شمعة أخرى من شموع الوطنيين ، دون أن<br />

نشعل من تعوضها لإكمال المسيرة..‏ كان الله في<br />

عوننا<br />

الراحل لم يكن أبدا ياءسا ولا قنوطا ، إلى أيامه<br />

الأخيرة كان يسأل ويبهش وطلب من مقربيه أن<br />

يزودوه بتقارير وملفات عن الإصلاحات ، لقد كان<br />

يعمل من أجل هذا الوطن إلى أيامه الأخيرة وقطعا<br />

كانت ستوءلمه أن يجد من يكتب فيه معزيا ، لقد انتهت<br />

المسيرة وانطفأت الشمعة..في توحد شباب لم يعرفوا<br />

مهري شخصيا ومع ذلك وصلتهم رسالته ، حزنوا<br />

لوفاته وكتبوا ينعوه بكل عبارات الهزن ، في ذلك<br />

كله فسهة من أمل..الأمل في أن هذا الوطن جيلا<br />

جديدا يهلم بوطن يتسع للجميع.‏<br />

.«..<br />

المشهد الأخير:‏<br />

كتب محمد.ل اللهمّ‏ اشهد بأنّي ومئات الآلاف من<br />

الجزاءريين وغيرهم نهب عبد الهميد مهري فيك<br />

لوجهك الكريم..كان إنسانا مجاهدا وطنيا نقيا تقيا<br />

صفيا متواضعا باذلا معطاء صادعا بالهق..اللهمّ‏<br />

اسكنه فسيه جنانك وألهقه بالنبيين والصديقين<br />

والشهداء والصالهين..إنا لله وإنا إليه راجعون ولا<br />

حول ولا قوة إلاّ‏ بالله العظيم.‏<br />

كتب فاروق ‏.أ‏ ‏«الكبار لا يمكن أن يخفيهم الظل<br />

المنكسر،‏ سيظلون كبارا و ستظل الذاكرة الممتنة تحفظ ما<br />

يليق بهم ، سيموت الرجال و يرحلون لأنه زمن أشباه<br />

الرجال و الطفيليين ، الله يرحمك يا كبير ، يا وجها من<br />

وجوه الجزاءر الفاضلة<br />

كانت هذه بعض‏ كلمات ومشاعر ممن عرفوا الراحل الرمز<br />

فقط من بعيد ، سمعوا تصريهاته وقرأوا كتاباته وآمنوا<br />

بمشروعه ، أما أولئك الذين كان قريبين من الرجل ؛<br />

تلاميذه ، أصدقاءه وبعضهم جمعته بهم تجربة شخصية<br />

كان الراحل مهري حريصا على تقديم يد العون لهم أنّى<br />

احتاجوها ‏..من أحباءه من سمى مولوده على اسم<br />

الراحل تيمنا وفخرا،‏ ومنهم من وضع صورته على<br />

صفهته الشخصية على الفايسبوك ومنهم من كتب<br />

يروي كيف كان الراحل سببا في إنقاذه من محنة ألمت<br />

به..على قدر هذه الروايات وكثرتها يخال للمرء أن<br />

الرجل كان يندر كامل وقته لمساعدة أصدقاءه<br />

وأحباءه..لكن الرجل كان أكبر من ذلك بكشير،‏ كان في<br />

حقيقته موءسسة تمشي على الأرض،‏ هدفها الأول<br />

والأخير هو صاله هذا الوطن وأبناءه جميعا.‏<br />

.«..<br />

ملاحظة :<br />

كلمات في الراحل الكبير<br />

عبد الهميد مهري<br />

كانت في البداية مجرد فكرة خطرت وأنا ألمه التعليقات تتوالى أمام ناظري حول<br />

الخبر،‏ هنا في هذا العالم الجديد تتدافع ملايين الرساءل والتعليقات..هذا ينعي<br />

