26.07.2022 Views

ماكو فضاء حر للابداع -2-2022

ماكو فضاء حر للابداع -2-2022

ماكو فضاء حر للابداع -2-2022

SHOW MORE
SHOW LESS

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

هي صديقة كزهرة جميلة،‏<br />

نور الراضي<br />

هي إبنة بلد احلصار،‏ أيقونة جمال،‏ فنانة<br />

تعيش يف املفنى،‏ هي صديقة كزهرة جميلة،‏<br />

تتمتع بحس الدعابة،‏ تهوى البستنة،‏ والكتابة،‏<br />

والترحال،‏ صاحبة روح <strong>حر</strong>ة..‏ إنها خالتي/‏<br />

عمتي.‏ لقد كانت خالتي / عمتي تتمتع<br />

بشخصية مت<strong>حر</strong>رة من كل القيود،‏ وهي ميزة<br />

قلّ‏ وجودها يف يومنا هذا.‏ لقد كانت <strong>حر</strong>يتها<br />

ملموسة تقريباً‏ يف مجمل تفاصيل حياتها سواء<br />

يف ملبسها املختلف،‏ وحس الفكاهة،‏ وأسلوب<br />

حديثها،‏ وتسريحة شعرها املرفوع.‏ لقد كانت<br />

تتنقل يف هذا العالم دون قيود حيث كان العالم<br />

مبثابة عنصر طبيعي بالنسبة لها،‏ كانت تعيش<br />

غير آبهة بالقيود واألعراف املجتمعية،‏ لقد<br />

كانت تتحلى بالشجاعة واجلرأة لكي تفعل ما<br />

يجلب السعادة لها ولآلخرين من حولها.‏ عدا<br />

عن ذلك،‏ فإن أسلوبها املت<strong>حر</strong>ر من القيود ال<br />

ميكن اعتباره كنوع من الكبرياء والغرور،‏ بل<br />

ميكن تفسيره كحالة من التعطّ‏ ش املستمر<br />

للتعلم والعمل حيث أنها قد كانت تعتبر احلياة<br />

مبثابة مغامرة ال نهاية لها،‏ وعندما كان ينتابني<br />

اخلوف من القيام بأمر ما،‏ كانت تقول لي:‏ «<br />

دعك من اخلوف،‏ كيف سيتسنى لك التعلم إن<br />

لم تقم باحملاولة؟«.‏<br />

لطاملا كانت عمتي املثال األعلى بالنسبة لي<br />

طوال نشأتي،‏ لقد كانت شخصية مميزة<br />

وكأنها إحدى شخصيات الروايات اخليالية،‏<br />

وهو ما كان جلياً‏ مبالبسها الزاهية باأللوان،‏<br />

وتسريحة شعرها األسود املرفوع،‏ وعيناها<br />

املكحلتان،‏ عدا عن حلّيها التي كانت تصدر<br />

خشخشة مميزة يف كل خطوة تخطوها.‏ لقد<br />

كان وجودها يف أي مكان كفيالً‏ بحد ذاته لكي<br />

يجعلني أحلّق يف مخيلتي،‏ فقد كان كل شيء<br />

ممكناً:‏ فيمكن أن أتخيل السمكة وهي متشي،‏<br />

والطائر وهو يتكلم – لقد كان العالم مفعماً‏<br />

باحلياة بالنسبة لها.‏ لقد كانت متأل األجواء<br />

باحلماس،‏ واألحالم،‏ وبجميع اإلمكانيات.‏<br />

ولطاملا كنت أراقبها من خلف اجلدران،‏ أو<br />

األشجار،‏ أو ثقوب األبواب وهي ترسم،‏ معتقداً‏<br />

بأنه ال ميكنها رؤيتي،‏ إلى أن قامت يف أحد<br />

األيام بوضع حجر يف راحة يدي وطلبت مني<br />

أن أرسم معها،‏ وعند سؤالي لها عن كيفية<br />

