المرأة في عصر الديموقراطية
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
املرأة <strong>في</strong> <strong>عصر</strong> الديمقراطية<br />
٣<br />
وملا سقطت الدولة الرومانية، وحطمها الهمج الذين هبطوا أوربا من فجاج آسيا، وورثت<br />
أوربا عنهم نظام القطائع، انكفأت املرأة بغريزتها راجعة إلى تلك الحدود التي لزمتها<br />
خلال عصور الهمجية الأولى، ونزلت عن تلك املكانة السامية التي تربعت على عرشها <strong>في</strong><br />
بعض املدنيات القديمة، ولقد ظلت املرأة على هذه الحال حتى كانت العصور الحديثة،<br />
فأخذت <strong>في</strong> أوربا شيئًا من مكانتها التي بلغتها <strong>في</strong> مصر القديمة؛ إذ تربعت على عرش<br />
امللك، ورن صوتها الغرد <strong>في</strong> فجاج التاريخ مرة أخرى.<br />
عندما أدركت أوربا الثورة الصناعية، ولفتها مبادئ الحرية <strong>الديموقراطية</strong>، وماشت<br />
املرأة الرجل <strong>في</strong> التعليم، تطلعت إلى حقوقها السياسية، وأخذت تعمل جاهدة <strong>في</strong> سبيل<br />
تحقيقها؛ لتكمل بذلك ذاتيتها، فلئن كانت املرأة قد حققت ذاتها وأثبتت وجودها <strong>في</strong><br />
ميادين كثرية؛ كالأمومة والزوجية والأسرة والجهاد والحرب وامللك، فإنها ولا شك تجنح<br />
اليوم إلى أن تكمل ذاتيتها بأن يكون لها <strong>في</strong> ميدان السياسة والاجتماع والعمل، تلك<br />
الحقوق التي حرمتها خلال العصور الغابرة، تلك الحقوق التي لا ينكرها الشرع ولا<br />
تأباها الطبيعة.<br />
إن الكلام <strong>في</strong> حقوق املرأة حديث جديد <strong>في</strong> املدنية، فبعد أن سقطت املرأة عن عرشها<br />
املتواضع الذي تربعت من فوقه <strong>في</strong> ال<strong>عصر</strong> الروماني، غشت عليها غشاوة القرون الوسطى،<br />
فقبعت راضية، حتى أدركتها العصور الحديثة، فهبت من غفوتها تطالب بحقوقها<br />
السياسية، تلك الحقوق التي ساوت <strong>في</strong>ها الرجل مساواة تامة، أما بداية جهادها <strong>في</strong> سبيل<br />
ذلك، فريجع إلى ما قبيل الثورة الفرنسية <strong>في</strong> أواخر القرن الثامن عشر؛ إذ بدأت تحتل<br />
مشكلتها العاملية مكانًا <strong>في</strong> آداب الأمم الغربية.<br />
غري أن جهاد املرأة <strong>في</strong> ذلك ال<strong>عصر</strong> كان جهادًا سلبيٍّا، دليلنا عليه أن كثريًا من نابهي<br />
الكت َّاب والفلاسفة قد خصوها <strong>في</strong>ما كتبوا ببحوث وإشارات عبرت عن أن <strong>في</strong> جو املجتمع<br />
مشكلة هي مشكلة املرأة، ومسألة معقدة هي مسألة الشطر الآخر من الجمعية البشرية.<br />
ومن أعجب العجب أن «جان جاك روسو»، على كثرة ما أشاد <strong>في</strong> كتابيه «العقد<br />
الاجتماعي» و«أميل» الذي كتبه <strong>في</strong> أصول التربية، واستمساكه <strong>في</strong>هما بنظرية أن الحرية<br />
حق طبيعي للإنسان، لم يذكر أن للمرأة حقٍّا يقال له «الحق السياسي»، وجاراه <strong>في</strong> ذلك<br />
بقية الكتاب الذين نحوا نحوه واتبعوا مذهبه، ذلك <strong>في</strong> حني أن مذهب هؤلاء جميعًا هو أن<br />
12