قطر الندى
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
خمارويه ابن طولون<br />
من الأمر، وقد نسي خمارويه عارِفَتَه 51 حني أحل َّه في مثل منزلة إسحاق، وفرض عليه<br />
أن يجاوره جوار الأمري للأمري.<br />
وإنه لفي خلوته يومًا يفكر في مثل هذه الخواطر املتباينة، إذ طرق طارق من<br />
بعيد، فأجد َّ له من ماضيه ذكريات …<br />
وقال له صديقه أبو سعيد املدائني، وقد اطمأن بهما املجلس: «إنني رسول أبي<br />
أحمد املوفق إليك؛ لأمر من أمر الدولة، وإنه ليستبطن ما تُسرِ ُّ 52 من الطاعة والولاء<br />
لدولة الخلافة، وقد أبعد خمارويه في طريقه إلى مصر، وزعم أن البلاد قد دانت له، فقد<br />
حانت الفرصة لتأتيه من مأمنه فتكبه على وجه، فتظهر من ذلك بحظك من الإمارة،<br />
وتنال ثأرك من عدوك، وتحقق للدولة ما تأمل على يديك من املَنَعَة والسلطان.»<br />
قال ابن أبي الساج: «ويراني املوف َّق أهلاً لكل ذلك؟»<br />
قال أبو سعيد: «ولأكثر من ذلك، فلم يخْ فَ على مولاي أنك لم تُعْطِ خمارويه<br />
الطاعة إلا مصانعة، حتى تستمكن منه فتَثِبَ وثْبَتَكَ، ثم ليجتمع لك من مال الولاية ما<br />
اجتمع لتنفقه في حربه حتى تظفر به.»<br />
قال وصوته يختلج من التأثر: «وعند مولاي علم ذلك كله؟»<br />
قال أبو سعيد: «وإنه ليعلم ما وراء ذلك مما لا آذن لنفسي أن أحدثك به.»<br />
وصمت ابن أبي الساج برهة، وقد غشى َّ عينيه الدمع، ثم نظر في وجه محدثه،<br />
وهو يقول في لهجة فيها صرامة وحزم: «فسيطيب ملولاي املوفق منذ اليوم ما أُبْليِ 53 في<br />
الدفاع عن وَحْدَة الدولة.»<br />
ثم لم يَكَدْ يودع صاحبه حتى أخذ في شأنه يدبر أمر الجيش.<br />
وكأنما كان جيش ابن أبي الساج مما نفخ فيه قائده من روحه وعزمه يطري طري<br />
السحاب، فما مضى شهر حتى أوغل في الشام وحاز البلاد والأموال وصف َّد الأسرى … 54<br />
وبدا كأنه من مصر على بعد شهر، ثم يتقو َّض عرش بني طولون وتنهار الدولة.<br />
51 جميلَهُ.<br />
52 يعرف ما تخفي.<br />
53 ما أبذل من الجهد.<br />
54 قي َّد الأسرى.<br />
45