Issue-215
Issue-215
Issue-215
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
طبيعة الاقتباسات الثقافية في القرون الوسطى<br />
مجال الهجوم على الفلسفة وفلاسفة اشرق «تهافت الفلاسفة» (×٧) الذي<br />
ألفه بهدف إظهار التهافت والتناقض الداخلي في ا^راء ونظريات ومبادىء<br />
الفلاسفة في محيطه وفي عصره.<br />
ومن الطريف أن كتاب الغزالي «مقاصد الفلاسفة» ذاته الذي ترجمه<br />
في القرن الثاني عشر للميلاد دومنجو جنديسالأصبح في أوروبا واحدا<br />
من الكتب ادرسية الأرسطية الشهيرة. وأما مؤلفه (الغزالي) وهو الناقد<br />
ابدئي للفلاسفة العرب فقد اشتهر بالنسبة للأوروبي (مع استثناءات<br />
قليلة) كتابع وفيّ لأرسطو (٥٢) .<br />
إن العمل الانتقائي في إنجازات اترجم الأوروبي يذكرنا بعملية<br />
مشابهة جرت في ظل دولة الخلافة العربية الإسلامية ما ب القرن<br />
التاسع والعاشر للميلاد عندما ركز السريان والعرب جهودهم لترجمة<br />
اؤلفات الفلسفية والعلوم الطبيعية القدة وأهملوا بشكل عام ودون<br />
انتباه منهم ترجمة الشعر الإغريقي والا^داب وعلم التأريخ.<br />
وهناك ملمح مشترك أيضا فيما يخص النشاط في ميدان الترجمة<br />
(الجاري في ظل الثقافت العربية الإسلامية والأوروبية) يتمثل في الجهود<br />
الجماعية للترجمة حيث كان يقوم بها كقاعدة عامة اختصاصيان أو<br />
ثلاثة. وفي دولة الخلافة العربية الإسلامية كان اترجم الذي لا يتقن<br />
(×٧) في «تهافت الفلاسفة» استعرض الغزالي مختلف التيارات في ثقافة عصره ومنطقته وهي<br />
«وفق تصنيفه» أربعة اتجاهات تتمثل في جماعات أربع: جماعة اتكلم وجماعة الباطنية<br />
وجماعة الفلاسفة ثم جماعة اتصوفة ونظر الغزالي في موقف كل من هؤلاء فوجد اتكلم<br />
يؤدون مهمة الدفاع عن العقيدة لكنهم كانوا يبنون دفاعهم على أساس التسليم أولا بالوحي<br />
انزل وهو دفاع إن أقنع اؤمن فهو لا يقنع غير اؤمن. وأما الباطنية فيأخذ عليهم قولهم إنهم<br />
يقتبسون علمهم من الإمام اعصوم أي أن كل مايعرضونه مستند إلى النقل عن معلمهم لا إلى<br />
حجة مقنعة. وأما الفلسفة فعلى الرغم ا كان لها من فضل في تنوير الناس بعلوم برهانية لا<br />
سبيل إلى الشك فيها كالرياضيات والفلك والطبيعيات في بعض جوانبها التي لا تخالف الدين<br />
فإنها في سائر بحوثها قد تتعرض للتناقض وفساد الرأي وأهم اسائل التي عني الغزالي بإبطال<br />
رأي الفلاسفة فيها ثلاث هي: نظرية قدم العالم والقول بأن الله يعلم الكليات وحدها دون<br />
الجزئيات وإنكار بعث الأجساد على أساس قولهم بأن الأرواح وحدها التي لا يجوز عليها الفناء.<br />
ورأيه الأساسي أنه لا يصح قياس خلق الله للكون على العلاقة السببية في ظواهر الطبيعة<br />
وحوادثها. وهكذا يستدل الغزالي على وجود الله القادر على كل شيء بالحدس أي بالذوق طبقا<br />
لرأي اتصوفة. وهو ماعالجه مفصلا في كتابه الأكبر «إحياء علوم الدين» (اترجم).<br />
43