المرأة في عصر الديموقراطية
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
الفصل الثاني<br />
الأعمال، وإن لم تتخذ صناعة دائمة <strong>في</strong> بعض الأحيان، فإنها بطبيعتها قد تشحذ بعض<br />
املواهب حتى يصبح الاشتغال بها ملكة وفنٍّا دائمًا، وبذلك تضيف إلى الحياة قسطًا من<br />
املرح والفائدة، قد نلفى أن الحياة بغريه ذميمة مرذولة، ذلك على العكس مما تقع عليه<br />
<strong>في</strong> عالم الصناعة، فإن الصناعة قد تركزت وتبلرت <strong>في</strong> مواضع خاصة لا توجد <strong>في</strong> غريها،<br />
فانتقل بذلك عمل املرأة العاملة من البيت إلى املصنع.<br />
وكان من الضروري أن يسن لهذه الصناعات الهائلة قوانني تتدخل <strong>في</strong> شئونها<br />
فتنظمها وتحميها، ولم يكن هنالك من حاجة إليها عندما كانت هذه الصناعات مقرها<br />
البيت ومصنعها جلسة هادئة إلى جانب املوقد، وقد شعر كثري من املصلحني بأن هذه<br />
الشرائع املنظمة للصناعة ظلت <strong>في</strong> املاضي وستظل <strong>في</strong> املستقبل، من أشكل ما ينصرف إليه<br />
السياسيون ورجال الدولة من املهام والواجبات، وهنالك إلى جانب هذا شرائع تتفق إزاءها<br />
مصالح الرجال ومصالح النساء على السواء، وإن قليلاً جدٍّا من املعضلات الاجتماعية ما<br />
يفوق معضلة: إلى أي حد يذهب القانون <strong>في</strong> حماية املرأة من التأثر بدنيٍّا وعقليٍّا من جراء<br />
إرهاقها بالعمل، من غري أن يحرمها القانون حق العمل، ويحول بينها وبني مزاحمة<br />
الرجل <strong>في</strong>ه؟ فإذا تنافس طائفتان من الناس تختلفان <strong>في</strong> القوة البدنية، كما تختلفان <strong>في</strong><br />
قيمة الأجر الذي يصيب كل منهما جزاء العمل، فلا شك <strong>في</strong> أن مصالح متناظرة تنشأ<br />
بينهما، فإذا قام ممثلو ناحية منهما بوضع القوانني التي تنظم العمل، فمن الراجح جدٍّا<br />
أن الناحية غري املمثلة تتأثر لحساب الناحية الأخرى، وذلك ما حدث <strong>في</strong> إنجلترا و<strong>في</strong> كثري<br />
غريها من البلدان الصناعية، فإن عمل املرأة تنظمه قوانني خاصة أشد وأمعن <strong>في</strong> الحرج<br />
من القوانني التي تنظم عمل الرجل، فاملرأة ممنوعة من العمل الليلي، ومن العمل <strong>في</strong> باطن<br />
الأرض، ومن العمل <strong>في</strong> املصانع أسابيع معدودات بعد الوضع، ومن الاشتراك <strong>في</strong> جماعات<br />
العمل الفلاحي، وهن فوق ذلك ممنوعات من العمل أمام الآلات الخطرة، والساعات التي<br />
يعملن <strong>في</strong>ها محدودة <strong>في</strong> كثري من املناطق بالقانون، ومركزهن <strong>في</strong> العمل مركز الفتيان<br />
الذين لم يرشدوا بعد.<br />
غري أنه لا ينبغي لنا أن ننسى أن الحجج التي أقام عليها املشرعون هذه الفوارق،<br />
هي من القوة بحيث لا يستطاع أن يناقش <strong>في</strong>ها أو يمارى <strong>في</strong> صحتها، ومهما يكن من أمر<br />
املنازعة واختلاف الرأي <strong>في</strong> الفروق التي تفصل بني الرجل واملرأة عند مقارنة الكفايات،<br />
فلا يخامرنا الشك مثلاً <strong>في</strong> أن املرأة أقل من الرجل قوة جسمانية، وقدرة على العمل،<br />
ومن عادة النساء، وهي عادة تكاد تكون طبعًا <strong>في</strong>هن، أنهن يحملن أنفسهن من العمل<br />
27