وفاة أحد أحباءه وذاك يلعن الإدارة وآخر يروي نكتة يعتقد أنها الأروع<br />

والأجمل،‏ لكن تجربة الفسهة اليومية في عوالم ‏«الفايسبوك»‏ تحولت ذلك اليوم<br />

إلى حالة نفسية غاية في التعقيد وفجأة تلاشت من بين أصابعي الأحرف<br />

ووجدتني غارقة مع الكلمات..كابرت وعبشا حاولت أن أبقي مشاعري بعيدا في<br />

تجربة بالأساس‏ خططت لها أن تكون مهنية..كانت مجرد فكرة ؛ سأكتب كيف<br />

علق أبناء صاحبة الجلالة من جيل الشباب وبعض‏ المشقفين حول رحيل الرمز<br />

والقامة » السي عبد الهميد مهري « رحمة ربي عليه ، لكنني وجدتني في<br />

النهاية أصبهت جزء من التجربة ، فكانت هذه المشاهد وبعض‏ الكلمات..‏<br />

جمعتها:‏ سميرة.ب<br />

ذكرنا الاسم الأول فقط من الأشخاص‏ الذين<br />

اقتبسنا تعليقاتهم احتراما للخصوصية الشخصية ،<br />

كما أن العبارات الموجودة داخل التنصيص‏ هي<br />

اقتباس‏ مباشر من صفهات هوءلاء على الفايسبوك ،<br />

أما الباقي فهو تعليق على مشاعر وأفكار من أحبوا<br />

وحزنوا لرحيل الرجل.‏


عدد خاص‏ 31<br />

مارس‏ 2012<br />

على مشلك فلتبكي الجزاءر<br />

● ها هي الجزاءر تودع قامة من قاماتها<br />

الشامخة،‏ ورجلا برحيله يسقط هرم من<br />

أهرامات سياستها الداخلية والخارجية إنه<br />

الراحل عبد الهميد مهري رحمه الله وأسكنه<br />

فسيه جنانه وألهم ذويه الصبر والسلوان...‏<br />

رجل ضهى ووهب نفسه من أجل الجزاءر<br />

مرتين،‏ مرة عندما لبى نداء الشورة<br />

التهريرية المباركة وإنخرط في صفوفها<br />

غير مبال بأعباء الجهاد وأهواله ومخاطره<br />

حتى نالت الجزاءر سيادتها وحريتها عندها<br />

تقلد الفقيد العديد من المناصب وصال<br />

وجال في أروقة السياسة ودواليب الهكم<br />

دون أن تتشوه سمعته أو تتلطخ يداه أو<br />

يغمسها في بوءرة من بوءر الفساد....‏<br />

بل كان كالطود الأشم له هيبته ووقاره<br />

حكيما في رأيه يقول كلمته ولا يخشى في<br />

الله لومة لاءم..‏<br />

ومرة عندما ضهى بمنصبه ومركزه وجاهه<br />

في سبيل المصالهة الوطنية متهديا<br />

سياسة التهميش‏ والإقصاء لأي طرف من<br />

الأطراف مهما كان توجهه السياسي<br />

وانتماوءه الهزبي متساميا عن الانتماءات<br />

السياسية والنعرات الهزبية لأن هدفه<br />

الوحيد والذي ضهى من أجله هو إرساء<br />

دعاءم الديمقراطية الهقة وإعادة قطار<br />

الجزاءر إلى سكته التي من أجلها مات<br />

المليون ونصف المليون شهيد..‏ شعاره<br />

الوحيد هو بقاوءه على العهد-جبهة التهرير<br />

أعطيناك عهدا-‏<br />

رحل الرجل ولم يهمل في قلبه حقدا ولا<br />

غلا لأحد لأنه كان سمها وشهما وشيمة<br />

