المرأة في عصر الديموقراطية
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
املرأة <strong>في</strong> <strong>عصر</strong> الديمقراطية<br />
عمرهم، ولكن <strong>في</strong>ما عدا هذين الاستثناءين، وما لم تتدخل املحاكم، وذلك <strong>في</strong> بعض ظروف<br />
شاذة ونادرة، كانت ولاية الأب على أولاده شاملة كاملة، بل قد لا نبالغ إذا قلنا: إنها كانت<br />
مطلقة قريبة من الاستبداد املطلق.<br />
وأنكى من ذلك كله وأمعن <strong>في</strong> النيل من كرامة املرأة مهما كانت فاضلة، أنه حتى بعد<br />
موت الأب، لا تنتقل حضانة الأولاد إليها؛ فقد كان من حقه أن يهملها ويوصي بحضانة<br />
أولاده إلى غريها، من غري أن يبني لذلك عن سبب، ومن غري أن يرجع إليها <strong>في</strong> أي شيء من<br />
ذلك، وحتى إذا مات ولم يوصِ بشيء يتعلق بحضانة أولاده، فإن من حق أقرب أهله من<br />
العصب أن يستعمل نفس الحق الذي لم يشأ الأب املتوفى أن يستعمله <strong>في</strong> وصيته ويقصي<br />
الأم عن أولادها، والأولاد عن أمهم، فهل كان شيء أشد من هذا بغيًا ونزولاً باملرأة إلى الدرك<br />
الأسفل من الحطة واملهانة؟!<br />
لم يبلغ الإنجليز املبلغ الذي وصله الإسلام من حيث حق املرأة <strong>في</strong> حضانة أولادها إلا<br />
سنة ١٨٨٦؛ إذ صدر قانون جعل لها الحق الطبيعي <strong>في</strong> حضانة أولادها بعد موت زوجها،<br />
أما سلطة الرجل حال حياته فلم يمسسها هذا القانون، ولا تعرض لها بشيء؛ بل احتفظ<br />
له بحق أن يضم إليها ويشرك معها من يشاء ويجعل له على الأولاد نفس الولاية التي<br />
لها بعد موته، ولكن أقل ما <strong>في</strong> ذلك التشريع من التخ<strong>في</strong>ف عن أثقال الأمهات أن اعترف<br />
للزوجة بحق الحضانة، ولم يكن يعترف لها بشيء من ذلك قبل.<br />
٤<br />
ولم يكن مركز املرأة <strong>في</strong> إنجلترا من حيث إن لها حق امللك، بأفضل من حيث هي أم؛ فقد<br />
قيدت ملكية املرأة للعقار واملنقول بقيود شديدة قاسية، أثرت <strong>في</strong> مركزها الاجتماعي، كما<br />
أثرت <strong>في</strong> نفسيتها و<strong>في</strong> مزاجها تأثريًا عنيفًا قاسيًا، فقبل سنة ١٨٥٧ كان من حق الرجل<br />
أن يهجر زوجه، وأن يتركها بغري ما يقيتها أو يقيم حياتها هي وأولادها منه، وكان من<br />
حقه فوق ذلك أن يعود إليها بمحض اختياره ويستولي على كل مملوكاتها بالغة ما بلغت<br />
قيمتها، وأن يبيع من ذلك ما يشاء بالثمن الذي يشاء، ثم له بعد ذلك أن يهجرها وينبذها،<br />
ثم يعيد عليها الكرة كما فعل أولاً <strong>في</strong>جردها من جميع ما تملك، ثم يهجرها مرارًا وتكرارًا<br />
على نفس الصورة وبذات الأسلوب، وليس لها من قانون يحميها أو شريعة تقتص لها.<br />
وظل الأمر على ذلك حتى سنة ١٨٥٧؛ إذ دخلت مادة <strong>في</strong> القانون الذي أنشأ محاكم<br />
الطلاق حمت لأول مرة <strong>في</strong> تاريخ إنجلترا مملوكات املرأة املهجورة، وصدر قانون آخر <strong>في</strong><br />
46