11.10.2020 Views

75919582

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

القصر املأموني

وكان الفضل بن سهل فارسيٍّا من سرخس،‏ ذا مطامع في السلطان،‏ وفي نفسه نقمة

على الرشيد لغدره بجعفر البرمكي،‏ كما نقم عليه سائر رجال الفرس وأجمعوا أمرهم

فيما بينهم على الأخذ بالثأر؛ فتوجهت آمالهم إلى املأمون لأن أمه فارسية وقد شب َّ في حِ‏ جر

جعفر البرمكي على امليل إلى الشيعة العلوية وهي جامعة الفرس.‏ وكان يحيى أبو جعفر

قد اختار الفضل بن سهل لخدمة املأمون،‏ وكان مجوسيٍّا فأسلم على يده طمعًا في نصرة

الفرس،‏ وكان املأمون يُجِ‏ له ويقدمه.‏

فلما أزمع الرشيد الخروج إلى خراسان في تلك السنة وطلب إلى املأمون البقاء في

بغداد،‏ خاف الفضل أن يموت الرشيد في الطريق فيذهب سعيُه سُ‏ دًى؛ فجاء إلى املأمون

وقال:‏ ‏«لستَ‏ تدري ما يحدث للرشيد،‏ وخراسان ولايتك،‏ ومحمد الأمني مُقد َّم عليك في ولاية

العهد.‏ وأخشى أن يخلعك وهو ابن زبيدة وأخواله بنو هاشم،‏ وزبيدة وأموالها كما تعلم،‏

فاطلب إلى أمري املؤمنني أن تسري معه.»‏ فطلب املأمون ذلك من أبيه فامتنع أولاً‏ ثم قَبِل،‏

وذهب الفضل وأخوه الحسن معهما،‏ وخلف املأمون بعض أهله في ذلك القصر ومعهم

الخدم والعبيد وعليهم قَي ِّم يتولى شئون بيت املأمون وأمواله وضِ‏ يَاعه.‏

وكان القصر املأموني نفسه على شاطئ دجلة الشرقي،‏ تُشرف واجهته على النهر

ولها شرفات ورواشن،‏ وفي قاعات القصر أنواع الفُرُش املُذهبة والنمارق املُقصبة املحمولة

من الأنحاء البعيدة،‏ وقد زُخرفت أبوابه بالستائر ومُلئت خزائنه بأنواع الطرف مع ما

تحتاج إليه القصور من الجواري والخدم والخصيان،‏ وهم يُعَدون يومئذٍ‏ من أدوات املنزل

التي لا بد منها.‏

وكان للقصر مما يلي دجلة مسناة من رخام ترسو عندها السفن يعدون إليها من املاء

بدرجات من الرخام عريضة يحدها من الجانبني جدران من أساطني غليظة ‏(درابزون)‏

يظهر مما عليها من النقوش الفارسية أنها كانت لبعض الأبنية الكِسروية وحُملت إلى

هناك،‏ واملسناة عريضة تمتد ُّ من حافة الشاطئ إلى سور القصر عند بابه الغربي.‏ وعند

الباب رَدْهة فسيحة ربما فرشوها بالطنافس ونصبوا في جوانبها املقاعد للجلوس إذا

أرادوا مشاهدة مجرى دجلة وفيه السفن تمر صاعدةً‏ أو نازلة.‏

وكان املأمون قد خلف في القصر ابنته زينب مل َّا سافر مع أبيه في ذلك العام،‏ وتُكن َّى أم

حبيبة،‏ وهي يومئذٍ‏ في الثانية عشرة من العمر،‏ وكانت مثل أبيها ذكاءً‏ ونباهةً‏ واستقلالاً‏ في

الفكر،‏ ومثل جدها الرشيد أَنَفةً‏ وتعص ُّ بًا لبني هاشم،‏ وكانت مع صغر سنها قوية الإرادة

مستبدة برأيها،‏ وقد عَرَف أبوها ذلك فيها،‏ وهو لا يريد تلك العصبية لرغبته في اصطناع

25

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!