11.10.2020 Views

75919582

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

الأمني واملأمون

وبعد أن حفر برهة تعب وتصب َّب العرق عن ساعديه ووجهه،‏ فوقف وأسند يده

على املعول وتنه َّد تنه ُّدًا شديدًا،‏ فابتدره بهزاد قائلاً‏ : ‏«لقد تعبتَ‏ ، ولكن لا بد لنا من إتمام

عملنا في هذه الليلة،‏ هات املعول.»‏ ومد يده فتناول املعول وأخذ يحفر بسرعة ونشاط،‏

ثم سمعت ميمونة صوت ارتطام املعول بجسمٍ‏ صُ‏ لْب كأنه أصاب حجرًا،‏ ورأت بهزاد

توق َّف عن الحفر ومد يده فأخرج قطعة عظم مستطيلة وصاح:‏ ‏«هذه ساقه أو فخذه،‏

أبشر يا سلمان.»‏

فتقدم سلمان ونزل إلى الحفرة بنفسه وجعل يجرف التراب ويبحث فيه حتى عثر

على شيءٍ‏ تناوله بني السبابة والإبهام ودفعه إلى بهزاد وقال:‏ ‏«هذا خاتم.»‏

فأخذ بهزاد الخاتم وتقدم إلى املصباح وتفر َّس فيه وقال:‏ ‏«إنه خاتمه بعينه.»‏

قال:‏ ‏«وكيف عرفت ذلك يا سيدي؟»‏

قال:‏ ‏«ألا تذكر أنه ملا استقدمه املنصور من خراسان أوصى كاتبه بأنه إذا جاءه

كتابه وعليه خاتمه كاملاً‏ لا يعمل به،‏ وإنما يعمل بالكتاب إذا كان عليه نصف الخاتم

فقط؟»‏ قال:‏ ‏«بلى.»‏

قال:‏ ‏«انظر،‏ إن اسمه على الخاتم ممحو ٌّ من أحد جانبيه؛ فهو خاتمه وهذه هي

ساقه،‏ فابحث عن الجمجمة.»‏

فأخذ سلمان يحفر بيده ويُخرج قطعًا من أقمشةٍ‏ مُتهر ِّئة أو من عظامٍ‏ نخرة،‏

وأخريًا أخرج الجمجمة وناولها إلى بهزاد،‏ فنفض التراب عنها وقد بدا البشر في وجهه

يتخلله انقباض،‏ ثم امتُقع لونه وقال:‏ ‏«هذا هو رأسه.‏ هذا هو رأس املقتول ظلمًا!‏ إن

عثورنا عليه يساوي نصف الخلافة،‏ وإذا انتقمنا له فقد نلنا الخلافة كلها.»‏ وما تمالك

أن قب َّله وأكب َّ سلمان عليه فقب َّله وأخذ يمسح التراب عنه بطرف ثوبه بلُطفٍ‏ واحترام،‏

وبهزاد واقف ينظر إلى الرأس وقد تغريت سحنته وتجلى الغضب في عينيه،‏ فابتدره

سلمان وقال:‏ ‏«أهنئك يا سيدي بما توفقت إليه؛ فقد وقعت على ضال َّتك وكفى الآن.‏ فإذا

شئت رجعنا إلى املنزل،‏ فقد كان هذا الليل شاقٍّا عليك.»‏ قال ذلك وتحو َّل إلى املصباح

فحمله بإحدى يديه والجمجمة باليد الأخرى،‏ ومشى بهزاد في أثره وقد تولاه السكوت

والغضب كأنه أُصيب بجمود.‏

أما ميمونة فلما رأتهما يتحو َّلان إلى املنزل قعدت على فراشها وقد أنهكها التعب

وازدادت هواجسها وتهي َّبت من الخروج إلى بهزاد في تلك الساعة للاستفهام عن سر ما

شاهدتْه وصبرت نفسها إلى الصباح.‏

106

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!