قطر الندى
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
خمارويه ابن طولون<br />
قال إسحاق: «… فإن املوفق قد عقد لي اللواء وولاني مصر، فهي لي حتى يخلعني<br />
عنها السلطان.»<br />
قال ابن أبي الساج: «وأنا، أين يكون موضعي، ولك الجند والإمارة؟ أتراك أدنى<br />
مني منزلة إلى املوفق، أو أبْصرَ َ بشئون الحكم، أو أَعْرَفَ بفنون الحرب؟»<br />
قال إسحاق: «وي! 24 شئون الحكم وفنون الحرب معًا؟ لا ترضى حتى يجتمع لك<br />
الأمران كلاهما؟ على رسلك! 25 أو فاطلب إلى ذلك القضاء والخراج والبريد! …»<br />
وغضب ابن أبي الساج غضبة أعجمية … فقال، وقد وضع يده على قائم سيفه:<br />
«أدعوى وسخرية!»<br />
ثم رد يده إلى موضعها وقال في صوت يحاول أن يكون أكثر هدوءًا مما يدل عليه<br />
انفعاله: «ولكن لا، سأدعك وما اخترت لنفسك، لتختبر قوتك، وتعرف قدرتك في امليدان<br />
وحيدًا لا يسندك ابن أبي الساج.»<br />
ودار على عقبيه فخل َّف إسحاق وراءه، وخرج من ساعته إلى النهر فاستقل زورقًا<br />
عبر به الفرات إلى الشام، حيث يلحق بخمارويه مستأمنًا يعرض عليه طاعته.<br />
٤<br />
لم يَطُلْ مقام خمارويه بمصر بعد الوقعة التي كانت، فما هو إلا أن دبر شئون<br />
الحاضرة، وجدد آلة الحكم، وجمع شتات السلطان، ثم أخذ يعبئ جيشه لأمر قد خط<br />
خطته، وأحكم تدبريه، وكأنما كانت تلك املعركة التي خاض غمرتها منذ بضعة عشر<br />
شهرًا أذانًا له بفتح جديد، فخرج إلى الشام في جيش قوي ٍّ ، قد استكمل أهبته واستتم<br />
عدته وعدده، وبلغ دمشق فأقام بها حينًا ثم أصعد في البادية موليٍّا وجهه شطر<br />
العراق …<br />
ولقيه في الطريق محمد بن أبي الساج، فانضم إليه بمن وراءه من غلمانه وجنده،<br />
ثم قصد إسحاق في الرقة، فعبر إليه الفرات مع ابن أبي الساج فأزاحه عن موضعه<br />
واشتد وراءه عدْوًا، وهو يدك الحصون ويحوز البلاد، حتى غلب على الجزيرة واملوصل<br />
24 عجبًا.<br />
25 على مهلك.<br />
35