05.03.2024 Views

ماكو فضاء حر للابداع -1-2024

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

أرداش كاكافيان:هذا الّراوي حلكايات تصويّرية<br />

غامضة،‏ وشخصية دائماً‏<br />

سعد القصاب<br />

حينما رحل الفنان أرداش يف العام »2000«، ومت ذرّ‏ رماده يف نهر دجلة،‏<br />

من على جسر اجلمهورية ببغداد ‏»كما أوصى بذلك«،‏ كان قد أنقضى<br />

أربعون عاماً،‏ منذ أن ترك بغداد ألكمال دراسته يف الهندسة املعمارية<br />

يف باريس.‏ كان،‏ أيضاً،‏ حدثاً‏ على قدر من املفارقة،‏ أن يلتقي مع مدينته<br />

التي غادرها ليس بصفة عودة كأحد أبنائها،‏ بل مغادراً‏ لهذه احلياة بشكل<br />

نهائي!؟<br />

ويف ظني أن الوسط الفني والثقايف العراقي<br />

يف الداخل لم ينتبه كثيراً‏ ملثل هذا الرحيل.‏<br />

رمبا هو من القلة من اجليل الستيني،‏ من<br />

الفنانني حتديداً،‏ من الذين غادروا العراق يف<br />

ذلك الوقت ولم يعودوا.‏ الغالب منهم قد عاد<br />

بعد إنهاء دراسته الفنية واالنخراط الفاعل يف<br />

احملترف الفني احمللي.‏ بذلك يبقى تقديرنا<br />

وإعادة االهتمام بهذ الفنان،‏ جلهة التأثر<br />

والتأثير يف املشهد الفني العراقي،‏ رمبا ال<br />

يخلو من التباس ما.‏ مرة بأسباب ذاك الغياب<br />

الطويل،‏ ومرة أخرى بشكل مضاعف،‏ يتمثل<br />

بندرة املعلومة والوثيقة ملا دوّن عنه.‏ واألخيرة<br />

باتت الزمة،‏ بل إحدى شجون احملترف<br />

العراقي.‏<br />

لكني سأفترض أن املدخل للتعرّف على جتربة<br />

كاكافيان سيكون من صلب التباس كهذا.‏<br />

تعّرض أرداش لتجربة حياة معاشة،‏ لم تكن<br />

هانئة متاماً،‏ والتي كانت يف البدء فقدانه ألمه<br />

يف وقت مبكر،‏ وتالياً‏ يف صورة غربة مبكرة،‏<br />

جاءت باالبتعاد عن وطنه وحلني رحيله.‏ مثل<br />

هذا الفقدان املالزم أو ما مياثله،‏ البد من<br />

أن يلقي مساحات من ظالل كثيفة على خبرة<br />

الفنان وتفضيالته.‏ إن ماهو وجودي هنا ال<br />

ينفصل عما هو جمالي وفني يف جتربته،‏ حيث<br />

تتجلى هذه العالقة،‏ واملتمثلة بجدلية التعبير<br />

واملعنى،‏ غير احملددة جراء تشكالها السري،‏<br />

وتعيّنها يف نتاجه.‏ أن موضوعات كاكافيان يف<br />

لوحاته ليست سوى حالة تفاوض يف التعبير<br />

عن الذات بذريعة عمل فني،‏ والتي تتعدد صور<br />

ومسافات هذا التعبير ببعده الذاتي:‏ يف صيغة<br />

حلم،‏ أو رغبة،‏ أو استعادة ألمنية مفقودة.‏<br />

جتربة جلوجة،‏ وطموحة،‏ يف جتاوز حقيقة<br />

ماهو واقعي،‏ موضوعي،‏ للمضي لألبعد،‏ إلى<br />

ذلك الغامض،‏ النائي،‏ الغرائبي،‏ والال متعني.‏<br />

رمبا عبر هذا التصور واالمتثال الهتمام كهذا،‏<br />

سيجعله قريباً‏ جداً‏ للمحترف الفني العراقي،‏<br />

ملرة واحدة وأخيرة،‏ وذلك باتخاذ مبدأ التعبير<br />

بوصفه موضوعاً‏ فنياً،‏ وهي أحدى فضائل<br />

وتفضيالت هذا احملترف،‏ خاصة لدى اجليل<br />

الستيني،‏ التجرييبي بامتياز،‏<br />

حينما يكون الولع بالتعبير يتقدم مبسافة على<br />

املعنى،‏ بل يكاد يكون هو املعنى ذاته بذريعة<br />

التجريب جلهة االنشغال التصويري والشكلي،‏<br />

وليس جلهة املوضوعات،‏ واللتان ستأتيان<br />

الحقاً‏ يف صيغة عنوان غامض للعمل الفني.‏<br />

ليس غريباً‏ غياب العناوين يف الكثير من<br />

لوحات أرداش،‏ تلك التي تسمّي العمل الفني<br />

وتعنيّ‏ مغزاه وموضوعته.‏ وهو تقليد أنتهجه<br />

الفن األوربي الذي درسه وتعرفّ‏ عليه الفنان<br />

يف املدرسة العليا للفنون اجلميلة يف باريس<br />

والذي سيتحصّ‏ ل على شهادتها«‏ الدبلوم«‏ يف<br />

العام 1968، ومكوثه يف تلك املدينة منذ العام<br />

.1961<br />

لكن ماجعله على مسافة،‏ بعيدة قليالً‏ عن ذلك<br />

احملترف،‏ هو البقاء بقوة يف صلب خصوصيته<br />

املفعة بالرؤية والهواجس الشخصية،‏ وجلهة ما<br />

تنطوي عليه من اختالف يف مبدئها التعبيري<br />

مع السائد يف احملترف الفني العراقي أو<br />

الغربي.‏ إن جتريبيته قد امتثلت إلى دأبه<br />

وبحثه اللجوج عن فرديته ودوافعها من خالل<br />

الفن وليس العكس،‏ وذلك ما سيشكّل فرادة<br />

جمالية الفتة يف جتربة الفنان.‏<br />

إن ما كرّس مثل هذا التمايز،‏ كذلك،‏ مكوثه<br />

الطويل يف الغرب،‏ ويف عقد كان تاريخياً‏<br />

وطليعياً‏ معا.‏ عقد الستينيات الثوري،‏ واملتأزم،‏<br />

الكثير االبتكار يف الشعر«‏ الذي آثره كاكافيان<br />

بقوة«،‏ وكما يف األدب والفكر والفن.‏ الكثير<br />

الثورات،‏ والرفض،‏ كما يف الثورة الطالبية يف<br />

فرنسا يف العام 1968، وثورات العالم الثالث.‏<br />

كان ذلك العقد الستيني عقداً‏ آيديولوجياً،‏<br />

أيضاً،‏ وبامتياز.‏<br />

48

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!