07.01.2024 Views

ماكو فضاء حر للابداع -3-2023

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

البغدادية الذي حددت أوصافه الرئيسية معنى<br />

التسجيل الفني الذي جاء بأسلوب تعبيري.‏<br />

هذا التسجيل أريد له أن يصف املكان الثقايف<br />

بتعدد مستوياته وأغراضه الوظيفية.‏ هذا ما<br />

يبدو يف الظاهر،‏ وأظن أن جواداً‏ كان مدركاً‏<br />

ألهمية التسجيل نظراً‏ حلركة التغيرات<br />

احلضاري املتسارعة التي تبدد احلياة املألوفة<br />

بقسوة،‏ كما كان واعياُ‏ حلقيقة أنه بصدد<br />

القيام مبشروع وطني للتعبير وليس للتعبير<br />

على وجه اإلطالق.‏ إن املكان احمللي هو املعطى<br />

الرئيسي يف هذه العملية،‏ املوضوع،‏ الصفة،‏<br />

احلضور.‏ لكن لو اقتصر األمر على مجرد<br />

تسجيل ملكان الستحالت البغداديات إلى صورة<br />

باهتة عنه،‏ وما كان ملشروع التعبير الوطني أن<br />

يتجاوز التسجيل إلى املفهوم اجلمالي الذي<br />

يشده ومينحه العمق الفكري.‏ لكن مقاصد<br />

عاطفية ونفسية ال شعورية،‏ وتدريباً‏ ثقافياً‏<br />

وجمالياً‏ ممتازاً،‏ وإحساساً‏ مرهفاً‏ ومثالياً،‏<br />

ونزعة تأليفية،‏ أعطت للبغداديات بعداً‏ آخر<br />

كثر عمقاً‏ وداللة،‏ مثلما بات لها دوراً‏ تربوياً‏<br />

وجمالياً‏ يف <strong>حر</strong>كة الرسم العراقي،‏ معرّفة<br />

توتراته وهواجسه إزاء املوروث الثقايف والفن<br />

املعاصر.‏<br />

لقد قام جواد مبجموعة من التوليفات<br />

والتسويات األكثر جاذبية يف الرسم العراقي<br />

وذلك على مستويات عديدة:‏ ثقافية،‏ فنية،‏<br />

جمالية،‏ أسلوبية،‏ وعاطفية.‏ يف هذه العملية<br />

كان النزوع نحو الطفولة يوازي البحث<br />

يف التراث احمللي،‏ واالستبطان ذو النغمة<br />

العاطفية يوازي التمثالت العاطفية،‏ والتأثر<br />

بالفن الغربي يوازي استلهام فن املنمنمات<br />

اإلسالمية واإلنتاج الفولكلوري.‏ إن الثقافة<br />

والتجربة املعاشة يتجاذبان على املستوى<br />

العاطفي ويشحنان العمل الفني بنغمة من<br />

احلنني األنثوي احملزون والروح احلاملة وشيء<br />

من امليوعة.‏<br />

واحلال أن هذه املتوازيات ميكن النظر إليها<br />

بوصفها جتسيداً‏ للنزعة التأليفية التي<br />

ميزت الفنان.‏ ومن الوجهة التي أعتمدها ها<br />

هنا أرى يف هذه النزعة الكثير من النقاط<br />

املشتبكة بحياة الفنان الشخصية يف حتدياتها<br />

االجتماعية والنفسية والعاطفية.‏ فجواد عاش<br />

طرازين من الثقافة و<strong>حر</strong>كتني من االستجابة،‏<br />

وكان ال يني يؤلف بينهما،‏ من دون أن يشعرنا<br />

بوجود صراع داخلي غير عادي.‏<br />

انتمى جواد إلى فئة من الطبقة الوسطى<br />

البغدادية ارتبط ظهورها واهتماماتها الثقافية<br />

بالتحديثات العثمانية لإلدارة احمللية،‏ وبعد<br />

رحيل السلطة التركية لم يعد لهذه الفئة غير<br />

أن تثبت جدارتها باجملهود الشخصي مع<br />

بقية من امتيازات الرفاه القدمي.‏ لقد كانت<br />

فاقدة للجذور العشائرية،‏ وال متتلك عالقات<br />

قرابة ممتدة ذات تأثير سياسي،‏ وليس لها<br />

من سند اجتماعي إال ما يسمح لها املكان<br />

املديني من عالقات جديدة وما يبذل فيه من<br />

جهد عصامي.‏ كان جميع أفراد عائلة جواد،‏<br />

ابتداءً‏ من األب الذي كان ضابطاً‏ يف اجليش<br />

العثماني،‏ من املهتمني بالرسم والثقافة،‏<br />

ولعل جميعهم تقريباً‏ كانوا موزعني بني ثقافة<br />

أوروبية جرى هضمها على الصورة التي ولدت<br />

هذه الثقافة يف اإلستانة،‏ كضرب من احلل<br />

الذي ارتضاه املثقفون األتراك يف صراعهم<br />

ضد التخلف العثماني،‏ وثقافة محلية جتسدت<br />

يف التعابير املدينية واالجتماعية من عادات<br />

وتهذيب وأخالق وتذوق.‏<br />

35

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!