11.10.2020 Views

75919582

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

بهزاد وميمونة

فما كان من بهزاد إلا أن استل َّ خنجره وطعن ابن الفضل طعنةً‏ قضت عليه،‏

وتحو َّل إلى العيارين وصاح فيهم:‏ ‏«اخسئوا يا أنذال جاءكم بهزاد.»‏ فلما سمعوا صوته

ورأَوا ابن الفضل مجندلاً‏ فر ُّوا هاربني.‏ ولم تكن ميمونة تعلم بوجود بهزاد هناك،‏ ولكنها

ملا يئست من النجاة ورأت ابن الفضل يأمر العيارين بِجر ِّها استغاثت على غري هُ‏ دًى،‏

فلما رأت بهزاد ترامت عليه وأُغمي عليها وأسرعت جدتها إليه وقالت:‏ ‏«من أين أتيت

إلينا أيها امللاك؟ إني أخاف عليكَ‏ من هؤلاء الأنذال.»‏

فقال:‏ ‏«لا تخافي يا سيدتي،‏ إن بغداد في قبضتنا ورأس الأمني معلق على الحائط

يراه الناس.»‏

فلما سمع أهل القصر ذلك ذُعروا وأخذوا يتراكضون إلى زبيدة فرأَوها في القاعة

وقد حل َّت شعرها وأخذت في النحيب وهي تقول:‏ ‏«وا ولداه!‏ قتلك البغاة الظاملون!»‏

فسمعتْها عبادة تقول ذلك،‏ فأث َّر قولها في نفسها فدخلت إليها،‏ وملا رأتها في تلك

الحال غلب عليها الحزن ورق َّت لحالها،‏ فأكبت على يدَيها تُقبلهما وتقول:‏ ‏«ارفقي بنفسكِ‏

يا سيدتي،‏ هذه إرادة املولى.»‏ وتذك َّرتْ‏ مصيبتَها بابنها فشاركتْها في البكاء.‏

وكانت زبيدة تتوق َّع أن تشمت عبادة بها،‏ فلما رأت مجاملتها وسمعت بكاءها

خجلت ونظرت إليها نظر الانكسار والذل،‏ ولا يذل مثل املوت،‏ وقالت:‏ ‏«صدقتِ‏ يا أم

الفضل ‏(عبادة)‏ لا يعرف قيمة الثكل إلا الذي ذاقه،‏ أواه!‏ يا ولداه!‏ رحم الله جعفرًا

والرشيد ورحم الله محمدًا … مات؟ مات حقيقة؟ قتلوه؟ علقوا رأس ابني؟ باهلل ارفقوا

ببدنه الغض،‏ إنه لم يتعو َّد الشقاء،‏ لا طاقة له بحر الشمس،‏ كيف علقتموه؟ إنه لم

يتعود غري الرفاه والنوم في الحرير،‏ حرام عليكم،‏ إنه شاب في مقتبل العمر،‏ ألم يكن

الأولى أن أُقتل أنا ويبقى هو حيٍّا،‏ أنزلوه وعلقوني مكانه.‏ صدقتِ‏ يا أم الفضل،‏ إنني لم

أُصغِ‏ لتضر ُّ عك لأني لم أكن قد ذقت الثكل …» وأخذت في البكاء والنحيب،‏ وطفقت تلطم

وجهها وتخطر في القاعة ذهابًا وإيابًا على غري هُ‏ دًى حتى لم يبقَ‏ أحد هناك إلا بكى،‏ ثم

اشتغل كل ٌّ بنفسه.‏

أما بهزاد فلم يكن هم ُّه إلا ميمونة فحملها من بني الغوغاء وخف َّف عنها وهي

تحسب نفسها في منام؛ تنظر إلى بهزاد ولا تُصد ِّق أنها تراه وقد جاءها في إب َّان الحاجة

إليه فأنقذها من القتل.‏ وبينما هي تمشي بالدار متكئة على ذراعه انتبهت إلى جثة ابن

الفضل ملقاةً‏ على الأرض،‏ فقالت لبهزاد:‏ ‏«إني آسفة ملقتل هذا الشاب،‏ فقد كان يريد

خريًا،‏ ولكنه كل َّفني ما لا طاقة لي به،‏ إن قلبي لا يُحب غري بهزاد؟»‏

203

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!