01.04.2021 Views

ماكو فضاء حر للابداع - العدد 03

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

سعد شاكر<br />

د.‏ جنم حيدر<br />

جامعة بغداد . كلية الفنون اجلميلة<br />

يجتاحك اطمئنان وارتياح يسقط كل ما فيك<br />

من عالق عند محادثتك لذاك الرجل النحيف<br />

ذو اللحية البيضاء والصوت األجش والعيون<br />

الالمعة..‏ انه مبدع..‏ سعد شاكر.‏<br />

هكذا هو دائما يسقط كل حاالت االنفعال<br />

والتعصب مبا فيه من نقاء ينشره بابتسامة..‏<br />

كأنه قديس إليابه لصيغ اإلمالء شيئاً.‏<br />

وكي ال نطيل يف وصف شخصية هذا املبدع ملا<br />

يف ذلك من اعتراضات يف اجتاهات من النقد..‏<br />

فالرجل فيه انعكاس يدمج بني الذات واالبداع..‏<br />

وقد يكون سعد شاكر مثاالً‏ ناجحاً‏ ملخاصمة<br />

فكرة اسقاط املنتج من دائرة اإلبداع.‏<br />

يحق الي باحث يف فنون التشكيلية العراقية ان<br />

يصف سعد شاكر بالرائد األول لفن اخلزف<br />

املعاصر،‏ على الرغم من تاريخ اخلزف ك<strong>حر</strong>فة<br />

متميزة اجتاحت مناطق مختلفة من العراق،‏ لها<br />

خصوصيتها يف التكوين واللون..‏ فضالً‏ عن<br />

ذاك التاريخ السحيق الذي يجعل من اخلزف<br />

العراقي شاهداً‏ مهماً‏ عن حضارة البلد،‏ أن<br />

كان يف العصور التاريخية األولى لبابل وسومر<br />

واشور أو يف العصور اإلسالمية..‏ على الرغم<br />

من كل ذلك وذاك،‏ جند أن اخلزف العراقي<br />

املعاصر لم يقدم ذاك الكم والكيف يف املستوى<br />

االبداع فيه موازن ألي حقبة من حقب التاريخ<br />

املذكور،‏ إال ان مستوى األداء يف املادة والفكر قد<br />

نهضت بريادة متميزة عند سعد شاكر.‏<br />

لدراسة سعد شاكر يف إنكلترا ومعاصرته<br />

ملتخصصي فن اخلزف،‏ أثر مهم يف منو األبداع<br />

وبناء الشكل لديه،‏ كما أنه قد عمل جاهداً‏ برؤية<br />

حتليلية مع زمالء له يف مجال الفن التشكيلي<br />

رسماً‏ ونحتاً،‏ نتيجة لهذا املركب فيه..‏ ميكن<br />

ان توصف شخصيته الفنية باملنقبة يف األشياء<br />

والظواهر لكشف ما ميكن أن يكون جديداً‏<br />

متفاعالً‏ مع عقليته التنفيذية املتألقة..‏ األمر<br />

الذي أدى إلى بناء الشكل األسلوبي له.‏<br />

فهذا الصياد احملترف املتعامل بخصوصية<br />

مميزة مع الكائنات احلية والذي ميكن ان نطلق<br />

عليه مصطلح ‏)إنسان الطبيعة NATURAL<br />

.)MAN<br />

قد حقق رؤية حتليلية متميزة بني وجوده<br />

اجلغرايف والفيزيقي..‏ إذ انعكست على نحو<br />

استثنائي يف أسلوبه الفني.‏<br />

يف داخله صراع ومخاضات فاعلة تكشف عن<br />

عقلية باحثة منقبة يف األشياء والظواهر تؤسس<br />

رؤية تدمج بني الهوية العراقية ومعطيات احلداثة<br />

بأشكالها املختلفة..‏ وهذه املخاضات تفجرت<br />

بعد وصوله إلى بغداد عند إكمال دراسته يف<br />

كلية الفنون اجلميلة يف لندن واطالعه على<br />

فنون احلداثة السائدة يف أوربا مع اخلصوصية<br />

املتميزة للخزف اإلنكليزي،‏ فحصل على كل ما<br />