الرجال الشهامة والسماحة والوفاء ويكفيه<br />

فخرا أنه حقق في يوم وفاته ما عجز عن<br />

تحقيقه أو بالأحرى حيل بينه وبين تحقيقه<br />

العديد من العواءق والهواجز اخملتلقة وغير<br />

اخملتلقة،‏ ألا وهو جمع ولم شمل الفرقاء<br />

السياسيين الجزاءريين في مكان واحد<br />

وتحت ظل واحد خلال عشريتين متتاليتين<br />

من عمر الزمن ولكن جنازته المهيبة<br />

استطاعت أن تجمعهم شاوءوا ذلك أم أبوا.‏<br />

واعترف الجميع بشهامة الرجل ونضاله<br />

وحبه لوطنه سواء كان خصما له أو<br />

صديقا ورفيق درب..‏ وذرفت أعينهم دمعا<br />

واحدا متساويا في المنبع والتكوين مختلفا<br />

في طريقة التعبير،‏ فمنهم من ذرفه حزنا<br />

وأسى على فراق صديق عزيز على النفس‏<br />

غال مكانه في القلب<br />

ومنهم من ذرفه على خصم متسامه شهم<br />

نبيل شعاره الوحيد في الهياة هو التسامه<br />

عملا بقوله تعالى-....لا تستوي الهسنة<br />

ولا السيئة إدفع بالتي هي أحسن فإذا<br />

الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم-‏<br />

.....<br />

ومنهم من ذرفها كدموع الولد على والده<br />

العطوف الرحيم نظرا لهبه للشباب ودفاعه<br />

عنهم في أكثر من مناسبة ومحفل،‏ بل كان<br />

ممن يرافع من أجل تسليم المشعل للشباب<br />

وإعطاءهم الهق في الممارسة السياسية<br />

وصنع القرار فليت كل هوءلاء الوقوف<br />

على قبرك اليوم ياسي عبد الهميد<br />

يراجعون أنفسهم قبل فوات الأوان<br />

ويهاولون تصهيه أخطاءهم في حق<br />

الشعب والوطن ويفدونه بأنفسهم مشلما<br />

فديته أنت مرات عديدة<br />

وعلى أمشالك فلتبكي الجزاءر دما لا أدمعا<br />

رحمك الله من فقيد عز علينا فراقه،‏ ولولا<br />

أن الموت حق علينا وعليك لفديناك<br />

بأنفسنا..‏ وأموالنا..‏ وأولادنا..‏ إنا لله وإنا<br />

إليه راجعون....واجملد والخلود لشهداءنا<br />

الأبرار ‏....وتحيا الجزاءر.‏<br />

..<br />

...<br />

■ أ.‏<br />

الطيب دخان<br />

دموع على سيد المقام<br />

■ إبراهيم أبو نزار قلمين<br />

>moc.liamtoh@ahguonauo_miharb<<br />

-<br />

-<br />

أنفضْ‏ يديك من الدنيا وما فيها<br />

لا تغتَررْ‏ بخيال لا دوام له<br />

ألم تر الجبل العاتي تزلزله<br />

ألم تر الشمس:‏ عينَ‏ الكون كيف إذا<br />

والبدر حتى إذا ما صار مكتملا<br />

كذا قضى اللّه في الدنيا،‏ متى اكتملتْ‏<br />

تشكو هي النفس‏ للمولى مواجعها<br />

آه من الموت كم يوءذي النفوس‏ إذا<br />

يا أيها الراحل الطود الأشم إلى<br />

نبكيك للمجد أم للجد أم لهما<br />

أم للجزاءر ترعاها وترفعها<br />

أم للسياسة تستوحي قواعدَها<br />

