You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
ّ<br />
ّ<br />
أنسامٌ من<br />
خمائلِ لأدبِ<br />
اإلعالنُ ...<br />
مولودٌ عربيٌّ طبيبتُ هُ القصيدةُ<br />
جهاد طاهر بكفلوين د.<br />
إذا سألتَ طالباً يدرسُ يف إحدى كليّات اإلعالم يف عالَمنا العريبّ:<br />
ما هي الدولةُ األطولُ باعاً يف دُنيا اإلعالن؟ أجابَكَ عىل الفَورِ: إنّها<br />
الواليات املتّحدة األمريكية.<br />
وإذا طلبتَ من هذا الطّ البِ التمهّلَ قليالً، إلعادة النّظر يف جوابه؛<br />
رفضَ ذلك رفضاً قاطعاً؛ مرصّاً عىل أنّه جاءَ بالجواب الصّ حيحِ الذي ال<br />
يرقى إليه الشكُّ ، وربّ ا صالَ وجالَ ؛ شارحاً مدى تفوّق اإلعالنِ األمرييكّ<br />
ونَيلِهِ قصبَ السّ بق يف هذا املضامر. وقد يغريهِ علْمُ هُ باالسرتسال يف<br />
الحديث، فينسب إىل أمريكا اإلعالنَ والدةً ومناءً وازدهاراً.<br />
ونحن إذْ نقدّرُ اعتدادَ هذا الطّ البِ بعِلْمِهِ؛ فإننا نجدُ أنّ من الصّ وابِ تذكريَه<br />
-والذّكرى تنفعُ املؤمنني- أنّه مل يصبِ الحقيقةَ، بل حادّ عنها من حيثُ مل<br />
يتعمّ دْ ذلك.<br />
نقولُ لهُ: إنّ اإلعالنَ ولِدَ بشكلِهِ األرقى، واستوى وبلغَ أشُ دَّ هُ يف عالَمِنا العريبّ،<br />
وكانت القصيدةُ العربيّةُ هي الطبيبةَ املاهرةَ التي أرشفتْ عىل عمليّة الوالدة،<br />
ورافقت األمَّ الحاملَ خطوةً فخطوةً، حتّى خرجَ هذا املولودُ الجميلُ معانقاً<br />
نورَ الحياة.<br />
وليك ال نُرمى بالتعصّ ب لجذورِنا العربيّة، نحيلُ كلّ مهتمٍّ باإلعالنِ تاريخاً<br />
وصناعةً وتطوّراً إىل هذه القصّ ةِ التي وردتْ يف كتاب )مثرات األوراق( ملؤلِّفِهِ<br />
حجّ ة الحمَويّ ، وهي قصّ ةٌ تشريُ إىل أنّ اإلعالنَ يحملُ ّش الشيطَ الورايثَّ<br />
ابن<br />
الوجهِ واليدِ واللّسانِ ، وتظهر السّ مرةُ العربيّةُ املغناجُ عىل هذا ّش الشيطِ<br />
عريبَّ<br />
بأحىل صورةٍ وأندى شميمٍ .<br />
والقصّ ةُ إعالنٌ خالصٌ ، أنتجه الشاعرُ مسكني الدّارمي، أمّا الجهةُ التي طلبتْ<br />
ونش هذا اإلعالنِ فصديقٌ قريبٌ من الشّ اعر؛ كان تاجراً يبيعُ الخُ مُ رَ، شَ<br />
تصميمَ<br />
وقد أقبلتْ حسناواتُ بغدادَ من كلِّ حدَبٍ وصوبٍ يسارعْنَ إىل رشاءِ هذهِ<br />
الخُ مُ ر بألوانِها الزّاهيةِ، ومبا أنّ اللّونَ األسودَ ال يحملُ معنى البهجةِ؛ فقد<br />
عزفتْ حسناواتُ بغداد عن رشاءِ الخامرِ األسود الذي اتّكأ عىل كتفِ الكسادِ<br />
يشكو إليهِ همَّ هُ وحزنَهُ.<br />
التّاجرُ األمرَ عىل وجوهِ هِ، وكتمَ يف صدِرِهِ شكواهُ، لكنَّ هذه الشّ كوى قلّبَ<br />
خانتْهُ يوماً أمامَ صديقِهِ مسكني الدّارميّ ، فخرجتْ تفصحُ عن نفسِ ها لقناعتِها<br />
أنّ الدّواءَ سيخرجُ من صيدليّةِ هذا الشّ اعرِ األنيقِ .<br />
انطلقَ الشاعرُ إىل "وكالةِ اإلعالن" التي ميلكُ ها، ورشعَ يف تصميمِ "إعالنٍ " رائعٍ<br />
أقامَ الدُّ نيا ومل يقعِدْها يف عالَمنا العريبِّ حتّى يومِنا هذا، يقولُ هذا اإلعالنُ :<br />
ماذا صنعْتِ بزاهدٍ متعبِّدِ<br />
للمليحةِ يف الخِ امرِ األسودِ ِد قلْ<br />
حتّى وقفْتِ لهُ ببابِ املسجِ دِ<br />
كانَ شمّ رَ للصّ الة ثيابَهُ ُه قدْ<br />
وتركْتِهِ يف حَ ريةٍ ال يهتدي<br />
منه دينَهُ ويقينَهُ ُه فسلبْتِ<br />
ال تقتيلهِ بحقِّ دِينِ محمَدِ<br />
عليهِ صَ التَهُ وصيامَهُ ُه رُدّي<br />
هذهِ األبياتُ يف بغدادَ حتّى سارعتْ سمراواتُها وشقراواتُها شت<br />
انتش<br />
إن وما<br />
الخامرِ ذي اللّونِ األسودِ. شاءِ<br />
لش<br />
زرافاتٍ ووحداناً إىل دكّانِ هذا التّاجرِ يدلفْنَ<br />
وكنّا نودُّ لو أنّ هذا الشّ اعرَ قد أنتجَ املزيدَ من اإلعالنات، لكنْ لألسفِ اكتفى<br />
بهذا اإلعالنِ اليتيمِ ... وتحدّثُنا كتبُ األدبِ أنّ مسكيناً قد رجعَ إىل زهْ دِهِ<br />
وتنسّ كِهِ ولزمَ املسجدَ.<br />
يف عقولِنا وقلوبِنا انتشارَ َر شتْ<br />
انتش<br />
كانت أبياتُ هذا الشّ اعرِ النّاسك قد ولنئ<br />
يف الهشيمِ ، فإنّ هناكَ أبياتاً تردُ ينبوعَها رِقّةً وعذوبةً، لكنّها تركتْ ظاهرَ َر<br />
النّارِ<br />
عامّ يحتاجُ إليه من كساءٍ إىل ما يحتاجُ<br />
إىل داخلِ الجسدِ، وانرصفتْ الجسدِ<br />
إليهِ من غذاءٍ، فهذا هو ابنُ الروميّ الشّ اعرُ الذي تركَ يف وصفِ املأكولِ<br />
قصائدَ قلّام يجودُ الزّمنُ مبثلِها؛ يقول يف وصف املشمش بعد أن شوبِ<br />
واملش<br />
يُجفّفَ ويشكّ ل ما نسمّ يهِ اليومَ )قمر الدّ ين(:<br />
أنسام من<br />
خمائل األدب<br />
76