المراة الجديدة

املرأة الجديدة
فهذه ممالك أوربا جميعًا،‏ نساؤها ورجالها مختلطون،‏ في كل أطوار الحياة وفي
كل آن،‏ وها هم إخواننا وأبناء وطننا املسيحيون،‏ واليهود الذين تركوا عادة الحجاب من
عهد قريب،‏ وربوا نساءهم على كشف وجوههن،‏ ومعاملة الرجال،‏ فأين هم من الاختلال
والهلاك؟!‏
لنترك هذه النظريات الخيالية التي لا قيمة لها أمام الوقائع:‏
دلت التجربة على أن الحرية هي منبع الخري للإنسان،‏ وأصل ترقيه،‏ وأساس
كماله الأدبي،‏ وأن استقلال إرادة الإنسان أهل عامل أدبي في نهوض الرجال،‏
فلا يمكن أن يكون لها إلا مثل ذلك الأثر في نفوس النساء.‏
غاية الأمر أن كل تغيري يعرض على الأنظار في صورة مشروع يلتمس قبوله ولم يكن
بدأ الناس فيه من قبل هو في الحقيقة فكر سبق أوانه وقت عرضه؛ ولهذا لا يفهمه ولا
يقدره حق قدره إلا العدد القليل ممن يمتد نظرهم إلى ما يمكنه املستقبل من الحوادث.‏
انظر إلى حالة مصل:‏ عاشت الأمة املصرية أجيالا في الاستعباد السياسي،‏ فكانت
النتيجة انحطاطا عاما في جميع مظاهر حياتها،‏ انحطاط في العقول وانحطاط في الأخلاق،‏
وانحطاط في الأعمال،‏ وما زالت تهبط من درجة إلى أسفل منها حتى انتهى بها الحال إلى
أن تكون جسمًا ضعيفا عليلا ساكنا يعيش عيشة النبات أكثر من عيشة الحيوان،‏ فلما
تخلصت من الاستعباد رأت نفسها في أول الأمر في حرية لا تدري معها ما تصنع بحريتها
الجديدة.‏
وكان الكل لا يفهم لهذه الكلمة معنى،‏ ولا يقدر لها قيمة،‏ وكان الناس يستخفون
ويهزءون بالحرية،‏ بل ويتأملون منها،‏ وينسبون إليها اختلال عيشتهم وعلل نفوسهم،‏
فكم من مرة سمعنا بأذننا أن سبب شقاء مصر هو تمتعها بالحرية واملساواة ؟!‏
ثم اعتاد القوم شيئًا فشيئًا على الحرية،‏ وبدءوا يشعرون بأن اختلال عيشتهم لا
يمكن أن يكون ناتجًا عنها،‏ بل له أسباب أخرى،‏ وتعلق بنفوس الكثري منا حب الحرية،‏
حتى صاروا لا يفهمون للوجود معنى بدونها،‏ ولنا الأمل في أولادنا الذين يشبون على
الحرية التامة،‏ يجنون جميع ثمراتها النفيسة التي من أهمها تهيئة نفوسهم للعمل،‏ عند
ذلك يعرفون جيدًا أن الحرية هي أساس كل عمران.‏
وهكذا يكون الحال بالنسبة لحرية النساء.‏
أول جيل تظهر فيه حرية املرأة تكثر الشكوى منها،‏ ويظن الناس أن بلاء عظيمًا قد
حل بهم؛ لأن املرأة تكون في دور التمرين على الحرية،‏ ثم مع مرور الزمن تتعود املرأة على
42