11.10.2020 Views

75919582

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

في إيوان كسرى

قالت:‏ ‏«قد كنا بقُربه الآن ولم يكن ثَم َّةَ‏ ريح،‏ فكيف هبت سريعًا على هذه الصورة؟»‏

قالت:‏ ‏«إن في بناء هذا الإيوان سرٍّا لم ينكشف لأهل هذا العصر بعد؛ إنه مبني على

هندسة تجعل الهواء يلعب في قاعته ولو كان الناس خارجه في حر ٍّ شديد،‏ فيخرج من

منافذ في جدرانه مصنوعة على نمط عجيب حري َّ مهندسي هذا الزمان.‏ وقد تأن َّق الذين

بَنَوه في صُ‏ نْعه على هذه الصورة حتى لا يفارق النسيم مجالس الأكاسرة في أشد الأيام

حرٍّا؛ فلا تخافي،‏ هل نرجع؟»‏

وكانتا قد دخلتا الباب وأقبلتا على القاعة الكبرى التي يُسم ُّونها الطاق،‏ ويُسم ُّون

الإيوان بها فيقولون طاق كسرى كما يقولون إيوان كسرى.‏ وكانت مساحة هذا الطاق في

أيام عمارته ستني ذراعًا في ستني،‏ وقيل مائة في خمسني،‏ وكانوا يفرشون أرضه ببساطٍ‏

واحد مُزركَش ومُرص َّ ع.‏

وكان في صدر الطاق على عهد الأكاسرة عرش من ذهب مرصع بالحجارة الكريمة

يجلس عليه كسرى،‏ تعلوه قبة مُرص َّ عة في داخلها مروحة من ريش النعام،‏ وإلى جانبَي

العرش مجالس الأعوان واملرازبة.‏ وقد ذهب ذلك كله أثناء الفتح غنيمةً‏ للمسلمني وهم

يومئذٍ‏ أهل باديةٍ‏ حفاةٌ‏ عراة لا يُفر ِّقون بني الكافور وامللح ولا بني الجوهر والحصى،‏

فاقتسموا الآنية وقطعوا الأبسطة ومز َّقوا الستائر،‏ وكان نصرهم من آيات تغل ُّب البداوة

على الحضارة؛ فلم يبقَ‏ هناك إلا الأحجار وبعض الأساطني وقد تشو َّهت وتكسر َّ ت.‏

ونظرت ميمونة إلى ما حولها من الجدران الهائلة فرأت عليها صُ‏ وَرًا مُلو َّنة منعها

الظلام من تَحق ُّ قها.‏ وملا سمعت جدتها تستخريها في الرجوع وهي لا ترى في ذلك املكان

إلا ما يبعث على الوحشة،‏ ناهيك بما كانت تخافه من الحشرات التي تكثر في مثل تلك

الخربة،‏ عزمت على الرجوع وأرادت أن تُجيبها بالإيجاب فإذا بها تسمع دبدبةً‏ خارج

الإيوان ولا تسمع كلامًا؛ فاختلج قلبها في صدرها وأرادت أن تصيح فأُرتِجَ‏ عليها ولصق

لسانها بحلقها،‏ وأدركت جدتها ذلك ولم تكن أقل َّ خوفًا منها،‏ فأمسكت بيدها وأومأت

إليها أن تتبعها إلى الداخل وهي تهمس في أذنها:‏ ‏«لعل أولئك العيارين أتوا للبحث عن

بهزاد في الإيوان مثلنا،‏ وهو والحمد هلل ليس هنا،‏ على أني أخشى أن يُبصرونا؛ فتعالي

نختبئ وراء هذه الأساطني حتى إذا أطل ُّوا ولم يجدوا أحدًا رجعوا.»‏ قالت ذلك وصوتها

يرتجف وهي تجر ُّ ميمونة بيدها،‏ فأسرعتا فوق الحجارة وما يتخللها من الأعشاب

والأشواك،‏ فسُ‏ مع لخطواتهما خشخشة وطقطقة رغم ما أرادتاه من التستر ُّ ، ولم تنتبها

لهول ما اعتراهما إلى ما كان يسرح بني أقدامهما من الجرذان والأورال وغريها من

91

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!