05.03.2024 Views

ماكو فضاء حر للابداع -1-2024

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

SHOW MORE
SHOW LESS

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

وضاح فارس،‏ مبدعاً‏ وصديقاً‏<br />

جبرا ابراهيم جبرا،‏ وضاح فارس،‏ ضياء العزاوي،‏<br />

السبعينات<br />

آرشيف وضاح فارس،‏ برشلونه<br />

بتقدم سنوات العمر يعتاد املرء حتمية املوت،‏<br />

ويراه على حقيقته،‏ فهو ظلنا الذي ميشي معنا<br />

منذ الوالدة.‏ نتناساه بني احلني واآلخر عندما<br />

حتيطنا احلياة بضجيجها السا<strong>حر</strong> وكثافتها<br />

اآلسرة،‏ ثم فجأة ، يف صباح رائق يشعرنا<br />

بالطمأنينة والدميومة،‏ يأتينا خبر موت قريب<br />

حبيب أو صديق عزيز.‏<br />

يف سن متقدمة ينام املوت على أسرتنا،‏ الغد<br />

مكسب،‏ وما من مفاجآت.‏ لم أفاجأ مرتني إذن<br />

عندما أخبرت بوفاة صديقي وضاح فارس،‏<br />

فهو مريض،‏ وألني قبل أشهر حتدثت معه<br />

وكانت كلماته غير مفهومة.‏ لقد اختفى صوته<br />

الواضح واحلاد الذي عرفته وبدالً‏ من ذلك<br />

سمعت حشرجة خشنة.‏<br />

تعود صداقتي بوضاح فارس إلى نهاية<br />

الستينات،‏ وخالل كل تلك السنوات كانت بيننا<br />

الكثير من األحالم واملشاريع املشتركة،‏ البعض<br />

منها حتقق،‏ وفرحنا بذلك،‏ والبعض اآلخر مرّ‏<br />

مرور الكرام يف ذاكرتنا،‏ وهذا ما يحدث يف<br />

احلياة من دون كثير أسف أو انفعاالت غير<br />

نافعة.‏<br />

يف منتصف الستينات أقمت يف بغداد معرضي<br />

الشخصي األول الذي شاهده الشاعر يوسف<br />

اخلال أثناء زيارته للمدينة،‏ فأعجب بأعمالي<br />

وقرر إقامة معرض لي يف بيروت عام 1966.<br />

ثم أقيم مهرجان الواسطي يف بغداد بافتتاح<br />

معرض للفن العراقي امتاز بالقوة،‏ ما أغرى<br />

اخلال بإقامة سلسلة من املعارض للفن<br />

العراقي يف صالته ‏)كاليري وان(.‏ عن طريق<br />

هذه املناسبات أبدى وضاح فارس الذي كان<br />

يعيش يف بيروت،‏ كناشط ثقايف استثنائي،‏<br />

ومهووساً‏ بأصوله العراقية،‏ إعجابه الشديد<br />

بأعمالي الفنية.‏ واحلال كانت املغامرة<br />

البيروتية األولى،‏ مع حماسة اخلال ووضاح،‏<br />

عتبة لترويج أعمال الفنانني رافع الناصري،‏<br />

سالم الدباغ،‏ فائق حسني،‏ إسماعيل فتاح،‏<br />

كاظم حيدر.‏<br />

كتب وضاح فارس عن الفن العراقي يف مجلة<br />

‏)حوار(‏ كما عرّف بيروت بأعمال السوداني<br />

إبراهيم الصلحي وآدم حنني،‏ وأقنع العديد من<br />

جامعي األعمال للذهاب بعيدا عن احمللية،‏ كما<br />

جمع أعماالً‏ فنية من دون النظر إلى جوازات<br />

ضياء العزاوي<br />

الفنانني،‏ فاملهم عنده اجلمال والتجديد،‏ ناقالً‏<br />

هذه العدوى حينذاك إلى املعماري الكويتي<br />

سلطان.‏<br />

ما كان وضاح فارس يخفي مالحظاته النقدية<br />

واقتراحاته للفنانني،‏ وال يتردد باملكاشفة<br />

عندما يجد هناك فجوة أو نقص أو خطأ.‏<br />

كانت صراحته بناءة،‏ وخبرته التنظيمية يف<br />

احلقل الثقايف والفني التي لم يبخل بها استفاد<br />

منها الكثيرون.‏<br />

مع اقتراب لبنان من احلرب األهلية حمل<br />

أفكاره وخبراته إلى لندن،‏ وهناك التقيته<br />

مصادفة يف أيامي األولى يف هذه املدينة،‏ ويف<br />

شارع فرعي منها.‏ لم نصدق هذه املصادفة<br />

ويف مكان غير متوقع،‏ صرخ بكلمته التي<br />

يرددها يف الكثير من احلاالت عجباً‏ أو<br />

استنكاراً‏ ( معقولة...‏ !!(. حملت حقيبتي<br />

وسكنا معاً‏ يف كوخ إنكليزي يقع عند اطراف<br />

مدينة اوكسفورد.‏<br />

كان يختفي أليام مالحقاً‏ أحالمه ومشاريعه .<br />

أخبرته يف أحد األيام عن مباشرتي مبجموعة<br />

املعلقات السبع،‏ فصرخ بسعادة قائالً‏ إن<br />

هذا مشروع طباعي مذهل.‏ وبعد إجنازي<br />

هذه اجملموعة،‏ أحلقتها مبجموعة النشيد<br />

اجلسدي.‏ وكان معي يف اجملموعتني.‏<br />

لم يجد يف لندن ما يغنيه فانتقل إلى باريس،‏<br />

وهناك،‏ باالشتراك مع الفنان اللبناني ستيليو<br />

سكمنكا،‏ روجا ألعمال الفنانني العرب،‏ وعدد<br />

منها انتقلت إلى مطارات السعودية.‏ فيما بعد<br />

قام مبشروع جديد بافتتاحه كاليري فارس<br />

يف باريس.‏ وعبر هذه الصالة متكن من إجراء<br />

حتويالت مدهشة يف حياة الفنانني اللبنانيني<br />

شفيق عبود وآدم حنني . لقد عرض أعماالً‏<br />

مدهشة وكبيرة لم يتعود شفيق على إنتاجها<br />

سابقا وكذا آدم حنني ، ثم قدم أعمالنا يف<br />

معرض فياك الدولي،‏ وأقام لي معرضاً‏<br />

شخصياً‏ يف بازل.‏<br />

كان داينميكياً،‏ يجد افكاراً‏ وينفذها من دون<br />

تأخير،‏ ولم يتردد حلظة من أي مغامرة يجد<br />

فيها التسلية واكتشاف اجلديد وما يرضي<br />

طموحه.‏ ويف الوقت الذي كان يعمل فيه على<br />

تنظيم املعارض،‏ وأغلبها مدروسة بعناية،‏ كان<br />

ينجز تصاميم كرافيكية غنية ومبهرة،‏ كدليل<br />

مهرجان بعلبك،‏ ومجلة كونتاكت التي صدرت<br />

عن الكاليري الذي يحمل االسم نفسه.‏<br />

هناك الكثير مما ميكن كتابته عنه كمبدع<br />

وصديق.‏ اتفقنا كثيراً‏ واختلفنا يف العديد من<br />

املرات،‏ وأظن بسبب روحه املغامرة سريعة<br />

التحول.‏ لكنه ظل صديقاً‏ مخلصاً‏ وواصلت<br />

اإلعجاب بحماسته ونشاطه اإلبداعي.‏<br />

169

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!