07.01.2024 Views

ماكو فضاء حر للابداع -4-2023

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

89<br />

إنسانية مشتركة تعبر عن األشياء بدقة،‏ مقدماً‏<br />

مواضيعه القريبة واألليفة واملعبرة عن جوانب<br />

عديدة من الوضع البشري.‏ وألن الفوتوغراف<br />

يرتبط بالعلم من جهة - العدسة واملثبت-‏<br />

ويعتمد على اإلبداع واخللق من جهة أخرى<br />

فقد تطلب األمر أن يكون املصور الفوتوغرايف<br />

ممتلكاً‏ للناحيتني لكي يخرج عن الناحية<br />

التسجيلية البحتة ‏)يفترض يف املصور أن<br />

يكون مثقفاً‏ ومدركاً‏ ملسألة اإلبداع يف التصوير<br />

الفوتوغرايف وأن ميتلك التجربة واملمارسة(‏<br />

)2(. وحني نتأمل أعمال الداغستاني نستطيع<br />

وبسهولة أن نقرر امتالكه للشرطني السابقني<br />

وأن نفهم سر اإلبداع عنده ‏)كل نتاج يبدعه<br />

الفنان هو وليد الشعور واملعاناة،‏ والفنان<br />

يجسد األشياء بشكلها االنطباعي الواقعي،‏ كل<br />

عمل جيد يأتي من خالل القناعة،‏ من التطابق<br />

بني املوقف الداخلي والعالم اخلارجي،‏ ومن<br />

التجربة العميقة والصبرالطويل ) )3(.<br />

احلب هو الذي ي<strong>حر</strong>ك مراد الداغستاني،‏ حب<br />

األرض،‏ البسطاء واملتعبني،‏ الطبيعة،‏ اإلنسان،‏<br />

وهذا احلب هو الذي أورثه املرض،‏ فإن<br />

إخالص الرجل للعمل واندفاعه الشديد جعاله<br />

ال يرأف بنفسه ‏)حبي كان كبيراً‏ للفوتوغراف<br />

سابقاً،‏ أما اآلن فال..‏ أمتنى لو لم أكن مصوراً‏<br />

واألفضل لإلنسان أال يكون مشهوراً‏ ومعرضاً‏<br />

للضوء.‏ يف البداية اندفعت كاجملنون(‏ )4(. لعل<br />

املرض هو سبب هذا املوقف،‏ ولعله اخلوف من<br />

أن يستيقظ ذات يوم فيجد األشياء تتسرب من<br />

بني أصابعه كقطرات املاء ‏)رغم املرض ال أفكر<br />

بأني سأموت بسرعة،‏ مع هذا أعرف أني لن<br />

أعيش طويالً‏ ) )5(. ولكن هل أفلح املرض يف<br />

قهر شهوة اإلبداع عند مراد الداغستاني؟<br />

أبداً‏ فالرجل استمر مع كاميرته الشهيرة<br />

يقتنص أجمل وأغرب اللقطات...‏ ‏)لو استطعت<br />

أن أعيش سنتني حلققت شيئاً‏ مهماً‏ لم استطع<br />

الوصول إليه سابقاً..‏ سنتان وسأنفذ حلم<br />

الوصول إلى شيء كبيرانتبهت إليه مؤخراً(‏<br />

.)6(<br />

وقبل الدخول إلى عالم مراد الداغستاني ال<br />

بد من اإلشارة إلى كيفية تعامله مع الكاميرا<br />

عند التقاط الصورة فهو يقدم املدهش<br />

واالستثنائي غالباً‏ من دون أن يقع أسير<br />

التقليد أو االعتيادية التسجيلية ‏)ال توجد لديّ‏<br />

قاعدة ثابتة يف التقاط الصورة ودائماً‏ ألتقط<br />

صوري يف الصباح مع تنفس ويقظة احلياة،‏ أنا<br />

دائماً‏ أشذ عن القواعد املعروفة يف التصوير،‏<br />

فعندما تعجبني لقطة بعيدة عن الضوء ال<br />

