11.10.2020 Views

75919582

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

بني ميمونة وبهزاد

فقالت وقد انقبضت نفسها عند ذكر مقتل أبيها:‏ ‏«إني أشكر إحسانك ومجاملتك

يا سيدي؛ فإنك طاملا أحسنت إلينا وسترت فقرنا.»‏ قالت ذلك وشرقت بدموعها.‏

فلما رآها تبكي تفط َّر قلبه وكاد يبوح بما في نفسه،‏ ولكنه لم يكن يرى التصريح

بحبه في ذلك الحني فغالطها وقال:‏ ‏«إن فضل جعفر وإحسانه شمل امللأ كافة،‏ وما من

مسلم أو غري مسلم إلا هو مدين له،‏ فإذا وف َّينا بعض الدين فلا فضل لنا في ذلك.»‏

فلم يعجبها هذا الجواب؛ لأنها كانت تتوقع أن يقول كلمة غري هذه؛ كانت ترجو أن

تسمع منه كلمة الحب،‏ فخافت أن يكون ضمريها خانها فتنه َّدت وسكتت وأرسلت يدها

إلى وجهها وأخذت تمسح عينيها بأناملها؛ فأمسك معصمها ورفع يدها عن وجهها وقال

وصوته يكاد يختنق:‏ ‏«ما بالكِ‏ تبكني؟»‏

فقالت وهي لا تزال مُطرقة وقد أحس َّ ت بمجرًى كهربائي ٍّ يجري من يده إلى كل

عروقها:‏ ‏«إني حزينة يا سيدي،‏ دعني أُفر ِّج كربتي!»‏

فقال:‏ ‏«وما سبب حزنك؟»‏

قالت:‏ ‏«أتسألني عن حزني وأنت تعلم سببه؟ وهل هناك أتعس من فتاةٍ‏ يتيمة

الأبوين،‏ تخاف أن يعرفها الناس؟ إن انتسابي إلى جعفر بن يحيى وبقائي حيةً‏ بني

هؤلاء الأقوام من أكبر أسباب شقائي.»‏ قالت ذلك وجذبت يدها من يده وغص َّ ت بِريقها.‏

فأخذ يدها بني يديه وهو يغالب حبه وقال:‏ ‏«معاذ الله أن تكوني تَعِ‏ سة.»‏

فحاولت إخراج يدها من بني يديه وهي تقول:‏ ‏«بل أنا تَعِ‏ سة،‏ وكيف لا أكون كذلك

وقد عرَفت الليلة أن …» وأمسكت عن الكلام ونظرت إليه فإذا هو يتفر َّس في عينيها

ويتجاهل غرضها والهوى يكاد يشف ُّ عن سريرته،‏ ومخاطبة العيون أفصح من مخاطبة

الألسن.‏

مِ‏ ن ال ش ن اءة أو حُ‏ ب ٍّ إذا ك انَ‏ ا

العينُ‏ تُبدي الذي في قلب صاحبها لا يستطيع لِمَ‏ ا في القلبِ‏ كِ‏ تمانَا

إن البغيضَ‏ له عينٌ‏ يُصد ِّقها حتى ترى مِ‏ ن صميمِ‏ القلب تِبيانَا

فالعينُ‏ تَنطقُ‏ والأفواه صامتة فأدركت ميمونة من تلك النظرة أن بهزاد يحبها،‏ ولكنها أحب َّت أن تسمع ذلك من

فيه فحو َّلت نظرها عنه إلى جدتها،‏ وكانت قد استغرقت في النوم وقد علا صوت غطيطها،‏

ثم أطرقت وسكتت،‏ فابتدرها قائلاً‏ : ‏«أكملي حديثك،‏ قولي ما هو الذي عرفتِه الليلة يا

ميمونة؟»‏

101

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!