30.09.2020 Views

ماكو فضاء حر للابداع - العدد 02

ماكو فضاء حر للابداع MAKOU free space for creativity ماكو مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ



ماكو فضاء حر للابداع
MAKOU free space for creativity
ماكو
مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل
من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة
بهذا التاريخ

SHOW MORE
SHOW LESS

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

القياسات الكبيرة لهذا النصب.‏ فقد شطر

الفنان قبة من الطراز العراقي إلى قسمني

متساويني وباعد بينهما يف حركتني إلى اليسار

واليمني على نحو أنتج مركزين لهما،‏ مع وجود

كتلة رمزية صغيرة يف الوسط.‏ النتيجة البصرية

لهذا التدبير أننا يف التفافنا حول النصب من

مسافة مناسبة سنجد تغيراً‏ يف املنظور وحركة

يف كتلته العامة ما بني انفتاح وغلق".‏ )25(

يروي ليث الترك شقيق الفنان ما له أهمية

كبيرة كمصدر للمدرك الشكلي ‏)القبة املشطورة(‏

عند الفنان وهو ‏"تطلعه إلى السماء منذ طفولته،‏

والقصص التي كانت ترويها والدته عن انفتاح

السماء ليلة القدر".‏ ويعرج د.‏ شربل داغر

إلى نصب الشهيد بعد أن يستعرض شيئاً‏ من

مساهمات الترك يف إثراء التجربة اإلبداعية

العراقية قائالً:‏ ‏"إن الفنان العراقي إسماعيل

الترك عالمة دالة ولها أكثر من إشارة ويف غير

اجتاه.‏ أقبل الفنان على ممارسة حركاته العفوية

يف أعماله الفنية التي وسمت خطوط رسمه،‏

فرسوم الترك تلقائية أشبه برسوم جتريبية

متهيدية رسمتها يد غير مجزمة ضعيفة يف

عدتها الفنية.‏ هذه الطراوة لم تفارق يده الفنية

حتى يف أعماله العمالقة مثل نصب الشهيد

يف مطلع الثمانينات،‏ بل حتوّلت إلى بساطة

أخاذة يف الشكل ويف احتالل املساحة واحلجم

يف هذا العمل الذي سيبقى عمله األنقى يف

مسيرته الفنية الغنية.‏ لم يسلك الترك إلى

النحت طريقاً‏ متعرجة مثلما فعل النحات خالد

الرحال يف نصب اجلندي املجهول،‏ فقد اجته

الترك صوب القبة البغدادية ذات اللون الشذري

‏)وهو نوع معبّر ومميز فاللون األزرق معروف

جداً‏ يف بغداد(‏ فشطرها إلى نصفني من دون

أن يكونا متقابلني يف صورة تامة،‏ لقاء يتم أو ال

يتم بني شطري القبة بني األرضي والسماوي،‏

بني زرقة القبة وبياض األرضية،‏ بني ما يتمناه

الشهيد وما ال يبلغه بالضرورة.‏ لقاء فيه فرقة

بقدر ما فيه رغبة من االجتماع".‏ على ان ما رواه

الترك عن طفولته يعزز أيضاً‏ طبيعة املصادر

التي ألهمته،‏ فقد قال:‏ ‏"إن االنقالب األول الذي

حدث يف حياتي بدأ باملوت،‏ وقد حدث ذلك يف

الطفولة وترك بصمات كبيرة يف حياتي كلها.‏

وبدأت تتبلور أفكاري بفعل هذا احلدث"،‏ إذ

يذكر الفنان أنه كان قد شاهد يف عام 1948

أماً‏ ترفض البكاء على ولدها الذي أستشهد

يف فلسطني.‏ وكانت ال تقبل أن يبكيه أحد،‏ بل

أن يهلل اجلميع.‏ وتقول إن ولدها ‏"شهيد مات

من أجل الوطن".‏ ويروي الترك ايضاً:‏ ‏"يف عام

)1940-1941( يف شارع ‏"أبو األسود"‏ بالعشار،‏

ومن شرفات تطل عليه،‏ كانت الشرطة تقاوم

االحتالل البريطاني.‏ وأتذكر جيداً‏ أن أحد

أفراد الشرطة واسمة ‏)عباس(‏ كان يقاوم ثم

استشهد.‏ وقد مر جثمانه من أمامنا وسط عدد