أراعي هذا األمر.‏ اتباع القاعدة يعني اجلمود(‏<br />

)7(. وألن ريشة املصور هي الضوء وبواسطته<br />

تظهر الهمسات والضربات يف الصورة فإن<br />

الداغستاني يتفنن ويبرع يف السيطرة على<br />

الضوء ‏)أحيانا عندما يصبح الضوء أكثر أو<br />

اقل من الواقع فإنه مينحنا أشياء جديدة تثير<br />

الغرابة والدهشة(‏ )8(. وإذا كان الداغستاني<br />

يفعل هذا أثناء االلتقاط فإنه يحقق اجلانب<br />

التطبيقي أثناء إظهاره الصورة واستخدامه<br />

الورق ‏)اختار الورق املالئم للمسودة وقبل<br />

التكبير النهائي أطبع منها حجماً‏ متوسطاً‏<br />

وأفكر يف األجزاء التي يجب أن أحذفها وصوالً‏<br />

إلى التكوين النهائي،‏ وبرغم أن الرأي النهائي<br />

لي إال أني استشير بعض الرسامني واملثقفني<br />

فنياً‏ قبل وضع اللمسات األخيرة،‏ وقد أعمد<br />

أحيانا إلى تعميق وتخفيف الضوء بحيلة فنية،‏<br />

وكثيراً‏ ما أبدل يف تركيب احملاليل وأخالف يف<br />

استخدام الورق ألني أرى ذلك ضرورياً(‏ )9(.<br />

وهنا نلتقي ثانية بترافق املهارة واإلبداع عند<br />

الداغستاني.‏<br />

إن احلساسية املفرطة واالنتقاء يف زوايا<br />

االلتقاط،‏ البحث عن املدهش واملثير أمور<br />

بارزة يف صور الداغستاني،‏ متجسدة يف<br />

التعامل مع اإلنسان،‏ وإنسان مراد الداغستاني<br />

هو اإلنسان املتعب وامللقى يف عتمة املدن<br />

التي ال ينوشها الضوء-‏ اخلانات واألقبية-‏<br />

والواقف بوجه الطبيعة مغامراً‏ باحثاً‏ عن سر<br />

وجوده ‏)الصياد(‏ امللتحم بالطبيعة واالستعداد<br />

لالقتناص..‏ ومن املهم اإلشارة إلى إن عالم<br />

الصيادين يف النهر يأخذ اهتماماً‏ واسعا<br />

عنده مثلما حتتل صور الفقراء واجملانني<br />

واملتعبني واملنفيني نفياً‏ معذباً‏ األهتمام األكبر<br />

يف أعماله.‏ إن التركيز على جانب البطولة<br />

والنبل عند الصياد واحلريف والعامل وغيرهم<br />

من الطبقات املعدمة هي املوضوعات األثيرة<br />

والقريبة إليه،‏ ولو كان الداغستاني كاتباً‏ لطرح<br />

مناذجه البطولية الشبيهة بأبطال همنغواي<br />

وجاك لندن يف فشلهم البطولي العظيم،‏ ولذا<br />

جند ولعه الواضح يف إبراز صورة اإلنسان<br />

مواجهاً‏ قدره الطبيعي واالجتماعي ورافضاً‏<br />

كل اإلشكاالت التي من شأنها أن جتعله ينهار.‏<br />

يظل إنسان الداغستاني مليئاً‏ باإلصرار<br />

وعاشقاً‏ حياته على الرغم من املصاعب،‏<br />

ومقاوماً‏ أبداً،‏ يظل يتحدى انكسارات الداخل<br />

واخلارج،‏ وإذا كان إنسان الداغستاني قد<br />

وقف ضد شراسة الطبيعة،‏ فإنه يقف مترهباً‏<br />

خاشعاً‏ أيضاً‏ يف م<strong>حر</strong>ابها الرحيب ‏)أحسّ‏<br />

أني صغير جداً‏ يف حضور الطبيعة،‏ اشتم<br />

رائحة األرض بعد أول املطر وأشعر بنشوة<br />

