Attention! Your ePaper is waiting for publication!
By publishing your document, the content will be optimally indexed by Google via AI and sorted into the right category for over 500 million ePaper readers on YUMPU.
This will ensure high visibility and many readers!
ماكو فضاء حر للابداع
MAKOU free space for creativity
ماكو
مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل
من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة
بهذا التاريخ
ماكو فضاء حر للابداع
MAKOU free space for creativity
ماكو
مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل
من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة
بهذا التاريخ
موقد يتم فيه طهو أسماك العراق ويُحضر طبق"املسكوف". ما أن جلسنا حول الطاولة حتى بدأأصدقاء إسماعيل بالتوافد. أذكر منهم املعماريمعاذ األلوسي والفنان طارق إبراهيم وغيرهما.كان إسماعيل جنم احلضور، أحاديث متنوعةوأقداح العرق العراقي تدور على احلضور.يف ذلك الوقت كان أحمد حسن البكر يتولىالسلطة، وكان الوضع العام محتمالً بشكلنسبي. هذا الكالم بتحفظ شديد مقارنة معما حدث الحقاً. كانت أجهزة األمن منهمكة يفحملة دموية ضد الشيوعيني العراقيني، وبالطبعكانت أيضاً يف حرب شعواء ودموية مع السوريني.بدر احلاج، إسماعيل فتاح الترك،املعماري فيصل اجلبوري واملعماري معاذااللوسي، بغداد 1988127
تشظي العراق وغياب إسماعيل فتاح التركبدر احلاجكان آخر حديث لي مع إسماعيل فتاح قبل يومنيفقط من وفاته. أخبرني الصديق ضياء العزاويأنه مت نقل إسماعيل بطائرة خاصة إلى بغدادوفقاً لرغبته، وأنه يرقد يف املستشفى حيثيقضي أيامه األخيرة. كنت أعرف أنه أصيببالسرطان، وأن وضعه الصحي صعب جداً رغممحاوالت معاجلته. طلب العزاوي مني االتصالبإسماعيل، فقلت له من الصعب أن أحتدث معهوهو على فراش املوت، ماذا ميكنني أن أقول له؟أصرّ العزاوي عليّ قائالً: "بالتأكيد سوف يكونمسروراً يف احلديث إليك". إتصلت به، كانصوته خافتاً ومتعباً، رحب بي. وال أزال أتذكركلماته األخيرة املعبّرة عندما سألته عن وضعهالصحي، إذ أجاب "ضربوا العراق بالكيماوي،واآلن يضربون جسدي بالكيماوي أيضاً". كانجرح العراق النازف قد هزّ إسماعيل وآالفاملبدعني العراقيني أمثاله الذين تشردوا يفشتى أصقاع األرض. البعض متت تصفيتهجسدياً بعد أن استتب األمر لالحتالل األميركيوالصهاينة الذين شاركوا األميركيني يف تصفيةالعلماء واملفكرين واألدباء والعسكريني وكلمبدع يف بالد الرافدين وهم باآلالف. كانتكوامت الصوت تالحقهم يف كل مكان. سنة 2003انتهك العراق مرة أخرى من قبل املغول اجلددباسم "احلرية"، وال تزال حتى اليوم جلجلة أهلالعراق مستمرة.أذكر أن أول لقاء لي مع إسماعيل فتاح كانيف بيروت يف أوائل سبعينات القرن املاضيعندما عرض بعض أعماله الفنية يف "غاليريون" مع فنانني عراقيني آخرين أمثال رافعالناصري وضياء العزاوي وغيرهما. الحقاًيف أواخر السبعينات عندما كنت أعمل يفالصحافة، كنت أزور بغداد باستمرار. وكانالصديق ضياء العزاوي قد استقر نهائياً يفلندن بسبب مضايقات متواصلة من قبل أجهزةاألمن العراقية جراء مواقفه السياسية. زودنيالعزاوي برقم هاتف إسماعيل، ويف إحدىالزيارات اتصلت به، وعلى الفور جاء الفندقوسألني عن أخبار العزاوي ودعاني إلى الغداء.أثناء تناول الطعام، وكان يوم خميس على ماأذكر، سألني هل سبق لك أن زرت بابل؟ قلت ال،قال: ما رأيك يف الذهاب باكراً يوم غد، وهو يومعطلة، إلى بابل ونعود ظهراً كي نتجنب احلرالشديد يف شهر متوز. رحبت بالفكرة، ويفصباح اليوم التالي تناولنا فنجان قهوة، وعندماحاولنا اخلروج من الفندق صرخ أحدهم بصوتمرتفع: ممنوع.إلتفتنا إلى مصدر الصوت، وكان رجالً يجلسوراء طاولة يف زاوية من بهو الفندق. توجه نحوهإسماعيل وحتادثا. عاد إليّ إسماعيل وقال:سأنتظرك هنا، أرجع آلة التصوير إلى الغرفةألنه ممنوع استعمالها. عندما حاولت االعتراضعلى أساس انني صحايف، وما هو اخلطر علىاألمن القومي يف استعمال آلة تصوير. ضغطإسماعيل على يدي وقال بصوت منخفض: "التناقش، قد نذهب سوية إلى السجن، ضع آلةالتصوير يف الغرفة وكفى".نفذت أوامر "حماة احلرية" وتوجهنا إلى بابل.رغم الصباح الباكر كان اجلو حاراً بشكل اليطاق، لم يسبق لي أن عشت يف مثل ذلك اجلو.مكيّف السيارة لم يخفف من وطأة احلر. علقإسماعيل ممازحاً قائالً: هل عرفت اآلن ملاذاحتدث غالبية انقالباتنا العسكرية وثوراتنا يفشهر متوز؟ احلكام نيام، والضباط يغتنمونالفرصة ويقتنصون احلكم".كان إسماعيل مزهواً وهو يتجول بني آثار بابلشارحاً لي البعد احلضاري الضارب يف أعماقالتاريخ لفن العراق، وبصورة خاصة مجسماتاألسود على اجلدران. كانت رحلة تثقيفية التنسى. لألسف بعد االحتالل األميركي للعراق،لم يجد الغزاة مكاناً إلقامة قاعدة عسكريةلقواتهم إال بني تلك اآلثار اخلالدة. ولتلكاخلطوة معنى ال يخفى على أحد، خاصة وأنمن مهام تلك القوات نهب آثار العراق وبصورةمحددة خزائن املتحف العراقي.يف طريق العودة إلى بغداد حملنا يف الطريقالصحراوي الذي تندر فيه اخلضرة راعيجمال. توقفنا، وحتدث معه إسماعيل وأطلقبعض النكات باللهجة العراقية. تعجبت كيفيستطيع ذلك الراعي حتمل حرارة الشمس التيال تطاق واضعاً على رأسه فقط كوفية عراقية.كانت مفاجأة إسماعيل لي عندما وصلنا إلىبغداد ظهراً، أن توجهنا إلى أحد املطاعم يفالهواء الطلق والبسيط جداً على ضفة نهردجلة. رحب صاحب املطعم بلباسه التقليديالعراقي بإسماعيل الذي أبلغه أنني زائر منلبنان. قال صاحب املطعم: العرق العراقي أفضلمن العرق اللبناني. كان املطعم عبارة عن طاولةخشبية مستطيلة على التراب وحولها بعضالكراسي وبجانبها وعاء ضخم يحوي قطعاًكبيرة من الثلج حلفظ األسماك، إضافة إلى126