You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
متهيد<br />
يتناول تقرير التنمية البشرية لعام 2014 المضي<br />
في التقدّم: بناء المنعة لدرء المخاطر مفهومين<br />
مترابطين، ولكل منهما أهمية بالغة لتحصين التقدّم<br />
في التنمية البشرية.<br />
ومنذ أصدر برنامج األمم المتحدة اإلنمائي تقرير<br />
التنمية البشرية العالمي األول في عام 1990، تُحقق<br />
معظم البلدان تقدّمًا في التنمية. ويبيّن تقرير هذا العام<br />
أن االتجاهات العالمية إيجابية، والتقدّم مستمر. لكنّ<br />
هدر األرواح لم يتوقف، وسُبل المعيشة ال تزال<br />
معرضة للخطر، ومسارات التنمية عرضة للتعثّر،<br />
إما بفعل كوارث تسبّبها الطبيعة، أو بفعل أزمات<br />
يصنعها اإلنسان.<br />
وليس تدارك هذه االنتكاسات بالمستحيل. فجميع<br />
المجتمعات معرضة للمخاطر، ولو تباينت درجات<br />
التأثر بالضرر وسرعة التعافي منه بين مجتمع وآخر.<br />
ويتوقف هذا التقرير عند أسباب هذا التباين، ويتناول،<br />
ألول مرة منذ بدء صدور تقرير التنمية البشرية،<br />
قضيتي درء المخاطر وبناء المنعة من منظور التنمية<br />
البشرية.<br />
ومعظم األبحاث في هذا الموضوع تتناول تعرّض<br />
األفراد لمخاطر محددة في قطاعات معيّنة. أما هذا<br />
التقرير، فيعتمد نهجًا مختلفًا، أكثر شموالً، فينظر<br />
في العوامل التي تعرّض التنمية البشرية لمخاطر ثم<br />
يناقش سبل بناء المنعة إزاء هذه المخاطر.<br />
ولهذا النهج أهمية بالغة في عالم يزداد ترابطًا.<br />
فالعولمة، التي عادت بفوائد على الكثيرين، أتت<br />
بمصاعب جديدة، تظهر أحيانًا في أحداث تقع في<br />
مكان من العالم، وسرعان ما يهزّ وقعها مكانًا آخر<br />
ولو بعيدًا. ولتحصين المواطنين من مخاطر المستقبل<br />
ال بدّ من بناء منعة المجتمعات والبلدان. وفي هذا<br />
التقرير ما يمهد لذلك.<br />
وعمالً بنموذج التنمية البشرية، يعتمد التقرير<br />
نهجًا محوره اإلنسان. فيولي اهتمامًا خاصًا للفوارق<br />
داخل البلدان وفي ما بينها، ويحدد المجموعات<br />
األكثر عرضة من غيرها لمخاطر جذورها إما<br />
في الماضي، أو في عدم مساواة في المعاملة من<br />
سائر فئات المجتمع. وكثيرً ا ما تتفاقم هذه المخاطر،<br />
وتدوم طويالً، وترتبط بعوامل كالجنس والعرق<br />
واألصل والموقع الجغرافي. ويواجه األفراد األكثر<br />
ضعفًا، وكذلك المجموعات، عوائق عديدة ومتداخلة<br />
تكبّل القدرة على التصدّي لالنتكاسات. فالفقراء<br />
الذين ينتمون إلى أقلية معيّنة، أو النساء اللواتي<br />
يعانين من إعاقة، يواجهون عقبات تتداخل فتزداد<br />
حدة.<br />
ويبيّن التقرير كيفية تغيّر المخاطر في حياتنا<br />
باعتماده "نهج دورة الحياة". وخالفًا للنماذج األخرى،<br />
يشير في تحليله إلى أن األطفال والمراهقين وكبار<br />
السن يواجهون أشكاالً مختلفة من المخاطر تتطلب<br />
معالجة موجهة. فبعض مراحل الحياة مصيرية<br />
كاأليام األلف األولى من حياة الطفل، أو االنتقال<br />
من الدراسة إلى العمل، أو من العمل إلى التقاعد.<br />
واالنتكاسات في هذه المراحل يصعب تجاوزها، وقد<br />
تترك آثارًا تدوم مدى الحياة.<br />
ويحلل التقرير األدلة المتاحة، فيخلص إلى عدد<br />
من التوصيات من أجل عالم قادر على مواجهة<br />
المخاطر وبناء المنعة إزاء الصدمات في المستقبل.<br />
ويدعو إلى تعميم الخدمات االجتماعية األساسية<br />
على الجميع، وال سيما في الصحة والتعليم، وإلى<br />
تعزيز الحماية االجتماعية، بما في ذلك تعويضات<br />
البطالة والمعاشات التقاعدية، وإلى االلتزام بالتشغيل<br />
الكامل، انطالقًا من مبدأ القيمة الجوهرية للعمل التي<br />
ال تنحصر بما يؤمنه من دخل. ويتوقف التقرير عند<br />
أهمية المؤسسات العادلة التي تلبي احتياجات السكان،<br />
وأهمية التماسك االجتماعي في بناء منعة المجتمع<br />
ودرء النزاعات.<br />
ويؤكد التقرير أن أكثر السياسات فعالية في<br />
درء المخاطر لن تمنع حدوث األزمات ولن تتجنب<br />
آثارها المدمرة أحيانًا. فال بد من بناء الجهوزية<br />
في حال الكوارث والقدرة على التعافي لتمكين<br />
المجتمعات من التصدّي للصدمات والنهوض منها.<br />
وعلى الصعيد العالمي، ينبّه التقرير إلى أن المخاطر<br />
العابرة للحدود بطبيعتها تتطلب عمالً جماعيًا،<br />
ويدعو إلى التزام عالمي بمواجهتها، وإلى تحسين<br />
نظام الحكم الدولي.<br />
وهذه التوصيات الهامة تأتي في أوانها. فمع<br />
استعداد الدول األعضاء في األمم المتحدة الختتام<br />
المفاوضات بشأن خطة التنمية لما بعد عام 2015<br />
وإطالق مجموعة أهداف التنمية المستدامة، تتخذ<br />
األدلة التي يتضمّنها التقرير ويحلّلها، ومنظور التنمية<br />
البشرية الذي يستند إليه، بعدًا قيّمًا وفريدًا. فالقضاء<br />
على الفقر سيكون هدفًا أساسيًا في الخطة الجديدة.<br />
لكن التقدّم في التنمية لن يكون بمنأى عن الخطر ما<br />
دام األفراد معرّضين لالنزالق مجددًا في الفقر بسبب<br />
عدد من العوامل الهيكلية والمخاطر الدائمة. فالقضاء<br />
| iv تقرير التنمية البشرية 2014