75919582
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
الأمني واملأمون
فضحك بهزاد وقال: «إذا قلدتَه عملاً فقد أسبغت عليه نعمك، ولكنني أحب أن ينال
حظوةً أخرى في عينَيك يتشرف بها بني الأقران.»
فقال: «وما ذلك؟» قال: «أن تُزوجه بابنة أخيك.»
فوجم الفضل ثم قال: «وأي َّ بنات أخي تعني؟» قال: «بوران.»
فتراجع وتغري َّ وجهه وهز َّ رأسه وقال: «أيطلب هو ذلك؟»
قال: «بل أنا أطلبه له إذا شئت؛ فإنه من خري الرجال.»
قال: «يعز ُّ علي َّ رد ُّ طلبك يا بهزاد؛ فإن بوران مخطوبة.»
فظن بهزاد لأول وهلةٍ أنه يعني خطبتها له فأراد الاستفهام، فسبقه سلمان إلى
الكلام وقال: «ملن؟»
فنظر الفضل إليه وقد امتعض من اعتراضه وقال: «مخطوبة لأعظم رجلٍ في الإسلام
اليوم.» فأدرك سلمان أنه يَعني املأمون، وتحقق ذهاب العروس من يده فانقبضت نفسه
وهاج غضبه وقال: «يلوح لي أن ذا الرياستني نسي وعده.»
قال: «أي وعد؟» قال: «ألم نتواعد على شيء؟»
قال وفي صوته جفاء وانتهار: «متى تواعدنا؟»
قال: «هل أقول ذلك الآن؟» قال: «قل ما تشاء.»
قال: «تواعدنا عليه ملا كفرتُ باملجوسية واعتنقت الإسلام رغبةً في املناصب وتواطأنا
على السعي في هذا السبيل، وأنت يومئذٍ لا تملك شيئًا، وكانت بوران طفلة. أما الآن فقد
تغري َّ ت الأحوال وأصبحتَ ذا الرياستني وصاحب الأمر والنهي، فاذكر ما تعاقدنا عليه
وأني قمت بما علي َّ، فهلا قمت بما عليك؟» فظهر الغضب في وجه الفضل ملا يتخلل كلام
سلمان من التعريض والتلميح وقال: «لا أذكر شيئًا من ذلك. ولكن ما رأيك، هل نرد
خطيبها خائبًا ونزفها إليك؟ وعلى كل حال فالأمر لوالدها وهو غائب.»
فوقع قوله في قلب سلمان وقوع السهم وامتُقع لونه ورقص شارباه في وجهه وتحف َّز
للنهوض، فرأى بهزاد تغري ُّ ه فوقع في حريةٍ وأراد أن يستأنف الكلام فرأى الفضل يتناول
مذبته ويتزحزح في مجلسه فعلم أنه يفض ُّ املجلس، فوقف بهزاد وسلمان وانصرفا بعد
أن حي َّاهما الفضل تحيةً فاترة. فلما خرجا أراد بهزاد أن يُخف ِّف من غضب سلمان فلم
يَدَعه هذا يقول شيئًا وهم َّ بوداعه فقال بهزاد: «لا تغضب يا أخي، لعل للرجل عذرًا
مقبولاً .» فأجابه وفي صوته خشونة الغضب: «لا عذر له، ولكنه دنيء الأصل لا يعرف
قدر الرجال وسأُريه عاقبة أمره.» ومشى مهرولاً . وظل بهزاد واقفًا حتى توارى سلمان
210