ميكن أن يحصل عليه طالب الفن من أوربا.‏ إال<br />

أن األمر لم ينتهي عند ذلك..‏ فتفجرت لديه<br />

معطيات زاخرة خصبة لفنون بالد الرافدين،‏<br />

التي تتجاوز كماً‏ وكيفاً‏ كل النظم الشكلية<br />

األوربية املعاصرة.‏<br />

وهذا يف طبيعة احلال ليس أمراً‏ سهالً،‏ بل يحتاج<br />

إلى معادلة أسلوبية تدمج كل هذه املعطيات<br />

وحتقق رؤية جمالية متجسدة يف الشكل<br />

والتكوين،‏ ميكنها أن تصف مفتخرة مع رتل الفن<br />

املعاصر دون االتكاء السلبي على التراث نسخاً‏<br />

أو توليفأ ساذجاً‏ هذه هي مخاضات سعد شاكر<br />

التي عمل فيها محلال مركباً‏ للمعطيات الشكلية<br />

بني احلداثة والتراث..‏<br />

إذ حلل الشكل الفني على وفق مقدمات الفن<br />

العراقي تاريخياً..‏ وهو داخله رفضاً‏ للمباشرة<br />

يف الفعل ورد الفعل،‏ كما فيه ازدراء للواقعية<br />

التي جثمت على فن اخلزف عصور طويلة<br />

وإحالته إلى فن وظيفي أدائي استعمالي،‏ أو يف<br />

أفضل األحوال فن تزييني للصالونات الفخمة.‏<br />

أراد سعد شاكر محاورة ذهن املتلقي كي يقحمه<br />

يف معادلته اجلمالية التي ال تختلف مقدمتها<br />

وفروضها عن محموالتها.‏<br />

فكان الشكل لديه يقدم نفسه متفرداً..‏ مما<br />

يجعلك تتساءل عن مصدريته املتخفية،‏ وقلما<br />

جتدها،‏ وعندما تسأل الفنان عن احملتوى<br />

ومرجعيات التكوين يبتسم ويقول بصوت أجش<br />

« إنها لعبة االختالف يف التصور«‏ وكأنه يفلسف<br />

اخلطاب التشكيلي بدعوى تفكيكه منسجماً‏ مع<br />

دعوات ‏)جاك دريدا(‏ حتى قبل ان ينشر ‏)دريدا(‏<br />

‏)التفكيكية(‏ كرؤية فكرية.‏<br />

مما أحال اعماله إلى مستوى من التجريب<br />

جتاوز فيها عمليات األداء يف اخلامة،‏ ‏)على<br />

الرغم من إبداعه فيها(‏ إلى التجريب يف الرؤى<br />

عندما تفصح عن نفسها شكالً‏ وتكويناً..‏ وهو<br />

بذلك يؤمن بأهمية الدراسة العلمية واحتكاكه<br />

بعالم التكنولوجيا ومتحوالت الطبيعة،‏ ويعلن<br />

أن األفكار توجه العمليات،‏ إال ان اجلدل بني<br />

األفكار والعمليات يحقق تكويناً‏ يستحق احلوار<br />

واالختالف عليه،‏ مما أحال الرجل إلى جتريب<br />

مضني فيه دراسة فعالة للعالقة الكيميائية<br />

بفيزياء احلرارة..‏ مما احته له خصوصية<br />

لونه ميكن ان تسمى باسمه..‏ إذ حاول الفنان<br />

التعامل مع األشياء واحلوادث على أنها مقدمات<br />

الفتراضاته اجلمالية..‏ فلم تكن احلوادث رغم<br />

ما فيها من قدسية سياسية واجتماعية غاية يف<br />

ذاتها،‏ بل أحال احلدث إلى نظم شكلية تعبر عن<br />

نفسها بلعبة التأويل لدى املتلقي وميكن مطالعة<br />

هذا األمر يف اعماله عن املأساة الفلسطينية<br />

وأحداث تل الزعتر و<strong>حر</strong>ب تشرين وغيرها..‏<br />

فانتصر الشكل على احلدث ولم يلغه..‏ وبذلك<br />

استطاع تخطي التقريرية التي وقع فيها الكثير<br />

من معاصريه..‏ أنها مقدرة فائقة يف التحليل<br />

68

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!