Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
ومرَ ضُ القلبِ نوعانِ: مرَ ضُ شَھْوَ ةٍ، ومرَ ضُ شُبْھَةٍ، وأَرْ دَؤُھُما مرضُ<br />
الش ُّبھَةِ(1) ، وأَردأُ الش ُّبَھِ ما كانَ مِنْ أمرِ القَدَرِ . وقَدْ یَمْرَ ضُ القلْبُ ، ویشتد ُّ<br />
مرضُھُ، ولا یَعْرِ فُ بھ صاحِ بُھ، لاشتغالِھِ وانصرافھِ عَن مَعْرِ فَةِ ص َّحتِھ<br />
وأسبابِھا، بَلْ قد یموتُ وصاحِ بُھُ لا یشعرُ بموتھِ، وعلامَةُ ذلك أَن َّھُ لا تؤلِمُھُ<br />
جِ راحاتُ القبائحِ، ولا یُوجِ عُھُ جَھْلُھُ بالحَقِّ وعقائِدُهُ الباطِلَةِ. فإن َّ القلبَ إذا<br />
كان فیھ حیاةٌ، تأَل َّم بورودِ القبیح علیھ، وتأل َّمَ بجَھْلِھِ بالحقِّ بحَسْبِ حیاتِھِ.<br />
وقد یشعرُ بمرضھِ، ولكن یشتَد ُّ علیھ تحَم ُّلُ مرارَ ةِ الدواءِ والصَبْرِ علیھا،<br />
فیُؤثِرُ بقاءَ ألَمِھِ على مَشَق َّةِ الد َّواء، فإن َّ دواءَهُ في مخالفةِ الھوى (2) ، وذلك<br />
أصْعَبُ شيءٍ على الن َّفسِ ، ولیس لھُ أنفَعُ منھ.<br />
171<br />
( 1 )<br />
ھو أردؤھما لأن صاحبھ في الغالب لا یحس بمرضھ، وبالتالي فلا ینھض<br />
لمعالجتھ بالدواء النافع، وھو من الذین ضل سعیھم وھم یحسبون أنھم یحسنون<br />
صنعاً.<br />
( 2 )<br />
اعلم أن من الھوى ما یكون طاغوتاً ومعبوداً من دون اللھ تعالى، وذلك عندما<br />
یُطاع ویُت َّبع في معصیة اللھ تعالى، بحیث یجعل مصدراً للحكم على الأشیاء<br />
من غیر سلطان من اللھ، فما یراه ھواه حقاً فھو الحق عنده. وما یراه باطلاً<br />
فھو الباطل عنده وإن جاء حكمھ مخالفاً لشرع اللھ تعالى.<br />
ومن صور طغیان الھوى والعبودیة لھ أن تعقد الموالاة والمعاداة فیھ وعلیھ،<br />
ولیس على أساس ھدي اللھ ووحیھ، فھو یوالي ما یھواه لا ما یجب علیھ أن<br />
یوالیھ، ویعادي من یھوى معاداتھ وإن كان الواجب الشرعي یقضي بموالاتھ<br />
ونصرتھ. فالھوى في ھذه الصورة یكون إلھاً معبوداً من دون اللھ، وصاحبھ<br />
في حقیقة أمره یتألھ ما یھواه لا ما یجب علیھ أن یتألھھ ویعبده، وقد جعل من<br />
ھواه طاغوتاً ونداً تعالى في كثیر من خصائصھ، كما قال تعالى: [ولا تُطِعْ<br />
من أغفلنا قلبَھ عن ذكرنا واتبع ھواه وكان أمره فرطا]، وقال: [أرأیت من<br />
اتخذ إلھھ ھواه وأضل َّھ اللھُ على علم]. وقال: [أرأیت من اتخذ إلھھ ھواه<br />
أفأنت تكون علیھ وكیلا].<br />
قال ابن تیمیة في الفتاوى "359/8": فمن كان یعبد ما یھواه فقد اتخذ إلھھ ھواه،<br />
فما ھویھ إِلھھ فھو لا یتأل َّھ من یستحق التألیھ، بل یتألھ ما یھواه، وھذا المتخذ إلھھ<br />
ھواه لھ محبة كمحبة المشركین لآلھتھم، ومحبة عباد العجل لھ، وھذه محبة مع<br />
اللھ لا محبة ، وھذه محبة أھل الشرك. والنفوس قد تد َّعي محبة اللھ، وتكون<br />
في نفس الأمر محبة شرك تحب ما تھواه وقد أشركتھ في الحب مع اللھ ا-ھ.<br />
نعوذ باللھ من الشرك واتباع الھوى، أو نضل بعد إذ ھدانا اللھ.