المرأة في عصر الديموقراطية

الفصل الثاني
١
كان القضاء على بضعة صناعات منزلية،‏ إثر ظهور بعض اختراعات خطرية،‏ من أعظم
الانقلابات الداوية التي أصابت إنجلترا في خلال القرن التاسع عشر،‏ كانت تلك الصناعات
وقفًا على بيوت ريفية هائلة العدد منتشرة في عرض املزارع وطولها،‏ فلما اكتسحتها
تلك الاختراعات وقضت عليها،‏ نشأ على أنقاضها مصانع فخمة واسعة،‏ تستخدم عشرات
الألوف من العاملات،‏ ولقد كان لهذا الانقلاب آثارًا هامة يمكن تتبعها في كل مرفق من
مرافق الحياة في إنجلترا،‏ اجتماعيٍّا وسياسيٍّا،‏ ولكن من املحقق الثابت أن فعلها كان أبني
في املرأة من حيث التأثري في حياتها وعاداتها ومصالحها،‏ منه في أية طبقة أخرى من
طبقات املجتمع،‏ وإذا نظرنا في هذا الانقلاب من ناحية بعض الاعتبارات الخاصة،‏ رأينا
أنه قد أنتج نتائج بالغة منتهى السوء،‏ فمن ناحية الأخلاق كانت الصناعات املنزلية ذات
أثر في الاحتفاظ بالناحية الطيبة منها؛ إذ كانت حياة الأسرة غري مدخولة بعنصر جديد
يفكك عراها،‏ كما كانت من أشد العوامل فعلاً‏ في الاحتفاظ بطبقة الفلاحني والأجراء مكفية
الحاجة،‏ وهي طبقة من أفيد طبقات املجتمع،‏ وعنصر من أقوى عناصره؛ بل إن شئت
فقل:‏ إنها صلب املجتمع وفقاره املقو ِّم لحقيقته وصورته،‏ فإن آلافًا مؤلفة من املزارع
الصغرية في إنجلترا،‏ كانت ولا شك تصبح عرضة للبيع بثمن بخس والاندماج في املزارع
الكبرية،‏ عندما تنزل قيمة إنتاجها الزراعي بفعل ظروف خارجة عن إرادة الزراع،‏ لو لم
يؤيدها في مثل هذه املحنة الناسج والغزال،‏ ولا شك في أنه من أروع الحقائق الظاهرة في
الحياة الاقتصادية أن لا يعتمد الناس في معيشتهم على مصدر واحد من مصادر الثروة،‏
وأنه من الحكمة أن يكون من وراء ذلك املصدر مصدر آخر تابع له،‏ يأخذ بيدهم إذا