26.07.2022 Views

ماكو فضاء حر للابداع -2-2022

ماكو فضاء حر للابداع -2-2022

ماكو فضاء حر للابداع -2-2022

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

طالب مكي بني جتريبية مفعمة بهاجس<br />

التعبير املتفرد،‏ ونوع خفي من االلتزام<br />

د.‏ حسني الهنداوي<br />

طالب مكي املعلم الكبير.‏ هذا هو الوصف<br />

الذي دأبت على إطالقه على هذا الرسام،‏<br />

املتعدد األبعاد واملواهب واخلصال ايضا،‏<br />

وغدا سلفاً،‏ وعن حق،‏ قامة فارعة يف تاريخ<br />

اإلبداع التشكيلي العراقي املعاصر ال سيما<br />

يف حلظاته الصعبة التي غمرت معظم الثلث<br />

الثالث من القرن العشرين وأولى سنوات ما<br />

بعده.‏ أافتخر بأنني كنت وراء فرحته العظيمة<br />

بإقامة املعرض االستعادي األول ألعمال طالب<br />

مكي الذي أقامته ‏)مؤسسة عراق لالبداع(‏<br />

يف 2006، وضم مجموعة منتخبة من أعمال<br />

الفنان املتوزعة بني النحت والرسم الزيتي<br />

والتخطيطات الصحفية ورسوم االطفال،‏<br />

وهي تنتمي إلى حقب زمنية متواصلة منذ<br />

الستينيات وحتى اآلن،‏ إذ كان ضرورياً‏ الكشف<br />

عن احليف الذي حلق بهذا الفنان الرائد الذي<br />

نسيه اجلميع كأنه لم يكن.‏<br />

وطالب مكي املولود يف الشطرة عام 1937،<br />

واملتتلمذ على يد فائق حسن وجواد سليم<br />

مباشرة،‏ امتاز دائماً‏ عن نظرائه بزخم <strong>حر</strong>ية<br />

داخلية نادرة اجلرأة واحلذر يف آن واحد،‏<br />

وهذا خلق لديه نوعاً‏ من البعد الواقعي أو<br />

‏“التربوي”‏ املقرون بسخاء الروح واألدوات<br />

بالفطرة،‏ وجعل تالمذته،‏ ومنهم جنوم المعة يف<br />

الرسم العراقي،‏ يخضرمونه كشيخ للرسامني<br />

يف العراق،‏ ويتوجونه باعتزاز عنيد وحميم<br />

كاألب الروحي لهم،‏ كما لفن الرسم لألطفال<br />

وللمدرسة النقدية يف الرسم العراقي الساخر<br />

وحتى لتيار يف النحت أحيانا.‏<br />

ليس مجرد طاقة إبداع مدهشة املبادرات<br />

واحليوية وحسب،‏ وليس فقط صاحب الغالف<br />

األول يف عام 1969 ملجلة ‏“مجلتي”‏ األولى يف<br />

العراق لألطفال،‏ واملبدع األهم لفترة طويلة<br />

يف الرسم للمجالت العراقية وخاصة ألكثرها<br />

أصالة،‏ ك”مجلة العاملون بالنفط”‏ خاصة،‏<br />

امنا هو رائد كبير يف مجال االستلهام الصامت<br />

واملتعمق جلماليات املوروث التشكيلي الكوني،‏<br />

السيما ذلك العراقي األصيل منه النزّاع،‏ ومنذ<br />

حلظاته البعيدة،‏ إلى تهميش الفكرة اجلاهزة،‏<br />

ومعها األدوات والترميزات واأللوان اجلاهزة،‏<br />

يف مواجهة استفهامات الذات و<strong>حر</strong>يتها باملعنى<br />

الوجودي على األرجح.‏<br />

من هذه الليبرالية األخاذة،‏ يف الهوى والروح<br />

التي تسكن أعمال طالب مكي طوالً‏ وعرضاً‏<br />

وبإصرار واضح،‏ كما يسكنه،‏ ويعبر عنه رمبا،‏<br />

هذا التمرد الطاغي واخلفي الذي يخترق<br />

<strong>حر</strong>كته التشكيلية ويعكسها حتى صمته املثقل<br />

بهمّ‏ املؤالفة الصعبة بني عبثيات ال حتصى،‏<br />

لعلّ‏ أقواها تكمن ما بني جتريبية مفعمة<br />

بهاجس التعبير املتفرد أو املتسامي،‏ حتى على<br />

متعة التواصل والتداخل،‏ وبني نوع خفي من<br />

االلتزام...‏<br />

وطالب مكي املتخرج من معهد الفنون اجلميلة<br />

يف 1957، وعضو جمعية التشكيليني العراقيني<br />

وجماعة املجددين واملشارك يف جميع<br />

معارضهما لفترة طويلة والذي عمل رساماً‏<br />

مؤسساً‏ ومنوذجا يف مجلتي واملزمار،‏ يجمع<br />

أعماق األلوان مع أعماق الكتلة،‏ يف وحده<br />

متقنة اجلمالية وصامتة إمنا حاضرة بقوة.‏<br />

ومن هنا امليل القوي إلى التعامل مع احلجر<br />

والبرونز،‏ عبر منظور نحتي يف اجلوهر..‏ ال<br />

يضحي بأية زمنية جامعاً‏ املاضي باحلاضر<br />

وباملستقبل إلى حد كبير.‏<br />

ورسوم طالب مكي األولى تستلهم الطبيعة<br />

على املستوى التقني قبل أن جتذبها العمارة<br />

البغدادية يف عالقتها التلقائية مع حيوية <strong>حر</strong>كة<br />

احلياة اليومية مبوازاة تعامل تلقائي أيضا<br />

مع األلوان ما جعل أعماله تلك أكثر انتماء<br />

للمدرسة التعبيرية منه الى الواقعية التي<br />

سرعان ما قاده إغراء االفتراق الواعي عنها<br />

إلى نوع من التجريد.‏ وظل البعد التشريحي<br />

واضحاً‏ كأرضية تعلن عن نفسها عن بعد عبر<br />

ضربات خطوطية أو لونية تبدو عابرة وحتى<br />

غرائبية أحيانا إال أنها لم تفارق متاما امليل<br />

إلى استدعاء أو استلهام الشكل أو الكتلة مهما<br />

أظهرت من جرأة على التجديد فيه.‏<br />

فاملالمح يف معظم رسوم طالب مكي تتبعثر<br />

كمكونات مستقلة ومتوازية يف <strong>فضاء</strong> ال متناهٍ‏ ،<br />

فيما تبدو احلدود إشارات روحية وحتى نفسية<br />

إلى عوالم قائمة بذاتها.‏ ومن هنا ميل العناصر<br />

الى تقمص أشكال هندسية أو تكوينات لونية<br />

متساوقة،‏ تعكس غايات ملموسة وخفية يف آن،‏<br />

وغرائبية أحيانا ومشحونة بالقلق والترقب كما<br />

لو أنها تنتظر إلى األبد.‏<br />

باملقابل،‏ يف رسومه ملجلتي واملزمار وكتب<br />

األطفال،‏ يبرز عطاء ثري ورائد يجمع<br />

جماليات احلكايات الشعبية والتاريخية العربية<br />

إلى جانب الرمزيات اآلشورية والبابلية يف<br />

واقعية جذابة إلى حد مدهش ومؤسس جليل<br />

بأكمله.‏<br />

250

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!