30.09.2020 Views

ماكو فضاء حر للابداع - العدد 02

ماكو فضاء حر للابداع MAKOU free space for creativity ماكو مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ



ماكو فضاء حر للابداع
MAKOU free space for creativity
ماكو
مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل
من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة
بهذا التاريخ

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

فائق حسن،‏ كنت أراه دائم الشعور بامللل من

تدريس النحت اآلكادميي يف الصف املجاور.‏

وكثيراً‏ ما كان يستلني من دروس الرسم النظرية

الصطحابه يف رحلة إلى دجلة وتناول الغداء

سوية عند ضفة النهر.‏ ذات مرة وقعت عيناه

على مشهد عصفور صغير يتخبط الهياً‏ يف

بركة ماء صغيرة جداً.‏ ظل واجماً‏ طويالً‏ يراقب

ذلك املشهد ويتمتم:‏ ‏"اهلل كم هو جميل".‏ كنت

أقول له:‏ ‏"عندي دروس الزم التزم...‏ راح

يرسبوني من وراك".‏ فيجيبني:‏ ‏"أنت فنان جاهز

ما محتاجلك دروس نظرية".‏ بهذه الروح املريحة

والداعمة يشعرني بالتوازن املؤقت.‏

إسماعيل كان يتصرف يف احلياة كما يتصرف

يف الفن،‏ يحب ويحزن وينفعل وميرح ويعصّ‏ ب

ويرسم وينحت بروح شجاعة.‏ وحينما كنت

أمتلمل أحياناً‏ من العمل،‏ يكرر القول:‏ ‏"كن قوياً‏

ألن الترف يزيل النِعَمْ"،‏ والقول لشاعر كان أبوه

يذكره به دوماً.‏ وبعد أن ورطني يف النحت أعظم

ورطة،‏ صار يكرر لي عبارته املؤثرة:‏ ‏"كل النحت

العراقي مير من حتت نصب احلرية جلواد

سليم"،‏ على غرار جملة ‏"كل األدب الروسي مير

من حتت معطف غوغول".‏ ويف إحدى زياراته

ملشغلي،‏ علمني تقنية الرسم باألحبار على الورق

بعقب الفرشاة،‏ ورسمنا سوية أعماالً‏ كثيرة.‏

تقنية جميلة حملتها معي حني غادرت العراق

عام 1991، وأجنزت منها مجموعة أعمال بعد

أن طوّرت التقنية باستخدام اإلكريلك املخفف

بدل األحبار.‏

كنت أول من غادر العراق من جيلي من الفنانني،‏

واصطحبني يف سفري ابنه األكبر صهيل

إسماعيل إلى األردن.‏ غادرت عمان بعد ثالثة

أسابيع فقط،‏ وتركت صهيل وحيداً‏ ألنه كان

ينتظر مجئ أبيه لتقرير مصير سنواته القادمة

خارج العراق.‏ يف السنني األولى من اغترابي يف

الدمنارك،‏ إشتقت إلى إسماعيل بشكل هائل،‏

وترك تباعدنا فراغاً‏ كبيراً‏ يف نفسي.‏ وكل يوم

كنت أحاوره يف داخلي،‏ وأجنزت مجموعة وجوه

ملونة مستوحاة من تلك التي أبدع يف رسمها

وطبعت أسلوبه األخير يف الرسم.‏ عام 1993

وصلني منه عن طريق صهيل كارت أبيض

صغير كتبه يف عمان حيث لم يجدني هناك.‏

قال فيه:‏ ‏"عزيزي علي،‏ أكتب إليك هذه الكلمات

من عَمان،‏ نحن بشوق لك وسماع أخبارك الفنية

والعاطفية.‏ لقد كنت ذكياً‏ حني سافرت.‏ أرجو

أن تكون أكثر ذكاءً‏ لتكمل طموحاتك،‏ فحاول أن

ال تتزوج ألن الزواج يقتل الطموح واحلب رغم

أن زواجي كان السبب يف تطوري ووصولي إلى

هذه املرحلة.‏ من الصعب أن يجد الفنان إنسانة

تقوده إلى اإلبداع...‏ وإن حصل فهذه معجزة"!‏

من الدمنارك حاولت ألف مرة سماع صوته عبر

التلفون،‏ ولكن االتصاالت كانت حينها معطلة

وتالفة يف العراق.‏ وكلما صادفت كابينة تلفون

عمومي يف أي شارع من شوارع كوبنهاگن،‏

كنت أحاول الوصول إليه لكن دون جدوى.‏ يف

العام ٢٠٠٥ كنت يف دبي أجنز منحوتة كبيرة من

الرخام مع ٤٠ نحاتاً‏ من دول مختلفة.‏ سمعت

بأنه يعيش يف أبو ظبي،‏ فاتصلت به وسمعت

صوته.‏ فبكيت طيلة دقائق املكاملة.‏ إتفقنا أن

نلتقي بعدها بيومني يف دبي كما وعدني.‏ يف

ذلك اليوم تهيأت للقاء،‏ وكنت مفعماً‏ بتفاصيل

وأحداث كثيرة أردت قصها عليه.‏ أنا مع حقيبة

صغيرة فيها بعض الكتالوغات وصور ألعمالي

يف النحت.‏ كنت أريده أن يراها،‏ أن يفرح مبا

فعلت،‏ وأن ظنه بي رمبا كان صحيحاً.‏ أنا

وحقيبتي الصغيرة كنا ننتظر يف شارع عام،‏

هكذا كان األمر شبه مبهم وغائماً.‏ ومرت

ساعة وأنا أنتظر،‏ والسيارات متر باآلالف ولم

يأت إسماعيل.‏ إتصلت من تلفون يف الشارع

ولم يجبني أحد.‏ يف اليوم التالي علمت بأنه

وصل إلى منتصف املسافة بني أبو ظبي ودبي،‏

لكنه عاد بسب تدهور صحته وهو يف الطريق.‏

وعلمت وقتها بأنه مصاب مبرض خبيث.‏ فكانت

صدمة أخرى أحزنتني جداً.‏ وضاعت فرصة

لقائي به إلى األبد.‏ بعدها بأشهر قليلة وصلني

خبر رحيله الفاجع.‏ لكني إلى اآلن غير مصدق

مبوته،‏ ألنني ما زلت يف حوار يومي مستمر معه.‏

وكلما أجنزت عمالً‏ جديداً‏ أو شعرت بالتعب

خالل العمل،‏ أتذكر وجهه احلنون وصوته

املبحوح الدافئ يقول لي:‏ ‏"صير قوي".‏

157

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!