Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
التحدي ليس فقط في حماية<br />
السكان المعرضين من<br />
االنزالق من جديد في دوامة<br />
الضيق والحرمان، بل في<br />
إيجاد بيئة مؤازرة لهم<br />
لمواصلة التقدّم في التنمية<br />
البشرية في العقود المقبلة<br />
الفرص، وتعزيز القدرات مدى الحياة، واحتواء<br />
الجميع بدون استثناء. وهذه اإلجراءات المترابطة<br />
والمتآزرة تسهم في بناء منعة المجتمع وقدرة<br />
اإلنسان. وأكثر المبادرات نجاحًا في مكافحة الفقر<br />
وتحقيق التنمية البشرية هي المبادرات التي اتخذت<br />
نهجًا متعدد األبعاد، يجمع بين دعم الدخل، وإيجاد<br />
فرص العمل، وتحسين الرعاية الصحية، وتوسيع<br />
فرص التعليم، إضافة إلى إجراءات أخرى لتنمية<br />
المجتمعات المحلية.<br />
ومن الضروري اتخاذ خطوات على مستوى<br />
السياسة العامة إلزالة الفوارق بين األفراد وبين<br />
البلدان، وبناء منعة المجتمعات وقدرات األفراد في<br />
فئات معينة، وانتشالها من حالة الضعف المزمن.<br />
والسياسات التي تقي من األضرار في حال المخاطر،<br />
وتضمن توزيع فوائد الرخاء بحيث تشمل الجميع،<br />
وتساهم في بناء منعة المجتمع، تبني القدرة الجماعية<br />
على حماية التقدّم في التنمية البشرية. لكن أيًا من<br />
هذه النتائج ال يأتي تلقائيًا، بل هي ثمرة عمل جماعي<br />
دؤوب، وإجراءات فعالة ومنصفة تتخذ على مستوى<br />
المؤسسات، وقيادة حازمة على المستوى المحلي<br />
والوطني والعالمي. ففي تكافؤ الفرص فوائد للمجتمع<br />
بكامله. وما لم تُرصد مواطن الضعف المتداخلة<br />
والمتعددة األبعاد وتعالَج على نحو منهجي، ستكون<br />
مسيرة التنمية البشرية رهن التعثر ال بل التراجع.<br />
األمن البشري والتنمية البشرية<br />
اعتمد تقرير التنمية البشرية قبل عشرين عامًا<br />
مفهوم األمن البشري، باعتباره بعدًا من أبعاد التنمية<br />
البشرية. ويلتقي هذا التقرير مع نهج األمن البشري،<br />
ولكنه يركز على المخاطر وآثارها التي يُحتمل أن<br />
تقوّ ض اإلنجازات في التنمية البشرية. وفي هذا<br />
السياق، يركز التقرير على ضرورة تقليص الفوارق<br />
وبناء التماسك االجتماعي من خالل إجراءات تعالج<br />
العنف االجتماعي والتمييز.<br />
فواقع النزاع والشعور بعدم األمان يحدثان آثارًا<br />
ضارة على التنمية البشرية، ويأسران مليارات<br />
السكان في ظروف عسيرة تفتقر إلى األمان<br />
واالستقرار. وتحلّ في الشريحة األخيرة لدليل التنمية<br />
البشرية بلدان عديدة، خارجة من فترات طويلة من<br />
النزاع أو ال تزال تواجه العنف المسلح. ويعيش<br />
أكثر من 1.5 مليار شخص، أي خمس سكان العالم،<br />
في بلدان متأثرة بالنزاعات . 12 وقد كانت لحالة عدم<br />
االستقرار السياسي التي سادت مؤخرًا تكاليف إنسانية<br />
باهظة. ففي أواخر عام 2012، بلغ عدد النازحين<br />
قسرًا بفعل النزاع أو االضطهاد 45 مليون شخص،<br />
وهو الرقم األعلى في غضون 18 عامًا، أكثر من<br />
15 مليون منهم الجئون . 13 وفي بعض المناطق في<br />
أفريقيا الغربية والوسطى، ال تزال حاالت الخروج<br />
على القانون والنزاع المسلح تشكل خطرًا على التقدّم<br />
في التنمية البشرية، ستكون له تداعيات طويلة األجل<br />
على تقدّم البلدان. وفي عدد من بلدان أمريكا الالتينية<br />
والبحر الكاريبي، التي أحرزت إنجازات كبيرة في<br />
التنمية البشرية، يشعر عدد كبير من السكان بأنهم<br />
مهددون بفعل ارتفاع معدّالت جرائم القتل وغيرها<br />
من أعمال العنف.<br />
وتتعرض النساء في كل مكان لمخاطر تهدّد<br />
أمنهن الشخصي. إذ تنتهك حقوقهن في حاالت<br />
العنف، ويعشن ظروفًا من عدم األمان، تحد من<br />
قدراتهن في الحياة العامة والخاصة. فتعزيز الحرية<br />
واألمن البشري يتطلب اتخاذ تدابير تحقق تغييرًا<br />
على مستوى المؤسسات واألعراف، يحدّ من التمييز<br />
والعنف بين األفراد. فلتعزيز األمن البشري أثر<br />
عميق على حالة الضعف التي يعيشها أو يخشاها<br />
األفراد والمجتمعات، وعلى شعورهم باألمان، وعلى<br />
تمكينهم وبناء قدراتهم.<br />
وال يكفي الدخل وحده لدرء مخاطر النزاع، أو<br />
تعزيز الشعور باألمان. فالشعور المزمن بالتعرض<br />
للمخاطر يتطلب وقتًا طويالً للتخلص منه، وذلك<br />
بإجراءات تتخذ على مستوى السياسة العامة<br />
وتغييرات في األعراف ترسّخ ثقافة التسامح وتعمّق<br />
التماسك االجتماعي.<br />
بناء المنعة<br />
ال يكون رفاه األفراد بمعزل عن فسحة الحرية<br />
التي يعيشون في كنفها، ومدى القدرة التي يملكونها<br />
للتصدي لألحداث المؤذية والتعافي منها، سواء<br />
أكانت كوارث بفعل من الطبيعة أم أزمات بفعل من<br />
اإلنسان. والمنعة يجب أن تكون في صلب أي نهج<br />
لحماية مسيرة التنمية البشرية والمضي فيها. والمنعة،<br />
هي في األصل، نتيجة لعمل الدولة والمجتمع<br />
والمؤسسات الدولية على تمكين األفراد وحمايتهم.<br />
وتعني التنمية البشرية إزالة العوائق التي تحول<br />
باألفراد دون التصرف بملء الحرية. وتعني تمكين<br />
المحرومين والمعرضين لإلقصاء من االستمتاع<br />
بحقوقهم، والتعبير عن شواغلهم، وإعالء صوتهم،<br />
والمشاركة بفعالية في تقرير مصيرهم. وتعني حرية<br />
الفرد في عيش الحياة التي ينشدها والتصرف في<br />
شؤونه. ويتناول التقرير بعض السياسات والمبادئ<br />
| 4 تقرير التنمية البشرية 2014