قطر الندى
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
<strong>قطر</strong> <strong>الندى</strong><br />
قال لؤلؤ: «لقد أمرني مولاي أن أحتز َّ رأسك لرؤيا رآها …»<br />
قال الفتى فزعًا: «وأي ذنب لي يا سيدي في الأحلام؟»<br />
فهدأت نفس لؤلؤ، وقال: «صدقْتَ ، فَتَوَق َّ — ويحك — ولا تتعرف إلى أحد من<br />
حاشيته.»<br />
وكان محمد بن سليمان في رثاثته وخُ لقَانه عينًا من عيون املوف َّق على الطولونية،<br />
وكان له دهاء وتدبري، فلم يزل يحتال لأمره من كل وجه حتى صار أدنى إلى لؤلؤ من<br />
سائر غلمانه، فصارت عينه على أسرار الدولة، ويده على أموالها؛ ملكانته من مولاه، ومكانة<br />
مولاه من أحمد بن طولون.<br />
ومضى زمان، وإذا لؤلؤ خادم الطولونية الأول يتنكر لها ويخرج على سيده، ويحتال<br />
حيلته حتى يجتمع إليه من مال الخراج مال، فيخرج إلى الشام ثم يتخذ طريقه إلى بغداد<br />
منحازًا إلى املوفق بما اجتمع له من مال الدولة، لا يصحبه من غلمانه إلا خادمه محمد بن<br />
سليمان الأزرق.<br />
وعرف ابن طولون كيف يدبر له املوفق وأعوانه في مصر، فأجمع أمره على خطة<br />
تحطم كبريائه، وتفُل ُّ غَرْبَه.<br />
٧<br />
64<br />
كان الخليفة املعتمد في مجلس الشراب من قصره بسامر َّا، قد تكن َّفه نُدْمانه على النمارق،<br />
وصُ ف َّتْ بني يديه أقداح البل َّوْر على صينية من جزْع، 65 وأرخِ يَتْ على النوافذ ستائر الديباج،<br />
تتلعب بها النسمات، فتتموج في سكون، وتنعكس عليها الأضواء فتشع بمثل ألوان الطيف،<br />
يتضرب لون منها في لون، ولكن الخليفة وندمانه كانوا مطرقني في صمت، لا تمتد يد إلى<br />
قَدَح، ولا تنبِسُ شَ فَةٌ بصوت، ولا حس ولا حركة، فلولا ما ينفح في مجامر املسك من عطر<br />
البخور ودفء النار لحسبه من يرى مجلسً ا مرسومًا على أديم قد أبدع تصويره رسام<br />
بارع فأتقنه تمثيلاً وصورة، لم يَفُتْهُ من مظاهر الحياة إلا الصوت والحركة.<br />
وكان الخليفة حقيقًا بما هو فيه من العبوس والكآبة، فقد بلغ أخوه املوفق من<br />
التضييق عليه مبلغًا بعيدًا، استئثارًا بالسلطة واستقلالاً بالأمر، فاحتجزه في هذا القصر<br />
64 أحاطوا به على الحشايا.<br />
65 الجزْع: خرز فيه سواد وبياض.<br />
24