07.01.2024 Views

ماكو فضاء حر للابداع -4-2023

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

101<br />

التعامل مع املرأة املثال ال يفسر املرأة يف عالم<br />

مراد الداغستاني فهو ال ينظر إليها كمطلق<br />

وينسى الواقع القاسي الذي يحجر على <strong>حر</strong>ية<br />

املرأة ويستلب إنسانيتها بل يتغلغل وميتد إلى<br />

املرأة يف وضعها اإلنساني الشرس ليقدم صورة<br />

نابضة باإلدانة واالحتجاج اإلنساني،‏ ويعلن<br />

صرخة رفض لهذا الواقع غير النظيف معتمداً‏<br />

التعامل الواقعي مع املرأة.‏ التعامل الواقعي<br />

مع األشياء والوصول إلى الواقع الداخلي دون<br />

االكتفاء بالسطح،‏ التعامل الذي يكتشف الواقع<br />

احملتدم ال الواقع الطايف على السطح متبيناً‏<br />

معرفة القوانني الراسخة يف األعماق والتي<br />

تشكل جوهر وجذر الواقع احلقيقي الذي<br />

يحكم على املرأة بالقهر واحلرمان،‏ ولتحقيق<br />

هذا يعتمد إلى تصوير القرويات،‏ املنفيات<br />

من النساء يف األماكن املعتمة،‏ يف احلقول،‏ يف<br />

الشوارع الطينية،‏ يف ظالم الزوايا الداكنة،‏<br />

مقدماً‏ تسجيالً‏ دقيقاً‏ لوضع إنساني قاس<br />

يدفن اإلبداع ويقف ضد <strong>حر</strong>كة احلياة والتاريخ<br />

ففي ‏–العبء-‏ وهي من أحدث صوره يبرز<br />

قسوة العالم من خالل املواضعات واإلشكاالت<br />

االجتماعية الرهيبة حيث جند املرأة القروية<br />

املنحنية تنوء بحملها الظالم والذي جاء عبر<br />

عصور االضطهاد والتخلف يف سحق إنسانية<br />

املرأة التي أظهرها مقوسة الظهر تكاد تنهار<br />

على األرض مبرزاً‏ طابع االحتجاج واإلدانة<br />

وهو يصور بصدق قطاعاً‏ واسعاً‏ من النساء<br />

املتعبات اللواتي يعشن يف بؤس وشظف إنساني<br />

مرعب،‏ والصورة تقترب بتكنيكها من اللوحة<br />

الزيتية أكثر مما تشير إلى كونها فوتوغراف<br />

‏)يف احللم خرجت القروية التي حتمل العبء<br />

وبدأت حتدثني عن أوجاعها..‏ اسمع هذه<br />

الصورة قريبة مني،‏ قريبة كحبل الوريد،‏ أشعر<br />

أنني أعرفها بدمي(‏ )28(. ومع هذا فقد بقي<br />

الداغستاني يصر على أنه مصور وليس فناناً.‏<br />

أليس هذا غريباً؟.....‏<br />

8- حضور التاريخ وتسجيل متغيرات احلياة<br />

اليومية:‏<br />

‏)التاريخ هو وجه اإلنسان،‏ والتاريخ العربي<br />

واإلسالمي ذاكرة انساننا املعاصر،‏ من<br />

ال تاريخ له ال وجود له(‏ )29( هكذا يفهم<br />

الداغستاني التاريخ وهذا الفهم هو الذي<br />

يفسر عالقته اإلبداعية معه والتي تتمثل يف<br />

استكناه معطياته احلضارية عبر التغلغل يف<br />

رحابه الفسيحة،‏ وهو الذي يجعله يجوس يف<br />

ظلمات ودهاليز التاريخ الغامضة،‏ يف نهره<br />

املتدفق الكبير وصوالً‏ إلى إستبطان أدق<br />