معرفتها بوجودي،‏ أخبرتني بأن الوردة املعلقة<br />

يف شعرها قد أخبرتها بذلك..‏ وقد صدقتها<br />

يف ذلك احلني.‏ لقد اعتدت على مراقبتها وهي<br />

تضفي بأسلوبها احلياة على شيء جامد يخلو<br />

من احلياة،‏ حيث كانت تضفي اللمسة اجلمالية<br />

على األشياء بأسلوب سا<strong>حر</strong>،‏ وطبيعي غير<br />

متكلّف،‏ مما كان يثبت يف كل مرة القدرة على<br />

رؤية اجلمال يف كل األشياء،‏ كتحويل قطعة من<br />

احلجر أو قصاصات من الورق إلى حتفة فنية.‏<br />

ميكننا تعلم أمور جديدة من اجلميع،‏ إال أن<br />

هنالك قلة من الناس ممكن ميكنهم إحداث<br />

التغيير،‏ وقد كانت خالتي / عمتي من ضمن<br />

هذه الفئة النادرة،‏ فقد كانت تتمتع بحس مفعم<br />

باحلياة والذي دفعها ومن حولها لرؤية العالم<br />

بشكل حقيقي.‏ لقد كانت حتمل حساً‏ نادراً‏<br />

بالقدرة على التخيل والرؤية الالمحدودة،‏ وهو<br />

ما يفقده معظمنا خالل نشأته.‏ لقد كانت<br />

على قناعة تامة بأنه ال شيء مستحيل،‏ وبأنه<br />

ال يوجد تعريف محدد للعالم وما فيه،‏ بل<br />

أنها كانت تعتبر العالم مزيجاً‏ سا<strong>حر</strong>اً‏ مفعماً‏<br />

باأللوان،‏ وبأنه مكان نابض باحلياة وزاخر<br />

باملغامرات الالمحدودة...‏ إن وجودي بالقرب<br />

منها واحتكاكي معها قد منحني شعوراً‏ بالقوة<br />

واملناعة،‏ ذلك الشعور بالقدرة على حتقيق<br />

أي شيء بحيث أنني لم أعد أرى العالم<br />

مجرد كوكب عادي،‏ بل أصبحت أرى عاملنا<br />

كإمبراطورية زاخرة باإلمكانيات.‏ لقد كانت<br />

خالتي / عمتي مبثابة شخصية ‏»بيتر بان«‏<br />

السا<strong>حر</strong>ة بالنسبة لي،‏ لقد ساعدتني ألن أقتنع<br />

بأهمية جتاوز التوقعات واحلقائق احملددة،‏<br />

وقد علمتني كيف أحلّق عالياً.‏<br />

نهى،‏ يا ساكنة يف أعماق روحي،‏ لقد علمتني<br />

أن أخرج ألرى العالم وألن أحيا حياة حقيقية.‏<br />

أنا أراك وأشعر بك أينما ذهبت؛ سواء من<br />

خالل رائحة زكية،‏ أو زهرة أو ريشة،‏ أو حتى<br />

من خالل أي شكل مضحك...أشعر بك عند<br />

سماعي خشخشة أسوارتني ببعضهما البعض،‏<br />

برائحة العطور وباأللوان واللوحات الزاهية.‏<br />

لقد مألت حياتي باأللوان حيث بت أرى<br />

احلياة يف الصخور وأرى كنوزاً‏ بني احلجارة<br />

واألنقاض..‏ إنني أرى الوعد..‏ إال أن األهم<br />

من ذلك هو ما تعلمته منك ألن أرى إمكانيات<br />

اجلمال الالمحدودة.‏ فاحلياة جميلة.‏<br />

« .... وعندما جتاوزت كل العراقيل،‏ صارت يف<br />

املقدمة أمام اجلميع وحلّقت عالياً.«‏<br />

من قصيدة Going Blind للشاعر راينر ماريا<br />

ريلكه<br />

116

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!