11.10.2020 Views

75919582

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

الأمني واملأمون

فأطرقت ميمونة وقد تور َّدت وجنتاها،‏ ولو رفعتْ‏ بصرها لرأى بريق عينيها وشعر

بما ترميه من حاجبيها من السهام.‏ ولكنه تغافل وحو َّل نظره إلى دنانري،‏ فرآها تراقب

حركات الفتاة ولم يَفُتها ما كان يتجلى في وجهها من دلائل الحياء،‏ وأدركت بفراستها

وتمر ُّسها بالحياة أن هناك شيئًا وراء ذلك،‏ واستغربت ما أبداه الطبيب من الفتور كأنه

خالي الذهن مما يَجول في خاطرها؛ فتحري َّ ت وتمن َّت لو تُمك ِّنها الفرصة من تحقيق ظنها،‏

فما لبثت أن سمعت الطبيب يقول:‏ ‏«أين سلمان؟ سمعتكم تتحدثون عنه.»‏

فأشارت دنانري إلى الدهليز وقالت:‏ ‏«إنه هنا.‏ هل أدعوه إليك؟»‏

قال:‏ ‏«بل أنا ذاهب إليه.»‏ وصاح:‏ ‏«سلمان!»‏ وخرج من القاعة وترك أهلها على ما

ذكرناه من الاضطراب والارتباك.‏ فأجابه الغلام:‏ ‏«لبيك يا مولاي،‏ أنت هنا؟»‏

فقال وهو يحتذي نعاله ويهم ُّ باملسري نحوه:‏ ‏«قد استبطأتك وقلقت لغيابك.»‏ ومشى

نحوه وقال لدنانري:‏ ‏«سأعود إليكم بعد قليل.»‏ فعلمت أنه ذاهب إلى املنزل الذي اعتاد

الإقامة فيه أو املبيت فيه إذا جاء القصر املأموني،‏ وهو من جملة أبنية القصر الكبري.‏

فظل ماشيًا وسلمان يتَقد َّم نحوه حتى التقيا وخرجا من الدهليز إلى البستان ومنه إلى

ذلك املنزل.‏

كان الطبيب يمشي مُطرقًا وسلمان يسري في أثره مهرولاً‏ ، ولكنه رغم هرولته وطوله

لا يستطيع اللحاق به وهو يمشي الهوينى لِسعة خطواته.‏ فلما وصلا إلى املنزل تَقد َّم

سلمان وفتحه،‏ ثم خلعا حذاءيهما ودخلا،‏ وهم َّ سلمان بسراجٍ‏ على مسرجة فأشعله وأغلق

الباب وراءه،‏ ووقف حتى جلس الطبيب على وسادةٍ‏ في صدر الغرفة فوق البساط وأمره

بالجلوس بني يديه فجلس منتظرًا أمره،‏ فلما استتب َّ بهما الجلوس قال الطبيب:‏ ‏«ما

وراءك يا ملفان سعدون؟»‏

فقال:‏ ‏«وأنت أيضً‏ ا تدعوني ملفانًا؟»‏ وضحك.‏

فقال:‏ ‏«إنك تبقى ملفانًا حتى تنتهيَ‏ مهمتنا من هذه الديار ونبلغ غايتنا.‏ قل ما

وراءك؟»‏

قال:‏ ‏«جئتك بخبرٍ‏ مُهم ٍّ لم يط َّلع عليه أحد في هذه املدينة،‏ ولو عَرَفه أهلها لقاموا

وقعدوا وتغري َّ ت أحوالهم،‏ فضحك قوم وبكى آخرون.»‏

فتنحنح الطبيب ونظر إلى سلمان بعينني حاد َّتني،‏ كأنه يخترق أحشاءه ويستطلع

خفايا قلبه،‏ وقال:‏ ‏«هل عندك غري خبر موت الرشيد؟»‏

46

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!