النأمات واحلركة التي حتكمه،‏ وهو يف تصويره<br />

خمللفات التاريخ يحترم وجودها اخلارجي وال<br />

يكتفي بتسجيل املالمح التسجيلية حتى ليكاد<br />

يعيد تشكيل جوهرها احلقيقي مدفوعاً‏ بقوة<br />

خفية للغوص يف عوالم سرية وغامضة،‏ عوالم<br />

يريد لها أن تتشكل على يديه نابضة باجلدة<br />

والشموخ.‏ أي ان محاوالته يف تصوير التاريخ<br />

ذات سمة إبداعية أكثر مما هي تسجيلية،‏<br />

محاولة طموحة تعتمد اخللق وتغامر بإعادة<br />

خلق أشياء التاريخ املندثرة عن طريق التفنن<br />

باحليل التصويرية وجتاوز الناحية الواقعية<br />

البحتة وإضفاء طابع التشكيل ذي اجلمالية<br />

العالية،‏ محاولة تطمح أن تأسر حلظة التنوير<br />

والتألق يف التاريخ،‏ وهذه املغامرة املستحيلة<br />

تدفعه إلى الت<strong>حر</strong>ك على مراحل تاريخية<br />

عديدة يعيد يف التاريخ لها أكثر من لقطة فهو<br />

مسكون يف الكشف عن معطيات الدول العربية<br />

واإلسالمية كالدولة االتابكية أو احلمدانية<br />

وذلك بتصوير مخلفاتها التي تتجسد يف القالع<br />

أو األسوار املرتفعة واملراقد يف القصور ذات<br />

الطابع اإلسالمي،‏ وهو يف هذا ال ينحو صوب<br />

التقليد وإمنا يريد ألعماله عنها أن تكون ذات<br />

سمة أسطورية مليئة باجلالل.‏ ففي تصويره<br />

لقلعة ‏–باشطابيا-‏ و)قره سراي(‏ تتضح<br />

محاوالته الضاجة بالعذاب وهو يصور أكثر<br />

من لقطة لهما كي يحقق تصوره املنشود ولذا<br />

نراه يستخدم التشكيل املتفرد حتى لتتحول<br />

الصورة على يديه إلى عالم مغاير للواقع،‏<br />

عالم يريد أن يظهر الصوت الداخلي الذي<br />

يهجس به التاريخ،‏ ويف هذا مينح الداغستاني<br />

أعماله مالمح االبتكار واخللق فتتناثر األضواء<br />

وتتعانق الظالل يف أجواء الصورة لتقترب<br />

من اللوحة،‏ وال يقتصر تعامل الداغستاني<br />

مع التاريخ اإلسالمي والعربي وإمنا يتعداه<br />

إلى التركيز على اجلانب القدمي حيث يصور<br />

مخلفات احلضارة االشورية بجانبها اإلبداعي<br />

ال احلربي متوغالً‏ إلى أعماق ذلك العصر<br />

بطريقة تظهره مجسداً‏ وحاضراً‏ يف وجودنا<br />

املعاصر،‏ ال بل ان هذا االهتمام بالتاريخ<br />

القريب او البعيد ال يتناوله ضمن ارض<br />

الوطن فحسب وامنا ميتد الى اخلارج ايضاً،‏<br />

فالداغستاني من خالل أسفاره إلى أوربا<br />

أستطاع أن يقتنص الكثير من الصور اخلاصة<br />

باحلضارة القدمية التي عاشت وشمخت يف<br />

العراق،‏ ويف هذا كانت املغامرة رائده دومنا<br />

اعتبار ألوامر املنع يف املتاحف العاملية!‏ ومن<br />

الطريف أن الداغستاني قد أكتشف بيتاً‏ عربياً‏<br />

وإسالمياً‏ يف لندن خالل رحلته عام 1975<br />

وأراد أن يصوره فمنعه املسؤول عن البيت غير<br />

أن فناننا قال بسخرية:‏ تسرقون حضارتنا<br />