قليل من األشخاص...‏ لكن هذا احلدث كان

يرسم لي موتاً‏ متميزاً!‏ كان ذلك قد حدث وأنا

يف السادسة من عمري،‏ إنه املوت األسطوري.‏

وقد حفر يف نفسي أثراً‏ كبيراً‏ للبطولة والقيم

والدفاع عن الوطن...".‏

كان لهذه األحداث،‏ كما تؤكد ذكريات الفنان،‏

صلة عميقة بعمله ‏"نصب الشهيد".‏ يقول الفنان

ضياء العزاوي يف ذلك النصب:‏ ‏"إن نصب

الشهيد هو عمل فني مبدع يستحق كل التقدير،‏

وحتى من الناحية الرمزية والتاريخية،‏ فإنه

ال ميجد شخصا معيناً،‏ وبالتالي فإنه يستحق

احلفاظ عليه بل تطويره كي يأخذ مفاهيم

جديدة تؤكد على تضحيات جميع املناضلني

العراقيني من جميع األطياف السياسية،‏ ويف

كافة الفترات التاريخية التي مر بها العراق

املعاصر.‏ برأيي،‏ يجب أن يصبح هذا النصب

املؤثر،‏ رمزاً‏ جلميع الذين سقطوا يف احلروب،‏

وجميع من ناضلوا وعذبوا وماتوا يف السجون أو

املقابر اجلماعية.‏ لقد ضحى الشعب العراقي

بكافة قومياته وأطيافه،‏ بشكل وقدر لم يسبق له

مثيل يف التاريخ املعاصر،‏ لذلك يجب أن نحافظ

عليه بكل ما أوتينا من شجاعة وقوة".‏

إال أن الرياح جتري مبا ال تشتهي السفن،‏ فقد

ظهرت بوادر نوايا مبيتة تنحو باجتاه إلغاء أو

حتوير هذا النصب.‏ فسيكتب عبد اجلبار العتابي

من بغداد ملجلة ‏"إيالف"‏ اإللكترونية مايلي:‏ ‏"أثار

اقتراح،‏ وافقت عليه احلكومة العراقية بإقامة

نصب جديد لضحايا جرمية سبايكر يف موقع

‏"نصب الشهيد"‏ ببغداد،‏ ردود أفعال سلبية منددة

باإلجراء ومحذرة من املس بالنصب بأي شكل

من األشكال،‏ خاصة أن االقتراح يتضمن اقامة

مدفن جلثامني شهداء سبايكر.‏ فقد أكد فنانون

تشكيليون أن أية إضافة عليه ستمثل تخريبا له".‏

ويكتب الناقد سهيل سامي نادر:‏ "... وحني فاز

تصميمه لنصب الشهيد وجد نفسه إزاء أكثر

األعمال أهمية يف حياته وأكثرها مدعاة للتفرغ

والتكريس.‏ واألمر مفهوم،‏ فنصب الشهيد ليس

نصباً‏ عادياً‏ بل هو عمل معماري مشهدي هائل

انسجمت فيه تطلعات متنوعة على مستوى

التصميم والتنفيذ والتصنيع والرؤية اجلمالية.‏

إنه باختصار منشأة تدخلت يف إقامتها جهات

فنية وإنشائية عديدة".‏ )26(

ومن اجلدير بالذكر أن الفنان الترك كان سعيداً‏

بتخليصه لبعض الفنانني الشباب من احلرب

العراقية - االيرانية،‏ ليعملوا معه يف نصب

الشهيد.‏

املؤثرات

إن أغلب من كتب عن منحوتات الترك أشار

إلى ما طرأ عليها من مؤثرات لفنانني عامليني

‏)جياكوميتي،‏ هنري مور،‏ كينيث آرميتاج،‏ لني

تشادويك(،‏ إال أنني شخصياً‏ أميل إلى التقليل

من درجة التأثير التي رسخها البعض بقوة،‏

ذلك ألن أي نظرة فاحصة ومتأنية ملا تركه

إنسان وادي الرافدين من منحوتات،‏ ستكون

كفيلة مبعرفة األصول التي استمد منها هؤالء

الفنانون أساليبهم،‏ ومن ضمنهم الترك وأعماله

التي تشير بدورها وبقوة لتلك الفنون باعتبارها

مرجعياته األصيلة ومرجعيات الفنانني الغربيني

على حد سواء.‏ لقد صرح الترك يف غير مرّة

حول هذا الشأن مبا يلي:‏ ‏"طيلة وجودي يف

اوربا تاثرت بكل املدارس املعاصرة،‏ واستفدت

من أبعادها الفكرية والتقنية...‏ وتأثرت بفنانني

37

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!