يا سيدي يا إمام المصلهين ويا<br />

عبد الهميد وهل أرسى العلا وبنى<br />

من ابن باديسها الداعي الأغر إلى<br />

هم الهميدون من يبنون قلعتها<br />

مَقْدورُها من حَميدٍ‏ تستجدّ‏ به<br />

يا رب ِّ قيّضْ‏ لها شهمًا يسير بها<br />

رحلتَ‏ والأطلسُ‏ الجبّارُ..‏ صهّتُه<br />

وفي السياسة أدواء لَكَم تعبتْ‏<br />

وجبهة الدار كمْ‏ زادت مواجعُها<br />

وقد رحلتَ‏ وما أوصيتَ‏ من خَلَفٍ‏<br />

قد كنت تُرجدى لها يوما لتُصلهَها<br />

تبكي الجزاءر في أستاذها بطلا<br />

لطالما علّم الأقزام من مُشُل<br />

لطالما قد للعليا جزاءِرَه<br />

لطالما كان للتغيير داعيةً‏<br />

في ذمة اللّه يا شيخ الجزاءريا<br />

في ذمة اللّه يا خير الرجال إذا<br />

في ذمة اللّه يا عبد الهميد فقد<br />

وخَلّها زاهدا فيمن يخليها<br />

ولتعتبرْ‏ أن في الأيام تنبيها<br />

كف الليالي إذا حُمّت عواديها<br />

حُمّ‏ القضاءُ‏ إهَابُ‏ البدر يخفيها<br />

قَصّتْ‏ حواشيه في الدنيا لياليها<br />

فالنقصُ‏ كالتّم ِّ معنى من معانيها<br />

لعل رحمته يوما تسليها<br />

رمى النفوس‏ وكم يربي مآسيها<br />

جنات ربك محمودا عاليها<br />

أم للعروبة رغم الكيد-‏ تبنيها<br />

أم للكرامة والأخلاق تُعليها<br />

من المروءة لا من غِشّ‏ ‏)غاشيها(‏<br />

شيخ الجزاءر يا أسمى معاليها<br />

سوى حميد كريم النفس‏ غاليها<br />

مهريها قاءد الأحرار بانيها<br />

ومصلهوها إذا اشتدت دياجيها<br />

إلى حميد إلى الإصلاه يهديها<br />

إلى الهدى والمعالي من حمِيدِيها<br />

باتت تعاني وتشكو مَيْنَ‏ راعيها<br />

لها الديارُ‏ وما زالت تعانيها<br />

وكنتَ‏ يعْسوبَها الهادي وحاميها<br />

فمن لها ‏-إن شكت داء-‏ يداويها<br />

وقد رحلتَ‏ فمن إلاك يغنيها<br />

لطالما وجّه الأحداش توجيها<br />

الهياة ما يبرئ النوكى ويشفيها<br />

وراه بالفكرة الأسمى يربيها<br />

وكان للصالهات الغُرّ‏ داعيها<br />

أغلى الرجال ويا مصباه داجيها<br />

قِيسَ‏ الرجالُ‏ بأحلامٍ‏ تزكيها<br />

صنت الجزاءر قاصيها ودانيها<br />

-<br />

-


عدد خاص‏ 32<br />

مارس‏ 2012<br />

في دموع مهري الغالية<br />

نذير بولقرون<br />

● ماذا عساني أن أكتب يا سي عبد<br />

الهميد،‏ إن الكلمات تفر مني هاربة<br />

إليك،‏ وكأنها تستنجد بك،‏ لعلها<br />

تستعيد بعض‏ الروه،‏ وهي التي<br />

تعتصر ألما وتذرف الدمع السخي<br />

على رحيلك.‏<br />

دعني،‏ يا سي عبد الهميد،‏<br />

أسترجع ذكرى الدمع الذي فاض‏<br />

من عينيك،‏ في ذلك اليوم الذي<br />

وجدتني أكتشف فيه دمعا ليس‏<br />

ككل الدموع.‏<br />

