قطر الندى

خمارويه ابن طولون
ينظرون ما يأمر به وعلى مقربة منه جلست ‏«أم آسية»‏ قابلة أولاده 31 وحاضنتهم تقص
عليه نوادر طفلته اللعوب الفاتنة ‏«قطر الندى».‏
وكانت ‏«قطر الندى»‏ أحب أطفال الأمري إليه وأدناهم منه منزلة،‏ وكان لها جمال
وظرف وقوة أسرْ‏ ٍ ، 32 وعلى أنها لم تكن قد بلغت السابعة،‏ فقد كان لها من قوة الإدراك
أن تحسن الحديث،‏ وتحسن الاستماع،‏ وتفصل في بعض ما يعرض لها من الأمر …
وأغفلت أم آسية فيما تقص على الأمري من خبر ابنته ما يلزمها من الاحتشام في
حضرة الأمري،‏ ورعاية الرسوم امللوكية،‏ وقد كان لأم آسية من الحرمة عند خمارويه
ما يسمح لها أن تتبسط في حضرته وتنسى الاحتشام،‏ أليست قابلة أولاده جميعًا
وحاضنتهم،‏ ولها عليهم مثل حق العمة ودلال الخالة،‏ فإنها لتقيس مكانتها عند الأمري
بمكانتها من ولده.‏
وقالت:‏ ‏«ودِدْتُ‏ لو أذن مولاي الأمري فقصصت عليه رؤياي ليكون لي بذلك حق
منذ اليوم أن أكون ماشطة الأمرية يوم زفافها إلى أمري املؤمنني في بغداد،‏ كما كنت
33
حاضنتها في قصر الأمري،‏ وقابلتها يوم استهلت.»‏
قال خمارويه:‏ ‏«هيه يا أم آسية!»‏
قالت:‏ ‏«كان ذلك منذ بضعة أشهر،‏ وكان مولاي الأمري في سفرته إلى الشام،‏ وخطب
إلي َّ ابنتي ‏«آسية»‏ شاب من أهل الستر والصيانة،‏ ولم أكن أملك يومئذ ما أتجمل به،‏
وامتنع ‏«أبو صالح الطويل»‏ خازن مولاي أن يدفع إلي َّ ما طلبت … وإنه لبخيل …»
وضحك خمارويه وقال:‏ ‏«جزاك الله يا أم آسية!‏ ما يزال هذا دأبك منذ كنت تقدمني
املسألة في صدر كل حديث،‏ قولي،‏ وسأدفع إليك ما منعه أبو صالح.»‏
قالت وأطرقت:‏ ‏«لا زالت نعمتك ممدودة الظلال يا مولاي … ثم إنني قضيت
شطرًا من الليل أتحدث إلى مولاتي ‏«قطر الندى»‏ — وكان بها وحشة لغيبتك — وأقص
عليها من طريف الأخبار ومليح النوادر ما يؤنسها ويسليها حتى غلبها النوم،‏ فأويت
إلى مضجعي،‏ وبعد لأَ‏ ‏ْيٍ‏ ما 34 تخلصت مما كان بي من فكر في أمر ابنتي آسية،‏ وما
يلزمها من جهاز العروس،‏ وتسرحَتْ‏ بي الأحلام من وادٍ‏ إلى وادٍ‏ …»
31 القابلة:‏ الداية.‏
32 جاذبية.‏
33 يوم ولادتها.‏
34 وبعد جهد ما.‏
39