07.01.2024 Views

ماكو فضاء حر للابداع -3-2023

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

SHOW MORE
SHOW LESS

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

عن اللون احلضاري البغدادي،‏ بوصفه<br />

طرازا للعيش والسلوك املمتثل حلضارة<br />

واحدة متماسكة األجزاء،‏ وبوصفه مجموعة<br />

من االستجابات واللطائف الروحية،‏ تصف<br />

تركيبات معاشة،‏ مثلما هي تغادر امليدان<br />

الفعلي،‏ مبا يجعلها مشتهاة،‏ إن لم تكن جزءاً‏<br />

من اخليال الشعبي عن مدينتنا التاريخية،‏ يف<br />

آن.‏ فاملدينة الواقعية ضمت يف داخلها الكثير<br />

من التركيبات والنماذج احلضارية اخملتلفة<br />

واملتناقضة،‏ وأعمال شاكر حسن التشخيصية<br />

عن مهاجري الريف وتوليفاته املستلهمة من<br />

فن البسط الريفي تؤكد ذلك.‏ من هنا أرى<br />

أن بغداديات النثر املستلهمة أصالً‏ من روح<br />

بغداديات الرسم واصلت اليوتوبيا البغدادية<br />

وغذتها مبادة حيوية من حياة املدينة وسلوك<br />

أبنائها وحكمتهم وطريقتهم يف العيش.‏ لكن<br />

هذا التعزيز لم ينطلق من مجرد اختيار ذاتي<br />

أملته دوافع االحترام لفنان مؤسس ولصنيعه<br />

الفني عالي اجلودة،‏ وليس مجرد نص جميل<br />

عن مدينة نحبها فقط ، بل ألنه كذلك عبر عن<br />

خطاب ضامر للطبقة الوسطى املدينية كلها،‏<br />

خطاب كان متوفراً‏ يف بغداديات جواد.‏ فهذه<br />

الطبقة التي آمنت بالتحديث أخذت تشكو منه،‏<br />

بسبب بطئه،‏ والسياسة الغشيمة التي قادتها<br />

إلى تناقضات ال حل لها،‏ سياسة لم تسهم<br />

بها هي نفسها،‏ بل أتبعها سياسيون رجعيون<br />

وملتبسون كان ديدنهم التأجيل وإذالل اجملتمع<br />

املدني وإعاقة التطور الدميقراطي.‏ ونعرف<br />

أن هذه السياسة ونتائجها استمرت على<br />

نحو أتعس من ذي قبل يف الظروف الثورية<br />

الالحقة،‏ ما أدى إلى متزق النسيج االجتماعي،‏<br />

والتخندق السياسي القائم على اخلوف<br />

والقمع.‏ مقابل ذلك كانت الطبقة الوسطى<br />

‏)وهذا التحديد غير دقيق يف املقاييس<br />

العراقية(‏ ال متتلك برنامجاً‏ للعمل السياسي،‏<br />

بل أنها لم تستطع أن تبني حزباً‏ سياسياً‏<br />

جماهيرياً،‏ من هنا فقد انكفأت على نفسها.‏<br />

ضمن حدود الرسم واحلركة التشكيلية،‏ كان<br />

ذلك اخلطاب،‏ غير احملسوس يف األصل،‏<br />

يتحلل ويذوب يف املفاهيم اجلمالية.‏ إن شاكر<br />

حسن نفسه الذي كتب ما كتب كان قد غادر<br />

تواً‏ الرسم التشخيصي،‏ ومارس نقداً‏ شرساً‏<br />

للمجتمع الرمزي املتكون من الشخوص واألوضاع<br />

واملرجعيات،‏ ملزماً‏ فنه ببرنامج تأملي استبدل<br />

فيه وحدات التعبير الشكلي بصيغة كوسمولوجية<br />

ال شكلية،‏ وبهذا فقد مارس تصعيداً‏ مثالياً‏<br />

