المراة الجديدة
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
املرأة <strong>الجديدة</strong><br />
فهي سيدته ما تعلقت بها شهوته، فإذا خمدت نريان الشهوة وعاد ما بينهما إلى<br />
املعروف مما بني رجل وزوجته سقطت املرأة من أوج عزتها إلى حضيض الذلة، ولبست<br />
ثياب الاسترقاق.<br />
سيقال أيضا: أن حرية املرأة تستلزم في الواقع أن يعاملها الرجل باحترام، وألا<br />
يضغط على إرادتها وفكرها. وأن يسمح لها بالخروج للزيارة والرياضة، ولكن ما العلاقة<br />
بني حريتها وكشف وجهها، واختلاطها بالرجال، ومعاملتها لهم؟ فالجواب: أن إلزام<br />
النساء بالاحتجاب هو أقسى وأفظع أشكال الاستعباد؛ ذلك لأن الرجال في أعصر التوحش<br />
كانوا يستحوذون على النساء، إما بالشراء كما بيناه، وإما بالاختطاف.<br />
وفي كلتا الحالتني كانوا يعتبرون أنفسهم مالكني نساءهم ملكا تاما، وتبع ذلك<br />
أن الرجل جرد امرأته عن الصفات الإنسانية خصصها بوظيفة واحدة وهي أن تمتعه<br />
بجسمها، فأقرها في مسكنه. وألزمها بأن تلازمه ولا تخرج منه؛ حتى لا يكون لأحد غريه<br />
حظ في أن يتمتع بها، ولو بالنظر أو الحديث، شأن املالك الحريص على ملكه الذي يريد<br />
أن يستأثر بجميع مزايا املتاع الذي يملكه.<br />
وملا كان من املحال ألا تعرض ضرورة تقضي على املرأة بالخروج من منزلها في<br />
بعض الأحيان، أراد أن يتبعها بالحجاب، حيث سارت فألزمها بستر وجهها إذا خرجت.<br />
هذا الحجاب الذي قرره الرجل في الأصل على زوجته تتعدى بعد ذلك إلى البنات<br />
والأمهات والأخوات، وإلى عموم النساء؛ لأن كل امرأة هي زوجة أو كانت زوجة، أو<br />
مستعدة لأن تكون زوجة.<br />
فالحجاب هو عنوان ذلك امللك القديم، وأثر من آثار تلك الأخلاق املتوحشة التي<br />
عاشت بها الإنسانية أجيالا قبل أن تهتدي إلى إدراك أن الذات البشرية لا يجوز أن تكون<br />
محلا للملك ملجرد كونها أنثى، كما اهتدت إلى أن تفهم أن سواد البشرة ليس سببا لأن<br />
يكون الرجل الأسود عبد الأبيض.<br />
وليس من الغريب بقاء الحجاب بعد زوال السبب الذي أوجده، أي بعد خروج املرأة<br />
عن ملكية الرجل، فقد جرت سنة الله في خلقه بأن الانتقال من طور إلى طور آخر لا يكون<br />
دفعة واحدة، وإنما يحصل بضروب من التغيري ربما لا يحس بها من كانوا موضوعًا<br />
لها، فكثريًا ما يظن الناس استحالة انتقالهم عن حالة من الحالات، مع أنهم سائرون<br />
عنها منتقلون إلى غريها، متحولون إلى إرادتهم أو أحسن منها، وهم لا يشعرون، حتى إذا<br />
انتهت الحركة إلى غايتها ظهر لهم أنهم صاروا إلى الطور الذي كانوا من قبل ينكرون.<br />
30