23.12.2015 Views

قطر الندى

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

<strong>قطر</strong> <strong>الندى</strong><br />

٤<br />

وعلا نجم ابن طولون وذاع صيته،‏ فإن حديثه ليدور على كل لسان في مصر وفي سامر َّا،‏ أما<br />

34<br />

املصريون فقد رضُ‏ وا مذهبه وحمدوا سريته،‏ وقد اتخذ ابن طولون من أعيانهم بِطانة<br />

يتأل َّف بها من يليهم 35 من الأتباع،‏ فيهم وجيه قومه محمد بن هلال،‏ وفقيه الجماعة<br />

محمد بن عبد الحكم،‏ وكبري التجار معمر الجوهري،‏ وراهب القبط أندونه،‏ فكانوا سببًا<br />

بينه وبني الشعب،‏ 36 فراحت وفودهم تسعى إلى الخليفة املعتمد في سامر َّا،‏ يشكرون عدله<br />

وحسن رعيته،‏ ويطلبون تثبيته على عرش مصر.‏<br />

37<br />

كذلك كان أمر الشعب معه،‏ أما أبناء الحكام وعمال الخليفة في املرافق الدنيا،‏<br />

والطارئون على مصر من الشام وبغداد،‏ وما يليها من بلاد الشرق،‏ فقد رأوا في سريته ما<br />

حملهم على اليقني بأنه قد يُبَي ِّت النية 38 على الاستقلال بمصر،‏ فمنهم من غار ونفِ‏ سَ‏ عليه<br />

ما بلغ،‏ 39 ومنهم من خاف مغب َّة ذلك 40 على مستقبل دولة الخلافة،‏ فراحوا يسعون به إلى<br />

الخليفة،‏ يزعمون أنه بسبيل التغلب على مصر والعصيان بها.‏<br />

وعرف ابن طولون ما يدب َّر له فأعد عدته للدفاع،‏ واتخذ جيشً‏ ا فيه مائة ألف فارس<br />

وما لا يحصى من الر َّج َّالة،‏ وعديد من سفن الغزو،‏ وعَتَاد الحرب في البر والبحر،‏ وأرضى<br />

طموح املصريني بما أنشأ من املصانع والدور والقصور،‏ وزي َّن حاضرته زينة يباهي<br />

بها حواضر امللوك،‏ ووثق آصرته 41 بالشعب بما زاد من حِ‏ بَائِهِ‏ 42 وبره،‏ وجلس للعامة<br />

يستمع إلى مظاملهم،‏ وراح يتفقد الأسواق،‏ ويطوف على حماره بالليل وحيدًا في الأزِق َّة<br />

يستطلع طِ‏ لْعَ‏ الناس،‏ وما يكون من خبرهم إذا خَ‏ لَوْا إلى أنفسهم وذوي خاصتهم … واتخذ<br />

34 بطانة:‏ أصحابًا يلازمونه.‏<br />

35 من يليهم:‏ مَنْ‏ وراءهم.‏<br />

36 صلة بينه وبني الشعب.‏<br />

37 املرافق الدنيا:‏ املصالح الصغرية.‏<br />

38 يببيت النية:‏ يعقد العزم.‏<br />

39 نفِ‏ سَ‏ عليه:‏ استعظم بلوغه.‏<br />

40 مغبة ذلك:‏ عاقبة ذلك.‏<br />

41 آصرته:‏ علاقته.‏<br />

42 حبائه:‏ كرمه.‏<br />

18

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!