جديداً‏ يتجاوز املرجعيات البيئية واملواضيع<br />

احمللية املنظورة التي عملت جماعة بغداد بينها<br />

استلهاماً‏ أو أسلبة أو تعاطفاً‏ أو استذكاراً.‏ لقد<br />

اخترقت الالشكلية التي بشّ‏ ر بها،‏ وكان مبشراً‏<br />

حقاً،‏ الوحدة التي كانت ما تزال قائمة ما بني<br />

األشكال واملراجع،‏ متجهة إلى فن أوروبي<br />

من جهة املصدر،‏ ينطلق من مفهوم العمليات<br />

الداخلية التي ال نراها.‏<br />

إزاء ذلك جند أن البرنامج اجلمالي الذي<br />

ازداد تطلباً‏ وضرورة أضحى يعبر بوضوح<br />

أكثر من ذي قبل عن اجلدل الفني الداخلي.‏<br />

ولقد اجتازت البغداديات ببساطة محنة<br />

التفحص السوسيولوجي،‏ ألنها بالبساطة<br />

نفسها أضحت جزءاً‏ مهماً‏ وتأسيسياً‏ من ذلك<br />

اجلدل،‏ ولسوف تستعاد مبا يقترب من معنى<br />

طراز،‏ ويفهمها الفنانون واملثقفون كجماليات<br />

تنتسب إلى مدرسة،‏ مبعنى أنها مثل املنائر<br />

والقباب البغدادية واألقواس والروازين واإلنتاج<br />

الفولكلوري السائد يف املدينة،‏ تنتسب إلى<br />

مكان حضاري،‏ وحّ‏ د نسبها،‏ ومنحها الرقة<br />

والتماثل،‏ وأنقذها من عاتيات الزمن.‏<br />

-5-<br />

ما معنى فن الرسم يف البغداديات؟<br />

أثارت اجلماعة البغدادية،‏ ومجموعة<br />

البغداديات الفنية،‏ قضايا جدالية بشأن<br />

االنتماء أكثر مما أثارتها جماعة الكتاب<br />

واملثقفني الذين كانوا أكثر اقتراباً‏ من<br />

املشكالت السوسيولوجية والسياسية.‏ ومن<br />

الواضح أن الرسم بوصفه نظاماً‏ تعبيرياً‏<br />

بصرياً‏ قدم أدلة جميلة ال تنكر على إمكانات<br />

التعبير عن الرموز احلضارية الوطنية التي<br />

كانت قد بدأت تستيقظ.‏ ومن املدهش أن<br />

نعرف كيف أن جماعة صغيرة من الفنانني<br />

صارعت من أجل أن يحظى فنها باالهتمام<br />

االجتماعي،‏ لتفك عزلته،‏ والسيما أنه كان<br />

طريقة جديدة يف التعبير،‏ أن تثير قضايا<br />

ثقافية معقدة كهذه.‏ وأحسب أنه من ذلك<br />

احلني انبعثت منظورات مختلفة ظلت تتلون<br />

بخبرات جديدة اتخذت يف ما بعد صياغات<br />

تقليدية،‏ من قبيل التراث واملعاصرة ، والعودة<br />

الى التراث او استلهامه.‏ يف حدود الرسم<br />

كانت الصياغات النظرية بشأن ذلك مهمة<br />

لفن الرسم نفسه،‏ وبدت أقل أيديولوجية مما<br />

استثمر منها يف ما بعد لتشتمل على األنظمة<br />

التعبيرية كلها،‏ لتغدو يف النهاية مماحكة<br />

جتريدية غير مجدية تتخفى خلفها دوافع<br />

مبهمة.‏ واحلال أن اجلدل الداخلي الذي<br />

حدث يف الرسم ال يعدو تأكيد الرسم وتوطينه<br />

يف البداية،‏ ثم حتديثه ومنحه قيمة ثقافية<br />

واجتماعية.‏ أشير هنا إلى أن هذا اجلدل<br />

يختلف عن اجلدل الذي حدث يف الشعر<br />

والنثر،‏ فهو لم يكن يصارع أشباحاً،‏ إذ كان<br />

