المرأة في عصر الديموقراطية

املرأة في عصر الديمقراطية
٥
بالرغم في أن هذا املتجه في البحث قديم في عصرنا هذا،‏ فإنه أثار في عصر هذه الكاتبة
كثريًا من الامتعاض والتقزز في أوساط املحافظني من أهل الأمم الغربية.‏
غري أن أثره قد ظهر وشيكًا في تفكري كثري من عظماء الرجال،‏ وكانت الناحية
السياسية من حقوق املرأة،‏ أبني من غريها أثرًا في تفكريهم؛ فقد أشار السياسي املعروف
تشارلز فوكس إليها في خطبة ألقاها في مايو من سنة ١٧٩٧، وكان رأيه أنه — ‏«فيما
عدا الشركات،‏ وهي ما يؤثر حق التصويت بشأنها على امللك»‏ — يرى أنه من املرغوب فيه
أن يعطى حق الانتخاب للنساء،‏ ولا يمنع ذلك حتى في املسائل التي تتصل بنظريات أو
مشروعات يتطلب النظر فيها دقة خاصة،‏ ومن رأيه أن للنساء مصالح يجب أن تصان،‏
وهي مصالح عزيزة عليهن،‏ ولا تقل شأنًا لديهن عن مصالح الرجال.‏
قال:‏ ‏«لا ينكر أحد أن نساء الطبقة العليا هن أحق،‏ من حيث الكفاءة واملواهب،‏
بمباشرة حق التصويت في الانتخاب،‏ من أولئك الرجال الجهلاء الذين هم من الطبقة
الدنيا في املجتمع،‏ وهم الذين يحاول القائلون بحق التصويت العام،‏ إضفاء ‏«ذلك الشرف
عليهم»،‏ وخلص من ذلك إلى البحث في كيفية الخلاص من ذلك الشذوذ الغريب:‏ فإنه إذا
كانت الغاية من كل نظام سياسي رشيد،‏ هو الحصول على مصوتني مستقلني في الرأي،‏
فكيف يمكن التوفيق بني هذه الحقيقة،‏ وبني شرائع املجتمع،‏ وربما شرائع الطبيعة أيضً‏ ا،‏
وهي التي جعلت املرأة عالة على الرجل؟!‏
ولقد نسي ذلك السياسي الكبري أن املرأة لن تظل إلى الأبد عالة على الرجل،‏ فإن تطور
النظامات الاجتماعية،‏ وخروج الإنسان من عالم الظلمات إلى نور املدنية،‏ كفيل بأن يجعل
للمرأة في النظام املدني منزلة مستقلة تمامًا،‏ غري أن أفق الحياة في أواخر القرن الثامن
عشر،‏ وضعف النظم الاقتصادية وضيق نطاقها،‏ والعادات والتقاليد املوروثة منذ أقدم
العصور،‏ تجعل لذلك الرجل الفذ بعض الحق في تساؤله هذا.‏
وكان الفيلسوف ‏«جرمي بنتام»‏ ممن تناولوا موضوع املرأة في عصره،‏ ولكن أقواله
وإشاراته لم تتجاوز حد أنها فكرات عابرة غري مستقرة،‏ وكان من رأيه أن من الظلم
والتنطع أن يحرم النساء حق التصويت في إنجلترا،‏ في حني أنهن يشغلن في الدول الأخرى
مراكز ممتازة في عاملي السياسة والاجتماع،‏ وقد حصل بعضهن على قدر من السلطة
السياسية في بعض دول القارة بلغن به أرفع الذرى،‏ ولكنه إلى جانب هذا كان متشائمًا،‏
فلم يتمادَ‏ في بحث هذا املوضوع الخطري؛ لأن القوى املتناصرة على كبته كانت كبرية،‏ وسيل
20