11.10.2020 Views

75919582

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

زينب ودنانري

فقالت:‏ ‏«إن مولانا الرشيد فعل ما فعله بوشاية الأعداء؛ لأن بعض الحُس َّ اد وشى

بولدي وحس َّ ن له قتْله،‏ والرشيد حفظه الله إذا عزم على أمرٍ‏ بادر إلى إنفاذه لا يسمع

فيه رجاءً‏ ولا استرحامًا.‏ ولكن كل ما يفعله أمري املؤمنني مقبول مطاع.»‏ ثم التفتت إلى

دنانري وقالت:‏ ‏«وقد تمك َّن الأعداء من إغراء الرشيد بزوجي يحيى وبابني الفضل فأخذهما

وحبسهما،‏ فشفعت إليه بحُرمة اللبن أن يعفوَ‏ عنهما ويأمر بإطلاقهما أو تسريح أحدهما

فلم يفعل.»‏

فقالت دنانري:‏ ‏«وماذا فعلتِ‏ ؟»‏

مدت أم جعفر يدها إلى جيبها وأخرجت حُقٍّا من زمردة واحدة خضراء ونظرت إلى دنانري

وقالت وهي تفتح الحُق بمفتاح من الذهب:‏ ‏«قد تشفعت إليه بما في هذا الحُق من آثاره.»‏

وأخرجتْ‏ من الحُق خصلة شعر وبضع أسنان،‏ ففاحت رائحة املسك حتى تضوعت القاعة،‏

وقالت:‏ ‏«تشفعت إليه بهذا الشعر لأنه شعره،‏ وبهذه الأسنان فإنها ثناياه.‏ وقد حفظتهما

منذ طفولته،‏ ولكنه لم يقبل شفاعتي.»‏

فقالت دنانري:‏ ‏«وكيف ذلك يا مولاتي؟»‏

فبدا الاهتمام في وجه أم جعفر وعادت إليها أَنَفتها واعتدلت في مقعدها وقالت:‏ ‏«ملا

علمت بما أصاب ولدي جعفرًا — وا حسرتاه عليه!‏ — وأن الرشيد قبض على يحيى،‏ قلت

في نفسي لأذهبن َّ إلى الرشيد أستعطفه ليعفوَ‏ عن زوجي،‏ لعلمي بما كان من إكرامه إياي

وأنه كان لا يرد ُّ لي شفاعة في أحد؛ فكم أسريٍ‏ فككت وكم مستغلقٍ‏ فتحت وكم …» قالت

ذلك وغص َّ ت بِريقها،‏ ولكنها تجلدت وأتمت الحديث فقالت:‏ ‏«ذهبت إلى الرشيد وكنت

أدخل عليه بلا إذنٍ‏ فاستأذنت فلم يأذن لي،‏ وفشلت محاولاتي العديدة للمثول بني يديه،‏

فلما يئست ذهبت إلى بابه ماشيةً‏ حافيةً‏ كاشفةً‏ عن وجهي،‏ فلما رآني الحاجب على تلك

الحال دخل عليه وقال له:‏ ‏«إن مرضع أمري املؤمنني بالباب في حالة تقلب شماتة الحاسد

إلى شفقة.»‏ ووصف له حالتي،‏ فسمعته يقول له:‏ ‏«ويحك أجاءت ماشية؟»‏ قال:‏ ‏«نعم

يا أمري املؤمنني،‏ وحافية.»‏ فصاح فيه:‏ ‏«أدخِ‏ لها؛ فرُب َّ كبد غذتها،‏ وكربة فرجتها،‏ وعورة

سترتها.»‏

فلما سمعتُ‏ قوله استبشرتُ‏ بنيل مرادي،‏ فعاد الحاجب وأشار إلي َّ فدخلت،‏ فقام

الرشيد وتلقاني محتفيًا بي،‏ وأكب َّ على تقبيل رأسي ثم أجلسني معه فقلت:‏ ‏«أيعدو علينا

الزمان،‏ ويجفونا خوفًا منك الأعوان،‏ ويُحر ِّضك علينا أبناء البهتان،‏ وقد رب َّيتك في حِ‏ جري،‏

وأخذت برضاعتك الأمان من عدوي ودهري؟»‏

33

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!