المرأة في عصر الديموقراطية

الفصل الثاني
هنالك انقلاب شبيه بذلك الانقلاب الذي أحدثه نظام املصنع يكاد يأخذ بخناق تجارة
الحوانيت،‏ فإن النزعة الاقتصادية الحديثة تسري ببطء نحو التبدل مما يسميه الفرنسيون
الإنتاج الكبري،‏ بما يسمونه الإنتاج الصغري؛ فقد زادت الصعوبات التي تواجهها البيوت
التجارية الصغرية بحكم أن نسبة بيعها قليلة،‏ فعجزت عن منافسة البيوت الهائلة
العظيمة التي تعتمد في نجاحها على سرعة تداول السلع برأس مال كبري،‏ وكثرة البيع
مع قلة الربح،‏ والأسعار إذا حالت بني صاحب الحانوت الصغري والاتصال باملشغل ما
دام بيعه قليلاً‏ وبطيئًا،‏ فإنها تجزي أعظم الجزاء وتنتج أكبر الربح إذا كان البيع كبريًا
وسريعًا،‏ وبذلك يُقضى على الحوانيت الصغرية لقلة ما تبيع،‏ ويحال بينها وبني الانتفاع بما
يخرج املشغل لقلة ما تشتري؛ ذلك بأن الحوانيت الكبرية قد تحتكر،‏ أو تكاد تحتكر،‏ في
نطاق بعينه،‏ ضروبًا كثرية من السلع،‏ وهي تعرضها بسعر مخفض،‏ وفي أشكال ونماذج
مختلفة،‏ ثم تعمل على تنمية عملها وتجارتها بأن تجمع في بنائها بني مصنوعات مختلفة
متباينة تؤدي أغراضً‏ ا واسعة،‏ وما يحدث هذا النظام من الرضا والتقبل عند املستهلك
الذي يرضيه مرأى تلك املجموعة املنوعة من السلع التي يحتاج إليها،‏ يضفي على الحوانيت
الكبرية ميزة في منافسة الحوانيت الصغرية التي تكتفي بسلع قليلة.‏
إن نشوء هذا النظام التنويعي في عرض السلع،‏ ولا سيما منذ صدور قانون املسئولية
املحدودة في سنة ١٨٦٢ في إنجلترا،‏ قد هيأ الفرصة لتأسيس مثل هذه البيوت الضخمة،‏
بينما تجد أن البخار ونظام طرود البريد قد جعل من السهل الهني على مثل هذه البيوت أن
تمد منافستها إلى عواصم املديريات وإلى القرى،‏ بذلك نرى أن الصناعة قد أخذت تتركز،‏
فأصبح كثريون ممن كانوا أصحاب حوانيت مستقلني،‏ مأجورين بمرتبات،‏ فانضموا إلى
صفوف العمال الذين جندهم أصحاب تلك الأعمال الواسعة.‏
كان هذا التغري لزامًا؛ لأنه نتاج أسباب اقتصادية قاهرة،‏ ولقد كان ذا فائدة في
مجموعه،‏ ترجيحًا أو تغليبًا،‏ ولكنه إلى جانب هذا لا ينكر أحد أن له آثارًا رجعية ذات بال،‏
وأنه قد جر معه جملة كبرية من الآلام املمضة لا ضرورة لها،‏ وكان للكاتب أميل زولا
خطر السبق في إحدى رواياته القوية الصادقة،‏ إلى الكشف بوضوح وجلاء عن حقيقة تلك
املعركة؛ معركة اليأس والجهاد الفاشل،‏ التي قامت بني صاحب الحانوت الصغري،‏ ونده
العملاق الكبري صاحب البيت التجاري،‏ وضغطه عليه ومطاردته له،‏ ولن يضل باحث فيه
فراهة النظر وعمق الفكر،‏ عن أن يدرك مقدار ما في هذا التغيري من أثر الثورة الانقلابية في
حالات الصناعة،‏ فإن الطرق التي سلكت من قبل قد سدت وشوهت إلى درجة كبرية،‏ وأن
33