كبيرة وعظيمة(‏ )10(. يظل مراقباً‏ إياها يف<br />

إشراقاتها البكر وتفتحها املتألق ضمن موقف<br />

حلولي مع أشيائها وصوفية ثورية أثيلة حتقق<br />

االندغام مع دقائقها املتشابكة.‏ إن هذا التغلغل<br />

يف أحشاء الطبيعة ومحاولة اكتناه أبسط<br />

الدقائق والنأمات فيها ورصد التحوالت يف<br />

محاولة لقهر الزمن يتم عن طريق احلساسية<br />

الشديدة يف استخدام زاوية االلتقاط ومراعاة<br />

الظل والنور،‏ وبذلك يشعرنا الفنان كم هو<br />

عاشق لألرض وصديق للطبيعة يف <strong>حر</strong>كاتها<br />

واندفاعاتها أو يف هدوئها املتضمن معنى<br />

احلركة ‏)كل األشياء تت<strong>حر</strong>ك من خالل عملية<br />

الهدم والبناء،‏ داخل اجلسد اإلنساني تكون<br />

احلركة،‏ يف اخلشب،‏ يف احلديد،‏ الطبيعة،‏ يف<br />

الفكر تكون احلركة،‏ يف اجملتمع،‏ احلركة هي<br />

جوهر الوجود()‏‎11‎‏(.‏<br />

محاولة للدخول يف تفاصيل عالم الداغستاني<br />

أمام مئات الصور التي التقطها الفنان يثار<br />

أكثر من إشكال عند تناول عامله إذ تواجهنا<br />

من ناحية صعوبة االنتقاء،‏ ومن ناحية أخرى<br />

نضطر إلى التضحية بلقطات ثرية ميكن أن<br />

تسهم يف إنارة هذا العالم الشمولي مما يجعل<br />

احملاولة غير مكتملة،‏ وألنه ليس يف اإلمكان<br />

أفضل مما كان كما يقال فال بأس أن نلج عالم<br />

الداغستاني الفسيح والذي ميكن أن نوزعه<br />

على الشكل التالي:‏<br />

1- إنسان األماكن املعتمة واألجواء الشعبية :<br />

للفنان مراد الداغستاني ولع يصل حد الهوس<br />

يف إبراز اجلوانب الشعبية التي حتمل نكهة<br />

محلية راسخة،‏ ولع واضح يف تسجيل <strong>حر</strong>كة<br />

وعالقات اإلنسان البسيطة املتشابكة يف قلب<br />

األجواء الشعبية وتأكيد مالمح التغير يف<br />

املدينة،‏ أو يف األماكن املظلمة والزوايا اخلفية<br />

منها والتي تغيب عن أذهان الكثيرين لتتحول<br />

على يديه إلى وجود زاخر باحلركة والتداخل<br />

‏)أصور كل ما اشعر به يف محيطي والنصيحة<br />

التي أسديها لكل فنان هي تصوير اجلانب<br />

احمللي ألنه الطريق إلى العاملية،‏ الرائحة<br />

احمللية هي األساس يف األعمال الناضجة(‏<br />

)12(. فصورة-‏ سوق العتق-‏ مأخوذة يف مكان<br />

مظلم حيث الضوء قليل جداً‏ مما دفع الفنان<br />

إلى االعتماد على احلزم الضوئية املتسربة<br />

من الطاقات العليا والتي تكشف بساطة<br />

وشعبية اجلو وتقدم كشفاً‏ حلاالت إنسانية<br />

صعبة تواصل العمل يف ظل ظروف غير<br />

صحية،‏ متحدية الفناء.‏ أما يف صورة حتمل<br />

عنوان-‏ مسكن-‏ فيواجهنا بشكل جارح بافتقاد<br />

التوازن يف الباب،‏ افتقاده يف حامل املاء مما<br />

يوحي بضياع االنسجام ويشير بإيحاء خفي

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!