11.10.2020 Views

75919582

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

ابن ماهان صاحب الشرطة

قال:‏ ‏«بل قد صارت له وحده وقُضي الأمر!»‏

فعلم إذ ذاك أنه يعرف شيئًا جديدًا فقال:‏ ‏«له وحده؟ وكيف ذلك؟»‏

فأشار بأصبعه إلى ابن الفضل وقال:‏ ‏«بسعي مولانا الفضل الوزير.»‏

فتطاولت أعناقهم لسماع الخبر،‏ والهرش على رأسهم وابتدره قائلاً‏ : ‏«ذلك شيء

جديد علي َّ فاقصُ‏ ص علينا ما علمت.»‏

فاعتدل في مجلسه وأخذ يقص ُّ عليهم ما سمعه من بهزاد وكأنه يقرأ في صحيفة

بني يديه،‏ والكل صامتون وقلوبهم تخفق دهشةً‏ واستغرابًا،‏ ولا سيما ابن الفضل؛ فإنه

ازداد افتخارًا بما أتاه أبوه للأمني،‏ وكان قد اط َّلع على مقدماتٍ‏ من قبل،‏ فلما سمع

النتائج التي رواها سلمان تحق َّق صدقها،‏ ودُهش ولم يتمالك أن دنا منه ورب َّت على كتفه

استحسانًا وإعجابًا وقال:‏ ‏«بورك فيك،‏ إنك منجم عجيب!»‏

أما ابن ماهان فأمسك عن الإعجاب،‏ وقال:‏ ‏«هل أنت واثق مما تقول؟»‏

فقال:‏ ‏«هذا ما كشفه لي املندل ولم أعهده يخدعني من قبل.»‏

فصغر صاحب البريد في عينَي نفسه واحتقر الخبر الذي جاء به فسكت،‏ أما ابن

ماهان فالتفت إلى الهرش وقال:‏ ‏«إذا صح ما جاءنا به امللفان فإن الأمر جد خطري،‏

وإني أُبشره برياسة املنجمني في دار الخلافة،‏ فاكتموا الآن ما سمعتم لنرى ما يكون.»‏

وتناول من تحت وسادته صرُ‏ ة من النقود دفعها إلى املنجم وقال:‏ ‏«هذا أجر طريقك

وثمن البخور.»‏

فتباعد سلمان ويداه وراء ظهره مستنكرًا،‏ ويد ابن ماهان ممدودة بالصر ُّ ة،‏ فالتفت

إلى الهرش مستغربًا،‏ فضحك هذا وتناول الصر ُّ ة وأعادها إلى مكانها وقال:‏ ‏«إن منجمنا

لا يتعاطى هذه الصناعة رغبةً‏ في أجر،‏ وإنما يبذل علمه في سبيل صداقتنا.»‏

فازداد الجميع إعجابًا به وقال صاحب الشرطة:‏ ‏«لا بأس،‏ سينال أضعاف هذا بما

أرجوه له من التقر ُّب إلى الخليفة.»‏

وعند ذلك تحفز سلمان للوقوف وقال:‏ ‏«اعذرونا فقد أطلنا سهركم.»‏

فلم يتمالك ابن ماهان عن النهوض احترامًا له،‏ وقد ذهب كبرياؤه وأحس َّ بافتقاره

إلى علم الرجل،‏ وذلك شأن الناس مع أهل املعرفة؛ فإنهم يبدءون باحترام الظواهر حتى

تظهر املعرفة فتكون العاقبة لها،‏ وقد تُجالس رجلاً‏ لا تعجبك بزته فتحتقره،‏ ثم يتكلم

فإذا رأيت منه علمًا انقلب احتقارك احترامًا،‏ وربما دخل عليك فلا تأبه له فإذا عرفت

فضله خرجت لوداعه وزو َّدته بالثناء والإعجاب.‏ كذلك فعل ابن ماهان بامللفان سعدون؛

59

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!