11.10.2020 Views

75919582

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

الأمني واملأمون

الحشرات،‏ حتى وصلتا إلى كو َّة واسعة لعلها كانت موضع العرش في إب َّان صولة الفرس.‏

وعند الكو َّة أساطني متفرقة إذا دخل الطاقَ‏ داخلٌ‏ لا يفطن ملن يقيم وراءها.‏ فدخلتا

الكو َّة وانزوتا فيها وهما تمسكان أنفاسهما من الخوف،‏ وأصغتا وعيونهما محملقة

تنظران إلى الباب بلهفةٍ‏ وجزع،‏ وقد ندمتا على تلك املخاطرة.‏

ولم تمضِ‏ لحظة حتى كف َّت الدبدبة وسمعت ميمونة همسً‏ ا عند الباب كأن املتكلم

يحاذر أن يسمعه أحد،‏ ثم سمعت صوت قدح زناد،‏ ورأت أشعة النور اندفعت إلى الطاق

من سراجٍ‏ يحمله شخص طويل القامة ملثم بلثام أسود،‏ وقد التف َّ بعباءة سوداء فلم

يبدُ‏ منه غري يده التي يحمل بها السراج.‏ وما لبث أن دخل صامتًا وفي أثره بضعة رجال

في مثل هيئته،‏ فخفق قلب ميمونة وازداد اضطرابها حتى كاد الدم يجمد في عروقها،‏

مخافة أن يتقدم الرجل بسراجه إلى مكانهما،‏ فبالغت في الانزواء وهي ما زالت معانقة

جدتها.‏

أما حامل السراج فلما توسط الطاق التفت يَمنةً‏ ويَسرةً‏ وقال:‏ ‏«ليس هنا أي أحد،‏

وهل يُعقل أن يأتيَ‏ هنا أحد في مثل هذا الوقت؟ فليس ما سمعناه إلا خشخشة بعض

الحشرات التي فرت حني أحس َّ ت بقدومنا.»‏ ثم نظر إلى ما بني يديه كأنه يبحث عن مكانٍ‏

يضع السراج عليه،‏ فرأى بقية أسطوانة قد ذهب معظمها وظلت قاعدتها قائمة،‏ فوضع

السراج عليها،‏ وأخرج يده الأخرى من تحت العباءة وفيها صندوق أسود فوضعه بجانب

السراج والتفت إلى رفاقه وهم ستة،‏ وقال بصوت ضعيف:‏ ‏«هل نبدأ الحديث؟»‏

فقال أحدهم:‏ ‏«نعم،‏ قل ما بدا لك.»‏

فلما سمعت ميمونة صوت الرجل الأول استأنست به،‏ وخُ‏ يل إليها أنه يشبه صوت

حبيبها،‏ فاختلج قلبها وشاعت عيناها.‏ ثم رأت الرجل الطويل ورفاقه قد خلعوا عباءاتهم

فافترشوها وقعدوا عليها ما عدا أولهم فظل واقفًا،‏ وبدت ثيابهم من تحت العباءات على

غري املألوف في بغداد؛ إذ كان على كل ٍّ منهم قباء أخضر وعلى رأسه قلنسوة حولها عمامة

خضراء،‏ وقد تمنطقوا بالسيوف وتقلدوا الأقواس كأنهم يتأه َّ بون للحرب.‏

واسترعى انتباهها طول الرجل الأول وكان قد ولا َّها ظهره،‏ فرج َّحت أنه بهزاد،‏

وحد َّقت فيه،‏ وكادت تناديه ولكنها أمسكت وأشارت إلى جدتها أن تنظر إليه فعرفته على

ضعف بصرها،‏ وأومأت إلى ميمونة أن تصبر وتبقى صامتة،‏ وأخذت تتفر َّس في القوم،‏

وعرفت من وجوههم ولِحَاهم أنهم من الفرس ولكنها لم تعرف أحدًا منهم.‏ ثم رأت

بهزاد قد تحو َّل نحو قاعدة الأسطوانة وأخذ الصندوق فوضعه بني يدي الجماعة وقعد

القُرفُصاء وقال:‏ ‏«أقسموا على ما في الصندوق أنكم تكتمون ما يدور بيننا.»‏

92

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!