إنها الدموع الجليلة التي يجود بها<br />

الرجال،‏ وأنت الرجل يا سيد<br />

الرجال،‏ وها أنا يا سي عبد الهميد،‏<br />

أعتذر منك،‏ وأنت الذي عهدتك<br />

مسامحا نبيلا وكريما،‏ في العودة<br />

بك إلى ذلك المشهد الجميل،‏ الذي<br />

كان يتعطر بدمعك الغالي،‏ وقد<br />

قلت لي بعد أن قرأت المقال الذي<br />

تحدثت فيه عن دموعك:''‏ لقد<br />

فضهتني يا سي نذير''.‏<br />

تتذكر،‏ يا سي عبد الهميد،‏ لما<br />

انطلقت أصوات الشباب تشدو<br />

‏''والله زمان يا سلاحي '' من هناك<br />

كان إنشاد آخر،‏ أكشر وقعا وقوة،‏<br />

تنشده دموع،‏ انهمرت في لهظة<br />

تحرر أو تمرد أو تحد لرجل،‏ برهن<br />

دوما،‏ وفي أصعب الظروف<br />

وأخطرها،‏ أنه عملاق لا يهتز،‏<br />

هكذا كان يبدو بقامته المنتصبة،‏<br />

التي توحي دوما بالعنفوان<br />

والكبرياء،‏ رجل يختزن أحزانه<br />

وعواطفه وكذا دموعه،‏ لا يبوه بها<br />

إلا إلى نفسه،‏ وكأنه لا يأتمن عليها<br />

أحدا أو أنه يأبى أن تنطق عيونه<br />

حزنا أو فرحا أو ترصده العيون<br />

وقد استسلم لذلك السيل من<br />

الدموع،‏ لقد فجرت فيك تلك<br />

اللهظة العاطفية التي قررت مدى<br />

حاجتك إلى سكب الدموع.‏<br />

ها أنت،‏ يا سي عبد الهميد،‏ من<br />

كنت تبدو بارد العواطف وبخيل<br />

المشاعر،‏ يسكنك الدمع السخي،‏<br />

تجاهر به من شدة محاولات إخفاءه<br />

وستره،‏ وكأنه يرفع الستار عن<br />

صورة أخرى راءعة لرجل تجمعت<br />

فيه أكشر من صورة جميلة.‏<br />

إن الدمعة في العين أسرار،‏ ويا ترى<br />

ما السر الذي جعل دموعك تلمع في<br />

عينيك ثم تتدفق كالطوفان،‏ دون<br />

مشورة أو استئذان،‏ ما الذي جعلها<br />

تبوه بالمكنون الذي يسكن قلبك.‏<br />

هل هي ‏''والله زمان يا سلاحي ''، هي<br />

التي حركت الشجون وفتهت باب<br />

المواجع وأتاحت تلك الفرصة<br />

الشمينة للبكاء..‏ البكاء على أمة لم<br />

يعد يوحدها الهزن،‏ إنه ذلك<br />

العنفوان،‏ الممتد تاريخا ونضالا،‏<br />

يأبى إلا أن ينهني خشوعا أمام<br />

الدمع الجميل المعطر بعبق الهب.‏<br />

فهل تراها دموع الفره والأمل<br />

وليس‏ الهزن والألم،‏ هي التي<br />

وجدت نفسها،‏ هذه المرة،‏ تنهمر<br />

مطواعة،‏ بلا خوف أو خجل،‏ وكأنها<br />

تزف لنا ميلاد فجر جديد،‏ ألا<br />

تستهق تلك الولادة،‏ دموع الرجال<br />

وعدا وابتهاجا.‏<br />

لم تكن دموعك،‏ يا سي عبد<br />

الهميد،‏ شبيهة بتلك الدموع<br />

الساذجة لأمة تحترب مع نفسها ثم<br />

تسيل دماوءها فتفيض‏ دموعها على<br />

من تبكي،‏ وقد صار لكل طاءفة<br />

شكواها ومراثيها ولكل فئة قتلاها<br />

ومناحاتها.‏<br />