للرسم مؤسسة تعليمية واضحة،‏ ومرجعياته<br />

معرّفة على نحو براغماتي مندسة داخل<br />

أنظمة التدريب وامليول املعترف بها،‏ وباإلمكان<br />

اختزالها وتصنيفها تبعاً‏ للمهارات واألساليب<br />

واملوضوعات والتقنيات قبل أي حتديد ثقايف<br />

مبهم،‏ بل أن هذا التحديد يف الرسم اختزل<br />

نفسه هو اآلخر إلى احلالة االنتخابية من<br />

املوضوعات والتعابير احمللية املفتوحة.‏<br />

الهوامش<br />

- 1 بغداد املثالية املنسجمة مع تطلعات<br />

جواد سليم،‏ ستعبر يف ما بعد محنة االنقسام<br />

السياسي واالجتماعي الذي متيز بها العراق،‏<br />

ألن العراقيني،‏ والبغداديني بوجه خاص،‏ كانوا<br />

قد اختلقوا يوتوبيا عن أنفسهم وماضيهم<br />

يكاد يكون مضمونها وتعابيرها العامة مياثل<br />

املشاهد البغدادية،‏ وعلى نحو ما كانت هذه<br />

اليوتوبيا اجملردة تصلح للتمثل اجملتمعي يف<br />

حقول أخرى:‏ املسرح ، البرامج التلفازية<br />

‏)التمثيليات(‏ ، اعمال فنية سيراميكية .. الخ.‏<br />

- 2 إذا أمعنا النظر يف هذا النصب البرونزي<br />

املثير لوجدنا أنه قدّم هو اآلخر صورة مثالية<br />

عن <strong>حر</strong>كة التغيير واألسباب التي انطلقت منها<br />

والواقع الذي ولدته . لقد أخذ جواد سليم<br />

باحلسبان اخلطاب السياسي اجلديد مختزالً‏<br />

إياه برواية رمزية اتخذت تلقائياً‏ ما يأتي :<br />

تعابير مقروءة من املاضي ، واللحظة التموزية<br />

الثورية،‏ واملستقبل او ما يعتقد انه كذلك.‏ إنها<br />

ببساطة تكاد أن تكون كتابة بصرية تقرأ من<br />

اليمني إلى اليسار،‏ مثلما نقرأ لغتنا املكتوبة.‏<br />

إن شكل اجلدارية قد يدعم من يظن أنه<br />

مستلهم من الريليف اآلشوري،‏ يف حني أرى أن<br />

هذا الظن يعتمد على قرينة شكلية.‏ واحلال أن<br />

هذا السطح البالستيكي الكبير ، يطوي كال<br />

من االستعارة احلضارية وتأثيرات جواد بالفن<br />

االوربي احلديث،‏ أما وظيفته فمؤكدة وهي<br />

ضمان التحديد الشكلي وظهور اإلنشاء الكلي<br />

من دون لبس مبا يدعم الطابع اجلماهيري<br />

للعمل .<br />

– 3 أجد عند جواد سليم خبرات شخصية<br />

جداً،‏ نفسية وعاطفية،‏ تسللت إلى البغداديات،‏<br />

أو رمبا أسهمت يف ظهورها باألوصاف التي<br />

قدمتها.‏ بيد أنني مدرك يف الوقت نفسه<br />

أهمية التمييز بني سياق العمل الفني الداخلي<br />

والسياق النفسي للفنان.‏ إنهما سياقان<br />

مختلفان بالتأكيد،‏ وال ميكن أن نعول على<br />

الثاني يف التفسير واحلكم،‏ لكن من دون<br />

إهماله كلياً،‏ ألننا نحتاجه بوصفه حاشية<br />

للتعاطف والفهم،‏ فضالً‏ عن استخدامه لتعزيز<br />

بعض األفكار واألوصاف،‏ ولتوضيح بعض<br />

38

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!