11.10.2020 Views

75919582

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

الأمني واملأمون

وما جرت السفينة ساعةً‏ حتى ظهرت حراقة قادمة من بغداد تشق ُّ عباب املاء

وعليها عَلَم عرفه سلمان أنه علم الفضل بن الربيع،‏ وأن السفينة من سفنه،‏ فأوجس في

نفسه خيفةً‏ وأسرع إلى ميمونة وعبادة،‏ وأشار إليهما أن تنزلا عن املقعد وتستترا.‏ فلما

رأت ميمونة إشارته ولهفته خافت ونزلت وجدتها وعيناهما تراعيان الحراقة الأخرى،‏

وكانت قد فُرشت بالسجاد والوسائد.‏ ووقف فيها جماعة من الخدم،‏ بينما تصدر املجلس

شاب جميل الخلقة عرفت عبادة أنه ابن الفضل،‏ والتفتت إلى ميمونة فرأتها تنظر إليه

فلما تحق َّقتْه انقبضت نفسها وضاقت وامتُقع لونها وأغضت بصرها.‏

أما عبادة فنظرت إلى سلمان كأنها تستوضحه،‏ فابتسم تشجيعًا لها وقال بصوت

منخفض:‏ ‏«لا تخافي يا مولاتي إن هذا الغلام لا يجرؤ على أمرٍ‏ ونحن في حراقة مولاي

املأمون.»‏

فقالت:‏ ‏«وماذا يفعل لو كنا في سواها؟»‏

قال:‏ ‏«ربما أوقفها واستفهم عم َّن فيها؛ لأنه ذاهب إلى املدائن للبحث عن …» وأومأ

بعينيه إلى ميمونة.‏

فقالت:‏ ‏«قب َّحه الله!‏ ألا يزال على عزمه؟»‏

فقال:‏ ‏«وقد استشار املنجمني واستكتبهم الأرصاد التماسً‏ ا ملحبتها،‏ فقالوا له إنها

خرجت من املدائن،‏ فكأنه لم يُصد ِّق قولهم فذهب ليتحقق ذلك بنفسه.»‏

وسمعت ميمونة سلمان وتجاهلت حياءً‏ وأَنَفة،‏ ولكنها عجبت لاط ِّلاع سلمان على

خبرها مع ابن الفضل وتركت الكلام لجدتها فقالت هذه:‏ ‏«خسئ النذل،‏ إنه لا ينال قلامةً‏

من ظفرها ما دمتُ‏ على قيد الحياة.»‏

وكانت حراقة ابن الفضل قد حاذت حراقتهم ووقف بعض الخدم على حافتها

يتفر َّسون في ركابها،‏ فلم يقع نظرهم على غري سلمان،‏ وميمونة ترتعد خوفًا وكرهً‏ ا،‏ فلما

تجاوزتهم أراد سلمان أن يعبث بالفتاة ليخفف عنها فقال:‏ ‏«أرى مولاتي تنفر من ابن

الوزير وهو يكاد يموت شغفًا بها!»‏

فرفعت نظرها إليه لترى ما يرمي إليه،‏ فرأته يبتسم فقالت جدتها:‏ ‏«إننا لا نريد

النظر إلى هذا الشاب.»‏

فقطع كلامها وقال:‏ ‏«ولا إلى أبيه.»‏

وكانت عبادة تظن سلمان يجهل حقيقة حالهما،‏ فلما سمعت ما قاله استغربته

ورنت إليه كأنها تُنكر عليه قوله،‏ فابتدرها قائلاً‏ : ‏«يحق ُّ لكِ‏ يا مولاتي أن تكرهيه وتكرهي

110

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!