لم تفلت الدموع من عيونك رغم<br />

أن القلب كان ينزف دما.‏ عندما<br />

كانت الجزاءر تئن تحت وطأة القتل<br />

اجملنون،‏ لأنك توءمن بأن البكاء هو<br />

لساعة الهزن لكنه لن يضع حدا<br />

لسيل الدماء.‏<br />

لم تضعف إرادتك،‏ يا سي مهري،‏<br />

لم تهتز مواقفك ولم تلجأ‏ إلى<br />

الدموع تحتمي بها من هجمة ظالمة<br />

أو تسكن بها آلامك ‏-وهي آلام<br />

الجزاءر.‏ بل ظللت تغلف الغيظ<br />

بالرزانة واستطعت في النهاية أن<br />

تشبت أن في وسع العناد توفير ما<br />

يكفي للعين لكي ترى ما قد يبدو<br />

خافيا،‏ وقد أنصفك التاريخ،‏ يا سي<br />

عبد الهميد،‏ فطوبى لك يا من<br />

اخترت أن تموت حيا في ضمير<br />

أبناء الجزاءر الذين يقدرون فيك<br />

صدقك وإخلاصك وحبك لوطنك<br />

وشعبك.‏<br />

كانت تلك اللهظة المناسبة التي<br />

فجرت ينابيع الدموع في عيونك،‏<br />

وهي العيون التي كانت تبدو<br />

جامدة،‏ لأن الألم الذي يسكنها قد<br />

امتص‏ منها الدمع،‏ وها أنت،‏ يا سي<br />

عبد الهميد،‏ تزداد وقارا وعنفوانا<br />

وأنت تواري دموعك فإذا هي تسيل<br />

مدرارا،‏ تأبى أن تتوقف وكأنها تعلن<br />

عن الوجه الآخر لذلك السياسي<br />

البارع،‏ الشجاع،‏ صاحب الأخلاق<br />

الرفيعة،‏ الذي من حقه،‏ بل من<br />

واجبه كذلك أن يعزف بالدمع<br />

معزوفة العشق لوطنه وأمته.‏<br />

تمردت الدموع من عيونك،‏ يا سي<br />

عبد الهميد،‏ أليست رسالة حب<br />

للجزاءر التي تحبها حبا لا يضاهيه<br />

حب،‏ فعندما كانت الجزاءر غارقة<br />

في دماء الأزمة المهلكة والمدمرة،‏<br />

كنت،‏ يا سي عبد الهميد مهري،‏ لا<br />

تستسلم للأمر الواقع،‏ بل كنت<br />

تجاهر برأيك دون خوف،‏ لأنك<br />

كنت تخوض‏ معاركك،‏ بشراسة<br />

الوطني الأصيل،‏ من أجل الجزاءر<br />

والجزاءر وحدها دون سواها.‏<br />

لم تكن دموعك التي فاضت<br />

استسلاما لضعف بل تعبيرا عن<br />

إحساس‏ بالقوة،‏ كيف لا وأنت رجل<br />

المصالهة،‏ كان ذلك هو التهدي<br />

الذي يسكنك وكأنه يأبى إلا أن<br />

يوقظ الساءرين نياما،‏ فالمصالهة<br />

هي قدر الجزاءر،‏ كان ذلك هو<br />

الشعار الذي قاتلت من أجله،‏ أنت<br />

الذي عرف من الظلم ألوانا،‏ لكنك<br />

لم تستسلم وكان قدرك أن تصبر<br />

وتصمد وتقاوم،‏ أنت الرجل<br />

الطيب،‏ الخلوق،‏ المشقف،‏ الذي<br />

يخوض‏ معاركه السياسية بأخلاق<br />

الفرسان وبأسلهة الهجة والبيان.‏<br />

من أين لي بالدمع،‏ يا سي عبد<br />

الهميد،‏ وقد فاضت الدموع لفراق<br />

رجل ليس‏ ككل الرجال،‏ رجل كان<br />

يرى أبعد مما يرون ويبصر ما لا<br />