وحتجبون رؤيتها عنا!..‏ مستحيل.‏ وكان أن<br />

صور البيت بأشكال مختلفة!..‏ أما كيف حدث<br />

ذلك فالداغستاني وحده يعرف....‏<br />

أما التغير الذي يحدث يف احلياة اليومية،‏<br />

كظهور أشياء جديدة،‏ وأختفاء أمور أخرى،‏<br />

وأندثار مهن وعادات،‏ بزوغ قيم وأعمال،‏<br />

فالداغستاني يرمي بثقله يف أسرها خوفاً‏<br />

عليها من الضياع أو رغبة يف تصوير معطيات<br />

احلياة الزاخرة باجلدة كل حلظة فهو يصور<br />

‏–غساالت الصوف-‏ اللواتي كن ينظفن<br />

الصوف يف مياه دجلة بشكل آسر يكاد ينطق<br />

مبواويل وأحاديث النسوة الشعبيات أو يرصد<br />

األحياء الشعبية التي زالت من الوجود.‏ أو<br />

يتناول تصوير منطقة اجلسر القدمي بشعبيته<br />

وبروحيته املمتلئة باحلركة،‏ والتأكيد على<br />

عربات اخليل،‏ كأسلوب لعبور اجلسر يف تلك<br />

الفترة مع اعتماد إظهار املقاهي القدمية<br />

والشهيرة يف احملافظة والتي أزيلت بفعل<br />

<strong>حر</strong>كة البناء اجلديد وبقيت أعمال الداغستاني<br />

لتشير إلى حضورها املستمر،‏ وهو يف تعامله<br />

هذا مينحها غالباً‏ رؤية شبيهة بسمات غموض<br />

وسرية أعماله عن التاريخ ويضفي عليها نكهة<br />

أليفة معبرة.‏<br />

9- الزمن:‏<br />

على الرغم من أن مراد الداغستاني ال يهتم<br />

كثيراً‏ بالزمن النفسي الداخلي ويركز على<br />

الزمن اخلارجي ‏–اآللي-‏ فإن الزمن يكتسب<br />

عنده دالالت عديدة وغنية،‏ فهو يخشى الزمن<br />

حد الرعب ‏)أتعرف يا صديقي إن الزمن<br />

طاحونة تسحقنا.‏ لو لم يكن املوت هنالك<br />

رمبا كانت احلياة أجمل(‏ )30( وقد عبر بدقة<br />

عن الزمن الذي يفتك باإلنسان حني صور<br />

شيخاً‏ مقوس الظهر وكأن ثمة قوة عاتية تدفع<br />

جسده نحو األرض كي تتلقفه وتعيده إلى<br />

جذره الذي جاء منه،‏ وخوف الفنان من الزمن<br />

جعله يلجأ إلى االحتيال عليه مؤقتاً‏ رغبة يف<br />

بث السكينة والطمأنينة وخلق وهم االعتقاد<br />

باخلالص.‏ فعمد إلى تصوير املدينة يف لقطة<br />

هيمن الصمت فيها بحيث بدت احلياة فيها<br />

بدائية وكأن الفنان يريد إيقاف الزمن وإعطاء<br />

الصمت والهدوء بديالً‏ عنه،‏ ومثلما كان مراد<br />

الداغستاني قد اعتمد إبراز جو التناقض<br />

يف صوره،‏ فإنه اعتمد إبراز التناقض يف<br />

الزمن ففي لقطة له اسمها ‏–الزمن-‏ جند<br />

حيوية الطفولة والنضارة واحلياة املتدفقة<br />

إزاء الشيخوخة والتغضن واإلعياء،‏ وإذا كانت<br />

الشيخوخة تعبر عن فعل الزمن والضعف<br />

اإلنساني فإن الطفولة تعبر عن امتداد احلياة<br />

وتواصلها من خالل التناقض.‏ ومع أن الزمن<br />

يجثم ثقيالً‏ على كاهل الفنان،‏ فإنه يحاول<br />

أحياناً‏ أن يضفي عليه مسحة شاعرية تخفف

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!