11.10.2020 Views

75919582

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

إلى املدائن

‏«لا تخافي يا بنية،‏ إننا سنصل إلى بهزاد قبلهم وإن سبقونا بحراقتهم،‏ وأسرعت إلى مقدم

السفينة وجعلت تتفر َّس في الشاطئ على اليسار وتنظر إلى أبعد ما يقع عليه بصرها في

عرض الأفق،‏ وميمونة واقفة إلى جانبها تستند إلى كتفها خوفًا من السقوط والسفينة

تشق املاء والريح تنقر على الشراع،‏ فسارت الحراقتان ساعتني متقاربتني وعبادة واقفة

وبصرها شاخص إلى الأفق حتى أشرفت على بناءٍ‏ شامخٍ‏ تراءى لها عن بُعدٍ‏ فصاحت:‏

‏«هذا هو الإيوان.‏ إننا على مقربة من املدائن.»‏

ثم تحو َّلت إلى الر ُّب َّان وقالت:‏ ‏«أترى هذه الناعورة ‏(الساقية)‏ أمامك؟»‏

قال:‏ ‏«نعم،‏ أراها يا مولاتي.»‏

قالت:‏ ‏«قف بالحراقة عندها.»‏ ثم التفتت إلى ميمونة وهمست في أذنها قائلة:‏ ‏«إذا

نزلنا من هنا ويممنا منزل بهزاد وصلنا إليه قبل أولئك بوقتٍ‏ طويل!»‏

فحلوا الشراع وأدار الر ُّب َّان الدفة،‏ وبعد هُ‏ نيهةٍ‏ رَسَ‏ ت بهم الحراقة عند الساقية،‏

فأمسكت عبادة يد ميمونة ونزلتا إلى الشاطئ وقالت عبادة للر ُّب َّان:‏ ‏«امكث هنا حتى

نعود إليك.»‏ فقال:‏ ‏«ألا يسري أحدٌ‏ منا في خدمتكما؟»‏

قالت:‏ ‏«كلا.»‏ فقال:‏ ‏«سمعًا وطاعة.»‏

وهرولت عبادة مسرعة وميمونة تعدو في أثرها،‏ وقد مالت الشمس نحو املغيب،‏

وعبادة تعرف الطريق جيدًا وتعرف حناياها ومختصراتها،‏ فسارتا على هذه الصورة

نصف ساعة،‏ فتعبت العجوز وكادت تخور قواها وتسقط،‏ وميمونة تركض لا تبالي من

شدة لهفتها،‏ ناسيةً‏ ضعف جدتها وشيخوختها.‏ فما لبثت أن رأتها تلهث من التعبِ‏

والعرقُ‏ يتصبب من جبينها وأنفِ‏ ها وسالفيها ولم تَعُد تقوى على السري،‏ فوقفت ثم قعدت

على حجر وأخذت تمسح عرقها وتلهث؛ فاستاءت ميمونة من قعودها وود َّت لو كانت

لها أجنحة لتطري بها إلى منزل بهزاد.‏ وتحري َّ ت فلم تدرِ‏ أتترك جدتها هناك وتسري وحدها

وهي لا تعرف الطريق ولا يطاوعها قلبها على ترك جدتها وحدها في ذلك املكان؟ أم

تصبر ريثما تستريح فتضيع الفرصة؟ فجعلت تمسح لها عرقها وتُنشطها وتُخفف عنها،‏

وعبادة لا تستطيع الكلام من شدة التعب.‏ وبعد بضع دقائق قالت:‏ ‏«إننا على مقربة من

البيت.‏ ألا ترين هذه النخلة الباسقة؟»‏

وكانت الشمس قد توارت بني النخيل على الشاطئ الغربي وراءهما،‏ فنظرت ميمونة

شرقًا نحو الأفق فرأت تلك النخلة فصاحت:‏ ‏«أليست هي النخلة التي أَلِفْنا الاستظلال

بها عندما كنا نخرج من منزلنا؟»‏

85

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!