75919582
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
مقتل الأمني
الأمر قد استفحل ولا تلبث بغداد أن تسقط في أيدي الخراسانيني، وكان يراقب حركات
ميمونة ويعرف أمرها، أخذ يسعى جهده في الحصول عليها حتى ذهب إلى زبيدة في
صباح الأمس وأقنعها بأنه يستطيع أن يستعلم منها عن محل بهزاد ومل َّح أنه يحبها،
فقالت: «إذا استطعت معرفة مكان الرجل فإنها لك.» فطلب منها أمرًا للقهرمانة أن
تأذن في مقابلتها. وملا رأى اضطراب الحال أتى ببعض العيارين واستأجرهم لاختطاف
ميمونة إذا لم تأذن القهرمانة بتسليمها وجاء إلى قصر املنصور.
فلما دخل على القهرمانة قابلتْه أحسن مقابلة، وسألته عما يريده فدفع إليها كتاب
زبيدة، فتذكرت أن سعدون كان قد أوصاها بألا تأذن لأحد في إخراجها، فلم ترَ بأسً ا
من أن يقابلها ابن الفضل فدخلت عليها وأخبرتها أن ابن الفضل يريد مقابلتها، وكانت
جدتها عبادة معها فقالت: «لا حاجة لنا به.»
فقالت: «ولكنه جاءني بأمرٍ من مولاتنا زبيدة.»
فلما سمعت عبادة ذلك الاسم اضطربت جوارحها وتشاءمت، وتوس َّ لت إلى القهرمانة
أن ترد َّ عنهما هذا الشاب فلم تفعل.
فأقبل ابن الفضل على الغرفة وقد أُنريت بها الشموع وجلست ميمونة بثوبها الأسود
وقد تغري َّ لونها من توالي املصائب وأصابه شحوب زاده رِقة، فدخل وهو يبتسم ابتسامة
الاستعطاف وفي وجهه أمارات الحب؛ فحاملا رأته اقشعر َّ بدنها وظلت جالسة مُطرِقة
فتقد َّم نحوها وحي َّاها وقال: «ألا تعرفينني يا ميمونة؟»
قالت بنفور وجفاء وهي تُحو ِّل وجهها عنه: «كلا.»
قال: «ألا تعرفني شابٍّا يهواكِ إلى حد التلف؟ ألا تعرفني ابن الفضل؟»
قالت: «سمعت بهذا الاسم وذِكره يؤملني لأن أباه ألبسني هذا الثوب.»
فقال متلطفًا: «وأنا أتكف َّل أن أُعوضك منه ثوبًا أبيض ومن أيامك السود أيامًا
بيضاء كالثلج!»
قالت وهي تنظر إليه شزرًا: «قد تعو َّدت السواد ولم أعد أشتهي سواه.»
قال: «البسي ما تشائني وافعلي ما تشتهني، ولكن تعط َّفي على فتًى يحبك حبٍّا مبرحًا.
إني أحبك يا ميمونة ومن سوء الطالع أنك لا تحبينني.» قال ذلك وجثا بني يديها وأراد
ملس يدها فجذبتها منه كأن عقربًا همت بلدغها!
فوقف وقد شق َّ عليه جفاؤها وقال: «جئت يا ميمونة أتوسل إليكِ باسم الحب، فإذا
لم تُشفقي على تذللي جئتكِ من سبيلٍ آخر.»
197