doc1
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
المنھج النبوي في تربیة الأمة<br />
بقلم :على جمعھ<br />
ربى رسول االله صلى االله علیھ وسلم أصحابھ على تزكیة<br />
أرواحھم وبناء شخصیاتھم وتحمل مسئولیاتھم الدینیة<br />
والدنیویة، وأرشدھم إلى الطریق التي تساعدھم على<br />
تحقیق ذلك بحثھم على التدبر في كون االله ومخلوقاتھ،<br />
وفى كتاب االله تعالي، حتى یشعروا بعظمة الخالق وحكمتھ<br />
سبحانھ وتعالى، وكذلك بالتأمل في علم االله الشامل<br />
وإحاطتھ الكاملة بكل ما في الكون، لأن ذلك یملأ الروح<br />
والقلب بعظمة االله، ویطھر النفس من الشكوك والأمراض.<br />
كما أرشدھم إلى سبل الإخلاص في عبادة االله عز وجل،<br />
وذلك لأنھ من أعظم الوسائل لتربیة الروح وأجلھا قدرًا،<br />
إذ العبادة غایة التذلل الله سبحانھ ولا یستحقھا إلا االله<br />
وحده ولذلك قال سبحانھ: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا<br />
إیاه» [الإسراء:<br />
.[٢٣<br />
ولم یكتف صلى االله علیھ وسلم بالحث على العبادات<br />
الظاھرة بل ربى أصحابھ كذلك على مكارم الأخلاق<br />
بأسالیب متنوعة، فالمتدبر للقرآن المكي یجده ملیئًا بالحث<br />
على مكارم الأخلاق وعلى تنقیة الروح وتصفیتھا من كل<br />
ما یعوق سیرھا إلى االله تعالى، ورسولنا علیھ الصلاة<br />
والسلام القدوة الكاملة والمربى الناصح للأمة .كان في<br />
غایة الخلق، فعن عائشة رضي االله عنھا عندما سئلت عن<br />
خلق رسول االله صلى االله علیھ وسلم، قالت: «كان خلقھ<br />
القرآن» [مسند أحمد ٦-٩١].<br />
وكان الرسول صلى االله علیھ وسلم یعرض الأخلاق مع<br />
العبادة والعقائد في وقت واحد، لأن العلاقة بین الأخلاق<br />
والعقیدة واضحة في كتاب االله تعالى.<br />
إن الأخلاق لیست شیئًا ثانویًا في ھذا الدین، ولیست<br />
محصورة في نطاق معین من نطاقات السلوك البشري،<br />
إنما ھي ركیزة من ركائزه، كما أنھا شاملة للسلوك<br />
البشري كلھ كما أن المظاھر السلوكیة كلھا ذات الصبغة<br />
الخلقیة الواضحة ھي الترجمة العملیة للاعتقاد والإیمان<br />
الصحیح، لأن الإیمان لیس مشاعر مكنونة في داخل<br />
الضمیر فحسب، إنما ھو عمل سلوكي ظاھر كذلك، بحیث<br />
یحق لنا حین لا نرى ذلك السلوك العملي أو حین نرى<br />
عكسھ، أن نتساءل: أین الإیمان إذن؟ وما قیمتھ إذا لم<br />
یتحول إلى سلوك؟<br />
وقد اھتمت التربیة النبویة بتربیة الصحابى على تنمیة<br />
قدرتھ في النظر والتأمل والتفكر والتدبر، لأن ذلك ھو<br />
الذي یؤھلھ لحمل أعباء الدعوة إلى االله، فالعقل یعتبر<br />
إحدى طاقات الإنسان المھمة، وقد جعلھ المولى عز وجل<br />
مناط التكلیف، كما یعتبر العقل نعمة من االله على الإنسان<br />
یتمكن بھا من قبول العلم واستیعابھ، ولذلك وضع القرآن<br />
الكریم منھجًا لتربیة العقل سار علیھ رسول االله صلى االله<br />
علیھ وسلم لتربیة أصحابھ.<br />
ومن أھم نقاط ھذا المنھج: تجرید العقل من المسلمات<br />
المبنیة على الظن والتخمین أو التبعیة والتقلید. ومنھا:<br />
إلزام العقل بالتحري والتثبت. ومنھا: دعوة العقل إلى<br />
التدبر والتأمل في نوامیس الكون. ومنھا: دعوة العقل إلى<br />
التأمل في حكمة ما شرع االله لعباده من عبادات ومعاملات<br />
وأخلاق وآداب وأسلوب حیاة كامل في السلم والحرب<br />
والإقامة والسفر، لأن ذلك ینضج العقل وینمیھ، وتعرفھ<br />
على تلك الحكم یعطیھ أحسن الفرص لیطبق الشرع<br />
الرباني في حیاتھ، ولا یبغى عنھ حولاً، لما فیھ من<br />
السكینة والطمأنینة والسعادة والبشریة، ولأن االله سبحانھ<br />
وتعالى إنما شرع ما شرع لذلك. ومنھا: دعوة العقل إلى<br />
النظر في سنة االله في الناس عبر التاریخ البشري: لیتعظ<br />
الناظر ویتأمل في سنن االله في الأمم والشعوب والدول.<br />
كما حرص النبي صلى االله علیھ وسلم على تربیة أصحابھ<br />
جسدیًا واستمد أصول تلك التربیة من القرآن الكریم،<br />
٤٤