يبصرون،‏ لم يبع،‏ لم يقايض‏ ولم<br />

يساوم،‏ ذلك هو عبد الهميد مهري<br />

الهاضر بقوة في كل محفل تاريخي<br />

أو فكري،‏ يهظى دوما بالتبجيل<br />

والتكريم،‏ حتى خصومه كان اسمه<br />

يبعش فيهم الرهبة وكانت كلماته<br />

تخرس‏ فيهم الألسنة.‏<br />

آه،‏ سي عبد الهميد،‏ لقد تمردت<br />

دموعك يوما،‏ وما أغلى دموع<br />

الرجال أمشالك،‏ وهم قليلون،‏<br />

وهاهي دموع أمتك تنهمر مدرارا<br />

حزنا على فراقك،‏ لأنها تشعر<br />

باليتم بعدك،‏ ولأن آخر الرجال<br />

المحترمين قد آثر الرحيل.‏<br />

شعر:‏ عبد المالك ڤرين<br />

عز الفراق<br />

والجره جره والبلاء بلاء<br />

هل كان يكفي في الفقيد رثاء<br />

أو كان يجدي في العظيم عزاء<br />

أو قد يفيد تصبر وتجلد<br />

أذن الرحيل وتمت البلواء<br />

عز الفراق وما من حيلة نفعت<br />

أو كان يقبل في الكبير فداء<br />

يا موت لو أفصهت قبل رحيله<br />

أو كان ضرك لو يطول بقاء<br />

ما كان ضرك لو رأفت بأمة<br />

هانت لها النكبات والأرزاء<br />

أو ما علمت بأن فقده نكبة<br />

نادته لبى جنة علياء<br />

أو قد علمت مقامه في المنتهى<br />

قامت تودع لو يرد قضاء<br />

هذي الجزاءر شيبها وشبابها<br />

إن الأكف تضرع ودعاء<br />

من للجزاءر صبرها وعزاوءها<br />

ولى بفقدك منبر وفضاء<br />

يا راحلا للخلد ولى وجهه<br />

وإذا نطقت تسمر الخطباء<br />

فإذا كتبت تكسرت أقلامهم<br />

شهدت لك الأعداء والرفقاء<br />

وإذا سكت فهكمة مقصودة<br />

فعلى يديك تتلمذ البلغاء<br />

وإذا البلاغة أخرجت فرسانها<br />

في العرب أنت القمة الشماء<br />

وإذا العروبة عددت أبطالها<br />

كنت الإمام وغيرك الشبهاء<br />

وإذا الوفاء تفاخر أهله<br />

والصدق أنت سبيله الغراء<br />

الفكر أنت حبيبه وخليله<br />

للهق كانت كفك البيضاء<br />

والهق أنت نصيره وظهيره<br />

بصهيه نهجك يقتدي الشرفاء<br />

للعرب عشت مجاهدا ومناضلا<br />

وتشرفت بك عزة وإباء<br />

شرف الألى للمجد راموا عزة<br />

وتحكمت في الأنفس‏ الأهواء<br />

واشتد خطب بالجزاءر عاصف ناديت فيهم لو أجيب نداء<br />

ووقفت في غسق الدجى مستصرخا أوما تهدد فرقة عمياء<br />

ماكنت تخشى لومة من لاءم<br />

أو كنت تسعى ليمده الغوغاء<br />

ماكنت ترضى أن تخون أمانة<br />

أيام ضلت فرقة رعناء<br />

ولكم صبرت على الأذى متهسبا<br />

وكذاك يفعل ساسة جهلاء<br />

فتجاهلوا وتحاملوا وتطاولوا<br />

للصله نادت أمة جمعاء<br />

والهق أنصف أهله يا خالدا<br />

والكون حزن والوجود بكاء<br />

ماذا تفيد قصيدة عصماء

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!